شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 37
نمايش فراداده

خطبه 005-پس از رحلت رسول خدا

الشرح:

المفاخره: ان يذكر كل واحد من الرجلين مفاخره و فضائله و قديمه، ثم يتحاكما الى ثالث.

و الماء الاجن: المتغير الفاسد، اجن الماء، بفتح الجيم، ياجن و ياجن، بالكسر و الضم.

و الايناع: ادراك الثمره.

و اللتيا: تصغير التى، كما ان اللذيا تصغير الذى.

و اندمجت: انطويت.

و الطوى: البئر المطويه بالحجاره.

يقول: تخلصوا عن الفتنه و انجوا منها بالمتاركه و المسالمه و العدول عن المنافره و المفاخره.

افلح من نهض بخناح، اى مات، شبه الميت المفارق للدنيا بطائر نهض عن الارض بجناحه.

و يحتمل ان يريد بذلك: افلح من اعتزل هذا العالم، و ساح فى الارض منقطعا عن تكاليف الدنيا.

و يحتمل ايضا ان يريد: افلح من نهض فى طلب الرياسه بناصر ينصره، و اعوان يجاهدون بين يديه، و على التقادير كلها تنطبق اللفظه الثانيه، و هى قوله: (او استسلم فاراح)، اى اراح نفسه باستسلامه.

ثم قال: الامره على الناس و خيمه العاقبه، ذات مشقه فى العاجله، فهى فى عاجلها كالماء الاجن يجد شاربه مشقه، و فى آجلها كاللقمه التى تحدث عن اكلها الغصه.

و يغص مفتوح حرف المضارعه و مفتوح الغين، اصله: (غصصت) بالكسر.

و يحتمل ان يكون الامران معا للعاجله، لان الغصص فى اول البل ع، كما ان الم شرب الماء الاجن يحدث فى اول الشرب.

و يجوز الا يكون عنى الامره المطلقه، بل هى الامره المخصوصه، يعنى بيعه السقيفه.

ثم اخذ فى الاعتذار عن الامساك و ترك المنازعه، فقال: مجتنى الثمره قبل ان تدرك لاينتفع بما اجتناه، كمن زرع فى غير ارضه، و لاينتفع بذلك الزرع، يريد انه ليس هذا الوقت هو الوقت الذى يسوغ لى فيه طلب الامر، و انه لم يان بعد.

ثم قال: قد حصلت بين حالين، ان قلت، قال الناس: حرص على الملك، و ان لم اقل، قالوا: جزع من الموت.

قال: هيهات، استبعادا لظنهم فيه الجزع.

ثم قال: (اللتيا و التى)، اى: ابعد اللتيا و التى اجزع! ابعد ان قاسيت الاهوال الكبار و الصغار، و منيت بكل داهيه عظيمه و صغيره! فاللتيا للصغيره و التى للكبيره.

ذكر ان انسه بالموت كانس الطفل بثدى امه، و انه انطوى على علم هو ممتنع لموجبه من المنازعه، و ان ذلك العلم لايباح به، و لو باح به لاضطرب سامعوه كاضطراب الارشيه- و هى الحبال- فى البئر البعيده القعر، و هذا اشاره الى الوصيه التى خص بها (ع).

انه قد كان من جملتها الامر بترك النزاع فى مبدا الاختلاف عليه.

(استطراد بذكر طائفه من الاستعارات) و اعلم ان احسن الاستعارات ما تضمن مناسبه بين المستعا ر و المستعار منه، كهذه الاستعارات، فان قوله (ع): (شقوا امواج الفتن بسفن النجاه) من هذا النوع، و ذلك لان الفتن قد تتضاعف و تترادف، فحسن تشبيهها بامواج البحر المضطربه.

و لما كانت السفن الحقيقيه تنجى من امواج البحر، حسن ان يستعار لفظ السفن لما ينجى من الفتن.

و كذلك قوله: (و ضعوا تيجان المفاخره)، لان التاج لما كان مما يعظم به قدر الانسان استعاره لما يتعظم به الانسان من الافتخار و ذكر القديم و كذلك استعاره النهوض بالجناح لمن اعتزل الناس، كانه لما نفض يديه عنهم صار كالطائر الذى ينهض من الارض بجناحيه.

