خطبه 234-خطبه قاصعه - شرح نهج البلاغه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شرح نهج البلاغه - نسخه متنی

ابن ابی الحدید معتزلی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

خطبه 234-خطبه قاصعه

الشرح:

يجوز ان تسمى هذه الخطبه (القاصعه) من قولهم: قصعت الناقه بجرتها، و هو ان تردها الى جوفها، او تخرجها من جوفها فتملا فاها، فلما كانت الزواجر و المواعظ فى هذه الخطبه مردده من اولها الى آخرها، شبهها بالناقه التى تقصع الجره.

و يجوز ان تسمى القاصعه لانها كالقاتله لابليس و اتباعه من اهل العصبيه، من قولهم: قصعت القمله، اذا هشمتها و قتلتها.

و يجوز ان تسمى القاصعه، لان المستمع لها المعتبر بها يذهب كبره و نخوته، فيكون من قولهم: قصع الماء عطشه، اى اذهبه و سكنه، قال ذو الرمه بيتا فى هذا المعنى: فانصاعت الحقب لم تقصع صرائرها و قد تشح فلا رى و لا هيم الصرائر: جمع صريره، و هى العطش، و يجوز ان تسمى القاصعه، لانها تتضمن تحقير ابليس و اتباعه و تصغيرهم، من قولهم: قصعت الرجل اذا امتهنته و حقرته، و غلام مقصوع، اى قمى ء لايشب و لايزداد.

و العصبيه على قسمين: عصبيه فى الله و هى محموده، و عصبيه فى الباطل و هى مذمومه، و هى التى نهى اميرالمومنين (ع) عنها، و كذلك الحميه.

و جاء فى الخبر: (العصبيه فى الله تورث الجنه، و العصبيه فى الشيطان تورث النار).

و جاء فى الخبر: (العظمه ازارى، و الكبرياء ردائى، فمن نازعنى فيه
ما قصمته)، و هذا معنى قوله (ع): (اختارهما لنفسه دون خلقه...) الى آخر قوله: (من عباده).

قال (ع): (ثم اختبر بذلك ملائكته المقربين) مع علمه بمضمراتهم، و ذلك لان اختباره سبحانه ليس ليعلم، بل ليعلم غيره من خلقه طاعه من يطيع و عصيان من يعصى، و كذلك، قوله سبحانه: (و ما جعلنا القبله التى كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه)، النون فى (لنعلم) نون الجمع لا نون العظمه، اى لتصير انت و غيرك من المكلفين عالمين لم يطيع و من يعصى، كما انا عالم بذلك، فتكونوا كلكم مشاركين لى فى العلم بذلك.

فان قلت: و ما فائده وقوفهم على ذلك و علمهم به؟ قلت: ليس بممتنع ان يكون ظهور حال العاصى و المطيع و علم المكلفين او اكثرهم او بعضهم به يتضمن لطفا فى التكليف! فان قلت: ان الملائكه لم تكن تعلم ما البشر، و لاتتصور ماهيته، فكيف قال لهم (انى خالق بشرا من طين)؟ قلت: قد كان قال لهم: انى خالق جسما من صفته كيت و كيت، فلما حكاه اقتصر على الاسم.

و يجوز ان يكون عرفهم من قبل ان لفظه (بشر) على ماذا تقع، ثم قال لهم: انى خالق هذا الجسم المخصوص الذى اعلمتكم ان لفظه (بشر) واقعه عليه من طين.

قوله تعالى: (فاذا سويته)، اى اذا اكملت خلقه.

فقعوا
له ساجدين: امرهم بالجسود له.

و قد اختلف فى ذلك فقال قوم: كان قبله، كما الكعبه اليوم قبله، و لايجوز السجود الا لله.

و قال آخرون: بل كان السجود له تكرمه و محنه، و السجود لغير الله غير قبيح فى العقل اذا لم يكن عباده و لم يكن فيه مفسده.

و قوله تعالى: (و نفخت فيه من روحى)، اى احللت فيه الحياه، و اجريت الروح اليه فى عروقه، و اضاف الروح اليه تبجيلا لها، و سمى ذلك نفخا على وجه الاستعاره، لان العرب تتصور من الروح معنى الريح، و النفخ يصدق على الريح، فاستعار لفظه (النفخ) توسعا.

