خطبه 173-درباره طلحه
الشرح:
كان هاهنا تامه، و الواو واو الحال، اى خلقت و وجدت و انا بهذه الصفه، كما تقول: خلقنى الله و انا شجاع.و يجوز ان تكون الواو زائده، و تكون (كان) ناقصه، و خبرها (ما اهدد)، كما فى المثل: (لقد كنت و ما اخشى بالذئب).فان قلت: اذا كانت ناقصه، لزم ان تكون الان بخلاف ما مضى، فيكون الان يهدد و يرهب.قلت: لايلزم ذلك، لان (كان) الناقصه للماضى من حيث هو ماض، و ليس يشترط فى ذلك ان يكون منقطعا، بل قد يكون دائما، كقوله تعالى: (و كان الله عليما حكيما).ثم ذكر (ع) انه على ما وعده ربه من النصر، و انه واثق بالظفر و الغلبه الان، كما كانت عادته فيما سبق.ثم شرح حال طلحه، و قال: انه تجرد للطلب بدم عثمان، مغالطه للناس، و ايهاما لهم انه برى ء من دمه، فيلتبس الامر، و يقع الشك.و قد كان طلحه اجهد نفسه فى امر عثمان و الاجلاب عليه، و الحصر له، و الاغراء به، و منته نفسه الخلافه، بل تلبس بها، و تسلم بيوت الاموال و اخذ مفاتيحها، و قاتل الناس، و احدقوا به، و لم يبق الا ان يصفق بالخلافه على يده.(ذكر ما كان من امر طلحه مع عثمان) ذكر ابوجعفر محمد بن جرير الطبرى فى كتاب "التاريخ" قال: حدثنى عمر بن شبه، عن على بن محمد، عنعبد ربه، عن نافع، عن اسماعيل بن ابى خالد، عن حكيم بن جابر، قال: قال على (ع) لطلحه و عثمان محصور: انشدك الله الارددت الناس عن عثمان! قال: لا و الله حتى تعطى بنو اميه الحق من انفسها.و روى الطبرى ان عثمان كان له على طلحه خمسون الفا، فخرج عثمان يوما الى المسجد، فقال له طلحه: قد تهيا مالك فاقبضه، فقال: هو لك يا ابامحمد معونه لك على مروئتك.قال: فكان عثمان يقول و هو محصور: جزاء سنمار! و روى الطبرى ايضا ان طلحه باع ارضا له من عثمان بسبعمائه الف، فحملها اليه، فقال طلحه: ان رجلا يبيت و هذه عنده و فى بيته، لايدرى ما يطرقه من امر الله لغرير بالله؟ فبات و رسله تختلف بها فى سكك المدينه يقسمها حتى اصبح و ما عنده منها درهم واحد.قال الطبرى: روى ذلك الحسن البصرى، و كان اذا روى ذلك يقول: ثم جاء الينا يطلب الدينار و الدرهم- او قال: و الصفراء و البيضاء.و روى الطبرى ايضا، قال: قال ابن عباس رحمه الله: لما حججت بالناس نيابه عن عثمان و هو محصور، مررت بعائشه بالصلصل، فقالت: يا بن عباس، انشدك الله فانك قد اعطيت لسانا و عقلا، ان تخذل الناس عن طلحه، فقد بانت لهم بصائرهم فى عثمان و انهجت، و رفعت لهم المنار، و تحلبوا من البلدان لامر ق
د حم، و ان طلحه- فيما بلغنى- قد اتخذ رجالا على بيوت الاموال، و اخذ مفاتيح الخزائن و اظنه يسير ان شاء الله بسيره ابن عمه ابى بكر، فقال: يا امه، لو حدث بالرجل حدث ما فزع الناس الا الى صاحبنا، فقالت: ايها عنك يا بن عباس، انى لست اريد مكابرتك و لا مجادلتك.و روى المدائنى فى كتاب "مقتل عثمان" ان طلحه منع من دفنه ثلاثه ايام، و ان عليا (ع) لم يبايع الناس الا بعد قتل عثمان بخمسه ايام، و ان حكيم بن حزام احد بنى اسد بن عبدالعزى، و جبير بن مطعم بن الحارث بن نوفل استنجدا بعلى (ع) على دفنه، فاقعد طلحه لهم فى الطريق ناسا بالحجاره، فخرج به نفر يسير من اهله و هم يريدون به حائطا بالمدينه يعرف بحش كوكب.كانت اليهود تدفن فيه موتاهم، فلما صار هناك رجم سريره، و هموا بطرحه، فارسل على (ع) الى الناس يعزم عليهم ليكفوا، عنه فكفوا فانطلقوا به حتى دفنوه فى حش كوكب.و روى الطبرى نحو ذلك، الا انه لم يذكر طلحه بعينه، و زاد فيه ان معاويه لما ظهر على الناس، امر بذلك الحائط فهدم حتى افضى به الى البقيع، و امر الناس ان يدفنوا موتاهم حول قبره حتى اتصل (ذلك) بمقابر المسلمين.و روى المدائنى فى هذا الكتاب، قال: دفن عثمان بين المغرب و العتمه، و لم
