خطبه 113-در اندرز به مردم - شرح نهج البلاغه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شرح نهج البلاغه - نسخه متنی

ابن ابی الحدید معتزلی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

خطبه 113-در اندرز به مردم

الشرح:

لقائل ان يقول: اما كونه واصل الحمد له من عباده بالنعم منه عليهم فمعلوم، فكيف قال: انه يصل النعم المذكوره بالشكر، و الشكر من افعال العباد، و ليس من افعاله ليكون واصلا للنعم به! و جواب هذا القائل، هو انه لما وفق العباد للشكر بعد ان جعل وجوبه فى عقولهم مقررا، و بعد ان اقدرهم عليه، صار كانه الفاعل له، فاضافه الى نفسه توسعا، كما يقال: اقام الامير الحد، و قتل الوالى اللص، فاما حمده سبحانه على البلاء كحمده على الالاء فقد تقدم القول فيه.

و من الكلام المشهور: (سبحان من لايحمد على المكروه سواه)، و السر فيه انه تعالى انما يفعل المكروه بنا لمصالحنا، فاذا حمدناه عليه فانما حمدناه على نعمه انعم بها، و ان كانت فى الظاهر بليه و الما.

فان قلت: فقد كان الاحسن فى البيان ان يقول: (نحمده على بلائه، كما نحمده على آلائه).

قلت: انما عكس لانه جاء باللفظين فى معرض ذكر النعم و الشكر عليها، فاستهجن ان يلقبها بلفظه الحمد على البلاء للمنافره التى تكون بينهما، فقال: نحمده على هذه الالاء التى اشرنا اليها، التى هى آلاء فى الحقيقه.

و هذا ترتيب صحيح منتظم.

ثم سال الله ان يعينه على النفس البطيئه عن المامور به، السريعه الى
المنهى عنه و من دعاء بعض الصالحين: اللهم انى اشكو اليك عدوا بين جنبى قد غلب على.

و فسر قوم من اهل الطريقه و الحقيقه قوله تعالى: (يا ايها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار و ليجدوا فيكم غلظه) قالوا: اراد مجاهده النفوس.

و من كلام رسول الله (ص): (ابت الانفس الا حب المال و الشرف، و ان حبهما لاذهب بدين احدكم من ذئبين ضاريين باتا فى زريبه غنم الى الصباح، فما ذا يبقيان منها! ثم شرع فى استغفار الله سبحانه من كل ذنب، و عبر عن ذلك بقوله: (مما احاط به علمه، و احصاه كتابه)، لانه تعالى عالم بكل شى ء، و محيط بكل شى ء: و قد اوضح ذلك بقوله: (علم غير قاصر، و كتاب غير مغادر)، اى غير مبق شيئا لايحصيه، قال تعالى: (ما لهذا الكتاب لايغادر صغيره و لا كبيره الا احصاها).

ثم قال: (و نومن به ايمان من عاين و شاهد)، لان ايمان العيان اخلص و اوثق من ايمان الخبر فانه ليس الخبر، كالعيان، و هذا اشاره الى ايمان العارفين الذين هو (ع) سيدهم و رئيسهم، و لذلك قال: (لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا).

و قوله: (تصعدان القول) اشاره الى قوله تعالى: (اليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح يرفعه)، و روى: (تسعدان القول) بالسين، اى هما شهادتان بالقلب يع
اضدان الشهاده باللسان، و يسعدانها.

ثم ذكر انهما شهادتان لايخف ميزان هما فيه، و لايثقل ميزان رفعا عنه.

