خطبه 203-در نكوهش اصحاب - شرح نهج البلاغه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شرح نهج البلاغه - نسخه متنی

ابن ابی الحدید معتزلی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

خطبه 203-در نكوهش اصحاب

الشرح:

ما فى (ايما) زائده موكده، و معنى الفصل وعيد من استنصره فقعد عن نصره، و وصف المقاله بانها عادله، اما تاكيد، كما قالوا: شعر شاعر، و اما ذات عدل، كما قالوا: رجل تامر و لابن، اى ذو تمر و لبن، و يجوز ايضا ان يريد بالعادله المستقيمه التى ليست كاذبه و لا محرفه عن جهتها، و الجائره نقيضها و هى المنحرفه، جار فلان عن الطريق، اى انحرف و عدل.

و النكوص: التاخر.

قوله (ع): (نستشهدك عليه)، اى نسالك ان تشهد عليه، و وصفه تعالى بانه اكبر الشاهدين شهاده لقوله تعالى: (قل اى شى ء اكبر شهاده قل الله)، يقول: اللهم انا نستشهدك على خذلان من استنصرناه، و استنفرناه الى نصرتك، و الجهاد عن دينك فابى النهوض، و نكث عن القيام بواجب الجهاد، و نستشهد عبادك، من البشر فى ارضك، و عبادك من الملائكه فى سمواتك عليه ايضا، ثم انت بعد ذلك المغنى لنا عن نصرته و نهضته، بما تتيحه لنا من النصر، و تويدنا به من الاعزاز و القوه، و الاخذ له بذنبه فى القعود و التخلف.

و هذا قريب من قوله تعالى: (و ان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لايكونوا امثالكم).

خطبه 204-آفريدگار بى همتا

الشرح:

يجوز شبه و شبه، و الروايه هاهنا بالفتح، و تعاليه سبحانه عن شبه المخلوقين، كونه قديما واجب الوجود، و كل مخلوق محدث ممكن الوجود.

قوله: (الغالب لمقال الواصفين)، اى ان كنه جلاله و عظمته، لايستطيع الواصفون وصفه و ان اطنبوا و اسهبوا، فهو كالغالب لاقوالهم لعجزها عن ايضاحه و بلوغ منتهاه، و الظاهر، بافعاله و الباطن بذاته، لانه انما يعلم منه افعاله: و اما ذاته فغير معلومه.

ثم وصف علمه تعالى فقال: انه غير مكتسب كما يكتسب الواحد منا علومه بالاستدلال و النظر، و لا هو علم يزداد الى علومه الاولى كما تزيد علوم الواحد منا و معارفه، و تكثر لكثره الطرق التى يتطرق بها اليها.

ثم قال: (و لاعلم مستفاد)، اى ليس يعلم الاشياء بعلم محدث مجدد كما يذهب اليه جهم و اتباعه و هشام بن الحكم، و من قال بقوله.

ثم ذكر انه تعالى قدر الامور كلها بغير رويه، اى بغير فكر و لا ضمير، و هو ما يطويه الانسان من الراى و الاعتقاد و العزم فى قلبه.

ثم وصفه تعالى بانه لايغشاه ظلام، لانه ليس بجسم، و لايستضى ء بالانوار، كالاجسام ذوات البصر.

و لا يرهقه ليل، اى لايغشاه.

و لايجرى عليه نهار، لانه ليس بزمانى و لا قابل للحركه، ليس ادراكه بالابصار
، لان ذلك يستدعى المقابله.

و لاعلمه بالاخبار مصدر اخبر، اى ليس علمه مقصورا على ان تخبره الملائكه باحوال المكلفين، بل هو يعلم كل شى ء، لان ذاته ذات واجب لها ان تعلم كل شى ء لمجرد ذاتها المخصوصه، من غير زياده امر على ذاتها.

الشرح:

ارسله بالضياء، اى بالحق، و سمى الحق ضياء، لانه يهتدى به، او ارسله بالضياء اى بالقرآن.

و قدمه فى الاصطفاء، اى قدمه فى الاصطفاء على غيره من العرب و العجم، قالت قريش: (لو لانزل هذا القرآن على رجل من القريتين)، اى على رجل من رجلين من القريتين عظيم، اى اما على الوليد بن المغيره من مكه، او على عروه بن مسعود الثقفى من الطائف.

ثم قال تعالى: (اهم يقسمون رحمه ربك)، اى هو سبحانه العالم بالمصلحه فى ارسال الرسل، و تقديم من يرى فى الاصطفاء على غيره.

فرتق به المفاتق، اى اصلح به المفاسد و الرتق ضد الفتق، و المفاتق: جمع مفتق، و هو مصدر، كالمضرب و المقتل.

و ساور به المغالب: ساورت زيدا اى واثبته، و رجل سوار، اى وثاب، و سوره الخمر: وثوبها فى الراس.

و الحزونه ضد السهوله، و الحزن: ما غلظ من الارض.

و السهل: ما لان منها، و استعير لغير الارض كالاخلاق و نحوها.

قوله: (حتى سرح الضلال)، اى طرده و اسرع به ذهابا.

عن يمين و شمال من قولهم: ناقه سرح و منسرحه، اى سريعه.

و منه تسريح المراه، اى تطليقها.

