خطبه 200-در خانه علاء حارثى
الشرح:
كنت هاهنا زائده، مثل قوله تعالى: (كيف نكلم من كان فى المهد صبيا).و قوله: و بلى ان شئت بلغت بها الاخره، لفظ فصيح، كانه استدرك، و قال: و بلى على انك قد تحتاج اليها فى الدنيا لتجعلها وصله الى نبل الاخره.بان تقرى فيها الضيف، و الضيف لفظ يقع على الواحد و الجمع، و قد يجمع فيقال: ضيوف و اضياف، و الرحم: القرابه.و تطلع منها الحقوق مطالعها: توقعها فى مظان استحقاقها.و العباء جمع عبائه، و هى الكساء و قد تلين، كما قالوا: عظائه و عظايه، و صلائه و صلايه.و تقول: على بفلان، اى احضره، و الاصل اعجل به على، فحذف فعل الامر، و دل الباقى عليه.و يا عدى نفسه، تصغير (عدو)، و قد يمكن ان يراد به التحقير المحض هاهنا، و يمكن ان يراد به الاستعظام لعداوته لها، و يمكن ان يخرج مخرج التحنن و الشفقه كقولك: يا بنى.و استهام بك الخبيث، يعنى الشيطان، اى جعلك هائما ضالا، و الباء زائده.فان قيل: ما معنى قوله (ع): (انت اهون على الله من ذلك)؟ قلت: لان فى المشاهد قد يحل الواحد منا لصاحبه فعلا مخصوصا، محاباه و مراقبه له، و هو يكره ان يفعله، و البشر اهون على الله تعالى من ان يحل لهم امرا مجامله و استصلاحا للحال معهم، و هو يكره منهم فعله.و قوله: (هذا انت!)، اى فما بالنا نراك خشن الملبس! و التقدير: (فها انت تفعل كذا، فكيف تنهى عنه!) و طعام جشب، اى غليظ، و كذلك مجشوب، و قيل: انه الذى لا ادم معه.قوله (ع): ان يقدروا انفسهم بضعفه الناس)، اى يشبهوا و يمثلوا.و تبيغ الدم بصاحبه، و تبوغ به، اى هاج به، و فى الحديث: (عليكم بالحجامه لا يتبيغ باحدكم الدم فيقتله)، و قيل: اصل (يتبيغ) يتبغى، فقلب، جذب و جبذ، اى يجب على الامام العادل ان يشبه نفسه فى لباسه و طعامه بضعفه الناس- جمع ضعيف- لكيلا يهلك الفقراء من الناس، فانهم اذا راوا امامهم بتلك الهيئه و بذلك المطعم، كان ادعى لهم الى سلوان لذات الدنيا و الصبر عن شهوات النفوس.(ذكر بعض مقامات العارفين و الزهاد) و روى ان قوما من المتصوفه دخلوا خراسان على على بن موسى الرضى، فقالوا له: ان اميرالمومنين فكر فيما ولاه الله من الامور، فرآكم- اهل البيت- اولى الناس، ان توموا الناس، و نظر فيك من اهل البيت، فرآك اولى الناس بالناس، فراى ان يرد هذا الامر اليك، و الامامه تحتاج الى من ياكل الجشب، و يلبس الخشن، و يركب الحمار، و يعود المريض.فقال لهم: ان يوسف كان نبيا، يلبس اقبيه الديباج المزرره بالذهب، و يجلس ع
لى متكات آل فرعون، و يحكم، انما يراد من الامام قسطه و عدله، اذا قال صدق، و اذا حكم عدل، و اذا وعد انجز، ان الله لم يحرم لبوسا و لا مطعما، ثم قرا: (قل من حرم زينه الله التى اخرج لعباده و الطيبات من الرزق....) الايه.و هذا القول مخالف للقانون الذى اشار اميرالمومنين اليه، و للفلاسفه فى هذا الباب كلام لا باس به، و قد اشار اليه ابوعلى بن سينا فى كتاب "الاشارات" و عليه يتخرج قولا اميرالمومنين و على بن موسى الرضى (ع).قال ابوعلى فى مقامات العارفين: (العارفون قد يختلفون فى الهمم بحسب ما يختلف فيهم من الخواطر، على حسب ما يختلف عندهم من دواعى العبر، فربما استوى عند العارف القشف و الترف، بل ربما آثر القشف، و كذلك ربما سوى عنده التفل و العطر، بل ربما آثر التفل، و ذلك عند ما يكون الهاجس بباله، استحقار ما عدا الحق، و ربما صغا الى الزينه، و احب من كل شى ء عقيلته، و كره الخداج و السقط، و ذلك عند ما يعتبر عادته من صحبته الاحوال الظاهره، فهو يرتاد اليها فى كل شى ء، لانه مزيه خطوه من العنايه الاولى، و اقرب ان يكون من قبيل ما عكف عليه بهواه، و قد يختلف هذا فى عارفين، و قد يختلف فى عارف بحسب وقتين.و اعلم ان الذى رويته عن الشيوخ