اما انه لايثقل ميزان رفعا عنه، فهذا لاكلام فيه، و انما الشان فى القضيه الاولى، لان ظاهر هذا القول يشعر بمذهب المرجئه الخلص، و هم اصحاب مقاتل بن سليمان، القائلون انه لايضر مع الشهادتين معصيه اصلا، و انه لايدخل النار من فى قلبه ذره من الايمان، و لهم على ذلك احتجاج قد ذكرناه فى كتبنا الكلاميه، فنقول فى تاويل ذلك انه لم يحكم بهذا على مجرد الشهادتين، و انما حكم بهذا على شهادتين مقيدتين، قد وصفهما بانهما يصعدان القول، و يرفعان العمل، و تانك الشهادتان المقيدتان بذلك القيد، انما هو الشهادتان اللتان يقارنهما فعل الواجب و تجنب القبيح، لانه ان لم يقارنهما ذلك لم يرفعا العمل، و اذا كان حكمه (ع) بعد خفه ميزان هما فيه، انما هو على شهادتين مقيدتين لا مطلقتين، فقد بطل قول من يجعل هذا الكلام حجه للمرجئه.

ثم اخذ فى الوصاه بالتقوى، و قال انما الزاد فى الدنيا الذى يزود منه لسفر الاخره و بها المعاذ، مصدر من عذت بكذا، اى لجات اليه و اعتصمت به.

ثم وصفهما- اعنى الزاد و المعاذ- فقال: (زاد مبلغ)، اى يبلغك المقصد و الغايه التى تسافر اليها، و معاذ منجح، اى يصادف عنده النجاح.

دعا اليها اسمع داع: يعنى البارى ء سبحانه، لانه اشد الاحياء اسماعا لما يدعوهم اليه و بناء (افعل) هاهنا من الرباعى، كما جاء ما اعطاه للمال، و ما اولاه للمعروف! و انت اكرم لى من زيد، اى اشد اكراما، و هذا المكان اقفر من غيره، اى اشد اقفارا، و فى المثل (افلس من ابن المذلق)، و روى: (دعا اليها احسن داع)، اى احسن داع دعا، و لا بد من تقرير هذا المميز لانه تعالى لاتوصف ذاته بالحسن، و انما يوصف بالحسن افعاله.

و وعاها خير واع، اى من وعاها عنه تعالى و عقلها و اجاب تلك الدعوه، فهو خير واع.

و قيل: عنى بقوله: (اسمع داع) رسول الله (ص)، و عنى بقوله: (خير واع) نفسه، لانه انزل فيه: (و تعيها اذن واعيه) و الاول اظهر.

ثم قال: (فاسمع داعيها) اى لم يبق احدا من المكلفين الا و قد اسمعه تلك الدعوه و فازوا عليها، افلح من فهمها و اجاب اليها، لا بد من تقدير هذا، و ا
لا فاى فوز يحصل لمن فهم و لم يجب! و التقوى: خشيه الله سبحانه و مراقبته فى السر و العلن، و الخشيه اصل الطاعات، و اليها وقعت الاشاره بقوله تعالى: (ان اكرمكم عند الله اتقاكم)، و قوله سبحانه: (و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لايحتسب).

قوله: (حتى اسهرت لياليهم، و اظمات هواجرهم) من قول العرب (نهاره صائم، و ليله قائم)، نقلوا الفعل الى الظرف، و هو من باب الاتساع الذى يجرون فيه الظروف مجرى المفعول به، فيقولون: الذى سرته يوم الجمعه، اى سرت فيه، و قال: و يوم شهدناه سليما و عامرا اى شهدنا فيه سليما، و قد اتسعوا فاضافوا الى الظروف فقالوا: يا سارق الليله اهل الدار و قال تعالى: (بل مكر الليل و النهار) فاخرجوهما بالاضافه عن الظرفيه.

قوله (ع): (فاخذوا الراحه النصب) يروى: (فاستبدلوا الراحه) و النصب: التعب.

و استقربوا الاجل: راوه قريبا.

فان قلت: لماذا كرر لفظه (الاجل)، و فى تكرارها مخالفه لفن البيان؟ قلت: انه استعملها فى الموضعين بمعنيين مختلفين، فقوله: (استقربوا الاجل) يعنى المده.

و قوله: (فلاحظوا الاجل) يعنى الموت نفسه.

و يروى: (موتر) و (و موتر) بالتشديد.

و لاتوسى جراحه: لاتطب و لاتصلح، اسوت الجرح، اى اصلحته.

و لاينقع: لايروى، شرب حتى نقع، اى شفى عليله، و ماء ناقع، و هو كالناجع، و ما رايت شربه انقع منها.