خطبه 205-در وصف پيامبر و عالمان

الشرح:

الضمير فى (انه) يرجع الى القضاء و القدر المذكور فى صدر هذه الخطبه، و لم يذكره الرضى رحمه الله، يقول: اشهد ان قضائه تعالى عدل عدل و حكم بالحق، فانه حكم فصل بين العباد بالانصاف، و نسب العدل و الفصل الى القضاء على طريق المجاز، و هو بالحقيقه منسوب الى ذى القضاء، و القاضى به هو الله تعالى.

قوله: (و سيد عباده)، هذا كالمجمع عليه بين المسلمين، و ان كان قد خالف فيه شذوذ منهم، و احتج الجمهور بقوله: (انا سيد ولد آدم و لا فخر)، و بقوله: (ادعوا لى سيد العرب عليا)، فقالت عائشه: الست سيد العرب! فقال: (انا سيد البشر، و على سيد العرب)، و بقوله: (آدم و من دونه تحت لوائى).

و احتج المخالف بقوله (ع): (لاتفضلونى على اخى يونس بن متى).

و اجاب الاولون تاره بالطعن فى اسناد الخبر، و تاره بانه حكايه كلام حكاه (ص) عن عيسى بن مريم، و تاره بان النهى انما كان عن الغلو فيه كما غلت الامم فى انبيائها، فهو كما ينهى الطبيب المريض فيقول: لاتاكل من الخبز و لا درهما، و ليس مراده تحريم اكل الدرهم و الدرهمين، بل تحريم ما يستضر باكله منه.

قوله (ع): (كلما نسخ الله الخلق فرقتين جعله فى خيرهما)، النسخ: النقل، و منه نسخ الكتاب، و من
ه نسخت الريح آثار القوم، و نسخت الشمس الظل، يقول: كلما قسم الله تعالى الاب الواحد الى ابنين، جعل خيرهما و افضلهما لولاده محمد (ع)، و سمى ذلك نسخا، لان البطن الاول يزول، و يخلفه البطن الثانى، و منه مسائل المناسخات فى الفرائض.

و هذا المعنى قد ورد مرفوعا فى عده احاديث، نحو قوله (ص): (ما افترقت فرقتان منذ نسل آدم ولده الا كنت فى خيرهما).

و نحو قوله: (ان الله اصطفى من ولد ابراهيم اسماعيل، و اصطفى من ولد اسماعيل مضر، و اصطفى من مضر كنانه، و اصطفى من كنانه قريشا، و اصطفى من قريش هاشما، و اصطفانى من بنى هاشم.

قوله: (لم يسهم فيه عاهر، و لاضرب فيه فاجر)، لم يسهم: لم يضرب فيه عاهر يسهم اى، بنصيب، و جمعه سهمان، و العاهر: ذو العهر، بالتحريك و هو الفجور و الزنا، و يجوز تسكين الهاء، مثل نهر و نهر، و هذا هو المصدر، و الماضى عهر بالفتح، و الاسم العهر، بكسر العين و سكون الهاء، و المراه عاهره و معاهره و عيهره، و تعيهر الرجل اذا زنى، و الفاجر كالعاهر هاهنا، و اصل الفجور: الميل، قال لبيد: فان تتقدم تغش منها مقدما غليظا و ان اخرت فالكفل فاجر يقول مقعد الرديف مائل.

(ذكر بعض المطاعن فى النسب و كلام للجاحظ فى ذلك) و فى الكلام
رمز الى جماعه من الصحابه فى انسابهم طعن، كما يقال: ان آل سعد بن ابى وقاص ليسوا من بنى زهره بن كلاب، و انهم من بنى عذره من قحطان، و كما قالو: ان آل الزبير بن العوام من ارض مصر من القبط، و ليسوا من بنى اسد بن عبد العزى، قال الهيثم بن عدى فى كتاب "مثالب العرب": ان خويلد بن اسد بن عبد العزى كان اتى مصر ثم انصرف منها بالعوام، فتبناه، فقال حسان بن ثابت يهجو آل العوام بن خويلد: بنى اسد ما بال آل خويلد يحنون شوقا كل يوم الى القبط! متى يذكروا قهقى يحنوا لذكرها و للرمث المقرون و السمك الرقط عيون كامثال الزجاج وضيعه تخالف كعبا فى لحى كثه ثط يرى ذاك فى الشبان و الشيب منهم مبينا و فى الاطفال و الجله الشمط لعمر ابى العوام ان خويلدا غداه تبناه ليوثق فى الشرط و كما يقال فى قوم آخرين: نرفع هذا الكتاب عن ذكر ما يطعن به فى انسابهم، كى لايظن بنا انا المقاله فى الناس.

قال شيخنا ابوعثمان فى كتاب "مفاخرات قريش": لا خير فى ذكر العيوب الا من ضروره، و لانجد كتاب مثالب قط الا لدعى او شعوبى، و لست واجده لصحيح النسب، و لالقليل الحسد، و ربما كانت حكايه الفحش افحش من الفحش، و نقل الكذب اقبح من الكذب.

و قال النبى (ص): (
اعف عن ذى قبر)، و قال: (لاتوذوا الاحياء بسب الاموات)، و قيل فى المثل: (يكفيك من شر سماعه).

و قالوا: (اسمعك من ابلغك، و قالوا: من طلب عيبا وجده، و قال النابغه: و لست بمستبق اخا لاتلمه على شعث اى الرجال المهذب! قال ابوعثمان: و بلغ عمر بن الخطاب ان اناسا من رواه الاشعار و حمله الاثار يعيبون الناس، و يثلبونهم فى اسلافهم، فقام على المنبر، و قال: اياكم و ذكر العيوب، و البحث عن الاصول، فلو قلت: لايخرج اليوم من هذا الابواب الا من لاوصمه فيه لم يخرج منكم احد.

