و الضبه:انثى الضباب، و انما اوقع التشبيه على الضبه مبالغه فى وصفهم بالجبن و الفرار، لان الانثى اجبن و اذل من الذكر.
و الوجار:بيت الضبع.
و السهم الافوق:الناصل المكسور الفوق، المنزوع النصل، و الفوق:موضع الوتر من السهم، يقال نصل السهم اذا خرج منه النصل فهو ناصل، و هذا مثل يضرب لمن استنجد بمن لاينجده.
و الباحات:جمع باحه، و هى ساحه الدار.
و الاود:العوج، اود الشى ء بكسر الواو ياود اودا، اى اعوج، و تاود، اى تعوج.
و اضرع الله خدودكم:اذل وجوهكم.
ضرع الرجل ذل و اضرعه غيره، و من ه المثل:(الحمى اضرعته لك).
و اتعس جدودكم، اى احال حظوظكم و سعودكم و اهلكها فجعلها ادبارا و نحسا.
و التعس:الهلاك.
و اصله الكب، و هو ضد الانتعاش.
تعس الرجل، بفتح العين يتعس تعسا.
يقول:كم اداريكم كما يدارى راكب البعير بعيره المنفضخ السنام، و كما يدارى لابس الثوب السمل ثوبه المتداعى، الذى كلما خيط منه جانب تمزق جانب.
ثم ذكر خبئهم و ذلهم، و قله انتصار من ينتصر بهم، و انهم كثير فى الصوره، قليل فى المعنى.
ثم قال:انى عالم بما يصلحكم، يقول:انما يصلحكم فى السياسه السيف، و صدق! فان كثيرا لايصلح الا عليه.
كما فعل الحجاج بالجيش الذى تقاعد بالمهلب فانه نادى مناديه:من وجدناه بعد ثالثه لم يلتحق بالمهلب فقد حل لنا دمه، ثم قتل عمير بن ضابى ء و غيره، فخرج الناس يهرعون الى المهلب.
و اميرالمومنين لم يكن ليستحل من دماء اصحابه ما يستحله من يريد الدنيا و سياسه الملك و انتظام الدوله، قال (ع):(لكنى لاارى اصلاحكم بافساد نفسى)، اى بافساد دينى عند الله تعالى.
فان قلت:اليست نصره الامام واجبه عليهم؟ فلم لايقتلهم اذ اخلوا بهذا الواجب؟ قلت:ليس كل اخلال بواجب يكون عقوبته القتل، كمن اخل بالحج.
و ايضا فانه كان يعلم ان عاقبه القتل فساد هم عليه و اضطرابهم، فلو اسرع فى قتلهم لشغبوا عليه شغبا يفضى الى ان يقتلوه و يقتلوا اولاده، او يسلموه و يسلموهم الى معاويه، و متى علم هذا او غلب على ظنه لم يجز له ان يسوسهم بالقتل الذى يفضى الى هذه المفسده، فلو ساسهم بالقتل و الحال هذه، لكان آثما عند الله تعالى، و مواقعا للقبيح، و فى ذلك افساد دينه كما قال:(لاتعرفون الحق كمعرفتكم الباطل...) الى آخر الفصل، فكانه قال:لاتعتقدون الصواب و الحق كما تعتقدون الخطا و الباطل، اى اعتقادكم الحق قليل، و اعتقادكم الباطل كثير، فعبر عن الاعتقاد العام بالمعرفه الخاصه، و هى نوع تحت جنسه مجازا.
ثم قال:و لاتسرعون فى نقض الباطل سرعتكم فى نقض الحق و هدمه.
(طائفه من الاشعار الوارده فى ذم الجبن) و اعلم ان الهجاء بالجبن و الذل الفرق كثير جدا، و نظير قوله:(انكم لكثير فى الباحات، قليل تحت الرايات) قول معدان الطائى:فاما الذى يحصيهم فمكثر و اما الذى يطريهم فمقلل و نحو قول قراد بن حنش، و هو من شعر الحماسه:و انتم سماء يعجب الناس رزها بابده تنحى شديد وئيدها تقطع اطناب البيوت بحاصب و اكذب شى ء برقها و رعودها فويلمها خيلا بهاء و شاره اذا لاقت الاعداء لولا صدودها! و م ن شعر الحماسه فى هذا المعنى:لقد كان فيكم لو وفيتم بجاركم لحى و رقاب عرده و مناخر من الصهب اثناء و جذعا كانها عذارى عليها شاره و معاجر و من الهجاء بالجبن و الفرار، قول بعض بنى طيى ء يهجو حاتما، و هو من شعر الحماسه ايضا:لعمرى و ما عمرى على بهين لبئس الفتى المدعو بالليل حاتم غداه اتى كالثور احرج فاتقى بجبهته اقتاله و هو قائم كان بصحراء المريط نعامه تبادرها جنح الظلام نعائم اعارتك رجليها و هافى لبها و قد جردت بيض المتون صوارم و نظير المعنى الاول ايضا قول بعضهم من شعر الحماسه:كاثر بسعد ان سعدا كثيره و لاترج من سعد وفاء و لانصرا يروعك من سعد بن عمرو جسومها و تزهد فيها حين تقتلها خبرا و منه قول عويف القوافى:و ما امكم تحت الخوافق و القنا بثكلى و لا زهراء من نسوه زهر الستم اقل الناس عند لوائهم و اكثرهم عند الذبيحه و القدر و ممن حسن الجبن و الفرار بعض الشعراء فى قوله:اضحت تشجعنى هند و