حکمت 444 - شرح نهج البلاغه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شرح نهج البلاغه - نسخه متنی

ابن ابی الحدید معتزلی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

حکمت 444

الشرح:

ذكر هذا الكلام ابو عمر بن عبد البر فى كتاب "الاستيعاب" عن اميرالمومنين (ع) فى عبدالله بن الزبير، الا انه لم يذكر لفظه المشئوم.

(عبدالله بن الزبير و ذكر طرف من اخباره) و نحن نذكر ما ذكره ابن عبد البر فى ترجمه عبدالله بن الزبير، فان هذا المصنف يذكر جمل احوال الرجل دون تفاصيلها، ثم نذكر تفصيل احواله من مواضع اخرى.

قال ابوعمر رحمه الله: يكنى عبدالله بن الزبير ابابكر، و قال بعضهم: ابابكير، ذكر ذلك ابواحمد الحاكم الحافظ فى كتابه فى الكنى.

و الجمهور من اهل السير و اهل الاثر على ان كنيته ابوبكر، و له كنيه اخرى ابوخبيب بابنه خبيب و كان اسن ولده، و خبيب هو صاحب عمر بن عبدالعزيز الذى مات من ضربه اذ كان واليا على المدينه للوليد، و كان الوليد امره بضربه فمات من اذيه ذلك فوداه عمر بعد.

قال ابوعمر: و سماه رسول الله (ص) باسم جده، و كناه بكنيه جده عبدالله ابى بكر، و هاجرت امه اسماء من مكه الى المدينه و هى حامل به، فولدته فى سنه اثنتين من الهجره لعشرين شهرا من التاريخ، و قيل: ولد فى السنه الاولى، و هو اول مولود ولد فى الاسلام من المهاجرين بعد الهجره.

و روى هشام بن عروه عن اسماء قالت: حملت بعبدالله ب
مكه، فخرجت و انا متم فاتيت المدينه فنزلت بقباء، فولدته بقباء، ثم اتيت رسول الله (ص) فوضعته فى حجره، فدعا بتمره فمضغها ثم تفل فى فيه، فكان اول شى ء دخل جوفه ريق رسول الله (ص)، ثم حنكه بالتمره، ثم دعا له و بارك عليه، و هو اول مولود ولد فى الاسلام للمهاجرين بالمدينه، قال: ففرحوا به فرحا شديدا، و ذلك انهم قد كان قيل لهم: ان اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم.

قال ابوعمر: و شهد عبدالله الجمل مع ابيه و خالته، و كان شهما ذكرا ذا انفه، و كان له لسن و فصاحه و كان اطلس لا لحيه له و لا شعر فى وجهه، و كان كثير الصلاه، كثير الصيام، شديد الباس، كريم الجدات و الامهات و الخالات، الا انه كان فيه خلال لايصلح معها للخلافه، فانه كان بخيلا ضيق العطن سيى ء الخلق حسودا، كثيرا الخلاف، اخرج محمد بن الحنفيه من مكه و المدينه، و نفى عبدالله ابن عباس الى الطائف.

و قال على (ع) فى امره: ما زال الزبير يعد منا اهل البيت حتى نشا ابنه عبدالله.

قال ابوعمر: و بويع له بالخلافه سنه اربع و ستين فى قول ابى معشر.

و قال المدائنى: بويع له بالخلافه سنه خمس و ستين.

و كان قبل ذلك لا يدعى باسم الخلافه، و كانت بيعته بعد موت معاويه بن يزيد ابن معاويه، على طاعته
اهل الحجاز و اليمن و العراق و خراسان، و حج بالناس ثمانى حجج، و قتل فى ايام عبدالملك بن مروان يوم الثلاثاء لثلاث عشره بقين من جمادى الاولى، و قيل من جمادى الاخره سنه ثلاث و سبعين، و هو ابن اثنتين و سبعين سنه، و صلب بمكه بعد قتله، و كان الحجاج قد ابتدا بحصاره من اول ليله من ذى الحجه سنه اثنتين و سبعين، و حج الحجاج بالناس فى ذلك العام، و وقف بعرفه و عليه درع و مغفر، و لم يطوفوا بالبيت فى تلك السنه.

فحاصره سته اشهر و سبعه عشر يوما الى ان قتله.

قال ابوعمر: فروى هشام بن عروه عن ابيه، قال: لما كان قبل قتل عبدالله بعشره ايام دخل على امه اسماء بنت ابى بكر و هى شاكيه، فقال: كيف تجدينك يا امه؟ قالت: ما اجدنى الا شاكيه، فقال لها: ان فى الموت لراحه، فقالت: لعلك تمنيته لى، و ما احب ان اموت حتى ياتى على احدى حالتيك، اما قتلت فاحتسبك، و اما ظفرت بعدوك فقرت عينى.

قال عروه: فالتفت عبدالله الى و ضحك، فلما كان اليوم الذى قتل فيه دخل عليها فى المسجد، فقالت: يا بنى لا تقبل منهم خطه تخاف فيها على نفسك الذل (مخافه القتل)، فو الله لضربه سيف فى عز خير من ضربه سوط فى مذله، قال: فخرج عبدالله و قد نصب له مصراع عند الكعبه، فكان يكون تحته
، فاتاه رجل من قريش فقال له: الا نفتح لك باب الكعبه فتدخلها؟ فقال: و الله لو وجدوكم تحت استار الكعبه لقتلوكم عن آخركم، و هل حرمه البيت الا كحرمه الحرم! ثم انشد: و لست بمبتاع الحياه بسبه و لا مرتق من خشيه الموت سلما ثم شد عليه اصحاب الحجاج، فسال عنهم، فقيل: هولاء اهل مصر، فقال لاصحابه: اكسروا اغماد سيوفكم، و احملوا معى، فاننى فى الرعيل الاول، ففعلوا، ثم حمل عليهم و حملوا عليه، فكان يضرب بسيفين، فلحق رجلا فضربه فقطع يده، و انهزموا و جعل يضربهم حتى اخرجهم من باب المسجد، و جعل رجل منهم اسود يسبه، فقال له: اصبر يابن حام، ثم حمل عليه فصرعه، ثم دخل عليه اهل حمص من باب بنى شيبه فسال عنهم، فقيل: هولاء اهل حمص، فشد عليهم و جعل يضربهم بسيفه حتى اخرجهم من المسجد، ثم انصرف و هو يقول: لو كان قرنى و احدا ارديته اوردته الموت و قد ذكيته ثم دخل عليه اهل الاردن من باب آخر، فقال: من هولائ؟ قيل: اهل الاردن، فجعل يضربهم بسيفه حتى اخرجهم من المسجد، ثم انصرف و هو يقول: لا عهد لى بغاره مثل السيل لا ينجلى قتامها حتى الليل فاقبل عليه حجر من ناحيه الصفا فاصابه بين عينيه، فنكس راسه و هو يقول: و لسنا على الاعقاب تدمى كلومنا
و لكن على اقدامنا تقطر الدما انشده متمثلا، و حماه موليان له، فكان احدهما يرتجز فيقول: العبد يحمى ربه و يحتمى قال: ثم اجتمعوا عليه، فلم يزالوا يضربونه و يضربهم حتى قتلوه و مولييه جميعا، فلما قتل كبر اهل الشام، فقال عبدالله بن عمر: المكبرون يوم ولد خير من المكبرين يوم قتل.

قال ابوعمر: و قال يعلى بن حرمله: دخلت مكه بعد ما قتل عبدالله بن الزبير بثلاثه ايام، فاذا هو مصلوب، فجائت امه اسماء، و كانت امراه عجوزا طويله مكفوفه البصر تقاد، فقالت للحجاج: اما آن لهذا الراكب ان ينزل؟ فقال لها: المنافق؟ قالت: و الله ما كان منافقا، و لكنه كان صواما قواما برا، قال: انصرفى فانك عجوز قد خرفت.

قالت: لا و الله ما خرفت، و انى سمعت رسول الله (ص): (يقول يخرج من ثقيف كذاب و مبير)، اما الكذاب فقد رايناه- تعنى المختار- و اما المبير فانت.

قال ابوعمر: و روى سعيد بن عامر الخراز عن ابن ابى مليكه، قال: كنت الاذن لمن بشر اسماء بنزول ابنها عبدالله من الخشبه، فدعت بمركن و شب يمان، فامرتنى بغسله، فكنا لا نتناول منه عضوا الا جاء معنا، فكنا نغسل العضو و ندعه فى اكفانه و نتناول العضو الذى يليه فنغسله، ثم نضعه فى اكفانه، حتى فرغنا منه، ثم قامت فصل
ت عليه، و قد كانت تقول: اللهم لا تمتنى حتى تقر عينى بجثته، فلما دفنته لم يات عليها جمعه حتى ماتت.

قال ابوعمر: و قد كان عروه بن الزبير رحل الى عبدالملك، فرغب اليه فى انزال عبدالله من الخشبه، فاسعفه بذلك، فانزل.

قال ابوعمر: و قال على بن مجاهد: قتل مع ابن الزبير مائتان و اربعون رجلا، ان منهم لمن سال دمه فى جوف الكعبه.

قال ابوعمر: و روى عيسى عن ابى القاسم، عن مالك بن انس، قال: كان ابن الزبير افضل من مروان و اولى بالامر منه و من ابيه، قال و قد روى على بن المدائنى، عن سفيان بن عيينه، ان عامر بن عبدالله بن الزبير مكث بعد قتل ابيه حولا لا يسال الله لنفسه شيئا الا الدعاء لابيه.

قال ابوعمر: و روى اسماعيل بن عليه، عن ابى سفيان بن العلاء، عن ابن ابى عتيق، قال: قالت عائشه: اذا مر ابن عمر فارونيه، فلما مر قالوا: هذا ابن عمر فقالت: يا ابا عبدالرحمن، ما منعك ان تنهانى عن مسيرى، قال: رايت رجلا قد غلب عليك، و رايتك لا تخالفينه- يعنى عبدالله بن الزبير- فقالت: اما انك لو نهيتنى ما خرجت.

فاما الزبير بن بكار فانه ذكر فى كتاب "انساب" قريش من اخبار عبدالله و احواله جمله طويله نحن نختصرها، و نذكر اللباب منها، مع انه قد اذنب فى ذكر ف
ضائله و الثناء عليه، و هو معذور فى ذلك، فانه لا يلام الرجل على حب قومه، و الزبير ابن بكار احد اولاد عبدالله بن الزبير، فهو احق بتقريظه و تابينه.

قال الزبير بن بكار: امه اسماء ذات النطاقين ابنه ابى بكر الصديق، و انما سميت ذات النطاقين لان رسول الله (ص) لما تجهز مهاجرا الى المدينه و معه ابوبكر لم يكن لسفرتهما شناق، فشقت اسماء نطاقها فشنقتها به، فقال لها رسول الله (ص): قد ابدلك الله تعالى بنطاقك هذا نطاقين فى الجنه، فسميت ذات النطاقين.

قال: و قد روى محمد بن الضحاك: عن ابيه ان اهل الشام كانوا و هم يقاتلون عبدالله بمكه يصيحون: يا بن ذات النطاقين، يظنونه عيبا، فيقول ابنها: و الاله، ثم يقول: انى و اياكم لكما قال ابوذويب: و عيرنى الواشون انى احبها و تلك شكاه ظاهر عنك عارها فان اعتذر عنها فانى مكذب و ان تعتذر يردد عليك اعتذارها ثم يقبل على ابن ابى عتيق- و هو عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن بن ابى بكر- فيقول: الا تسمع يابن ابى عتيق! قال الزبير: و زعموا ان عبدالله بن الزبير لما ولد اتى به رسول الله (ص)، فنظر فى وجهه و قال: (اهو هو؟ ليمنعن البيت او ليموتن دونه).

و قال العقيلى فى ذلك: بر تبين ما قال الرسول له و ذ
و صلاه بضاحى وجهه علم حمامه من حمام البيت قاطنه لاتتبع الناس ان جاروا و ان ظلموا قال: و قد روى نافع بن ثابت، عن محمد بن كعب القرظى، ان رسول الله (ص) دخل على اسماء حين ولد عبدالله فقال: اهو هو؟ فتركت اسماء رضاعه، فقيل لرسول الله (ص): ان اسماء تركت رضاع عبدالله لما سمعت كلمتك، فقال لها: (ارضعيه و لو بماء عينيك، كبش بين ذئاب عليها ثياب، ليمنعن الحرم او ليموتن دونه).

قال: و حدثنى عمى مصعب بن عبدالله، قال: كان عبدالله بن الزبير يقول: هاجرت بى امى فى بطنها، فما اصابها شى ء من نصب او مخمصه الا و قد اصابنى.

قال: و قالت عائشه: يا رسول الله، الا تكنينى؟ فقال: تكنى باسم ابن اختك عبدالله، فكانت تكنى ام عبدالله.

قال: و روى هند بن القاسم، عن عامر بن عبدالله بن الزبير، عن ابيه، قال: احتجم رسول الله (ص)، ثم دفع الى دمه، فقال: اذهب به فواره حيث لا يراه احد، فذهبت به فشربته، فلما رجعت قال: ما صنعت؟ قلت: جعلته فى مكان اظن انه اخفى مكان عن الناس، فقال: فلعلك شربته؟ فقلت: نعم.

قال: و قال وهب بن كيسان: اول من صف رجليه فى الصلاه عبدالله بن الزبير فاقتدى به كثير من العباد، و كان مجتهدا.

قال: و خطب الحجاج بعد قتله زجله بنت منظو
ر بن زبان بن سيار الفزاريه، و هى ام هاشم بن عبدالله بن الزبير، فقلعت ثنيتها و ردته، و قالت: ماذا يريد الى ذلفاء ثكلى حرى و قالت: ابعد عائذ بيت الله تخطبنى جهلا جهلت و غب الجهل مذموم فاذهب اليك فانى غير ناكحه بعد ابن اسماء ما استن الدياميم من يجعل العير مصفرا جحافله مثل الجواد و فضل الله مقسوم قال: و حدثنى عبدالملك بن عبدالعزيز، عن خاله يوسف بن الماجشون، قال قسم عبدالله بن الزبير الدهر على ثلاث ليال: فليله هو قائم حتى الصباح، و ليله هو راكع حتى الصباح، و ليله هو ساجد حتى الصباح.

قال: و حدثنا سليمان بن حرب باسناد ذكره و رفعه الى مسلم المكى، قال: ركع عبدالله بن الزبير يوما ركعه، فقرات البقره و آل عمران و النساء و المائده، و ما رفع راسه.

قال: و قد حدث من لا احصيه كثره من اصحابنا، ان عبدالله كان يواصل الصوم سبعا، يصوم يوم الجمعه فلا يفطر الا يوم الجمعه الاخر، و يصوم بالمدينه فلا يفطر الا بمكه، و يصوم بمكه فلا يفطر الا بالمدينه.

قال: و قال عبدالملك بن عبدالعزيز: و كان اول ما يفطر عليه اذا افطر لبن لقحه بسمن بقر، قال الزبير: و زاد غيره: و صبر.

قال: و حدثنى يعقوب بن محمد بن عيسى باسناد رفعه الى عروه بن ا
لزبير، قال: لم يكن احد احب الى عائشه بعد رسول الله (ص) و بعد ابى بكر من عبدالله بن الزبير.

قال: و حدثنى يعقوب بن محمد باسناد يرفعه الى عبدالرحمن بن القاسم، عن ابيه قال: ما كان احد اعلم بالمناسك من ابن الزبير.

قال: و حدثنى مصعب بن عثمان، قال: اوصت عائشه الى عبدالله بن الزبير و اوصى اليه حكيم بن حزام و عبدالله بن عامر بن كريز و الاسود بن ابى البخترى و شيبه بن عثمان و الاسود بن عوف.

قال الزبير: و حدث عمر بن قيس، عن امه قالت: دخلت على عبدالله بن الزبير بيته، فاذا هو قائم يصلى، فسقطت حيه من البيت على ابنه هاشم بن عبدالله فتطوقت على بطنه و هو نائم، فصاح اهل البيت: الحيه الحيه! و لم يزالوا بها حتى قتلوها و عبدالله قائم يصلى ما التفت و لا عجل، ثم فرغ من صلاته بعد ما قتلت الحيه فقال: ما بالكم؟ فقالت ام هاشم: اى رحمك الله، ارايت ان كنا هنا عليك ايهون عليك ابنك! قال: ويحك! و ما كانت التفاته لو التفتها مبقيه من صلاتى.

