حکمت 145
الشرح:
قد تقدم كلامنا فى الصبر.و قالت الحكماء: الصبر ضربان: جسمى و نفسى، فالجسمى تحمل المشاق بقدر القوه البدنيه، و ليس ذلك بفضيله تامه، و لذلك قال الشاعر: و الصبر بالارواح يعرف فضله صبر الملوك و ليس بالاجسام و هذا النوع اما فى الفعل كالمشى و رفع الحجر او فى رفع الانفعال كالصبر على المرض و احتمال الضرب المفظع.و اما النفسى ففيه تتعلق الفضيله، و هو ضربان: صبر عن مشتهى، و يقال له: عفه، و صبر على تحمل مكروه او محبوب.و تختلف اسماوه بحسب اختلاف مواقعه، فان كان فى نزول مصيبه لم يتعد به اسم الصبر، و يضاده الجزع و الهلع و الحزن، و ان كان فى احتمال الغنى سمى ضبط النفس، و يضاده البطر و الاشر و الرفغ و ان كان فى محاربه سمى شجاعه و يضاده الجبن، و ان كان فى امساك النفس عن قضاء وطر الغضب سمى حلما، و يضاده التذمر و الاستشاطه، و ان كان فى نائبه مضجره سمى سعه صدر، و يضاده الضجر و ضيق العطن و التبرم، و ان كان فى امساك كلام فى الضمير سمى كتمان السر، و يضاده الافشاء، و ان كان عن فضول العيش سمى قناعه و زهدا و يضاده الحرص و الشره.فهذه كلها انواع الصبر، و لكن اللفظ العرفى واقع على الصبر الجسمانى، و على ما يكونفى نزول المصائب، و تنفرد باقى الانواع باسماء تخصها.
حکمت 146
الشرح:
لا فرق بين الرضا بالفعل و بين المشاركه فيه، الا ترى انه اذا كان ذلك الفعل قبيحا استحق الراضى به الذم كما يستحقه الفاعل له! و الرضا يفسر على وجهين: الاراده، و ترك الاعتراض، فان كان الاراده فلا ريب انه يستحق الذم لان مريد القبيح فاعل للقبيح، و ان كان ترك الاعتراض مع القدره على الاعتراض فلا ريب انه يستحق الذم ايضا، لان تارك النهى عن المنكر مع ارتفاع الموانع يستحق الذم.فاما قوله (ع): (و على كل داخل فى باطل اثمان)، فان اراد الداخل فيه بان يفعله حقيقه فلا شبهه فى انه ياثم من جهتين: احداهما من حيث انه اراد القبيح.و الاخرى من حيث انه فعله، و ان كان قوم من اصحابنا قالوا: ان عقاب المراد هو عقاب الاراده.و ان اراد ان الراضى بالقبيح فقط يستحق اثمين: احدهما لانه رضى به، و الاخر لانه كالفاعل، فليس الامر على ذلك، لانه ليس بفاعل للقبيح حقيقه ليستحق الاثم من جهه الاراده و من جهه الفعليه جميعا، فوجب اذن ان يحمل كلامه (ع) على الوجه الاول.حکمت 147
الشرح:
اى فى مظانها و فى مركزها، اى لاتستندوا الى ذمام الكافرين و المارقين، فانهم ليسوا اهلا للاستعصام بذممهم، كما قال الله تعالى: (لايرقبون فى مومن الا و لا ذمه).و قال: (انهم لا ايمان لهم).و هذه كلمه قالها بعد انقضاء امر الجمل و حضور قوم من الطلقاء بين يديه ليبايعوه، منهم مروان بن الحكم، فقال: و ماذا اصنع ببيعتك؟ الم تبايعنى بالامس! يعنى بعد قتل عثمان، ثم امر باخراجهم و رفع نفسه عن مبايعه امثالهم، و تكلم بكلام ذكر فيه ذمام العربيه و ذمام الاسلام، و ذكر ان لا دين له فلا ذمام له.ثم قال فى اثناء الكلام: (فاستعصموا بالذمم فى اوتارها)، اى اذا صدرت عن ذوى الدين، فمن لا دين له لا عهد له.حکمت 148
الشرح:
يعنى نفسه (ع)، و هو حق على المذهبين جميعا، اما نحن فعندنا انه امام واجب الطاعه بالاختبار، فلا يعذر احد من المكلفين فى الجهل بوجوب طاعته، و اما على مذهب الشيعه فلانه امام واجب الطاعه بالنص، فلا يعذر احد من المكلفين فى جهاله امامته، و عندهم ان معرفه امامته تجرى مجرى معرفه محمد (ص) و مجرى معرفه البارى ء سبحانه، و يقولون: لاتصح لاحد صلاه و لا صوم و لا عباده الا بمعرفه الله و النبى و الامام.و على التحقيق، فلا فرق بيننا و بينهم فى هذا المعنى، لان من جهل امامه على (ع) و انكر صحتها و لزومها، فهو عند اصحابنا مخلد فى النار، لاينفعه صوم و لا صلاه، لان المعرفه بذلك من الاصول الكليه التى هى اركان الدين، و لكنا لانسمى منكر امامته كافرا، بل نسميه فاسقا، و خارجيا، و مارقا، و نحو ذلك، و الشيعه تسميه كافرا، فهذا هو الفرق بيننا و بينهم، و هو فى اللفظ لا فى المعنى.حکمت 149
الشرح:
قال الله تعالى: (و اما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى).و قال سبحانه: (و هديناه النجدين).و قال بعض الصالحين: الا انهما نجدا الخير و الشر، فجعل نجد الشر احب اليكم من نجد الخير.قلت: النجد: الطريق.و اعلم ان الله تعالى قد نصب الادله و مكن المكلف بما اكمل له من العقل من الهدايه، فاذا ضل فمن قبل نفسه اتى.و قال بعض الحكماء: الذى لايقبل الحكمه هو الذى ضل عنها ليست هى الضاله عنه.و قال: متى احسست بانك قد اخطات و اردت الا تعود ايضا فتخطى ء فانظر الى اصل فى نفسك حدث عنه ذلك الخطا، فاحتل فى قلعه، و ذلك انك ان لم تفعل ذلك عاد فثبت خطا آخر.و كان يقال: كما ان البدن الخالى من النفس تفوح منه رائحه النتن، كذلك النفس الخاليه من الحكمه، و كما ان البدن الخالى من النفس ليس يحس ذلك بالبدن بل الذين لهم حس يحسونه به، كذلك النفس العديمه للحكمه ليس تحس به تلك النفس، بل يحس به الحكماء، و قيل لبعض الحكماء: ما بال الناس ضلوا عن الحق؟ اتقول: انهم لم تخلق فيهم قوه معرفه؟ فقال: لا، بل خلق لهم ذلك، و لكنهم استعملوا تلك القوه على غير وجهها، و فى غير ما خلقت له، كالسم تدفعه الى انسان ليقتل به عدوه فيقتل به نفسه.
