شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 190
نمايش فراداده

خطبه 066-در معنى انصار

الشرح:

قد ذكرنا فيما تقدم طرفا من اخبار السقيفه، فاما هذا الخبر الوارد فى الوصيه بالانصار، فهو خبر صحيح، اخرجه الشيخان محمد بن اسماعيل البخارى و مسلم بن الحجاج القشيرى فى مسنديهما، عن انس بن مالك، قال:مر ابوبكر و العباس رضى الله تعالى عنهما بمجلس من الانصار، فى مرض رسول الله (ص) و هم يبكون، فقالا:ما يبكيكم؟ قالوا:ذكرنا محاسن رسول الله (ص).

فدخلا على النبى (ص) و اخبراه بذلك، فخرج (ص) و قد عصب على راسه حاشيه برده، فصعد المنبر- و لم يصعده بعد ذلك اليوم- فحمد الله و اثنى عليه، ثم قال:(اوصيكم بالانصار، فانهم كرشى و عيبتى، و قد قضوا الذى عليهم، و بقى الذى لهم، فاقبلوا من محسنهم، و تجاوزوا عن مسيئهم).

فاما كيفيه الاحتجاج على الانصار، فقد ذكرها على (ع)، و هى انه لو كان- (ص)- ممن يجعل الامامه فيهم، لاوصى اليهم، و لم يوص بهم.

و الى هذا نظر عمرو بن سعيد بن العاص، و هو المسمى بالاشدق، فان اباه لما مات خلفه غلاما، فدخل الى معاويه فقال:الى من اوصى بك ابوك؟ فقال:ان ابى اوصى الى و لم يوص بى، فاستحسن معاويه منه ذلك، فقال:ان هذا الغلام لاشدق، فسمى الاشدق.

فاما قول اميرالمومنين:(احتجوا بالشجره و اضاعوا الث مره)، فكلام قد تكرر منه (ع)، امثاله نحو قوله:(اذا احتج عليهم المهاجرون بالقرب من رسول الله (ص) كانت الحجه لنا على المهاجرين بذلك قائمه، فان فلجت حجتهم كانت لنا دونهم، و الا فالانصار على دعوتهم).

و نحو هذا المعنى قول العباس لابى بكر:(و اما قولك:نحن شجره رسول الله (ص) فانكم جيرانها، و نحن اغصانها):(يوم السقيفه) و نحن نذكر خبر السقيفه، روى ابوبكر احمد بن عبدالعزيز الجوهرى فى كتاب "السقيفه" قال:اخبرنى احمد بن اسحاق، قال:حدثنا احمد بن سيار، قال:حدثنا سعيد بن كثير بن عفير الانصارى ان النبى (ص) لما قبض، اجتمعت الانصار فى سقيفه بنى ساعده، فقالوا:ان رسول الله (ص) قد قبض، فقال سعد بن عباده لابنه قيس- او لبعض بنيه:انى لااستطيع ان اسمع الناس كلامى لمرضى، و لكن تلق منى قولى فاسمعهم.

فكان سعد يتكلم، و يستمع ابنه و يرفع به صوته ليسمع قومه، فكان من قوله بعد حمد الله و الثناء عليه ان قال:ان لكم سابقه الى الدين، و فضيله فى الاسلام ليست لقبيله من العرب.

ان رسول الله (ص) لبث فى قومه بضع عشره سنه، يدعوهم الى عباده الرحمن، و خلع الاوثان، فما آمن به من قومه الا قليل، و الله ما كانوا يقدرون ان يمنعوا رسول الله، و لاي عزوا دينه، و لايدفعوا عنه عداه، حتى اراد الله بكم خير الفضيله، و ساق اليكم الكرامه، و خصكم بدينه، و رزقكم الايمان به و برسوله.

و الاعزاز لدينه، و الجهاد لاعدائه، فكنتم اشد الناس على من تخلف عنه منكم، و اثقله على عدوه من غيركم، حتى استقاموا لامر الله طوعا و كرها، و اعطى البعيد المقاده صاغرا داخرا، حتى انجز الله لنبيكم الوعد، و دانت لاسيافكم العرب.

ثم توفاه الله تعالى و هو عنكم راض، و بكم قرير عين، فشدوا يديكم بهذا الامر، فانكم احق الناس و اولاهم به.

فاجابوا جميعا:ان وفقت فى الراى، و اصبت فى القول، و لن نعدو ما امرت.

نوليك هذا الامر، فانت لنا مقنع، و لصالح المومنين رضا.

ثم انهم ترادوا الكلام بينهم، فقالوا:ان ابت مهاجره قريش فقالوا:نحن المهاجرون، و اصحاب رسول الله (ص) الاولون، و نحن عشيرته و اولياوه، فعلام تنازعوننا هذا الامر من بعده! فقالت طائفه منهم:اذا نقول:منا امير و منكم امير، لن نرضى بدون هذا منهم ابدا، لنا فى الايواء و النصره ما لهم فى الهجره، و لنا فى كتاب الله ما لهم، فليسوا يعدون شيئا الا و نعد مثله، و ليس من راينا الاستئثار عليهم، فمنا امير و منهم امير.