قال الزبير: و عبدالله اول من كسا الكعبه الديباج، و ان كان ليطيبها حتى يجد ريحها من دخل الحرم.

قال: و لم تكن كسوه الكعبه من قبله الا المسوح و الانطاع، فلما جرد المهدى بن المنصور الكعبه، كان فيما نزع عنها كس
وه من ديباج مكتوب عليها: لعبدالله ابى بكر اميرالمومنين.

قال: و حدثنى يحيى بن معين باسناد رفعه الى هشام بن عروه، ان عبدالله بن الزبير اخذ من بين القتلى يوم الجمل و به بضع و اربعون طعنه و ضربه.

قال الزبير: و اعتلت عائشه مره، فدخل عليها بنو اختها اسماء: عبدالله و عروه و المنذر، قال عروه: فسالناها عن حالها، فشكت الينا نهكه من علتها فعزاها عبدالله عن ذلك، فاجابته بنحو قولها، فعاد لها بالكلام، فعادت له بالجواب، فصمت و بكى، قال عروه: فما راينا متحاورين من خلق الله ابلغ منهما.

قال: ثم رفعت راسها تنظر الى وجهه، فابهتت لبكائه، فبكت ثم قالت: ما احقنى منك يا بنى، ما ارى.

فلم اعلم بعد رسول الله (ص) و بعد ابوى احدا انزل عندى منزلتك، قال عروه: و ما سمعت عائشه و امى اسماء تدعون لاحد من الخلق دعائهما لعبدالله، قال: و قال موسى بن عقبه: اقرانى عامر بن عبدالله بن الزبير وصيه عبدالله بن مسعود الى الزبير بن العوام و الى عبدالله بن الزبير من بعده، و انهما فى وصيتى فى حل و بل.

قال: و روى ابوالحسن المدائنى، عن ابى اسحق التميمى، ان معاويه سمع رجلا ينشد: ابن رقاش ماجد سميدع يابى فيعطى عن يد او يمنع فقال: ذلك عبدالله بن الزبير: و ك
ان عبدالله من جمله النفر الذين امرهم عثمان بن عفان ان ينسخوا القرآن فى المصاحف.

قال: و حدثنا محمد بن حسن، عن نوفل بن عماره، قال: سئل سعيد بن المسيب عن خطباء قريش فى الجاهليه، فقال: الاسود بن المطلب بن اسد، و سهيل بن عمرو.

و سئل عن خطبائهم فى الاسلام، فقال: معاويه و ابنه، و سعيد بن العاص و ابنه، و عبدالله بن الزبير.

قال: و حدثنا ابراهيم بن المنذر، عن عثمان بن طلحه، قال: كان عبدالله بن الزبير لاينازع فى ثلاث: شجاعه، و عباده، و بلاغه.

قال الزبير: و قال هشام بن عروه: رايت عبدالله ايام حصاره و الحجر من المنجنيق يهوى حتى اقول: كاد ياخذ بلحيته، فقال له ابى: ايا ابن ام، و الله ان كاد لياخذ بلحيتك، فقال عبدالله: دعنى يا ابن ام، فو الله ما هى الا هنه حتى كان الانسان لم يكن، فيقول ابى و هو يقبل علينا بوجهه: و الله ما اخشى عليك الا من تلك الهنه.

قال الزبير: فذكر هشام، قال: و الله لقد رايته يرمى بالمنجنيق فلا يلتفت و لا يرعد صوته، و ربما مرت الشظيه منه قريبا من نحره.

و قال الزبير: و حدثنا ابن الماجشون، عن ابن ابى مليكه عن ابيه قال: كنت اطوف بالبيت مع عمر بن عبدالعزيز، فلما بلغت الملتزم تخلفت عنده ادعو ثم لحقت عمر، فقال لى
: ما خلفك؟ قال: كنت ادعو فى موضع رايت عبدالله بن الزبير فيه يدعو، فقال: ما تترك تحنناتك على ابن الزبير ابدا! فقلت: و الله ما رايت احدا اشد جلدا على لحم، و لحما على عظم من ابن الزبير، و لارايت احدا اثبت قائما، و لا احسن مصليا من ابن الزبير، و لقد رايت حجرا من المنجنيق جائه فاصاب شرفه من المسجد، فمرت قذاذه منها بين لحيته و حلقه، فلم يزل من مقامه، و لا عرفنا ذلك فى صوته، فقال عمر: لا اله الا الله، لجاد ما وصفت! قال الزبير: و سمعت اسماعيل بن يعقوب التيمى يحدث، قال: قال عمر بن عبدالعزيز لابن ابى مليكه: صف لنا عبدالله بن الزبير، فانه ترمرم على اصحابنا فتغشمروا عليه، فقال: عن اى حاليه تسال؟ اعن دينه، ام عن دنياه؟ فقال: عن كل، قال: و الله ما رايت جلدا قط ركب على لحم و لا لحما على عصب، و لا عصبا على عظم، مثل جلده على لحمه و لا مثل لحمه على عصبه، و لا مثل عصبه على عظمه، و لارايت نفسا ركبت بين جنبين مثل نفس له ركبت بين جنبين، و لقد قام يوما الى الصلاه، فمر به حجر من حجاره المنجنيق، بلبنه مطبوخه من شرفات المسجد، فمرت بين لحييه و صدره، فو الله ما خشع لها بصره، و لاقطع لها قرائته، و لاركع دون الركوع الذى كان يركع، و لقد ك
ان اذا دخل فى الصلاه خرج من كل شى ء اليها، و لقد كان يركع فى الصلاه فيقع الرخم على ظهره و يسجد فكانه مطروح.

قال الزبير: و حدث هشام بن عروه، قال: سمعت عمى، يقول: ما ابالى اذا وجدت ثلاثمائه يصبرون صبرى، لو اجلب على اهل الارض.

قال الزبير: و قسم عبدالله بن الزبير ثلث ماله و هو حى، و كان ابوه الزبير قد اوصى ايضا بثلث ماله.

قال: و ابن الزبير احد الرهط الخمسه الذين وقع اتفاق ابى موسى الاشعرى و عمرو بن العاص على احضارهم، و الاستشاره بهم فى يوم التحكيم و هم: عبدالله بن الزبير، و عبدالله بن عمرو، و ابوالجهم بن حذيفه، و جبير بن مطعم، و عبدالرحمن بن الحارث بن هشام.

قال الزبير: و عبدالله هو الذى صلى بالناس بالبصره لما ظهر طلحه و الزبير على عثمان بن حنيف بامر منهما له.

قال: و اعطت عائشه من بشرها بان عبدالله لم يقتل يوم الجمل عشره آلاف درهم.

قلت: الذى يغلب على ظنى ان ذلك كان يوم افريقيه، لانها يوم الجمل كانت فى شغل بنفسها عن عبدالله و غيره.

قال الزبير: و حدثنى على بن صالح مرفوعا ان رسول الله (ص) كلم فى صبيه ترعرعوا، منهم عبدالله بن جعفر، و عبدالله بن الزبير، و عمر بن ابى سلمه، فقيل: يا رسول الله، لو بايعتهم فتصيبهم بركتك،
و يكون لهم ذكر! فاتى بهم فكانهم تكعكعوا حين جى ء بهم اليه، و اقتحم ابن الزبير، فتبسم رسول الله (ص)، و قال: انه ابن ابيه، و بايعهم.

قال: و سئل راس الجالوت: ما عندكم من الفراسه فى الصبيان؟ فقال: ما عندنا فيهم شى ء، لانهم يخلقون خلقا من بعد خلق، غير انا نرمقهم، فان سمعناه منهم من يقول فى لعبه: من يكون معى؟ رايناها همه و خب ء صدق فيه، و ان سمعناه يقول: مع من اكون؟ كرهناها منه.

قال: فكان اول شى ء سمع من عبدالله بن الزبير انه كان ذات يوم يلعب مع الصبيان، فمر رجل، فصاح عليهم، ففروا منه، و مشى ابن الزبير القهقرى، ثم قال: يا صبيان، اجعلونى اميركم، و شدوا بنا عليه.

قال: و مر به عمر بن الخطاب و هو مع الصبيان، ففروا و وقف، فقال لم لم تفر مع اصحابك؟ فقال: لم اجرم فاخافك، و لم تكن الطريق ضيقه فاوسع عليك! و روى الزبير بن بكار، ان عبدالله بن سعد بن ابى سرح غزا افريقيه فى خلافه عثمان، فقتل عبدالله بن الزبير جرجير امير جيش الروم، فقال ابن ابى سرح: انى موجه بشيرا الى اميرالمومنين بما فتح علينا، و انت اولى من هاهنا، فانطلق الى اميرالمومنين فاخبره الخبر، قال عبدالله: فلما قدمت على عثمان اخبرته بفتح الله و صنعه و نصره، و وصفت له
امرنا كيف كان، فلما فرغت من كلامى قال: هل تستطيع ان تودى هذا الى الناس؟ قلت: و ما يمنعنى من ذلك! قال: فاخرج الى الناس فاخبرهم قال عبدالله: فخرجت حتى جئت المنبر فاستقبلت الناس، فتلقانى وجه ابى، فدخلتنى له هيبه عرفها ابى فى وجهى، فقبض قبضه من حصباء، و جمع وجهه فى وجهى و هم ان يحصبنى فاحزمت، فتكلمت.

فزعموا ان الزبير لما فرغ عبدالله من كلامه قال: و الله لكانى اسمع كلام ابى بكر الصديق: من اراد ان يتزوج امراه فلينظر الى ابيها و اخيها فانها تاتيه باحدهما.

قال الزبير: و يلقب عبدالله بعائذ البيت، لاستعاذته به.

قال: و حدثنى عمى مصعب بن عبدالله، قال: ان الذى دعا عبدالله الى التعوذ بالبيت شى ء سمعه من ابيه حين سار من مكه الى البصره، فان الزبير التفت الى الكعبه بعد ان ودع و وجه يريد الركوب، فاقبل على ابنه عبدالله، و قال: تالله ما رايت مثلها لطالب رغبه او خائف رهبه.

و روى الزبير بن بكار، قال: كان سبب تعوذ ابن الزبير بالكعبه انه كان يمشى بعد عتمه فى بعض شوارع المدينه، اذ لقى عبدالله بن سعد بن ابى سرح متلثما لا يبدو منه الا عيناه.

قال: فاخذت بيده و قلت: ابن ابى سرح! كيف كنت بعدى؟ و كيف تركت اميرالمومنين؟ يعنى معاويه- و قد كا
ن ابن ابى سرح عنده بالشام- فلم يكلمنى، فقلت: ما لك؟ امات اميرالمومنين؟ فلم يكلمنى، فتركته و قد اثبت معرفته، ثم خرجت حتى لقيت الحسين بن على رضى الله عنه، فاخبرته خبره، و قلت: ستاتيك رسل الوليد، و كان الامير على المدينه الوليد بن عتبه بن ابى سفيان، فانظر ما انت صانع! و اعلم ان رواحلى فى الدار معده، و الموعد بينى و بينك ان تغفل عنا عيونهم، ثم فارقته فلم البث ان اتانى رسول الوليد، فجئته فوجدت الحسين عنده، و وجدت عنده مروان بن الحكم، فنعى الى معاويه، فاسترجعت فاقبل على، و قال: هلم الى بيعه يزيد، فقد كتب الينا يامرنا ان ناخذها عليك! فقلت: انى قد علمت ان فى نفسه على شيئا لتركى بيعته فى حياه ابيه، و ان بايعت له على هذه الحال توهم انى مكره على البيعه، فلم يقع منه ذلك بحيث اريد، و لكن اصبح و يجتمع الناس، و يكون ذلك علانيه ان شاءالله، فنظر الوليد الى مروان فقال مروان: هو الذى قلت لك، ان يخرج لم تره.

فاحببت ان القى بينى و بين مروان شرا نتشاغل به، فقلت له: و ما انت و ذاك يابن الزرقاء! فقال لى، و قلت له، حتى تواثبنا، فتناصيت انا و هو، و قام الوليد فحجز بيننا، فقال مروان: اتحجز بيننا بنفسك، و تدع ان تامر اعوانك! فقال: قد ا
رى ما تريد، و لكن لا اتولى ذلك منه و الله ابدا، اذهب يابن الزبير حيث شئت، قال فاخذت بيد الحسين، و خرجنا من الباب حتى صرنا الى المسجد، و انا اقول: و لا تحسبنى يا مسافر شحمه تعجلها من جانب القدر جائع فلما دخل المسجد افترق هو و الحسين، و عمد كل واحد منهما الى مصلاه يصلى فيه، و جعلت الرسل تختلف اليهما، يسمع وقع اقدامهم فى الحصباء حتى هدا عنهما الحس، ثم انصرفا الى منازلهما، فاتى ابن الزبير رواحله، فقعد عليها، و خرج من ادبار داره، و وافاه الحسين بن على، فخرجا جميعا من ليلتهم، و سلكوا طريق الفرع حتى مروا بالجثجاثه و بها جعفر بن الزبير قد ازدرعها، و غمز عليهم بعير من ابلهم فانتهوا الى جعفر، فلما رآهم قال: مات معاويه؟ فقال عبدالله: نعم، انطلق معنا و اعطنا احد جمليك- و كان ينضح على جملين له- فقال جعفر متمثلا: اخوتى لاتبعدوا ابدا و بلى و الله قد بعدوا فقال عبدالله- و تطير منها: بفيك التراب! فخرجوا جميعا حتى قدموا مكه، قال الزبير: فاما الحسين (ع) فانه خرج من مكه يوم الترويه يطلب الكوفه و العراق، و قد كان قال لعبدالله بن الزبير: قد اتتنى بيعه اربعين الفا يحلفون لى بالطلاق و العتاق من اهل العراق، فقال: اتخرج الى ق
وم قتلوا اباك و خذلوا اخاك! قال: و بعض الناس يزعم ان عبدالله بن عباس هو الذى قال للحسين ذلك.

قال الزبير: و قال هشام بن عروه: كان اول ما افصح به عمى عبدالله و هو صغير: السيف، فكان لا يضعه من فيه، و كان ابوه الزبير اذا سمع منه ذلك يقول: اما و الله ليكونن لك منه يوم و يوم و ايام! فاما خبر مقتل عبدالله بن الزبير فنحن نورده من تاريخ ابى جعفر محمد بن جرير الطبرى رحمه الله.

قال ابوجعفر: حصر الحجاج عبدالله بن الزبير ثمانيه اشهر، فروى اسحاق بن يحيى عن يوسف بن ماهك، قال: رايت منجنيق اهل الشام يرمى به، فرعدت السماء و برقت، و علا صوت الرعد على صوت المنجنيق، فاعظم اهل الشام ما سمعوه، فامسكوا ايديهم، فرفع الحجاج بركه قبائه، فغرزها فى منطقته، و رفع حجر المنجنيق فوضعه فيه، ثم قال: ارموا، و رمى معهم، قال: ثم اصبحوا فجائت صاعقه يتبعها اخرى، فقتلت من اصحاب الحجاج اثنى عشر رجلا، فانكر اهل الشام، فقال الحجاج: يا اهل الشام، لاتنكروا هذا، فانى ابن تهامه، هذه صواعق تهامه، هذا الفتح قد حضر فابشروا، فان القوم يصيبهم مثل ما اصابكم، فصعقت من الغد فاصيب من اصحاب ابن الزبير عده ما اصاب الحجاج، فقال الحجاج: الا ترون انهم يصابون و انتم على
الطاعه، و هم على خلاف الطاعه! فلم تزل الحرب بين ابن الزبير و الحجاج حتى تفرق عامه اصحاب ابن الزبير عنه، و خرج عامه اهل مكه الى الحجاج فى الامان.

قال: و روى اسحاق بن عبيدالله، عن المنذر بن الجهم الاسلمى، قال: رايت ابن الزبير، و قد خذله من معه خذلانا شديدا، و جعلوا يخرجون الى الحجاج، خرج اليه منهم نحو عشره آلاف، و ذكر انه كان ممن فارقه، و خرج الى الحجاج ابناه: خبيب و حمزه، فاخذا من الحجاج لانفسهما امانا.