فقام رجل من قريش- نكره ان نذكره- فقال: اذا كنت انا و انت يا اميرالمومنين نخرج! فقال: كذبت، بل كان يقال لك، يا قين ابن قين، اقعد! قلت: الرجل الذى قام هو المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيره المخزومى، كان عمر يبغضه لبغضه اباه خالدا، و لان المهاجر كان علوى الراى جدا، و كان اخوه عبدالرحمن بخلافه، شهد المهاجر صفين مع على (ع)، و شهدها عبدالرحمن مع معاويه، و كان المهاجر مع على (ع) فى يوم الجمل، و فقئت ذلك اليوم عينه.

و لان الكلام الذى بلغ عمر بلغه عن المهاجر، و كان الوليد بن المغيره مع جلالته فى قريش- و كونه يسمى ريحانه قريش، و يسمى العدل، و يسمى الوحيد- حداد يصنع
الدروع و غيرها بيده، ذكر ذلك عنه عبدالله بن قتيبه فى كتاب "المعارف".

و روى ابوالحسن المدائنى هذا الخبر فى كتاب "امهات الخلفاء" و قال: انه روى عند جعفر بن محمد (ع) بالمدينه، فقال: لاتلمه يا بن اخى، انه اشفق ان يحدج بقضيه نفيل بن عبدالعزى و صهاك امه الزبير بن عبدالمطلب.

ثم قال: رحم الله عمر! فانه لم يعد السنه، و تلا: (ان الذين يحبون ان تشيع الفاحشه فى الذين آمنوا لهم عذاب اليم).

اما قول ابن جرير الاملى الطبرستانى فى كتاب "المسترشد": ان عثمان والد ابى بكر الصديق كان ناكحا ام الخير ابنه اخته، فليس بصحيح، و لكنها ابنه عمه، لانها ابنه صخر بن عامر، و عثمان هو ابن عمرو بن عامر، و العجب لمن اتبعه من فضلاء الاماميه على هذه المقاله من غير تحقيق لها من كتب الانساب، و كيف تتصور هذه الواقعه فى قريش، و لم يكن احد منهم مجوسيا و لا يهوديا، و لاكان من مذهبهم حل نكاح بنات الاخ و لا بنات الاخت!.

ثم نعود لاتمام حكايه كلام شيخنا ابى عثمان، قال: و متى يقدر الناس- حفظك الله- على رجل مسلم من كل ابنه، و مبرا من كل آفه، فى جميع آبائه و امهاته و اسلافه و اصهاره، حتى تسلم له اخواله و اعمامه، و خالاته و عماته، و اخواته و بناته، و امهات
نسائه، و جميع من يناسبه من قبل جداته و اجداده، و اصهاره و اختانه! و لو كان ذلك موجودا لما كان لنسب رسول الله (ص) فضيله فى النقاء و التهذيب، و فى التصفيه و التنقيح، قال رسول الله (ص): (ما مسنى عرق سفاح قط، و ما زلت انقل من الاصلاب السليمه من الوصوم، و الارحام البريئه من العيوب)، فلسنا نقضى لاحد بالنقاء من جميع الوجوه، الا لنسب من صدقه القرآن، و اختاره الله على جميع الانام، و الا فلا بد من شى ء يكون فى نفس الرجل او فى طرفيه، او فى بعض اسلافه، او فى بعض اصهاره، و لكنه يكون مغطى بالصلاح، و محجوبا بالفضائل، و مغمورا بالمناقب.

و لو تاملت احوال الناس، لوجدت اكثرهم عيوبا اشدهم تعييبا، قال الزبرقان من بدر: ما استب رجلان الا غلب الامهما.

و قال: خصلتان كثيرتان فى امرى ء السوء: كثره اللطام، و شده السباب، و لو كان ما يقوله اصحاب المثالب حقا، لما كان على ظهرها عربى، كما قال عبدالملك بن صالح الهاشمى: ان كان ما يقول بعض فى بعض حقا، فما فيهم صحيح و ان كان ما يقول بعض المتكلمين فى بعض حقا، فما فيهم مسلم! قوله (ع): (الا و ان الله قد جعل للخير اهلا، و للحق دعائم، و للطاعه عصما).

الدعائم: ما يدعم بها البيت لئلا يسقط، و العصم: جم
ع عصمه، و هو ما يحفظ به الشى ء و يمنع، فاهل الخير هم المتقون.

و دعائم الحق: الادله الموصله اليه المثبته له فى القلوب.

و عصم الطاعه: هى الادمان على فعلها، و التمرن على الاتيان بها، لان المرون على الفعل يكسب الفاعل ملكه تقتضى سهولته عليه.

و العون هاهنا: هو اللطف المقرب من الطاعه، المبعد من القبيح.

ثم قال (ع): (انه يقول على الالسنه، و يثبت الافئده)، و هذا من باب التوسع و المجاز، لانه لما كان مستهلا للقول اطلق عليه انه يقول على الالسنه، و لما كان الله تعالى هو الذى يثبت الافئده، كما قال: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت)، نسب التثبيت الى اللطف، لانه من فعل الله تعالى، كما ينسب الانبات الى المطر، و انما المنبت للزرع هو الله تعالى، و المطر فعله.

