شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 268
نمايش فراداده

خطبه 096-در باب اصحابش

الشرح:

امهله: اخره، و اخذه فاعل، و المفعول محذوف تقديره: (فلن يفوته).

و المرصاد: الطريق، و هى من الفاظ الكتاب العزيز.

و مجاز طريقه: مسلكه و موضع جوازه.

و الشجا: ما ينشب فى الحلق من عظم او غيره، و موضع الشجا: هو الحلق نفسه.

و مساغ ريقه: موضع الاساغه، اسغت الشراب: اوصلته الى المعده، و يجوز: سغت الشراب اسوغه و اسيغه، و ساغ الشراب نفسه يسوغ سوغا، اى سهل مدخله فى الحلق، يتعدى و لايتعدى.

و هذا الكلام من باب التوسع و المجاز، لان الله تعالى لايجوز عليه الحصول فى الجهات، و لكنه كقوله تعالى: (و هو معكم اينما كنتم).

و قوله: (و نحن اقرب اليه من حبل الوريد).

ثم اقسم (ع) ان اهل الشام لابد ان يظهروا على اهل العراق، و ان ذلك ليس لانهم على الحق و اهل العراق على الباطل، بل لانهم اطوع لاميرهم، و مدار النصره فى الحرب انما هو على طاعه الجيش و انتظام امره، لا على اعتقاد الحق، فانه ليس يغنى فى الحرب ان يكون الجيش محقا فى العقيده اذا كان مختلف الاراء، غير مطيع لامر المدبر له، و لهذا تجد اهل الشرك كثيرا ما ينتصرون على اهل التوحيد.

ثم ذكر (ع) نكته لطيفه فى هذا المعنى، فقال: العاده ان الرعيه تخاف ظلم الوالى، و انا اخاف ظلم رعيتى، و من تامل احواله (ع) فى خلافته، علم انه كان كالمحجور عليه، لايتمكن من بلوغ ما فى نفسه، و ذلك لان العارفين بحقيقه حاله كانوا قليلين، و كان السواد الاعظم، لايعتقدون فيه الامر الذى يجب اعتقاده فيه، و يرون تفضيل من تقدمه من الخلفاء عليه، و يظنون ان الافضليه انما هى الخلافه، و يقلد اخلافهم اسلافهم، و يقولون: لولا ان الاوائل علموا فضل المتقدمين عليه لما قدموهم، و لايرونه الا بعين التبعيه لمن سبقه، و انه كان رعيه لهم، و اكثرهم انما يحارب معه بالحميه و بنخوه العربيه لا بالدين و العقيده، و كان (ع) مدفوعا الى مداراتهم و مقاربتهم، و لم يكن قادرا على اظهار ما عنده، الا ترى الى كتابه الى قضاته فى الامصار.

و قوله: (فاقضوا كما كنتم تقضون، حتى تكون للناس جماعه، و اموت كما مات اصحابى)، و هذا الكلام لايحتاج الى تفسير، و معناه واضح، و هو انه قال لهم: اتبعوا عادتكم الان بعاجل الحال فى الاحكام و القضايا التى كنتم تقضون بها الى ان يكون للناس جماعه، اى الى ان تسفر هذه الامور و الخطوب عن الاجتماع و زوال الفرقه و سكون الفتنه، و حينئذ اعرفكم ما عندى فى هذه القضايا و الاحكام التى قد استمررتم عليها.

ثم قال: (او اموت كما مات ا صحابى)، فمن قائل يقول: عنى باصحابه الخلفاء المتقدمين و من قائل يقول: عنى باصحابه شيعته كسلمان، و ابى ذر، و المقداد، و عمار، و نحوهم، الا ترى الى قوله على المنبر فى امهات الاولاد: (كان رايى و راى عمر الا يبعن، و انا ارى الان بيعهن)، فقام عليه عبيده السلمانى فقال له: رايك مع الجماعه احب الينا من رايك وحدك، فما اعاد عليه حرفا، فهل يدل هذا على القوه و القهر، ام على الضعف فى السلطان و الرخاوه! و هل كانت المصلحه و الحكمه تقتضى فى ذلك الوقت غير السكوت و الامساك! الا ترى انه كان يقرا فى صلاه الصبح و خلفه جماعه من اصحابه، فقرا واحد منهم رافعا صوته، معارضا قراءه اميرالمومنين (ع): (ان الحكم الا لله يقضى بالحق و هو خير الفاصلين).

فلم يضطرب (ع)، و لم يقطع صلاته و لم يلتفت وراءه، و لكنه قرا معارضا له على البديهه: (فاصبر ان وعد الله حق و لايستخفنك الذين لايوقنون).

و هذا صبر عظيم و اناه عجيبه و توفيق بين، و بهذا و نحوه استدل اصحابنا المتكلمون على حسن سياسته و صحه تدبيره، لان من منى بهذه الرعيه المختلفه الاهواء، و هذا الجيش العاصى له، المتمرد عليه، ثم كسر بهم الاعداء، و قتل بهم الروساء، فليس يبلغ احد فى حسن السياسه و صحه الت دبير مبلغه، و لايقدر احد قدره، و قد قال بعض المتكلمين من اصحابنا: ان سياسه على (ع) اذا تاملها المنصف متدبرا لها بالاضافه الى احواله التى دفع اليها مع اصحابه، جرت مجرى المعجزات، لصعوبه الامر و تعذره فان اصحابه كانوا فرقتين: احداهما تذهب الى ان عثمان قتل مظلوما و تتولاه و تبرا من اعدائه، و الاخرى- و هم جمهور اصحاب الحرب و اهل الغناء و الباس- يعتقدون ان عثمان قتل لاحداث اوجبت عليه القتل، و قد كان منهم من يصرح بتكفيره، و كل من هاتين الفرقتين يزعم ان عليا (ع) موافق لها على رايها، و تطالبه فى كل وقت بان يبدى مذهبه فى عثمان، و تساله ان يجيب بجواب واضح فى امره، و كان (ع)، يعلم انه متى وافق احدى الطائفتين باينته الاخرى، و اسلمته و تولت عنه و خذلته، فاخذ (ع) يعتمد فى جوابه و يستعمل فى كلامه ما تظن به كل واحده من الفرقتين انه يوافق رايها و يماثل اعتقادها، فتاره يقول: الله قتله و انا معه، و تذهب الطائفه المواليه لعثمان الى انه اراد ان الله اماته و سميتنى كما اماته و تذهب الطائفه الاخرى الى انه اراد انه قتل عثمان مع قتل الله له ايضا، و كذلك قوله تاره اخرى: (ما امرت به و لانهيت عنه)، و قوله: (لو امرت به لكنت قاتلا، و لو ن هيت عنه لكنت ناصرا)، و اشياء من هذا الجنس مذكوره مرويه عنه، فلم يزل على هذه الوتيره حتى قبض (ع)، و كل من الطائفتين مواليه له معتقده ان رايه فى عثمان كرايها، فلو لم يكن له من السياسه الا هذا القدر- مع كثره خوض الناس حينئذ فى امر عثمان و الحاجه الى ذكره فى كل مقام- لكفاه فى الدلاله على انه اعرف الناس بها، و احذقهم فيها، و اعلمهم بوجوه مخارج الكلام، و تدبير احوال الرجال.

ثم نعود الى