قال ابوجعفر: فروى محمد بن عمر، عن ابن ابى الزناد، عن مخرمه بن سلمان الوالبى، قال: دخل عبدالله بن الزبير على امه حين راى من الناس ما راى من خذلانه، فقال: يا امه، خذلنى الناس حتى ولدى و اهلى، و لم يبق معى الا اليسير ممن ليس عنده من الدفع اكثر من صبر ساعه، و القوم يعطوننى ما اردت من الدنيا، فما رايك؟ فقالت: انت يا بنى اعلم بنفسك، ان كنت تعلم انك على حق و اليه تدعو فامض له، فقد قتل عليه اصحابك، و لا تمكن من رقبتك يتلعب بك غلمان بنى اميه، و ان كنت انما اردت الدنيا فبئس العبد انت! اهلكت نفسك و اهلكت من قتل معك، و ان قلت: قد كنت على حق فلما وهن اصحابى وهنت و ضعفت، فليس هذا فعل الاحرار و لا اهل الدين، و كم خلودك فى ال
دنيا! القتل احسن، فدنا ابن الزبير فقبل راسها، و قال: هذا و الله رايى الذى قمت به داعيا الى يومى هذا، و ما ركنت الى الدنيا، و لا احببت الحياه فيها، و لم يدعنى الى الخروج الا الغضب لله ان تستحل محارمه، و لكنى احببت ان اعلم رايك، فزدتنى بصيره مع بصيرتى.

فانظرى يا امه، فانى مقتول من يومى هذا، فلا يشتد حزنك، و سلمى لامر الله، فان ابنك لم يتعمد اتيان منكر، و لا عملا بفاحشه، و لم يجر فى حكم، و لم يغدر فى امان، و لم يتعمد ظلم مسلم و لا معاهد، و لم يبلغنى ظلم عن عمالى فرضيت به بل انكرته، و لم يكن شى ء آثر عندى من رضا ربى.

اللهم انى لا اقول هذا تزكيه منى لنفسى، انت اعلم بى، و لكننى اقوله تعزيه لامى لتسلو عنى.

فقالت امه: انى لارجو من الله ان يكون عزائى فيك حسنا ان تقدمتنى، فلا اخرج من الدنيا حتى انظر الى ما يصير امرك، فقال: جزاك الله يا امه خيرا! فلا تدعى الدعاء لى قبل و بعد، قالت: لا ادعه ابدا، فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق.

ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك القيام فى الليل الطويل، و ذلك النحيب و الظما فى هواجر المدينه و مكه، و بره بابيه و بى! اللهم انى قد سلمته لامرك فيه، و رضيت بما قضيت، فاثبنى فى عبدالله ثواب الصابرين
الشاكرين.

قال ابوجعفر: و روى محمد بن عمر، عن موسى بن يعقوب بن عبدالله، عن عمه، قال: دخل ابن الزبير على امه و عليه الدرع و المغفر، فوقف فسلم، ثم دنا فتناول يدها فقبلها، فقالت: هذا وداع فلا تبعد، فقال: نعم، انى جئت مودعا، انى لارى ان هذا اليوم آخر يوم من الدنيا يمر بى، و اعلمى يا امه انى ان قتلت فانما انا لحم لا يضره ما صنع به، فقالت: صدقت يا بنى، اتمم على بصيرتك، و لا تمكن ابن ابى عقيل منك، و ادن منى اودعك، فدنا منها فقبلها و عانقها، فقالت حيث مست الدرع: ما هذا صنيع من يريد ما تريد! فقال: ما لبستها الا لاشد منك، فقالت: انها لا تشد منى، فنزعها، ثم اخرج كميه و شد اسفل قميصه، و عمد الى جبه خز تحت القميص، فادخل اسفلها فى المنطقه، فقالت امه: شمر ثيابك، فشمرها، ثم انصرف و هو يقول: انى اذا اعرف يومى اصبر اذ بعضهم يعرف ثم ينكر فسمعت العجوز قوله، فقالت: تصبر و الله، و لم لا تصبر و ابوك ابوبكر و الزبير، و امك صفيه بنت عبدالمطلب! قال و روى محمد بن عمر عن ثور بن يزيد عن رجل من اهل حمص قال: شهدته و الله ذلك اليوم و نحن خمسمائه من اهل حمص، فدخل من باب المسجد لا يدخل منه غيرنا، و هو يشد علينا و نحن منهزمون و هو يرتجز: انى اذا اعرف يومى اصبر و انما يعرف يوميه الحر و بعضهم يعرف ثم ينكر فاقول: انت و الله الحر الشريف، فلقد رايته يقف بالابطح، لا يدنو منه احد حتى ظننا انه لا يقتل.

قال و روى مصعب بن ثابت، عن نافع مولى بنى اسد، قال: رايت الابواب قد شحنت باهل الشام، و جعلوا على كل باب قائدا و رجالا و اهل بلد، فكان لاهل حمص الباب الذى يواجه باب الكعبه، و لاهل دمشق باب بنى شيبه، و لاهل الاردن باب الصفا، و لاهل فلسطين باب بنى جمح، و لاهل قنسرين باب بنى سهم، و كان الحجاج و طارق بن عمرو فى ناحيه الابطح الى المروه، فمره يحمل ابن الزبير فى هذه الناحيه، و لكانه اسد فى اجمه ما يقدم عليه الرجال، فيعدو فى اثر الرجال و هم على الباب حتى يخرجهم، ثم يصيح الى عبدالله بن صفوان، يا ابا صفوان، ويل امه فتحا لو كان له رجال! ثم يقول: لو كان قرنى واحدا كفيته فيقول عبدالله بن صفوان: اى و الله و الفا.

قال ابوجعفر: فلما كان يوم الثلاثاء، صبيحه سبع عشره من جمادى الاولى سنه ثلاث و سبعين، و قد اخذ الحجاج على ابن الزبير بالابواب، بات ابن الزبير تلك الليله يصلى عامه الليل، ثم احتبى بحمائل سيفه، فاغفى ثم انتبه بالفجر، فقال: اذن يا سعد، فاذن عند المقام، و تو
ضا ابن الزبير و ركع ركعتى الفجر، ثم تقدم و اقام الموذن، فصلى ابن الزبير باصحابه فقرا (ن و القلم) حرفا حرفا ثم سلم، ثم قام، فحمد الله و اثنى عليه ثم قال: اكشفوا وجوهكم حتى انظر، و عليها المغافر و العمائم، فكشفوا وجوههم، فقال: يا آل الزبير، لو طبتم لى نفسا عن انفسكم كنا اهل بيت من العرب اصطلمنا، لم تصبنا مذله، و لم نقر على ضيم.

اما بعد يا آل الزبير، فلا يرعكم وقع السيوف، فانى لم احضر موطنا قط ارتثثت فيه بين القتلى، و ما اجد من دواء جراحها اشد مما اجد من الم وقعها.

صونوا سيوفكم كما تصونون وجوهكم.

لا اعلم امرا كسر سيفه و استبقى نفسه.

فان الرجل اذا ذهب سلاحه فهو كالمراه اعزل.

غضوا ابصاركم عن البارقه، و ليشغل كل امرى ء قرنه، و لا يلهينكم السوال عنى، و لا تقولن: اين عبدالله بن الزبير؟ الا من كان سائلا عنى فانى فى الرعيل الاول، ثم قال: ابى لابن سلمى انه غير خالد يلاقى المنايا اى وجه تيمما فلست بمبتاع الحياه بسبه و لا مرتق من خشيه الموت سلما ثم قال: احملوا على بركه الله، ثم حمل حتى بلغ بهم الى الحجون، فرمى بحجر، فاصاب وجهه، فارعش و دمى وجهه، فلما وجد سخونه الدم تسيل على وجهه و لحيته قال: و لسنا على الاعقاب ت
دمى كلومنا و لكن على اقدامنا تقطر الدما قال: و تقاووا عليه، و صاحت مولاه له مجنونه: وا امير المومنيناه! و قد كان هوى، و راته حين هوى فاشارت لهم اليه، فقتل و ان عليه لثياب خز، و جاء الخبر الى الحجاج فسجد و سار هو و طارق بن عمرو، فوقفا عليه، فقال طارق: ما ولدت النساء اذكر من هذا، فقال الحجاج: اتمدح من يخالف طاعه اميرالمومنين! فقال طارق: هو اعذر لنا، و لو لا هذا ما كان لنا عذر، انا محاصروه و هو فى غير خندق و لا حصن و لا منعه منذ ثمانيه اشهر ينتصف منا، بل يفضل علينا فى كل ما التقينا نحن و هو، قال: فبلغ كلامهما عبدالملك، فصوب طارقا.

قال: و بعث الحجاج براس ابن الزبير و راس عبد بن صفوان و راس عماره بن عمرو بن حزم الى المدينه، فنصبت الثلاثه بها، ثم حملت الى عبدالملك.

و نحن الان نذكر بقيه اخبار عبدالله بن الزبير ملتقطه من مواضع متفرقه: رئى عبدالله بن الزبير فى ايام معاويه واقفا بباب ميه مولاه معاويه، فقيل له: يا ابابكر، مثلك يقف بباب هذه! فقال: اذا اعيتكم الامور من رئوسها فخذوها من اذنابها.

ذكر معاويه لعبدالله بن الزبير يزيد ابنه، و اراد منه البيعه له، فقال ابن الزبير: انا اناديك و لا اناجيك، ان اخاك من صدقك، فانظ
ر قبل ان تقدم، و تفكر قبل ان تندم، فان النظر قبل التقدم، و التفكر قبل التندم، فضحك معاويه و قال: تعلمت يا ابابكر الشجاعه عند الكبر.

كان عبدالله بن الزبير شديد البخل، كان يطعم جنده تمرا، و يامرهم بالحرب، فاذا فروا من وقع السيوف لامهم و قال لهم: اكلتم تمرى، و عصيتم امرى فقال بعضهم: الم تر عبدالله و الله غالب على امره يبغى الخلافه بالتمر و كسر بعض جنده خمسه ارماح فى صدور اصحاب الحجاج، و كلما كسر رمحا اعطاه رمحا، فشق عليه ذلك، و قال: خمسه ارماح! لا يحتمل بيت مال المسلمين هذا.

قال: و جائه اعرابى سائل فرده، فقال له: لقد احرقت الرمضاء قدمى، فقال: بل عليهما يبردان.

جمع عبدالله بن الزبير محمد بن الحنفيه و عبدالله بن عباس فى سبعه عشر رجلا من بنى هاشم، منهم الحسن بن الحسن بن على بن ابى طالب (ع)، و حصرهم فى شعب بمكه يعرف بشعب عارم، و قال: لا تمضى الجمعه حتى تبايعوا الى او اضرب اعناقكم، او احرقكم بالنار، ثم نهض اليهم قبل الجمعه يريد احراقهم بالنار، فالتزمه ابن مسور بن مخرمه الزهرى، و ناشده الله ان يوخرهم الى يوم الجمعه، فلما كان يوم الجمعه دعا محمد بن الحنفيه بغسول و ثياب بيض، فاغتسل و تلبس و تحنط، لا يشك فى القتل، و
قد بعث المختار بن ابى عبيد من الكوفه ابا عبدالله الجدلى فى اربعه آلاف، فلما نزلوا ذات عرق، تعجل منهم سبعون على رواحلهم حتى وافوا مكه صبيحه الجمعه ينادون: يا محمد، يا محمد! و قد شهروا السلاح حتى وافوا شعب عارم، فاستخلصوا محمد ابن الحنفيه و من كان معه، و بعث محمد بن الحنفيه الحسن بن الحسن ينادى: من كان يرى ان الله عليه حقا فليشم سيفه، فلا حاجه لى بامر الناس، ان اعطيتها عفوا قبلتها، و ان كرهوا لم نبتزهم امرهم.

و فى شعب عارم و حصار ابن الحنفيه فيه يقول كثير بن عبدالرحمن: و من ير هذا الشيخ بالخيف من منى من الناس يعلم انه غير ظالم سمى النبى المصطفى و ابن عمه و حمال اثقال و فكاك غارم تخبر من لاقيت انك عائذ بل العائذ المحبوس فى سجن عارم و روى المدائنى، قال: لما اخرج ابن الزبير عبدالله بن عباس من مكه الى الطائف مر بنعمان، فنزل فصلى ركعتين، ثم رفع يديه يدعو، فقال: اللهم انك تعلم انه لم يكن بلد احب الى من ان اعبدك فيه من البلد الحرام، و اننى لااحب ان تقبض روحى الا فيه، و ان ابن الزبير اخرجنى منه، ليكون الاقوى فى سلطانه.

اللهم فاوهن كيده، و اجعل دائره السوء عليه.

فلما دنا من الطائف تلقاه اهلها، فقالوا: مرحبا
بابن عم رسول الله (ص)! انت و الله احب الينا و اكرم علينا ممن اخرجك، هذه منازلنا تخيرها، فانزل منها حيث احببت، فنزل منزلا، فكان يجلس اليه اهل الطائف بعد الفجر و بعد العصر.

فيتكلم بينهم، كان يحمد الله و يذكر النبى (ص) و الخلفاء بعده، و يقول: ذهبوا فلم يدعوا امثالهم و لا اشباههم و لا من يدانيهم، و لكن بقى اقوام يطلبون الدنيا بعمل الاخره، و يلبسون جلود الضان: تحتها قلوب الذئاب و النمور، ليظن الناس انهم من الزاهدين فى الدنيا، يرائون الناس باعمالهم، و يسخطون الله بسرائرهم، فادعوا الله ان يقضى لهذه الامه بالخير و الاحسان، فيولى امرها خيارها و ابرارها، و يهلك فجارها و اشرارها، ارفعوا ايديكم الى ربكم و سلوه ذلك، فيفعلون.

فبلغ ذلك ابن الزبير، فكتب اليه: اما بعد، فقد بلغنى انك تجلس بالطائف العصرين فتفتيهم بالجهل، تعيب اهل العقل و العلم، و ان حلمى عليك، و استدامتى فيئك جرآك على، فاكفف- لا ابا لغيرك- من غربك، و اربع على ظلعك، و اعقل ان كان لك معقول، و اكرم نفسك فانك ان تهنها تجدها على الناس اعظم هوانا، الم تسمع قول الشاعر: فنفسك اكرمها فانك ان تهن عليك فلن تلقى لها الدهر مكرما و انى اقسم بالله لئن لم تنته عما بلغنى ع
نك لتجدن جانبى خشنا، و لتجدننى الى ما يردعك عنى عجلا، فر رايك، فان اشفى بك شقاوك على الردى فلا تلم الا نفسك.

فكتب اليه ابن عباس: اما بعد، فقد بلغنى كتابك، قلت: انى افتى الناس بالجهل، و انما يفتى بالجهل من لم يعرف من العلم شيئا، و قد آتانى الله من العلم ما لم يوتك.

و ذكرت ان حلمك عنى، و استدامتك فيى ء جرآنى عليك، ثم قلت: اكفف من غربك، و اربع على ظلعك، و ضربت لى الامثال، احاديث الضبع، متى رايتنى لعرامك هائبا، و من حدك ناكلا! و قلت: لئن لم تكفف لتجدن جانبى خشنا، فلا ابقى الله عليك ان ابقيت، و لا ارعى عليك ان ارعيت! فو الله انتهى عن قول الحق، و صفه اهل العدل و الفضل، و ذم الاخسرين اعمالا، الذين ضل سعيهم فى الحياه الدنيا و هم يحسبون انهم يحسنون صنعا والسلام.

قدم معاويه المدينه راجعا من حجه حجها، فكثر الناس عليه فى حوائجهم، فقال لصاحب ابله: قدم ابلك ليلا حتى ارتحل، ففعل ذلك، و سار و لم يعلم بامره الا عبدالله بن الزبير، فانه ركب فرسه وقفا اثره، و معاويه نائم فى هودجه، فجعل يسير الى جانبه، فانتبه معاويه، و قد سمع وقع حافر الفرس، فقال: من صاحب الفرس؟ قال: انا ابوخبيب، لو قد قتلتك منذ الليله! يمازحه، فقال معاويه: كلا
لست من قتله الملوك، انما يصيد كل طائر قدره.

فقال ابن الزبير: الى تقول هذا، و قد وقفت فى الصف بازاء على بن ابى طالب، و هو من تعلم! فقال معاويه: لا جرم! انه قتلك و اباك بيسرى يديه، و بقيت يده اليمنى فارغه يطلب من يقتله بها.

فقال ابن الزبير: اما و الله ما كان ذاك الا فى نصر عثمان فلم نجز به، فقال معاويه: خل هذا عنك، فو الله لو لا شده بغضك ابن ابى طالب لجررت برجل عثمان مع الضبع.

