الصادفين عنها، اى المعرضين، و امراه صدوف: التى تعرض وجهها عليك ثم تصدف عنك.
و عما قليل: عن قليل، و ما زائده.
و الثاوى: المقيم، ثوى يثوى ثواء و ثويا، مثل مضى يمضى مضاء و مضيا، و يجوز: ثويت بالبصره و ثويت البصره، و جاء (اثويت بالمكان)، لغه فى (ثويت، قال الاعشى: اثوى و قصر ليله ليزودا فمضت و اخلف من قتيله موعدا و المترف: الذى قد اترفته النعمه، اى اطغته، يقول (ع): لايعود على الناس ما ادبر و تولى عنهم من احوالهم الماضيه، كالشباب و القوه، و لايعلم حال المستقبل من صحه او مرض، او حياه او موت لينتظر، و ينظر الى هذا المعنى قول الشاعر: و اضيع العمر، لا الماضى انتفعت به و لاحصلت على علم من الباقى و مشوب: مخلوط، شبته اشوبه فهو مشوب، و جاء (مشيب) فى قول الشاعر: و ماء قدور فى القصاع مشيب فبناه على (شيب) لم يسم فاعله، و فى المثل: (هو يشوب و يروب)، يضرب لمن يخلط فى القول او العمل.
و الجلد: الصلابه و القوه.
و الوهن: الضعف نفسه، و انما عطف للتاكيد، كقوله تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعه و منهاجا)، و قوله: (لايمسنا فيها نصب و لايمسنا فيها لغوب).
ثم نهى عن الاغترار بكثره العجب من الدنيا، و علل حسن هذ ا النهى، و قبح الاغترار بما نشاهده عيانا من قله ما يصحب مفارقيها منها.
و قال الشاعر: فما تزود مما كان يجمعه الا حنوطا غداه البين فى خرق و غير نفحه اعواد شببن له و قل ذلك من زاد لمنطلق ثم جعل التفكر عله الاعتبار، و جعل الاعتبار عله الابصار، و هذا حق، لان الفكر يوجب الاتعاظ، و الاتعاظ يوجب الكشف، و المشاهده بالبصيره التى نورها الاتعاظ.
ثم ذكر ان ما هو كائن و موجود من الدنيا سيصير عن قليل- اى بعد زمان قصير- معدوما، و الزمان القصير هاهنا: انقضاء الاجل و حضور الموت.
ثم قال: ان الذى هو كائن و موجود من الاخره سيصير عن قليل- اى بعد زمان قصير ايضا- كانه لم يزل، و الزمان القصير هاهنا هو حضور القيامه، و هى و ان كانت تاتى بعد زمان طويل، الا ان الميت لايحس بطوله، و لا فرق بين الف الف سنه عنده اذا عاد حيا، و بين يوم واحد، لان الشعور بالبطء فى الزمان مشروط بالعلم بالحركه، و يدل على ذلك حال النائم.
ثم قال: كل معدود منقض، و هذا تنبيه بطريق الاستدلال النظرى على ان الدنيا زائله و منصرفه، و قد استدل المتكلمون بهذا على ان حركات الفلك يستحيل الا يكون لها اول، فقالوا لانها داخله تحت العدد، و كل معدود يستحيل ان يكون غير متناه، و الكلام فى هذا مذكور فى كتبنا العقليه.
ثم ذكر ان كل ما يتوقع لابد ان ياتى، و كل ما سياتى فهو قريب و كانه قد اتى، و هذا مثل قول قس بن ساعده الايادى: ما لى ارى الناس يذهبون ثم لايرجعون! ارضوا بالمقام فاقاموا، ام تركوا هناك فناموا! اقسم قس قسما، ان فى السماء لخبرا، و ان فى الارض لعبرا، سقف مرفوع، و مهاد موضوع، و نجوم تمور، و بحار لاتغور.
اسمعوا ايها الناس و عوا! من عاش مات، و من مات فات، و كل ما هو آت آت.
قوله (ع): (العالم من عرف قدره)، من الامثال المشهوره عنه (ع)، و قد قال الناس بعده فى ذلك فاكثروا، نحو قولهم: اذا جهلت قدر نفسك فانت لقدر غيرك اجهل.