فقال سعد بن عباده:هذا اول الوهن! و اتى الخ بر عمر، فاتى منزل رسول الله (ص)، فوجد ابابكر فى الدار و عليا فى جهاز رسول الله (ص)- و كان الذى اتاه بالخبر معن بن عدى- فاخذ بيد عمر، و قال:قم، فقال عمر:انى عنك مشغول، فقال:انه لابد من قيام، فقام معه، فقال له:ان هذا الحى من الانصار قد اجتمعوا فى سقيفه بنى ساعده، معهم سعد بن عباده، يدورون حوله، و يقولون:انت المرجى، و نجلك المرجى.

و ثم اناس من اشرافهم، و قد خشيت الفتنه، فانظر يا عمر ماذا ترى! و اذكر لاخوتك من المهاجرين، و اختاروا لانفسكم، فانى انظر الى باب فتنه قد فتح الساعه الا ان يغلقه الله.

ففزع عمر اشد الفزع، حتى اتى ابابكر، فاخذ بيده، فقال:قم، فقال ابوبكر:انى عنك مشغول.

فقال عمر:لابد من قيام، و سنرجع ان شاء الله.

فقام ابوبكر مع عمر، فحدثه الحديث، ففزع ابوبكر اشد الفزع، و خرجا مسرعين الى سقيفه بنى ساعده، و فيها رجال من اشراف الانصار، و معهم سعد بن عباده و هو مريض بين اظهرهم، فاراد عمر ان يتكلم و يمهد لابى بكر، و قال:خشيت ان يقصر ابوبكر عن بعض الكلام، فلما نبس عمر، كفه ابوبكر و قال:على رسلك، فتلق الكلام ثم تكلم بعد كلامى بما بدا لك.

فتشهد ابوبكر، ثم قال:ان الله جل ثناوه بعث محمدا بالهدى و دين الحق ، فدعا الى الاسلام، فاخذ الله بقلوبنا و نواصينا الى ما دعانا اليه، و كنا- معاشر المسلمين المهاجرين- اول الناس اسلاما، و الناس لنا فى ذلك تبع، و نحن عشيره رسول الله (ص)، و اوسط العرب انسابا، ليس من قبائل العرب الا و لقريش فيها ولاده، و انتم انصار الله، و انتم نصرتم رسول الله (ص)، ثم انتم وزراء رسول الله (ص)، و اخواننا فى كتاب الله و شركاونا فى الدين، و فيما كنا فيه من خير، فانتم احب الناس الينا، و اكرمهم علينا، و احق الناس بالرضا بقضاء الله، و التسليم لما ساق الله الى اخوانكم من المهاجرين، و احق الناس الا تحسدوهم، فانتم الموثرون على انفسهم حين الخصاصه، و احق الناس الا يكون انتفاض هذا الدين و اختلاطه على ايديكم، و انا ادعوكم الى ابى عبيده و عمر، فكلاهما قد رضيت لهذا الامر، و كلاهما اراه له اهلا.

فقال عمر و ابوعبيده:ما ينبغى لاحد من الناس ان يكون فوقك، انت صاحب الغار، ثانى اثنين، و امرك رسول الله بالصلاه، فانت احق الناس بهذا الامر.

فقال الانصار:و الله ما نحسدكم على خير ساقه الله اليكم، و لا احد احب الينا و لاارضى عندنا منكم، و لكنا نشفق فيما بعد هذا اليوم، و نحذر ان يغلب على هذا الامر من ليس منا و لا منكم، فل و جعلتم اليوم رجلا منكم بايعنا و- رضينا على انه اذا هلك اخترنا واحدا من الانصار، فاذا هلك كان آخر من المهاجرين ابدا ما بقيت هذه الامه- كان ذلك اجدر ان نعدل فى امه محمد (ص)، فيشفق الانصارى ان يزيغ فيقبض عليه القرشى، و يشفق القرشى ان يزيغ فيقبض عليه الانصارى.

فقام ابوبكر فقال:ان رسول الله (ص) لما بعث عظم على العرب ان يتركوا دين آبائهم، فخالفوه و شاقوه، و خص الله المهاجرين الاولين من قومه بتصديقه و الايمان به و المواساه له، و الصبر معه على شده اذى قومه، و لم يستوحشوا لكثره عدوهم، فهم اول من عبدالله فى الارض، و هم اول من آمن برسول الله، و هم اولياوه و عترته، و احق الناس بالامر بعده، لاينازعهم فيه الا ظالم، و ليس احد بعد المهاجرين فضلا و قدما فى الاسلام مثلكم، فنحن الامراء و انتم الوزراء، لانمتاز دونكم بمشوره، و لانقضى دونكم الامور.

فقام الحباب بن المنذر بن الجموح، فقال:يا معشر الانصار، املكوا عليكم ايديكم، انما الناس فى فيئكم و ظلكم، و لن يجترى ء مجترى ء على خلافكم، و لايصدر الناس الا عن امركم، انتم اهل الايواء و النصره، و اليكم كانت الهجره، و انتم اصحاب الدار و الايمان، و الله ما عبدالله علانيه الا عندكم و فى بلادكم، و لاجمعت الصلاه الا فى مساجدكم، و لاعرف الايمان الا من اسيافكم، فاملكوا عليكم امركم، فان ابى هولاء فمنا امير و منهم امير.

