خطبه 078-پاسخ اخترشناس - شرح نهج البلاغه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شرح نهج البلاغه - نسخه متنی

ابن ابی الحدید معتزلی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

خطبه 078-پاسخ اخترشناس

الشرح:

حاق به الضر، اى احاط به، قال تعالى: (و لايحيق المكر السيى ء الا باهله).

و يوليك الحمد، مضارع (اولاك)، و اولاك معدى بالهمزه من (ولى)، يقال: ولى الشى ء ولايه و اوليته ذلك، اى جعلته واليا له و متسلطا عليه.

و الكاهن: واحد الكهان و هم الذين كانوا يخبرون عن الشياطين بكثير من الغائبات.

(القول فى احكام النجوم) و اعلم ان الناس قد اختلفوا فى احكام النجوم، فانكرها جمهور المسلمين و المحققون من الحكماء، و نحن نتكلم هاهنا فى ذلك و نبحث فيه بحثين: بحثا كلاميا، و بحثا حكميا.

اما البحث الكلامى، هو ان يقال: اما ان يذهب المنجمون الى ان النجوم موثره، او امارات.

و الوجه الاول ينقسم قسمين: احدهما ان يقال: انها تفعل بالاختيار، و الثانى ان تفعل بالايجاب.

و القول بانها تفعل بالاختيار باطل، لان المختار لابد ان يكون قادرا حيا، و الاجماع من المسلمين حاصل على ان الكواكب ليست حيه و لا قادره، و الاجماع حجه، و قد بين المتكلمون ايضا ان من شرط الحياه الرطوبه، و ان تكون الحراره على قدر مخصوص، متى افرط امتنع حلول الحياه فى ذلك الجسم، فان النار على صرافتها يستحيل ان تكون حيه، و ان تحلها الحياه لعدم الرطوبه و افراط الح
راره فيها و اليبس، و الشمس اشد حراره من النار، لانها على بعدها توثره النار على قربها، و ذلك دليل على ان حرارتها اضعاف حراره النار، و بينوا ايضا انها لو كانت حيه قادره لم يجز ان تفعل فى غيرها ابتداء، لان القادر بقدره لايصح منه الاختراع، و انما يفعل فى غيره على سبيل التوليد، و لابد من وصله بين الفاعل و المفعول فيه، و الكواكب غير مماسه لنا، فلا وصله بينها و بيننا، فيستحيل ان تكون فاعله فينا.

فان ادعى مدع ان الوصله هى الهواء، فعن ذلك اجوبه: احدها: ان الهواء لايجوز ان يكون وصله و آله فى الحركات الشديده و حمل الاثقال، لا سيما اذا لم يتموج.

و الثانى: انه كان يجب ان نحس بذلك، و نعلم ان الهواء يحركنا و يصرفنا، كما نعلم فى الجسم اذا حركنا و صرفنا باله موضع تحريكه لنا بتلك الاله.

و الثالث: ان فى الافعال الحادثه فينا ما لايجوز ان يفعل باله، و لايتولد عن سبب، كالارادات و الاعتقادات و نحوها.

و قد دلل اصحابنا ايضا على ابطال كون الكواكب فاعله للافعال فينا، بان ذلك يقتضى سقوط الامر و النهى، و المدح و الذم، و يلزمهم ما يلزم المجبره، و هذا الوجه يبطل كون الكواكب فاعله فينا بالايجاب، كما يبطل كونها فاعله بالاختيار.

و اما القول
بانها امارات على ما يحدث و يتجدد، فيمكن ان ينصر بان يقال: لم لايجوز ان يكون الله تعالى اجرى العاده، بان يفعل افعالا مخصوصه عند طلوع كوكب او غروبه او اتصاله بكوكب آخر.

و الكلام على ذلك بان يقال: هذا غير ممتنع لو ثبت سمع مقطوع به يقتضى ذلك، فان هذا مما لايعلم بالعقل.

فان قالوا: نعلم بالتجربه.