ثم قال (ع): (فيه كفاء لمكتف، و شفاء لمشتف)، و الوجه فيه (كفايه)، فان الهمز لاوجه له هاهنا، لانه من باب آخر، و لكنه اتى بالهمزه للازدواج بين (كفاء)، و (شفاء) كما قالوا: الغدايا و العشايا، و كما قال (ع): (مازورات غير ماجورات)، فاتى بالهمز، و الوجه الواو، للازدواج.

(ذكر بعض احوال العارفين و الاولياء) ثم ذكر العارفين، فقال: (و اعلموا ان عبادالله المستحفظين علمه)، الى ق
وله: و (هذبه التمحيص).

و اعلم ان الكلام فى العرفان لم ياخذه اهل المله الاسلاميه الا عن هذا الرجل، و لعمرى لقد بلغ منه الى اقصى الغايات، و ابعد النهايات.

و العارفون هم القوم الذين اصطفاهم الله تعالى، و انتخبهم لنفسه، و اختصهم بانسه، احبوه فاحبهم، و قربوا منه فقرب منهم.

قد تكلم ارباب هذا الشان فى المعرفه و العرفان، فكل نطق بما وقع له، و اشار الى ما وجده فى وقته.

و كان ابوعلى الدقاق يقول: من امارات المعرفه حصول الهيبه من الله، فمن ازدادت معرفته ازدادت هيبته.

و كان يقول: المعرفه توجب السكينه فى القلب، كما ان العلم يوجب السكون، فمن ازدادت معرفته ازدادت سكينته.

و سئل الشبلى عن علامات العارف، فقال: ليس لعارف علامه، و لالمحب سكون، و لا لخائف قرار.

و سئل مره اخرى عن المعرفه، فقال: اولها الله، و آخرها ما لا نهايه له.

و قال ابوحفص الحداد: منذ عرفت الله ما دخل قلبى حق و لا باطل.

و قد اشكل هذا الكلام على ارباب هذا الشان، و تاوله بعضهم، فقال: عند القوم ان المعرفه توجب غيبه العبد عن نفسه لاستيلاء ذكر الحق عليه، فلا يشهد غير الله، و لايرجع الا اليه، و كما ان العاقل يرجع الى قلبه و تفكره و تذكره فيما يسنح له من امر، او يستقب
له من حال، فالعارف رجوعه الى ربه، لا الى قلبه، و كيف يدخل المعنى قلب من لا قلب له! و سئل ابويزيد البسطامى عن العرفان، فقال: (ان الملوك اذا دخلوا قريه افسدوها و جعلوا اعزه اهلها اذله)، و هذا معنى ما اشار اليه ابوحفص الحداد.

و قال ابويزيد ايضا: للخلق احوال، و لا حال للعارف، لانه محيت رسومه و فنى هو، و صارت هويته هويه غيره، و غيبت آثاره فى آثار غيره.

قلت: و هذا هو القول بالاتحاد الذى يبحث فيه اهل النظر.

و قال الواسطى: لاتصح المعرفه و فى العبد استغناء بالله، او افتقار اليه.

و فسر بعضهم هذا الكلام، فقال: ان الافتقار و الاستغناء من امارات صحو العبد و بقاء رسومه على ما كانت عليه، و العارف لايصح ذلك عليه، لانه لاستهلاكه فى وجوده، او لاستغراقه فى شهوده، ان لم يبلغ درجه الاستهلاك فى الوجود مختطف عن احساسه بالغنى و الفقر و غيرهما من الصفات، و لهذا قال الواسطى: من عرف الله انقطع و خرس و نقمع، و قال (ص) لااحصى ثناء عليك، انت كما اثنيت على نفسك.

و قال الحسين بن منصور الحلاج: علامه العارف ان يكون فارغا من الدنيا و الاخره.

و قال سهل بن عبدالله التسترى: غايه العرفان شيئان: الدهش و الحيره.

و قال ذو النون: اعرف الناس بالله اشده
م تحيرا فيه.

و قيل لابى يزيد: بما ذا وصلت الى المعرفه؟ قال: ببدن عار، و بطن جائع.

و قيل لابى يعقوب السوسى: هل يتاسف العارف على شى ء غير الله؟ فقال: و هل يرى شيئا غيره، ليتاسف عليه! و قال ابويزيد: العارف طيار، و الزاهد سيار.

و قال الجنيد: لايكون العارف عارفا حتى يكون كالارض يطوها البر و الفاجر، و كالسحاب يظل كل شى ء، و كالمطر يسقى ما ينبت و ما لاينبت.

و قال يحيى بن معاذ: يخرج العارف من الدنيا، و لايقضى وطره من شيئين: بكائه على نفسه، و حبه لربه.

و كان ابن عطاء يقول: اركان المعرفه ثلاثه: الهيبه، و الحياء، و الانس.

و قال بعضهم: العارف انس بالله فاوحشه من خلقه، و افتقر الى الله فاغناه عن خلقه، و ذل لله فاعزه فى خلقه.

و قال بعضهم: العارف فوق ما يقول، و العالم دون ما يقول.

و قال ابوسليمان الدارانى: ان الله يفتح للعارف على فراشه، ما لايفتح للعابد و هو قائم يصلى.

و كان رويم يقول: رياء العارفين افضل من اخلاص العابدين.

و سئل ابوتراب النخشبى عن العارف، فقال: هو الذى لايكدره شى ء، و يصفو به كل شى ء.

