شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 203
نمايش فراداده

منى ما بلغتم.

فقال له معاويه بن حديج:اتدرى ما اصنع بك؟ ادخلك جوف هذا الحمار الميت ثم احرقه عليك بالنار.

قال:ان فعلتم ذاك بى فطالما فعلتم ذاك باولياء الله، و ايم الله انى لارجو ان يجعل الله هذه النار التى تخوفنى بها بردا و سلاما، كما جعلها الله على ابراهيم خليله، و ان يجعلها عليك و على اوليائك، كما جعلها على نمرود و اوليائه، و انى لارجو ان يحرقك الله و امامك معاويه، و هذا- و اشار الى عمرو بن العاص- بنار تلظى، كلما خبت زادها الله عليكم سعيرا.

فقال له معاويه بن حديج:انى لااقتلك ظلما، انما اقتلك بعثمان بن عفان، قال محمد:و ما انت و عثمان! رجل عمل بالجور، و بدل حكم الله و القرآن، و قد قال الله عز و جل، (و من لم يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون)، (فاولئك هم الظالمون)، (فاولئك هم الفاسقون)، فنقمنا عليه اشياء عملها، فاردنا ان يخلع من الخلافه علنا، فلم يفعل، فقتله من قتله من الناس.

فغضب معاويه بن حديج، فقدمه فضرب عنقه، ثم القاه فى جوف حمار و احرقه بالنار.

فلما بلغ ذلك عائشه جزعت عليه جزعا ش ديدا، و قنتت فى دبر كل صلاه تدعو على معاويه بن ابى سفيان و عمرو بن العاص و معاويه بن حديج، و قبضت عيال محمد اخيها و ولده اليها، فكان القاسم بن محمد من عيالها.

قال:و كان ابن حديج ملعونا خبيثا يسب على بن ابى طالب (ع).

قال ابراهيم:و حدثنى عمرو بن حماد بن طلحه القناد، عن على بن هاشم، عن ابيه، عن داود بن ابى عوف، قال:دخل معاويه بن حديج على الحسن بن على فى مسجد المدينه، فقال له الحسن:ويلك يا معاويه! انت الذى تسب اميرالمومنين عليا (ع)! اما و الله لئن رايته يوم القيامه- و ما اظنك تراه- لترينه كاشفا عن ساق، يضرب وجوه امثالك عن الحوض ضرب غرائب الابل.

قال ابراهيم:و حدثنى محمد بن عبدالله بن عثمان، عن المدائنى عن عبدالملك بن عمير، عن عبدالله بن شداد، قال:حلفت عائشه لاتاكل شواء ابدا بعد قتل محمد، فلم تاكل شواء حتى لحقت بالله، و ما عثرت قط الا قالت:تعس معاويه بن ابى سفيان و عمرو بن العاص، و معاويه بن حديج! قال ابراهيم:و قد روى هاشم ان اسماء بنت عميس، لما جاءها نعى محمد ابنها و ما صنع به، قامت الى مسجدها، و كظمت غيظها حتى تشخبت دما.

قال ابراهيم:و روى ابن عائشه التيمى عن رجاله عن كثير النواء، ان ابابكر خرج فى حياه ر سول الله (ص) فى غزاه، فرات اسماء بنت عميس و هى تحته، كان ابابكر مخضب بالحناء راسه و لحيته، و عليه ثياب بيض، فجاءت الى عائشه فاخبرتها، فقالت:ان صدقت روياك فقد قتل ابوبكر، ان خضابه الدم، و ان ثيابه اكفانه، ثم بكت، فدخل النبى (ص) و هى كذلك، فقال:ما ابكاها؟ فقالوا:يا رسول الله، ما ابكاها احد، و لكن اسماء ذكرت رويا راتها لابى بكر، فاخبر النبى (ص)، فقال:(ليس كما عبرت عائشه، و لكن يرجع ابوبكر صالحا، فيلقى اسماء، فتحمل منه بغلام، فتسميه محمدا، يجعله الله غيظا على الكافرين و المنافقين).

قال:فكان كما اخبر (ص).

قال ابراهيم:حدثنا محمد بن عبدالله، عن المدائنى، قال:فكتب عمرو بن العاص الى معاويه بن ابى سفيان عند قتل محمد بن ابى بكر و كنانه بن بشر:اما بعد، فانا لقينا محمد بن ابى بكر و كنانه بن بشر فى جموع من اهل مصر، فدعوناهم الى الكتاب و السنه، فعصوا الحق، فتهولوا فى الضلال، فجاهدناهم، و استنصرنا الله جل و عز عليهم، فضرب الله وجوههم و ادبارهم، و منحنا اكتافهم، فقتل محمد بن ابى بكر و كنانه بن بشر، و الحمد لله رب العالمين.

قال ابراهيم:و حدثنى محمد بن عبدالله، عن المدائنى، عن الحارث بن كعب بن عبدالله بن قعين، عن حبيب بن عبدالله، قال:و الله انى لعند على جالس اذ جاءه عبدالله بن معين و كعب بن عبدالله من قبل محمد بن ابى بكر يستصرخانه قبل الوقعه، فقام على فنادى فى الناس:الصلاه جامعه، فاجتمع الناس فصعد المنبر، فحمد الله و اثنى عليه، و ذكر رسول الله (ص)، فصلى عليه، ثم قال:اما بعد، فهذا صريخ محمد بن ابى بكر و اخوانكم من اهل مصر، قد سار اليهم ابن النابغه عدو الله و عدو من والاه، و ولى من عادى الله، فلا يكونن اهل الضلال الى باطلهم، و الركون الى سبيل الطاغوت اشد اجتماعا على باطلهم و ضلالتهم منكم على حقكم.