فقال ابن الزبير: افعلتها يا معاويه! اما انا قد اعطيناك عهدا، و نحن وافون لك به ما دمت حيا، و لكن ليعلمن من بعدك، فقال معاويه: اما و الله ما اخافك الا على نفسك، و لكانى بك و انت مشدود مربوط فى الانشوطه، و انت تقول: ليت ابا عبدالرحمن كان حيا، و ليتنى كنت حيا يومئذ، فاحلك حلا رفيقا، و لبئس المطلق و المعتق و المسنون عليه انت يومئذ! دخل عبدالله بن الزبير على معاويه و عنده عمرو بن العاص، فتكلم عمرو- و اشار الى ابن الزبير- فقال: هذا و الله يا اميرالمومنين الذى غرته اناتك، و ابطره حلمك، فهو ينزو فى نشطته نزو العير فى حبالته، كلما قمصته الغلواء و الشره سكنت الانشوطه منه النفره، و احربه ان يئول الى القله او الذله، فقال ابن الزبير: اما و الله يا بن
العاص، لو لا ان الايمان الزمنا بالوفاء، و الطاعه للخلفاء- فنحن لانريد بذلك بدلا، و لا عنه حولا- لكان لنا و له و لك شان، و لو وكله القضاء الى رايك، و مشوره نظرائك لدافعناه بمنكب لا تئوده المزاحمه، و لقاذفناه بحجر لا تنكوه المراجمه، فقال معاويه: اما و الله يا بن الزبير لو لا ايثارى الاناه على العجل، و الصفح على العقوبه، و انى كما قال الاول: اجامل اقواما حياء و قد ارى قلوبهم تغلى على مراضها اذا لقرنتك الى ساريه.

من سوارى الحرم تسكن بها غلوائك، و ينقطع عندها طمعك و تنقص من املك، ما لعلك قد لويته فشزرته، و فتلته فابرمته.

و ايم الله انك من ذلك لعلى شرف جرف بعيد الهوه، فكن على نفسك و لها، فما توبق و لاتنفذ غيرها، فشانك و اياها.

قطع عبدالله بن الزبير فى الخطبه ذكر رسول الله (ص) جمعا كثيره، فاستعظم الناس ذلك، فقال: انى لا ارغب عن ذكره، و لكن له اهيل سوء اذا ذكرته اتلعوا اعناقهم، فانا احب ان اكبتهم.

لما كاشف عبدالله بن الزبير بنى هاشم و اظهر بغضهم و عابهم، و هم بما هم به فى امرهم، و لم يذكر رسول الله (ص) فى خطبه، لا يوم الجمعه و لا غيرها، عاتبه على ذلك قوم من خاصته، و تشائموا بذلك منه، و خافوا عاقبته، فقال: و الله
ما تركت ذلك علانيه الا و انا اقوله سرا و اكثر منه، لكنى رايت بنى هاشم اذا سمعوا ذكره اشرابوا و احمرت الوانهم، و طالت رقابهم، و الله ما كنت لاتى لهم سرورا و انا اقدر عليه، و الله لقد هممت ان احظر لهم حظيره ثم اضرمها عليهم نارا، فانى لا اقتل منهم الا آثما كفارا سحارا، لا انماهم الله و لا بارك عليهم، بيت سوء لا اول لهم و لا آخر، و الله ما ترك نبى الله فيهم خيرا، استفرع نبى الله صدقهم فهم اكذب الناس.

فقام اليه محمد بن سعد بن ابى وقاص فقال: وفقك الله يا اميرالمومنين! انا اول من اعانك فى امرهم، فقام عبدالله بن صفوان بن اميه الجمحى، فقال: و الله ما قلت صوابا، و لا هممت برشد، ارهط رسول الله (ص) تعيب، و اياهم تقتل، و العرب حولك! و الله لو قتلت عدتهم اهل بيت من الترك مسلمين ما سوغه الله لك، و الله لو لم ينصرهم الناس منك لنصرهم الله بنصره.

فقال: اجلس ابا صفوان فلست بناموس.

فبلغ الخبر عبدالله بن العباس، فخرج مغضبا و معه ابنه حتى اتى المسجد، فقصد قصد المنبر فحمد الله و اثنى عليه، و صلى على رسول الله (ص) ثم قال: ايها الناس، ان ابن الزبير يزعم ان لا اول لرسول الله (ص) و لا آخر، فيا عجبا كل العجب لافترائه و لكذبه! و الله ان
اول من اخذ الايلاف و حمى عيرات قريش لهاشم، و ان اول من سقى بمكه عذبا، و جعل باب الكعبه ذهبا لعبدالمطلب، و الله لقد نشات ناشئتنا مع ناشئه قريش، و ان كنا لقالتهم اذا قالوا، و خطبائهم اذا خطبوا، و ما عد مجد كمجد اولنا، و لا كان فى قريش مجد لغيرنا، لانها فى كفر ماحق، و دين فاسق، و ضله و ضلاله، فى عشواء عمياء، حتى اختار الله تعالى لها نورا، و بعث لها سراجا، فانتجبه طيبا من طيبين، لا يسبه بمسبه، و لايبغى عليه غائله، فكان احدنا و ولدنا، و عمنا و ابن عمنا.

ثم ان اسبق السابقين اليه منا و ابن عمنا، ثم تلاه فى السبق، اهلنا و لحمتنا واحدا بعد واحد.

ثم انا لخير الناس بعده و اكرمهم ادبا، و اشرفهم حسبا، و اقربهم منه رحما.

وا عجبا كل العجب لابن الزبير! يعيب بنى هاشم، و انما شرف هو و ابوه و جده بمصاهرتهم، اما و الله انه لمسلوب قريش، و متى كان العوام بن خويلد يطمع فى صفيه بنت عبدالمطلب! قيل للبغل: من ابوك يا بغل؟ فقال: خالى الفرس.

ثم نزل.

خطب ابن الزبير بمكه على المنبر، و ابن عباس جالس مع الناس تحت المنبر، فقال: ان هاهنا رجلا قد اعمى الله قلبه كما اعمى بصره، يزعم ان متعه النساء حلال من الله و رسوله، و يفتى فى القمله و النمله،
و قد احتمل بيت مال البصره بالامس، و ترك المسلمين بها يرتضخون النوى، و كيف الومه فى ذلك، و قد قاتل ام المومنين و حوارى رسول الله (ص)، و من وقاه بيده! فقال ابن عباس لقائده سعد بن جبير بن هشام مولى بنى اسد بن خزيمه: استقبل بى وجه ابن الزبير، و ارفع من صدرى، و كان ابن عباس قد كف بصره فاستقبل به قائده وجه ابن الزبير، و اقام قامته فحسر عن ذراعيه.

ثم قال يابن الزبير: قد انصف القاره من راماها انا اذا ما فئه نلقاها نرد اولاها على اخراها حتى تصير حرضا دعواها يابن الزبير، اما العمى فان الله تعالى يقول: (فانها لاتعمى الابصار و لكن تعمى القلوب التى فى الصدور)، و اما فتياى فى القمله و النمله، فان فيها حكمين لاتعلمها انت و لا اصحابك.

و اما حملى المال فانه كان مالا جبيناه فاعطينا كل ذى حق حقه، و بقيت بقيه هى دون حقنا فى كتاب الله فاخذناها بحقنا.

و اما المتعه فسل امك اسماء اذا نزلت عن بردى عوسجه.

و اما قتالنا ام المومنين فبنا سميت ام المومنين لابك و لابابيك، فانطلق ابوك و خالك الى حجاب مده الله عليها، فهتكاه عنها، ثم اتخذاها فتنه يقاتلان دونها، و صانا حلائلهما فى بيوتهما، فما انصفا الله و لا محمدا من انفسهما ان ابرزا
زوجه نبيه و صانا حلائلهما.

و اما قتالنا اياكم فانا لقينا زحفا، فان كنا كفارا فقد كفرتم بفراركم منا، و ان كنا مومنين فقد كفرتم بقتالكم ايانا، و ايم الله لو لا مكان صفيه فيكم، و مكان خديجه فينا، لما تركت لبنى اسد بن عبدالعزى عظما الا كسرته.

فلما عاد ابن الزبير الى امه سالها عن بردى عوسجه، فقالت: الم انهلك عن ابن عباس و عن بنى هاشم! فانهم كعم الجواب اذا بدهوا، فقال: بلى، و عصيتك.

فقالت: يا بنى، احذر هذا الاعمى الذى ما اطاقته الانس و الجن، و اعلم ان عنده فضائح قريش و مخازيها باسرها، فاياك و اياه آخر الدهر، فقال: ايمن بن خريم بن فاتك الاسدى: يابن الزبير لقد لاقيت بائقه من البوائق فالطف لطف محتال لاقيته هاشميا طاب منبته فى مغرسيه كريم العم و الخال ما زال يقرع عنك العظم مقتدرا على الجواب بصوت مسمع عال حتى رايتك مثل الكلب منجحرا خلف الغبيط و كنت الباذخ العالى ان ابن عباس المعروف حكمته خير الانام له حال من الحال عيرته المتعه المتبوع سنتها و بالقتال و قد عيرت بالمال لما رماك على رسل باسهمه جرت عليك بسيف الحال و البال فاحتز مقولك الاعلى بشفرته حزا و حيا بلا قيل و لا قال و اعلم بانك ان ع
اود غيبته عادت عليك مخاز ذات اذيال و روى عثمان بن طلحه العبدرى، قال: شهدت من ابن عباس رحمه الله مشهدا ما سمعته من رجل من قريش، كان يوضع الى جانب سرير مروان بن الحكم- و هو يومئذ امير المدينه- سرير آخر اصغر من سريره، فيجلس عليه عبدالله بن عباس اذا دخل، و توضع الوسائد فيما سوى ذلك، فاذن مروان يوما للناس، و اذا سرير آخر قد احدث تجاه سرير مروان، فاقبل ابن عباس فجلس على سريره، و جاء عبدالله بن الزبير فجلس على السرير المحدث، و سكت مروان و القوم، فاذا يد ابن الزبير تتحرك فعلم انه يريد ان ينطق، ثم نطق فقال: ان ناسا يزعمون ان بيعه ابى بكر كانت غلطا و فلته و مغالبه، الا ان شان ابى بكر اعظم من ان يقال فيه هذا، و يزعمون انه لو لا ما وقع لكان الامر لهم و فيهم، و الله ما كان من اصحاب محمد (ص) احد اثبت ايمانا، و لا اعظم سابقه من ابى بكر، فمن قال غير ذلك فعليه لعنه الله! فاين هم حين عقد ابوبكر لعمر، فلم يكن الا ما قال، ثم القى عمر حظهم فى حظوظ، و جدهم فى جدود، فقسمت تلك الحظوظ، فاخر الله سهمهم و ادحض جدهم، و ولى الامر عليهم من كان احق به منهم، فخرجوا عليه خروج اللصوص على التاجر خارجا من القريه، فاصابوا منه غره فقتلوه، ثم
قتلهم الله به قتله، و صاروا مطرودين تحت بطون الكواكب.

فقال ابن عباس: على رسلك ايها القائل فى ابى بكر و عمر و الخلافه، اما و الله ما نالا و لا نال احد منهما شيئا الا و صاحبنا خير ممن نالا، و ما انكرنا تقدم من تقدم لعيب عبناه عليه، و لو تقدم صاحبنا لكان اهلا و فوق الاهل، و لو لا انك انما تذكر حظ غيرك و شرف امرى ء سواك لكلمتك، و لكن ما انت و ما لا حظ لك فيه! اقتصر على حظك، و دع تيما لتيم، و عديا لعدى، و اميه لاميه، و لو كلمنى تيمى او عدوى او اموى لكلمته و اخبرته خبر حاضر عن حاضر، لا خبر غائب عن غائب، و لكن ما انت، و ما ليس عليك! فان يكن فى اسد بن عبدالعزى شى ء فهو لك، اما و الله لنحن اقرب بك عهدا، و ابيض عندك يدا، و اوفر عندك نعمه ممن امسيت، تظن انك تصول به علينا، و ما اخلق ثوب صفيه بعد! و الله المستعان على ما تصفون.

اوصى معاويه يزيد ابنه لما عقد له الخلافه بعده، فقال: انى لا اخاف عليك الا ممن اوصيك بحفظ قرابته و رعايه حق رحمه، من القلوب اليه مائله، و الاهواء نحوه جانحه، و الاعين اليه طامحه، و هو الحسين بن على، فاقسم له نصيبا من حلمك، و اخصصه بقسط وافر من مالك، و متعه بروح الحياه، و ابلغ له كل ما احب فى ايامك،
فاما من عداه فثلاثه: و هم عبدالله بن عمر رجل قد وقذته العباده، فليس يريد الدنيا الا ان تجيئه طائعه لا تراق فيها محجمه دم، و عبدالرحمن بن ابى بكر، رجل هقل لايحمل ثقلا، و لايستطيع نهوضا، و ليس بذى همه و لا شرف و لا اعوان، و عبدالله بن الزبير و هو الذئب الماكر، و الثعلب الخاتر، فوجه اليه جدك و عزمك و نكيرك و مكرك، و اصرف اليه سطوتك، و لا تثق اليه فى حال، فانه كالثعلب، راغ بالختل عند الارهاق، و الليث صال بالجرائه عند الاطلاق، و اما ما بعد هولاء فانى قد وطات لك الامم، و ذللت لك اعناق المنابر، و كفيتك من قرب منك، و من بعد عنك: فكن للناس كما كان ابوك لهم يكونوا لك كما كانوا لابيك.

خطب عبدالله بن الزبير ايام يزيد بن معاويه فقال فى خطبته: يزيد القرود، يزيد الفهود، يزيد الخمور، يزيد الفجور! اما و الله لقد بلغنى انه لا يزال مخمورا يخطب الناس و هو طافح فى سكره.

فبلغ ذلك يزيد بن معاويه، فما امسى ليلته حتى جهز جيش الحره، و هو عشرون الفا، و جلس و الشموع بين يديه، و عليه ثياب معصفره، و الجنود تعرض عليه ليلا، فلما اصبح خرج فابصر الجيش، و راى تعبيته فقال: ابلغ ابابكر اذا الجيش انبرى و اخذ القوم على وادى القرى عشرين الفا
بين كهل و فتى اجمع سكران من القوم ترى ام جمع ليث دونه ليث الشرى لما خرج الحسين (ع) من مكه الى العراق ضرب عبدالله بن عباس بيده على منكب ابن الزبير، و قال: يا لك من قبره بمعمر خلا لك الجو فبيضى و اصفرى و نقرى ما شئت ان تنقرى هذا الحسين سائر فابشرى خلا الجو و الله لك يابن الزبير! و سار الحسين الى العراق، فقال ابن الزبير: يابن عباس، و الله ما ترون هذا الامر الا لكم، و لا ترون الا انكم احق به من جميع الناس، فقال ابن عباس: انما يرى من كان فى شك، و نحن من ذلك على يقين و لكن اخبرنى عن نفسك، بما ذا تروم هذا الامر؟ قال: بشرفى، قال: و بما ذا شرفت ان كان لك شرف؟ فانما هو بنا، فنحن اشرف منك، لان شرفك منا.

و علت اصواتهما، فقال غلام من آل الزبير: دعنا منك يابن عباس، فو الله لاتحبوننا يا بنى هاشم و لانحبكم ابدا، فلطمه عبدالله بن الزبير بيده و قال: اتتكلم و انا حاضر! فقال ابن عباس: لم ضربت الغلام، و الله احق بالضرب منه من مزق و مرق، قال: و من هو؟ قال: انت.

قال: و اعترض بينهما رجال من قريش فاسكتوهما.

دخل عبدالله بن الزبير على معاويه، فقال: اسمع ابياتا قلتها عاتبتك فيها، قال: هات، فانشده: لعمرى ما ادرى و انى لاوج
ل على اينا تعدو المنيه اول و انى اخوك الدائم العهد لم ازل ان اعياك خصم او نبا بك منزل احارب من حاربت من ذى عداوه و احبس يوما ان حبست فاعقل و ان سوتنى يوما صفحت الى غد ليعقب يوم منك آخر مقبل ستقطع فى الدنيا- اذا ما قطعتنى- يمينك فانظر اى كف تبدل! اذا انت لم تنصف اخاك وجدته على طرف الهجران ان كان يعقل و يركب حد السيف من ان تضيمه اذا لم يكن عن شفره السيف معدل و كنت اذا ما صاحب مل صحبتى و بدل شرا بالذى كنت افعل قلبت له ظهر المجن و لم اقم على الضيم الا ريثما اتحول و فى الناس ان رثت حبالك واصل و فى الارض عن دار القلى متحول اذا انصرفت نفسى عن الشى ء لم تكد اليه بوجه آخر الدهر تقبل فقال معاويه: لقد شعرت بعدى يا اباخبيب! و بينما هما فى ذلك دخل معن بن اوس المزنى، فقال له معاويه: ايه! هل احدثت بعدنا شيئا؟ قال: نعم، قال: قل، فانشد هذه الابيات، فعجب معاويه و قال لابن الزبير: الم تنشدها لنفسك آنفا! فقال: انا سويت المعانى، و هو الف الالفاظ و نظمها، و هو بعد ظئرى، فما قال من شى ء فهو لى- و كان ابن الزبير مسترضعا فى مزينه- فقال معاويه: و كذبا يا اباخبيب! فقام عبدالله فخرج.

