قوله:(استشعروا) الخشيه اى اجعلوا الخوف من الله تعالى من شعاركم، و الشعار من الثياب:ما يكون دون الدثار، و هو يلى الجلد، و هو الصق ثياب الجسد، و هذه استعاره حسنه، و المراد بذلك امرهم بملازمه الخشيه حال بمنصرم و و التقوى، كما ان الجلد يلازم الشعار.
قوله:(و تجلببوا السكينه) اى اجعلوا السكينه و الحلم و الوقار جلبابا لكم، و الجلباب الثوب المشتمل على البدن.
قوله:(و عضوا على النواجذ) جمع ناجذ، و هو اقصى الاضراس، و للانسان اربعه نواجذ فى كل شق، و النواجذ بعد الارحاء، و يسمى الناجذ ضرس الحلم، لانه ينبت بعد البلوغ و كمال العقل، و يقال:ان العاض على نواجذه ينبو السيف عن هامته نبوا ما، و هذا مما يساعد التعليل الطبيعى عليه، و ذلك انه اذا عض على نواجذه تصلبت الاعصاب و العضلات المتصله بدماغه، و زال عنها الاسترخاء، فكانت على مقاومه السيف اقدر، و كان تاثير السيف فيها اقل.
و قوله:(فانه انبى)، الضمير راجع الى المصدر الذى دل الفعل عليه، تقديره:فان العض انبى، كقولهم:من فعل خيرا كان له خيرا، اى كان فعله خيرا و انبى (افعل)، من نبا السيف، اذا لم يقطع.
قال الراوندى:هذا كلام ليس على حقيقته، بل هو كنايه ع ن الامر بتسكين القلب و ترك اضطرابه و استيلاء الرعده عليه، الى ان قال:ذلك اشد ابعادا لسيف العدو عن هامتكم.
قوله:(و اكملوا اللامه)، اللامه، بالهمزه:الدرع، و الهمزه ساكنه على (فعله)، مثل النامه للصوت، و اكمالها ان يزاد عليها البيضه و السواعد و نحوها، و يجوز ان يعبر باللامه عن جميع اداه الحرب، كالدرع و الرمح و السيف، يريد:اكملوا السلاح الذى تحاربون العدو به.
قوله:(و قلقلوا السيوف فى اغمادها قبل سلها)، يوم الحرب، لئلا يدوم مكثها فى الاجفان فتلحج فيها فيستصعب سلها وقت الحاجه اليها.
و قوله:(و الحظوا الخزر)، الخزر ان ينظر الانسان بعينه، و كانه ينظر بموخرها و هى اماره الغضب، و الذى اعرفه (الخزر) بالتحريك قال الشاعر:اذا تخازرت و ما بى من خزر ثم كسرت العين و ما بى من عور الفيتنى الوى بعيد المستمر احمل ما حملت من خير و شر فان كان قد جاء مسكنا فتسكينه جائز للسجعه الثانيه، و هى قوله.
و (اطعنوا الشزر).
و الطعن شزرا، هو الطعن عن اليمين و الشمال، و لايسمى الطعن تجاه الانسان شزرا.
و اكثر ما تستعمل لفظه (الشزر) فى الطعن، لما كان عن اليمين خاصه، و كذلك اداره الرحا.
و خزرا و شزرا، صفتان لمصدرين محذوفين، تقديره:ال حظوا لحظا خزرا، و اطعنوا طعنا شزرا، و عين (اطعنوا) مضمومه، يقال:طعنت بالرمح اطعن، بالضم، و طعنت فى نسبه اطعن، بالفتح، اى قدحت، قال:يطوف بى عكب فى معد و يطعن بالصمله فى قفيا قوله:(نافحوا بالظبا) اى ضاربوا نفحه بالسيف، اى ضربه، و نفحت الناقه برجلها، اى ضربت.
و الظبا:جمع ظبه، و هى طرف السيف.
قوله:(و صلوا السيوف بالخطا) مثل قول الشاعر:اذا قصرت اسيافنا كان وصلها خطانا الى اعدائنا فنضارب قالوا:بكسر (نضارب) لانه معطوف على موضع جزاء الشرط، الذى هو (اذا).