و قالت الحكماء: هذا عباره عن النفس الناطقه.

فان قلت: هل كان ابليس من الملائكه ام لا؟ قلت: قد اختلف فى ذلك، فمن جعله منهم احتج بالاستثناء، و من جعله من غيرهم احتج بقوله تعالى: (كان من الجن)، و جعل الاستثناء منقطعا، و بان له نسلا و ذريه، قال تعالى: (افتتخذونه و ذريته اولياء من دونى)، و الملائكه لا نسل لهم و لا ذريه، و بان اصله نار و الملائكه اصلها نور، و قد مر لنا كلام فى هذا فى اول الكتاب.

قوله: (فافتخر على آدم بخلقه، و تعصب عليه لاصله)، كانت خلقته اهون من خلقه آدم (ع)، و كان اصله من نار و اصل آدم (ع) من طين.

فان قلت: كيف حكم على ابليس بالكفر، و
لم يكن منه الا مخالفه الامر، و معلوم ان تارك الامر فاسق لا كافر! قلت: انه اعتقد ان الله امره بالقبيح و لم ير امره بالسجود لادم (ع) حكمه و امتنع من السجود تكبرا، و رد على الله امره، و استخف بمن اوجب الله اجلاله، و ظهر ان هذه المخالفه عن فساد عقيده، فكان كافرا.

فان قلت: هل كان كافرا فى الاصل ام كان مومنا ثم كفر؟ قلت: اما المرجئه فاكثرهم يقول: كان فى الاصل كافرا، لان المومن عندهم لايجوز ان يكفر، و اما اصحابنا فلما كان هذا الاصل عندهم باطلا توقفوا فى حال ابليس، و جوزوا كلا الامرين.

قوله (ع): (رداء الجبريه) الباء مفتوحه، يقال: فيه جبريه، و جبروه، و جبروت، و جبوره، كفروجه، اى كبر، و انشدوا: فانك ان عاديتنى غضب الحصا عليك و ذو الجبوره المتغطرف و جعله مدحورا، اى مطرودا مبعدا، دحره الله دحورا، اى اقصاه و طرده.

الشرح:

خطفت الشى ء بكسر الطاء، اخطفه، اذا اخذته بسرعه استلابا، و فيه لغه اخرى: خطف بالفتح، و يخطف بالفتح و يخطف بالكسر، و هى لغه رديئه قليله لاتكاد تعرف، و قد قرا بها يونس فى قوله تعالى: (يكاد البرق يخطف ابصارهم).

و الرواء، بالهمزه و المد: المنظر الحسن.

و العرف: الريح الطيبه.

و الخيلاء، بضم الخاء و كسرها: الكبر، و كذلك الخال و المخيله، تقول: اختال الرجل و خال ايضا، اى تكبر.

و احبط عمله: ابطل ثوابه، و قد حبط العمل حبطا بالتسكين و حبوطا.

و المتكلمون يسمون ابطال الثواب احباطا و ابطال العقاب تكفيرا.

و جهده بفتح الجيم: اجتهاده و جده، و وصفه بقوله: (الجهيد) اى المستقصى، من قولهم: مرعى جهيد، اى قد جهده المال الراعى و استقصى رعيه.

و كلامه (ع) يدل على انه كان يذهب الى ان ابليس من الملائكه لقوله: (اخرج منها ملكا).

و الهواده: الموادعه و المصالحه، يقول ان الله تعالى خلق آدم من طين، و لو شاء ان يخلقه من النور الذى يخطف او من الطيب الذى يعبق لفعل، و لو فعل لهال الملائكه امره و خضعوا له، فصار الابتلاء و الامتحان و التكليف بالسجود له خفيفا عليهم، لعظمته فى نفوسهم، فلم يستحقوا ثواب العمل الشاق، و هذا يدل على
ان الملائكه تشم الرائحه كما نشمها نحن، و لكن الله تعالى يبتلى عباده بامور يجهلون اصلها اختبارا لهم.