و فى الاستعارات ما هو خارج عن هذا النوع، و هو مستقبح، و ذلك كقول ابى نواس: بح صوت المال مما منك يبكى و ينوح و كذلك قوله: ما لرجل المال اضحت تشتكى منك الكلالا و قول ابى تمام: و كم احرزت منكم على قبح قدها صروف النوى من مرهف حسن القد و كقوله: بلوناك، اما كعب عرضك فى العلا فعال، و لكن خد مالك اسفل فانه لا مناسبه بين الرجل و المال، و لا بين الصوت و المال، و لا معنى لتصييره للنوى قدا، و لا للعرض كعبا، و لا للمال خدا.

و قريب منه ايضا قوله: لا تسقنى ماء الملام فاننى صب قد استعذبت ماء بكائى و يقال: ان مخلدا الموصلى بعث اليه بقاروره يساله ان يبعث له فيها قليلا من ماء الملام، فقال لصاحبه: قل له يبعث الى بريشه من جناح الذل لاستخرج بها من القاروره ما ابعثه اليه.

و هذا ظلم من ابى تمام المخلد، و ما الامران سوء، لان الطائر اذا اعيا و تعب ذل و خفض جناحيه، و كذلك الانسان اذا استسلم القى بيديه ذلا، و يده جناحه، فذاك هو الذى حسن قوله تعالى: (و اخفض لهما جناح الذل) الا ترى انه لو قال: و اخفض لهما ساق الذل، او بطن الذل لم يكن مستحسنا! و من الاستعاره المستحسنه فى الكلام المنثور، ما اختاره قدامه بن جعفر فى كتاب "الخراج" نحو قول ابى الحسين جعفر بن محمد بن ثوابه فى جوابه لابى الجيش خمارويه بن احمد بن طولون عن المعتضد بالله، لما كتب بانفاذ ابنته قطر الندى التى تزوجها المعتضد، و ذلك قول ابن ثوابه هذا: و اما الوديعه فهى بمنزله ما انتقل من شمالك الى يمينك، عنايه بها و حياطه لها، و رعايه لمودتك فيها.

و قال ابن ثوابه لما كتب هذا الكتاب لابى القاسم عبيدالله بن سليمان بن وهب وزير المعتضد: و الله ان تسميتى اياها بالوديعه نصف البلاغه.

و ذكر احمد بن يوسف الكاتب رجلا خلا بالمامون، فقال: ما زال يفتله فى الذروه و الغارب حتى لفته عن رايه.

و ق ال اسحق بن ابراهيم الموصلى: النبيذ قيد الحديث.

و ذكر بعضهم رجلا فذمه، فقال: هو املس ليس فيه مستقر لخير و لا شر.

و رضى بعض الروساء عن رجل من موجده، ثم اقبل يوبخه عليها، فقال: ان رايت الا تخدش وجه رضاك بالتوبيخ فافعل.

و قال بعض الاعراب: خرجنا فى ليله حندس، قد القت على الارض اكارعها، فمحت صوره الابدان، فما كنا نتعارف الا بالاذان.

و غزت حنيفه نميرا، فاتبعتهم نمير فاتوا عليهم، فقيل لرجل منهم: كيف صنع قومك؟ قال: اتبعوهم و الله، و قد احقبوا كل جماليه خيفانه، فما زالوا يخصفون آثار المطى بحوافر الخيل حتى لحقوهم، فجعلوا المران ارشيه الموت، فاستقوا بها ارواحهم.

و من كلام لعبدالله بن المعتز، يصف القلم: يخدم الاراده، و لايمل الاستزاده، و يسكت واقفا و ينطق سائرا، على ارض بياضها مظلم، و سوادها مضى ء.

فاما القطب الراوندى فقال: قوله (ع): (شقوا امواج الفتن بسفن النجاه) معناه: كونوا مع اهل البيت لانهم سفن النجاه، لقوله (ع): (مثل اهل بيتى كسفينه نوح: من ركبها نجا، و من تخلف عنها غرق).

و لقائل ان يقول: لا شبهه ان اهل البيت سفن النجاه، و لكنهم لم يرادوا هاهنا بهذه اللفظه، لانه لو كان ذلك هو المراد، لكان قد امر اباسفيان و العباس ب الكون مع اهل البيت، و مراده الان ينقض ذلك، لانه يامر بالتقيه و اظهار اتباع الذين عقد لهم الامر، و يرى ان الاستسلام هو المتعين، فالذى ظنه الراوندى لايحتمله الكلام و لايناسبه.