قيل لهم: التجربه انما تكون حجه اذا استمرت و اطردت، و انتم خطوكم فيما تحكمون به اكثر من صوابكم، فهلا نسبتم الصواب الذى يقع منكم الى الاتفاق و التخمين! فقد راينا من اصحاب الزرق و التخمين من يصيب اكثر مما يصيب المنجم، و هو من غير اصل صحيح و لا قاعده معتمده و متى قلتم: انما اخطا المنجم لغلطه فى تسيير الكواكب، قيل لكم: و لم لايكون سبب الاصابه اتفاقا! و انما يصح لكم هذا التاويل و التخريج لو كان على صحه احكام النجوم دليل قاطع، هو غير اصابه المنجم.

فاما اذا كان دليل صحه الاحكام الاصابه، فهلا كان دليل فسادها الخطاء، فما احدهما الا فى مقابله صاحبه! و مما قيل على اصحاب الاحكام، ان قيل لهم فى شى ء بعينه: خذوا الطالع و احكموا، ايوخذ ام يترك؟ فان حكموا باحدهما خولفوا، و فعل خلاف ما اخبروا به، و هذه المساله قد اعضل عليهم جوابها.

و قال ب
عض المتكلمين لبعض المنجمين: اخبرنى، لو فرضنا جاده مسلوكه، و طريقا يمشى فيها الناس نهارا و ليلا، و فى تلك المحجه آبار متقاربه، و بين بعضها و بعض طريق يحتاج سالكه الى تامل و توقف، حتى يتخلص من السقوط فى بعض تلك الابار، هل يجوز ان تكون سلامه من يمشى بهذا الطريق من العميان كسلامه من يمشى فيه من البصراء، و المفروض ان الطريق لايخلو طرفه عين من مشاه فيها عميان و مبصرون؟ و هل يجوز ان يكون عطب البصراء مقاربا لعطب العميان؟ فقال المنجم: هذا مما لايجوز، بل الواجب ان تكون سلامه البصراء اكثر من سلامه العميان.

فقال المتكلم: فقد بطل قولكم، لان مسالتنا نظير هذه الصوره، فان مثال البصراء هم الذين يعرفون احكام النجوم، و يميزون مساعدها من مناحسها، و يتوقون بهذه المعرفه مضار الوقت و الحركات و يتخطونها، و يعتمدون منافعها و يقصدونها و مثال العميان كل من لايحسن علم النجوم، و لايقولون به من اهل العلم و العامه، و هم اضعاف اضعاف عدد المنجمين.

و مثال الطريق الذى فيه الابار، الزمان الذى مضى و مر على الخلق اجمعين، و مثال آباره مصائبه و محنه.

و قد كان يجب- لو صح علم احكام النجوم- ان سلامه المنجمين اكثر، و مصائبهم اقل: لانهم يتوقون المحن و
يتخطونها لعلمهم بها قبل كونها، و ان تكون محن المعرضين عن علم احكام النجوم على كثرتهم اوفر و اظهر، حتى تكون سلامه كل واحد منهم هى الطريقه الغريبه، و المعلوم خلاف ذلك، فان السلامه و المحن فى الجميع متقاربه متناسبه غير متفاوته.

و اما البحث الحكمى فى هذا الموضع، فهو ان الحادث فى عالم العناصر عند حلول الكوكب المخصوص فى البرج المخصوص، اما ان يكون المقتضى له مجرد ذلك الكوكب او مجرد ذلك البرج، او حلول ذلك الكوكب فى ذلك البرج.

فالاولان باطلان، و الا لوجب ان يحدث ذلك الامر قبل ان يحدث، و الثالث باطل ايضا، لانه اما ان يكون ذلك البرج مساويا لغيره من البروج فى الماهيه، او مخالفا.

و الاول يقتضى حدوث ذلك الحادث حال ما كان ذلك الكوكب حالا فى غيره من البروج، لان حكم الشى ء حكم مثله، و الثانى يقتضى كون كره البروج متخالفه الاجزاء فى انفسها، و يلزم فى ذلك كونها مركبه، و قد قامت الدلاله على انه لا شى ء من الافلاك بمركب.