و نحو قولهم: من لم يعرف قدر نفسه، فالناس اعذر منه اذا لم يعرفوه، و نحو قول الشاعر ابى الطيب: و من جهلت نفسه قدره راى غيره منه ما لايرى ثم عبر عن هذا المعنى بعباره اخرى، فصارت مثلا ايضا، و هى قوله: (كفى بالمرء جهلا الا يعرف قدره)، و من الكلام المروى عن ابى عبدالله الصادق (ع) مرفوعا: (ما هلك امرو عرف قدره)، رواه ابوالعباس المبرد عنه فى الكامل.
قال: ثم قال ابوعبدالله (ع): و ما اخال رجلا يرفع نفسه فوق قدرها الا من خلل فى عقله.
و روى صاحب "الكامل" ايضا عن ابى جعفر الباقر (ع)، قال: لما حضرت الوفاه على بن الحسين (ع) ابى ضمنى الى صدره، ثم قال: يا بنى اوصيك بما اوصانى به ابى يوم قتل، و بما ذكر لى ان اباه عليا (ع) اوصاه به: يا بنى عليك ببذل نفسك، فانه لايسر اباك بذل نفسه حمر النعم.
و كان يقال: من عرف قدره استراح.
و فى الحديث المرفوع: (ما رفع امرو نفسه فى الدنيا درجه الا حطه الله تعالى فى الاخره درجات).
و كان يقال: من رضى عن نفسه كثر الساخطون عليه .
ثم ذكر (ع) ان من ابغض البشر الى الله عبدا وكله الله الى نفسه، اى لم يمده بمعونته و الطافه، لعلمه انه لاينجع ذلك فيه، و انه لاينجذب الى الخير و الطاعه، و لايوثر شى ء ما فى تحريك دواعيه اليها، فيكله الله حينئذ الى نفسه.
و الجائر: العادل عن السمت، و لما كان هذا الشقى خابطا فيما يعتقده و يذهب اليه مستندا الى الجهل و فساد النظر جعله كالسائر بغير دليل.
و الحرث هاهنا: كل ما يفعل ليثمر فائده، فحرث الدنيا كالتجاره و الزراعه، و حرث الاخره فعل الطاعات و اجتناب المقبحات و المعاصى، و سمى حرثا على جهه المجاز، تشبيها بحرث الارض، و هو من الالفاظ القرآنيه.
و كسل الرجل بكسر السين، يكسل، اى يتثاقل عن الامور، فهو كسلان، و قوم كسالى و كسالى بالفتح و الضم.
قال (ع): حتى كان ما عمله من امور الدنيا هو الواجب عليه، لحرصه و جده فيه، و كان ماونى عنه- اى فتر فيه من امور الاخره- ساقط عنه، و غير واجب عليه لاهماله و تقصيره فيه.
قال الرضى رحمه الله تعالى: اما قوله (ع): (كل مومن نومه) فانما اراد به الخامل الذكر القليل الشر، و المساييح: جمع مسياح، و هو الذى يسيح بين الناس بالفساد و النمائم، و المذاييع: جمع مذياع، و هو الذى اذا سمع لغيره بفاحشه اذاعها، و نوه بها.
و البذر: جمع بذور، و هو الذى يكثر سفهه و يلغو منطقه.
شهد: حضر، و كفات الاناء اى قلبته و كببته.
و قال ابن الاعرابى: يجوز اكفاته ايضا، و البذر: جمع بذور مثل صبور و صبر، و هو الذى يذيع الاسرار، و ليس كما قال الرضى رحمه الله تعالى، فقد يكون الانسان بذورا و ان لم يكثر سفهه و لم يلغ منطقه، بان يكون علنه مذياعا من غير سفه و لالغو.
و الضراء: الشده، و مثلها الباساء، و هما اسمان مونثان من غير تذكير، و اجاز الفراء ان يجمع على آضر و ابوس، كما يجمع النعماء على انعم.
و اعلم انه قد جاء فى التواضع و هضم النفس شى ء كثير، و من ذلك الحديث المرفوع (من تواضع لله رفعه الله، و من تكبر على الله وضعه).
و يقال: ان الله تعالى قال لموسى: انما كلمتك لان فى اخلاقك خلقا احبه الله، و هو التواضع.
و راى محمد بن واسع ابنه يمشى الخيلاء، فناداه فقال: ويلك! اتمشى هذه المشيه، و ابوك ابوك، و امك امك! اما امك فامه، ابتعتها بمائتى درهم، و اما ابوك فلا كثر الله فى الناس مثله.