و قال ايضا: التعريج على الشى ء: الاقامه عليه، يقال: عرج فلان على المنزل، اذا حبس نفسه عليه، فالتقدير: عرجوا على الاستقامه منصرفين عن المنافره.

و لقائل ان يقال: التعريج يعدى تاره ب(عن) و تاره ب(على)، فاذا عديته بعن اردت التجنب و الرفض، و اذا عديته ب(على) اردت المقام و الوقوف، و كلامه (ع) معدى ب(عن).

قال: (و عرجوا عن طريق المنافره).

و قال ايضا: (آنس بالموت) اى اسر به، و ليس بتفسير صحيح، بل هو من الانس ضد الوحشه.

(اختلاف الراى فى الخلافه بعد وفاه رسول الله) لما قبض رسول الله (ص)، و اشتغل على (ع) بغسله و دفنه، و بويع ابوبكر، خلا الزبير و ابوسفيان و جماعه من المهاجرين بعباس و على (ع) لاجاله الراى، و تكلموا بكلام يقتضى الاستنهاض و التهييج، فقال: العباس رضى الله عنه: قد سمعنا قولكم فلا لقله نستعين بكم، و لا لظنه نترك آراءكم، فامهلونا نراجع الفكر، فان يكن لنا من الاثم مخرج يصربنا و بهم الحق صرير الجدجد، و نبسط الى المجد اكفا لانقبضها او نبلغ المدى، و ان تكن الاخرى، فلا لقله فى العدد و لالوهن فى الايد، و الله لولا ان الاسلام قيد الفتك، لتد كدكت جنادل صخر يسمع اصطكاكها من المحل العلى.

فحل على (ع) حبوته، و قال: الصبر حلم، و التقوى دين، و الحجه محمد، و الطريق الصراط.

ايها الناس شقوا امواج الفتن... الخطبه.

ثم نهض فدخل الى منزله و افترق القوم.

و قال البراء بن عازب: لم ازل لبنى هاشم محبا، فلما قبض رسول الله (ص) خفت ان تتمالا قريش على اخراج هذا الامر عنهم، فاخذنى ما ياخذ الوالهه العجول، مع ما فى نفسى من الحزن لوفاه رسول الله (ص)، فكنت اتردد الى بنى هاشم و هم عند النبى (ص) فى الحجره، و اتفقد وجوه قريش، فانى كذلك اذ فقدت ابابكر و عمر، و اذا قائل يقول: القوم فى سقيفه بنى ساعده، و اذا قائل آخر يقول: قد بويع ابوبكر، فلم البث، و اذا انا بابى بكر قد اقبل و معه عمر و ابوعبيده و جماعه من اصحاب السقيفه، و هم محتجزون بالازر الصنعانيه لايمرون باحد الا خبطوه، و قدموه فمدوا يده فمسحوها على يد ابى بكر يبايعه، شاء ذلك او ابى، فانكرت عقلى، و خرجت اشتد حتى انتهيت الى بنى هاشم، و الباب مغلق، فضربت عليهم الباب ضربا عنيفا، و قلت: قد بايع الناس لابى بكر بن ابى قحافه.

فقال الع باس: تربت ايديكم الى آخر الدهر، اما انى قد امرتكم فعصيتمونى: فمكثت اكابد ما فى نفسى، و رايت فى الليل المقداد و سلمان و اباذر و عباده بن الصامت و اباالهيثم بن التيهان و حذيفه و عمارا، و هم يريدون ان يعيدوا الامر شورى بين المهاجرين.

و بلغ ذلك ابابكر و عمر، فارسلا الى ابى عبيده و الى المغيره بن شعبه، فسالاهما عن الراى، فقال المغيره: الراى ان تلقوا العباس فتجعلوا له و لولده فى هذه الامره نصيبا، ليقطعوا بذلك ناحيه على بن ابى طالب.

فانطلق ابوبكر و عمر و ابوعبيده و المغيره.

حتى دخلوا على العباس، و ذلك فى الليله الثانيه من وفاه رسول الله (ص)، فحمد ابوبكر الله و اثنى عليه، و قال: ان الله ابتعث لكم محمدا (ص) نبيا، و للمومنين وليا، فمن الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم، حتى اختار له ما عنده.