و قال الش
عبى: فقد رايت عجبا بفناء الكعبه انا و عبدالله بن الزبير و عبدالملك بن مروان و مصعب بن الزبير، فقام القوم بعد ما فرغوا من حديثهم، فقالوا: ليقم كل واحد منكم، فلياخذ بالركن اليمانى، ثم يسال الله تعالى حاجته، فقام عبدالله بن الزبير فالتزم الركن و قال: اللهم انك عظيم ترجى لكل عظيم، اسالك بحرمه وجهك و حرمه عرشك و حرمه بيتك هذا، الا تخرجنى من الدنيا حتى الى الحجاز، و يسلم على بالخلافه، و جاء فجلس.

فقام اخوه مصعب فالتزم الركن و قال: اللهم رب كل شى ء، و اليك مصير كل شى ء، اسالك بقدرتك على كل شى ء، الا تميتنى حتى الى العراق، و اتزوج سكينه بنت الحسين بن على، ثم جاء فجلس.

فقام عبدالملك فالتزم الركن و قال: اللهم رب السموات السبع، و الارض ذات النبت و القفر، اسالك بما سالك به المطيعون لامرك، و اسالك بحق وجهك، و بحقك على جميع خلقك، الا تميتنى حتى الى شرق الارض و غربها، لا ينازعنى احد الا ظهرت عليه، ثم جاء فجلس.

فقام عبدالله بن عمر فاخذ بالركن و قال: يا رحمن يا رحيم، اسالك برحمتك التى سبقت غضبك، و بقدرتك على جميع خلقك، الا تميتنى حتى توجب لى الرحمه.

قال الشعبى: فو الله ما خرجت من الدنيا حتى بلغ كل من الثلاثه ما سال، و اخلق بع
بدالله بن عمر ان تجاب دعوته، و ان يكون من اهل الرحمه.

قال الحجاج فى خطبته يوم دخل الكوفه: هذا ادب ابن نهيه، اما و الله لاودبنكم غير هذا الادب.

قال ابن ماكولا فى كتاب الاكمال: (يعنى مصعب بن الزبير و عبدالله اخاه، و هى نهيه بنت سعيد بن سهم بن هصيص، و هى ام ولد اسد بن عبدالعزى بن قصى)، و هذا من المواضع الغامضه.

و روى الزبير بن بكار فى كتاب انساب قريش قال: قدم وفد من العراق على عبدالله بن الزبير، فاتوه فى المسجدالحرام، فسلموا عليه، فسالهم عن معصب اخيه و عن سيرته فيهم، فاثنوا عليه، و قالوا: خيرا، و ذلك فى يوم جمعه، فصلى عبدالله بالناس الجمعه، ثم صعد المنبر، فحمد الله ثم تمثل: قد جربونى ثم جربونى من غلوتين و من المئين حتى اذا شابوا و شيبونى خلوا عنانى ثم سيبونى ايها الناس، انى قد سالت الوفد من اهل العراق عن عاملهم معصب بن الزبير فاحسنوا الثناء عليه، و ذكروا عنه ما احب، الا ان مصعبا اطبى القلوب حتى لا تعدل به، و الاهواء حتى لا تحول عنه، و استمال الالسن بثنائها، و القلوب بنصائحها، و الانفس بمحبتها و هو المحبوب فى خاصته، المامون فى عامته، بما اطلق الله به لسانه من الخير و بسط به يديه من البذل، ثم نزل.

و روى ا
لزبير قال: لما جاء عبدالله بن الزبير نعى المصعب صعد المنبر فقال: الحمد لله الذى له الخلق و الامر، يوتى الملك من يشاء، و ينزع الملك ممن يشاء، و يعز من يشاء، و يذل من يشاء، الا و انه لم يذلل الله من كان الحق معه و لو كان فردا، و لم يعزز الله ولى الشيطان و حزبه و ان كان الانام كلهم معه، الا و انه قد اتانا من العراق خبر احزننا و افرحنا، اتانا قتل المصعب رحمه الله، فاما الذى احزننا فان لفراق الحميم لذعه يجدها حميمه عند المصيبه، ثم يرعوى بعدها ذو الراى الى جميل الصبر و كرم العزاء، و اما الذى افرحنا فان قتله كان عن شهاده، و ان الله تعالى جعل ذلك لنا و له ذخيره.

الا ان اهل العراق، اهل الغدر و النفاق، اسلموه و باعوه باقل الثمن، فان يقتل المصعب فانا لله و انا اليه راجعون! ما نموت جبحا كما يموت بنو العاص، ما نموت الا قتلا، قعصا بالرماح، و موتا تحت ظلال السيوف، الا انما الدنيا عاريه من الملك الاعلى الذى لا يزول سلطانه و لا يبيد، فان تقبل الدنيا على لا آخذها اخذ الاشر البطر، و ان تدبر عنى لاابكى عليها بكاء الخرف المهتر، و ان يهلك المصعب فان فى آل الزبير لخلفا.

ثم نزل.

و روى الزبير بن بكار قال: خطب عبدالله بن الزبير بعد ا
ن جائه مقتل المصعب، فحمد الله و اثنى عليه ثم قال: لئن اصبت بمصعب فلقد اصبت بامامى عثمان، فعظمت مصيبته، ثم احسن الله و اجمل، و لئن اصبت بمصعب فلقد اصبت بابى الزبير، فعظمت مصيبته، فظننت انى لا اجيزها، ثم احسن الله و سلم، و استمرت مريرتى، و هل كان مصعب الا فتى من فتيانى! ثم غلبه البكاء فسالت دموعه و قال: كان و الله سريا مريا، ثم قال: هم دفعوا الدنيا على حين اعرضت كراما و سنوا للكرام التاسيا و روى ابوالعباس فى الكامل ان عروه لما صلب عبدالله جاء الى عبدالملك فوقف ببابه، و قال للحاجب: اعلم اميرالمومنين ان اباعبدالله بالباب، فدخل الحاجب فقال: رجل يقول قولا عظيما.

قال: و ما هو؟ فتهيب، فقال: قل.

قال: رجل يقول: قل لاميرالمومنين ابوعبدالله بالباب، فقال عبدالملك: قل لعروه يدخل، فدخل فقال: تامر بانزال جيفه ابى بكر فان النساء يجزعن، فامر بانزاله.

قال: و قد كان كتب الحجاج الى عبدالملك يقول: ان خزائن عبدالله عند عروه، فمره فليسلمها، فدفع عبدالملك الى عروه، و ظن انه يتغير، فلم يحفل بذلك كانه ما قراه، فكتب عبدالملك الى الحجاج الا يعرض لعروه.

و من الكلام المشهور فى بخل عبدالله بن الزبير الكلام الذى يحكى ان اعرابيا اتاه يست
حمله، فقال: قد نقب خف راحلتى فاحملنى انى قطعت الهواجر اليك عليها، فقال له: ارقعها بسبت، و اخصفها بهلب، و انجد بها، و سر بها البردين فقال: انما اتيتك مستحملا، لم آتك مستوصفا، لعن الله ناقه حملتنى اليك، قال: ان و راكبها.

و هذا الاعرابى هو فضاله بن شريك، فهجاه فقال: ارى الحاجات عند ابى خبيب نكدن و لا اميه بالبلاد من الاعياص او من آل حرب اغر كغره الفرس الجواد دخل عبدالله بن الزبير على معاويه فقال: يا اميرالمومنين، لا تدعن مروان يرمى جماهير قريش بمشاقصه، و يضرب صفاتهم بمعوله.

اما و الله، انه لو لا مكانك لكان اخف على رقابنا من فراشه، و اقل فى انفسنا من خشاشه، و ايم الله لئن ملك اعنه خيل تنقاد له لتركبن منه طبقا تخافه.

فقال معاويه: ان يطلب مروان هذا الامر فقد طمع فيه من هو دونه، و ان يتركه يتركه لمن فوقه، و ما اراكم بمنتهين حتى يبعث الله عليكم من لا يعطف عليكم بقرابه، و لا يذكركم عند ملمه، يسومكم خسفا، و يسوقكم عسفا.

فقال ابن الزبير: اذن و الله يطلق عقال الحرب بكتائب تمور كرجل الجراد، تتبع غطريفا من قريش لم تكن امه راعيه ثله.

فقال معاويه: انا ابن هند، اطلقت عقال الحرب، فاكلت ذروه السنام، و شربت عنفوان المكر
ع و ليس للاكل بعدى الا الفلذه، و لا للشارب الا الرنق.

فسكت ابن الزبير.

قدم عبدالله بن الزبير على معاويه وافدا، فرحب به و ادناه حتى اجلسه على سريره، ثم قال: حاجتك اباخبيب! فساله اشياء، ثم قال له: سل غير ما سالت، قال: نعم، المهاجرون و الانصار ترد عليهم فيئهم، و تحفظ وصيه نبى الله فيهم، تقبل من محسنهم، و تتجاوز عن مسيئهم.

فقال معاويه: هيهات هيهات، لا و الله ما تامن النعجه الذئب و قد اكل اليتها.

فقال ابن الزبير: مهلا يا معاويه، فان الشاه لتدر للحالب و ان المديه فى يده، و ان الرجل الاريب ليصانع ولده الذى خرج من صلبه، و ما تدور الرحى الا بقطبها، و لا تصلح القوس الا بمعجسها.

فقال: يا اباخبيب، لقد اجررت الطروقه قبل هباب الفحل هيهات، و هى لا تصطك لحبائها اصطكاك القروم السوامى.

فقال ابن الزبير: العطن بعد العل، و العل بعد النهل، و لا بد للرحاء من الثفال ثم نهض ابن الزبير.

فلما كان العشاء اخذت قريش مجالسها، و خرج معاويه على بنى اميه فوجد عمرو بن العاص فيهم، فقال: ويحكم يا بنى اميه! افيكم من يكفينى ابن الزبير؟ فقال عمرو: انا اكفيكه يا اميرالمومنين، قال: ما اظنك تفعل؟ قال: بلى و الله لاربدن وجهه، و لاخرسن لسانه، و لاردنه
الين من خميله.

فقال: دونك، فاعرض له اذا دخل.

فدخل ابن الزبير- و كان قد بلغه كلام معاويه و عمرو- فجلس نصب عينى عمرو، فتحدثوا ساعه ثم قال عمرو: و انى لنار ما يطاق اصطلاوها لدى كلام معضل متفاقم فاطرق ابن الزبير ساعه ينكت فى الارض، ثم رفع راسه و قال: و انى لبحر ما يسامى عبابه متى يلق بحرى حر نارك يخمد فقال عمرو: و الله يا بن الزبير انك ما علمت لمتجلبب جلابيب الفتنه، متازر بوصائل التيه، تتعاطى الذرا الشاهقه، و المعالى الباسقه.

و ما انت من قريش فى لباب جوهرها و لا مونق حسبها! فقال ابن الزبير: اما ما ذكرت من تعاطى الذرا فانه طال بى اليها وسما ما لا يطول بك مثله: انف حمى، و قلب ذكى، و صارم مشرفى، فى تليد فارع، و طريف مانع، اذ قعد بك انتفاخ سحرك، و وجيب قلبك.

و اما ما ذكرت من انى لست من قريش فى لباب جوهرها، و مونق حسبها، فقد حضرتنى و اياك الاكفاء العالمون بى و بك، فاجعلهم بينى و بينك.

فقال القوم: قد انصفك يا عمرو، قال: قد فعلت.

فقال ابن الزبير: اما اذ امكننى الله منك فلاربدن وجهك، و لاخرسن لسانك و لترجعن فى هذه الليله، و كان الذى بين منكبيك مشدود الى عروق اخدعيك، ثم قال: اقسمت عليكم يا معاشر قريش، انا افضل فى
دين الاسلام ام عمرو؟ فقالوا: اللهم انت، قال: فابى افضل ام ابوه؟ قالوا: ابوك حوارى رسول الله (ص).

ابن عمته، قال: فامى افضل ام امه، قالوا: امك اسماء بنت ابى بكر الصديق، و ذات النطاقين، قال: فعمتى افضل ام عمته؟ قالوا: عمتك سلمى ابنه العوام صاحبه رسول الله (ص) افضل من عمته، قال: فخالتى افضل ام خالته؟ قالوا: خالتك عائشه ام المومنين، قال: فجدتى افضل ام جدته، فقال: جدتك صفيه بنت عبدالمطلب عمه رسول الله (ص)، قال: فجدى افضل ام جده؟ قالوا: جدك ابوبكر الخليفه بعد رسول الله (ص)، فقال: قضت الغطارف من قريش بيننا فاصبر لفصل خصامها و قضائها و اذا جريت فلا تجار مبرزا بذ الجياد على احتفال جرائها اما و الله يا بن العاص، لو ان الذى امرك بهذا واجهنى بمثله لقصرت اليه من سامى بصره، و لتركته يتلجلج لسانه، و تضطرم النار فى جوفه، و لقد استعان منك بغير واف و لجا الى غير كاف، ثم قام فخرج.

و ذكر المسعودى فى كتاب مروج الذهب ان الحجاج لما حاصر ابن الزبير لم يزل يزحف حتى ملك الجبل المعروف بابى قبيس، و قد كان بيد ابن الزبير، فكتب بذلك الى عبدالملك، فلما قرا كتابه كبر و كبر من كان فى داره حتى اتصل التكبير باهل السوق، فكبروا، و سال ال
ناس ما الخبر؟ فقيل لهم: ان الحجاج حاصر ابن الزبير بمكه، و ظفر بابى قبيس، فقال الناس: لا نرضى حتى يحمل ابوخبيب الينا مكبلا على راسه برنس، راكب جمل، يطاف به فى الاسواق، تراه العيون.

و ذكر المسعودى ان عمه عبدالملك كانت تحت عروه بن الزبير، و ان عبدالملك كتب الى الحجاج يامره بالكف عن عروه، و ذلك قبل ان يقتل عبدالله و الا يسوئه اذا ظفر باخيه فى ماله و لا فى نفسه، قال: فلما اشتد الحصار على عبدالله خرج عروه الى الحجاج فاخذ لعبدالله امانا و رجع اليه، فقال: هذا عمرو بن عثمان، و خالد بن عبدالله بن خالد بن اسيد، و هما فتيا بنى اميه يعطيانك امان عبدالملك ابن عمهما على ما احدثت انت و من معك، و ان تنزل اى البلاد شئت، و لك بذلك عهد الله و ميثاقه، فابى عبدالله قبول ذلك، و نهته امه و قالت: لا تموتن الا كريما، فقال لها: انى اخاف ان قتلت ان اصلب او يمثل بى، فقالت: ان الشاه بعد الذبح لا تحس بالسلخ.

و روى المسعودى ان عبدالله بن الزبير بعد موت يزيد بن معاويه طلب من يومره على الكوفه، و قد كان اهلها احبوا ان يليهم غير بنى اميه، فقال له المختار بن ابى عبيد: اطلب رجلا له رفق و علم بما ياتى، و تدبر قوله اياها يستخرج لك منها جندا تغلب به
اهل الشام، فقال: انت لها، فبعثه الى الكوفه، فاتاها و اخرج ابن مطيع منها، و ابتنى لنفسه دارا، و انفق عليها مالا جليلا، و سال عبدالله بن الزبير ان يحتسب له به من مال العراق، فلم يفعل، فخلعه و جحد بيعته، و دعا الى الطالبيين.

