مثل الكلمه الاولى قولهم: رضا المخلوقين عنوان رضا الخالق، و جاء فى الحديث المرفوع: (ما من وال رضى الله عنه الا ارضى عنه رعيته).و مثل الكلمه الثانيه دعاء بعضهم فى قوله: انا شاكر انا مادح انا حامد انا خائف انا جائع انا عار هى سته و انا الضمين بنصفها فكن الضمين بنصفها يا بارى و مثل الكلمه الثالثه قوله تعالى: (ان الله مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون).
حکمت 087
الشرح:
قل موضع من الكتاب العزيز يذكر فيه الوعيد الا و يمزجه بالوعد، مثل ان يقول: (ان ربك سريع العقاب) ثم يقول: (و انه لغفور رحيم)، و الحكمه تقتضى هذا ليكون المكلف مترددا بين الرغبه و الرهبه.و يقولون فى الامثال المرموزه: لقى موسى و هو ضاحك مستبشر عيسى و هو كالح قاطب، فقال عيسى: ما لك كانك آمن من عذاب الله؟ فقال موسى (ع): ما لك كانك آيس من روح الله؟ فاوحى الله اليهما: موسى احبكما الى شعارا، فانى عند حسن ظن عبدى بى.و اعلم ان اصحابنا و ان قالوا بالوعيد، فانهم لايويسون احدا و لايقنطونه من رحمه الله، و انما يحثونه على التوبه، و يخوفونه ان مات من غير توبه، و بحق ما قال شيخنا ابوالهذيل: لولا مذهب الارجاء لما عصى الله فى الارض، و هذا لاريب فيه، فان اكثر العصاه انما يعولون على الرحمه، و قد اشتهر و استفاض بين الناس ان الله تعالى يرحم المذنبين، فانه و ان كان هناك عقاب فاوقاتا معدوده، ثم يخرجون الى الجنه، و النفوس تحب الشهوات العاجله، فتهافت الناس على المعاصى و بلوغ الشهوات و المارب، معولين على ذلك، فلولا قول المرجئه و ظهوره بين الناس لكان العصيان اما معدوما، او قليلا جدا.
حکمت 088
الشرح:
هذا حق، لان العالم اذا لم يظهر من علمه الا لقلقه لسانه من غير ان تظهر منه العبادات، كان عالما ناقصا، فاما اذا كان يفيد الناس بالفاظه و منطقه، ثم يشاهده الناس على قدم عظيمه من العباده، فان النفع يكون به عاما تاما، و ذلك لان الناس يقولون: لو لم يكن يعتقد حقيقه ما يقوله، لما اداب نفسه هذا الداب.و اما الاول فيقولون فيه: كل ما يقوله نفاق و باطل، لانه لو كان يعتقد حقيقه ما يقول لاخذ به، و لظهر ذلك فى حركاته، فيقتدون بفعله لا بقوله، فلا يشتغل احد منهم بالعباده و لايهتم بها.
حکمت 089
الشرح:
لو قال: انها تمل كما تمل الابدان، فاحمضوا كما نقل عن غيره لحمل ذلك على انه اراد نقلها الى الفكاهات و الاخبار و الاشعار، و لكنه لم يقل ذلك، و لكن قال: (فابتغوا لها طرائف الحكمه)، فوجب ان يحمل ان يحمل كلامه (ع) على انه اراد ان القلوب تمل من الانظار العقليه، فى البراهين الكلاميه على التوحيد و العدل، فابتغوا لها عند ملالها طرائف الحكمه، اى الامثال الحكميه الراجعه الى الحكمه الخلقيه، كما نحن ذاكروه فى كثير من فصول هذا الباب، مثل مدح الصبر، و الشجاعه، و الزهد، و العفه، و ذم الغضب، و الشهوه، و الهوى، و ما يرجع الى سياسه الانسان نفسه، و ولده، و منزله، و صديقه، و سلطانه، و نحو ذلك، فان هذا علم آخر و فن آخر، لاتحتاج القلوب فيه الى فكر و استنباط، فتتعب و تكل بترادف النظر و التامل عليها، و فيه ايضا لذه عظيمه للنفس.و قد جاء فى اجمام النفس كثير.قال بعضهم: روحوا القلوب برواتع الذكر.و عن سلمان الفارسى: انا احتسب نومتى كما احتسب قومتى.و قال عمر بن عبدالعزيز: ان نفسى راحلتى، ان كلفتها فوق طاقتها انقطعت بى.و قال بعضهم: روحوا الاذهان، كما تروحوا الابدان.و قال اردشير بن بابك: ان للاذان مجه، و للقلوب مله، ففرقوا بين الحكمتين بلهو يكن ذلك استجماما.
حکمت 090
الشرح:
الفتنه لفظ مشترك، فتاره تطلق على الجائحه و البليه تصيب الانسان، تقول: قد افتتن زيد و فتن فهو مفتون اذا اصابته مصيبه فذهب ماله او عقله، او نحو ذلك، قال تعالى: (ان الذين فتنوا المومنين و المومنات) يعنى الذين عذبوهم بمكه ليرتدوا عن الاسلام، و تاره تطلق على الاختبار و الامتحان، يقال: فتنت الذهب اذا ادخلته النار لتنظر ما جودته، و دينار مفتون، و تاره تطلق على الاحراق، قال تعالى: (يوم هم على النار يفتنون) و ورق مفتون، اى فضه محرقه، و يقال للحره: فتين كان حجارتها محرقه، و تاره تطلق على الضلال، يقال رجل فاتن و مفتن، اى مضل عن الحق جاء ثلاثيا و رباعيا، قال تعالى: (ما انتم عليه بفاتنين، الا من هو صال الجحيم) اى بمضلين، و قرا قوم (مفتنين)، فمن قال: انى اعوذ بك من الفتنه، و اراد الجائحه، او الاحراق او الضلال، فلا باس بذلك، و ان اراد الاختبار و الامتحان فغير جائز، لان الله تعالى اعلم بالمصلحه، و له ان يختبر عباده لاليعلم حالهم، بل ليعلم بعض عباده حال بعض، و عندى ان اصل اللفظه هو الاختبار و الامتحان، و ان الاعتبارات الاخرى راجعه اليها، و اذا تاملت علمت صحه ما ذكرناه.