فان قلت: ما معنى قوله (ع): (تمييزا بالاختبار لهم).

قلت: لانه ميزهم عن غيرهم من مخلوقاته، كالحيوانات العجم، و ابانهم عنهم، و فضلهم عليهم بالتكليف و الامتحان.

قال: (و نفيا للاستكبار)، عنهم لان العبادات خضوع و خشوع و ذله، ففيها نفى الخيلاء و التكبر عن فاعليها، فامرهم بالاعتبار بحال ابليس الذى عبدالله سته آلاف سنه، لايدرى امن سنى الدنيا ام من سنى الاخره! و هذا يدل على انه قد سمع فيه نصا من رسول الله(ص) مجملا لم يفسره له، او فسره له خاصه، و لم يفسره اميرالمومنين (ع) للناس لما يعلمه فى كتمانه عنهم من المصلحه.

فان قلت: قوله: (لايدرى) على ما لم يسم فاعله يقتضى انه هو لايدرى! قلت: انه لايقتضى ذلك، و يكفى فى صدق الخبر اذا ورد بهذه الصيغه ان يجهله الاكثرون.

فاما القول فى سنى الاخره كم هى؟ فاعلم انه قد ورد فى الكتاب العزيز آيات مختلفات: احداهن قوله: (تعرج الملائكه و الروح اليه فى يوم كان مقداره خمسين الف سنه).

و الاخرى قوله: (يدبر الامر من السماء الى الارض ثم يعرج اليه فى يوم كان مقداره الف سنه مما تعدون).

و الثالثه قوله: (و ان يوما عند ربك كالف سنه مما تعدون).

و اولى ما قيل فيها ان المراد بالايه الاولى مده عمر الدنيا، و سمى ذلك يوما، و قال: ان الملائكه لاتزال تعرج اليه باعمال البشر طول هذه المده حتى ينقضى التكليف، و ينتقل الامر الى دار اخرى.

و اما الايتان الاخيرتان فمضمونهما بيان كميه ايام الاخره، و هو ان كل يوم منها مثل الف سنه من سنى الدنيا.

فان قلت: فعلى هذا كم تكون مده عباده ابليس اذا كانت سته آلاف سنه من سنى الاخره؟ قلت: يكون ما يرتفع من ضرب احد المضروبين فى الاخره، و هو الفا الف الف، ثلاث لفظات، الاولى منهم مثناه، و مائه الف الف لفظتان، و ستون الف الف سنه لفظتان ايضا من سنى الدنيا.

و لما راى اميرالمومنين (ع) هذا المبلغ عظيما جدا علم ان اذهان السامعين لاتحتمله، فلذلك ابهم القول عليهم، و قال: (لايدرى امن سنى الدنيا ام من سنى الاخره).

فان قلت: فاذا كنتم قد رجحتم قول من يقول: ان عمر الدنيا خمسون الف سنه، فكم يكون عمرها ان كان الله تعالى اراد خمسين الف سنه من سنى الاخره؟ لانه لايومن ان يكون اراد ذلك اذا كانت السنه عنده عباره عن مده غير هذه المده التى قد اصطلح عليها الناس؟ قلت: يكون ما يرتفع من ضرب خمسين الفا فى ثلثمائه و ست
ين الف من سنى الدنيا و مبلغ ذلك ثمانيه عشر الف الف الف سنه من سنى الدنيا ثلاث لفظات، و هذا القول قريب من القول المحكى عن الهند.

و روى ابوجعفر محمد بن جرير الطبرى فى تاريخه روايات كثيره باسانيد اوردها عن جماعه من الصحابه ان ابليس كان اليه ملك السماء و ملك الارض، و كان من قبيله من الملائكه يقال لهم الجن، و انما سموا الجن لانهم كانوا خزان الجنان، و كان ابليس رئيسهم و مقدمهم.

و كان اصل خلقهم من نار السموم، و كان اسمه الحارث، قال: و قد روى ان الجن كانت فى الارض، و انهم افسدوا فيها، فبعث الله اليهم ابليس فى جند من الملائكه فقتلهم و طردهم الى جزائر البحار، ثم تكبر فى نفسه، و راى انه قد صنع شيئا عظيما لم يصنعه غيره.