قال المسعودى: و اظهر عبدالله بن الزبير الزهد فى الدنيا، و ملازمه العباده، مع الحرص على الخلافه و شبر بطنه، فقال: انما بطنى شبر، فما عسى ان يسع ذلك الشبر! و ظهر عنه شح عظيم على سائر الناس، ففى ذلك يقول ابوحمزه مولى آل الزبير: ان الموالى امست و هى عاتبه على الخليفه تشكوا الجوع و الحربا ماذا علينا و ما ذا كان يرزونا اى الملوك على ما حولنا غلبا و قال فيه ايضا: لو كان بطنك شبرا قد شبعت و قد افضلت فضلا كثيرا للمساكين ما زلت فى سوره الاعراف تدرسها حتى فوادى مثل الخز فى اللين و قال فيه شاعر ايضا، لما كانت الحرب بينه و بين الحصين بن نمير قبل ان يموت يزيد بن معاويه: فيا راكبا اما عرضت فبلغن كبير بنى العوام ان قيل من تعنى تخبر من لاقيت انك عائذ و تكثر قتلى بين زمزم و الركن و قال الضحاك بن فيروز الديلمى: تخبرنا ان سوف تكفيك قبضه و بطنك شبر او اقل من الشبر و انت اذا ما نلت ش
يئا قضمته كما قضمت نار الغضا حطب السدر فلو كنت تجزى او تثيب بنعمه قريبا لردتك العطوف على عمرو قال: هو عمرو بن الزبير اخوه، ضربه عبدالله حتى مات و كان مباينا له.

كان يزيد بن معاويه قد ولى الوليد بن عتبه بن ابى سفيان المدينه، فسرح الوليد منها جيشا الى مكه لحرب عبدالله بن الزبير، عليه عمرو بن الزبير، فلما تصاف القوم انهزم رجال عمرو و اسلموه، فظفر به عبدالله، فاقامه للناس بباب المسجد مجردا، و لم يزل يضربه بالسياط حتى مات.

و قد رايت فى غير كتاب المسعودى، ان عبدالله وجد عمرا عند بعض زوجاته، و له فى ذلك خبر لا احب ان اذكره.

قال المسعودى: ثم ان عبدالله بن الزبير حبس الحسن بن محمد بن الحنفيه فى حبس مظلم، و اراد قتله، فاعمل الحيله حتى تخلص من السجن، و تعسف الطريق على الجبال، حتى اتى منى، و بها ابوه محمد بن الحنفيه.

ثم ان عبدالله جمع بنى هاشم كلهم فى سجن عارم، و اراد ان يحرقهم بالنار، و جعل فى فم الشعب حطبا كثيرا، فارسل المختار اباعبدالله الجدلى فى اربعه آلاف، فقال ابوعبدالله لاصحابه: ويحكم! ان بلغ ابن الزبير الخبر عجل على بنى هاشم فاتى عليهم، فانتدب هو نفسه فى ثمانمائه فارس جريده، فما شعر بهم ابن الزبير الا و ا
لرايات تخفق بمكه، فقصد قصد الشعب، فاخرج الهاشميين منه، و نادى بشعار محمد بن الحنفيه، و سماه المهدى، و هرب ابن الزبير، فلاذ باستار الكعبه، فنهاهم محمد بن الحنفيه عن طلبه و عن الحرب، و قال: لااريد الخلافه الا ان طلبنى الناس كلهم، و اتفقوا على كلهم، و لا حاجه لى فى الحرب.

قال المسعودى: و كان عروه بن الزبير يعذر اخاه عبدالله فى حصر بنى هاشم فى الشعب، و جمعه الحطب ليحرقهم و يقول: انما اراد بذلك الا تنتشر الكلمه، و لايختلف المسلمون، و ان يدخلوا فى الطاعه، فتكون الكلمه واحده، كما فعل عمر بن الخطاب ببنى هاشم لما تاخروا عن بيعه ابى بكر، فانه احضر الحطب ليحرق عليهم الدار.

قال المسعودى: و خطب ابن الزبير يوم قدم ابوعبدالله الجدلى قبل قدومه بساعتين، فقال: ان هذا الغلام محمد بن الحنفيه قد ابى بيعتى، و الموعد بينى و بينه ان تغرب الشمس، ثم اضرم عليه مكانه نارا، فجاء انسان الى محمد فاخبره بذلك، فقال: سيمنعه منى حجاب قوى، فجعل ذلك الرجل ينظر الى الشمس، و يرقب غيبوبتها لينظر ما يصنع ابن الزبير، فلما كادت تغرب حاست خيل ابى عبدالله الجدلى ديار مكه و جعلت تمعج بين الصفا و المروه، و جاء ابوعبدالله الجدلى بنفسه، فوقف على فم الشعب،
و استخرج محمدا، و نادى بشعاره، و استاذنه فى قتل ابن الزبير، فكره ذلك و لم ياذن فيه، و خرج من مكه فاقام بشعب رضوى حتى مات.

و روى المسعودى عن سعيد بن جبير، ان ابن عباس دخل على ابن الزبير فقال له ابن الزبير: الام تونبنى و تعنفنى! قال ابن عباس: انى سمعت رسول الله (ص) يقول: (بئس المرء المسلم يشبع و يجوع جاره!)، و انت ذلك الرجل، فقال ابن الزبير: و الله انى لاكتم بغضكم اهل هذا البيت منذ اربعين سنه.

و تشاجرا، فخرج ابن عباس من مكه، (خوفا على نفسه)، فاقام بالطائف حتى مات.

و روى ابوالفرج الاصفهانى قال: اتى فضاله بن شريك الوالبى ثم الاسدى من بنى اسد بن خزيمه عبدالله بن الزبير فقال: نفدت نفقتى، و نقبت ناقتى، فقال: احضرنيها، فاحضرها، فقال: اقبل بها، ادبر بها، ففعل، فقال: ارقعها بسبت، و اخصفها بهلب، و انجد بها يبرد خفها، و سر البردين تصح.

فقال فضاله: انى اتيتك مستحملا، و لم آتك مستوصفا، فلعن الله ناقه حملتنى اليك! فقال: ان و راكبها، فقال فضاله اقول لغلمه شدوا ركابى اجاوز بطن مكه فى سواد فما لى حين اقطع ذات عرق الى ابن الكاهليه من معاد سيبعد بيننا نص المطايا و تعليق الاداوى و المزاد و كل معبد قد اعلمته مناسمه
ن طلاع النجاد ارى الحاجات عند ابى خبيب نكدن و لا اميه بالبلاد من الاعياص او من آل حرب اغر كغره الفرس الجواد قال: ابن الكاهليه هو عبدالله بن الزبير، و الكاهليه هذه هى ام خويلد بن اسد بن عبدالعزى، و اسمها زهره بنت عمرو بن خنثر بن رويته بن هلال، من بنى كاهل بن اسد بن خزيمه- قال: فقال عبدالله بن الزبير لما بلغه الشعر: علم انها شر امهاتى فعيرنى بها، و هى خير عماته.

و روى ابوالفرج قال: كانت صفيه بنت ابى عبيد بن مسعود الثقفى تحت عبدالله ابن عمر بن الخطاب فمشى ابن الزبير اليها، فذكر لها ان خروجه كان غضبا لله عز و جل و لرسوله (ص) و للمهاجرين و الانصار من اثره معاويه و ابنه بالفى ء، و سالها مساله زوجها عبدالله بن عمر ان يبايعه، فلما قدمت له عشائه ذكرت له امر ابن الزبير و عبادته و اجتهاده، و اثنت عليه، و قالت: انه ليدعو الى طاعه الله عز و جل، و اكثرت القول فى ذلك، فقال لها: ويحك! اما رايت البغلات الشهب التى كان يحج معاويه عليها، و تقدم الينا من الشام؟ قالت: بلى، قال: و الله ما يريد ابن الزبير بعبادته غيرهن!

حکمت 445

الشرح:

قد تقدم كلامنا فى الفخر، و ذكرنا الشعر الذى اخذ من هذا الكلام، و هو قول القائل: ما بال من اوله نطفه و جيفه آخره يفخر يصبح ما يملك تقديم ما يرجو و لا تاخير ما يحذر (فصل فى الفخر و ما قيل فى النهى عنه) و قال بعض الحكماء: الفخر هو المباهاه بالاشياء الخارجه عن الانسان، و ذلك نهايه الحمق لمن نظر بعين عقله، و انحسر عنه قناع جهله، فاعراض الدنيا عاريه مسترده، لا يومن فى كل ساعه ان ترتجع، و المباهى بها مباه بما فى غير ذاته.

و قد قال لبعض من فخر بثروته و وفره: ان افتخرت بفرسك فالحسن و الفراهه له دونك، و ان افتخرت بثيابك و آلاتك فالجمال لهما دونك، و ان افتخرت بابائك و سلفك فالفضل فيهم لا فيك، و لو تكلمت هذه الاشياء لقالت لك: هذه محاسننا فما محاسنك! و ايضا فان الاعراض الدنيويه كما قيل: سحابه صيف عن قليل تقشع، و ظل زائل عن قريب يضمحل، كما قال الشاعر: انما الدنيا كرويا فرحت من رآها ساعه ثم انقضت بل كما قال تعالى: (انما مثل الحياه الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض مما ياكل الناس و الانعام حتى اذا اخذت الارض زخرفها و ازينت و ظن اهلها انهم قادرون عليها اتاها امرنا ليلا
او نهارا فجعلناها حصيدا كان لم تغن بالامس).

و اذا كان لا بد من الفخر فليخفر الانسان بعلمه و بشريف خلقه، و اذا اعجبك من الدنيا شى ء فاذكره فنائك و بقائه، او بقائك و فنائه، او فنائكما جميعا، و اذا راقك ما هو لك فانظر الى قرب خروجه من يدك، و بعد رجوعه اليك، و طول حسابك عليه و قد ذم الله الفخور فقال: (و الله لايحب كل مختال فخور).

حکمت 446

الشرح:

اى لايعد الغنى غنيا فى الحقيقه الا من حصل له ثواب الاخره الذى لاينقطع ابدا، و لايعد الفقير فقيرا الا من لم يحصل له ذلك، فانه لا يزال شقيا معذبا، و ذاك هو الفقر بالحقيقه.

فاما غنى الدنيا و فقرها فامران عرضيان، زوالهما سريع، و انقضاوهما وشيك.

و اطلاق هاتين اللفظتين على مسماهما الدنيوى على سبيل المجاز عند ارباب الطريقه، اعنى العارفين.

حکمت 447

(فى مجلس على بن ابى طالب)

الشرح:

قرات فى امالى ابن دريد، قال: اخبرنا الجرموزى، عن ابن المهلبى، عن ابن الكلبى، عن شداد بن ابراهيم، عن عبيدالله بن الحسن العنبرى، عن ابن عراده، قال: كان على بن ابى طالب (ع) يعشى الناس فى شهر رمضان باللحم و لايتعشى معهم، فاذا فرغوا خطبهم و وعظهم، فافاضوا ليله فى الشعراء و هم على عشائهم، فلما فرغوا خطبهم (ع) و قال فى خطبته: اعلموا ان ملاك امركم الدين، و عصمتكم التقوى، و زينتكم الادب، و حصون اعراضكم الحلم، ثم قال: قل يا ابا الاسود: فيم كنتم تفيضون فيه؟ اى الشعراء اشعر؟ فقال: يا اميرالمومنين الذى يقول: و لقد اغتدى يدافع ركنى اعوجى ذو ميعه اضريج مخلط مزيل معن مفن منفح مطرح سبوح خروج يعنى ابادواد الايادى، فقال (ع): ليس به، قالوا: فمن يا اميرالمومنين؟ فقال: لو رفعت للقوم غايه فجروا اليها معا علمنا من السابق منهم، و لكن ان يكن فالذى لم يقل عن رغبه و لا رهبه.

قيل: من هو يا اميرالمومنين؟ قال: هو الملك الضليل ذو القروح، قيل: امرو القيس يا اميرالمومنين؟ قال: هو.

قيل: فاخبرنا عن ليله القدر؟ قال: ما اخلوا من ان اكون اعلمها فاستر علمها، و لست اشك ان الله انما يسترها
عنكم نظرا لكم، لانه لو اعلمكموها عملتم فيها و تركتم غيرها، و ارجو ان لا تخطئكم ان شاءالله، انهضوا رحمكم الله.

و قال ابن دريد لما فرغ من الخبر: اضريج: ينبثق فى عدوه، و قيل واسع الصدر و منفح: يخرج الصيد من مواضعه، و مطرح: يطرح ببصره.

و خروج: سابق.

و الغايه بالغين المعجمه: الرايه: قال الشاعر: و اذا غايه مجد رفعت نهض الصلت اليها فحواها و يروى قول الشماخ: اذا ما رايه رفعت لمجد تلقاها عرابه باليمين بالغين، و الراء اكثر.

فاما البيت الاول فبالغين لا غير، انشده الخليل فى عروضه، و فى حديث طويل فى الصحيح: (فياتونكم تحت ثمانين غايه، تحت كل غايه اثنا عشر الفا).

و الميعه: اول جرى الفرس، و قيل: الجرى بعد الجرى.

(اختلاف العلماء فى تفضيل بعض الشعراء على بعض) و انا اذكر فى هذا الموضع ما اختلف فيه العلماء من تفضيل بعض الشعراء على بعض، و ابتدى ء فى ذلك بما ذكره ابوالفرج على بن الحسين الاصفهانى فى كتاب الاغانى.

قال ابوالفرج: الثلاثه المقدمون على الشعراء: امرو القيس، و زهير، و النابغه، لا اختلاف فى انهم مقدمون على الشعراء كلهم، و انما اختلف فى تقديم بعض الثلاثه على بعض.

قال: فاخبرنى ابوخليفه، عن محمد بن سلام، عن ابى قب
يس، عن عكرمه بن جرير، عن ابيه، قال: شاعر اهل الجاهليه زهير.

قال: و اخبرنى احمد بن عبدالعزيز الجوهرى، قال: حدثنى عمر بن شبه، عن هارون بن عمر، عن ايوب بن سويد، عن يحيى بن زياد، عن عمر بن عبدالله الليثى، قال: قال عمر بن الخطاب ليله فى مسيره الى الجابيه: اين عبدالله بن عباس؟ فاتى به، فشكا اليه تخلف على بن ابى طالب (ع) عنه.

قال ابن عباس: فقلت له: او لم يعتذر اليك؟ قال: بلى، قلت: فهو ما اعتذر به.

قال: ثم انشا يحدثنى فقال: ان اول من راثكم عن هذا الامر ابوبكر، ان قومكم كرهوا ان يجمعوا لكم الخلافه و النبوه.

قال ابوالفرج: ثم ذكر قصه طويله ليست من هذا الباب، فكرهت ذكرها ثم قال: يابن عباس، هل تروى لشاعر الشعرائ؟ قلت: و من هو؟ قال: ويحك! شاعر الشعراء، الذى يقول: فلو ان حمدا يخلد الناس خلدوا و لكن حمد الناس ليس بمخلد فقلت: ذاك زهير، فقال: ذاك شاعر الشعراء، قلت: و بم كان شاعر الشعرائ؟ قال: انه كان لا يعاظل الكلام، و يتجنب وحشيه، و لا يمدح احدا الا بما فيه.

قال ابوالفرج: و اخبرنى ابوخليفه قال: ابن سلام: و اخبرنى عمر بن موسى الجمحى، عن اخيه قدامه بن موسى- و كان من اهل العلم- انه كان يقدم زهيرا، قال: فقلت له: اى شعره كان
اعجب اليه؟ فقال: الذى يقول فيه: قد جعل المبتغون الخير فى هرم و السائلون الى ابوابه طرقا قال ابن سلام: و اخبرنى ابوقيس العنبرى- و لم ار بدويا يفى به- عن عكرمه ابن جرير، قال: قلت لابى: يا ابت، من اشعر الناس؟ قال: اعن اهل الجاهليه تسالنى، ام عن اهل الاسلام؟ قال: قلت: ما اردت الا الاسلام، فاذا كنت قد ذكرت الجاهليه فاخبرنى عن اهلها، فقال: زهير اشعر اهلها، قلت: فالاسلام؟ قال: الفرزدق نبعه الشعر، قلت: فالاخطل، قال: يجيد مدح الملوك، و يصيب وصف الخمر، قلت: فما تركت لنفسك؟ قال: انى نحرت الشعر نحرا.

قال: و اخبرنى الحسن بن على قال: اخبرنا الحارث بن محمد عن المدائنى، عن عيسى بن يزيد، قال: سال معاويه الاحنف عن اشعر الشعرائ؟ فقال: زهير، قال: و كيف ذاك؟ قال: القى على المادحين فضول الكلام، و اخذ خالصه و صفوته، قال: مثل ماذا؟ قال: مثل قوله: و ما يك من خير اتوه فانما توارثه آباء آبائهم قبل و هل ينبت الخطى الا وشيجه و تغرس الا فى منابتها النخل! قال: و اخبرنى احمد بن عبدالعزيز، قال: حدثنا عمر بن شبه، قال: حدثنا عبدالله بن عمرو القيسى قال: حدثنا خارجه بن عبدالله بن ابى سفيان، عن ابيه، عن ابن عباس قال: خرجت مع عمر فى ا
ول غزاه غزاها، فقال لى ليله: يابن عباس، انشدنى لشاعر الشعراء، قلت: من هو؟ قال: ابن ابى سلمى.