يشهد جنازته الا مروان بن الحكم و ابنه عثمان و ثلاثه من مواليه، فرفعت ابنته صوتها تندبه، و قد جعل طلحه ناسا هناك اكمنهم كمينا، فاخذتهم الحجاره، و صاحوا: نعثل نعثل! فقالوا: الحائط الحائط! فدفن فى حائط هناك.و روى الواقدى، قال: لما قتل عثمان، تكلموا فى دفنه، فقال طلحه: يدفن بدير سلع- يعنى مقابر اليهود.و ذكر الطبرى فى تاريخه هذا، الا انه روى عن طلحه فقال: قال رجل: يدفن بدير سلع- فقال حكيم بن حزام: و الله لا يكون هذا ابدا واحد من ولد قصى (حى) حتى كاد الشر يلتحم، فقال ابن عديس البلوى: ايها الشيخ، و ما يضرك اين دفن! قال: لايدفن الا ببقيع الغرقد، حيث دفن سلفه و رهطه، فخرج به حكيم بن حزام فى اثنى عشر رجلا، منهم الزبير بن العوام، فمنعهم الناس عن البقيع، فدفنوه بحش كوكب.و روى الطبرى فى التاريخ ان عثمان لما حصر، كان على (ع) بخيبر فى امواله، فلما قدم ارسل اليه يدعوه، فلما دخل عليه قال له: ان لى عليك حقوقا: حق الاسلام، و حق النسب، و حق مالى عليك من العهد و الميثاق، و و الله ان لو لم يكن من هذا كله شى ء و كنا فى جاهليه، لكان عارا على بنى عبدمناف ان يبتزهم اخو تيم ملكهم- يعنى طلحه- فقال له (ع): سياتيك الخبر، ثم قام فدخل ا
لمسجد، فراى اسامه بن زيد جالسا، فدعاه فاعتمد على يده، و خرج يمشى الى طلحه، فدخل داره، و هى دحاس من الناس، فقام (ع)، فقال يا طلحه، ما هذا الامر الذى وقعت فيه؟ فقال: يا ابااحسن، ابعد ما مس الحزام الطبيين! فانصرف على (ع) و لم يحر اليه شيئا حتى اتى بيت المال، فنادى: افتحوا هذا الباب، فلم يقدروا على فتحه، فقال: اكسروه، فكسر فقال اخرجوا هذا المال، فجعلوا يخرجونه و هو يعطى الناس، و بلغ الذين فى دار طلحه ما صنع على (ع) فجعلوا يتسللون اليه حتى بقى طلحه وحده، و بلغ الخبر عثمان، فسر بذلك، ثم اقبل طلحه يمشى عامدا الى دار عثمان، فاستاذن عليه، فلما دخل قال: يا اميرالمومنين، استغفر الله و اتوب اليه، لقد رمت امرا حال الله بينى و بينه.فقال عثمان: انك و الله ما جئت تائبا، و لكن جئت مغلوبا، و الله حسيبك يا طلحه! ثم قسم (ع) مال طلحه، فقال: لايخلو اما ان يكون معتقدا حل دم عثمان، او حرمته، او يكون شاكا فى الامرين، فان كان يعتقد حله لم يجز له ان ينقض البيعه لنصره انسان حلال الدم، و ان كان يعتقد حرمته، فقد كان يجب عليه ان ينهنه عنه الناس، اى يكفهم.و ان يعذر فيه، بالتشديد اى يقصر و لم يفعل ذلك، و ان كان شاكا، فقد كان يجب عليه ان ي
عتزل الامر، و يركد جانبا، و لم يعتزل و انما صلى بنار الفتنه، و اصلاها غيره.فان قلت: يمكن ان يكون طلحه و اعتقد اباحه دم عثمان اولا، ثم تبدل ذلك الاعتقاد بعد قتله، فاعتقد ان قتله حرام، و انه يجب ان يقتص من قاتليه! قلت: لو اعترف بذلك لم يقسم على (ع) هذا التقسيم، و انما قسمه لبقائه على اعتقاد واحد، و هذا التقسيم مع فرض بقائه على اعتقاد واحد صحيح لامطعن فيه، و كذا كان حال طلحه فانه لم ينقل عنه انه قال: ندمت على ما فعلت بعثمان.فان قلت: كيف قال اميرالمومنين (ع): (فما فعل واحده من الثلاث)، و قد فعل واحده منها، لانه وازر قاتليه حيث كان محصورا! قلت: مراده (ع) انه ان كان عثمان ظالما، وجب ان يوازر قاتليه بعد قتله، يحامى عنهم، و يمنعهم ممن يروم دمائهم، و معلوم انه لم يفعل ذلك، و انما وازرهم و عثمان حى، و ذلك غير داخل فى التقسيم.