فكانكم بهم و قد بدءوكم و اخوانكم بالغزو، فاعجلوا اليهم بالمواساه و النصر عباد الله، ان مصر اعظم من الشام و خير اهلا، فلا تغلبوا على مصر، فان بقاء مصر فى ايديكم عز لكم، و كبت لعدوكم، اخرجوا الى الجرعه- قال:و الجرعه بين الحيره و الكوفه- لنتوافى هناك كلنا غدا ان شاءالله.

قال:فلما كان الغد، خرج يمشى، فنزلهابكره، فاقام بها حتى انتصف النهار، فلم يوافه مائه رجل، فرجع.

فلما كان العشى بعث الى الاشراف فجمعهم، فدخلوا عليه القصر، و هو كئيب حزين فقال:الحمد لله على ما قضى من امر، و قدر من فعل، و ابتلانى بكم ايها الفرقه التى لاتطيع اذا امر تها، و لاتجيب اذا دعوتها.

لا ابا لغيركم! ماذا تنتظرون بنصركم، و الجهاد على حقكم! الموت خير من الذل فى هذه الدنيا لغير الحق! و الله ان جاءنى الموت- و لياتينى- لتجدننى لصحبتكم جد قال.

الا دين يجمعكم! الا حميه تغضبكم! الا تسمعون بعدوكم ينتقص بلادكم! و يشن الغاره عليكم! او ليس عجبا ان معاويه يدعو الجفاه الطغام الظلمه، فيتبعونه على غير عطاء و لا معونه، و يجيبونه فى السنه المره و المرتين و الثلاث، الى اى وجه شاء، ثم انا ادعوكم- و انتم اولوا النهى و بقيه الناس- تختلفون و تفترقون عنى، و تعصوننى و تخالفون على! فقام اليه مالك بن كعب الارحبى، فقال يا اميرالمومنين، اندب الناس معى، فانه لا عطر بعد عروس، و ان الاجر لاياتى الا بالكره.

ثم التفت الى الناس و قال:اتقوا الله، و اجيبوا دعوه امامكم، و انصروا دعوته، و قاتلوا عدوكم، انا نسير اليهم يا اميرالمومنين.

فامر على سعدا مولاه ان ينادى:الا سيروا مع مالك بن كعب الى مصر، و كان وجها مكروها، فلم يجتمعوا اليه شهرا، فلما اجتمع له منهم ما اجتمع خرج بهم مالك بن كعب، فعسكر بظاهر الكوفه، و خرج معه على، فنظر فاذا جميع من خرج نحو من الفين، فقال على:سيروا، و الله ما انتم! ما اخالكم تد ركون القوم حتى ينقضى امرهم! فخرج مالك بهم و سار خمس ليال، و قدم الحجاج بن غزيه الانصارى على على، و قدم عليه عبدالرحمن بن المسيب الفزارى من الشام، فاما الفزارى، فكان عينا لعلى (ع)، لاينام، و اما الانصارى فكان مع محمد بن ابى بكر، فحدثه الانصارى بما عاين و شاهد، و اخبره بهلاك محمد، و اخبره الفزارى انه لم يخرج من الشام حتى قدمت البشرى من قبل عمرو بن العاص، يتبع بعضها بعضا بفتح مصر، و قتل محمد بن ابى بكر، و حتى اذن معاويه بقتله على المنبر و قال:يا اميرالمومنين، ما رايت يوما قط سرورا مثل سرور رايته بالشام حين اتاهم قتل محمد بن ابى بكر، فقال على:اما ان حزننا على قتله، على قدر سرورهم به، لا بل يزيد اضعافا.

قال:فسرح على عبدالرحمن بن شريح الى مالك بن كعب، فرده من الطريق قال:و حزن على على محمد بن ابى بكر حتى رئى ذلك فيه، و تبين فى وجهه، و قام فى الناس خطيبا، فحمد الله.

و اثنى عليه، ثم قال:الا و ان مصر قد افتتحها الفجره اولياء الجور و الظلم، الذين صدوا عن سبيل الله، و بغوا الاسلام عوجا.

الا و ان محمد بن ابى بكر قد استشهد رحمه الله عليه، و عند الله نحتسبه.

اما و الله لقد كان- ما علمت- ينتظر القضاء، و يعمل للجزاء، و يبغض شكل الفاجر، و يحب سمت المومن، انى و الله لا الوم نفسى على تقصير و لا عجز، و انى بمقاساه الحرب لجد بصير، انى لاقدم على الحرب، و اعرف وجه الحزم، و اقوم بالراى المصيب، فاستصرخكم معلنا، و اناديكم مستغيثا، فلا تسمعون لى قولا، و لاتطيعون الى امرا، حتى تصير الامور الى عواقب المساءه.

و انتم القوم لايدرك بكم الثار، و لاتنقض بكم الاوتار، دعوتكم الى غياث اخوانكم منذ بضع و خمسين ليله، فجرجرتم على جرجره الجمل الاسر، و تثاقلتم الى الارض تثاقل من لا نيه له فى الجهاد، و لا راى له فى الاكتساب للاجر، ثم خرج الى منكم جنيد متذائب ضعيف، كانما يساقون الى الموت و هم ينظرون.

فاف لكم! ثم نزل فدخل رحله.

قال ابراهيم:فحدثنا محمد بن عبدالله، عن المدائنى، قال:كتب على الى عبدالله بن عباس و هو على البصره:من عبدالله على اميرالمومنين (ع)، الى عبدالله بن عباس:سلام عليك و رحمه الله و بركاته:اما بعد، فان مصر قد افتتحت، و قد استشهد محمد بن ابى بكر، فعند الله عز و جل تحتسبه.

و قد كنت كتبت الى الناس، و تقدمت اليهم فى بدء الامر، و امرتهم باغاثته قبل الوقعه، و دعوتهم سرا و جهرا، و عودا و بدءا، فمنهم الاتى كارها، و منهم المتعلل كاذبا، و منه م القاعد خاذلا.

