خطبه 227-در ستايش پيامبر - شرح نهج البلاغه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شرح نهج البلاغه - نسخه متنی

ابن ابی الحدید معتزلی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

خطبه 227-در ستايش پيامبر

الشرح:

الشواهد هاهنا، يريد بها الحواس، و سماها (شواهد) اما لحضورها، شهد فلان كذا اى حضره، او لانها تشهد على ما تدركه و تثبته عند العقل، كما يشهد الشاهد بالشى ء و يثبته عند الحاكم.

و المشاهد هاهنا: المجالس و النوادى، يقال: حضرت مشهد بنى فلان، اى ناديهم و مجتمعهم.

ثم فسر اللفظه الاولى و ابان عن مراده بها بقوله: (و لا تراه النواظر)، و فسر اللفظه الثانيه و ابان عن مرادها، فقال: (و لا تحجبه السواتر).

ثم قال: (الدال على قدمه بحدوث خلقه، و بحدوث خلقه على وجوده)، هذا مشكل، لان لقائل ان يقول: اذا دل على قدمه بحدوث خلقه، فقد دخل فى جمله المدلول كونه موجودا، لان القديم هو الموجود و لم يزل، فاى حاجه الى ان يعود فيقول: و بحدوث خلقه على وجوده! و لمجيب ان يجيب على طريقه شيوخنا اصحاب ابى هاشم، فيقول لا يلزم من الاستدلال بحدوث الاجسام على انه لا بد من محدث قديم كونه موجودا، لان عند همان الذات المعدومه قد تتصف بصفات ذاتيه، و هى معدومه، فلا يلزم من كون صانع العالم عندهم عالما قادرا حيا ان يكون موجودا، بل لابد من دلاله زائده، على ان له صفه الوجود و هى و الدلاله التى يذكرونها، من ان كونه قادرا عالما تقتضى تعلقه با
لمقدور و المعلوم، و كل ذات متعلقه، فان عدمها يخرجها عن التعلق كالاراده، فلو كان تعالى معدوما لم يجز ان يكون متعلقا، فحدوث الاجسام اذا قد دل على امرين من وجهين مختلفين: احدهما انه لابد من صانع له، و هذا هو المعنى بقدمه.

و الثانى ان هذا الصانع له صفه، لاجلها يصح على ذاته ان تكون قادره عالمه، و هذا هو المعنى بوجوده.

فان قلت: ايقول اصحاب شيخكم ابى هاشم ان الذات المعدومه التى لا اول لها تسمى قديمه؟ قلت: لا، و البحث فى هذا بحث فى اللفظ لا فى المعنى.

و المراد بقوله (ع): (الدال بحدوث الاشياء على قدمه)، اى على كونه ذاتا لم يجعلها جاعل، و ليس المراد بالقدم هاهنا الوجود لم يزل، بل مجرد الذاتيه لم يزل.

ثم يستدل بعد ذلك بحدوث الاشياء على ان له صفه اخرى لم تزل زائده على مجرد الذاتيه، و تلك الصفه هى وجوده.

فقد اتضح المراد الان.

فان قلت: فهل لهذا الكلام مساغ على مذهب البغداديين؟ قلت: نعم، اذا حمل على منهج التاويل بان يريد بقوله: (و بحدوث خلقه على وجوده)، اى على صحه ايجاده له فيما بعد، اى اعادته بعد العدم يوم القيامه، لانه اذا صح منه تعالى احداثه ابتداء صح منه ايجاده ثانيا على وجه الاعاده، لان الماهيه قابله للوجود و العدم، و
القادر قادر لذاته، فاما من روى بحدوث خلقه على وجوده، فانه قد سقطت عنه هذه الكلف كلها.

و المعنى على هذا ظاهر، لانه تعالى دل المكلفين بحدوث خلقه على انه جواد منعم، و مذهب اكثر المتكلمين انه خلق العالم جودا و انعاما و احسانا اليهم.

قوله (ع): (و باشتباههم على ان لا شبه له) هذا دليل صحيح، و ذلك لانه اذا ثبت ان جسما ما محدث، ثبت ان سائر الاجسام محدثه، لان الاجسام متماثله، و كل ما صح على الشى ء صح على مثله، و كذلك اذا ثبت ان سوادا ما او بياضا ما محدث، ثبت ان سائر السوادات و البياضات محدثه، لان حكم الشى ء، حكم مثله، و السواد فى معنى كونه سوادا غير مختلف، و كذلك البياض، فصارت الدلاله هكذا الذوات التى عندنا يشبه بعضها بعضا، و هى محدثه، فلو كان البارى سبحانه يشبه شيئا منها، لكان مثلها و لكان محدثا لان حكم الشى ء حكم مثله، لكنه تعالى ليس بمحدث، فليس بمشابه لشى ء منها، فقد صح اذا قوله (ع): (و باشتباههم على ان لا شبه له).

قوله (ع): (الذى صدق فى ميعاده)، لايجوز الا يصدق، لان الكذب قبيح عقلا، و البارى تعالى يستحيل منه من جهه الداعى و الصارف ان يفعل القبيح.