قال: و كان شديد الاجتهاد فى العباده.

و قيل: كان اسمه عزازيل، و ان الله تعالى جعله حكما و قاضيا بين سكان الارض قبل خلق ادم، فدخله الكبر و العجب لعبادته و اجتهاده و حكمه فى سكان الارض و قضائه بينهم، فانطوى على المعصيه حتى كان من امره مع آدم (ع) ما كان.

قلت: و لاينبغى ان نصدق من هذه الاخبار و امثالها الا ما ورد فى القرآن العزيز الذى لاياتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، او فى السنه، او نقل عمن يجب الرجوع
الى قوله، و كل ما عدا ذلك فالكذب فيه اكثر من الصدق، و الباب مفتوح، فليقل كل احد فى امثال هذه القصص ماشاء.

و اعلم ان كلام اميرالمومنين فى هذا الفصل يطابق مذهب اصحابنا فى ان الجنه لايدخلها ذو معصيه، الا تسمع قوله: (فمن بعد ابليس يسلم على الله بمثل معصيته! كلا، ما كان الله ليدخل الجنه بشرا بامر اخرج به منها ملكا، ان حكمه فى اهل السماء و الارض لواحد).

فان قلت: اليس من قولكم: ان صاحب الكبيره اذا تاب دخل الجنه! فهذا صاحب معصيه و قد حكمتم له بالجنه! قلت: ان التوبه احبطت معصيته فصار كانه لم يعص.

فان قلت: ان اميرالمومنين (ع) انما قال: (فمن ذا بعد ابليس يسلم على الله بمثل معصيته!)، و لم يقل: بالمعصيه المطلقه، و المرجئه لاتخالف فى ان من وافى القيامه بمثل معصيه ابليس لم يكن من اهل الجنه.

قلت: كل معصيه كبيره فهى مثل معصيته، و لم يكن اخراجه من الجنه لانه كافر، بل لانه عاص مخالف للامر، الاترى انه قال سبحانه: (قال فاهبط منها فما يكون لك ان تتكبر فيها)، فعلل اخراجه من الجنه بتكبره لا بكفره.

فان قلت: هذا مناقض لما قدمت فى شرح الفصل الاول.

قلت: كلا، لانى فى الفصل الاول عللت استحقاقه اسم الكفر بامر زائد على المعصيه المطلقه، و ه
و فساد اعتقاده، و لم اجعل ذلك عله فى خروجه من الجنه، و هاهنا عللت خروجه من الجنه بنفس المعصيه، فلا تناقض.

فان قلت: ما معنى قول اميرالمومنين (ع): (ما كان الله ليدخل الجنه بشرا بامر اخرج به منها ملكا)؟ و هل يظن احد او يقول: ان الله تعالى يدخل الجنه احدا من البشر بالامر الذى اخرج به هاهنا ابليس! كلا، هذا ما لايقوله احد، و انما الذى يقوله المرجئه: انه يدخل الجنه من قد عصى و خالف الامر- كما خالف الامر ابليس- برحمته و عفوه، و كما يشاء، لا انه يدخله الجنه بالمعصيه، و كلام اميرالمومنين (ع) يقتضى نفى دخول احد الجنه بالمعصيه لان الباء للسببيه؟ قلت: الباء هاهنا ليست للسببيه كما يتوهمه هذا المعترض، بل هى كالباء فى قولهم: خرج زيد بثيابه، و دخل زيد بسلاحه، اى خرج لابسا، و دخل متسلحا، اى يصحبه الثياب و يصحبه السلاح، فكذلك قوله (ع): (بامر اخرج به منها ملكا)، معناه ان الله تعالى لايدخل الجنه بشرا يصحبه امر اخرج الله به ملكا منها.

الشرح:

موضع (ان يعديكم) نصب على البدل من (عدو الله).

و قال الراوندى: يجوز ان يكون مفعولا ثانيا، و هذا ليس بصحيح لان (حذر) لا يتعدى الى المفعولين، و العدوى: ما يعدى من جرب او غيره، اعدى فلان فلانا من خلقه او من علته، و هو مجاوزته من صاحبه الى غيره، و فى الحديث: (لاعدوى فى الاسلام).

