حکمت 066
الشرح:
قد اعجم تفسير هذه الكلمه على جماعه من الناس، و قالوا: المشهور فى كلام الحكماء: اذا لم يكن ما تريد فارد ما يكون، و لا معنى لقوله: (فلا تبل كيف كنت)! و جهلوا مراده (ع).و مراده: اذا لم يكن ما تريد فلا تبل بذلك، اى لاتكترث بفوت مرادك و لاتبتئس بالحرمان، و لو وقف على هذا لتم الكلام و كمل المعنى، و صار هذا مثل قوله: (فلا تكثر على ما فاتك منها اسفا)، و مثل قول الله تعالى: (لكيلا تاسوا على ما فاتكم)، لكنه تمم و اكد فقال: (كيف كنت)، اى لاتبل بفوت ما كنت املته، و لاتحمل لذلك هما كيف كنت، و على اى حال كنت، من حبس او مرض او فقر او فقد حبيب، و على الجمله، لاتبال الدهر، و لاتكترث بما يعكس عليك من غرضك، و يحرمك من املك، و ليكن هذا الاهوان به و الاحتقار له مما تعتمده دائما على اى حال افضى بك الدهر اليها.و هذا واضح.حکمت 067
الشرح:
العداله هى الخلق المتوسط، و هو محمود بين مذمومين، فالشجاعه محفوفه بالتهور و الجبن، و الذكاء بالغباوه و الجربزه، و الجود بالشح و التبذير، و الحلم بالجماديه و الاستشاطه، و على هذا كل ضدين من الاخلاق فبينهما خلق متوسط، و هو المسمى بالعداله، فلذلك لايرى الجاهل الا مفرطا او مفرطا، كصاحب الغيره، فهو اما ان يفرط فيها، فيخرج عن القانون الصحيح فيغار لا من موجب، بل بالوهم و بالخيال و بالوسواس، و اما ان يفرط فلا يبحث عن حال نسائه و لايبالى ما صنعن، و كلا الامرين مذموم، و المحمود الاعتدال.و من كلام بعض الحكماء: اذا صح العقل التحم بالادب كالتحام الطعام بالجسد الصحيح، و اذا مرض العقل نبا عنه ما يستمع من الادب كما يقى ء الممعود ما اكل من الطعام، فلو آثر الجاهل ان يتعلم شيئا من الادب لتحول ذلك الادب جهلا، كما يتحول ما خالط جوف المريض من طيب الطعام داء.حکمت 068
الشرح:
قد سبق القول فى هذا المعنى.و كان يقال: اذا رايتم الرجل يطيل الصمت و يهرب من الناس، فاقربوا منه فانه يلقى الحكمه.حکمت 069
الشرح:
قد سبق لنا قول طويل عريض فى ذكر الدهر و الدنيا، و نذكر الان شيئا آخر، قال بعض الحكماء: الدنيا تسر لتغر، و تفيد لتكيد، كم راقد فى ظلها قد ايقظته، و واثق بها قد خذلته، بهذا الخلق عرفت، و على هذا الشرط صوحبت.و كتب الاسكندر الى ارسطوطاليس: عظنى، فكتب اليه: اذا صفت لك السلامه فجدد ذكر العطب، و اذا اطمان بك الامن فاستشعر الخوف، و اذا بلغت نهايه الامل فاذكر الموت، و اذا احببت نفسك فلا تجعل لها نصيبا فى الاسائه، و قال شاعر فاحسن: كانك لم تسمع باخبار من مضى و لم تر بالباقين ما صنع الدهر فان كنت لاتدرى فتلك ديارهم عفاها محال الريح بعدك و القطر و هل ابصرت عيناك حيا بمنزل على الدهر الا بالعراء له قبر فلا تحسبن الوفر مالا جمعته و لكن ما قدمت من صالح وفر مضى جامعوا الاموال لم يتزودوا سوى الفقر يا بوسى لمن زاده الفقر! فحتام لاتصحو و قد قرب المدى و حتام لاينجاب عن قلبك السكر! بلى سوف تصحو حين ينكشف الغطا و تذكر قولى حين لاينفع الذكر و ما بين ميلاد الفتى و وفاته اذا انتصح الاقوام انفسهم عمر لان الذى ياتيه شبه الذى مضى و ما هو الا وقتك الضيق النزر فصبرا على الايام حتى تجوزها فعما قليل بعدها يحمد الصبر
حکمت 070
الشرح:
الفروع تابعه للاصول، فاذا كان الاصل معوجا استحال ان يكون الفرع مستقيما، كما قال صاحب المثل: (و هل يستقيم الظل و العود اعوج)، فمن نصب نفسه للناس اماما، و لم يكن قد علم نفسه ما انتصب ليعلمه الناس، كان مثل من نصب نفسه ليعلم الناس الصياغه، و النجاره، و هو لايحسن ان يصوغ خاتما، و لاينجر لوحا، و هذا نوع من السفه، بل هو السفه كله، ثم قال (ع): و ينبغى ان يكون تاديبه لهم بفعله و سيرته قبل تاديبه لهم بلسانه، و ذلك لان الفعل ادل على حال الانسان من القول.ثم قال: و معلم نفسه و مودبها احق بالاجلال من معلم الناس و مودبهم.و هذا حق، لان من علم نفسه محاسن الاخلاق اعظم قدرا ممن تعاطى تعليم الناس ذلك و هو غير عامل بشى ء منه، فاما من علم نفسه و علم الناس فهو افضل و اجل ممن اقتصر على تعليم نفسه فقط لا شبهه فى ذلك.حکمت 071