و قال آخر:نصل السيوف اذا قصرن بخطونا يوما و نلحقها اذا لم تلحق و انشدنى شيخنا ابوالقاسم الحسين بن عبدالله العكبرى، و لم يسم قائله، و وجدته بعد لنابغه بنى الحارث بن كعب:ان تسالى عنا سمى فانه يسمو الى قحم العلا ادنانا و تبيت جارتنا حصانا عفه ترضى و ياخذ حقه مولانا و نقوم ان رق المنون بسحره لوصاه و الدنا الذى اوصانا الا نفر اذا الكتيبه اقبلت حتى تدور رحاهم و رحانا و تعيش فى احلامنا اشياخنا مردا و ما وصل الوجوه لحانا و اذا السيوف قصرن طولها لنا حتى تناول ما نريد خطانا و قال حميد بن ثور الهلالى:الى ان نزلنا بالفضاء و ما لنا به معقل الا الرماح الشواجر و وصل الخطا بالسيف و السيف بالخطا اذا ظن ان المرء ذا السيف قاصر و هذه الابيات من قطعه لحميد جيده، و من جملتها:قضى الله فى بعض المكاره للفتى برشد و فى بعض الهوى ما يحاذر الم تعلمى انى اذا الالف قادنى الى الجور لاانقاد، و الالف جائر و قد كنت فى بعض الصباوه اتقى امورا و اخشى ان تدور الدوائر و اعلم انى ان تغطيت مره من الدهر مكشوف غطائى فناظر و من المعنى الذى نحن فى ذكره، ما روى ان رجلا من الازد، رفع الى المهلب سيفا له فقال:يا عم، كيف ترى سيفى هذا؟ فقال:انه لجيد لولا انه قصير، قال:اطوله يا عم بخطوتى، فقال:و الله يا بن اخى، ان المشى الى الصين او الى اذربيجان على انياب الافاعى اسهل من تلك الخطوه، و لم يقل المهلب ذلك جبنا، بل قال ما توجبه الصوره اذ كانت تلك الخطوه قريبه للموت، قال ابوسعد المخزومى فى هذا المعنى:رب نار رفعتها و دجى الليل على الارض مسبل الطيلسان و امون نحرتها لضيوف و الوف نقدتهن لجانى و حروب شهدتها جامع القلب فلم تنكر الكماه مكانى و اذا ما الحسام كان قصيرا طولته الى العدو بنانى من الناس من يرويها فى ديوانه (لجانى) بالجيم، اى حملت الحمال ه عنه، و منهم من يرويها بالحاء، يعنى الخمار.
و من المعنى المذكور اولا قول بعض الشعراء، يمدح صخر بن عمرو بن الشريد الاسلمى:ان ابن عمرو بن الشريد له فخار لايرام و حجا اذا عدم الحجا و ندى اذا بخل الغمام يصل الحسام بخطوه فى الروع ان قصر الحسام و مثله قول الراجز:يخطو اذا ما قصر العضب الذكر خطوا ترى منه المنايا تبتدر و مثله:و انا لقوم ما نرى القتل سبه اذا ما راته عامر و سلول يقصر ذكر الموت آجالنا لنا و تكرهه آجالهم فتطول و منها:و ان قصرت اسيافنا كان وصلها خطانا الى اعدائنا فتطول و مثله قول وداك بن ثميل المازنى:مقاديم وصالون فى الروع خطوهم بكل رقيق الشفرتين يمانى اذا استنجدوا لم يسالوا من دعاهم لايه حرب ام باى مكان و قال آخر:اذا الكماه تنحوا ان يصيبهم حد السيوف وصلناها بايدينا و قال آخر:وصلنا الرقاق المرهفات بخطونا على الهول حتى امكنتنا المضارب و قال بعض الرجاز:الطاعنون فى النحور و الكلى و الواصلون للسيوف بالخطا قوله (ع):(و اعلموا انكم بعين الله) اى يراكم و يعلم اعمالكم، و الباء هاهنا كالباء فى قوله:(انت بمراى منى و مسمع).
قوله:(فعاودوا الكر) اى اذا كررتم على العدو كره فلا تقتصروا عليها، بل كروا كره اخرى بعدها، ثم قال لهم:(و استحيوا من الفرار، فانه عار فى الاعقاب)، اى فى الاولاد، فان الابناء يعيرون بفرار الاباء.
و يجوز ان يريد بالاعقاب جمع عقب، و هو العاقبه و ما يوول اليه الامر، قال سبحانه:(خير ثوابا و خير عقبا)، اى خير عاقبه، فيعنى على هذا الوجه ان الفرار عار فى عاقبه امركم، و ما يتحدث به الناس فى مستقبل الزمان عنكم.