اسال الله ان يجعل لى منهم فرجا، و ان يريحنى منهم عاجلا، فو الله لو لاطمعى عند لقاء عدوى فى الشهاده، و توطينى نفسى عند ذلك، لاحببت الا ابقى مع هولاء يوما واحدا.

عزم الله لنا و لك على تقواه و هداه، انه على كل شى ء قدير.

و السلام عليك و رحمه الله و بركاته.

قال:فكتب اليه عبدالله بن عباس:لعبد الله على اميرالمومنين من عبدالله بن عباس.

سلام على اميرالمومنين، و رحمه الله و بركاته:اما بعد، فقد بلغنى كتابك تذكر فيه افتتاح مصر و هلاك محمد بن ابى بكر، و انك سالت الله ربك ان يجعل لك من رعيتك التى ابتليت بها فرجا و مخرجا، و انا اسال الله ان يعلى كلمتك، و ان يغشيك بالملائكه عاجلا.

و اعلم ان الله صانع لك، و معز دعوتك، و كابت عدوك.

و اخبرك يا اميرالمومنين ان الناس ربما تباطئوا ثم نشطوا، فارفق بهم يا اميرالمومنين و دارهم و منهم، و استعن بالله عليهم.

كفاك الله الهم! و السلام عليك و رحمه الله و بركاته.

قال ابراهيم:و روى عن المدائنى، ان عبدالله بن عباس قدم من البصره على على، فعزاه عن محمد بن ابى بكر.

و روى المدائنى ان عليا قال:رحم الله محمدا كان غلاما حدثا، لقد كنت اردت ان اولى المرقال هاشم بن عتبه مصر، فانه و الله لو وليها لما خلى لابن العاص و اعوانه العرصه، و لا قتل الا و سيفه فى يده، بلا ذم لمحمد، فلقد اجهد نفسه فقضى ما عليه.

قال المدائنى:و قيل لعلى (ع):لقد جزعت على محمد بن ابى بكر يا اميرالمومنين.

فقال:و ما يمنعنى! انه كان لى ربيبا، و كان لبنى اخا، و كنت له والدا اعده ولدا.

(خطبه للامام على بعد مقتل محمد بن ابى بكر) و روى ابراهيم، عن رجاله، عن عبدالرحمن بن جندب، عن ابيه، قال:خطب على (ع) بعد فتح مصر، و قتل محمد بن ابى بكر، فقال:اما بعد، فان الله بعث محمدا نذيرا للعالمين، و امينا على التنزيل، و شهيدا على هذه الامه، و انتم معاشر العرب يومئذ على شر دين، و فى شر دار، منيخون على حجاره خشن، و حيات صم، و شوك مبثوث فى البلاد، تشربون الماء الخبيث، و تاكلون الطعام الخبيث، تسفكون دماءكم، و تقتلون اولادكم، و تقطعون ارحامكم، و تاكلون اموالكم بينكم بالباطل.

سبلكم خائفه، و الاصنام فيكم منصوبه، و لايومن اكثرهم بالله الا و هم مشركون.

فمن الله- عز و جل- عليكم بمحمد، فبعثه اليكم رسولا من انفسكم، فعلمكم الكتاب و الحكمه، و الفرائض و السنن، و امركم بصله ارحامكم و حقن دمائكم و صلاح ذات البين، و ان تودوا الامانات الى اهلها، و ان توفوا بالعهد، و لاتنقضوا الايمان بعد توكيدها، و ان تعاطفوا و تباروا و تراحموا.

و نهاكم عن التناهب و التظالم و التحاسد و التباغى و التقاذف، و عن شرب الخمر و بخس المكيال، و نقص الميزان.

و تقدم اليكم فيما يتلى عليكم:الا تزنوا و لاتربوا، و لاتاكلوا اموال اليتامى ظلما، و ان تودوا الامانات الى اهلها، و لاتعثوا فى الارض مفسدين، و لاتعتدوا ان الله لايحب المعتدين، و كل خير يدنى الى الجنه، و يباعد عن النار امركم به، و كل شر يدنى الى النار و يباعد عن الجنه نهاكم عنه.

فلما استكمل مدته، توفاه الله اليه سعيدا حميدا، فيا لها مصيبه خصت الاقربين، و عمت المسلمين! ما اصيبوا قبلها بمثلها، و لن يعاينوا بعدها اختها.

فلما مضى لسبيله (ص)، تنازع المسلمون الامر بعده، فو الله ما كان يلقى فى روعى، و لايخطر على بالى ان العرب تعدل هذا الامر بعد محمد عن اهل بيته، و لا انهم منحوه عنى من بعده.

فما راعنى الا انثيال الناس على ابى بكر، و اجفالهم اليه ليبايعوه، فامسكت يدى، و رايت انى احق بمقام محمد (ص) فى الناس ممن تولى الامر من بعده، فلبثت بذاك ما شاء الله حتى رايت راجعه من الناس رجعت عن الاسلام، يدعون الى محق دين الله و مله محمد (ص) علي ه، فخشيت- ان لم انصر الاسلام و اهله- ان ارى فيه ثلما و هدما يكون المصاب بهما على اعظم من فوات ولايه اموركم، التى انما هى متاع ايام قلائل، ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب، و كما يتقشع السحاب، فمشيت عند ذلك الى ابى بكر فبايعته، و نهضت فى تلك الاحداث، حتى زاغ الباطل و زهق، و كانت كلمه الله هى العليا، و لو كره الكافرون.

فتولى ابوبكر تلك الامور، فيسر و سدد، و قارب و اقتصد، و صحبته مناصحا، و اطعته فيما اطاع الله فيه جاهدا، و ما طمعت- ان لو حدث به حادث و انا حى ان يرد الى الامر الذى نازعته فيه- طمع مستيقن، و لايئست منه ياس من لايرجوه، و لولا خاصه ما كان بينه و بين عمر، لظننت انه لايدفعها عنى، فلما احتضر بعث الى عمر فولاه فسمعنا و اطعنا و ناصحنا.

