خضره، اى ناضره، و هذه اللفظه من الالفاظ النبويه، قال النبى (ص): (ان الدنيا حلوه خضره، و ان الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون!).
و حفت بالشهوات، كان الشهوات مستديره حولها، كما يحف الهودج بالثياب، و حفوا حوله يحفون حفا: اطافوا به، قال الله تعالى: (و ترى الملائكه حافين من حول العرش).
قوله: (و تحببت بالعاجله)، اى تحببت الى الناس بكونها لذه عاجله، و النفوس مغرمه مولعه بحب العاجل، فحذف الجار و المجرور القائم مقام المفعول.
قوله: (و راقت بالقليل)، اى اعجبت اهلها، و انما اعجبتهم بامر قليل ليس بدائم.
قوله: (و تحلت بالامال) من الحليه، اى تزينت عند اهلها بما يوملون منها.
قوله: (و تزينت بالغرور)، اى تزينت عند الناس بغرور لا حقيقه له.
و الحبره: السرور.
و حائله: متغيره.
و نافده: فانيه.
و بائده: منقضيه.
و اكله: قتاله، و غواله: مهلكه.
و الغول: ما غال، اى اهلك، و منه المثل: (الغضب غول الحلم).
ثم قال: انها اذا تناهت الى امنيه ذوى الرغبات فيها لاتتجاوز ان تكون كما وصفها الله تعالى به و هو قوله: (و اضرب لهم مثل الحياه الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض فاصبح هشيما تذروه الرياح و كان الله على كل شى ء مقتدرا).
فاختلط، اى فالتف بنبات الارض.
و تكاثف به، اى بسبب ذلك الماء و بنزوله عليه، و يجوز ان يكون تقديره: فاختلط بنبات الارض، لانه لما غذاه و انما، فقد صار مختلطا به، و لما كان كل واحد من المختلطين مشاركا لصاحبه فى مسمى الاختلاط جاز (فاختلط به نبات الارض) كما يجوز: فاختلط هو بنبات الارض.
و الهشيم: ما تهشم و تحطم، الواحده هشيمه و تذروه الرياح: تطيره و كان الله على ما يشاء، من الانشاء و الاقناء، مقتدرا.
قوله: (من يلق من سرائها بطنا) انما خص السراء بالبطن، و الضراء بالظهر، لان الملاقى لك بالبطن ملاق بالوجه، فهو مقبل عليك، و المعطيك ظهره مدبر عنك.
و قيل: لان الترس بطنه اليك و ظهره الى عدوك، و قيل: لان المشى فى بطون الاوديه اسهل من السير على الظراب و الاكام.
و طله السحاب يطله، اذا امطره مطرا قليلا، يقول: اذا اعطت قليلا من الخير اعقبت ذلك بكثير من الشر، لان التهتان الكثير المطر، هتن يهتن بالكسر، هتنا و هتونا و تهتانا.
قوله: (و حرى)، اى جدير و خليق، يقال: بالحرى ان يكون هذا الامر كذا، و هذا الامر محراه لذلك، اى مقمنه، مثل محجاه، و ما احراه مثل ما احجاه، و احر به، مثل احج به، و تقول: هو حرى ان يفعل ذلك بالفتح، اى جدير و قمين، لايثنى و لايجمع، قال الشاعر: و هن حرى الا يثبنك نقره و انت حرى بالنار حين تثيب فاذا قلت: هو حر بكسر الراء و حرى بتشديدها على (فعيل) ثنيت و جمعت، فقلت: هما حريان و حريان، و حرون مثل عمون، و احراء ايضا، و فى المشدد حريون و احرياء، و هى حريه و حريه، و هن حريات و حريات و حرايا.
فان قلت: فهلا قال: (و حريه اذا اصبحت)، لانه يخبر عن الدنيا؟ قلت: اراد شانها، فذكر، اى و شانها خليق ان يفعل كذا.
و اعذوذب: صار عذبا.
و احلولى: صار حلوا، و من هاهنا اخذ الشاعر قوله: الا انما الدنيا غضاره ايكه اذا اخضر منها جانب جف جانب فلا تكتحل عيناك منها بعبره على ذاهب منها فانك ذاهب و ارتفع (جانب) المذكور بعد (ان) لانه فاعل فعل مقدر يفسره الظاهر، اى و ان اعذوذب جانب منها، لان (ان) تقتضى الفعل و تطلبه فهى: ك (اذا) فى قوله تعالى: (اذا السماء انشقت).