و قد اعترض على هذا الدليل بوجهين: احدهما: انه لم لايجوز ان تختلف افعال الكواكب المتحيره عند حلولها فى البروج، لا لاختلاف البروج فى نفسها، بل لاختلاف ما فى تلك البروج من الكواكب الثابته المختلفه الطبائع! الوجه الثا
نى: لم لايجوز ان يقال: الفلك التاسع مكوكب بكواكب صغار لانراها لغايه بعدها عنا، فاذا تحركت فى كرات تداويرها سامتت مواضع مخصوصه من كره الكواكب الثابته، و هى فلك البروج، فاختلفت آثار الكواكب المتحيره عند حلولها فى البروج، باعتبار اختلاف تلك الكواكب الصغيره؟ و لم لايجوز اثبات كره بين الكره الثامنه، و بين الفلك الاطلس المدبر لجميع الافلاك من المشرق الى المغرب، و تكون تلك الكره المتوسطه بينهما بطيئه الحركه بحيث لاتفى اعمارنا بالوقوف على حركتها، و هى مكوكبه بتلك الكواكب الصغار المختلفه الطبائع! و اجيب عن الاول، بانه لو كان الامر كما ذكر، لوجب ان تختلف بيوت الكواكب و اشرافها و حدودها عند حركه الثوابت بحركه فلكها، حتى انها تتقدم على مواضعها فى كل مائه سنه على راى المتقدمين، او فى كل ست و ستين سنه على راى المتاخرين درجه واحده، لكن ليس الامر كذلك، فان شرف القمر، كما انه فى زماننا فى درجه الثالثه من الثور، فكذلك كان عند الذين كانوا قبلنا بالف سنه و بالفى سنه.

و اما الوجه الثانى فلا جواب عنه.

و اعلم ان الفلاسفه قد عولت فى ابطال القول باحكام النجوم على وجه واحد، و هو ان مبنى هذا العلم على التجربه، و لم توجد التجربه فيما ي
دعيه ارباب علم النجوم، فان هاهنا امورا لاتتكرر الا فى الاعمار المتطاوله مثل الادوار و الالوف التى زعم ابومعشر انها هى الاصل فى هذا العلم، و مثل مماسه جرم زحل للكره المكوكبه، و مثل انطباق معدل النهار على دائره فلك البروج، فانهم يزعمون ان ذلك يقتضى حدوث طوفان الماء و احاطته بالارض من جميع الجوانب، مع ان هذه الامور لاتوجد الا فى الوف الالوف من السنين، فكيف تصح امثال هذه الامور بالتجربه! و ايضا، فانا اذا راينا حادثا حدث عند حلول كوكب مخصوص فى برج مخصوص فكيف نعلم استناد حدوثه الى ذلك الحلول! فان فى الفلك كواكب لاتحصى، فما الذى خصص حدوث ذلك الحدوث بحلول ذلك الكوكب فى ذلك البرج لا غيره! و بتقدير ان يكون لحلوله تاثير فى ذلك، فلا يمكن الجزم قبل حلوله بانه اذا حل فى البرج المذكور لابد ان يحدث ذلك الحادث، لجواز ان يوجد ما يبطل تاثيره، نحو ان يحل كوكب آخر فى برج آخر، فيدفع تاثيره، و يبطل عمله، او لعل الماده الارضيه لاتكون مستعده لقبول تلك الصوره، و حدوث الحادث، كما يتوقف على حصول الفاعل يتوقف على حصول القابل، و اذا وقع الشك فى هذه الامور بطل القول بالجزم بعلم احكام النجوم، و هذه الحجه جيده ان كان المنجمون يطلبون القطع ف
ى علمهم.

فاما ان كانوا يطلبون الظن فان هذه الحجه لاتفسد قولهم.

فاما ابوالبركات بن ملكا البغدادى صاحب كتاب "المعتبر" فانه ابطل احكام النجوم من وجه و اثبته من وجه.

قال: اما من يريد تطبيق علم احكام النجوم على قاعده العلم الطبيعى فانه لا سبيل له الى ذلك، فانا لانتعلق من اقوالهم الا باحكام يحكمون بها من غير دليل، نحو القول بحر الكواكب و بردها او رطوبتها، و يبوستها و اعتدالها، كقولهم: ان زحل بارد يابس، و المشترى معتدل، و الاعتدال خير و الافراط شر، و ينتجون من ذلك ان الخير يوجب سعاده، و الشر يوجب منحسه، و ما جانس ذلك مما لم يقل به علماء الطبيعيين و لم تنتجه مقدماتهم فى انظارهم، و انما الذى انتجته هو ان الاجرام السماويه فعاله فيما تحويه و تشتمل عليه و تتحرك حوله فعلا على الاطلاق غير محدود بوقت، و لا مقدر بتقدير، و القائلون بالاحكام ادعوا حصول علمهم بذلك، من توقيف و تجربه لايطابق نظر الطبيعى.