قوله (ع): (و ارتفع عن ظلم عباده)، هذا هو مذهب اصحابنا المعتزله، و عن
اميرالمومنين (ع) اخذوه، و هو استاذهم و شيخهم فى العدل و التوحيد، فاما الاشعريه، فانها و ان كانت تمتنع عن اطلاق القول بان الله تعالى يظلم العباد الا انها تعطى المعنى فى الحقيقه، لان الله عندهم يكلف العباد ما لايطيقونه، بل هو سبحانه عندهم لايكلفهم الا ما لايطيقونه، بل هو سبحانه عندهم لايقدر على ان يكلفهم ما يطيقونه، و ذلك لان القدره عندهم مع الفعل، فالقاعد غير قادر على القيام، و انما يكون قادرا على القيام، عند حصول القيام و يستحيل عندهم ان يوصف البارى تعالى باقدار العبد القاعد على القيام، و هو مع ذلك مكلف له ان يقوم، و هذا غايه ما يكون من الظلم سواء اطلقوا هذه اللفظه عليه او لم يطلقوها.

ثم اعاد الكلام الاول فى التوحيد تاكيدا، فقال حدوث الاشياء دليل على قدمه، و كونها عاجزه عن كثير من الافعال دليل على قدرته، و كونها فانيه دليل على بقائه.

فان قلت: اما الاستدلال بحدوث الاشياء على قدمه فمعلوم، فكيف يكون الاستدلال على الامرين الاخيرين! قلت: اذا شاركه سبحانه بعض الموجودات فى كونه موجودا، و افترقا فى ان احدهما لايصح منه فعل الجسم، و لا الكون، و لا الحياه، و لا الوجود المحدث- و يصح ذلك من الموجودات القديمه- دل على افتر
اقهما فى امر لاجله صح من القديم ذلك، و تعذر ذلك على المحدث، و ذلك الامر هو الذى يسمى من كان عليه قادرا، و ينبغى ان تحمل لفظه (العجز) هاهنا على المفهوم اللغوى، و هو تعذر الايجاد، لاعلى المفهوم الكلامى.

و اما الاستدلال الثانى، فينبغى ان يحمل الفناء هاهنا على المفهوم اللغوى، و هو تغير الصفات و زوالها، لاعلى المفهوم الكلامى، فيصير تقدير الكلام: لما كانت الاشياء التى بيننا تتغير و تتحول و تنتقل من حال الى حال، و علمنا ان العله المصححه لذلك كونها محدثه، علمنا انه سبحانه لايصح عليه التنقل و التغير، لانه ليس بمحدث.

ثم قال: (واحد لا بعدد) لان وحدته ذاتيه، و ليست صفه زائده عليه، و هذا من الابحاث الدقيقه فى علم الحكمه، و ليس هذا الكتاب موضوعا لبسط القول فى امثاله.

ثم قال: (دائم لا بامد)، لانه تعالى ليس بزمانى و لا داخل تحت الحركه و الزمان، و هذا ايضا من دقائق العلم الالهى، و العرب دون ان تفهم هذا او تنطق به، ولكن هذا الرجل كان ممنوحا من الله تعالى بالفيض المقدس و الانوار الربانيه.

ثم قال: (قائم لا بعمد)، لانه لما كان فى الشاهد كل قائم فله عماد يعتمد عليه، ابان (ع) تنزيهه تعالى عن المكان، و عما يتوهمه الجهلاء من انه مستق
ر على عرشه بهذه اللفظه.

و معنى القائم هاهنا ليس مايسبق الى الذهن من انه المنتصب؟ بل ماتفهمه من قولك: فلان قائم بتدبير البلد، و قائم بالقسط.

ثم قال: (تتلقاه الاذهان لا بمشاعره)، اى تتلقاه تلقيا عقليا، ليس كما يتلقى الجسم الجسم بمشاعره و حواسه و جوارحه، و ذلك لان تعقل الاشياء و هو حصول صورها فى العقل بريئه من الماده، و المراد بتلقيه سبحانه هاهنا تلقى صفاته، لاتلقى ذاته تعالى، لان ذاته تعالى لاتتصورها العقول، و سياتى ايضاح ان هذا مذهبه (ع).

ثم قال: (و تشهد له المرائى لا بمحاضره)، المرائى: جمع مرئى، و هو الشى ء المدرك بالبصر، يقول المرئيات تشهد بوجود البارى، لانه لولا وجوده لما وجدت، و لو لم توجد لم تكن مرئيات، و هى شاهده بوجوده لا كشهادتها بوجود الابصار، لانها شهدت بوجود الابصار لحضورها فيها.

و اما شهادتها بوجود البارى فليست بهذه الطريق، بل بما ذكرناه.

و الاولى ان يكون (المرائى) هاهنا جمع (مرآه) بفتح الميم، من قولهم: هو حسن فى مرآه عينى، يقول: ان جنس الرويه يشهد بوجود البارى من غير محاضره منه للحواس.