، و رايته بخط عبدالله بن احمد بن الخشاب رحمه الله، ان الربيع بن زياد الحارثى، اصابته نشابه فى جبينه، فكانت تنتقض عليه فى كل عام، فاتاه على (ع) عائدا، فقال: كيف تجدك اباعبدالرحمن؟ قال: اجدنى يا اميرالمومنين لو كان لايذهب ما بى الا بذهاب، بصرى لتمنيت ذهابه، قال: و ما قيمه بصرك عندك! قال: لو كانت لى الدنيا لفديته بها، قال: لاجرم! ليعطينك الله على قدر ذلك.ان الله تعالى يعطى على قدر الالم و المصيبه، و عنده تضعيف كثير.قال الربيع: يا اميرالمومنين، الا اشكوا اليك عاصم بن زياد اخى؟ قال: ما له، قال: لبس العباء، و ترك الملاء، و غم اهله، و حزن ولده.فقال على: ادعوا لى عاصما، فلما اتاه عبس فى وجهه، و قال: ويحك يا عاصم! اترى الله اباح لك اللذات، و هو يكره ما اخذت منها! لانت اهون على الله من ذلك.او ما سمعته يقول: (مرج البحرين يلتقيان)، ثم يقول: (يخرج منهما اللولو و المرجان) و قال: (و من كل تاكلون لحما طريا و تستخرجون حليه تلبسونها)، اما و الله ان ابتذال نعم الله بالفعال احب اليه من ابتذالها بالمقال، و قد سمعتم الله يقول: (و اما بنعمه ربك فحدث)، و قوله: (من حرم زينه الله التى اخرج لعباده و الطيبات من الرزق)، ان الله خاطب
المومنين بما خاطب به المرسلين، فقال: (يا ايها الذين آمنوا كلوا من الطيبات ما رزقناكم)، و قال: (يا ايها الرسل كلوا من الطيبات و اعملوا صالحا) و قال رسول الله (ص) لبعض نسائه: (ما لى اراك شعثاء مرهاء سلتاء!).قال عاصم: فلم اقتصرت يا اميرالمومنين على لبس الخشن، و اكل الجشب؟ قال: ان الله تعالى افترض على ائمه العدل ان يقدروا لانفسهم بالقوام، كيلا يتبيغ بالفقير فقره.فما قام على (ع) حتى نزع عاصم العباء، و لبس ملائه.و الربيع بن زياد هو الذى افتتح بعض خراسان، و فيه قال عمر: دلونى على رجل اذا كان فى القوم اميرا فكانه ليس بامير، و اذا كان فى القوم ليس بامير فكانه الامير بعينه! و كان خيرا متواضعا و هو صاحب الوقعه مع عمر لما احضر العمال فتوحش له الربيع، و تقشف و اكل معه الجشب من الطعام، فاقره على عمله، و صرف الباقين، و قد ذكرنا هذه الحكايه فيما تقدم.و كتب زياد بن ابيه الى الربيع بن زياد، و هو على قطعه من خراسان: ان اميرالمومنين معاويه كتب الى يامرك ان تحرز الصفراء و البيضاء و تقسم الخرئى و ما اشبهه على اهل الحرب.فقال له الربيع: انى وجدت كتاب الله قبل كتاب اميرالمومنين، ثم نادى فى الناس: ان اغدوا على غنائمكم، فاخذ الخم
س و قسم الباقى على المسلمين، ثم دعا الله ان يميته، فما جمع حتى مات.و هو الربيع بن زياد بن انس بن ديان بن قطر بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعه بن كعب بن مالك بن كعب بن الحارث بن عمرو بن وعله بن خالد بن مالك بن ادد.و اما العلاء بن زياد الذى ذكره الرضى رحمه الله فلا اعرفه، لعل غيرى يعرفه.