و اذا قلت بقول الطبيعى بحسب انظاره ان المشترى سعد، و المريخ نحس، او ان زحل بارد يابس، و المريخ حار يابس، و الحار و البارد من الملموسات، و ما دل على هذا المس و ما استدل عليه بلمس كتاثيره فيما يلمسه، فان ذلك لم يظهر للحس فى غير ال
شمس، حيث تسخن الارض بشعاعها، و لو كان فى السمائيات شى ء من طبائع الاضداد، لكان الاولى ان تكون كلها حاره، لان كواكبها كلها منيره.

و متى يقول الطبيعى بتقطيع الفلك و تقسيمه الى اجزاء، كما قسمه المنجمون قسمه وهميه الى بروج و درج و دقائق، و ذلك جائز للمتوهم، كجواز غيره، و ليس بواجب فى الوجود و لا حاصل، فنقلوا ذلك التوهم الجائز الى الوجود الواجب فى احكامهم، و كان الاصل فيه على زعمهم حركه الشمس و الايام و الشهور، فحصلوا منها قسمه وهميه، و جعلوها كالحاصله الوجوديه المثمره بحدود و خطوط، كان الشمس بحركتها من وقت الى مثله خطت فى السماء خطوطا، و اقامت فيها جدرا او حدودا، او غيرت فى اجزائها طباعا تغييرا يبقى، فيتقى به القسمه الى تلك الدرج و الدقائق، مع جواز الشمس عنها، و ليس فى جوهر الفلك اختلاف يتميز به موضع عن موضع سوى الكواكب، و الكواكب تتحرك عن امكنها، فبقيت الامكنه على التشابه، فبماذا تتميز بروجه و درجه، و يبقى اختلافها بعد حركه المتحرك فى سمتها؟ و كيف يقيس الطبيعى على هذه الاصول، و ينتج منها نتائج و يحكم بحسبها احكاما؟ و كيف له ان يقول بالحدود و يجعل خمس درجات من برج الكوكب و ستا لاخر، و اربعا لاخر، و يختلف فيها الب
ابليون و المصريون، و جعلوا ارباب البيوت كانها ملاك، و البيوت كانها املاك تثبت لاربابها بصكوك و احكام الاسد للشمس و السرطان للقمر! و اذا نظر الناظر وجد الاسد اسدا من جهه كواكب شكلوها بشكل الاسد، ثم انقلبت عن مواضعها و بقى الموضع اسدا و جعلوا الاسد للشمس.

و قد ذهبت منه الكواكب التى كان بها اسدا كان ذلك الملك بيت للشمس، مع انتقال الساكن و كذلك السرطان للقمر.

و من الدقائق فى العلم النجومى الدرجات المداره و الغريبه و المظلمه و النيره و الزائده فى السعاده و درجات الاثار، من جهه انها اجزاء الفلك، ان قطعوها و ما انقطعت، و مع انتقال ما ينتقل من الكواكب اليها و عنها، ثم انتجوا من ذلك نتائج انظارهم، من اعداد الدرج و اقسام الفلك، فقالوا: ان الكوكب ينظر الى الكواكب من ستين درجه نظر تسديس لانه سدس من الفلك، و لاينظر اليه من خمسين و لا من سبعين، و قد كان قبل الستين بعشر درج، و هو اقرب من ستين، و بعدها بعشر درج، و هو ابعد من ستين لاينظر.

فليت شعرى ما هذا النظر! اترى الكواكب تظهر للكوكب ثم تحتجب عنه، ثم شعاعه يختلط بشعاعه عند حد لايختلط به قبله و لا بعده! و كذلك التربيع، من الربع الذى هو تسعون درجه، و التثليث، من الثلث الذى
هو مائه و عشرون درجه، فلم لايكون التخميس و التسبيع و التعشير على هذا القياس! ثم يقولون: الحمل حار يابس نارى، و الثور بارد يابس ارضى، و الجوزاء حار رطب هوائى، و السرطان بارد رطب مائى! ما قال الطبيعى هذا قط، و لايقول به.