حکمت 091
الشرح:
قد قال الشاعر لهذا المعنى: ليس السعيد الذى دنياه تسعده بل السعيد الذى ينجو من النار قوله (ع): (و لايقل عمل مع التقوى)، اى مع اجتناب الكبائر، لانه لو كان موقعا لكبيره لما تقبل منه عمل اصلا على قول اصحابنا، فوجب ان يكون المراد بالتقوى اجتناب الكبائر، فاما مذهب المرجئه فانهم يحملون التقوى هاهنا على الاسلام، لان المسلم عندهم تتقبل اعماله، و ان كان مواقعا للكبائر.فان قلت: فهل يجوز حمل لفظه (التقوى) على حقيقتها، و هى الخوف؟ قلت: لا.اما على مذهبنا فلان من يخاف الله و يواقع الكبائر لاتتقبل اعماله، و اما مذهب المرجئه فلان من يخاف الله من مخالفى مله الاسلام لاتتقبل اعماله، فثبت انه لايجوز حمل التقوى هاهنا على الخوف.فان قلت: من هو مخالف لمله الاسلام لايخاف الله لانه لايعرفه.قلت: لانسلم، بل يجوز ان يعرف الله بذاته و صفاته، كما نعرفه نحن، و يجحد النبوه لشبهه وقعت له فيها، فلا يلزم من جحد النبوه عدم معرفه الله تعالى.
حکمت 092
الشرح:
هكذا الروايه (اعلمهم)، و الصحيح (اعملهم)، لان استدلاله بالايه يقتضى ذلك، و كذا قوله فيما بعد.(ان ولى محمد من اطاع الله...) الى آخر الفصل، فلم يذكر العلم، و انما ذكر العمل.و اللحمه بالضم: النسب و القرابه، و هذا مثل الحديث المرفوع: (ائتونى باعمالكم، و لاتاتونى بانسابكم، ان اكرمكم عند الله اتقاكم)، و فى الحديث الصحيح: (يا فاطمه بنت محمد، ان لااغنى عنك من الله شيئا).و قال رجل لجعفر بن محمد (ع): ارايت قوله (ص): (ان فاطمه احصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار)، اليس هذا امانا لكل فاطمى فى الدنيا؟ فقال: انك لاحمق، انما اراد حسنا و حسينا، لانهما من لحمه اهل البيت، فاما من عداهما فمن قعد به عمله لم ينهض به نسبه.
حکمت 093
الشرح:
هذا نهى عن التعرض للعباده مع الجهل بالمعبود، كما يصنع اليوم كثير من الناس، و يظنون انهم خير الناس، و العقلاء الالباء من الناس يضحكون منهم، و يستهزئون بهم، و الحروريه: الخوارج، و قد سبق القول فيهم.و فى نسبتهم الى حروراء.يقول (ع): ترك التنفل بالعبادات مع سلامه العقيده الاصليه، خير من الاشتغال بالنوافل و اوراد الصلاه مع عدم العلم، و هو المعنى بقوله: (فى شك)، فاذا كان عدم التنفل خيرا من التنفل مع الشك فهو مع الجهل المحض- و هو الاعتقاد الفاسد- اولى بان يكون.
حکمت 094
الشرح:
نهاهم (ع) عن ان يقتصروا اذا سمعوا منه او من غيره اطرافا من العلم و الحكمه، على ان يرووا ذلك روايه كما يفعله اليوم المحدثون، و كما يقرا اكثر الناس القرآن دراسه و لايدرى من معانيه الا اليسير.و امرهم ان يعقلوا ما يسمعونه عقل رعايه اى معرفه و فهم.ثم قال لهم: (ان رواه العلم كثير، و رعاته قليل)، اى من يراعيه و يتدبره، و صدق (ع)!.
حکمت 095
الشرح:
قوله انا لله اعتراف بانا مملوكون لله و عبيد له، لان هذه اللام لام التمليك، كما تقول: الدار لزيد، فاما قوله: (و انا اليه راجعون)، فهو اقرار و اعتراف بالنشور و القيامه، لان هذا هو معنى الرجوع اليه سبحانه، و اقتنع اميرالمومنين عن التصريح بذلك، فذكر الهلك، فقال: انه اقرار على انفسنا بالهلك، لان هلكنا مفض الى رجوعنا يوم القيامه اليه سبحانه، فعبر بمقدمه الشى ء عن الشى ء نفسه، كما يقال: الفقر الموت، و الحمى الموت، و نحو ذلك.و يمكن ان يفسر ذلك على قول مثبتى النفس الناطقه بتفسير آخر فيقال: ان النفس مادامت فى اسر تدابير البدن فهى بمعزل عن مبادئها، لانها مشتغله مستغرقه بغير ذلك، فاذا مات البدن رجعت النفس الى مبادئها، فقوله: (و انا اليه راجعون) اقرار بما لايصح الرجوع بهذا التفسير الا معه، و هو الموت المعبر عنه بالهلك.