فخلى على الناس امورهم ليختاروا لانفسهم متفقين غير مختلفين، فاختارونى عليهم واليا، و لامورهم راعيا، فتوليت ذلك، و ما اخاف بعون الله و تسديده وهنا و لاحيره و لاجبنا، و ما توفيقى الا بالله عليه توكلت و اليه انيب.

و ما انفك يبلغنى عن طاعن يقول بخلاف قول عامه المسلمين، يتخذكم لجا فتكونون حصنه المنيع، و خطبه البديع، فاما دخلتم فيما دخل فيه ا لناس، او صرفتموهم عما مالوا اليه.

فقد جئناك و نحن نريد ان نجعل لك فى هذا الامر نصيبا، و لمن بعدك من عقبك، اذ كنت عم رسول الله (ص)، و ان كان المسلمون قد راوا مكانك من رسول الله (ص)، و مكان اهلك، ثم عدلوا بهذا الامر عنكم.

و على رسلكم بنى هاشم، فان رسول الله (ص) منا و منكم.

فاعترض كلامه عمر، و خرج الى مذهبه فى الخشونه و الوعيد و اتيان الامر من اصعب جهاته، فقال: اى و الله.

و اخرى: انا لم ناتكم حاجه اليكم، و لكن كرهنا ان يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم، فيتفاقم الخطب بكم و بهم.

فانظروا لانفسكم و لعامتهم.

ثم سكت.

فتكلم العباس، فحمدالله و اثنى عليه، ثم قال: ان الله ابتعث محمدا نبيا كما وصفت و وليا للمومنين، فمن الله به على امته حتى اختار له ما عنده، فخلى الناس على امرهم ليختاروا لانفسهم، مصيبين للحق، مائلين عن زيغ الهوى، فان كنت برسول الله طلبت فحقنا اخذت، و ان كنت بالمومنين فنحن منهم، ما تقدمنا فى امركم فرطا، و لا حللنا وسطا، و لانزحنا شحطا، فان كان هذا الامر يجب لك بالمومنين فما وجب اذ كنا كارهين.

و ما ابعد قولك: انهم طعنوا من قولك انهم مالوا اليك! و اما ما بذلت لنا، فان يكن حقك اعطيتناه فامسكه عليك، و ا ن يكن حق المومنين فليس لك ان تحكم فيه، و ان يكن حقنا لم نرض لك ببعضه دون بعض.

و ما اقول هذا اروم صرفك عما دخلت فيه، و لكن للحجه نصيبها من البيان.

و اما قولك: ان رسول الله (ص) منا و منكم، فان رسول الله (ص) من شجره نحن اغصانها، و انتم جيرانها.

و اما قولك يا عمر: انك تخاف الناس علينا، فهذا الذى قدمتموه اول ذلك، و بالله المستعان.

لما اجتمع المهاجرون على بيعه ابى بكر، اقبل ابوسفيان و هو يقول: اما و الله انى لارى عجاجه لايطفئها الا الدم، يا لعبدمناف، فيم ابوبكر من امركم! اين المستضعفان؟ اين الاذلان؟ يعنى عليا و العباس.

ما بال هذا الامر فى اقل حى من قريش.

ثم قال لعلى: ابسط يدك ابايعك، فو الله ان شئت لاملانها على ابى فصيل- يعنى ابابكر- خيلا و رجلا.

فامتنع عليه على (ع)، فلما يئس منه قام عنه و هو ينشد شعر المتلمس: و لا يقيم على ضيم يراد به الا الاذلان، عير الحى و الوتد هذا على الخسف مربوط برمته و ذا يشج فلا يرثى له احد قيل لابى قحافه يوم ولى الامر ابنه: قد ولى ابنك الخلافه، فقرا: (قل اللهم مالك الملك توتى الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء)، ثم قال: لم ولوه؟ قالوا: لسنه، قال: انا اسن منه.

نازع ابوسفيان ابابكر فى امر فاغلظ له ابوبكر، فقال له ابوقحافه: يا بنى، اتقول هذا لابى سفيان شيخ البطحاء! قال: ان الله تعالى رفع بالاسلام بيوتا، و وضع بيوتا، فكان مما رفع بيتك يا ابت، و مما وضع بيت ابى سفيان.