قوله (ع): (لم تحط به الاوهام) الى قوله (ع) (و اليها حاكمها)، هذا الكلام دقيق و لطيف، و الاوهام هاهنا هى العقول،
يقول: انه سبحانه لم تحط به العقول، اى لم تتصور كنه ذاته، و لكنه تجلى للعقول بالعقول، و تجليه هاهنا هو كشف ما يمكن ان تصل اليه العقول من صفاته الاضافيه و السلبيه لا غير، و كشف ما يمكن ان تصل اليه العقول من اسرار مخلوقاته، فاما غير ذلك فلا، و ذلك لان البحث النظرى قد دل على انا لم نعلم منه سبحانه الا الاضافه و السلب، اما الاضافه فكقولنا: عالم قادر، و اما السلب فكقولنا: ليس بجسم و لا عرض و لايرى، فاما حقيقه الذات المقدسه المخصوصه من حيث هى هى، فان العقل لايتصورها، و هذا مذهب الحكماء و بعض المتكلمين من اصحابنا و من غيرهم.

ثم قال: (و بالعقول امتنع من العقول)، اى و بالعقول و بالنظر، علمنا انه تعالى يمتنع ان تدركه العقول.

ثم قال: (و الى العقول حكم العقول)، اى جعل العقول المدعيه انها احاطت به و ادركته كالخصم له سبحانه، ثم حاكمها الى العقول السليمه الصحيحه النظر، فحكمت له سبحانه على العقول المدعيه لما ليست اهلا له.

و اعلم ان القول بالحيره فى جلال ذات البارى و الوقوف عند حد محدود لا يتجاوزه العقل قول ما زال فضلاء العقلاء قائلين به.

(من اشعار الشارح فى المناجاه) ومن شعرى الذى اسلك فيه مسلك المناجاه عند خلواتى و انقطاع
ى بالقلب اليه سبحانه قولى: و الله لا موسى و لا عي سى المسيح و لا محمد علموا و لا جبريل و ه و الى محل القدس يصعد كلا و لا نفس البسي طه، لا و لا العقل المجرد من كنه ذاتك غير ان ك واحدى الذات سرمد وجدوا اضافات و سل با و الحقيقه ليس توجد و راوا وجودا واجبا يفنى الزمان و ليس ينفد فلتخسا الحكماء عن جرم له الافلاك تسجد من انت يارسطو و من افلاط قبلك يا مبلد! و من ابن سينا حين قرر ما بنيت له و شيد هل انتم الا الفرا ش راى الشهاب و قد توقد فدنا فاحرق نفسه و لو اهتدى رشدا لابعد! و مما قلته ايضا فى قصور العقل عن معرفته سبحانه و تعالى: فيك يا اعجوبه الكون غ دا الفكر كليلا انت حيرت ذوى اللب و بلبلت العقولا كلما اقدم فكرى فيك شبرا فر ميلا ناكصا يخبط فى عم ياء لايهدى السبيلا و لى فى هذا المعنى: فيك يا اغلوطه الفكر تاه عقلى و انقص عمرى سافرت فيك العقول فما ربحت الا اذى السفر رجعت حسرى و ما وقفت لا على عين و لا اثر فلحى الله الالى زعموا انك المعلوم بالنظر كذبوا ان الذى طلبوا خارج عن قوه البشر و قلت ايضا فى المعنى: افنيت خمسين عاما معملا نظرى فيه
، فلم ادر ماآتى ما اذر من كان فوق عقول القايسين فما ذا يدرك الفكر او مايبلغ النظر و لى ايضا: حبيبى انت لا زيد و عمرو و ان حيرتنى و فتنت دينى طلبتك جاهدا خميس عاما فلم احصل على برد اليقين فهل بعد الممات بك اتصال فاعلم غامض السر المصون! نوى قذف و كم قد مات قبلى بحسرته عليك من القرون! و من شعرى ايضا فى المعنى، و كنت انادى به ليلا فى مواضع مقفره خاليه من الناس، بصوت رفيع، و اجدح قلبى ايام كنت مالكا امرى، مطلقا من قيود الاهل و الولد و علائق الدنيا: يا مدهش الالباب و الفطن و محير التقواله اللسن افنيت فيك العمر انفقه و المال مجانا بلا ثمن اتتبع العلماء اسالهم و اجول فى الافاق و المدن و اخالط الملل التى اختلفت فى الدين حتى عابد الوثن و ظننت انى بالغ غرضى لما اجتهدت و مبرى ء شجنى و مطهر من كل رجس هوى قلبى بذاك و غاسل درنى فاذا الذى استكثرت منه هو ال جانى على عظائم المحن فضللت فى تيه بلا علم و غرقت فى يم بلا سفن و رجعت صفر الكف مكتئبا حيران ذا هم و ذا حزن ابكى و انكت فى الثرى بيدى طورا و ادعم تاره ذقنى و اصيح يا من ليس يعرفه احد مدى الاحقاب و الزمن! يا
من له عنت الوجوه و من قرنت له الاعناق فى قرن آمنت يا جذر الاصم من ال اعداد بل يافتنه الفتن ان ليس تدركك العيون و ا ن الراى ذو افن و ذو غبن و الكل انت فكيف يدركه بعض و انت السر فى العلن! و مما قلته فى المعنى: ناجيته و دعوته اكشف عن عشا قلبى و عن بصرى و انت النور و ارفع حجابا قد سدلت ستوره دونى، و هل دون المحب ستور! فاجابنى: صه يا ضعيف فبعض ذا قد رامه موسى فدك الطور اعجبنى هذا المعنى، فنقلته الى لفظ آخر فقلت: حبيبى انت من دون البرايا و ان لم احظ منك بما اريد قنعت من الوصال بكشف حال فقيل ارجع فمطلبها بعيد الم تسمع جواب سوال موسى و ليس على مكانته مزيد تعرض للذى حاولت يوما فدك الصخر و اضطرم الصعيد ولى فى هذا المعنى ايضا: قد حار فى النفس جميع الورى و الفكر فيها قد غداضائعا و برهن الكل على ماادعوا وليس برهانهم قاطعا من جهل الصنعه عجزا فما اجدره ان يجهل الصانعا! ولى ايضا فى الرد على الفلاسفه الذين عللوا حركه الفلك بانه اراد استخراج الوضع اولا، ليتشبه بالعقل المجرد فى كماله، و ان كل ماله بالقوه فهو خارج الى الفعل: تحير ارباب النهى و تعجبوا من الفلك الاقصى لماذ
ا تحركا فقيل بطبع كالثقيل اذا هوى و قيل اختيارا و المحقق شككا فرد حديث الطبع اذ كان دائرا و ليس على سمت قويم فيسلكا و قيل لمن قال اختيارا فما الذى دعاه الى ان دار ركضا فاوشكا فقالوا لوضع حادث يستجده يعاقب منه مطلبا ثم متركا فقيل لهم: هذا الجنون بعينه و لو رامه منا امرو كان اعفكا و لو ان انسانا غدا ليس قصده سوى الوضع و استخراجه عد مضحكا ولى ايضا فى الرد على من زعم ان النبى (ص) راى الله سبحانه بالعين، و هو الذى انكرته عائشه، و العجب لقوم من ارباب النظر جهلوا ماادركته امراه من نساء العرب: عجبت لقوم يزعمون نبيهم راى ربه بالعين تبا لهم تبا! و هل تدرك الابصار غير مكيف و كيف تبيح العين ما يمنع القلبا! اذا كان طرف القلب عن كنهه نبا حسيرا، فطرف العين عن كنهه انبى! و المقطعات التى نظمتها فى اجلال البارى سبحانه عن ان تحيط به العقول كثيره، موجوده فى كتبى و مصنفاتى، فلتلمح من مظانها، و غرضنا بايراد بعضها ان لها هنا تشييدا لما قاله اميرالمومنين (ع) على فى هذا الباب.