الشرح:
وجدت هذه الكلمه منسوبه الى عبدالله بن المعتز فى فصل اوله: (الناس وفد البلاء، و سكان الثرى، و انفاس الحى خطاه الى اجله، و امله خادع له عن عمله، و الدنيا اكذب واعديه، و النفس اقرب اعاديه، و الموت ناظر اليه، و منتظر فيه امرا يمضيه) فلا ادرى هل هى لابن المعتز، ام اخذها من اميرالمومنين (ع)!.و الظاهر انها لاميرالمومنين (ع)، فانها بكلامه اشبه، و لان الرضى قد رواها عنه، و خبر العدل معمول به.حکمت 072
الشرح:
الكلمه الاولى توكد مذهب جمهور المتكلمين فى ان العالم كله لابد ان ينقضى و يفنى، و لكن المتكلمين الذاهبين الى هذا القول لايقولون: يجب ان يكون فانيا و منقضيا لانه معدود، فان ذلك لايلزم، و من الجائز ان يكون معدودا و لايجب فناوه، و لهذا قال اصحابنا: انما علمنا ان العالم يفنى عن طريق السمع لا من طريق العقل، فيجب ان يحمل كلام اميرالمومنين (ع) على ما يطابق ذلك، و هو انه ليس يعنى ان العدد عله فى وجوب الانقضاء، كما يشعر به ظاهر لفظه، و هو الذى يسميه اصحاب اصول الفقه ايماء، و انما مراده كل معدود فاعلموا انه فان و منقض، فقد حكم على كل معدود بالانقضاء حكما مجردا عن العله، كما لو قيل: زيد قائم، ليس يعنى انه قائم، لانه يسمى زيدا.فاما قوله: (و كل متوقع آت) فيماثله قول العامه فى امثالها: (لو انتظرت القيامه لقامت)، و القول فى نفسه حق، لان العقلاء لاينتظرون ما يستحيل وقوعه، و انما ينتظرون ما يمكن وقوعه، و ما لابد من وقوعه، فقد صح ان كل منتظر سياتى.حکمت 073
الشرح:
روى: (اذا استبهمت)، و المعنى واحد و هو حق، و ذلك ان المقدمات تدل على النتائج، و الاسباب تدل على المسببات، و طالما كان الشيئان ليسا عله و معلولا، و انما بينهما ادنى تناسب، فيستدل بحال احدهما على حال الاخر، و اذا كان كذلك و اشتبهت امور على العاقل الفطن و لم يعلم الى ماذا تئول، فانه يستدل على عواقبها باوائلها و على خواتمها بفواتحها، كالرعيه ذات السلطان الركيك الضعيف السياسه، اذا ابتدات امور مملكته تضطرب، و استبهم على العاقل كيف يكون الحال فى المستقبل، فانه يجب عليه ان يعتبر اواخرها باوائلها، و يعلم انه سيفضى امر ذلك الملك الى انتشار و انحلال فى مستقبل الوقت، لان الحركات الاولى منذره بذلك، و واعده بوقوعه، و هذا واضح.حکمت 074
الشرح:
السدول: جمع سديل، و هو ما اسدل على الهودج، و يجوز فى جمعه ايضا اسدال و سدائل، و هو هاهنا استعاره.و التململ و التملل ايضا: عدم الاستقرار من المرض، كانه على مله، و هى الرماد الحار.و السليم: الملسوع.و يروى (تشوقت) بالقاف.و قوله: (لاحان حينك)، دعاء عليها، اى لاحضر وقتك، كما تقول: لاكنت.فاما ضرار بن ضمره، فان الرياشى روى خبره، و نقلته انا من كتاب عبدالله بن اسماعيل بن احمد الحلبى فى "التذييل على نهج البلاغه"، قال: دخل ضرار على معاويه- و كان ضرار من صحابه على (ع)- فقال له معاويه: يا ضرار، صف لى عليا، قال: او تعفينى! قال: لااعفيك، قال: ما اصف منه! كان و الله شديد القوى، بعيد المدى، يتفجر العلم من انحائه، و الحكمه من ارجائه، حسن المعاشره، سهل المباشره، خشن الماكل، قصير الملبس، غزير العبره، طويل الفكره، يقلب كفه، و يخاطب نفسه، و كان فينا كاحدنا، يجيبنا اذا سالنا، و يبتدئنا اذا سكتنا، و نحن مع تقريبه لنا اشد ما يكون صاحب لصاحب هيبه، لانبتدئه الكلام لعظمته، يحب المساكين، و يقرب اهل الدين، و اشهد لقد رايته فى بعض مواقفه... و تمام الكلام مذكور فى الكتاب.