و قال بعضهم: المعرفه امواج ترفع و تحط.

و سئل يحيى بن معاذ عن العارف، فقال: الكائن البائن.

و قيل: ليس بعارف من وصف المعرفه ع
ند ابناء الاخره، فكيف عند ابناء الدنيا! و قال محمد بن الفضل: المعرفه حياه القلب مع الله.

و سئل ابوسعيد الخراز: هل يصير العارف الى حال يجفو عليه البكائ؟ قال نعم، انما البكاء فى اوقات سيرهم الى الله، فاذا صاروا الى حقائق القرب، و ذاقوا طعم الوصول، زال عنهم ذلك.

و اعلم ان اطلاق اميرالمومنين (ع) عليهم لفظه (الولايه)، فى قوله: (يتواصلون بالولايه، و يتلاقون بالمحبه) يستدعى الخوض فى مقامين جليلين من مقامات العارفين: المقام الاول الولايه، و هو مقام جليل، قال الله تعالى: (الا ان اولياء الله لاخوف عليهم و لا هم يحزنون).

و جاء فى الخبر الصحيح عن النبى (ص)، يقول الله تعالى: (من آذى لى وليا فقد استحل محارمى، و ما تقرب الى العبد بمثل اداء ما فرضت عليه، و لايزال العبد يتقرب الى بالنوافل حتى احبه، و لاترددت فى شى ء انا فاعله كترددى فى قبض نفس عبدى المومن يكره الموت و اكره مسائته، و لا بد له منه).

و اعلم ان الولى له معنيان: احدهما (فعيل) بمعنى (مفعول)، كقتيل و جريح، و هو من يتولى الله امره كما قال الله تعالى: (ان وليى الله الذى نزل الكتاب و هو يتولى الصالحين)، فلا يكله الى نفسه لحظه عين، بل يتولى رعايته.

و ثانيهما (فعيل) بمعنى (فاعل) كنذير و عليم، و هو الذى يتولى طاعه الله و عبادته فلا يعصيه.

و من شرط كون الولى وليا الا يعصى مولاه و سيده، كما ان من شرط كون النبى نبيا العصمه، فمن ظن فيه انه من الاولياء، و يصدر عنه ما للشرع فيه اعتراض، فليس بولى عند اصحاب هذا العلم.

بل
هو مغرور مخادع.

و يقال: ان ابايزيد البسطامى قصد بعض من يوصف بالولايه، فلما وافى مسجده، قعد ينتظر خروجه، فخرج الرجل و تنخم فى المسجد، فانصرف ابويزيد و لم يسلم عليه، و قال: هذا رجل غير مامون على ادب من آداب الشريعه، كيف يكون امينا على اسرار الحق! و قال ابراهيم بن ادهم لرجل: اتحب ان تكون لله وليا؟ قال: نعم، قال: لاترغب فى شى ء من الدنيا و لا من الاخره، و فرغ نفسك لله، و اقبل بوجهك عليه ليقبل عليك و يواليك.

و قال يحيى بن معاذ فى صفه الاولياء: هم عباد تسربلوا بالانس بعد المكابده، و ادرعوا بالروح بعد المجاهده، بوصولهم الى مقام الولايه.

و كان ابويزيد يقول: اولياء الله عرائس الله، و لايرى العرائس الا المحارم، فهم مخدرون عنده فى حجاب الانس، لايراهم احد فى الدنيا و لا فى الاخره.

و قال ابوبكر الصيدلانى: كنت اصلح لقبر ابى بكر الطمستانى لوحا انقر فيه اسمه، فيسرق ذلك اللوح، فانقر له لوحا آخر و انصبه على قبره، فيسرق، و تكرر ذلك كثيرا دون غيره من الواح القبور، فكنت اتعجب منه، فسالت اباعلى الدقاق عن ذلك، فقال: ان ذلك الشيخ آثر الخفاء فى الدنيا، و انت تريد ان تشهره باللوح الذى تنصبه على قبره فالله سبحانه يابى الا اخفاء قبره، ك
ما هو ستر نفسه.

و قال بعضهم: انما سمى الولى وليا، لانه توالت افعاله على الموافقه.

و قال يحيى بن معاذ: الولى لا يرائى و لا ينافق، و ما اقل صديق من يكون هذا خلقه! المقام الثانى المحبه قال الله سبحانه: (من يرتد منكم عن دينه فسوف ياتى الله بقوم يحبهم و يحبونه)، و المحبه عند ارباب هذا الشان حاله شريفه.

قال ابويزيد البسطامى: المحبه استقلال الكثير من نفسك، و استكثار القليل من حبيبك.

و قال ابوعبدالله القرشى: المحبه ان تهب كلك لمن احببت، فلا يبقى لك منك شى ء.

و اكثرهم على نفى صفه العشق، لان العشق مجاوزه الحد فى المحبه، و البارى ء سبحانه اجل من ان يوصف بانه قد تجاوز احد الحد فى محبته.

سئل الشبلى عن المحبه، فقال: هى ان تغار على المحبوب ان يحبه احد غيرك.

و قال سمنون: ذهب المحبون بشرف الدنيا و الاخره، لان النبى (ص) قال: (المرء مع من احب)، فهم مع الله تعالى.

و قال يحيى بن معاذ: حقيقه المحبه ما لا ينقص بالجفاء، و لا يزيد بالبر.

و قال: ليس بصادق من ادعى محبته و لم يحفظ حدوده.