قوله (ع): (ليس بذى كبر) الى قوله (و عظم سلطانا)، معناه انه تعالى يطلق عليه من اسمائه الكبير و العظيم و قد ورد بهما القرآن
العزيز، و ليس المراد بهما مايستعمله الجمهور من قولهم: هذا الجسم اعظم و اكبر مقدارا من هذا الجسم، بل المراد عظم شانه و جلاله سلطانه.

و الفلج: النصره، و اصله سكون العين، و انما حركه ليوازن بين الالفاظ، و ذلك لان الماضى، منه فلج الرجل على خصمه بالفتح، و مصدره الفلج بالسكون، فاما من روى: (و ظهور الفلج) بضمتين فقد سقط عنه التاويل، لان الاسم من هذا اللفظ: (الفلج) بضم اول الكلمه، فاذا استعملها الكاتب او الخطيب جاز له ضم الحرف الثانى.

و صادعا بهما: مظهرا مجاهدا، و اصله الشق.

و الامراس: الحبال، و الواحد مرس، بفتح الميم و الراء.

الشرح:

مدخوله: معيبه.

و فلق: شق و خلق.

و البشر: ظاهر الجلد.

قوله (ع): (و صبت على رزقها)، قيل: هو على العكس، اى وصب رزقها عليها، و الكلام صحيح و لا حاجه فيه الى هذا، و المراد: كيف همت حتى انصبت على رزقها انصبابا، اى انحطت عليه.

و يروى: (و ضنت على رزقها) بالضاد المعجمه و النون، اى بخلت.

و جحرها: بيتها.

قوله (ع): (و فى وردها لصدرها)، اى تجمع فى ايام التمكن من الحركه لايام العجز عنها، و ذلك لان النمل يظهر صيفا و يخفى فى شده الشتاء لعجزه عن ملاقاه البرد.

قوله (ع): (رزقها وفقها) اى بقدر كفايتها، و يروى (مكفول برزقها مرزوقه بوفقها).

و المنان، من اسماء الله تعالى العائد الى صفاته الفعليه، اى هو كثير المن و الانعام على عباده.

و الديان: المجازى للعباد على افعالهم، قال تعالى: (انا لمدينون) اى مجزيون.

و الحجر الجامس: الجامد.

و الشراسيف: اطراف الاضلاع المشرفه على البطن.

(فصل فى ذكر احوال الذره و عجائب النمله) و اعلم ان شيخنا اباعثمان قد اورد فى كتاب "الحيوان" فى باب النمله و الذره- و هى الصغيره جدا من النمل- كلاما يصلح ان يكون كلام اميرالمومنين (ع) اصله، و لكن اباعثمان قد فرع عليه.

