(اخبار ابى ذر الغفارى حين خروجه الى الربذه) واقعه ابى ذر رحمه الله و اخراجه الى الربذه، احد الاحداث التى نقمت على عثمان: و قد روى هذا الكلام ابوبكر احمد بن عبدالعزيز الجوهرى فى كتاب "السقيفه" عن عبدالرزاق، عن ابيه، عن عكرمه، عن ابن عباس، قال: لما اخرج ابوذر الى الربذه، امر عثمان، فنودى فى الناس: الا يكلم احد اباذر و لايشيعه و امر مروان بن الحكم ان يخرج به.
فخرج به، و تحاماه الناس الا على ابن ابى طالب (ع) و عقيلا اخاه، و حسنا و حسينا (ع)، و عمارا، فانهم خرجوا معه يشيعونه، فجعل الحسن (ع) يكلم اباذر، فقال له مروان: ايها يا حسن! الا تعلم ان اميرالمومنين قد نهى عن كلام هذا الرجل! فان كنت لاتعلم فاعلم ذلك، فحمل على (ع) على مروان، فضرب بالسوط بين اذنى راحلته، و قال: تنح لحاك الله الى النار! فرجع مروان مغضبا الى عثمان، فاخبره الخبر، فتلظى على على (ع)، و وقف ابوذر فودعه القوم، و معه ذكوان مولى ام هانى ء بنت ابى طالب.
قال ذكوان: فحفظت كلام القوم- و كان حافظا- فقال على (ع): يا اباذر، انك غضبت لله، ان القوم خافوك على دنياهم، و خفتهم على دينك.
فامتحنوك بالقلى، و نفوك الى الفلا، و الله لو كانت ال سموات و الارض على عبد رتقا، ثم اتقى الله لجعل له منها مخرجا.
يا اباذر لايونسنك الا الحق، و لايوحشنك الا الباطل.
ثم قال لاصحابه: ودعوا عمكم، و قال لعقيل: ودع اخاك.
فتكلم عقيل، فقال: ما عسى ان نقول يا اباذر، و انت تعلم انا نحبك، و انت تحبنا! فاتق الله، فان التقوى نجاه، و اصبر فان الصبر كرم.
و اعلم ان استثقالك الصبر من الجزع، و استبطاءك العافيه من الياس، فدع الياس و الجزع.
ثم تكلم الحسن، فقال: يا عماه، لو لا انه لاينبغى للمودع ان يسكت، و للمشيع ان ينصرف، لقصر الكلام و ان طال الاسف، و قد اتى القوم اليك ما ترى، فضع عنك الدنيا بتذكر فراغها، و شده ما اشتد منها برجاء ما بعدها، و اصبر حتى تلقى نبيك (ص) و هو عنك راض.
ثم تكلم الحسين (ع)، فقال: يا عماه، ان الله تعالى قادر ان يغير ما قد ترى، و الله كل يوم هو فى شان، و قد منعك القوم دنياهم، و منعتهم دينك، فما اغناك عما منعوك، و احوجهم الى ما منعتهم! فاسال الله الصبر و النصر، و استعذ به من الجشع و الجزع، فان الصبر من الدين و الكرم، و ان الجشع لايقدم رزقا، و الجزع لايوخر اجلا.
ثم تكلم عمار رحمه الله مغضبا، فقال: لاآنس الله من اوحشك، و لاآمن من اخافك، اما و الله لو اردت دنيا هم لامنوك، و لو رضيت اعمالهم لاحبوك، و ما منع الناس ان يقولوا بقولك الا الرضا بالدنيا، و الجزع من الموت.
مالوا الى ما سلطان جماعتهم عليه، و الملك لمن غلب، فوهبوا لهم دينهم، و منحهم القوم دنياهم، فحسروا الدنيا و الاخره، الا ذلك هو الخسران المبين! فبكى ابوذر رحمه الله- و كان شيخا كبيرا- و قال: رحمكم الله يا اهل بيت الرحمه! اذا رايتكم ذكرت بكم رسول الله (ص)، ما لى بالمدينه سكن و لاشجن غيركم، انى ثقلت على عثمان بالحجاز، كما ثقلت على معاويه بالشام، و كره ان اجاور اخاه و ابن خاله بالمصرين، فافسد الناس عليهما، فسيرنى الى بلد ليس لى به ناصر و لادافع الا الله، و الله ما اريد الا الله صاحبا، و ما اخشى مع الله وحشه.
و رجع القوم الى المدينه، فجاء على (ع) الى عثمان فقال له: ما حملك على رد رسولى، و تصغير امرى! فقال على (ع): اما رسولك، فاراد ان يرد وجهى فرددته، و اما امرك فلم اصغره.