و تولى عمر الامر، فكان مرضى السيره، ميمون النقيبه، حتى اذا احتضر، فقلت فى نفسى:لن يعدلها عنى، ليس يدافعها عنى، فجعلنى سادس سته، فما كانوا لولايه احد منهم اشد كراهه لولايتى عليهم، كانوا يسمعون عند وفاه رسول الله (ص) لجاج ابى بكر، و اقول:يا معشر قريش، انا- اهل البيت- احق بهذا الامر منكم ما كان فينا من يقرا القرآن، و يعرف السنه، و يدين بدين الحق.

فخشى القوم- ان انا وليت عليهم- الا يكون لهم من الامر نصيب ما بقوا، فاجمعوا اجماعا واحدا، فصرفوا الولايه الى عثمان، و اخرجونى منها، رجاء ان ينالوها، و يتداولوها اذ يئسوا ان ينالوا بها من قبلى، ثم قالوا:هلم فبايع و الا جاهدناك، فبايعت مستكرها، و صبرت محتسبا، فقال قائلهم:يا بن ابى طالب، انك على هذا الامر لحريص، فقلت انتم احرص منى و ابعد، اينا احرص؟ انا الذى طلبت ميراثى و حقى الذى جعلنى الله و رسوله اولى به، ام انتم اذ تضربون وجهى دونه، و تحولون بينى و بينه! فبهتوا، و الله لايهدى القوم الظالمين.

اللهم انى استعديك على قريش، فانهم قطعوا رحمى، و اضاعوا اياى، و صغروا عظيم منزلتى، و اجمعوا على منازعتى حقا كنت اولى به منهم، فسلبونيه ثم قالوا:الا ان فى الحق ان تاخذه، و فى الحق ان تمنعه، فاصبر كمدا، او مت اسفا حنقا.

فنظرت فاذا ليس معى رافد و لا ذاب و لاناصر و لاساعد الا اهل بيتى، فضننت بهم عن المنيه، و اغضيت على القذى، و تجرعت ريقى على الشجى، و صبرت من كظم الغيظ على امر من العلقم، و آلم للقلب من حز الشفار، حتى اذا نقمتم على عثمان اتيتموه فقتلتموه، ثم جئتمونى لتبايعونى، فابيت عليكم، و امسكت يدى فنازعتمونى و دافعتمونى، و بسطتم يدى فكففتها، و م ددتموها فقبضتها، و ازدحمتم على حتى ظننت ان بعضكم قاتل بعضكم او انكم قاتلى.

فقلتم:بايعنا لانجد غيرك، و لانرضى الا بك، بايعنا لانفترق و لاتختلف كلمتنا.

فبايعتكم و دعوت الناس الى بيعتى، فمن بايع طوعا قبلته، و من ابى لم اكرهه و تركته.

فبايعنى فيمن بايعنى طلحه و الزبير، و لو ابيا ما اكرهتهما، كما لم اكره غيرهما، فما لبثا الا يسيرا حتى بلغنى انهما خرجا من مكه متوجهين الى البصره، فى جيش ما منهم رجل الا قد اعطانى الطاعه، و سمح لى بالبيعه، فقدما على عاملى و خزان بيت مالى و على اهل مصرى الذين كلهم على بيعتى و فى طاعتى، فشتتوا كلمتهم، و افسدوا جماعتهم، ثم وثبوا على شيعتى من المسلمين، فقتلوا طائفه منهم غدرا، و طائفه صبرا.

و منهم طائفه غضبوا لله و لى، فشهروا سيوفهم و ضربوا بها، حتى لقوا الله عز و جل صادقين، فو الله لو لم يصيبوا منهم الا رجلا واحدا متعمدين لقتله لحل لى به قتل ذلك الجيش باسره، فدع ما انهم قد قتلوا من المسلمين اكثر من العده التى دخلوا بها عليهم، و قد ادال الله منهم، فبعدا للقوم الظالمين! ثم انى نظرت فى امر اهل الشام، فاذا اعراب احزاب و اهل طمع جفاه طغاه، يجتمعون من كل اوب، من كان ينبغى ان يودب و ان يولى عل يه، و يوخذ على يده، ليسوا من الانصار و لا المهاجرين و لا التابعين باحسان.

فسرت اليهم، فدعوتهم الى الطاعه و الجماعه، فابوا الا شقاقا و فراقا، و نهضوا فى وجوه المسلمين ينضحونهم بالنبل، و يشجرونهم بالرماح، فهناك نهدت اليهم بالمسلمين فقاتلتهم، فلما عضهم السلاح.

و وجدوا الم الجراح، رفعوا المصاحف يدعونكم الى ما فيها، فانباتكم انهم ليسوا باهل دين و لا قرآن، و انهم رفعوها مكيده و خديعه و وهنا و ضعفا، فامضوا على حقكم و قتالكم.

فابيتم على و قلتم:اقبل منهم، فان اجابوا الى ما فى الكتاب جامعونا على ما نحن عليه من الحق، و ان ابوا كان اعظم لحجتنا عليهم.

فقبلت منهم، و كففت عنهم، اذ ونيتم و ابيتم، فكان الصلح بينكم و بينهم على رجلين، يحييان ما احيا القرآن، و يميتان ما امات القرآن، فاختلف رايهما، و تفرق حكمهما، و نبذا ما فى القرآن، و خالفا ما فى الكتاب، فجنبهما الله السداد، و دلاهما فى الضلاله، فانحرفت فرقه منا فتركناهم ما تركونا، حتى اذا عثوا فى الارض يقتلون و يفسدون، اتيناهم فقلنا:ادفعوا الينا قتله اخواننا، ثم كتاب الله بيننا و بينكم.

قالوا:كلنا قتلهم، و كلنا استحل دماءهم.

و شدت علينا خيلهم و رجالهم، فصرعهم الله مصارع الظ المين.