و اذا احتجوا و قاسوا كانت مبادى ء قياساتهم الحمل برج ينقلب، لان الشمس اذا نزلت فيه ينقلب الزمان من الشتاء الى الربيع، و الثور برج ثابت، لان الشمس اذا نزلت فيه ثبت الربيع على ربيعيته.

و الحق انه لاينقلب الحمل و لايثبت الثور، بل هما على حالهما فى كل وقت.

ثم كيف يبقى دهره منقلبا مع خروج الشمس منه و حلولها فيه! اتراها تخلف فيه اثرا او تحيل منه طباعا، و تبقى تلك الاستحاله الى ان تعود فتجددها! و لم لايقول قائل: ان السرطان حار يابس، لان الشمس اذا نزلت فيه يشتد حر الزمان، و ما يجانس هذا مما لايلزم، لا هو و لا ضده، فليس فى الفلك اختلاف يعرفه الطبيعى، الا بما فيه من الكواكب، و هو فى نفسه واحد متشابه الجوهر و الطبع، و لكنها اقوال قال بها قائل فقبلها قائل، و نقلها ناقل، فحسن فيها ظن السامع، و اغتر بها من لا خبره له و لا قدره له على النظر.

ثم حكم بها الحاكمون بجيد و ردى ء، و سلب و ايجاب، و بت و تجوز، فصادف
بعضه موافقه الوجود فصدق، فيعتبر به المعتبرون، و لم يلتفتوا الى ما كذب منه فيكذبوه، بل عذروا و قالوا: انما هو منجم، و ليس بنبى حتى يصدق فى كل ما يقول، و اعتذروا له بان العلم اوسع من ان يحيط به احد، و لو احاط به احد لصدق فى كل شى ء! و لعمر الله انه لو احاط به علما صادقا لصدق، و الشان فى ان يحيط به على الحقيقه، لا ان يفرض فرضا، و يتوهم وهما، فينقله الى الوجود و ينسب اليه، و يقيس عليه.

قال: و الذى يصح من هذا العلم و يلتفت اليه العقلاء، هى اشياء غير هذه الخرافات التى لا اصل لها، فما حصل توقيف او تجربه حقيقه كالقرانات و المقابله، فانها ايضا من جمله الاتصالات، كالمقارنه من جهه ان تلك غايه القرب، و هذه غايه البعد، و نحو ممر كوكب من المتحيره، تحت كوكب من الثابته، و نحوه ما يعرض للمتحيره من رجوع و استقامه و ارتفاع فى شمال، و انخفاض فى جنوب، و امثال ذلك.

فهذا كلام ابن ملكا كما تراه يبطل هذا الفن من وجه، و يقول به من وجه.

و قد وقفت لابى جعفر محمد بن الحسين الصنعانى المعروف بالخازن، صاحب كتاب "زيج الصفائح" على كلام فى هذا الباب مختصر له سماه "كتاب العالمين" انا ذاكره فى هذا الموضع على وجهه.

لانه كلام لاباس به، قال: ان بعض
المصدقين باحكام النجوم و كل المكذبين بها، قد زاغوا عن طريق الحق و الصواب فيها.

فان الكثير من المصدقين بها قد ادخلوا فيها ما ليس منها، و ادعوا ما لم يمكن ادراكه بها، حتى كثر فيها خطوهم، و ظهر كذبهم، و صار ذلك سببا لتكذيب اكثر الناس بهذا العلم.

فاما المكذبون به فقد بلغوا من انكار صحيحه و رد ظاهره الى ان قالوا: انه لايصح منه شى ء اصلا، و نسبوا اهله الى الرزق و الاحتيال و الخداع و التمويه، فلذلك راينا ان نبتدى ء بتبيين صحه هذه الصناعه، ليظهر فساد قول المكذبين لها باسرها، ثم نبين ما يمكن ادراكه بها ليبطل دعوى المدعين فيها ما يمتنع وجوده بها.