فان قلت: فاذا كان النبى(ص) قد ابطل امر العدوى، فكيف قال اميرالمومنين: (فاحذروه ان يعديكم)؟ قلت: ان النبى(ص) ابطل ما كانت العرب تزعمه من عدوى الجرب فى الابل و غيرها، و اميرالمومنين (ع) حذر المكلفين من ان يتعلموا من ابليس الكبر و الحميه، و شبه تعلمهم ذلك منه بالعدوى لاشتراك الامرين فى الانتقال من احد الشخصين الى الاخر.

قوله (ع): (يستفزكم) اى يستخفكم، و هو من الفاظ القرآن: (و استفزز من استطعت منهم بصوتك)، اى ازعجه و استخفه و اطر قلبه.

و الخيل: الخياله، و منه الحديث: (يا خيل الله اركبى).

و الرجل: اسم جمع لراجل كركب اسم جمع لراكب، و صحب اسم جمع لصاحب، و هذه ايضا من الفاظ القرآن العزيز: (و اجلب عليهم بخيلك و رجلك) و قرى و (رجلك) بكسر الجيم على ان (فعلا) بالكسر بمعنى فاعل نحو تعب و تاعب، و معناه، و قد تضم الجيم ايضا، فيكو
ن مثل قولك: رجل حدث و حدث و ندس و ندس.

فان قلت: فهل لابليس خيل تركبها جنده؟ قلت يجوز ان يكون ذلك و قد فسره قوم بهذا.

و الصحيح انه كلام خرج مخرج المثل شبهت حاله فى تسلطه على بنى آدم بمن يغير على قوم بخيله فيستاصلهم.

و قيل: بصوتك، اى بدعائك الى القبيح.

و خيله و رجله: كل ماش و راكب من اهل الفساد من بنى آدم.

قوله: (و فوقت السهم) جعلت له فوقا، و هو موضع الوتر، و هذا كنايه عن الاستعداد، و لايجوز ان يفسر قوله: (فقد فوق لكم سهم الوعيد) بانه وضع الفوق فى الوتر ليرمى به، لان ذلك لايقال فيه: قد فوق، بل يقال: افقت السهم و اوفقته ايضا و لايقال: افوقته، و هو من النوادر.

و قوله: (و اغرق اليكم بالنزع)، اى استوفى مد القوس و بالغ فى نزعها ليكون مرماه ابعد، و وقع سهامه اشد.

قوله: (و رماكم من مكان قريب)، لانه كما جاء فى الحديث: (يجرى من ابن آدم مجرى الدم، و يخالط القلب)، و لا شى ء اقرب من ذلك.

و الباء فى قوله: (بما اغويتنى) متعلق بفعل محذوف تقديره: اجازيك بما اغويتنى تزيينى لهم القبيح، ف(ما) على هذا مصدريه، اى اجازيك باغوائك لى تزيينى لهم القبيح، فحذف المفعول.

و يجوز ان تكون الباء قسما، كانه اقسم باغوائه اياه ليزينن لهم.

فان قلت
: و اى معنى فى ان يقسم باغوائه؟ و هل هذا مما يقسم به! قلت: نعم، لانه ليس اغواء الله تعالى اياه خلق الغى و الضلال فى قلبه، بل تكليفه اياه السجود الذى وقع الغى عنده من الشيطان، لا من الله، فصار حيث وقع عنده، كانه موجب عنه، فنسب الى البارى ء، و التكليف تعريض للثواب و لذه الابد، فكان جدير ان يقسم به، و قد اقسم فى موضع آخر، فقال: (فبعزتك لاغوينهم اجمعين)، فاقسم بالعزه، و هاهنا اقسم بالامر و التكليف.

و يجوز فيه وجه ثالث، و هو الا تكون الباء قسما، و يقدر قسم محذوف، و يكون المعنى: بسبب ما كلفتنى فافضى الى غوايتى، اقسم لافعلن بهم نحو ما فعلت بى، و هو ان ازين لهم المعاصى التى تكون سبب هلاكهم.