فلما كان ذلك من شانهم امرتكم ان تمضوا من فوركم ذلك الى عدوكم، فقلتم:كلت سيوفنا، و نفدت نبالنا، و نصلت اسنه رماحنا، و عاد اكثرها قصدا، فارجع بنا الى مصرنا لنستعد باحسن عدتنا، فاذا رجعت زدت فى مقاتلتنا عده من هلك منا و فارقنا، فان ذلك اقوى لنا على عدونا.

فاقبلت بكم، حتى اذا اطللتم على الكوفه امرتكم ان تنزلوا بالنخيله، و ان تلزموا معسكركم، و ان تضموا قواصيكم، و ان توطنوا على الجهاد انفسكم، و لاتكثروا زياره ابنائكم و نسائكم، فان اهل الحرب المصابروها، و اهل التشمير فيها الذين لاينقادون من سهر ليلهم و لاظما نهارهم، و لاخمص بطونهم، و لا نصب ابدانهم، فنزلت طائفه منكم معى معذره، و دخلت طائفه منكم المصر عاصيه، فلا من بقى منكم صبر و ثبت، و لا من دخل المصر عاد و رجع، فنظرت الى معسكرى، و ليس فيه خمسون رجلا، فلما رايت ما اتيتم، دخلت اليكم فلم اقدر على ان تخرجوا معى الى يومنا هذا، فما تنتظرون! اما ترون اطرافكم قد انتقصت، و الى مصر قد فتحت، و الى شيعتى بها قد قتلت، و الى مسالحكم تعرى، و الى بلادكم تغزى! و انتم ذوو عدد كثير، و شوكه و باس شديد، فما بالكم! لله انتم من اين توتون! و ما لكم توفكون! و انى تسحرون! و لو انكم عزمتم و اجمعتم لم تراموا، الا ان القوم تراجعوا و تناشبوا و تناصحوا، و انتم قد ونيتم و تغاششتم و افترقتم، ما ان انتم ان الممتم عندى على هذا بسعداء، فانتهوا باجمعكم، و اجمعوا على حقكم، و تجردوا لحرب عدوكم، و قد ابدت الرغوه عن الصريح، و بين الصبح لذى عينين، انما تقاتلون الطلقاء، و ابناء الطلقاء و اولى الجفاء، و من اسلم كرها، و كان لرسول الله (ص) انف الاسلام كله حربا، اعداء الله و السنه و القرآن، و اهل البدع و الاحداث، و من كان بوائقه تتقى، و كان عن الاسلام منحرفا، اكله الرشا، و عبده الدنيا، لقد انهى الى ان ابن النابغه لم يبايع معاويه حتى اعطاه، و شرط له ان يوتيه ما هى اعظم مما فى يده من سلطانه.

الا صفرت يد هذا البائع دينه بالدنيا، و خزيت امانه هذا المشترى نصره فاسق غادر باموال المسلمين، و ان فيهم من قد شرب فيكم الخمر و جلد الحد، يعرف بالفساد فى الدين، و الفعل السيى ء، و ان فيهم من لم يسلم حتى رضخ له رضيخه.

فهولاء قاده القوم، و من تركت ذكر مساوئه من قادتهم مثل من ذكرت منهم، بل هو شر، و يود هولاء الذين ذكرت لو ولوا عليكم فاظهروا فيكم الكفر و الفساد و الفجور و التسلط بجبريه، و اتبعوا الهوى و حكموا بغير الحق.

و لانت م- على ما كان فيكم من تواكل و تخاذل- خير منهم و اهدى سبيلا، فيكم العلماء و الفقهاء، و النجباء و الحكماء، و حمله الكتاب و المتهجدون بالاسحار، و عمار المساجد بتلاوه القرآن، افلا تسخطون و تهتمون ان ينازعكم الولايه عليكم سفهاوكم، و الاشرار الاراذل منكم! فاسمعوا قولى و اطيعوا امرى، فو الله لئن اطعتمونى لاتغوون، و ان عصيتمونى لاترشدون، خذوا للحرب اهبتها و اعدوا لها عدتها، فقد شبت نارها، و علا سنانها و تجرد لكم فيها الفاسقون، كى يعذبوا عباد الله، و يطفئوا نور الله.

الا انه ليس اولياء الشيطان من اهل الطمع و المكر و الجفاء باولى فى الجد فى غيهم و ضلالتهم من اهل البر و الزهاده و الاخبات فى حقهم و طاعه ربهم، انى و الله لو لقيتهم فردا و هم ملا الارض، ما باليت و لااستوحشت، و انى من ضلالتهم التى هم فيها، و الهدى الذى نحن عليه، لعلى ثقه و بينه، و يقين و بصيره، و انى الى لقاء ربى لمشتاق، و لحسن ثوابه لمنتظر، و لكن اسفا يعترينى، و حزنا يخامرنى، ان يلى امر هذه الامه سفهاوها و فجارها، فيتخذوا مال الله دولا، و عباده خولا، و الفاسقين حزبا.

و ايم الله لولا ذلك لما اكثرت تانيبكم و تحريضكم، و لتركتكم، اذ ونيتم و ابيتم حتى القاهم بن فسى، متى حم لى لقاوهم.

فو الله انى لعلى الحق، و انى للشهاده لمحب، فانفروا خفافا و ثقالا، و جاهدوا باموالكم و انفسكم فى سبيل الله، ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون.

و لاتثاقلوا الى الارض فتقروا بالخسف، و تبوءوا بالذل، و يكن نصيبكم الخسران.

(ان) اخا الحرب اليقظان، و من ضعف اودى، و من ترك الجهاد كان كالمغبون المهين.

اللهم اجمعنا و اياهم على الهدى، و زهدنا و اياهم فى الدنيا، و اجعل الاخره خيرا لنا و لهم من الاولى.