و قال الجنيد: اذا صحت المحبه سقطت شروط الادب.

و انشد فى معناه: اذا صفت الموده بين قوم و دام ودادهم سمج الثناء و كان ابوعلى الدقاق يقول: الست ترى ا
لاب الشفيق لايبجل ولده فى الخطاب، و الناس يتكلفون فى مخاطبته، و الاب يقول له: يا فلان، باسمه.

و قال ابويعقوب السوسى: حقيقه المحبه ان ينسى العبد حظه من الله، و ينسى حوائجه اليه.

قيل للنصر اباذى: يقولون انه ليس لك من المحبه شى ء.

قال: صدقوا، و لكن لى حسراتهم، فهو ذو احتراق فيه.

و قال النصراباذى ايضا: المحبه مجانيه السلو على كل حال، ثم انشد: و من كان فى طول الهوى ذاق سلوه فانى من ليلى لها غير ذائق و اكثر شى ء نلته وصالها امانى لم تصدق كلمحه بارق و كان يقال: الحب اوله خبل، و آخره قتل.

و قال ابوعلى الدقاق فى معنى قول النبى (ص): (حبك الشى ء يعمى و يصم)، قال: يعمى و يصم عن الغير اعراضا و عن المحبوب هيبه، ثم انشد: اذا ما بدا لى تعاظمته فاصدر فى حال من لم يره.

و قال الجنيد: سمعت الحارث المحاسبى، يقول: المحبه اقبالك على المحبوب بكليتك، ثم ايثارك له على نفسك، و مالك و ولدك، ثم موافقتك له فى جميع الامور سرا و جهرا، ثم اعتقادك بعد ذلك انك مقصر فى محبته.

و قال الجنيد: سمعت السرى يقول: لاتصلح المحبه بين اثنين حتى يقول الواحد للاخر: يا انا.

و قال الشبلى: المحب اذا سكت هلك، و العارف اذا لم يسكت هلك.

و قيل: المحبه
نار فى القلب تحرق ما سوى ود المحبوب.

و قيل: المحبه بذل الجهد، و الحبيب يفعل ما يشاء.

و قال الثورى: المحبه هتك الاستار، و كشف الاسرار.

حبس الشبلى فى المارستان بين المجانين، فدخل عليه جماعه، فقال: من انتم؟ قالوا محبوك ايها الشيخ.

فاقبل يرميهم بالحجاره، ففروا، فقال: اذا ادعيتم محبتى فاصبروا على بلائى.

كتب يحيى بن معاذ الى ابى يزيد البسطامى: قد سكرت من كثره ما شربت من كاس محبته.

فكتب اليه ابويزيد: غيرك شرب بحور السموات و الارض و ما روى بعد، و لسانه خارج، و يقول: هل من مزيد! و من شعرهم فى هذا المعنى: عجبت لمن يقول ذكرت ربى و هل انسى فاذكر ما نسيت! شربت الحب كاسا بعد كاس فما نفد الشراب و لا رويت و يقال: ان الله تعالى اوحى الى بعض الانبياء: اذا اطلعت على قلب عبد فلم اجد فيه حب الدنيا و الاخره، ملاته من حبى.

و قال ابوعلى الدقاق: ان فى بعض الكتب المنزله: عبدى، انا و حقك لك محب، فبحقى عليك كن لى محبا.

و قال عبدالله بن المبارك: من اعطى قسطا من المحبه، و لم يعط مثله من الخشيه، فهو مخدوع.

و قيل: المحبه ما تمحو اثرك، و تسلبك عن وجودك.

و قيل: المحبه سكر لايصحوا صاحبه الا بمشاهده محبوبه، ثم ان السكر الذى يحصل عند ال
مشاهده لايوصف.

و انشد: فاكسر القوم دور كاس و كان سكرى من المدير و كان ابوعلى الدقاق ينشد كثيرا: لى سكرتان و للندمان واحده شى ء خصصت به من بينهم وحدى و كان يحيى بن معاذ يقول: مثقال خردله من الحب احب الى من عباده سبعين سنه بلا حب.

و قال بعضهم: من اراد ان يكون محبا، فليكن كما حكى عن بعض الهند انه احب جاريه، فرحلت عن ذلك البلد، فخرج الفتى فى وداعها، فدمعت احدى عينيه دون الاخرى، فغمض التى لم تدمع اربعا و ثمانين سنه و لم يفتحها، عقوبه لانها لم تبك على فراق حبيبته.

و انشدوا فى هذا المعنى: بكت عينى غداه البين دمعا و اخرى بالبكاء بخلت علينا فعاقبت التى بخلت علينا بان غمضتها يوم التقيا و قيل: ان الله تعالى اوحى الى داوود (ع): انى حرمت على القلوب ان يدخلها حبى و حب غيرى.

و قيل: المحبه ايثار المحبوب على النفس، كامراه العزيز لما افرط بها الحب، قالت: (انا راودته عن نفسه و انه لمن الصادقين)، و فى الابتداء، قالت: (ما جزاء من اراد باهلك سوئا الا ان يسجن) فوركت الذنب فى الابتداء عليه، و نادت فى الانتهاء على نفسها بالخيانه.

و قال ابوسعيد الخراز: رايت النبى (ص) فى المنام، فقلت: يا رسول الله، اعذرنى، فان محبه الل
ه شغلتنى عن حبك، فقال: يا مبارك، من احب الله فقد احبنى.