فقال عمر:هيهات! لايجتمع سيفان فى غمد، ان العرب لاترضى ان تومركم و نبيها من غيركم، و ليس تمتنع العرب ان تولى امرها من كانت النبوه فيهم، و اولوا الامر منهم، لنا بذلك الحجه الظاهره على من خالفنا، و السلطان المبين على من نازعنا، من ذا يخاصمنا فى سلطان محمد و ميراثه، و نحن اولياوه و عشيرته، الا مدل بباطل، او متجانف لاثم، او متورط فى هلكه! فقام الحباب، و قال:يا معشر الانصار، لاتسمعوا مقاله هذا و اصحابه، فيذهبوا بنصيبكم من الامر، فان ابوا عليكم ما اعطيتموهم فاجلوهم عن بلادكم، و تولوا هذا الامر عليهم، فانتم اولى الناس بهذا الامر، انه دان لهذا الامر باسيافكم من لم يكن يدين له.

انا جذيلها المحكك، و عذيقها المرجب، ان شئتم لنعيدنها جذعه، و الله لايرد احد على ما اقول الا حطمت انفه بالسيف.

قال:فلما راى بشير بن سعد الخزرجى ما اجتمعت عليه الانصار من تامير سعد بن عباده- و كان حاسدا له، و كان من ساده الخزرج- قام فقال:ايها الانصار، انا و ان كنا ذوى سابقه، فانا لم نرد بجهادنا و اسلامنا الا رضا رب نا و طاعه نبينا، و لا ينبغى لنا ان نستطيل بذلك على الناس، و لانبتغى به عوضا من الدنيا، ان محمدا (ص) رجل من قريش، و قومه احق بميراث امره، وايم الله لا يرانى الله انازعهم هذا الامر، فاتقوا الله و لا تنازعوهم و لاتخالفوهم.

فقام ابوبكر، و قال:هذا عمر و ابوعبيده، بايعوا ايهما شئتم، فقالا:و الله لانتولى هذا الامر عليك، و انت افضل المهاجرين، و ثانى اثنين، و خليفه رسول الله (ص) على الصلاه، و الصلاه افضل الدين.

ابسط يدك نبايعك.

فلما بسط يده، و ذهبا يبايعانه، سبقهما بشير بن سعد، فبايعه، فناداه الحباب ابن المنذر:يا بشير، عقك عقاق، و الله ما اضطرك الى هذا الامر الا الحسد لابن عمك.

و لما رات الاوس ان رئيسا من روساء الخزرج قد بايع، قام اسيد بن حضير - و هو رئيس الاوس- فبايع حسدا لسعد ايضا، و منافسه له ان يلى الامر، فبايعت الاوس كلها لما بايع اسيد، و حمل سعد بن عباده و هو مريض، فادخل الى منزله فامتنع من البيعه فى ذلك اليوم و فيما بعده، و اراد عمر ان يكرهه عليها، فاشير عليه الا يفعل، و انه لايبايع حتى يقتل، و انه لايقتل حتى يقتل اهله، و لايقتل اهله حتى يقتل الخزرج، و ان حوربت الخزرج كانت الاوس معها.

و فسد الامر فتركوه، فك ان لايصلى بصلاتهم، و لايجمع بجماعتهم، و لايقضى بقضائهم، و لو وجد اعوانا لضاربهم، فلم يزل كذلك حتى مات ابوبكر، ثم لقى عمر فى خلافته، و هو على فرس، و عمر على بعير، فقال له عمر:هيهات يا سعد! فقال سعد:هيهات يا عمر! فقال:انت صاحب من انت صاحبه؟ قال:نعم انا ذاك، ثم قال لعمر:و الله ما جاورنى احد هو ابغض الى جوارا منك، قال عمر:فانه من كره جوار رجل انتقل عنه، فقال سعد:انى لارجو ان اخليها لك عاجلا الى جوار من هو احب الى جوارا منك و من اصحابك، فلم يلبث سعد بعد ذلك الا قليلا حتى خرج الى الشام، فمات بحوران و لم يبايع لاحد، لا لابى بكر و لا لعمر و لا لغيرهما.

قال:و كثر الناس على ابى بكر، فبايعه معظم المسلمين فى ذلك اليوم، و اجتمعت بنو هاشم الى بيت على بن ابى طالب، و معهم الزبير، و كان يعد نفسه رجلا من بنى هاشم، كان على يقول:ما زال الزبير منا اهل البيت، حتى نشا بنوه، فصرفوه عنا.

و اجتمعت بنو اميه الى عثمان بن عفان، و اجتمعت بنو زهره الى سعد و عبدالرحمن، فاقبل عمر اليهم و ابوعبيده، فقال:ما لى اراكم ملتاثين؟ قوموا فبايعوا ابابكر، فقد بايع له الناس، و بايعه الانصار.

فقام عثمان و من معه، و قام سعد و عبدالرحمن و من معه ما، فبايعوا ابابكر.