فان قلت: ليس هذا نحو ما فعله البارى ء به، لان البارى ء امره بالحسن فاباه، و عدل عنه الى القبيح، و الشيطان لا يامرنا بالحسن فنكرهه و نعدل عنه الى القبيح، فكيف يكون ذلك نحو واقعته مع البارى ء! قلت: المشابهه بين الواقعتين فى ان كل واحده منهما تقع عندها المعصيه، لا على وجه الاجبار و القسر، بل على قصد الاختيار، لان معصيه ابليس كانت من نفسه، و وقعت عند الامر بالسجود اختيارا منه لا فعلا من البارى ء، و معصيتنا نحن عند التزيين و الوسوسه ت
قع اختيارا منا لا اضطرارا يضطرنا ابليس اليه، فلما تشابهت الصورتان فى هذا المعنى حسن قوله: (بما فعلت بى كذا لافعلن بهم نحوه).

فان قلت: ما معنى قوله: (فى الارض)؟ و من اين كان يعلم ابليس ان آدم سيصير له ذريه فى الارض! قلت: اما علمه بذلك فمن قول الله تعالى له و للملائكه: (انى جاعل فى الارض خليفه) و اما لفظه (الارض)، فالمراد بها هاهنا الدنيا التى هى دار التكليف، كقوله تعالى: (و لكنه اخلد الى الارض)، ليس يريد به الارض بعينها بل الدنيا و ما فيها من الملاذ و هوى الانفس.

قوله (ع): (قذفا بغيب بعيد)، اى قال ابليس هذا القول قذفا بغيب بعيد، و العرب تقول للشى ء المتوهم على بعد: هذا قذف بغيب بعيد، و القذف فى الاصل: رمى الحجر و اشباهه، و الغيب الامر الغائب، و هذه اللفظه من الالفاظ القرآنيه، قال الله تعالى فى كفار قريش: (و يقذفون بالغيب من مكان بعيد)، اى يقولون: هذا سحر، او هذا من تعليم اهل الكتاب، او هذه كهانه، و غير ذلك مما كانوا يرمونه (ع) به.

و انتصب (قذفا) على المصدر الواقع موقع الحال، و كذلك (رجما).

و قال الراوندى: انتصبا لانهما مفعول له، و ليس بصحيح، لان المفعول له ما يكون عذرا و عله لوقوع الفعل، و ابليس ما قال ذلك ال
كلام لاجل القذف و الرجم، فلا يكون مفعولا له.

فان قلت: كيف قال (ع): (قذفا من مكان بعيد، و رجما بظن غير مصيب)، و قد صح ما توهمه و اصاب فى ظنه، فان اغوائه و تزيينه تم على الناس كلهم الا على المخلصين! قلت: اما اولا فقد روى: (و رجما بظن مصيب) بحذف (غير)، و يوكد هذه الروايه قوله تعالى: (و لقد صدق عليهم ابليس ظنه فاتبعوه الا فريقا) و اما ثانيا على الروايه التى هى اشهر فنقول: اما قذفا من مكان بعيد، فانه قال ما قال على سبيل التوهم و الحسبان لامر مستبعد لا يعلم صحته و لا يظنها، و ليس وقوع ما وقع من المعاصى و صحه ما توهمه بمخرج لكون قوله الاول: (قذفا بغيب بعيد)، و اما (رجما بظن غير مصيب)، فيجب ان يحمل قوله: (لاغوينهم اجمعين) على الغوايه بمعنى الشرك او الكفر، و يكون الاستثناء و هو قوله: (الا عبادك منهم المخلصين) معناه: الا المعصومين من كل معصيه، و هذا ظن غير مصيب لانه ما اغوى كل البشر الغوايه التى هى الكفر و الشرك الا المعصومين العصمه المطلقه، بل اغوى بعضهم كذلك، و بعضهم بان زين له الفسق دون الكفر، فيكون ظنه انه قادر على اغواء البشر كافه بمعنى الضلال بالكفر ظنا غير مصيب.

قوله: (صدقه به ابناء الحميه)، موضع (صدقه) جر، لان
ه صفه (ظن)، و قد روى: (صدقه ابناء الحميه) من غير ذكر الجار و المجرور، و من رواه بالجار و المجرور كان معناه: صدقه فى ذلك الظن ابناء الحميه، فاقام الباء مقام (فى).