ثم نعود الى تفسير الفاظ الفصل: قوله (ع): (يصونون مصونه)، اى يكتمون من العلم الذى استحفظوه ما يجب ان يكتم.

و يفجرون عيونه: يظهرون منه ما ينبغى اظهاره، و ذلك انه ليس ينبغى اظهار كل ما استودع العارف من الاسرار، و اهل هذا الفن يزعمون ان قوما منهم عجزوا عن ان يحملوا بما حملوه، فباحوا به فهلكوا، منهم الحسين بن منصور الحلاج.

و لابى الفتوح الجارودى المتاخر اتباع يعتقدون فيه مثل ذلك.

و الولايه، بفتح الواو: المحبه و النصره، و معنى (يتواصلون بالولايه) يتواصلون و هم اولياء، و مثله: (و يتلاقون بالمحبه) كما تقول: خرجت بسلاحى، اى خرجت و انا متسلح، فيكون موضع الجار و المجرور نصبا بالحال، او يكون المعنى ادق و الطف من هذا، و هو ان يتواصلوا بالولايه، اى بالقلوب لا بالاجسام، كما تقول: انا اراك بقلبى، و ازورك بخاطرى، و اواصلك بضميرى.

قوله: (و يتساقون بكاس رويه)، اى بكاس المعرفه، و الانس بالله، ياخذ بعضهم عن بعض العلوم و الاسرار، فكانهم شرب يتساقون بكاس من الخمر.

قال: (و يصدرون بريه) يقال: من اين ريتكم؟ مفتوحه الراء، اى من اين ترتوون المائ؟ قال: (لاتشوبهم الريبه)، اى لاتخالط
هم الظنه و التهمه، و لاتسرع فيهم الغيبه، لان اسرارهم مشغوله بالحق عن الخلق.

قال: (على ذلك عقد خلقهم و اخلاقهم)، الضمير فى (عقد) يرجع الى الله تعالى، اى على هذه الصفات و الطبائع عقد الخالق تعالى، خلقتهم و خلقهم، اى هم متهيئون لما صاروا اليه، كما قال (ع): (اذا ارادك لامر هياك له).

و قال (ع): (كل ميسر لما خلق له).

قال: (فعليه يتحابون، و به يتواصلون)، اى ليس حبهم بعضهم بعضا الا فى الله، و ليست مواصلتهم بعضهم بعضا الا لله، لا للهوى، و لا لغرض من اغراض الدنيا، انشد منشد عند عمر قول طرفه: فلو لا ثلاث هن من عيشه الفت وجدك لم احفل متى قام عودى فمنهن سبقى العاذلات بشربه كميت متى ما تعل بالماء تزبد كرى اذا نادى المضاف محنبا كسيد الغضا نبهته المتورد و تقصير يوم الدجن و الدجن معجب ببهكنه تحت الطراف المعمد فقال عمر: و انا لو لا ثلاث هن من عيشه الفتى، لم احفل متى قام عودى، حبى فى الله، و بغضى فى الله، و جهادى فى سبيل الله.

قوله (ع): (فكانوا كتفاضل البذر)، اى مثلهم مثل الحب الذى ينتفى للبذر، يستصلح بعضه، و يسقط بعضه.

قد ميزه التخليص: قد فرق الانتقاء بين جيده و رديئه.

و هذبه التمحيص، قال النبى (ص): (ان المرض
ليمحص الخطايا كما تمحص النار الذهب)، اى كما تخلص النار الذهب مما يشوبه.

ثم امر (ع) المكلفين بقبول كرامه الله و نصحه، و وعظه و تذكيره، و بالحذر من نزول القارعه بهم، و هى هاهنا الموت، و سميت الداهيه قارعه لانها تقرع، اى تصيب بشده.

قوله: (فليصنع لمتحوله)، اى فليعد ما يجب اعداده للموضع الذى يتحول اليه، تقول: اصنع لنفسك، اى اعمل لها.

قوله: (و معارف منتقله) معارف الدار: ما يعرفها المتوسم بها واحدها معرف، مثل معاهد الدار، و معالم الدار، و منه معارف المراه، و هو ما يظهر منها، كالوجه و اليدين.

و المنتقل، بالفتح: موضع الانتقال.

قوله: (فطوبى) هى (فعلى) من الطيب، قلبوا الياء واوا للضمه قبلها، و يقال: طوبى لك، و طوباك! بالاضافه.

و قول العامه: (طوبيك) بالياء غير جائز.

قوله: (لذى قلب سليم)، هو من الفاظ الكتاب العزيز، اى سليم من الغل و الشك.

قوله: (اطاع من يهديه)، اى قبل مشوره الناصح الامر له بالمعروف، و الناهى له عن المنكر.

و تجنب من يرديه، اى يهلكه باغوائه و تحسين القبيح له.

و الباء فى قوله: (ببصر من بصره)، متعلقه ب(اصاب).

قوله: (قبل ان تغلق ابوابه)، اى قبل ان يحضره الموت فلا تقبل توبته.

و الحوبه: الاثم.

و اماطته: ازالته،
و يجوز امطت الاذى عنه، و مطت الاذى عنه، اى نحيته، و منع الاصمعى منه الا بالهمزه.

خطبه 206-نيايش

الشرح:

قوله: (كثيرا) منصوب بانه صفه مصدر محذوف، اى دعاء كثيرا.