قلت: و لم صار كذلك؟ قال: لانه لايتبع حوشى الكلام، و لا يعاظل فى منطقه، و لايقول الا ما يعرف، و لايمدح الرجل الا بما فيه، اليس هو الذى يقول: اذا ابتدرت قيس بن عيلان غايه الى المجد من يسبق اليها يسود سبقت اليها كل طلق مبرز سبوق الى الغايات غير مزند قال: اى لايحتاج الى ان يجلد الفرس بالسوط.

كفعل جواد يسبق الخيل عفوه ال سراع و ان يجهد و يجهدن يبعد فلو كان حمدا يخلد الناس لم تمت و لكن حمد الناس ليس بمخلد انشدنى له، فانشدته حتى برق الفجر، فقال: حسبك الان، اقرا القرآن.

قلت: ما اقرا؟ قال: الواقعه، فقراتها، و نزل فاذن و صلى.

و قال محمد بن سلام فى كتاب "طبقات الشعراء": دخل الحطيئه على سعيد بن العاص متنكرا، فلما قام الناس و بقى الخواص اراد الحاجب ان يقيمه، فابى ان يقوم، فقال سعيد: دعه، و تذاكروا ايام العرب و اشعارها، فلما اسهبوا قال الحطيئه: ما صنعتم شيئا، فقال سعيد: فهل عندك علم من ذلك؟ قال: نعم، قال: فمن اشعر العرب؟ قال: الذى يقول: قد جعل المبتغون الخير فى هرم و السائلون الى ابوابه طرقا قال ثم من قال الذى ي
قول: فانك شمس و الملوك كواكب اذا طلعت لم يبد منهن كوكب يعنى زهيرا، ثم النابغه، ثم قال: و حسبك بى اذا وضعت احدى رجلى على الاخرى، ثم عويت فى اثر القوافى كما يعوى الفصيل فى اثر امه! قال: فمن انت؟ قال: انا الحطيئه، فرحب به سعيد، و امر له بالف دينار.

قال: و قال من احتج لزهير: كان احسنهم شعرا، و ابعدهم من سخف، و اجمعهم لكثير من المعنى فى قليل من المنطق، و اشدهم مبالغه فى المدح، و ابعدهم تكلفا و عجرفيه و اكثرهم حكمه و مثلا سائرا فى شعره.

و قد روى ابن عباس عن النبى (ص) انه قال: (افضل شعرائكم القائل و من من)، يعنى زهيرا، و ذلك فى قصيدته التى اولها: (امن ام اوفى يقول فيها: و من يك ذا فضل فيبخل بفضله على قومه يستغن عنه و يذمم و من لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم و من لايظلم الناس يظلم و من هاب اسباب المنايا ينلنه و لو نال اسباب السماء بسلم و من يجعل المعروف من دون عرضه يفره و من لايتق الشتم يشتم فاما القول فى النابغه الذبيانى فان اباالفرج الاصفهانى قال فى كتاب الاغانى: كنيه النابغه ابو امامه، و اسمه زياد بن معاويه، و لقب بالنابغه لقوله: فقد نبغت لهم منا شئون و هو احد الاشراف الذين غض الشعر منهم، و هو من
الطبقه الاولى المقدمين على سائر الشعراء.

اخبرنى احمد بن عبدالعزيز الجوهرى و حبيب بن نصر قالا: حدثنا عمر بن شبه، قال: حدثنى ابونعيم، قال: شريك عن مجالد، عن الشعبى، عن ربعى ابن حراش، قال: قال لنا عمر: يا معشر غطفان، من الذى يقول: اتيتك عاريا خلقا ثيابى على خوف تظن بى الظنون قلنا: النابغه، قال: ذاك اشعر شعرائكم.

قلت: قوله: (اشعر شعرائكم)، لايدل على انه اشعر العرب، لانه جعله اشعر شعراء غطفان، فليس كقوله فى زهير شاعر الشعراء، و لكن اباالفرج قد روى بعد هذا خبرا آخر صريحا فى ان النابغه عند عمر اشعر العرب.

قال: حدثنى احمد و حبيب، عن عمر بن شبه، قال: حدثنا عبيد بن جناد، قال: حدثنا معن بن عبدالرحمن، عن عيسى بن عبد الرحمن السلمى، عن جده، عن الشعبى قال: قال عمر يوما: من اشعر الشعرائ؟ فقيل له: انت اعلم يا اميرالمومنين، قال: من الذى يقول: الا سليمان اذ قال المليك له قم فى البريه فاحددها عن الفند و خيس الجن انى قد اذنت لهم يبنون تدمر بالصفاح و العمد قالوا: النابغه، قال: فمن الذى يقول: اتيتك عاريا خلقا ثيابى على خوف تظن بى الظنون قالوا: النابغه، قال: فمن الذى يقول: حلفت فلم اترك لنفسك ريبه و ليس وراء الله
للمرء مذهب لئن كنت قد بلغت عنى خيانه لمبلغك الواشى اغش و اكذب قالوا: النابغه، قال: فهو اشعر العرب.

قال: و اخبرنى احمد، قال: حدثنا عمر، قال: حدثنى على بن محمد المدائنى قال: قام رجل الى ابن عباس، فقال له: اى الناس اشعر؟ قال: اخبره يا ابا الاسود، فقال ابوالاسود: الذى يقول: فانك كالليل الذى هو مدركى و ان خلت ان المنتاى عنك واسع يعنى النابغه.

قال ابوالفرج: و اخبرنى احمد و حبيب، عن عمر عن ابى بكر العليمى، عن الاصمعى، قال: كان يضرب للنابغه قبه ادم بسوق عكاظ فتاتيه الشعراء فتعرض عليه اشعارها، فانشده مره الاعشى، ثم حسان بن ثابت، ثم قوم من الشعراء، ثم جائت الخنساء فانشدته: و ان صخرا لتاتم الهداه به كانه علم فى راسه نار فقال: لو لا ان ابابصير- يعنى الاعشى- انشدنى آنفا لقلت: انك اشعر الانس و الجن.

فقام حسان بن ثابت فقال: انا و الله اشعر منها و من ابيك، فقال له النابغه: يابن اخى، انت لا تحسن ان تقول: فانك كالليل الذى هو مدركى و ان خلت ان المنتاى عنك واسع خطاطيف حجن فى حبال متينه تمد بها ايد اليك نوازع قال: فخنس حسان لقوله.

قال: و اخبرنى احمد و حبيب، عن عمر، عن الاصمعى، عن ابى عمرو بن العلاء قال: حدث
نى رجل سماه ابوعمرو و انسيته، قال: بينما نحن نسير بين انقاء من الارض، فتذاكرنا الشعر، فاذا راكب اطيلس يقول: اشعر الناس زياد بن معاويه، ثم تملس فلم نره.

قال: و اخبرنى احمد بن عبدالعزيز، عن عمر بن شبه، عن الاصمعى، قال: سمعت اباعمرو بن العلاء يقول: ما ينبغى لزهير الا ان يكون اجيرا للنابغه.

قال ابوالفرج: و اخبرنا احمد عن عمر، قال: قال عمرو بن المنتشر المرادى: وفدنا على عبدالملك بن مروان، فدخلنا عليه، فقام رجل فاعتذر من امر و حلف عليه، فقال له عبدالملك: ما كنت حريا ان تفعل و لاتعتذر، ثم اقبل على اهل الشام فقال: ايكم يروى اعتذار النابغه الى النعمان فى قوله: حلفت فلم اترك لنفسك ريبه و ليس وراء الله للمرء مذهب فلم يجد فيهم من يرويه، فاقبل على و قال: اترويه؟ قلت: نعم، فانشدته القصيده كلها، فقال: هذا اشعر العرب.

قال: و اخبرنى احمد و حبيب عن عمر، عن معاويه بن بكر الباهلى، قال: قلت لحماد الراويه: لم قدمت النابغه؟ قال: لاكتفائك بالبيت الواحد من شعره، لا بل بنصف البيت، لا بل بربع البيت، مثل قوله: حلفت فلم اترك لنفسك ريبه و ليس وراء الله للمرء مذهب و لست بمستبق اخا لا تلمه على شعث اى الرجال المهذب ربع البيت يغني
ك عن غيره، فلو تمثلت به لم تحتج الى غيره.

قال: و اخبرنى احمد بن عبدالعزيز، عن عمر بن شبه، عن هارون بن عبدالله الزبيرى، قال: حدثنى شيخ يكنى اباداود، عن الشعبى، قال: دخلت على عبدالملك و عنده الاخطل و انا لا اعرفه، و ذلك اول يوم وفدت فيه من العراق على عبدالملك، فقلت حين دخلت: عامر بن شراحيل الشعبى يا اميرالمومنين، فقال: على علم ما اذنا لك، فقلت: هذه واحده على وافد اهل العراق- يعنى انه اخطا- قال: ثم ان عبدالملك سال الاخطل: من اشعر الناس؟ فقال: انا، فعجلت و قلت لعبدالملك: من هذا يا اميرالمومنين؟ فتبسم، و قال: الاخطل، فقلت فى نفسى: اثنتان على وافد اهل العراق، فقلت له: اشعر منك الذى يقول: هذا غلام.

حسن وجهه مستقبل الخير سريع التمام للحارث الاكبر و الحارث ال اصغر فالاعرج خير الانام ثم لعمرو و لعمرو و قد اسرع فى الخيرات منه امام قال: هى امامه ام عمرو الاصغر بن المنذر بن امرى ء القيس بن النعمان ابن الشقيقه: خمسه آباء هم ما هم افضل من يشرب صوب الغمام و الشعر للنابغه، فالتفت الى الاخطل فقال: ان اميرالمومنين انما سالنى عن اشعر اهل زمانه، و لو سالنى عن اشعر اهل الجاهليه كنت حريا ان اقول كما قلت او شبيها به
، فقلت فى نفسى: ثلاث على وافد اهل العراق.

قال ابوالفرج: و قد وجدت هذا الخبر اتم من هذه الروايه، ذكره احمد بن الحارث الخراز فى كتابه، عن المدائنى، عن عبدالملك بن مسلم، قال: كتب عبدالملك ابن مروان الى الحجاج: انه ليس شى ء من لذه الدنيا الا و قد اصبت منه، و لم يبق عندى شى ء الذ من مناقله الاخوان الحديث، و قبلك عامر الشعبى فابعث به الى، فدعا الحجاج الشعبى، فجهزه و بعث به اليه، و قرظه و اطراه فى كتابه، فخرج الشعبى حتى اذا كان بباب عبدالملك قال للحاجب: استاذن لى، قال: من انت؟ قال: انا عامر الشعبى قال: يرحمك الله، قال: ثم نهض فاجلسنى على كرسيه، فلم يلبث ان خرج الى فقال: ادخل يرحمك الله، فدخلت، فاذا عبدالملك جالس على كرسى، و بين يديه رجل ابيض الراس و اللحيه، جالس على كرسى، فسلمت، فرد على السلام، فاوما الى بقضيبه، فجلست عن يساره، ثم اقبل على ذلك الانسان الذى بين يديه فقال له: من اشعر الناس؟ فقال: انا يا اميرالمومنين، قال الشعبى: فاظلم ما بينى و بين عبدالملك، فلم اصبر ان قلت: و من هذا الذى يزعم انه اشعر الناس يا اميرالمومنين! فعجب عبدالملك من عجلتى قبل ان يسالنى عن حالى، فقال: هذا الاخطل، فقلت: يا اخطل، اشعر و الله من
ك الذى يقول: هذا غلام حسن وجهه مستقبل الخير سريع التمام الابيات.

قال: فاستحسنها عبدالملك، ثم رددتها عليه حتى حفظها، فقال الاخطل: من هذا يا اميرالمومنين؟ قال: هذا الشعبى، فقال: و الجيلون ما استعذت بالله من شر الا من هذا- اى و الانجيل- صدق و الله يا اميرالمومنين، النابغه اشعر منى، قال الشعبى: فاقبل عبدالملك حينئذ على فقال: كيف انت يا شعبى؟ قلت: بخير يا اميرالمومنين، فلا زلت به ثم ذهبت لاصنع معاذير لما كان من خلافى مع ابن الاشعث على الحجاج: فقال: مه انا لانحتاج الى هذا المنطق، و لا تراه منا فى قول و لا فعل حتى تفارقنا، ثم اقبل على فقال: ما تقول فى النابغه؟ قلت: يا اميرالمومنين، قد فضله عمر بن الخطاب فى غير موطن على جميع الشعراء، ثم انشدته الشعر الذى كان عمر يعجب به من شعره، و قد تقدم ذكره.

قال: فاقبل عبدالملك على الاخطل فقال له: اتحب ان لك قياضا بشعرك شعر احد من العرب، ام تحب انك قلته؟ قال: لا و الله يا اميرالمومنين الا انى وددت انى كنت قلت ابياتا قالها رجل منا، ثم انشده قول القطامى: انا محيوك فاسلم ايها الطلل و ان بليت و ان طالت بك الطيل ليس الجديد به تبقى بشاشته الا قليلا و لا ذو خله يصل و العي
ش لا عيش الا ما تقر به عين و لا حال الا سوف تنتقل ان ترجعى من ابى عثمان منجحه فقد يهون على المستنجح العمل و الناس من يلق خيرا قائلون له ما يشتهى و لام المخطى ء الهبل قد يدرك المتانى بعض حاجته و قد يكون مع المستعجل الزلل قال الشعبى: فقلت: قد قال القطامى افضل من هذا، قال: و ما قال؟ قلت: قال: طرقت جنوب رحالنا من مطرق ما كنت احسبها قريب المعنق الى آخرها، فقال عبدالملك: ثكلت القطامى امه! هذا و الله الشعر، قال: فالتفت الى الاخطل فقال: يا شعبى، ان لك فنونا فى الاحاديث، و انما لى فن واحد فان رايت الا تحملنى على اكتاف قومك فادعهم حرضا! فقلت: لا اعرض لك فى شى ء من الشعر ابدا، فاقلنى هذه المره، فقال: من يتكفل بك؟ قلت: اميرالمومنين، فقال عبدالملك: هو على انه لا يعرض لك ابدا، ثم قال عبدالملك: يا شعبى، اى نساء الجاهليه اشعر؟ قلت: الخنسائ؟ قال: و لم فضلتها على غيرها؟ قلت: لقولها: و قائله و النعش قد فات خطوها لتدركه يا لهف نفسى على صخر الا هبلت ام الذين غدوا به الى القبر ما ذا يحملون الى القبر فقال عبدالملك: اشعر منها و الله التى تقول: مهفهف اهضم الكشحين منخرق عنه القميص بسير الليل محتقر لا ي
امن الدهر ممساه و مصبحه من كل اوب و ان لم يغز ينتظر قال: ثم تبسم عبدالملك و قال: لايشقن عليك يا شعبى، فانما اعلمتك هذا لانه بلغنى ان اهل العراق يتطاولون على اهل الشام، و يقولون: ان كان غلبونا على الدوله فلم يغلبونا على العلم و الروايه، و اهل الشام اعلم بعلم اهل العراق من اهل العراق، ثم ردد على ابيات ليلى حتى حفظتها، ثم لم ازل عنده اول داخل و آخر خارج، فكنت كذلك سنين، و جعلنى فى الفين من العطاء، و جعل عشرين رجلا من ولدى و اهل بيتى فى الف الف، ثم بعثنى الى اخيه عبدالعزيز بمصر، و كتب اليه: يا اخى، قد بعثت اليك بالشعبى، فانظر هل رايت قط مثله! قال ابوالفرج الاصبهانى فى ترجمه اوس بن حجر: ان اباعبيده قال: كان اوس شاعر مضر حتى اسقطه النابغه، قال: و قد ذكر الاصمعى انه سمع اباعمرو بن العلاء يقول: كان اوس بن حجر فحل العرب، فلما نشا النابغه طاطا منه.

و قال محمد بن سلام فى كتاب طبقات الشعراء: و قال من احتج للنابغه: كان احسنهم ديباجه شعر، و اكثرهم رونق كلام، و اجزلهم بيتا، كان شعره كلام ليس بتكلف، و المنطق على المتكلم اوسع منه على الشاعر، لان الشاعر يحتاج الى البناء و العروض و القوافى، و المتكلم مطلق، يتخير الكلام كيف
شاء، قالوا: و النابغه نبغ بالشعر بعد ان احتنك، و هلك قبل ان يهتر.