قال: الذره تدخر فى ال
صيف للشتاء، و تتقدم فى حال المهله، و لا تضيع اوقات امكان الحزم، ثم يبلغ من تفقدها و صحه تمييزها، و النظر فى عواقب امورها، انها تخاف على الحبوب التى ادخرتها للشتاء (فى الصيف)، ان تعفن و تسوس فى بطن الارض فتخرجها الى ظهرها لتنثرها و تعيد اليها جفوفها، و يمر بها النسيم فينفى عنها اللخن و الفساد.

ثم ربما- بل فى الاكثر- تختار ذلك العمل ليلا، لان ذلك اخفى، و فى القمر لانها فيه ابصر، فان كان مكانها نديا و خافت ان تنبت الحبه نقرت موضع القطمير من وسطها، لعلمها انها من ذلك الموضع تنبت، و ربما فلقت الحبه نصفين.

فاما ان كان الحب من حب الكزبره فانها تفلقه ارباعا، لان انصاف حب الكزبره تنبت من بين جميع الحبوب، فهى من هذا الوجه مجاوزه لفطنه جميع الحيوانات، حتى ربما كانت فى ذلك احزم من كثير من الناس، و لها مع لطافه شخصها و خفه وزنها فى الشم و الاسترواح ما ليس لشى ء، فربما اكل الانسان الجراد، او بعض ما يشبه الجراد، فيسقط من يده الواحده او صدر واحده، و ليس بقربه ذره و لا له عهد بالذر فى ذلك المنزل، فلا يلبث ان تقبل ذره قاصده الى تلك الجراده، فترومها و تحاول نقلها و جرها الى جحرها، فاذا اعجزتها بعد ان تبلى عذرا مضت الى جحرها را
جعه، فلا يلبث ذلك الانسان ان يجدها قد اقبلت و خلفها كالخيط الاسود الممدود، حتى يتعاون عليها فيحملنها.

فاعجب من صدق الشم لما لا يشمه الانسان الجائع! ثم انظر الى بعد الهمه و الجراه على محاوله نقل شى ء فى وزن جسمها مائه مره، و اكثر من مائه، مره بل اضعاف اضعاف المائه، و ليس شى ء من الحيوان يحمل ما يكون اضعاف وزنه مرارا كثيره غيرها.

فان قال قائل: فمن اين علمتم ان التى حاولت نقل الجراده فعجزت هى التى اخبرت صواحباتها من الذر، و انها التى كانت على مقدمتهن؟ قيل له: لطول التجربه، و لانا لم نر قط ذره حاولت جر جراده فعجزت عنها، ثم رايناها راجعه الا راينا معها مثل ذلك، و ان كنا لا نفصل فى مراى العين بينها و بين اخواتها، فانه ليس يقع فى القلب غير الذى قلنا، فدلنا ذلك على انها فى رجوعها عن الجراده انها انما كانت لاشباهها كالرائد الذى لا يكذب اهله.

قال ابوعثمان: و لا ينكر قولنا: ان الذره توحى الى اخواتها بما اشرنا اليه الا من يكذب القرآن، فانه تعالى قال فى قصه سليمان: (قالت نمله يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان و جنوده و هم لايشعرون فتبسم ضاحكا من قولها)، فهل بعد هذا ريب او شك فى ان لها قولا و بيانا و تمييزا!فان قلت: فلعلها مكلفه، و ماموره و منهيه، و مطيعه و عاصيه! قيل: هذا سوال جاهل، و ذلك انه لا يلزم ان يكون كل ذى حس، و تمييز مكلفا مامورا منهيا، مطيعا عاصيا، لان الانسان غير البالغ الحلم قد يحفظ القرآن و كثيرا من الاثار، و ضروبا من الاخبار، و يشترى و يبيع، و يخدع الرجال و يسخر بالمعلمعن، و هو غير مكلف و لا مامور، لا منهى و لا عاص و لا مطيع، فلا يلزم مما قلناه فى الذره ان تكون مكلفه.

قال ابوعثمان: و من عجيب ما سمعته من امر النمله، ما حدثنى به بعض المهندسين عن رجل معروف بصنعه الاسطرلابات، انه اخرج طوقا من صفر- او قال من حديد- من الكير، و قد احماه، فرمى به على الارض ليبرد، فاشتمل الطوق على نمله، فارادت ان تنفر يمنه فلقيها وهج النار، فاخذت يسره فلقيها وهج النار، فمضت قدما فكذاك، فرجعت الى خلفها فكذلك، فرجعت الى وسط الدائره، فوجدها قد ماتت فى موضع رجل البركار من الدائره، و هذا من العجائب.