قد علمت ان الشجاعه مقرون بها العطب لا و الذى حجت الانصار كعبته ما يشتهى الموت عندى من له ارب للحرب قوم اضل الله سعيهم اذا دعتهم الى حوماتها وثبوا و لست منهم و لااهوى فعالهم لا ا لقتل يعجبنى منها و لا السلب و من هذا قول ايمن بن خريم الاسدى:ان للفتنه ميطا بينا و وريد الميط منها يعتدل فاذا كان عطاء فابتدر و اذا كان قتال فاعتزل انما يسعرها جهالها حطب النار فدعها تشتعل و ممن عرف بالجبن اميه بن عبدالله بن خالد بن اسيد، عيره عبدالملك بن مروان فقال:اذا صوت العصفور طار فواده و ليث حديد الناب عند الثرائد و قال آخر:يطير فواده من نبح كلب و يكفيه من الزجر الصفير و قال آخر:و لو انها عصفوره لحسبتها مسومه تدعو عبيدا و ازنما (اخبار الجبناء و ذكر نوادرهم) و من اخبار الجبناء ما رواه ابن قتيبه فى كتاب "عيون الاخبار" قال:راى عمرو بن العاص معاويه يوما فضحك، و قال:مم تضحك يا اميرالمومنين، اضحك الله سنك! قال:اضحك من حضور ذهنك عند ابدائك سوءتك يوم ابن ابى طالب، و الله لقد وجدته منانا (كريما) و لو شاء ان يقتلك لقتلك فقال عمرو:يا اميرالمومنين، اما و الله انى لعن يمينك حين دعاك الى البراز فاحولت عيناك و انفتح سحرك، و بدا منك ما اكره ذكره لك، فمن نفسك فاضحك او فدع.
قال ابن قتيبه:و قدم الحجاج على الوليد بن عبدالملك، و عليه درع و عمامه سوداء و قوس عربيه و كنانه، فبعثت ام البن ين بنت عبدالعزيز بن مروان الى الوليد- و هى تحته يومئذ:من هذا الاعرابى المستلئم فى الصلاح عندك على خلوه، و انت فى غلاله؟ فارسل اليها الوليد:انه الحجاج، فاعادت عليه الرسول:و الله لان يخلو بك ملك الموت احب الى من ان يخلو بك الحجاج! فضحك و اخبر الحجاج بقولها و هو يمازحه، فقال الحجاج:يا اميرالمومنين، دع عنك مفاكهه النساء بزخرف القول، فانما المراه ريحانه و ليست بقهرمانه، فلا تطلعها على سرك، و مكايده عدوك.
فلما انصرف الحجاج و دخل الوليد على امراته اخبرها بمقاله الحجاج، فقالت:يا اميرالمومنين، حاجتى اليك اليوم ان تامره غدا ان ياتينى مستلئما، ففعل ذلك، و اتاها الحجاج فحجبته ثم ادخلته، و لم تاذن له فى القعود، فلم يزل قائما، ثم قالت:ايه يا حجاج! انت الممتن على اميرالمومنين بقتلك ابن الزبير و ابن الاشعث! اما و الله لولا ان الله علم انك شر خلقه ما ابتلاك برمى الكعبه الحرام، و لا بقتل ابن ذات النطاقين اول مولود فى الاسلام، و اما نهيك اميرالمومنين عن مفاكهه النساء و بلوغ لذاته و اوطاره، فان كن ينفرجن عن مثلك فما احقه بالقبول منك! و ان كن ينفرجن عن مثله، فهو غير قابل لقولك.
اما و الله لو نفض نساء اميرالمومنين الطيب من غدائرهن فبعنه فى اعطيه اهل الشام حين كنت فى اضيق من القرن، قد اظلتك الرماح، و اثخنك الكفاح، و حين كان اميرالمومنين احب اليهم من آبائهم و ابنائهم، فانجاك الله من عدو اميرالمومنين بحبهم اياه، قاتل الله القائل حين ينظر اليك و سنان غزاله بين كتفيك:اسد على و فى الحروب نعامه ربداء تنفر من صفير الصافر هلا برزت الى غزاله فى الوغى ام كان قلبك فى جناحى طائر! ثم قالت لجواريها:اخرجنه، فاخرج:و من طريف حكايات الجبناء ما ذكره ابن قتيبه ايضا فى الكتاب المذكور، قال كان بالبصره شيخ من بنى نهشل بن دارم، يقال له عروه بن مرثد، و يكنى اباالاعز، ينزل فى بنى اخت له من الازد فى سكه بنى مازن، فخرج رجالهم الى ضياعهم فى شهر رمضان، و خرج النساء يصلين فى مسجدهم، و لم يبق فى الدار الا اماء، فدخل كلب يتعسس، فراى بيتا مفتوحا فدخله، و انصفق الباب عليه، فسمع بعض الاماء الحركه، فظنوا انه لص دخل الدار، فذهبت احداهن الى ابى الاعز، فاخبرته، فقال ابوالاعز:الام يبتغى اللص عندنا! و اخذ عصاه، و جاء حتى وقف بباب البيت، و قال:ايه يا فلان! اما و الله انى بك لعارف، فهل انت من لصوص بنى مازن! شربت حامضا خبيثا، حتى اذا دارت فى راسك منتك نفسك ال امانى، و قلت:اطرق دور بنى عمرو، و الرجال خلوف، و النساء يصلين فى مسجدهن، فاسرقهم.