و ميتا منصوب على الحال، اى لم يفلق الصباح على ميتا، و لايجوز ان تكون (يصبح) ناقصه، و يكون (ميتا) خبرها، كما قال الراوندى، لان خبر (كان) و اخواتها، يجب ان يكون هو الاسم، الا ترى انهما مبتدا و خبر فى الاصل و اسم (يصبح) ضمير (الله) تعالى، و (ميتا) ليس هو الله سبحانه.

قوله: (و لامضروبا على عروقى بسوء)، اى و لا ابرص، و العرب تكنى عن البرص بالسوء، و من امثالهم: ما انكرك من سوء، اى ليس انكارى لك عن برص حدث بك فغير صورتك.

و اراد بعروقه اعضائه، و يجوز ان يريد: و لامطعونا فى نسبى، و التفسير الاول اظهر.

(و لاماخوذا باسوا عملى)، اى و لامعاقبا بافحش ذنوبى.

و لامقطوعا دابرى، اى عقبى و نسلى.

و الدابر فى الاصل: التابع، لانه ياتى دبرا، و يقال للهالك: قد قطع الله دابره، كانه يراد انه عفا اثره، و محا اسمه، قال سبحانه: (ان دابر هولاء مقطوع مصبحين).

و لا مستوحشا، اى و لا شاكا فى الايمان، لان من شك فى عقيده استوحش منها.

و لامتلبسا عقلى، اى و لا مختلطا عقلى، لبست عليهم الامر بالفتح، اى خلطته و عذاب الامم من قبل المسخ و الزلزله و الظلمه و نحو ذلك.

قوله: (لك الحجه على، و لا حجه لى)، لان الله سبحانه قد كلفه بعد تمكينه و اقداره و اعلامه قبح القبيح و وجوب الواجب و ترديد دواعيه الى الفعل و تركه، و هذه حجه الله تعالى على عباده، و لا حجه للعباد عليه، لانه ما كلفهم الا بما يطيقونه، و لا كان لهم لطف فى امر الا و فعله.

قوله: (لااستطيع ان آخذ الا ما اعطيتنى، و لااتقى الا ما وقيتنى)، اى لااستطيع ان ارزق نفسى امرا، و لكنك الرزاق، و لاادفع عن نفسى محذورا من المرض و الموت الا ما دفعته انت عنى.

و قال الشاعر: لعمرك ما يدرى الفتى كيف يتقى نوائب هذا الدهر ام كيف يحذر! يرى الشى ء مما يتقى فيخافه و ما لايرى مما يقى الله اكثر قال عبدالله بن سليمان بن وهب: كفايه الله اجدى من توقينا و عاده الله فى الاعداء تكفينا كاد الاعادى فما ابقوا و لاتركوا عيبا و طعنا و تقبيحا و تهجينا و لم نزد نحن فى سر و فى علن على مقالتنا الله يكفينا و كان ذاك و رد الله حاسدنا بغيظه لم ينل ماموله فينا قوله (ع): (ان افتقر فى غناك)، موضع الجار و المجرور نصب على الحال، و (فى) متعلقه بمحذوف، و المعنى ان افتقر و انت الموصوف بالغنى الفائض على الخلق، و كذلك قوله: (او اضل فى هداك)، معناه: او
اضل و انت ذو الهدايه العامه للبشر كافه، و كذلك: (او اضام فى سلطانك)، كما يقول المستغيث الى السلطان: كيف اظلم فى عدلك! و كذلك قوله: (او اضطهد و الامر لك)، اى و انت الحاكم صاحب الامر، و الطاء فى (اضطهد) هى تاء الافتعال، و اصل الفعل ضهدت فلانا، فهو مضهود، اى قهرته و فلان ضهده لكل احد، اى كل من شاء ان يقهره فعل.

قوله: (اللهم اجعل نفسى)، هذه الدعوه مثل دعوه رسول الله (ص)، و هى قوله: (اللهم متعنا باسماعنا و ابصارنا، و اجعله الوارث منا)، اى لاتجعل موتنا متاخرا عن ذهاب حواسنا.

و كان على بن الحسين يقول فى دعائه: اللهم احفظ على سمعى و بصرى، الى انتهاء اجلى.

و فسروا قوله (ع): (و اجعله الوارث منا)، فقالوا: الضمير فى و (اجعله) يرجع الى الامتاع.

فان قلت: كيف يتقى الامتاع بالسمع و البصر، بعد خروج الروح؟ قلت: هذا توسع فى الكلام، و المراد: لا تبلنا بالعمى و لا الصمم، فنكون احياء فى الصوره و لسنا باحياء فى المعنى، لان من فقدهما خير له فى الحياه، فحملته المبالغه على ان طلب بقائهما بعد ذهاب النفس، ايذانا و اشعارا بحبه الا يبلى بفقدهما.

و نفتتن، على ما لم يسم فاعله: نصاب بفتنه تضلنا عن الدين، و روى: (نفتتن) بفتح حرف المضارعه على
(نفتعل)، افتتن الرجل اى فتن، و لايجوز ان يكون الافتتان متعديا كما ذكره الراوندى، و لكنه قرا فى "الصحاح" للجوهرى: (و الفتون: الافتتان، يتعدى و لايتعدى)، فظن ان ذلك للافتتان و ليس كما ظن، و انما ذلك راجع الى الفتون.

و التتابع: التهافت فى اللجاج و الشر، و لايكون الا فى مثل ذلك، و روى او (تتابع) بطرح احدى التائات.

/ 614