(خبر مقتل محمد بن ابى حذيفه) قال ابراهيم:و حدثنى محمد بن عبدالله بن عثمان، عن المدائنى، ان محمد بن ابى حذيفه بن عتبه بن ربيعه بن عبد شمس، اصيب لما فتح عمرو بن العاص مصر، فبعث به الى معاويه بن ابى سفيان و هو يومئذ بفلسطين، فحبسه معاويه فى سجن له، فمكث فيه غير كثير، ثم هرب- و كان ابن خال معاويه- فارى معاويه الناس انه كره انفلاته من السجن، و كان يحب ان ينجو، فقال لاهل الشام:من يطلبه؟ فقال رجل من خثعم- يقال له عبيدالله بن عمرو بن ظلام، و كان شجاعا و كان عثمانيا:انا اطلبه، فخرج فى خيل فلحقه بحوارين، و قد دخل بغار هناك، فجاءت حمر فدخلته، فلما رات الرجل فى الغار فزعت و نفرت، فقال حمارون كانوا قريبا من الغار :ان لهذه الحمر لشانا، ما نفرها من هذا الغار الا امر! فذهبوا ينظرون فاذا هم به، فخرجوا به فوافاهم عبدالله بن عمرو بن ظلام، فسالهم و وصفه لهم فقالوا:ها هو هذا، فجاء، حتى استخرجه، و كره ان يصير به الى معاويه فيخلى سبيله، فضرب عنقه رحمه الله تعالى.

خطبه 068-سرزنش ياران

الشرح:

البكار:جمع بكر، و هو الفتى من الابل.

و العمده:التى قد انشدخت اسنمتها من داخل و ظاهرها صحيح، و ذلك لكثره ركوبها.

و الثياب المتداعيه:الاسمال التى قد اخلقت، و انما سميت متداعيه، لان بعضها يتخرق فيدعو بعضها الى مثل حاله.

و حيصت:خيطت، و الحوص:الخياطه.

و تهتكت:تخرقت.

و اطل عليكم، اى اشرف، و روى:(اظل) بالظاء المعجمه، و المعنى واحد.

و منسر:قطعه من الجيش تمر قدام الجيش الكثير، و الافصح (منسر) بكسر الميم و فتح السين، و يجوز (منسر) بفتح الميم و كسر السين.

و انجحر:استتر فى بيته، اجحرت الضب، اذا الجاته الى جحره فانجحر.

و الضبه:انثى الضباب، و انما اوقع التشبيه على الضبه مبالغه فى وصفهم بالجبن و الفرار، لان الانثى اجبن و اذل من الذكر.

و الوجار:بيت الضبع.

و السهم الافوق:الناصل المكسور الفوق، المنزوع النصل، و الفوق:موضع الوتر من السهم، يقال نصل السهم اذا خرج منه النصل فهو ناصل، و هذا مثل يضرب لمن استنجد بمن لاينجده.

و الباحات:جمع باحه، و هى ساحه الدار.

و الاود:العوج، اود الشى ء بكسر الواو ياود اودا، اى اعوج، و تاود، اى تعوج.

و اضرع الله خدودكم:اذل وجوهكم.

ضرع الرجل ذل و اضرعه غيره، و من ه المثل:(الحمى اضرعته لك).

و اتعس جدودكم، اى احال حظوظكم و سعودكم و اهلكها فجعلها ادبارا و نحسا.

و التعس:الهلاك.

و اصله الكب، و هو ضد الانتعاش.

تعس الرجل، بفتح العين يتعس تعسا.

يقول:كم اداريكم كما يدارى راكب البعير بعيره المنفضخ السنام، و كما يدارى لابس الثوب السمل ثوبه المتداعى، الذى كلما خيط منه جانب تمزق جانب.

ثم ذكر خبئهم و ذلهم، و قله انتصار من ينتصر بهم، و انهم كثير فى الصوره، قليل فى المعنى.

ثم قال:انى عالم بما يصلحكم، يقول:انما يصلحكم فى السياسه السيف، و صدق! فان كثيرا لايصلح الا عليه.

كما فعل الحجاج بالجيش الذى تقاعد بالمهلب فانه نادى مناديه:من وجدناه بعد ثالثه لم يلتحق بالمهلب فقد حل لنا دمه، ثم قتل عمير بن ضابى ء و غيره، فخرج الناس يهرعون الى المهلب.

و اميرالمومنين لم يكن ليستحل من دماء اصحابه ما يستحله من يريد الدنيا و سياسه الملك و انتظام الدوله، قال (ع):(لكنى لاارى اصلاحكم بافساد نفسى)، اى بافساد دينى عند الله تعالى.

فان قلت:اليست نصره الامام واجبه عليهم؟ فلم لايقتلهم اذ اخلوا بهذا الواجب؟ قلت:ليس كل اخلال بواجب يكون عقوبته القتل، كمن اخل بالحج.

و ايضا فانه كان يعلم ان عاقبه القتل فساد هم عليه و اضطرابهم، فلو اسرع فى قتلهم لشغبوا عليه شغبا يفضى الى ان يقتلوه و يقتلوا اولاده، او يسلموه و يسلموهم الى معاويه، و متى علم هذا او غلب على ظنه لم يجز له ان يسوسهم بالقتل الذى يفضى الى هذه المفسده، فلو ساسهم بالقتل و الحال هذه، لكان آثما عند الله تعالى، و مواقعا للقبيح، و فى ذلك افساد دينه كما قال:(لاتعرفون الحق كمعرفتكم الباطل...) الى آخر الفصل، فكانه قال:لاتعتقدون الصواب و الحق كما تعتقدون الخطا و الباطل، اى اعتقادكم الحق قليل، و اعتقادكم الباطل كثير، فعبر عن الاعتقاد العام بالمعرفه الخاصه، و هى نوع تحت جنسه مجازا.

ثم قال:و لاتسرعون فى نقض الباطل سرعتكم فى نقض الحق و هدمه.