حکمت 150
الشرح:
الاصل فى هذا قول الله تعالى: (ادفع بالتى هى احسن فاذا الذى بينك و بينه عداوه كانه ولى حميم).و روى المبرد فى "الكامل" عن ابن عائشه، عن رجل من اهل الشام، قال: دخلت المدينه، فرايت رجلا راكبا على بغله لم ار احسن وجها و لا ثوبا و لا سمتا و لا دابه منه، فمال قلبى اليه، فسالت عنه، فقيل: هذا الحسن بن الحسن بن على، فامتلا قلبى له بغضا، و حسدت عليا ان يكون له ابن مثله، فصرت اليه و قلت له: انت ابن ابى طالب؟ فقال: انا ابن ابنه، قلت: فبك و بابيك! فلما انقضى كلامى قال: احسبك غريبا! قلت: اجل، قال: فمل بنا، فان احتجت الى منزل انزلناك، او الى مال واسيناك، او الى حاجه عاوناك.فانصرفت عنه و ما على الارض احد احب الى منه.و قال محمود الوراق: انى شكرت لظالمى ظلمى و غفرت ذاك له على علم و رايته اهدى الى يدا لما ابان بجهله حلمى رجعت اسائته عليه و اح سانى فعاد مضاعف الجرم و غدوت ذا اجر و محمده و غدا بكسب الظلم و الاثم فكانما الاحسان كان له و انا المسى ء اليه فى الحكم ما زال يظلمنى و ارحمه حتى بكيت له من الظلم قال المبرد: اخذ هذا المعنى من قول رجل من قريش قال له رجل منهم: انى مررت بال فلان و هم يشتمونك شتما رحمتك منه، قال: افسمعتنى اقول الا خيرا! قال: لا، قال: اياهم فارحم.و قال رجل لابى بكر: لاشتمنك شتما يدخل معك قبرك، فقال: معك و الله يدخل، لا معى.
حکمت 151
الشرح:
راى بعض الصحابه رسول الله (ص) واقفا فى درب من دروب المدينه و معه امراه فسلم عليه، فرد عليه، فلما جاوزه ناداه فقال: هذه زوجتى فلانه، قال: يا رسول الله، او فيك يظن! فقال: (ان الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم).و جاء فى الحديث المرفوع: (دع ما يريبك الى ما لايريبك).و قال ايضا: (لايكمل ايمان عبد حتى يترك ما لاباس به).و قد اخذ هذا المعنى شاعر فقال: و زعمت انك لاتلوط فقل لنا هذا المقرطق واقفا ما يصنع! شهدت ملاحته عليك بريبه و على المريب شواهد لاتدفعحکمت 152
الشرح:
المعنى ان الاغلب فى كل ملك يستاثر على الرعيه بالمال و العز و الجاه.و نحو هذا المعنى قولهم: من غلب سلب، و من عز بز.و نحوه قول ابى الطيب: و الظلم من شيم النفوس فان تجد ذا عفه فلعله لايظلمالشرح:
قد تقدم لنا قول كاف فى المشوره مدحا و ذما.و كان عبدالملك بن صالح الهاشمى يذمها و يقول: ما استشرت واحدا قط الا تكبر على و تصاغرت له، و دخلته العزه و دخلتنى الذله، فاياك و المشوره و ان ضاقت عليك المذاهب، و اشتبهت عليك المسائل، و اداك الاستبداد الى الخطا الفادح.و كان عبدالله بن طاهر يذهب الى هذا المذهب، و يقول: ما حك جلدك مثل ظفرك، و لان اخطى ء مع الاستبداد الف خطا، احب الى من ان استشير و ارى بعين النقص و الحاجه.و كان يقال: الاستشاره اذاعه السر، و مخاطره بالامر الذى ترومه بالمشاوره، فرب مستشار اذاع عنك ما كان فيه فساد تدبيرك.و اما المادحون للمشوره فكثير جدا.و قالوا: خاطر من استبد برايه.و قالوا: المشوره راحه لك، و تعب على غيرك.و قالوا: من اكثر من المشوره لم يعدم عند الصواب مادحا، و عند الخطا عاذرا.و قالوا: المستشير على طرف النجاح، و الاستشاره من عزم الامور.و قالوا المشوره لقاح العقول، و رائد الصواب.و من الفاظهم البديعه: ثمره راى المشير احلى من الارى المشور.و قال بشار: اذا بلغ الراى النصيحه فاستعن بعزم نصيح او مشوره حازم و لاتجعل الشورى عليك غضاضه فان الخوافى عده للقوادم