و امر الشى ء، اى صار مرا.
و اوبى: صار وبيا، و لين الهمز، لاجل السجع.
و الرغب: مصدر رغبت فى الامر رغبه و رغبا، اى اردته.
يقول: لاينال الانسان منها ارادته الا ارهقته تعبا، يقال: ارهقه اثما، اى حمله و كلفه.
فان قلت: لم خص الامن بالجناح و الخوف بالقودام؟ قلت: لان القوادم مقاديم الريش، و الراكب عليها بعرض خطر عظيم و سقوط قريب، و الجناح يستر و يقى البرد و الاذى، قال ابونواس: تغطيت من دهرى بظل جناحه فصرت ارى دهرى و ليس يرانى فلو تسال الايام ما اسمى لما درت و اين مكانى ما عرفن مكانى و الهاء فى (جناحه) ترجع الى الممدوح بهذا الشعر.
و توبقه: تهلكه، و الابهه: الكبر.
و الرنق، بفتح النون، مصدر رنق الماء، اى تكدر و بالكسر الكدر، و قد روى هاهنا بالفتح و الكسر، فالكسر ظاهر، و الفتح على تقدير حذف المضاف، اى ذو رنق.
و ماء اجاج: قد جمع المراره و الملوحه، اج الماء يوج اجاجا.
و الصبر، بكسر الباء: هذا النبات المر نفسه، ثم سمى كل مر صبرا.
و السمام: جمع سم لهذا القاتل، يقال سم و سم، بالفتح و الضم، و الجمع سمام و سموم.
و رمام: باليه، و اسبابها: حبالها.
و موفورها: و ذو الوفر و الثروه منها، و المحروب: المسلوب، اى لاتحمى جارا و لا تمنعه.
ثم اخذ قوله تعالى: (و سكنتم فى مساكن الذين ظلموا انفسهم و تبين لكم كيف فعلنا بهم و ضربنا لكم الامثال)، فقال: (الستم فى مساكن من كان قبلكم اطول اعمارا)، نصب (اطول) بانه خبر كان، و قد دلنا الكتاب الصادق على انهم كانوا اطول اعمارا بقوله: (فلبث فيهم الف سنه الا خمسين عاما)، و ثبت بالعيان انهم ابقى آثارا، فان من آثارهم الاهرام و الايوان و مناره الاسكندريه و غير ذلك.
و اما بعد الامال فمرتب على طول الاعمار، فكلما كانت اطول كانت الامال ابعد، و ان عنى به علو الهمم، فلا ريب انهم كانوا اعلى همما من اهل هذا الزمان، و قد كان فيهم من ملك معموره الارض كلها، و كذلك القول فى (اعد عديدا، و اكثف جنودا)، و العديد: العدو الكثير، و اعد منهم، اى اكثر.
قوله: (و لا ظهر قاطع)، اى قاطع لمسافه الطريق.
و الفوادح: المثقلات، فدحه الدين اثقله، و يروى (بالقوادح) بالقاف، و هى آفه تظهر فى الشجر، و صدوع تظهر فى الاسنان.
و اوهقتهم: جعلتهم فى الوهق، بفتح الهاء، و هو حبل كالطول و يجوز التسكين، مثل نهر و نهر.
و القوارع: المحن و الدواهى، و سميت القيامه قارعه فى الكتاب العزيز من هذا المعنى و ضعضعتهم: اذلتهم، قال ابوذويب: انى لريب الدهر لااتضعضع و ضعضعت البناء: اهدمته.
و عفرتهم للمناخر.
الصقت انوفهم بالعفر، و هو التراب و المناسم: جمع منسم، بكسر السين و هو خف البعير.
و دان لها: اطاعها، و دان لها ايضا: ذل و اخلد اليها: مال، قال تعالى: (و لكنه اخلد الى الارض).
و السغب: الجوع: يقول: انما زودتهم الجوع، و هذا مثل، كما قال: و مدحته فاجازنى الحرمانا و معنى قوله: (او نورت لهم الا الظلمه)، اى بالظلمه، و هذا كقوله: (هل زودتهم الا السغب).
و هو من باب اقامه الضد مقام الضد، اى لم تسمح لهم بالنور بل بالظلمه.
و الضنك: الضيق.
ثم قال: فبئست الدار، و حذف الضمير العائد اليها و تقديره (هى) كما قال تعالى: (نعم العبد)، و تقديره: (هو).