و الى قوله (ع): (يجمع ما لاياكل، و يبنى ما لايسكن) نظر الشاعر، فقال: اموالنا لذوى الميراث نجمعها و دورنا لخراب الدهر نبنيها و قال آخر: الم تر حوشبا امسى يبنى بناء نفعه لبنى بقيله يومل ان يعمر عمر نوح و امر الله يطرق كل ليله قوله: (و من غيرها انك ترى المرحوم مغبوطا و المغبوط مرحوما)، اى يصير الفقير غنيا و الغنى فقيرا، و قد فسره قوم فقالوا: اراد انك ترى من هو فى باطن الامر مرحوم، مغبوطا، و ترى من هو فى باطن الامر مغبوط، مرحوما، اى تحسب ذاك و تتخيله، و هذا التاويل غير صحيح، لان قوله بعده: (ليس ذلك الا نعيما زل، و بوسا نزل)، يكذبه و يصدق التفسير الاول.

و اضحى فيئها، من اضحى الرجل اذا برز للشمس.

ثم قال: (لاجاء يرد و لاماض يرتد) اى يسترد و يسترجع، اخذه ابوالعتاهيه فقال: فلا انا راجع ما قد مضى لى و لا انا دافع ما سوف ياتى و الى قوله: (ما اقرب الحى من الميت للحاقه به، و ما ابعد الميت من الحى لانقطاعه عنه) نظر الشاعر، فقال: يا بعيدا عنى و ليس بعيدا من لحاقى به سميع قريب صرت بين الورى غريبا كما ان ك
تحت الثرى وحيد غريب فان قلت: ما وجه تقسيمه (ع) الامور التى عددها الى الفناء و العناء، و الغير و العبر؟ قلت: لقد اصاب الثغره و طبق المفصل، الا تراه ذكر فى الفناء رمى الدهر الانسان عن قوس الردى، و فى العناء جمع مالا ياكل، و بناء مالا يسكن، و فى الغير الفقر بعد الغنى و الغنى بعد الفقر، و فى العبر اقتطاع الاجل الامل، فقد ناط بكل لفظه ما يناسبها.

و قد نظر بعض الشعراء الى قوله (ع): (ليس شى ء بشر من الشر الا عقابه، و ليس شى ء بخير من الخير الا ثوابه) فقال: خير البضائع للانسان مكرمه تنمى و تزكو اذا بارت بضائعه فالخير خير و خير منه فاعله و الشر شر و شر منه صانعه الا ان اميرالمومنين (ع) استثنى العقاب و الثواب، و الشاعر جعل مكانهما فاعل الخير و الشر.

ثم ذكر ان كل شى ء من امور الدنيا المرغبه و المرهبه، سماعه اعظم من عيانه، و الاخره بالعكس، و هذا حق، اما القضيه الاولى فظاهره، و قد قال القائل: اهتز عند تمنى وصلها طربا و رب امنيه احلى من الظفر و لهذا يحرص الواحد منا على الامر، فاذا بلغه برد و فتر، و لم يجده كما كان يظن فى اللذه.

و يوصف لنا البلد البعيد عنا بالخصب و الامن و العدل، و سماح اهله، و حسن نسائه، و ظرف رجاله، فاذا سافرنا اليه لم نجده كما وصف، بل ربما وجدنا القليل من ذلك، و يوصف لنا الانسان الفاضل بالعلم بفنون من الاداب و الحكم، و يبالغ الواصفون فى ذلك.

فاذا اختبرناه وجدناه دون ما وصف، و كذلك قد يخاف الانسان حبسا او ضربا او نحوهما فاذا وقع فيهما هان ما كان يتخوفه، و وجد الامر دون ذلك، و كذلك القتل و الموت، فان ما يستعظمه الناس
منهما دون امرهما فى الحقيقه، و قد قال ابوالطيب- و هو حكيم الشعراء: كل ما لم يكن من الصعب فى الان فس سهل فيها اذا هو كانا و يقال فى المثل: لج الخوف تامن.