قوله: (حتى اذا انقادت له الجامحه منكم)، اى الانفس الجامحه او الاخلاق الجامحه.

قوله (فنجمت فيه الحال) اى ظهرت، و قد روى: (فنجمت الحال من السر الخفى) من غير ذكر الجار و المجرور، و من رواه بالجار و المجرور فالمعنى: فنجمت الحال فى هذا الشان المذكور بينه و بينكم من الخفاء الى الجلاء.

و استفحل سلطانه: قوى و اشتد و صار فحلا، و استفحل جواب قوله: (حتى اذا).

دلف بجنوده: تقدم بهم.

و الولجات: جمع ولجه بالتحريك، و هى موضع، او كهف يستتر فيه الماره من مطر او غيره.

و اقحموكم: ادخلوكم.

و الورطه: الهلكه.

قوله: (و اوطئوكم اثخان الجراحه)، اى جعلوكم واطئين لذلك، و الاثخان مصدر: اثخن فى القتل، اى اكثر منه و بالغ حتى كثف شانه، و صار كالشى ء الثخين، و معنى ايطاء الشيطان ببنى آدم ذلك القاوه اياهم فيه، و توريطهم و حمله لهم عليه.

فالاثخان على هذا منصوب لانه مفعول ثان، لا كما زعم الراوندى انه انتصب بحذف حرف الخفض.

قوله (ع): (طعنا فى عيونكم)، انتصب (طعنا) على المصدر، و فعله محذ
وف، اى فعلوا بكم هذه الافعال فطعنوكم فى عيونكم طعنا، فاما من روى: (و اوطئوكم لاثخان الجراحه) باللام فانه يجعل (طعنا) منصوبا على انه مفعول به، اى اوطئوكم طعنا و حزا، كقولك: اوطاته نارا، و اوطاته عشوه، و يكون (لاثخان الجراحه) مفعولا له، اى اوطئوكم الطعن ليثخنوا جراحكم.

و ينبغى ان يكون (قصدا) و (سوقا) خالصين للمصدريه، لانه يبعد ان يكون مفعولا به.

و اعلم انه لما ذكر الطعن نسبه الى العيون، و لما ذكر الحز، و هو الذبح نسبه الى الحلوق، و لما ذكر الدق، و هو الصدم الشديد اضافه الى المناخر، و هذا من صناعه الخطابه التى علمه الله اياها بلا تعليم، و تعلمها الناس كلهم بعده منه.

و الخزائم: جمع خزامه، و هى حلقه من شعر تجعل فى وتره انف البعير فيشد فيها الزمام.

و تقول: قد ورى الزند، اى خرجت ناره، و هذا الزند اورى من هذا، اى اكثر اخراجا للنار.

يقول: فاصبح الشيطان اضر عليكم و افسد لحالكم من اعدائكم الذين اصبحتم مناصبين لهم، اى معادين، و عليهم متالبين، اى مجتمعين.

فان قلت: اما اعظم فى الدين حرجا فمعلوم، فاى معنى لقوله: (و اورى فى دنياكم قدحا)، و هل يفسد ابليس امر الدنيا كما يفسد امر الدين! قلت: نعم، لان اكثر القبائح الدينيه مرتبطه
بالمصالح و المفاسد الدنيويه، الا ترى انه اذا اغرى السارق بالسرقه افسد حال السارق من جهه الدين و حال المسروق منه من جهه الدنيا، و كذلك القول فى الغصب و القتل و ما يحدث من مضار الشرور الدنيويه من اختلاط الانساب و اشتباه النسل، و ما يتولد من شرب الخمر و السكر الحاصل عنها من امور يحدثها السكران خبطا بيده، و قذفا بلسانه، الى غير ذلك من امثال هذه الامور و اشباهها.

قوله (ع): (فاجعلوا عليه حدكم)، اى شباتكم و باسكم.

و له جدكم: من جددت فى الامر جدا، اى اجتهدت فيه و بالغت.

ثم ذكر انه فخر على اصل بنى آدم، يعنى اباهم آدم (ع) حيث امتنع من السجود له، و قال: (انا خير منه).

و وقع فى حسبكم، اى عاب حسبكم و هو الطين، فقال: ان النار افضل منه.

و دفع فى نسبكم مثله.

و اجلب بخيله عليكم، اى جمع خيالته و فرسانه و البها.

و يقتنصونكم: يتصيدونكم.

و البنان: اطراف الاصابع، و هو جمع، واحدته بنانه، و يجمع فى القله على بنانات، و يقال: بنان مخضب، لان كل جمع ليس بينه و بين واحده الا الهاء فانه يذكر و يوحد.

و الحومه: معظم الماء و الحرب و غيرهما، و موضع هذا الجار و المجرور نصب على الحال اى يقتنصونكم فى حومه ذل.

و الجوله: الموضع الذى تجول فيه.

و ك
من فى قلوبكم: استتر، و منه الكمين فى الحرب.

و نزغات الشيطان: وساوسه التى يفسد بها.

و نفثاته مثله.

قوله: (و اعتمدوا وضع التذلل على رئوسكم، و القاء التعزز تحت اقدامكم) كلام شريف جليل المحل، و كذلك قوله (ع): (و اتخذوا التواضع مسلحه بينكم و بين عدوكم ابليس و جنوده)، و المسلحه: خيل معده للحمايه و الدفاع.

ثم نهاهم ان يكونوا كقابيل الذى حسد اخاه هابيل فقتله، و هما اخوان لاب و ام، و انما قال: (ابن امه)، فذكر الام دون الاب، لان الاخوين من الام اشد حنوا و محبه و التصاقا من الاخوين من الاب، لان الام هى ذات الحضانه و التربيه.

و قوله: (من غير ما فضل)، ما هاهنا زائده، و تعطى معنى التاكيد، نهاهم (ع) ان يحسدوا النعم، و ان يبغوا و يفسدوا فى الارض، فان آدم لما امر ولده بالقربان قرب قابيل شر ماله- و كان كافرا- و قرب هابيل خير ماله- و كان مومنا- فتقبل الله تعالى من هابيل، و اهبط من السماء نارا فاكلته، قالوا: لانه لم يكن فى الارض حينئذ فقير يصل القربان اليه، فحسده قابيل- و كان اكبر منه سنا- فقال: لاقتلنك، قال: هابيل انما يتقبل الله من المتقين، اى بذنبك و جرمك كان عدم قبول قربانك لانسلاخك من التقوى، فقتله فاصبح نادما، لا ندم التو
به بل ندم الحير و رقه الطبع البشرى، و لانه تعب فى حمله كما ورد فى التنزيل اثه لم يفهم ما ذا يصنع به حتى بعث الله الغراب.

قوله (ع): (و الزمه آثام القاتلين الى يوم القيامه)، لانه كان ابتدا بالقتل، و من سن سنه شر كان عليه وزرها و وزر من عمل بها الى يوم القيامه، كما ان من سن سنه خير كان له اجرها و اجر من عمل بها الى يوم القيامه.

و روى ابوجعفر محمد بن جرير الطبرى فى تاريخه، ان الروايات اختلفت فى هذه الواقعه، فروى قوم ان الرجلين كانا من بنى اسرائيل و ليسا من ولد آدم لصلبه، و الاكثرون خالفوا فى ذلك.

ثم اختلف الاكثرون، فروى قوم ان القربان من قابيل و هابيل كان ابتداء، و الاكثرون قالوا: بل اراد آدم (ع) ان يزوج هابيل اخت قابيل توئمته، و يزوج قابيل اخت هابيل توئمته، فابى قابيل، لان توئمته كانت احسن، فامرهما ابوهما بالقربان، فمن تقبل قربانه نكح الحسناء.

فتقبل قربان هابيل، فقتله اخوه كما ورد فى الكتاب العزيز.

و روى الطبرى مرفوعا انه (ص) قال: (ما من نفس تقتل ظلما الا كان على ابن آدم (ع) الاول كفل منها، و ذلك بانه اول من سن القتل)، و هذا يشيد قول اميرالمومنين (ع).

/ 614