شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 277
نمايش فراداده

ثم ذكر (ع) انه سياتى على الناس زمان تنقلب فيه الامور الدينيه الى اضدادها و نقائضها، و قد شهدنا ذلك عيانا.

ثم اخبر (ع) ان الله لايجور على العباد، لانه تعالى عادل و لايظلم و لكنه يبتلى عباده اى يختبرهم، ثم تلا قوله تعالى: (ان فى ذلك لايات و ان كنا لمبتلين)، و المراد انه تعالى، اذا فسد الناس لايلجئهم الى الصلاح، لكن يتركهم و اختيارهم امتحانا لهم، فمن احسن اثيب، و من اساء عوقب.

خطبه 103-پيامبر و فضيلت خويش

قال الرضى رحمه الله تعالى: و قد تقدم مختار هذه الخطبه، الا اننى وجدتها فى هذه الروايه على خلاف ما سبق من زياده و نقصان، فاوجبت الحال اثباتها ثانيه.

الشرح:

لقائل ان يقول: الم يكن فى العرب نبى قبل محمد، و هو خالد بن سنان العبسى؟ و ايضا فقد كان فيها هود و صالح و شعيب.

و نجيب هذا القائل بان مراده (ع) انه لم يكن فى زمان محمد (ص) و ما قاربه من ادعى النبوه، فاما هود و صالح و شعيب، فكانوا فى دهر قديم جدا، و اما خالد بن سنان فلم يقرا كتابا، و لايدعى شريعه و انما كانت نبوه مشابهه لنبوه جماعه من انبياء بنى اسرائيل الذين لم يكن لهم كتب و لاشرائع، و انما ينهون عن الشرك، و يامرون بالتوحيد.

و منجاتهم: نجاتهم، نجوت من كذا نجاء، ممدود، و نجا مقصور.

و منجاه على (مفعله)، و منه قولهم: (الصدق منجاه).

قوله (ع): (و يبادر بهم الساعه)، كانه كان يخاف ان تسبقه القيامه، فهو يبادرها بهدايتهم و ارشادهم قبل ان تقوم، و هم على ضلالهم.

و الحسير: المعيا، حسر البعير بالفتح، يحسر بالكسر حسورا، و استحسر مثله، و حسرته انا، يتعدى و لايتعدى، حسرا فهو حسير، و يجوز احسرته، بالهمزه، و الجمع حسرى، مثل قتيل و قتلى، و منه حسر البصر، اى ك ل، يحسر، قال تعالى: (ينقلب اليك البصر خاسئا و هو حسير).

و هذا الكلام من باب الاستعاره و المجاز، يقول (ع): كان النبى (ص) لحرصه على الاسلام و اشفاقه على المسلمين، و رافته بهم، يلاحظ حال من تزلزل اعتقاده، او عرضت له شبهه، او حدث عنده ريب، و لايزال يوضح له و يرشده حتى يزيل ما خامر سره من وساوس الشيطان، و يلحقه بالمخلصين من المومنين، و لم يكن ليقصر فى مراعاه احد من المكلفين فى هذا المعنى الا من كان يعلم انه لاخير فيه اصلا، لعناده و اصراره على الباطل، و مكابرته للحق.

و معنى قوله: (حتى يلحقه غايته)، حتى يوصله الى الغايه التى هى الغرض بالتكليف، يعنى اعتقاد الحق و سكون النفس الى الاسلام، و هو ايضا معنى قوله: (و بواهم محلتهم).

و معنى قوله: (فاستدارت رحاهم)، انتظم امرهم، لان الرحا انما تدور اذا تكاملت ادواتها و آلاتها كلها، و هو ايضا معنى قوله: (و استقامت قناتهم)، و كل هذا من باب الاستعاره.

ثم اقسم انه (ع) كان من ساقتها، الساقه: جمع سائق، كقاده جمع قائد، و حاكه جمع حائك، و هذا الضمير المونث يرجع الى غير مذكور لفظا، و المراد الجاهليه، كانه جعلها مثل كتيبه مصادمه لكتيبه الاسلام، و جعل نفسه من الحاملين عليها بسيفه، حتى فر ت و ادبرت، و اتبعها يسوقها سوقا و هى موليه بين يديه.

حتى ادبرت بحذافيرها، اى كلها عن آخرها.

ثم اتى بضمير آخر الى غير مذكور لفظا، و هو قوله: (و استوسقت فى قيادها)، يعنى المله الاسلاميه او الدعوه، او ما يجرى هذا المجرى.

و استوسقت: اجتمعت، يقول: لما ولت تلك الدعوه الجاهليه استوسقت هذه فى قيادها كما تستوسق الابل المقوده الى اعطانها.

و يجوز ان يعود هذا الضمير الثانى الى المذكور الاول و هو الجاهليه، اى ولت بحذافيرها و اجتمعت كلها تحت ذل المقاده.

ثم اقسم انه ما ضعف يومئذ و لا وهن و لا جبن و لا خان، و ليبقرن الباطل الان حتى يخرج الحق من خاصرته، كانه جعل الباطل كالشى ء المشتمل على الحق غالبا عليه، و محيطا به، فاذا بقر ظهر الحق الكامن فيه، و قد تقدم منا شرح ذلك.