قال: اما بلغك نهيى عن كلام ابى ذر! قال: او كلما امرت بامر معصيه اطعناك فيه! قال عثمان: اقد مروان من نفسك، قال: مم ذا؟ قال: من شتمه و جذب راحلته، قال: اما راحلته فراحلتى بها، و اما شتمه اياى، فو الله لايشتمنى شتمه الا شتمتك مثلها، لااكذب عليك.
ف غضب عثمان، و قال: لم لايشتمك! كانك خير منه! قال على: اى و الله و منك! ثم قام فخرج.
فارسل عثمان الى وجوه المهاجرين و الانصار و الى بنى اميه، يشكو اليهم عليا (ع)، فقال القوم: انت الوالى عليه، و اصلاحه اجمل.
قال: وددت ذاك، فاتوا عليا (ع)، فقالوا: لو اعتذرت الى مروان و اتيته! فقال: كلا، اما مروان فلاآتيه و لااعتذر منه، و لكن ان احب عثمان اتيته.
فرجعوا الى عثمان، فاخبروه، فارسل عثمان اليه، فاتاه و معه بنوهاشم، فتكلم على (ع)، فحمد الله و اثنى عليه، ثم قال: اما ما وجدت على فيه من كلام ابى ذر و وداعه، فو الله ما اردت مساءتك و لا الخلاف عليك، و لكن اردت به قضاء حقه.
و اما مروان فانه اعترض، يريد ردى عن قضاء حق الله عز و جل، فرددته رد مثلى مثله، و اما ما كان منى اليك، فانك اغضبتنى، فاخرج الغضب منى ما لم ارده.
فتكلم عثمان، فحمد الله و اثنى عليه، ثم قال: اما ما كان منك الى فقد وهبته لك، و اما ما كان منك الى مروان، فقد عفا الله عنك، و اما ما حلفت عليه فانت البر الصادق، فادن يدك، فاخذ يده فضمها الى صدره.
فلما نهض قالت قريش و بنواميه لمروان: اانت رجل! جبهك على، و ضرب راحلتك، و قد تفانت وائل فى ضرع ناقه، و ذبيان و عبس فى لطمه فرس، و الاوس و الخزرج فى نسعه! افتحمل لعلى (ع) ما اتاه اليك! فقال مروان: و الله لو اردت ذلك لما قدرت عليه.
و اعلم ان الذى عليه اكثر ارباب السيره و علماء الاخبار و النقل، ان عثمان نفى اباذر اولا الى الشام، ثم استقدمه الى المدينه لما شكا منه معاويه، ثم نفاه من المدينه الى الربذه لما عمل بالمدينه نظير ما كان يعمل بالشام.
اصل هذه الواقعه، ان عثمان لما اعطى مروان بن الحكم و غيره بيوت الاموال، و اختص زيد بن ثابت بشى ء منها، جعل ابوذر يقول بين الناس و فى الطرقات و الشوارع: بشر الكافرين بعذاب اليم، و يرفع بذلك صوته، و يتلو قوله تعالى: (و الذين يكنزون الذهب و الفضه و لاينفقونها فى سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم)، فرفع ذلك الى عثمان مرارا و هو ساكت.
ثم انه ارسل اليه مولى من مواليه: ان انته عما بلغنى عنك، فقال ابوذر: او ينهانى عثمان عن قراءه كتاب الله تعالى، و عيب من ترك امر الله تعالى! فو الله لان ارضى الله بسخط عثمان احب الى و خير لى من ان اسخط الله برضا عثمان.
فاغضب عثمان ذلك و احفظه، فتصابر و تماسك، الى ان قال عثمان يوما، و الناس حوله: ايجوز للامام ان ياخذ من المال شيئا قرضا، فاذا ايسر قضى؟ فقال كعب الاحبار: لاباس بذل ك، فقال ابوذر: يا بن اليهوديين، اتعلمنا ديننا! فقال عثمان: قد كثر اذاك لى و تولعك باصحابى، الحق بالشام.
فاخرجه اليها.
فكان ابوذر ينكر على معاويه اشياء يفعلها، فبعث اليه معاويه يوما ثلاثمائه دينار، فقال ابوذر لرسوله: ان كانت من عطائى الذى حرمتمونيه عامى هذا اقبلها، و ان كانت صله فلا حاجه لى فيها، و ردها عليه.
ثم بنى معاويه الخضراء بدمشق، فقال ابوذر: يا معاويه ان كانت هذه من مال الله فهى الخيانه، و ان كانت من مالك فهى الاسراف.
و كان ابوذر يقول بالشام: و الله لقد حدثت اعمال ما اعرفها، و الله ما هى فى كتاب الله و لا سنه نبيه (ص)، و الله انى لارى حقا يطفا، و باطلا يحيا، و صادقا مكذبا، و اثره بغير تقى، و صالحا مستاثرا عليه.
قال حبيب بن مسلمه الفهرى لمعاويه: ان اباذر لمفسد عليكم الشام، فتدارك اهله ان كان لك فيه حاجه.