سوءه لك! و الله ما يفعل هذا ولد الاحرار! و ايم الله لتخرجن او لاهتفن هتفه مشئومه يلتقى فيها الحيان:عمرو و حنظله، و تجى ء سعد عدد الحصى، و تسيل عليك الرجال، من هنا و هنا، و لئن فعلت لتكونن اشام مولود! فلما راى انه لايجيبه، اخذه باللين، فقال:اخرج- بابى انت- مستورا، و الله ما اراك تعرفنى.
و لو عرفتنى لقنعت بقولى، و اطماننت الى ابن اختى البار الوصول، انا- فديتك- ابوالاعز النهشلى! و انا خال القوم، و جلده بين اعينهم، لايعصوننى، و لاتضار الليله و انت فى ذمتى، و عندى قوصرتان، اهداهما الى ابن اختى البار الوصول، فخذ احداهما، فانبذها حلالا من الله و رسوله.
و كان الكلب اذا سمع الكلام اطرق، و اذا سكت ابوالاعز وثب يريد المخرج، فتهانف ابوالاعز، ثم تضاحك، و قال:يا الام الناس و اوضعهم! الا ارانى لك منذ الليله فى واد و انت لى فى واد آخر، اقبلت السوداء و البيضاء، فتصيح و تطرق، فاذا سكت عنك و ثبت تريد الخروج! و الله لتخرجن او لالجن عليك البيت.
فلما طال وقوفه جاءت احدى الاماء فقالت:اعرابى مجنون و الله، ما ارى فى البيت شيئا، فدفعت الباب فخرج ال كلب شاردا، و حاد عنه ابوالاعز ساقطا على قفاه، شائله رجلاه، و قال:تالله ما رايت كالليله هذه! ما اراه الا كلبا، و لو علمت بحاله لولجت عليه و نظير هذه الحكايه حكايه ابى حيه النميرى، و كان جبانا، قيل:كان لابى حيه سيف ليس بينه و بين الخشب فرق، كان يسميه لعاب المنيه، فحكى عنه بعض جيرانه انه قال:اشرفت عليه ليله، و قد انتضاه و هو واقف بباب بيت فى داره، و قد سمع فيه حسا، و هو يقول:ايها المغتر بنا، المجترى ء علينا، بئس و الله ما اخترت لنفسك! خير قليل و سيف صقيل، لعاب المنيه الذى سمعت به، مشهوره صولته، و لاتخاف نبوته.
اخرج بالعفو عنك، لاادخل بالعقوبه عليك، انى و الله ان ادع قيسا تملا الفضاء عليك خيلا و رجلا.
سبحان الله! ما اكثرها و اطيبها، و الله ما انت ببعيد من تابعها، و الرسوب فى تيار لجتها! و قال:وهبت ريح ففتحت الباب، فخرج كلب يشتد، فلبط بابى حيه و اربد، و شغر برجليه، و تبادرت اليه نساء الحى، فقلن:يا ابا حيه، لتفرخ روعتك، انما هو كلب، فجلس و هو:يقول الحمد لله الذى مسخك كلبا، و كفانى حربا! و خرج مغيره بن سعيد العجلى فى ثلاثين رجلا ظهر الكوفه، فعطعطوا، و خالد بن عبدالله القسرى امير العراق، يخطب على المنبر فعرق، و اضطرب و تحير، و جعل يقول:اطعمونى ماء، فهجاه ابن نوفل فقال:اخالد لا جزاك الله خيرا و ايرى فى حرامك من امير تروم الفخر فى اعراب قسر كانك من سراه بنى جرير جرير من ذوى يمن اصيل كريم الاصل ذو خطر كبير و امك علجه و ابوك وغد و ما الاذناب عدل للصدور! و كنت لدى المغيره عبد سوء تبول من المخافه للزئير لاعلاج ثمانيه و شيخ كبير السن ليس بذى ضرير صرخت من المخافه اطعمونى شرابا ثم بلت على السرير و قال آخر يعيره بذلك:بل المنابر من خوف و من دهش و استطعم الماء لما جد فى الهرب و من كلام ابن المقفع فى ذم الجبن:الجبن مقتله، و الحرص محرمه، فانظر فيما رايت و سمعت:من قتل فى الحرب مقبلا اكثر ام من قتل مدبرا! و انظر من يطلب اليك بالاجمال و التكرم احق ان تسخو نفسك له بالعطيه، ام من يطلب ذلك بالشره و الحرص!