خطبه 134-راهنمائى عمر در جنگ
الشرح:
توكل لهم: صار وكيلا، و يروى: (و قد تكفل)، اى صار كفيلا.و الحوزه: الناحيه، و حوزه الملك بيضته، و يقول: انما الذى نصرهم فى الابتداء على ضعفهم هو الله تعالى، و هو حى لايموت، فاجدر به ان ينصرهم ثانيا، كما نصرهم اولا! و قوله: (فتنكب) مجزوم لانه عطف على (تسر).و كهف، اى و كهف يلجا اليه.و يروى (كانفه) اى جهه عاصمه، من قولك: كنفت الابل، جعلت لها كنيفا من الشجر تستتر به و تعتصم.و رجل محرب، اى صاحب حروب.و حفزت الرجل احفزه: دفعته من خلفه و سقته سوقا شديدا.و كنت ردءا، اى عونا، قال سبحانه: (فارسله معى ردءا يصدقنى).و مثابه، اى مرجعا، و منه قوله تعالى: (مثابه للناس و امنا)، اشار (ع) الا يشخص بنفسه، حذرا ان يصاب، فيذهب المسلمون كلهم لذهاب الراس، بل يبعث اميرا من جانبه على الناس، و يقيم هو بالمدينه، فان هزموا كان مرجعهم اليه.فان قلت: فما بال رسول الله (ص) كان يشاهد الحروب بنفسه، و يباشرها بشخصه؟ قلت: ان رسول الله (ص) كان موعودا بالنصر، و آمنا على نفسه بالوعد الالهى فى قوله سبحانه: (و الله يعصمك من الناس)، و ليس عمر كذلك.فان قلت: فما بال اميرالمومنين (ع) شهد حرب الجمل و صفين و النهروان بنفسه، فهلا بعث اميرا محربا، و اقام بالمدينه ردءا و مثابه! قلت: عن هذا جوابان: احدهما انه كان عالما من جهه النبى (ص) انه لايقتل فى هذه الحروب، و يشهد لذلك الخبر المتفق عليه بين الناس كافه: (يقاتل بعدى الناكثين و القاسطين و المارقين).و ثانيهما، يجوز ان يكون غلب على ظنه ان غيره لايقوم مقامه فى حرب هذه الفرق الخارجه عليه، و لم يجد اميرا محربا من اهل البلاء و النصيحه، لانه (ع) هكذا قال لعمر، و اعتبر هذه القيود و الشروط، فمن كان من اصحابه (ع) محربا لم يكن من اهل النصيحه له، و من كان من اهل النصيحه له لم يكن محربا، فدعته الضروره الى مباشره الحرب بنفسه.(غزوه فلسطين و فتح بيت المقدس) و اعلم ان هذه الغزاه هى غزاه فلسطين، التى فتح فيها بيت المقدس، و قد ذكرها ابوجعفر محمد بن جرير الطبرى فى التاريخ، و قال: ان عليا (ع) هو كان المستخلف على المدينه لما شخص عمر الى الشام، و ان عليا (ع) قال له: لاتخرج بنفسك، انك تريد عدوا كلبا، فقال عمر: انى ابادر بجهاد العدو موت العباس بن عبدالمطلب، انكم لو فقدتم العباس لانتقض بكم الشر كما ينتقض الحبل.فمات العباس لست سنين خلت من اماره عثمان و انتقض بالناس الشر.قال ابوجعفر: و قد كان الروم عرف
وا من كتبهم ان صاحب فتح مدينه ايلياء- و هى بيت المقدس- رجل، اسمه على ثلاثه احرف، فكان من حضر من امراء المسلمين يسالون عن اسمه، فيعلمون انه ليس بصاحبهم، فلما طال عليهم الامر فى حرب الروم، استمدوا عمر، و قالوا: ان لم تحضر بنفسك لم يفتح علينا، فكتب اليهم ان يلقوه براس الجابيه، ليوم سماه لهم فلقوه و هو راكب حمارا و كان اول من لقيه يزيد بن ابى سفيان، ثم ابوعبيده بن الجراح، ثم خالد بن الوليد، على الخيول و عليهم الديباج و الحرير، فنزل.