انتصاب (الاموال) بفعل مقدر دل عليه (بذلتموها) و كذلك (انفس) يقول: لم تبذلوا اموالكم فى رضا من رزقكم اياها، و لم تخاطروا بانفسكم فى رضا الخالق لها، و الاولى بكم ان تبذلوا المال فى رضا رازقه، و النفس فى رضا خالقها، لانه ليس احد احق منه بالمال و النفس و بذلهما فى رضاء.
ثم قال: من العجب انكم تطلبون من عباد الله ان يكرموكم و يطيعوكم لاجل الله، و انتمائكم الى طاعته ثم انكم لاتكرمون الله و لاتطيعونه فى نفع عباده، و الاحسان اليهم.
و محصول هذا القول: كيف تسيمون الناس ان يطيعوكم لاجل الله، ثم انكم انتم لاتطيعون الله، الذى تكلفون الناس ان يطيعوكم لاجله! ثم امرهم باعتبارهم بنزولهم منازل من كان قبلهم، و هذا ماخوذ من قوله تعالى: (و سكنتم فى مساكن الذين ظلموا انفسهم و تبين لكم كيف فعلنا بهم و ضربنا لكم الامثال).
و روى (عن اصل اخوانكم) و ذلك بموت الاب فانه ينقطع اصل الاخ الواشج بينه و بين اخيه، و الروايه الاولى اظهر.
الجنن: جمع جنه و هى ما يستر به.
و بطانه الرجل: خواصه و خالصته الذين لايطوى عنهم سره.
فان قلت: اما ضربه بهم المدبر فمعلوم يعنى الحرب، فما معنى قوله (ع): (و ارجو طاعه المقبل)؟ قلت: لان من ينضوى اليه من المخالفين اذا راى ما عليه شيعته و بطانته من الاخلاق الحميده، و السيره الحسنه اطاعه بقلبه باطنا، بعد ان كان انضوى اليه ظاهرا.
و اعلم ان هذا الكلام قاله اميرالمومنين (ع) للانصار بعد فراغه من حرب الجمل، و قد ذكره المدائنى و الواقدى فى كتابيهما.