اما الوجوه التى بها تصح صناعه الاحكام فهى كثيره، منها ما يظهر لجميع الناس من قبل الشمس، فان حدوث الصيف و الشتاء و ما يعرض فيهما من الحر و البرد و الامطار و الرياح و نبات الارض، و خروج وقت الاشجار و حملها الثمار، و حركه الحيوان الى النسل و التوالد و غير ذلك، مما يشاكله من الاحوال، انما يكون اكثر ذلك بحسب دنو الشمس من سمت الرووس فى ناحيه الشمال، و تباعدها منه الى ناحيه الجنوب، و بفضل قوه الشمس على قوه القمر، و قوى سائر الكواكب ظهر ما قلنا لجميع الناس.

و قد ظهر لهم ايضا من قبل ا
لشمس فى تغيير الهواء كل يوم، عند طلوعها، و عند توسطها السماء، و عند غروبها ما لاخفاء به من الاثار.

و من هذه الوجوه ما يظهر للفلاحين و الملاحين بادنى تفقد للاشياء التى تحدث.

فانهم يعلمون اشياء كثيره من الاثار التى يوثرها القمر و انوار الكواكب الثابته، كالمد و الجزر، و حركات الرياح و الامطار و اوقاتها عند الحدوث، و ما يوافق من اوقات الزراعات و ما لايوافق، و اوقات اللقاح و النتاج.

و قد يظهر من آثار القمر فى الحيوان الذى يتوالد فى الماء و الرطوبات ما هو مشهور لاينكر.

و منها جهات اخرى يعرفها المنجمون فقط على حسب فضل علمهم، و دقه نظرهم فى هذا العلم.

و اذ قد وصفنا على سبيل الاجمال ما يوجب حقيقه هذا العلم، فانا نصف ما يمكن ادراكه به او لايمكن، فنقول: لما كانت تغيرات الهواء، انما تحدث بحسب احوال الشمس و القمر و الكواكب المتحيره و الثابته، صارت معرفه هذه التغيرات قد تدرك من النجوم مع سائر ما يتبعها من الرياح و السحاب و الامطار و الثلج و البرد و الرعد و البرق، لان الاشياء التى تلى الارض و تصل اليها هذه الاثار من الهواء المحيط بها، كانت الاعراض العاميه التى تعرض فى هذه الاشياء تابعه لتلك الاثار، مثل كثره مياه الانهار و
قلتها، و كثره الثمار و قلتها و كثره خصب الحيوان و قلته، و الجدوبه و القحط، و الوباء و الامراض التى تحدث فى الاجناس و الانواع، او فى جنس دون جنس، او فى نوع دون نوع، و سائر ما يشاكل ذلك من الاحداث.

و لما كانت اخلاق النفس تابعه لمزاج البدن، و كانت الاحداث التى ذكرناها مغيره لمزاج البدن، صارت ايضا مغيره للاخلاق، و لان المزاج الاول الاصلى هو الغالب على الانسان فى الامر الاكثر، و كان المزاج الاصلى هو الذى طبع عليه الانسان فى وقت كونه فى الرحم، و فى وقت مولده و خروجه الى جو العالم- صار وقت الكون و وقت المولد ادل الاشياء على مزاج الانسان، و على احواله التابعه للمزاج، مثل خلقه البدن، و خلق النفس و المرض و الصحه، و سائر ما يتبع ذلك، فهذه الاشياء و ما يشبهها من الامور التى لاتشارك شيئا من الافعال الاراديه فيه مما يمكن معرفته بالنجوم، و اما الاشياء التى تشارك الامور الاراديه بعض المشاركه، فقد يمكن ان يصدق فيها هذا العلم على الامر الاكثر، و اذا لم يستعمل فيه الاراده جرى على ما تقود اليه الطبيعه.

على انه قد يعرض الخطاء و الغلط لاصحاب هذه الصناعه من اسباب كثيره، بعضها يختص بهذه الصناعه دون غيرها، و بعضها يعمها و غيرها من ال
صنائع.

فاما ما يعم فهو من قصور طبيعه الناس فى معرفه الصنائع ايا كانت عن بلوغ الغايه فيها، حتى لايبقى وراءها غايه اخرى، فكثره الخطا و قلته على حسب تقصير واحد واحد من الناس.