ثم قال:(و نار يوم الحساب)، لان الفرار من الزحف ذنب عظيم، و هو عند اصحابنا المعتزله من الكبائر، قال الله تعالى:(و من يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال او متحيزا الى فئه فقد باء بغضب من الله و ماواه جهنم)، و الجهاد بين يدى الامام، كالجهاد بين يدى الرسول (ع).
قوله (ع):(و طيبوا عن انفسكم نفسا)، لما نصب (نفسا) على التمييز وحده، لان التمييز لايكون الا واحدا، و ان كان فى معنى الجمع، تقول:انعموا بالا، و لاتضيقوا ذرعا و ابقى (الانفس) على جمعها لما لم يكن به حاجه الى توحيدها، يقول:وطنوا انفسكم على الموت و لاتكرهوه، و هونوه عليكم، تقول:طبت عن مالى نفسا، اذا هونت ذهابه.
و قوله:(و امشوا الى الموت مشيا سجحا)، اى سهلا، و السجاحه:السهوله، يقال:فى اخلاق ف لان سجاحه، و من رواه (سمحا) اراد سهلا ايضا.
و السواد الاعظم، يعنى به جمهور اهل الشام.
قوله:(و الرواق المطنب)، يريد به مضرب معاويه ذا الاطناب، و كان معاويه فى مضرب عليه قبه عاليه، و حوله صناديد اهل الشام.
و ثبجه:وسطه، و ثبج الانسان:ما بين كاهله الى ظهره.
و الكسر:جانب الخباء.
و قوله:(فان الشيطان كامن فى كسره)، يحتمل وجهين، احدهما:ان يعنى به الشيطان الحقيقى، و هو ابليس، و الثانى:ان يعنى به معاويه.
و الثانى هو الاظهر للقرينه التى تويده، و هى قوله:(قد قدم للوثبه يدا، و اخر للنكوص رجلا) اى ان جبنتم وثب، و ان شجعتم نكص، اى تاخر و فر، و من حمله على الوجه الاول جعله من باب المجاز، اى ان ابليس كالانسان الذى يعتوره دواع مختلفه بحسب المتجددات، فان انتم صدقتم عدوكم القتال فر عنكم بفرار عدوكم، و ان تخاذلتم و تواكلتم طمع فيكم بطمعه، و اقدم عليكم باقدامه.
و قوله (ع):(فصمدا صمدا) اى اصمدوا صمدا، صمدا، صمدت لفلان اى قصدت له.
و قوله:(حتى ينجلى لكم عمود الحق)، اى يسطع نوره و ضوءه، و هذا من باب الاستعاره.
و الواو فى قوله:(و انتم الاعلون) واو الحال.
و لن يتركم اعمالكم، اى لن ينقصكم، و هاهنا مضاف محذوف تقديره:جزاء اعما لكم، و هو من كلام الله تعالى رصع به خطبته، (ع).
و هذا الكلام خطب به اميرالمومنين (ع) فى اليوم الذى كانت عشيته ليله الهرير فى كثير من الروايات.
و فى روايه نصر بن مزاحم انه خطب به فى اول ايام اللقاء و الحرب بصفين، و ذلك فى صفر من سنه سبع و ثلاثين.
(من اخبار يوم صفين) قال نصر:كان على (ع) يركب بغله له يستلذها، قبل ان يلتقى الفئتان بصفين، فلما حضرت الحرب و بات تلك الليله يعبى الكتائب حتى اصبح قال:ائتونى بفرس، فاتى بفرس له ذنوب ادهم، يقاد بشطنين، يبحث الارض بيديه جميعا، له حمحمه و صهيل، فركبه، و قال:(سبحان الذى سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين)، لا حول و لا قوه الا بالله العلى العظيم.
قال نصر:و حدثنا عمرو بن شمر، عن جابر الجعفى، قال:كان على (ع) اذا سار الى قتال، ذكر اسم الله قبل ان يركب، كان يقول:الحمد لله على نعمه علينا و فضله:(سبحان الذى سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين، و انا الى ربنا لمنقلبون) ثم يستقبل القبله، و يرفع يديه الى السماء و يقول:اللهم اليك نقلت الاقدام، و اتعبت الابدان، و افضت القلوب، و رفعت الايدى، و شخصت الابصار:(ربنا افتح بيننا و بين قومنا بالحق و انت خير الفاتحين)، ثم يقول:سيروا على ب ركه الله، ثم يقول:الله اكبر، الله اكبر، لا اله الا الله، الله اكبر، يا الله يا احد يا صمد، يا رب محمد، اكفف عنا باس الظالمين:(الحمدلله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، اياك نعبد و اياك نستعين) بسم الله الرحمن الرحيم، و لا حول و لا قوه الا بالله العلى العظيم.