و اما احوال الاخره فلاريب ان الامر فيها بالضد من ذلك، لان الذى يتصوره الناس من الجنه، انها اشجاروا انهار و ماكول و مشروب، و جماع، و امرها فى الحقيقه اعظم من هذا و اشرف، لان ملاذها الروحانيه المقارنه لهذه الملاذ المضاده لها اعظم من هذه الملاذ بطبقات عظيمه، و كذلك اكثر الناس يتوهمون ان عذاب النار يكون اياما و ينقضى، كما يذهب اليه المرجئه، او انه لا عذاب بالنار لمسلم اصلا، كما هو قول الخلص من المرجئه، و ان اهل النار يالفون عذابها فلايستضرون به اذا تطاول الامد عليهم، و امر العذاب اصعب مما يظنون، خصوصا على مذهبنا فى الوعيد، و لو لم يكن الا آلام النفوس باستشعارها سخط الله تعالى عليها، فان ذلك اعظم من ملاقاه جرم النار لبدن الحى.

و فى هذا الموضع ابحاث شريفه دقيقه، ليس هذا الكتاب موضوعا لها.

ثم امرهم بان يكتفوا من عيان الاخره و غيبها بالسماع و الخبر، لانه لا سبيل و نحن فى هذه الدار الى اكثر من ذلك.

و الى قوله: (ما نقص من الدنيا و زاد فى الاخره، خير مما نقص من الاخ
ره و زاد فى الدنيا) نظر ابوالطيب، فقال، الا انه اخرجه فى مخرج آخر: بلاد ما اشتهيت رايت فيها فليس يفوتها الا كرام فهلا كان نقص الاهل فيها و كان لاهلها منها التمام! ثم قال: (فكم من منقوص فى دنياه و هو رابح فى آخرته، و كم من مزيد فى دنياه و هو خاسر فى آخرته).

ثم قال: (ان الذى امرتم به اوسع من الذى نهيتم عنه، و ما احل لكم اكثر مما حرم عليكم)، الجمله الاولى هى الجمله الثانيه بعينها، و انما اتى بالثانيه تاكيدا للاولى و ايضاحا لها، و لان فن الخطابه و الكتابه هكذا هو، و ينتظم كلتا الجملتين معنى واحد، و هو ان فيما احل الله غنى عما حرم، بل الحلال اوسع، الا ترى ان المباح من الماكل و المشارب اكثر عددا و اجناسا من المحرمات! فان المحرم ليس الا الكلب و الخنزير و اشياء قليله غيرهما، و المحرم من المشروب الخمر و نحوها من المسكر، و ما عدا ذلك حلال اكله و شربه، و كذلك القول فى النكاح و التسرى، فانهما طريقان مهيعان الى قضاء الوطر، و السفاح طريق واحد و الطريقان اكثر من الطريق الواحد.

فان قلت: فكيف قال: (ان الذى امرتم به) فسمى المباح مامورا به؟ قلت سمى كثير من الاصوليين المباح مامورا به، و ذلك لاشتراكه مع المامور به فى انه
لاحرج فى فعله، فاطلق عليه اسمه.

و ايضا فانه لما كان كثير من الامور التى عددناها مندوبا اطلق عليه لفظ الامر، لان المندوب مامور به، و ذلك كالنكاح و التسرى و اكل اللحوم، التى هى سبب قوه البدن، و شرب ما يصلح المزاج من الاشربه التى لاحرج فى استعمالها.

و قال بعض العقلاء لبنيه: يا بنى، انه ليس كل شى ء من اللذه ناله اهل الخساره بخسارتهم الا ناله اهل المروءه و الصيانه بمروءتهم و صيانتهم، فاستتروا بستر الله و دخل انسان على على بن موسى الرضا (ع)، و عليه ثياب مرتفعه القيمه، فقال: يابن رسول الله، اتلبس مثل هذا؟ فقال له: من حرم زينه الله التى اخرج لعباده و الطيبات من الرزق! ثم امر بالعمل و العباده، و نهى عن الحرص على طلب الرزق، فقال: انكم امرتم بالاول و ضمن لكم الثانى، فلا تجعلوا المضمون حصوله لكم هو المخصوص بالحرص و الاجتهاد، بل ينبغى ان يكون الحرص و الاجتهاد فيما امرتم بعمله و هو العباده و قد يتوهم قوم انه ارتفع (طلبه) ب (المضنون)، كقولك: المضروب اخوه، و هذا غلط لانه لم يضمن طلبه، و انما ضمن حصوله، و لكنه ارتفع، لانه مبتدا و خبره اولى، و هذا المبتدا و الخبر فى موضع نصب، لانه خبر (يكونن) او ارتفع لانه بدل من (المضنون)، و
هذا احسن و اولى من الوجه الاول، و هو بدل الاشتمال.