قال ابوعثمان: و حدثنى ابوعبيد الله الافوه، و ما كنت اقدم عليه فى زمانه من مشايخ المعتزله الا القليل، قال: قد كنت القى من الذر و النمل فى الرطب يكون عندى و فى الطعام عنتا كثيرا، و ذلك لانى كنت لا استقذر النمله و لا الذره، ثم وجدت ال
واحده منهما اذا وقعت فى قاروره بان او زئبق او خيرى، فسد ذلك الدهن و زنخ، فقذرتها و نفرت منها، و قلت: اخلق بطبيعتها ان تكون فاسده خبيثه، و كنت ارى لها عضا منكرا، فاقول: انها من ذوات السموم، و لو ان بدن النمله زيد فى اجزائه حتى يلحق ببدن العقرب، ثم عضت انسانا لكانت عضتها اضر عليه من لسعه العقرب.

قال: فاتخذت عند ذلك لطعامى منمله و قيرتها، و صببت فى خندقها الماء، و وضعت سله الطعام على راسها، فغبرت اياما اكشف راس السله بعد ذلك، و فيها ذر كثير، و وجدت الماء فى الخندق على حاله، فقلت: عسى ان يكون بعض الصبيان انزلها، و اكل مما فيها! و طال مكثها فى الارض، و قد دخلها الذر ثم اعيدت على تلك الحال، و تكلمت فى ذلك و تعرفت الحال فيه، فعرفت البرائه فى عذرهم، و الصدق فى خبرهم، فاشتد تعجبى، و ذهبت بى الظنون و الخواطر كل مذهب، فعزمت على ان ارصدها و احرسها، و اتثبت فى امرى، و اتعرف شانى، فاذا هى بعد ان رامت الخندق فامتنع عليها تركته جانبا، و صعدت فى الحائط، ثم مرت على جذع السقف، فلما صارت محاذيه للسله ارسلت نفسها فقلت فى نفسى: انظر كيف اهتدت الى هذه الحيله و لم تعلم انها تبقى محصوره! ثم قلت: و ما عليها ان تبقى محصوره؟ بل اى حصار
على ذره و قد وجدت ما تشتهى.

قال ابوعثمان: و من اعاجيب الذره انها لا تعرض لجعل و لا لجراده و لا لخنفساء و لا لبنت وردان، ما لم يكن بها حبل او عقر او قطع رجل او يد، فان وجدت بها من ذلك ادنى عله، وثبت عليها، حتى لو ان حيه بها ضربه او خرق او خدش، ثم كانت من.

ثعابين مصر، لوثب عليها الذر حتى ياكلها و لا تكاد الحيه تسلم من الذر اذا كان بها ادنى عقر.

قال ابوعثمان: و قد عذب الله بالذر و النمل امما و امما، و اخرج اهل قرى من قراهم، و اهل دروب من دروبهم.

و حدثنى بعض من اصدق خبره، قال: سالت رجلا كان ينزل ببغداد فى بعض الدروب التى فى ناحيه باب الكوفه التى جلا اهلها عنها، لغلبه النمل و الذر عليها، فسالته عن ذلك، فقال: و ما تصنع بالحديث! امض معى الى دارى التى اخرجنى منها النمل.

قال، فدخلتها معه فبعث غلامه، فاشترى رئوسا من الراسين ليتغذى بها، فانتقلنا هربا من النمل فى اكثر من عشرين مكانا، ثم دعا بطست ضخمه، و صب فيها ماء صالحا، ثم فرق عظام الرئوس فى الدار، و معه غلمانه، فكان كلما اسود منها عظم لكثره النمل و اجتماعه عليه- و ذلك فى اسرع الاوقات- اخذه الغلام ففرغه فى الطست بعود ينثر به ما عليه فى جوف الطست، فما لبثنا مقدار ساعه
من النهار حتى فاضت الطست نملا، فقال: كم تظن انى فعلت مثل هذا قبل الجلاء طمعا فى ان اقطع اصلها! فلما رايت عددها اما زائدا، و اما ثابتا، و جائنا ما لا يصبر عليه احد، و لا يمكن معه مقام، خرجت عنها.

قال ابوعثمان: و عذب عمر بن هبيره سعيد بن عمرو الحرشى بانواع العذاب، فقيل له: ان اردت الا يفلح ابدا فمرهم فلينفخوا فى دبره النمل، ففعلوا فلم يفلح بعدها.

قال ابوعثمان: و من الحيوان اجناس يشبه الانسان فى العقل و الرويه و النظر فى العواقب و الفكر فى الامور، مثل النمل، و الذر، و الفار، و الجرذان، و العنكبوت، و النحل، الا ان النحل لا يدخر من الطعم الا جنسا واحدا و هو العسل.

قال: و زعم البقطرى انك لو ادخلت نمله فى جحر ذر لاكلتها حتى تاتى على عامتها، و ذكر انه قد جرب ذلك.

قال: و زعم صاحب المنطق ان الضبع تاكل النمل اكلا ذريعا، لانها تاتى قريه النمل وقت اجتماع النمل على باب القريه، فتلحس ذلك النمل كله بلسانها، بشهوه شديده و اراده قويه.

قال: و ربما افسدت الارضه على اهل القرى منازلهم، و اكلت كل شى ء لهم، فلا تزال كذلك حتى ينشا فى تلك القرى النمل، فيسلط الله عز و جل ذلك النمل على تلك الارضه، حتى تاتى على آخرها، على ان النمل بعد ذ
لك سيكون له اذى، الا انه دون اذى الارضه بعيدا، و مااكثر مايذهب النمل ايضا من تلك القرى، حتى يتم لاهلها السلامه من النوعين جميعا.