قال:و كانت هذه الكلمات شعاره بصفين.
قال:و روى سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباته، قال:ما كان على (ع) فى قتال الا نادى:يا كهيعص.
قال نصر:و حدثنا قيس بن الربيع، عن عبدالواحد بن حسان العجلى، عمن حدثه انه سمع عليا (ع) يقول يوم لقائه اهل الشام بصفين:اللهم اليك رفعت الابصار:و بسطت الايدى، و نقلت الاقدام، و دعت الالسن، و افضت القلوب، و تحوكم اليك فى الاعمال فاحكم بيننا و بينهم بالحق، و انت خير الفاتحين.
اللهم انا نشكو اليك غيبه نبينا، و قله عددنا، و كثره عدونا و تشتت اهوائنا، و شده الزمان، و ظهور الفتن، فاعنا على ذلك بفتح منك تعجله، و نصر تعز به سلطان الحق و تظهره.
قال نصر:و حدثنا عمر بن سعد، عن سلام بن سويد، عن على (ع) فى قوله:(و الزمهم كلمه التقوى)، قال:هى لا اله الا الله، و فى قوله:(الله اكبر) قال:هى آيه النصر.
قال سلام:كانت شعاره (ع) يقولها فى الحرب، ثم يحمل فيورد- و الله- من اتبعه و من حاده حياض الموت.
قال نصر:و حدثنا عمر بن سعد، عن عبدالرحمن بن جندب، عن ابيه قال:لما كان غداه الخميس لسبع خلون من صفر من سنه سبع و ثلاثين، صلى على (ع) الغداه فغلس، ما رايت عليا غلس بالغداه اشد من تغليسه يومئذ.
و خرج بالناس الى اهل الشام، فزحف نحوهم، و كان هو يبدوهم فيسير اليهم، فاذا راوه قد زحف استقبلوه بزحوفهم.
قال نصر:فحدثنى عمر بن سعد، عن مالك بن اعين، عن زيد بن وهب، قال:لما خرج على (ع) اليهم غداه ذلك اليوم فاستقبلوه، رفع يديه الى السماء، و قال:اللهم رب هذا السقف المحفوظ المكفوف، الذى جعلته محيطا بالليل و النهار، و جعلت فيه مجرى الشمس و القمر، و منازل الكواكب و النجوم، و جعلت سكانه (سبطا) من الملائكه لايسامون العباده، و رب هذه الارض التى جعلتها قرارا للانام و الهوام و الانعام، و ما لايحصى مما يرى، و مما لايرى من خلقك العظيم، و رب الفلك التى تجرى فى البحر المحيط بما ينفع الناس، و رب السحاب المسخر بين السماء، و الارض، و رب البحر المسجور، المحيط بالعالمين، و رب الجبال الرواسى التى جعلتها للارض اوتادا، و للخلق متاعا، ان اظهرتنا على عدونا، فجنبنا البغى، و سددنا للحق.
و ان اظهرتهم علينا فارزقنا الشهاده، و اعصم بقيه اصحابى من الفتنه.
قال:فلما راوه قد اقبل تقدموا اليه بزحوفهم، و كان على ميمنته يومئذ عبدالله بن بديل بن ورقاء الخزاعى، و على ميسرته عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب، و قراء العراق مع ثلاثه نفر:عمار بن ياسر، و قيس بن سعد بن عباده و عبدالله بن بديل، و الناس على راياتهم و مراكزهم، و على (ع) فى القلب فى اهل المدينه، جمهورهم الانصار، و معه من خزاعه و من كنانه عدد حسن.
قال نصر:و كان على (ع) رجلا ربعه، ادعج العينين، كان وجهه القمر ليله البدر حسنا، ضخم البطن عريض المسربه، شثن الكفين، ضخم الكسور، كان عنقه ابريق فضه، اصلع من خلفه شعر خفيف، لمنكبه مشاش كمشاش الاسد الضارى، اذا مشى تكفا و مار به جسده، و لظهره سنام كسنام الثور لايبين عضده من ساعده قد ادمجت ادماجا، لم يمسك بذراع رجل قط الا امسك بنفسه فلم يستطع ان يتنفس، و لونه الى سمره ما، و هو اذلف الانف، اذا مشى الى الحرب هرول، قد ايده الله تعالى فى حروبه بالنصر و الظفر.