و اما ما يخص هذه الصناعه فهو كثير ما يحتاج صاحبها الى معرفته، مما لايمكنه ان يعلم كثيرا منه الا بالحدس و التخمين، فضلا عن لطف الاستنباط و حسن القياس، و مما يحتاج الى معرفه علم احوال الفلك، و مما يحدث فى كل واحد من تلك الاحوال، فان كل واحد منها له فعل خاص، ثم يولف تلك الاحوال بعضها مع بعض على كثره فنونها و اختلافاتها، ليحصل من جميع ذلك قوه واحده، و فعل واحد، يكون عنه الحادث فى هذا العالم، و ذلك امر عسير، فمتى اغفل من ذلك شى ء كان الخطا الواقع بحسب الشى ء الذى سها عنه و ترك استعماله.

ثم من بعد تحصيل ما وصفناه ينبغى ان يعلم الحال التى عليها يوافى فى تلك القوه الواحده الاشياء التى تعرض فيها تلك الاحداث، كانه مثلا اذا دل ما فى الفلك على حدوث حر، و كانت الاشياء التى يعرض فيها ما يعرض قد مر بها قبل ذلك حر، فحميت و سخنت اثر ذلك فيها اثرا قويا، فان كان قد مر بها برد قبل ذلك، اثر ذلك فيها اثرا ضعيفا، و هذا شى ء يحتاج اليه فى جميع الاحداث التى تعمل ف
ى غيرها مما يناسب هذه المعرفه.

و اما الاحداث التى تخص ناحيه ناحيه، او قوما قوما، او جنسا جنسا، او مولودا واحدا من الناس، فيحتاج مع معرفتها الى ان يعلم ايضا احوال البلاد و العادات، و الاغذيه و الاوباء و سائر ما يشبه ذلك، مما له فيه اثر و شركه، مثل ما يفعل الطبيب فى المعالجه، و فى تقدمه المعرفه، ثم من بعد تحصيل هذه الاشياء كلها ينبغى ان ينظر فى الامر الذى قد استدل على حدوثه، هل هو مما يمكن ان يرد او يتلافى بما يبطله او بغيره من جهه الطب و الحيل ام لا؟ كانه مثلا استدل على انه يصيب هذا الانسان حراره يحم منها، فينبغى ان يحكم بانه يحم ان لم يتلاف تلك الحراره بالتبريد، فانه اذا فعل ذلك انزل الامور منازلها، و اجراها مجاريها.

ثم ان كان الحادث قويا لايمكن دفعه ببعض ما ذكرنا، فليس يلزم الحاجه الى ما قلنا، فان الامر يحدث لا محاله، و ما قوى و شمل الناس فانه لايمكن دفعه و لا فسخه، و ان امكن فانما يمكن فى بعض الناس دون بعض.

و اما اكثرهم فانه يجرى امره على ما قد شمل و عم، فقد يعم الناس حر الصيف، و ان كان بعضهم يحتال فى صرفه بالاشياء التى تبرد و تنفى الحر.

فهذه جمله ما ينبغى ان يعلم و يعمل عليه امور هذه الصناعه.

قلت: هذا اعت
راف بان جميع الاحداث المتعلقه باختيار الانسان و غيره من الحيوان لا مدخل لعلم احكام النجوم فيه، فعلى هذا لايصح قول من يقول منهم لزيد مثلا: انك تتزوج او تشترى فرسا، او تقتل عدوا او تسافر الى بلد و نحو ذلك، و هو اكثر ما يقولونه و يحكمون به.

و اما الامور الكليه الحادثه لا باراده الحيوان و اختياره، فقد يكون لكلامهم فيه وجه من الطريق التى ذكرها، و هى تعلق كثير من الاحداث بحركه الشمس و القمر، الا ان المعلوم ضروره من دين رسول الله (ص) ابطال حكم النجوم و تحريم الاعتقاد بها و النهى و الزجر عن تصديق المنجمين، و هذا معنى قول اميرالمومنين فى هذا الفصل: (فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن و استغنى عن الاستعانه بالله).

ثم اردف ذلك و اكده بقوله: كان يجب ان يحمد المنجم دون البارى تعالى، لان المنجم هو الذى هدى الانسان الى الساعه التى ينجح فيها، و صده عن الساعه الى يخفق و يكدى فيها فهو المحسن اليه اذا، و المحسن يستحق الحمد و الشكر، و ليس للبارى ء سبحانه الى الانسان فى هذا الاحسان المخصوص، فوجب الا يستحق الحمد على ظفر الانسان بطلبه، لكن القول بذلك و التزامه كفر محض.

/ 614