قال: و قد زعم بعضهم ان تلك الارضه باعيانها تستحيل نملا، و ليس فناوها لاكل النمل لها، و لكن الارضه نفسها تستحيل نملا، فعلى قدر مايستحيل منها يرى الناس النقصان فى عددها و مضرتها على الايام.

قال ابوعثمان: و كان ثمامه يرى ان الذر صغار النمل، و نحن نراه نوعا آخر كالبقر و الجواميس.

قال: و من اسباب هلاك النمل نبات اجنحته، و قال الشاعر: و اذا استوت للنمل اجنحه حتى يطير فقد دنا عطبه و كان فى كتاب عبدالحميد الى ابى مسلم: لو اراد الله بالنمله صلاحا، لما انبت لها جناحا، فيقال: ان ابامسلم لما قرا هذا الكلام فى اول الكتاب لم يتم قرائته و القاه فى النار، و قال: اخاف ان قراته ان ينخب قلبى.

قال ابوعثمان: و يقتل النمل بان يصب فى افواه بيوتها القطران و الكبريت الاصفر، و ان يدس فى افواهها الشعر، على انا قد جربنا ذلك فوجدناه باطلا.

فاما الحكماء، فانهم لا يثبتون للنمل شراسيف و لا اضلاعا، و يجب ان صح قولهم ان يحمل كلام اميرالمومنين (ع) على اعتقاد الجمهور و مخاطبه العرب بما تتخيله و تتوهمه حقا، و كذلك
لا يثبت الحكماء للنمل آذانا بارزه عن سطوح رووسها، و يجب ان صح ذلك ان نحمل كلام اميرالمومنين (ع) على قوه الاحساس بالاصوات، فانه لا يمكن الحكماء انكار وجود هذه القوه للنمل، و لهذا اذا صيح عليهن هربن.

و يذكر الحكماء من عجائب النمل اشياء، منها انه لا جلد له، و كذلك كل الحيوان المخرز.

و منها انه لا يوجد فى صقليه نمل كبار اصلا.

و منها ان النمل بعضه ماش و بعضه طائر.

و منها ان حراقه النمل اذا اضيف اليها شى ء من قشور البيض و ريش هدهد و علقت على العضد منعت من النوم.

قوله (ع): (و لو ضربت فى مذاهب فكرك لتبلغ غاياته)، اى غايات فكرك، و ضربت بمعنى سرت، و المذاهب: الطرق.

قال تعالى: (و اذا ضربتم فى الارض) و هذا الكلام استعاره.

قال: لو امعنت النظر لعلمت ان خالق النمله الحقيره هو خالق النخله الطويله لان كل شى ء من الاشياء تفصيل جسمه و هيئته تفصيل دقيق، و اختلاف تلك الاجسام فى اشكالها و الوانها و مقاديرها اختلاف غامض السبب، فلا بد للكل من مدبر يحكم بذلك الاختلاف و يفعله، على حسب ما يعلمه من المصلحه.

ثم قال: و ما الجليل و الدقيق فى خلقه الا سواء! لانه تعالى قادر لذاته، لا يعجزه شى ء من الممكنات.

ثم قال: (فانظر الى الشمس و القمر)
الى قوله: (و الالسن المختلفات)، هذا هو الاستدلال بامكان الاعراض على ثبوت الصانع.

و الطرق اليه اربعه: احدها الاستدلال بحدوث الاجسام.

و الثانى الاستدلال بامكان الاعراض و الاجسام.

و الثالث الاستدلال بحدوث الاعراض.

و الرابع الاستدلال بامكان الاعراض.

و صوره الاستدلال هو ان كل جسم يقبل- للجسميه المشتركه بينه و بين سائر الاجسام- ما يقبله غيره من الاجسام، فاذا اختلفت الاجسام فى الاعراض فلا بد من مخصص خصص هذا الجسم بهذا العرض دون ان يكون هذا العرض لجسم، آخر و يكون لهذا الجسم عرض غير هذا العرض، لان الممكنات لا بد لها من مرجح يرجح احد طرفيها على الاخر، فهذا هو معنى قوله: (فانظر الى الشمس و القمر، و النبات و الشجر، و الماء و الحجر، و اختلاف هذا الليل و النهار، و تفجر هذه البحار، و كثره هذه الجبال، و طول هذه القلال، و تفرق هذه اللغات، و الالسن المختلفات)، اى انه يمكن ان تكون هيئه الشمس و ضوئها و مقدارها حاصلا لجرم القمر، و يمكن ان يكون النبات الذى لا ساق له شجرا، و الشجر ذو الساق نباتا، و يمكن ان يكون الماء صلبا و الحجر مائعا، و يمكن ان يكون زمان الليل مضيئا و زمان النهار مظلما، و يمكن الا تكون هذه البحار متفجره بل تكون
جبالا، و يمكن الا تكون هذه الجبال الكبيره كبيره، و يمكن الا تكون هذه القلال طويله.

و كذلك القول فى اللغات و اختلافها.