و مثل قوله (ع): (كل مومن نومه ان شهد لم يعرف و ان غاب لم يفتقد)، قول رسول الله (ص): (رب اشعث اغبر ذى طمرين لا يوبه له، لو اقسم على الله لابر قسمه).
و قال عمر لابنه عبدالله: التمس الرفعه بالتواضع و الشرف بالدين، و العفو من الله بالعفو عن الناس، و اياك و الخيلاء فتضع من نفسك، و لاتحقرن احدا فانك لاتدرى لعل من تزدريه عيناك اقرب الى الله وسيله منك.
و قال الاحنف: عجبت لمن جرى فى مجرى البول مرتين، من فرجين، كيف يتكبر! و قد جاء فى كلام رسول الله (ص) ما يناسب كلام اميرالمومنين (ع) هذا: (ان الله يحب الاخفياء الاتقياء الابرياء، الذين اذا غابوا لم يفتقدوا، و اذا حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمه).
و اما افشاء السر و اذاعته، فقد ورد فيه ايضا ما يكثر، و لو لم يرد فيه الا قوله سبحانه: (و لاتطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم) لكفى.
و فى الحديث المرفوع: (من اكل باخيه اكله اطعمه الله مثلها من نار جهنم) قيل فى تفسيره: هو ان يسعى باخيه و يجر نفعا بسعايته.
الجنيد: ستر ما عاينت احسن من اشاعه ما ظننت.
عبدالرحمن بن عوف: من سمع بفاحشه فافشاها فهو كالذى اتاها.
قال رجل لعمرو بن عبيد: ان عليا الاسوارى لم يزل منذ اليوم يذكرك بسوء و يقول: الضال.
فقال عمرو: يا هذا، ما رعيت حق مجالسه الرجل حين نقلت الينا حديثه، و لاوفيتنى حقى حين ابلغتنى عن اخى ما اكرهه! اعلم ان الموت يعمنا، و البعث بحشرنا، و القيامه تجمعنا، و الله يحكم بيننا.
و كان يقال: من نم اليك نم عليك.
و قالوا فى السعاه: يكفيك ان الصدق محمود الا منهم، و ان اصدقهم اخبثهم.
وشى واش برجل الى الاسكندر، فقال له: اتحب ان اقبل منك ما قلت فيه، على ان اقبل منه ما قال فيك؟ قال: لا، قال: فكف عن الشر يكف عنك.
قال رجل لفيلسوف: عابك فلان بكذا، قال: لقيتنى لقحتك بما لم يلقنى به لحيائه.
عاب مصعب بن الزبير الاحنف عن شى ء بلغه عنه، فانكره، فقال: اخبرنى بذلك الثقه، فقال: كلا ايها الامير، ان الثقه لاينم.
عرض بعض عمال الفضل بن سهل عليه رقعه ساع فى طى كتاب كتبه اليه، فوقع الفضل: قبول السعايه شر من السعايه، لان السعايه دلاله، و القبول اجازه، و ليس من دل على قبيح كمن اجازه و عمل به، فاطرد هذا الساعى عن عملك، و اقصه عن بابك، فانه لو لم يكن فى سعايته كاذبا لكان فى صدقه لئيما، اذ لم يرع الحرمه، و لم يستر ال عوره، و السلام.
صالح بن عبدالقدوس: من يخبرك بشتم عن اخ فهو الشاتم، لا من شتمك ذاك شى ء لم يواجهك به انما اللوم على من اعلمك كيف لم ينصرك ان كان اخا ذا حفاظ عند من قد ظلمك! طريح بن اسماعيل الثقفى: ان يعلموا الخير يخفوه و ان علموا شرا اذاعوا، و ان لم يعلموا كذبوا و معنى قوله (ع): (و ان غاب لم يفتقد)، اى لايقال: ما صنع فلان، و لا اين هو؟ اى هو خامل لايعرف.
و قوله: (اولئك يفتح الله بهم ابواب الرحمه، و يكشف بهم ضراء النقمه)، و روى: (اولئك يفتح الله بهم ابواب رحمته، و يكشف بهم ضراء نقمته)، اى ببركاتهم يكون الخير و يندفع الشر.