و من لم يتهمها: من لم يسو ظنا بها و الصفيح: الحجاره.
و الاجنان: القبور، الواحد جنن، و المجنون: المقبور، و منه قول الاعرابيه: (لله درك من مجنون فى جنن!).
و الاكنان: جمع كن: و هو الستر، قال تعالى: (و جعل لكم من الجبال اكنانا).
و الرفات: العظام الباليه.
و المندبه: الندب على الميت.
لايبالون بذلك: لايكترثون به.
و جيدوا: مطروا، و قحطوا: انقطع المطر عنهم فاصابهم القحط، و هو الجدب و الى معنى قوله (ع): (فهم جيره لايجيبون داعيا، و لايمنعون ضيما، جميع و هم آحاد، و جيره و هم ابعاد، متدانون لايتزاورون، و قريبون لايتقاربون) نظر البحترى، فقال: بنا انت من مجفوه لم تونب و مهجوره فى هجرها لم تعتب و نازحه و الدار منها قريبه و ما قرب ثاو فى التراب مغيب! و قد قال الشعراء و الخطباء فى هذا المعنى كثيرا، فمن ذلك قول الرضى ابى الحسن رحمه الله فى مرثيه لابى اسحاق الصابى: اعزز على بان نزلت بمنزل متشابه الامجاد بالاوغاد فى عصبه جنبوا الى آجالهم و الدهر يعجلهم عن الارواد ضربوا بمدرجه الفناء قبابهم من غير اطناب و لااوتاد ركب اناخوا لايرجى منهم قصد لاتهام و لاانجاد كرهوا النزول فانزلتهم وقعه للدهر نازله بكل مقاد فتهافتوا عن رحل كل مذلل و تطاوحوا عن سرج كل جواد بادون فى صور الجميع و انهم متفردون تفرد الاحاد فقوله بادون فى صور الجمع البيت هو قوله (ع) جمع و هم آحاد بعينه و قال الرضى رحمه الله تعالى ايضا: متوسدين على الخدود كانما كرعوا على ظما من الصهباء صور ضننت على العيون بحسنها امسيت اوقرها من البوغاء و نواظر كحل التراب جفونها قد كنت احرسها من الاقذاء قربت ضرائحهم على زوارها و ناوا عن الطلاب اى تناء قوله: (قربت ضرائحهم البيت هو معنى قوله (ع): (و جيره، و هم ابعاد) بعينه.
و من هذا المعنى قول بعض الاعراب: لكل اناس مقبر فى ديارهم فهم ينقصون و القبور تزيد فكائن ترى من دار حى قد اخرجت و قبر باكناف التراب جديد هم جيره الاحياء اما مزارهم فدان و اما الملتقى فبعيد و من كلام ابن نباته: (وحيدا على كثره الجيران، بعيدا على قرب المكان).
و منه قوله: (اسير وحشه الانفراد، فقير الى اليسير من الزاد، جار من لايجير، و ضيف من لايمير، حملوا و لايرون ركبانا، و انزلوا و لايدعون ضيفانا، و اجتمعوا و لايسمون جيرانا، و احتشدوا و لايعدون اعوانا، و هذا كلام اميرالمومنين (ع) بعينه المذكور فى هذه الخطبه، و قد اخذه مصالته.
و منه قوله: (طحنتهم طحن الحصيد، و غيبتهم تحت الصعيد، فبطون الارض لهم اوطان، و هم فى خرابها قطان، عمروا فاخربوا، و اقتربوا فاغتربوا، و اصطحبوا و ما اصطحبوا).
و منه قوله: (غيبا كاشهاد، عصبا كاحاد، همودا فى ظلم الالحاد، الى يوم التناد).
و اعلم ان هذه الخطبه ذكرها شيخنا ابوعثمان الجاحظ فى كتاب "البيان و التبيين" و رواها لقطرى بن الفجاءه، و الناس يروونها لاميرالمومنين (ع)، و قد رايتها فى كتاب "المونق" لابى عبيد الله المرزبا نى مرويه لاميرالمومنين (ع)، و هى بكلام اميرالمومنين اشبه، و ليس يبعد عندى ان يكون قطرى قد خطب بها بعد ان اخذها عن بعض اصحاب اميرالمومنين (ع)، فان الخوارج كانوا اصحابه و انصاره، و قد لقى قطرى اكثرهم.