و ذكر ابوعمر بن عبدالبر فى كتاب "الاستيعاب" هذا الخبر، فقال: حدثنا عبدالله بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا يحيى بن مالك بن عائد، قال: حدثنا ابوالحسن محمد بن محمد بن مقله البغدادى بمصر.و حدثنا ابوبكر محمد بن الحسن بن دريد، قال: حدثنا العكلى، عن الحرمازى، عن رجل من همدان، قال: قال معاويه لضرار الضبابى: يا ضرار صف لى عليا، قال: اعفنى يا اميرالمومنين، قال: لتصفنه، قال: اما اذ لابد من وصفه، فكان و الله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، و يحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، و تنطق الحكمه من نواحيه، يستوحش من الدنيا و زهرتها، و يانس بالليل و وحشته، (و كان) غزير العبره، طويل الفكره، يعجبه من اللباس ما قصر، و من الطعام ما خشن كان فينا كاحدنا، يجيبنا اذا سالناه، و ينبئنا اذا استفتيناه، و نحن و الله مع تقريبه ايانا، و قربه منا، لانكاد نكلمه هيبه له.يعظم اهل الدين، و يقرب المساكين.لايطمع القوى فى باطله، و لاييئس الضعيف من عدله، و اشهد لقد رايته فى بعض مواقفه و قد ارخى الليل سدوله، و غارت نجومه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم، و يبكى بكاء الحزين، و يقول: يا دنيا غرى غيرى، ابى تعرضت! ام الى تشوقت! هيهات هيهات! قد باينتك ثلاثا لارجعه لى فيها، فعمرك قصير و خ
طرك حقير! آه من قله الزاد، و بعد السفر، و وحشه الطريق! فبكى معاويه و قال: رحم الله اباحسن، كان و الله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح ولدها فى حجرها.
حکمت 075
الشرح:
قد ذكر شيخنا ابوالحسين رحمه الله هذا الخبر فى كتاب "الغرر" و رواه عن الاصبغ بن نباته، قال: قام شيخ الى على (ع) فقال: اخبرنا عن مسيرنا الى الشام، اكان بقضاء الله و قدره؟ فقال: و الذى فلق الحبه، و برا النسمه، ما وطئنا موطئا، و لاهبطنا واديا الا بقضاء الله و قدره.فقال الشيخ! فعند الله احتسب عنائى! ما ارى لى من الاجر شيئا! فقال: مه ايها الشيخ، لقد عظم الله اجركم فى مسيركم و انتم سائرون، و فى منصرفكم و انتم منصرفون، و لم تكونوا فى شى ء من حالاتكم مكرهين، و لا اليها مضطرين.فقال الشيخ: و كيف القضاء و القدر ساقانا؟ فقال: ويحك! لعلك ظننت قضاء لازما، و قدرا حتما! لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب و العقاب، و الوعد و الوعيد، و الامر و النهى، و لم تات لائمه من الله لمذنب، و لا محمده لمحسن، و لم يكن المحسن اولى بالمدح من المسى ء، و لا المسى ء اولى بالذم من المحسن، تلك مقاله عباد الاوثان، و جنود الشيطان، و شهود الزور، و اهل العمى عن الصواب، و هم قدريه هذه الامه و مجوسها، ان الله سبحانه امر تخييرا، و نهى تحذيرا، و كلف يسيرا، و لم يعص مغلوبا، و لم يطع مكرها، و لم يرسل الرسل الى خلقه عبثا، و لم يخلق السموات و الارض و ما بينهما باطلا (ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار) فقال الشيخ: فما القضاء و القدر اللذان ما سرنا الا بهما؟ فقال: هو الامر من الله و الحكم، ثم تلا قوله سبحانه: (و قضى ربك الا تعبدوا الا اياه)، فنهض الشيخ مسرورا و هو يقول: انت الامام الذى نرجو بطاعته يوم النشور من الرحمن رضوانا اوضحت من ديننا ما كان ملتبسا جزاك ربك عنا فيه احسانا ذكر ذلك ابوالحسين فى بيان ان القضاء و القدر قد يكون بمعنى الحكم و الامر، و انه من الالفاظ المشتركه.