قلت: و كان ابوجعفر يحيى بن محمد بن ابى زيد العلوى البصرى يفضل النابغه، و استقرانى يوما و بيدى ديوان النابغه قصيدته التى يمدح بها النعمان بن المنذر، و يذكر مرضه، و يعتذر اليه مما كان اتهم به، و قذفه به اعداوه، و اولها: كتمتك ليلا بالجمومين ساهرا و همين هما مستكنا و ظاهرا احاديث نفس تشتكى ما يريبها و ورد هموم لو يجدن مصادرا تكلفنى ان يغفل الدهر همها و هل وجدت قبلى على الدهر ناصرا! يقول: هذه النفس تكلفنى الا يحدث لها الدهر هما و لا حزنا، و ذلك مما لم يستطعه احد قبلى.

الم خير الناس اصبح نعشه على فتيه قد جاوز الحى سائرا! كان الملك منهم اذا مرض حمل على نعش و طيف به على اكتاف الرجال بين الحيره و الخورنق و النجف، ينزهونه.

و نحن لديه نسال الله خلده يرد لنا ملكا و للارض عامرا و نحن نرجى الخير ان فاز قدحنا و نرهب قدح الدهر ان جاء قامرا لك الخير ان وارت بك الارض واحدا و اصبح جد الناس بعدك عاثرا و ردت مطايا الراغبين و عريت جيادك لايحفى لها الدهر حافرا رايتك ترعانى بعين بصيره و تبعث حراسا على و ناظرا و ذلك من قول اتاك اق
وله و من دس اعداء اليك المابرا فاليت لا آتيك ان كنت مجرما و لاابتغى جارا سواك مجاورا اى لا آتيك حتى يثبت عندك انى غير مجرم.

فاهلى فداء لامرى ء ان اتيته تقبل معروفى و سد المفاقرا ساربط كلبى ان يريبك نبحه و ان كنت ارعى مسحلان و حامرا اى سامسك لسانى عن هجائك و ان كنت بالشام فى هذين الواديين البعيدين عنك.

و حلت بيوتى فى يفاع ممنع تخال به راعى الحموله طائرا تزل الوعول العصم عن قذفاته و يضحى ذراه بالسحاب كوافرا حذارا على الا تنال مقادتى و لانسوتى حتى يمتن حرائرا يقول: انا لا اهجرك و ان كنت من المنعه و العصمه على هذه الصفه.

اقول و قد شطت بى الدار عنكم اذا ما لقيت من معد مسافرا الا ابلغ النعمان حيث لقيته فاهدى له الله الغيوث البواكرا و اصبحه فلجا و لا زال كعبه على كل من عادى من الناس ظاهرا و رب عليه الله احسن صنعه و كان على كل المعادين ناصرا فجعل ابوجعفر رحمه الله يهتز و يطرب، ثم قال: و الله لو مزجت هذه القصيده بشعر البحترى لكادت تمتزج لسهولتها و سلامه الفاظها، و ما عليها من الديباجه و الرونق.

من يقول ان امرا القيس و زهيرا اشعر من هذا هلموا فليحا كمونى.

فاما امروالقيس بن حج
ر، فقال محمد بن سلام الجمحى فى كتاب "طبقات الشعراء": اخبرنى يونس بن حبيب ان علماء البصره كانوا يقدمونه على الشعراء كلهم، و ان اهل الكوفه كانوا يقدمون الاعشى، و ان اهل الحجاز و الباديه يقدمون زهيرا و النابغه.

قال ابن سلام: فالطبقه الاولى اذن اربعه.

قال: و اخبرنى شعيب بن صخر، عن هارون بن ابراهيم، قال: سمعت قائلا يقول للفرزدق: من اشعر الناس يا ابافراس؟ فقال: ذو القروح، يعنى امرا القيس، قال: حين يقول ماذا؟ قال حين يقول: وقاهم جدهم ببنى ابيهم و بالاشقين ما كان العقاب قال: و اخبرنى ابان بن عثمان البجلى، قال: مر لبيد بالكوفه فى بنى نهد، فاتبعوه رسول يساله: من اشعر الناس؟ فقال: الملك الضليل.

فاعادوه اليه، فقال: ثم من؟ فقال: الغلام القتيل- يعنى طرفه بن العبد- و قال غير ابان: قال ثم ابن العشرين، قال: ثم من؟ قال: الشيخ ابوعقيل يعنى نفسه.

قال ابن سلام: و احتج لامرى ء القيس من يقدمه فقال: انه ليس قال ما لم يقولوه، و لكنه سبق العرب الى اشياء ابتدعها استحسنتها العرب، فاتبعه فيها الشعراء، منها استيقاف صحبه، و البكاء فى الديار، و رقه النسيب، و قرب الماخذ، و تشبيه النساء بالظباء و بالبيض، و تشبيه الخيل بالعقبان و العصى، و
قيد الاوابد، و اجاد فى النسيب، و فصل بين النسيب و بين المعنى، و كان احسن الطبقه تشبيها.

قال: و حدثنى معلم لبنى داود بن على، قال: بينا انا اسير فى الباديه اذا انا برجل على ظليم قد زمه و خطمه و هو يقول: هل يبلغنيهم الى الصباح هقل كان راسه جماح قال: فما زال يذهب به ظليمه و يجى ء حتى انست به و علمت انه ليس بانسى فقلت: يا هذا، من اشعر العرب؟ فقال: الذى يقول: اغرك منى ان احبك قاتلى و انك مهما تامرى القلب يفعل يعنى امرا القيس، قلت: ثم من؟ قال: الذى يقول: و يبرد برد رداء العرو س بالصيف رقرقت فيه العبيرا و يسخن ليله لايستطيع نباحا بها الكلب الا هريرا ثم ذهب به ظليمه فلم اره.

قال: و حدث عوانه، عن الحسن ان رسول الله (ص) قال لحسان بن ثابت: من اشعر العرب؟ قال؟ الزرق العيون من بنى قيس، قال: لست اسالك عن القبيله، انما اسالك عن رجل واحد، فقال حسان: يا رسول الله، ان مثل الشعراء و الشعر كمثل ناقه نحرت، فجاء امرو القيس بن حجر فاخذ سنامها و اطايبها، ثم جاء المتجاوران من الاوس و الخزرج فاخذا ما والى ذلك منها، ثم جعلت العرب تمزعها حتى اذا بقى الفرث و الدم جاء عمرو بن تميم و النمر بن قاسط فاخذاه، فقال رسول الله (ص)
: (ذاك رجل مذكور فى الدنيا شريف فيها خامل يوم القيامه، معه لواء الشعراء الى النار).

فاما الاعشى فقد احتج اصحابه لتفضيله بانه كان اكثرهم عروضا، و اذهبهم فى فنون الشعر، و اكثرهم قصيده طويله جيده، و اكثرهم مدحا و هجاء، و كان اول من سال بشعره، و ان لم يكن له بيت نادر على افواه الناس كابيات اصحابه الثلاثه.

و قد سئل خلف الاحمر: من اشعر الناس؟ فقال: ما ينتهى الى واحد يجمع عليه كما لا ينتهى الى واحد هو اشجع الناس، و لا اخطب الناس، و لا اجمل الناس، فقيل له: يا ابا محرز فايهم اعجب اليك؟ فقال: الاعشى كان اجمعهم.

قال: ابن سلام: و كان ابوالخطاب الاخفش مستهترا به يقدمه، و كان ابوعمرو بن العلاء يقول: مثله مثل البازى يضرب كبير الطير و صغيره.

و يقول: نظيره فى الاسلام جرير، و نظير النابغه الاخطل، و نظير زهير الفرزدق.

فاما قول اميرالمومنين (ع) (الملك الضليل) فانما سمى امرو القيس ضليلا لما يعلن به فى شعره من الفسق، و الضليل: الكثير الضلال، كالشريب، و الخمير، و السكير، و الفسيق، للكثير الشرب و ادمان الخمر و السكر و الفسق، فمن ذلك قوله: فمثلك حبلى قد طرقت و مرضعا فالهيتها عن ذى تمائم محول اذا ما بكى من خلفها انصرفت له بشق
و تحتى شقها لم يحول و قوله: سموت اليها بعد ما نام اهلها سمو حباب الماء حالا على حال فقالت لحاك الله انك فاضحى الست ترى السمار و الناس احوالى فقلت لها تالله ابرح قاعدا و لو قطعوا راسى لديك و اوصالى فلما تنازعنا الحديث و اسمحت هصرت بغصن ذى شماريخ ميال فصرنا الى الحسنى و رق كلامنا و رضت فدلت صعبه اى اذلال حلفت لها بالله حلفه فاجر لناموا فما ان من حديث و لا صالى فاصبحت معشوقا و اصبح بعلها عليه القتام كاسف الوجه و البال و قوله فى اللاميه الاولى: و بيضه خدر لا يرام خباوها تمتعت من لهو بها غير معجل تخطيت ابوابا اليها و معشرا على حراصا لو يسرون مقتلى فجئت و قد نضت لنوم ثيابها لدى الستر الا لبسه المتفضل فقالت يمين الله ما لك حيله و ما ان ارى عنك الغوايه تنجلى فقمت بها امشى نجر ورائنا على اثرنا اذيال مرط مرجل فلما اجزنا ساحه الحى و انتحى بنا بطن خبت ذى حقاف عقنقل هصرت بفودى راسها فتمايلت على هضيم الكشح ريا المخلخل و قوله: فبت اكابد ليل التما م و القلب من خشيه مقشعر فلما دنوت تسديتها فثوبا نسيت و ثوابا اجر و لم يرنا كالى ء كاشح و لم يبد منا لدى البيت س
ر و قد رابنى قولها: يا هنا ه ويحك الحقت شرا بشر! و قوله: تقول و قد جردتها من ثيابها كما رعت مكحول المدامع اتلعا لعمرك لو شى ء اتانا رسوله سواك و لكن لم نجد لك مدفعا فبتنا نصد الوحش عنا كاننا قتيلان لم يعلم لنا الناس مصرعا تجافى عن الماثور بينى و بينها و تدنى على السابرى المضلعا و فى شعر امرى ء القيس من هذا الفن كثير، فمن اراده فليطلبه من مجموع شعره.

حکمت 448

الشرح:

اللماظه بفتح اللام: ما تبقى فى الفم من الطعام، قال يصف الدنيا: لماظه ايام كاحلام نائم و لمظ الرجل يلمظ بالضم لمظا، اذا تتبع بلسانه بقيه الطعام فى فمه و اخرج لسانه فمسح به شفتيه، و كذلك التلمظ، يقال: تلمظت الحيه اذا اخرجت لسانها كما يتلمظ الاكل.

و قال: (الا حر)، مبتدا، و خبره محذوف اى فى الوجود.

و الا حرف، قال: الا رجل جزاه الله خيرا يدل على محصله تبيت ثم قال: انه ليس لانفسكم ثمن الا الجنه، فلا تبيعوها الا بها، من الناس من يبيع نفسه بالدراهم و الدنانير، و من الناس من يبيع نفسه باحقر الاشياء و اهونها، و يتبع هواه فيهلك، و هولاء فى الحقيقه احمق الناس، الا انه قد رين على القلوب، فغطتها الذنوب، و اظلمت الانفس بالجهل و سوئالعاده، و طال الامد ايضا على القلوب فقست، و لو افكر الانسان حق الفكر لما باع نفسه الا بالجنه لا غير.

حکمت 449

الشرح:

تقول: نهم فلان بكذا فهو منهوم، اى مولع به، و هذه الكلمه مرويه عن النبى (ص): (منهومان لايشبعان: منهوم بالمال، و منهوم بالعلم).

و النهم بالفتح: افراط الشهوه فى الطعام، تقول منه: نهمت الى الطعام بكسر الهاء انهم فانا نهم، و كان فى القرآن آيه انزلت ثم رفعت: (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا، و لا يملا عين ابن آدم الا التراب، و يتوب الله على من تاب).

فاما طالب العلم العاشق له، فانه لايشبع منه ابدا، و كلما استكثر منه زاد عشقه له، و تهالكه عليه.

مات ابوعثمان الجاحظ و الكتاب على صدره.

و كان شيخنا ابوعلى رحمه الله فى النزع و هو يملى على ابنه ابى هاشم مسائل فى علم الكلام.

و كان القاضى احمد بن ابى دواد ياخذ الكتاب فى خفه و هو راكب، فاذا جلس فى دار الخليفه اشتغل بالنظر فيه الى ان يجلس الخليفه، و يدخل اليه.

و قيل: ما فارق ابن ابى دواد الكتاب قط الا فى الخلاء.

و اعرف انا فى زماننا من مكث نحو خمس سنين لا ينام الا وقت السحر صيفا و شتاء مكبا على كتاب صنفه، و كانت وسادته التى ينام عليها الكتاب.

حکمت 450

الشرح:

قد اخذ المعنى الاول القائل: عليك بالصدق و لو انه احرقك الصدق بنار الوعيد و ينبغى ان يكون هذا الحكم مقيدا لا مطلقا، لانه اذا اضر الصدق ضررا عظيما يودى الى تلف النفس او الى قطع بعض الاعضاء لم يجز فعله صريحا، و وجبت المعاريض حينئذ.

فان قلت: فالمعاريض صدق ايضا، فالكلام على اطلاقه! قلت: هى صدق فى ذاتها، و لكن مستعملها لم يصدق فيما سئل عنه، و لاكذب ايضا، لانه لم يخبر عنه، و انما اخبر عن شى ء آخر و هى المعاريض، و التارك للخبر لايكون صادقا و لاكاذبا، فوجب ان يقيد اطلاق الخبر بما اذا كان الضرر غير عظيم، و كانت نتيجه الصدق اعظم نفعا من تلك المضره.

قال (ع): (و ان يكون فى حديث فضل عن علمك)، متى زاد منطق الرجل على علمه فقد لغا و ظهر نقصه، و الفاضل من كان علمه اكثر من منطقه.

قوله: (و ان تتقى الله فى حديث غيرك)، اى فى نقله و روايته فترويه كما سمعته من غير تحريف.

حکمت 451

الشرح:

قد تقد هذا المعنى، و هو كثير جدا، و من جيده قول الشاعر: لعمرك ما لام ابن اخطب نفسه و لكنه من يخذل الله يخذل لجاهد حتى تبلغ النفس عذرها و قلقل يبغى العز كل مقلقل و قال ابوتمام: و ركب كاطراف الاسنه عرسوا على مثلها و الليل تسطو غياهبه لامر عليهم ان تتم صدوره و ليس عليهم ان تتم عواقبه و قال آخر: فان بين حيطانا عليه فانما اولئك عقالاته لا معاقله

حکمت 452

الشرح:

قد تقدم هذا المعنى و شرحه مرارا.

و قال ابن هانى ء: و كل اناه فى المواطن سودد و لا كاناه من تدبر محكم و من يتبين ان للسيف موضعا من الصفح يصفح عن كثير و يحلم و قال ارباب المعانى: علمنا الله تعالى فضيله الاناه بما حكاه عن سليمان: (سننظر اصدقت ام كنت من الكاذبين).

و كان يقال: الاناه حصن السلامه، و العجله مفتاح الندامه.

و كان يقال: التانى مع الخيبه، خير من التهور مع النجاح.

و قال الشاعر: الرفق يمن و الاناه سعاده فتان فى امر تلاق نجاحا و قال من كره الاناه و ذمها: لو كانت الاناه محموده و العجله مذمومه، لما قال موسى لربه: (و عجلت اليك رب لترضى).

و انشدوا: عيب الاناه و ان سرت عواقبها ان لا خلود و ان ليس الفتى حجرا و قال آخر: كم من مضيع فرصه قد امكنت لغد و ليس له غد بمواتى حتى اذا فاتت و فات طلابها ذهبت عليها نفسه حسرات

حکمت 453

الشرح:

قد تقدم كلامنا فى الغيبه مستقصى.

و قيل للاحنف: من اشرف الناس؟ قال: من اذا حضر هابوه، و اذا غاب اغتابوه.

و قال الشاعر: و يغتابنى من لو كفانى اغتيابه لكنت له العين البصيره و الاذنا و عندى من الاشياء ما لو ذكرتها اذا قرع المغتاب من ندم سنا و قد نظمت انا كلمه الاحنف فقلت: اكل عرضى ان غبت ذما فان اب ت فمدح و رهبه و سجود هكذا يفعل الجبان: شجاع حين يخلو، و فى الوغى رعديد لك منى حالان: فى عينك الجن ه حسنا و فى الفواد وقود

/ 614