عمر عن حماره، و اخذ الحجاره، و رماهم بها، و قال: سرعان ما لفتم عن رايكم! اياى تستقبلون فى هذا الزى! و انما شبعتم منذ سنتين، سرع ما ترت بكم البطنه، و تالله لو فعلتموها على راس المائتين، لاستبدلت بكم غيركم! فقالوا: يا اميرالمومنين، انما هى يلامقه، و تحتها السلاح، فقال: فنعم اذا! قال ابوجعفر: فلما علم الروم مقدم عمر نفسه، سالوه الصلح، فصالحهم، و كتب لهم كتابا على ان يودوا الجزيه، ثم سار الى بيت المقدس، فقصر فرسه عن المشى، فاتى ببرذون فركبه، فهزه و هملج تحته، فنزل عنه، و ضرب وجهه بردائه، و قال: قبح الله من علمك هذا! ردوا على فرسى، فركبه و سار حتى انتهى الى بيت المقدس.قال: و لم يركب برذو
نا قبله و لا بعده، و قال: اعوذ بالله من الخيلاء! قال ابوجعفر: و لقيه معاويه، و عليه ثياب ديباج، و حوله جماعه من الغلمان و الخول، فدنا منه فقبل يده فقال: ما هذا يا بن هند و انك لعلى هذه الحال، مترف صاحب لبوس و تنعم، و قد بلغنى ان ذوى الحاجات يقفون ببابك! فقال: يا اميرالمومنين، اما اللباس فانا ببلاد عدو، و نحب ان يرى اثر نعمه الله علينا، و اما الحجاب فانا نخاف من البذله جراه الرعيه.فقال: ما سالتك عن شى ء الا تركتنى منه فى اضيق من الرواجب، ان كنت صادقا فانه راى لبيب، و ان كنت كاذبا، فانها خدعه اريب.و قد روى الناس كلام معاويه لعمر على وجه آخر، قيل: لما قدم عمر الشام قدمها، و هو راكب حمارا قريبا من الارض، و معه عبدالرحمن بن عوف راكب حمار قريب ايضا، فتلقاهما معاويه فى كوكبه خشناء، فثنى وركه، و نزل و سلم بالخلافه فلم يرد عليه.فقال له عبدالرحمن: احصرت الفتى يا اميرالمومنين، فلو كلمته! قال: انك لصاحب الجيش الذى ارى! قال: نعم، قال: مع شده احتجابك، و وقوف ذوى الحاجات ببابك! قال: اجل، قال: لم ويحك! قال لانا ببلاد عدو كثير فيها جواسيسهم، فان لم نتخذ العده و العدد استخف بنا، و هجم على عوراتنا، و انا بعد عاملك، فان استن
قصتنى نقصت، و ان استزدتنى زدت، و ان استوقفتنى وقفت.فقال: ان كنت كاذبا انه لراى اريب، و ان كنت صادقا انه لتدبير لبيب، ما سالتك عن شى ء قط الا تركتنى منه فى اضيق من رواجب الضرس، لا آمرك و لا انهاك.فلما انصرف، قال عبدالرحمن: لقد احسن الفتى فى اصدار ما اردت عليه، فقال: لحسن ايراده و اصداره جشمناه ما جشمناه.قال ابوجعفر: شخص عمر من المدينه الى الشام اربع مرات، و دخلها مره راكب فرس، و مره راكب بعير، و مره راكب بغل، و مره راكب حمار، و كان لايعرف، و ربما استخبره الواحد: اين اميرالمومنين؟ فيسكت، او يقول: سل الناس، و كان يدخل الشام و عليه سحق فرو مقلوب، و اذا حضر الناس طعامه راوا اخشن الطعام.قال ابوجعفر: و قدم الشام فى احدى هذه المرات الاربع، فصادف الطاعون بها فاشيا، فاستشار الناس، فكل اشار عليه بالرجوع و الا يدخلها، الا اباعبيده بن الجراح، فانه قال: اتفر من قدر الله؟ قال نعم، افر من قدر الله بقدر الله الى قدر الله، لو غيرك قالها يا اباعبيده! فما لبث ان جاء عبدالرحمن بن عوف، فروى لهم عن النبى (ص) انه قال: (اذا كنتم ببلاد الطاعون فلاتخرجوا منها، و اذا قدمتم الى بلاد الطاعون فلاتدخلوها)، فحمد الله على موافقه الخبر لما
كان فى نفسه، و ما اشار به الناس، و انصرف راجعا الى المدينه، و مات ابوعبيده فى ذلك الطاعون و هو الطاعون المعروف بطاعون عمواس، و كان فى سنه سبع عشره من الهجره.