(طائفه من الاشعار الوارده فى ذم الجبن) و اعلم ان الهجاء بالجبن و الذل الفرق كثير جدا، و نظير قوله:(انكم لكثير فى الباحات، قليل تحت الرايات) قول معدان الطائى:فاما الذى يحصيهم فمكثر و اما الذى يطريهم فمقلل و نحو قول قراد بن حنش، و هو من شعر الحماسه:و انتم سماء يعجب الناس رزها بابده تنحى شديد وئيدها تقطع اطناب البيوت بحاصب و اكذب شى ء برقها و رعودها فويلمها خيلا بهاء و شاره اذا لاقت الاعداء لولا صدودها! و م ن شعر الحماسه فى هذا المعنى:لقد كان فيكم لو وفيتم بجاركم لحى و رقاب عرده و مناخر من الصهب اثناء و جذعا كانها عذارى عليها شاره و معاجر و من الهجاء بالجبن و الفرار، قول بعض بنى طيى ء يهجو حاتما، و هو من شعر الحماسه ايضا:لعمرى و ما عمرى على بهين لبئس الفتى المدعو بالليل حاتم غداه اتى كالثور احرج فاتقى بجبهته اقتاله و هو قائم كان بصحراء المريط نعامه تبادرها جنح الظلام نعائم اعارتك رجليها و هافى لبها و قد جردت بيض المتون صوارم و نظير المعنى الاول ايضا قول بعضهم من شعر الحماسه:كاثر بسعد ان سعدا كثيره و لاترج من سعد وفاء و لانصرا يروعك من سعد بن عمرو جسومها و تزهد فيها حين تقتلها خبرا و منه قول عويف القوافى:و ما امكم تحت الخوافق و القنا بثكلى و لا زهراء من نسوه زهر الستم اقل الناس عند لوائهم و اكثرهم عند الذبيحه و القدر و ممن حسن الجبن و الفرار بعض الشعراء فى قوله:اضحت تشجعنى هند و قد علمت ان الشجاعه مقرون بها العطب لا و الذى حجت الانصار كعبته ما يشتهى الموت عندى من له ارب للحرب قوم اضل الله سعيهم اذا دعتهم الى حوماتها وثبوا و لست منهم و لااهوى فعالهم لا ا لقتل يعجبنى منها و لا السلب و من هذا قول ايمن بن خريم الاسدى:ان للفتنه ميطا بينا و وريد الميط منها يعتدل فاذا كان عطاء فابتدر و اذا كان قتال فاعتزل انما يسعرها جهالها حطب النار فدعها تشتعل و ممن عرف بالجبن اميه بن عبدالله بن خالد بن اسيد، عيره عبدالملك بن مروان فقال:اذا صوت العصفور طار فواده و ليث حديد الناب عند الثرائد و قال آخر:يطير فواده من نبح كلب و يكفيه من الزجر الصفير و قال آخر:و لو انها عصفوره لحسبتها مسومه تدعو عبيدا و ازنما (اخبار الجبناء و ذكر نوادرهم) و من اخبار الجبناء ما رواه ابن قتيبه فى كتاب "عيون الاخبار" قال:راى عمرو بن العاص معاويه يوما فضحك، و قال:مم تضحك يا اميرالمومنين، اضحك الله سنك! قال:اضحك من حضور ذهنك عند ابدائك سوءتك يوم ابن ابى طالب، و الله لقد وجدته منانا (كريما) و لو شاء ان يقتلك لقتلك فقال عمرو:يا اميرالمومنين، اما و الله انى لعن يمينك حين دعاك الى البراز فاحولت عيناك و انفتح سحرك، و بدا منك ما اكره ذكره لك، فمن نفسك فاضحك او فدع.

قال ابن قتيبه:و قدم الحجاج على الوليد بن عبدالملك، و عليه درع و عمامه سوداء و قوس عربيه و كنانه، فبعثت ام البن ين بنت عبدالعزيز بن مروان الى الوليد- و هى تحته يومئذ:من هذا الاعرابى المستلئم فى الصلاح عندك على خلوه، و انت فى غلاله؟ فارسل اليها الوليد:انه الحجاج، فاعادت عليه الرسول:و الله لان يخلو بك ملك الموت احب الى من ان يخلو بك الحجاج! فضحك و اخبر الحجاج بقولها و هو يمازحه، فقال الحجاج:يا اميرالمومنين، دع عنك مفاكهه النساء بزخرف القول، فانما المراه ريحانه و ليست بقهرمانه، فلا تطلعها على سرك، و مكايده عدوك.

فلما انصرف الحجاج و دخل الوليد على امراته اخبرها بمقاله الحجاج، فقالت:يا اميرالمومنين، حاجتى اليك اليوم ان تامره غدا ان ياتينى مستلئما، ففعل ذلك، و اتاها الحجاج فحجبته ثم ادخلته، و لم تاذن له فى القعود، فلم يزل قائما، ثم قالت:ايه يا حجاج! انت الممتن على اميرالمومنين بقتلك ابن الزبير و ابن الاشعث! اما و الله لولا ان الله علم انك شر خلقه ما ابتلاك برمى الكعبه الحرام، و لا بقتل ابن ذات النطاقين اول مولود فى الاسلام، و اما نهيك اميرالمومنين عن مفاكهه النساء و بلوغ لذاته و اوطاره، فان كن ينفرجن عن مثلك فما احقه بالقبول منك! و ان كن ينفرجن عن مثله، فهو غير قابل لقولك.

