شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 286
نمايش فراداده

الشرح:

هار الجرف يهور هورا و هئورا فهو هائر، و قالوا: (هار)، خفضوه فى موضع الرفع، كقاض، و ارادوا (هائر)، و هو مقلوب من الثلاثى الى الرباعى، كما قلبوا (شائك السلاح).

الى (شاكى السلاح) و هورته، فتهور و انهار، اى انهدم.

و اشكيت زيدا: ازلت شكايته.

و الشجو: الهم و الحزن.

وصوح النبت، اى جف اعلاه، قال: و لكن البلاد اذا اقشعرت وصوح نبتها رعى الهشيم يقول (ع): اشد العيون ادراكا ما نفذ طرفها فى الخير، و اشد الاسماع ادراكا ما حفظ الموعظه و قبلها.

ثم امر الناس ان يستصبحوا، اى يسرجوا مصابيحهم من شعله سراج.

متعظ فى نفسه واعظ لغيره، و روى بالاضافه من (شعله مصباح واعظ) باضافه (مصباح) الى (واعظ)، و انما جعله متعظا واعظا، لان من لم يتعظ فى نفسه فبعيد ان يتعظ به غيره، و ذلك لان القبول لايحصل منه، و الانفس تكون نافره عنه، و يكون داخلا فى حيز قوله تعالى: (اتامرون الناس بالبر و تنسون انفسكم)، و فى قول الشاعر: لاتنه عن خلق و تاتى مثله و عنى بهذا المصباح نفسه (ع).

ثم امرهم ان يمتاحوا من عين صافيه قد انتفى عنها الكدر، كما يروق الشراب بالراووق فيزول عنه كدره، و الامتياح: نزول البئر و مل ء الدلاء منها، و يكنى بهذ ا ايضا عن نفسه (ع).

ثم نهاهم عن الانقياد لاهوائهم و الميل الى جهالتهم، و قال: ان من يكون كذلك، فانه على جانب جرف متهدم، و لفظه (هار) من الالفاظ القرآنيه.

ثم قال، و من يكون كذلك، فهو ايضا ينقل الهلاك على ظهره من موضع الى موضع، ليحدث رايا فاسدا بعد راى فاسد، اى هو ساع فى ضلال يروم ان يحتج لما لاسبيل الى اثباته، و ينصر مذهبا لاانتصار له.

ثم نهاهم و حذرهم ان يشكوا الى من لايزيل شكايتهم و من لاراى له فى الدين و لابصيره.

لينقض ما قد ابرمه الشيطان فى صدورهم لاغوائهم.

و يروى: (الى من لايشكى شجوكم، و من ينقض برايه ما قد ابرم لكم)، و هذه الروايه اليق، اى لاتشكوا الى من لايدفع عنكم ما تشكون منه، و انما ينقض برايه الفاسد ما قد ابرمه الحق و الشرع لكم.

ثم ذكر انه ليس على الامام الا ما قد اوضحه من الامور الخمسه.

ثم امرهم بمبادره اخذ العلم من اهله- يعنى نفسه (ع)- قبل ان يموت، فيذهب العلم.

و تصويح النبت، كنايه عن ذلك.

ثم قال: و قبل ان تشغلوا بالفتن و ما يحدث عليكم من خطوب الدنيا عن استثاره العلم من معدنه و استنباطه من قرارته.

ثم امرهم بالنهى عن المنكر، و ان يتناهوا عنه قبل ان ينهوا عنه، و قال: انما النهى بعد التناهى.

و فى ه ذا الموضع اشكال، و ذلك ان لقائل ان يقول: النهى عن المنكر واجب على العدل و الفاسق، فكيف قال: (انما امرتم بالنهى بعد التناهى)، و قد روى ان الحسن البصرى قال للشعبى: هلا نهيت عن كذا؟ فقال: يا اباسعيد، انى اكره ان اقول ما لاافعل.

قال الحسن: غفر الله لك! و اينا يقول ما يفعل! ود الشيطان لو ظفر منكم بهذه فلم يامر احد بمعروف و لم ينه عن منكر! و الجواب انه (ع) لم يرد ان وجود النهى عن المنكر مشروط بانتهاء ذلك الناهى عن المنكر، و انما اراد: انى لم آمركم بالنهى عن المنكر الا بعد ان امرتكم بالانتهاء عن المنكر، فالترتيب انما هو فى امره (ع) لهم بالحالتين المذكورتين، لا فى نهيهم و تناهيهم.

فان قلت: فلما ذا قدم امرهم بالانتهاء على امرهم بالنهى؟ قلت: لان اصلاح المرء نفسه اهم من الاعتناء باصلاحه لغيره.