قال نصر:و رفع معاويه قبه عظيمه، و القى عليها الكرابيس، و جلس تحتها.
قال نصر:و قد كان لهم قبل هذا اليوم ايام ثلاثه، و هى الرابع من صفر هذا، و اليوم الخامس، و اليوم السادس، كانت فيها مناوشات و قتال، ليس بذلك الكثير، فاما اليوم الرابع، فان محمد بن الحنفيه (ع)، خرج فى جمع من اهل العراق، فاخرج اليه معاويه عبيدالله بن عمر بن الخطاب فى جمع من اهل الشام فاقتتلوا.
ثم ان عبيدالله بن عمر ارسل الى محمد بن الحنفيه:ان اخرج الى ابارزك، فقال:نعم، ثم خرج اليه، فبصر بهما على (ع)، فقال:من هذان المتبارزان؟ قيل:محمد بن الحنفيه و عبيدالله بن عمر، فحرك دابته، ثم دعا محمدا اليه، فجاءه فقال:امسك دابتى، فامسكها، فمشى راجلا بيده سيفه نحو عبيدالله، و قال له:انا ابارزك، فهلم الى، فقال عبيدالله:لا حاجه بى الى مبارزتك، قال:بلى فهلم الى، قال:لاابارزك، ثم رجع الى صفه، فرجع على (ع)، فقال ابن الحنفيه:يا ابت لم منعتنى من مبارزته؟ فو الله لو تركتنى لرجوت ان اقتله! قال:يا بنى، لو بارزته انا لقتلته، و لو بارزته انت لرجوت لك ان تقتله، و ما كنت آمن ان يقتلك، فقال:يا ابت اتبرز بنفسك الى هذا الفاسق اللئيم عدو الله! و الله لو ابوه يسالك المبارزه لرغبت بك عنه، فقال:يا بنى لاتذكر اباه، و لاتقل فيه الا خيرا، رحم الله اباه! قال نصر:و اما اليوم الخامس، فانه خرج فيه عبدالله بن الع باس، فخرج اليه الوليد بن عقبه، فاكثر من سب بنى عبدالمطلب، و قال:يا بن عباس:قطعتم ارحامكم، و قتلتم امامكم، فكيف رايتم صنع الله بكم! لم تعطوا ما طلبتم، و لم تدركوا ما املتم، و الله- ان شاء- مهلككم، و ناصرنا عليكم.
فارسل اليه عبدالله بن العباس:ان ابرز الى، فابى ان يفعل، و قاتل ابن عباس ذلك اليوم قتالا شديدا، ثم انصرفوا و كل غير غالب.
قال نصر:و خرج فى ذلك اليوم شمر بن ابرهه بن الصباح الحميرى، فلحق بعلى (ع) فى ناس من قراء اهل الشام، ففت ذلك فى عضد معاويه و عمرو بن العاص، و قال عمرو:يا معاويه، انك تريد ان تقاتل باهل الشام رجلا له من محمد (ص) قرابه قريبه، و رحم ماسه، و قدم فى الاسلام لايعتد احد بمثله، و حده فى الحرب لم تكن لاحد من اصحاب محمد (ص)، و انه قد سار اليك باصحاب محمد المعدودين و فرسانهم و قرائهم و اشرافهم و قدمائهم فى الاسلام، و لهم فى النفوس مهابه، فبادر باهل الشام مخاشن الاوعار، و مضايق العياض، و احملهم على الجهد، و ائتهم من باب الطمع قبل ان ترفههم فيحدث عندهم طول المقام مللا، فتظهر فيهم كابه الخذلان.
و مهما نسيت فلا تنس انك على باطل، و ان عليا على حق، فبادر الامر قبل اضطرابه عليك.
فقام معاويه فى اه ل الشام خطيبا، فقال:ايها الناس:اعيرونا جماجمكم و انفسكم، لاتقتتلوا و لاتتجادلوا، فان اليوم يوم خطار، و يوم حقيقه و حفاظ، انكم لعلى حق، و بايديكم حجه، انما تقاتلون من نكث البيعه و سفك الدم الحرام، فليس له فى السماء عاذر.