ثم ذكر ان رجعه العمر غير مرجوه، و رجعه الرزق مرجوه، اوضح ذلك بان الانسان قد يذهب منه اليوم درهم فيستعيضه، اى يكتسب عوضه فى الغد دينارا، و اما (امس) نفسه فمستحيل ان يعود و لا مثله، لان الغد و بعد الغد محسوب من عمره، و ليس عوضا من الامس الذاهب.

و هذا الكلام يقتضى ان العمر مقدور، و ان المكاسب و الارزاق انما هى بالاجتهاد، و ليست محصوره مقدره، و هذا يناقض فى الظاهر ما تقدم من قوله: (ان الرزق مضمون فلاتحرصوا عليه)، فاحتاج الكلام الى تاويل، و هو ان العمر هو الظرف الذى يوقع المكلف فيه الاعمال الموجبه له السعاده العظمى، المخلصه له من الشقاوه العظمى، و ليس له ظرف يوقعها فيه الا هو خاصه، فكل جزء منه اذا فات من غير عمل لما بعد الموت، فقد فات على الانسان بفواته ما لاسبيل له الى استدراكه بعينه و لا اغترام مثله، لان المثل الذى له انما هو زمان آخر، و ليس ذلك فى مقدور الانسان، و الزمان المستقبل الذى يعيش فيه الانسان لم يكتسبه هو لينسب اليه، فيقال: انه حصله عوضا مما انقضى و ذهب من عمره، و انما هو فعل غيره، و مع ذلك فهو معد و مهيا لافعال من العباده توقع فيه، كما كان الجزء الماض
ى معدا لافعال توقع فيه، فليس احدهما عوضا عن الاخر و لا قائما مقامه، و اما المنافع الدنيويه كالماكل و المشارب و الاموال، فان الانسان اذا فاته شى ء منها قدر على ارتجاعه بعينه، ان كانت عينه باقيه، و ما لاتبقى عينه يقدر على اكتساب مثله، و الرزق و ان كان مضمونا من الله الا ان للحركه فيه نصيبا، اما ان يكون شرطا او ان يكون هو بذاته من اثر قدره الانسان، كحركته و اعتماده و سائر افعاله، و يكون الامر بالتوكل و النهى عن الاجتهاد فى طلب الرزق على هذا القول، انما هو نهى عن الحرص و الجشع و التهالك فى الطلب، فان ذلك قبيح يدل على دناءه الهمه و سقوطها.

ثم هذه الاغراض الدنيويه اذا حصلت امثالها بعد ذهابها قامت مقام الذاهب، لان الامر الذى يراد الذاهب له يمكن حصوله بهذا المكتسب، و ليس كذلك الزمان الذاهب من العمر، لان العبادات و الاعمال التى كان امس متعينا لها، لايمكن حصولها اليوم، على حد حصولها امس، فافترق البابان: باب الاعمال، و باب الارزاق.

و قوله: (الرجاء مع الجائى، و الياس مع الماضى)، كلام يجرى مجرى المثل، و هو تاكيد للمعنى الاول، و جعل الجائى مرجوا لانه لايعلم غيبه، قال الشاعر: ما مضى فات و المقدر غيب و لك الساعه التى انت
فيها و قوله: (حق تقاته)، اى حق تقيته، اى خوفه، اتقى يتقى تقيه و تقاه، و وزنها (فعله) و اصلها الياء، و مثلها اتخم تخمه: و اتهم تهمه.

/ 614