اما و الله لو نفض نساء اميرالمومنين الطيب من غدائرهن فبعنه فى اعطيه اهل الشام حين كنت فى اضيق من القرن، قد اظلتك الرماح، و اثخنك الكفاح، و حين كان اميرالمومنين احب اليهم من آبائهم و ابنائهم، فانجاك الله من عدو اميرالمومنين بحبهم اياه، قاتل الله القائل حين ينظر اليك و سنان غزاله بين كتفيك:اسد على و فى الحروب نعامه ربداء تنفر من صفير الصافر هلا برزت الى غزاله فى الوغى ام كان قلبك فى جناحى طائر! ثم قالت لجواريها:اخرجنه، فاخرج:و من طريف حكايات الجبناء ما ذكره ابن قتيبه ايضا فى الكتاب المذكور، قال كان بالبصره شيخ من بنى نهشل بن دارم، يقال له عروه بن مرثد، و يكنى اباالاعز، ينزل فى بنى اخت له من الازد فى سكه بنى مازن، فخرج رجالهم الى ضياعهم فى شهر رمضان، و خرج النساء يصلين فى مسجدهم، و لم يبق فى الدار الا اماء، فدخل كلب يتعسس، فراى بيتا مفتوحا فدخله، و انصفق الباب عليه، فسمع بعض الاماء الحركه، فظنوا انه لص دخل الدار، فذهبت احداهن الى ابى الاعز، فاخبرته، فقال ابوالاعز:الام يبتغى اللص عندنا! و اخذ عصاه، و جاء حتى وقف بباب البيت، و قال:ايه يا فلان! اما و الله انى بك لعارف، فهل انت من لصوص بنى مازن! شربت حامضا خبيثا، حتى اذا دارت فى راسك منتك نفسك ال امانى، و قلت:اطرق دور بنى عمرو، و الرجال خلوف، و النساء يصلين فى مسجدهن، فاسرقهم.

سوءه لك! و الله ما يفعل هذا ولد الاحرار! و ايم الله لتخرجن او لاهتفن هتفه مشئومه يلتقى فيها الحيان:عمرو و حنظله، و تجى ء سعد عدد الحصى، و تسيل عليك الرجال، من هنا و هنا، و لئن فعلت لتكونن اشام مولود! فلما راى انه لايجيبه، اخذه باللين، فقال:اخرج- بابى انت- مستورا، و الله ما اراك تعرفنى.

و لو عرفتنى لقنعت بقولى، و اطماننت الى ابن اختى البار الوصول، انا- فديتك- ابوالاعز النهشلى! و انا خال القوم، و جلده بين اعينهم، لايعصوننى، و لاتضار الليله و انت فى ذمتى، و عندى قوصرتان، اهداهما الى ابن اختى البار الوصول، فخذ احداهما، فانبذها حلالا من الله و رسوله.

و كان الكلب اذا سمع الكلام اطرق، و اذا سكت ابوالاعز وثب يريد المخرج، فتهانف ابوالاعز، ثم تضاحك، و قال:يا الام الناس و اوضعهم! الا ارانى لك منذ الليله فى واد و انت لى فى واد آخر، اقبلت السوداء و البيضاء، فتصيح و تطرق، فاذا سكت عنك و ثبت تريد الخروج! و الله لتخرجن او لالجن عليك البيت.

فلما طال وقوفه جاءت احدى الاماء فقالت:اعرابى مجنون و الله، ما ارى فى البيت شيئا، فدفعت الباب فخرج ال كلب شاردا، و حاد عنه ابوالاعز ساقطا على قفاه، شائله رجلاه، و قال:تالله ما رايت كالليله هذه! ما اراه الا كلبا، و لو علمت بحاله لولجت عليه و نظير هذه الحكايه حكايه ابى حيه النميرى، و كان جبانا، قيل:كان لابى حيه سيف ليس بينه و بين الخشب فرق، كان يسميه لعاب المنيه، فحكى عنه بعض جيرانه انه قال:اشرفت عليه ليله، و قد انتضاه و هو واقف بباب بيت فى داره، و قد سمع فيه حسا، و هو يقول:ايها المغتر بنا، المجترى ء علينا، بئس و الله ما اخترت لنفسك! خير قليل و سيف صقيل، لعاب المنيه الذى سمعت به، مشهوره صولته، و لاتخاف نبوته.

اخرج بالعفو عنك، لاادخل بالعقوبه عليك، انى و الله ان ادع قيسا تملا الفضاء عليك خيلا و رجلا.

سبحان الله! ما اكثرها و اطيبها، و الله ما انت ببعيد من تابعها، و الرسوب فى تيار لجتها! و قال:وهبت ريح ففتحت الباب، فخرج كلب يشتد، فلبط بابى حيه و اربد، و شغر برجليه، و تبادرت اليه نساء الحى، فقلن:يا ابا حيه، لتفرخ روعتك، انما هو كلب، فجلس و هو:يقول الحمد لله الذى مسخك كلبا، و كفانى حربا! و خرج مغيره بن سعيد العجلى فى ثلاثين رجلا ظهر الكوفه، فعطعطوا، و خالد بن عبدالله القسرى امير العراق، يخطب على المنبر فعرق، و اضطرب و تحير، و جعل يقول:اطعمونى ماء، فهجاه ابن نوفل فقال:اخالد لا جزاك الله خيرا و ايرى فى حرامك من امير تروم الفخر فى اعراب قسر كانك من سراه بنى جرير جرير من ذوى يمن اصيل كريم الاصل ذو خطر كبير و امك علجه و ابوك وغد و ما الاذناب عدل للصدور! و كنت لدى المغيره عبد سوء تبول من المخافه للزئير لاعلاج ثمانيه و شيخ كبير السن ليس بذى ضرير صرخت من المخافه اطعمونى شرابا ثم بلت على السرير و قال آخر يعيره بذلك:بل المنابر من خوف و من دهش و استطعم الماء لما جد فى الهرب و من كلام ابن المقفع فى ذم الجبن:الجبن مقتله، و الحرص محرمه، فانظر فيما رايت و سمعت:من قتل فى الحرب مقبلا اكثر ام من قتل مدبرا! و انظر من يطلب اليك بالاجمال و التكرم احق ان تسخو نفسك له بالعطيه، ام من يطلب ذلك بالشره و الحرص!

خطبه 069-پس از ضربت خوردن