و اذا كان كل هذا ممكنا فاختصاص الجسم المخصوص بالصفات و الاعراض و الصور المخصوصه لا يمكن ان يكون لمجرد الجسميه لتماثل الاجسام فيها، فلا بد من امر زائد، و ذلك الامر الزائد هو المعنى بقولنا: صانع العالم.

ثم سفه آراء المعطله، و قال: (انهم لم يعتصموا بحجه، و لم يحققوا ما وعوه) اى لم يرتبوا العلوم الضروريه ترتيبا صحيحا يفضى بهم الى النتيجه التى هى حق.

ثم اخذ فى الرد عليهم من طريق اخرى، و هى دعوى الضروره، و قد اعتمد عليها كثير من المتكلمين، فقال: نعلم ضروره ان البناء لا بد له من بان.

ثم قال: (و الجنايه لا بد لها من جان)، و هذه كلمه ساقته اليها القرينه، و المراد عموم الفعليه لا خصوص الجنايه، اى مستحيل ان يكون الفعل من غير فاعل، و الذين ادعوا الضروره فى هذه المساله من المتكلمين استغنوا عن الطرق الاربع التى ذكرناها، و اميرالمومنين (ع) اعتمد اولا على طريق واحده، ثم جنح ثانيا الى دعوى الضروره، و كلا الطريقين صحيح.

الشرح:

قوله: (و اسرج لها حدقتين) اى جعلهما مضيئتين كما يضى ء السراج، و يقال: حدقه قمراء اى منيره، كما يقال: ليله قمراء اى نيره بضوء القمر.

و (بهما تقرض) اى تقطع، و الراء مكسوره.

و المنجلان: رجلاها، شبههما بالمناجل لعوجهما و خشونتهما.

و يرهبها: يخافها.

و نزواتها: وثباتها.

و الجدب: المحل.

(ذكر غرائب الجراد و ما احتوت عليه من صنوف الصنعه) قال شيخنا ابوعثمان فى كتاب "الحيوان": من عجائب الجراده التماسها لبيضها الموضع الصلد، و الصخور الملس، ثقه منها انها اذا ضربت باذنابها فيها، انفرجت لها، و معلوم ان ذنب الجراده ليس فى خلقه المنشار و لا طرف ذنبه كحد السنان، و لا لها من قوه الاسر، و لا لذنبها من الصلابه ما اذا اعتمدت به على الكديه خرج فيها، كيف و هى تتعدى الى ما هو اصلب من ذلك، و ليس فى طرفها كابره العقرب.

و على ان العقرب ليس تخرق القمقم، من جهد الايد و قوه البدن، بل انما ينفرج لها بطبع مجعول هناك، و كذاك انفراج الصخور لاذناب الجراد.

و لو ان عقابا ارادت ان تخرق جلد الجاموس لما انخرق لها الا بالتكلف الشديد، و العقاب هى التى تنكدر على الذئب (الاطلس)، فتقد بدابرتها ما بين صلاه الى موضع الكاهل.

فاذا
غرزت الجراده، و القت بيضها، و انضمت عليها تلك الاخاديد التى هى احدثها، و صارت كالافاحيص لها صارت حاضنه لها و مربيه، و حافظه و صائنه و واقيه، حتى اذا جاء وقت دبيب الروح فيها حدث عجب آخر، و ذلك لانه يخرج من بيضه اصهب الى البياض، ثم يصفر و تتلون فيه خطوط الى السواد، ثم يصير فيه خطوط سود و بيض، ثم يبدو حجم جناحه، ثم يستقل فيموج بعضه فى بعض.

قال ابوعثمان، و يزعم قوم ان الجراد قد يريد الخضره و دونه النهر الجارى، فيصير بعضه جسرا لبعض حتى يعبر الى الخضره، و ان ذلك حيله منها.

و ليس كما زعموا، و لكن الزحف الاول من الدبا يريد الخضره فلا يستطيعها الا بالعبور اليها، فاذا صارت تلك القطعه فوق الماء طافيه صارت لعمرى ارضا للزحف الثانى الذى يريد الخضره، فان سموا ذلك جسرا استقام فاما ان يكون الزحف الاول مهد للثانى و مكن له و آثره (بالكفايه) فهذا ما لايعرف، و لو ان الزحفين جميعا اشرفا على النهر، و امسك احدهما عن تكلف العبور حتى يمهد له الاخر لكان لما قالوه وجه.

قال ابوعثمان: و لعاب الجراد سم على الاشجار لا يقع على شى ء الا احرقه.

فاما الحكماء فيذكرون فى كتبهم ان ارجل الجراد تقلع الثاليل، و انه (اذا) اخذت منه اثنتا عشره جراده و
نزعت رئوسها و اطرافها، و جعل معها قليل آس يابس، و شربت للاستسقاء كما هى نفعت نفعا بينا، و ان التبخر بالجراد ينفع من عسر البول، و خاصه فى النساء، و ان اكله ينفع من تقطيره، و قد يبخر به للبواسير و ينفع اكله من لسعه العقرب.

و يقال: ان الجراد الطوال اذا علق على من به حمى الربع نفعه.

/ 614