شرح نهج البلاغه (ابن ابي الحديد)
خطبه ها
خطبه 001-آغاز آفرينش آسمان و...
الشرح:
الذى عليه اكثر الادباء و المتكلمين ان الحمد و المدح اخوان، لا فرق بينهما، تقول:حمدت زيدا على انعامه، و مدحته على انعامه، و حمدته على شجاعته، و مدحته على شجاعته، فهما سواء، يدخلان فيما كان من فعل الانسان، و فيما ليس من فعله، كما ذكرناه من المثالين، فاما الشكر فاخص من المدح، لانه لايكون الا على النعمه خاصه، و لايكون الا صادرا من منعم عليه، فلا يجوز عندهم ان يقال:شكر زيد عمرا لنعمه انعمها عمرو على انسان غير زيد.ان قيل:الاستعمال خلاف ذلك، لانهم يقولون:حضرنا عند فلان فوجدناه يشكر الامير على معروفه عند زيد، قيل:ذلك انما يصح اذا كان انعام الامير على زيد اوجب سرور فلان، فيكون شكر انعام الامير على زيد شكرا على السرور الداخل على قلبه بالانعام على زيد، و تكون لفظه "زيد" التى استعيرت ظاهرا لاستناد الشكر الى مسماها كنايه لاحقيقه، و يكون ذلك الشكر شكرا باعتبار السرور المذكور، و مدحا باعتبار آخر، و هو المناداه على ذلك الجميل و الثناء الواقع بجنسه.ثم ان هولاء المتكلمين الذين حكينا قولهم يزعمون ان الحمد و المدح و الشكر لايكون الا باللسان مع انطواء القلب على الثناء و التعظيم، فان استعمل شى ء من ذلك فى الافعال بالجوارح كان مجازا.و بقى البحث عن اشتراطهم مطابقه القلب للسان، فان الاستعمال لا يساعدهم، لان اهل الاصطلاح يقولون لمن مدح غيره، او شكره رياء و سمعه:انه قد مدحه و شكره و ان كان منافقا عندهم.و نظير هذا الموضع الايمان، فان اكثر المتكلمين لايطلقونه على مجرد النطق اللسانى، بل يشترطون فيه الاعتقاد القلبى، فاما ان يقصروا به عليه كما هو مذهب الاشعريه و الاماميه، او توخذ معه امور اخرى و هى فعل الواجب و تجنب القبيح كما هو مذهب المعتزله، و لايخالف جمهور المتكلمين فى هذه المساله الا الكراميه فان المنافق عندهم يسمى مومنا، و نظروا الى مجرد الظاهر، فجعلوا النطق اللسانى وحده ايمانا.و المدحه:هيئه المدح، كالركبه، هيئه الركوب، و الجلسه هيئه الجلوس، و المعنى مطروق جدا، و منه فى الكتاب العزيز كثير، كقوله تعالى:(و ان تعدوا نعمه الله لاتحصوها) و فى الاثر النبوى:(لا احصى ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك)، و قال الكتاب من ذلك ما يطول ذكره، فمن جيد ذلك قول بعضهم:الحمدلله على نعمه التى منها اقدارنا على الاجتهاد فى حمدها، و ان عجزنا عن احصائها و عدها.و قالت الخنساء بنت عمرو بن الشريد:فما بلغت كف امرى ء متناول ب
ها المجد الا و الذى نلت اطول و لا حبر المثنون فى القول مدحه و ان اطنبوا الا و ما فيك افضل و من مستحسن ما وقفت عليه من تعظيم البارى ء عز جلاله بلفظ الحمد قول بعض الفضلاء فى خطبه ارجوزه علميه:الحمدلله بقدر الله لا قدر وسع العبد ذى التناهى و الحمدلله الذى برهانه ان ليس شان ليس فيه شانه و الحمدلله الذى من ينكره فانما ينكر من يصوره و اما قوله:(الذى لايدركه)، فيريد ان همم النظار و اصحاب الفكر و ان علت و بعدت فانها لاتدركه تعالى، و لا تحيط به.و هذا حق، لان كل متصور فلا بد ان يكون محسوسا، او متخيلا، او موجودا من فطره النفس، و الاستقراء يشهد بذلك.مثال المحسوس السواد و الحموضه، مثال المتخيل انسان يطير، او بحر من دم.مثال الموجود من فطره النفس تصور الالم و اللذه.و لما كان البارى ء سبحانه خارجا عن هذا اجمع لم يكن متصورا.فاما قوله:(الذى ليس لصفته حد محدود)، فانه يعنى بصفته هاهنا كنهه و حقيقته، يقول:ليس لكنهه حد فيعرف بذلك الحد قياسا على الاشياء المحدوده، لانه ليس بمركب، و كل محدود مركب.ثم قال:(و لانعت موجود) اى و لايدرك بالرسم، كما تدرك الاشياء برسومها، و هو ان تعرف بلازم من لوازمها، و صفه من ص
فاتها.ثم قال:(و لا وقت معدود، و لا اجل ممدود)، فيه، اشاره الى الرد على من قال:انا نعلم كنه البارى ء سبحانه لا فى هذه الدنيا بل فى الاخره، فان القائلين برويته فى الاخره يقولون:انا نعرف حينئذ كنهه، فهو (ع) رد قولهم، و قال:انه لا وقت ابدا على الاطلاق تعرف فيه حقيقته و كنهه، لا الان و لا بعد الان، و هو الحق، لانا لو رايناه فى الاخره و عرفنا كنهه لتشخص تشخصا يمنع من حمله على كثيرين، و لا يتصور ان يتشخص هذا التشخص الا ما يشار الى جهته، و لا جهه له سبحانه.و قد شرحت هذا الموضع فى كتابى المعروف ب (زيادات النقضين)، و بينت ان الرويه المنزهه عن الكيفيه التى يزعمها اصحاب الاشعرى لا بد فيها من اثبات الجهه، و انها لا تجرى مجرى العلم، لان العلم لا يشخص المعلوم، و الرويه تشخص المرئى، و التشخيص لايمكن الا مع كون المتشخص ذا جهه.و اعلم ان نفى الاحاطه مذكور فى الكتاب العزيز فى مواضع، منها قوله تعالى: