شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 392
نمايش فراداده

خطبه 152-ستايش خدا

الشرح:

(ابحاث كلاميه) فى هذا الفصل ابحاث: اولها فى وجوده تعالى، و اثبات ان للعالم صانعا، و هاتان طريقتان فى الدلاله على وجوده الاول سبحانه: احداهما: الطريقه المذكوره فى هذا الفصل، و هى طريقه المتكلمين، و هى اثبات ان الاجسام محدثه، و لابد للمحدث من محدث.

و الثانيه: اثبات وجوده تعالى من النظر فى نفس الوجود.

و ذلك لان الوجود ينقسم بالاعتبار الاول الى قسمين: واجب و ممكن، و كل ممكن لابد ان ينتهى الى الواجب، لان طبيعه الممكن يمتنع من ان يستقل بنفسه فى قوامه، فلا بد من واجب يستند اليه، و ذلك الواجب الوجود الضرورى الذى لابد منه، هو الله تعالى.

و ثانيها: اثبات ازليته، و بيانه ما ذكره فى هذا الفصل، و هو ان العالم مخلوق له سبحانه حادث من جهته، و المحدث لابد له من محدث، فان كان ذلك المحدث محدثا، عاد القول فيه كالقول فى الاول، و يتسلسل، فلابد من محدث قديم، و ذلك هو الله تعالى.

و ثالثها: انه لا شبيه له، اى ليس بجسم كهذه الاجسام، و بيانه ما ذكر ايضا ان مخلوقاته متشابهه، يعنى بذلك ما يريده المتكلمون من قولهم: الاجسام متماثله فى الجسميه، و ان نوع الجسميه واحد، اى لايخالف جسم جسما بذاته، و اذا كانت متماثله صح على كل واحد منها ما صح على الاخر، فلو كان (له) سبحانه شبيه منها- اى لو كان جسما مثلها- لوجب ان يكون محدثا كمثلها او تكون قديمه مثله، و كلا الامرين محال.

و رابعها: ان المشاعر لاتستلمه، و روى (لاتلمسه)، و المشاعر الحواس، و بيانه انه تعالى ليس بجسم لما سبق، و ما ليس بجسم استحال ان تكون المشاعر لامسه له، لان ادراك المشاعر مدركاته مقصور على الاجسام و هيئاتها.

و الاستلام فى اللغه: لمس الحجر باليد و تقبيله، و لايهمز، لان اصله من السلام و هى الحجاره، كما يقال: استنوق الجمل، و بعضهم يهمزه.

و خامسها: ان السواتر لاتحجبه، و بيانه ان السواتر و الحجب، انما تحجب ما كان فى جهه، و ذلك لانها ذوات اين و وضع فلا نسبه لها، الى ما ليس من ذوات الاين و الوضع.

ثم قال (ع): (لافتراق الصانع و المصنوع)، اشاره الى ان المصنوع من ذوات الجهه و الصانع منزه عن ذلك، برى ء عن المواد، فلا يلزم فيه ما يلزم فى ذوات الماده و الجهه.

و سادسها: معنى قولنا: انه احد، (انه ليس بمعنى العدد كما يقوله الناس: اول العدد احد و واحد، بل المراد باحديته كونه لايقبل التجزو، و باعتبار آخر كونه لا ثانى له فى الربوبيه.

و سابعها: انه خالق، لابمعنى الحركه و النصب، و هو التعب، و ذلك لان الخالقين منا يحتاجون الى الحركه من حيث كانوا اجساما تفعل بالالات، و البارى ء سبحانه ليس بجسم، و لايفعل بالاله، بل كونه قادرا انما هو لذاته المقدسه، لا لامر زائد عليها، فلم يكن فاعلا بالحركه.

و ثامنها: انه سميع لا باداه، و ذلك لان حاجتنا الى الحواس، انما كانت لامر يخصنا، و هو كوننا احياء بحياه حاله فى ابعاضنا، و البارى ء تعالى حى لذاته، فلم يحتج فى كونه مدركا الى الاداه و الجارحه.

و تاسعها: انه بصير لابتفريق آله، و المراد بتفريق الاله هاهنا الشعاع الذى باعتباره يكون الواحد منا مبصرا، فان القائلين بالشعاع يقولون انه يخرج من العين اجسام لطيفه هى الاشعه و تكون آله للحى فى ابصار المبصرات، فيتفرق عليها، فكل جسم يقع عليه ذلك الشعاع يكون مبصرا، و البارى ء تعالى بصير لابشعاع يجعله آله فى الادراك، و يتفرق على المرئيات فيدركها به، و ذلك لما قدمناه من انه حى لذاته، لابمعنى، فلا يحتاج الى آله و اداه و وصله تكون كالواسطه بينه و بين المدركات.

و عاشرها: انه الشاهد لابمماسه، و ذلك لان الشاهد منا هو الحاضر بجسمه عند المشهود، الا ترى ان من فى الصين لايكون شاهدا من فى المغرب، لان الحضور الجسمانى يفتقر الى ال قرب، و القرب من لوازم الجسميه، فما ليس بجسم- و هو عالم بكل شى ء- يكون شاهدا من غير قرب و لا مماسه، و لا اين مطلوب.

و حادى عشرها: انه البائن لا بتراخى مسافه بينونه المفارق عن الماده بينونه ليست اينيه، لانه لا نسبه لاحدهما الى الاخر بالجهه، فلا جرم كان البارى ء تعالى مباينا عن العالم، لابمسافه بين الذاتين.

و ثانى عشرها: انه الظاهر لابرويه، و الباطن لابلطافه، و ذلك لان الظاهر من الاجسام ما كان مرئيا بالبصر، و الباطن منها ما كان لطيفا جدا، اما لصغره او لشفافيته، و البارى ء تعالى ظاهر للبصائر لا للابصار، باطن، اى غير مدرك بالحواس لان ذاته لاتقبل المدركيه الا من حيث كان لطيف الحجم او شفاف الجرم.

و ثالث عشرها: انه قال: بان من الاشياء بالقهر لها، و القدره عليها، و بانت الاشياء منه بالخضوع له، و الرجوع اليه، هذا هو معنى قول المتكلمين و الحكماء، و الفرق بينه و بين الموجودات كلها انه واجب الوجود لذاته، و الاشياء كلها ممكنه الوجود بذواتها، فكلها محتاجه اليه، لانها لا وجود لها الا به، و هذا هو معنى خضوعها له، و رجوعها اليه.

و هو سبحانه غنى عن كل شى ء، و موثر فى كل شى ء، اما بنفسه، او بان يكون موثرا فيما هو موثر فى ذلك الش ى ء، كافعالنا، فانه يوثر فينا، و نحن نوثر فيها، فاذا هو قاهر لكل شى ء، و قادر على كل شى ء.

فهذه هى البينونه بينه و بين الاشياء كلها.

و رابع عشرها: انه لا صفه له زائده على ذاته، و نعنى بالصفه ذاتا موجوده قائمه بذاته، و ذلك لان من اثبت هذه الصفه له فقد حده، و من حده فقد عده، و من عده فقد ابطل ازله، و هذا كلام غامض، و تفسيره ان من اثبت له علما قديما او قدره قديمه، فقد اوجب ان يعلم بذلك العلم معلومات محدوده، اى محصوره، و كذلك قد اوجب ان يقدر بتلك القدره على مقدورات محدوده، و هذه المقدمه فى كتب اصحابنا المتكلمين مما يذكرونه فى تقرير ان العلم الواحد لايتعلق بمعلومين، و ان القدره الواحده لايمكن ان تتعلق فى الوقت الواحد من الجنس الواحد فى المحل الواحد الا بجزء واحد، و سواء فرض هذان المعنيان قديمين او محدثين، فان هذا الحكم لازم لهما، فقد ثبت ان من اثبت المعانى القديمه فقد اثبت البارى ء تعالى محدود العالميه و القادريه، و من قال بذلك فقد عده، اى جعله من جمله الجثه المعدوده فيما بيننا كسائر البشر و الحيوانات، و من قال بذلك، فقد ابطل ازله، لان كل ذات مماثله لهذه الذوات المحدثه، فانها محدثه مثلها، و المحدث لا يكون ازليا.

و خامس عشرها: ان من قال: (كيف)، فقد استوصفه، اى من قال لزيد: كيف الله؟ فقد استدعى ان يوصف الله بكيفيه من الكيفيات، و البارى ء تعالى لاتجوز الكيفيات عليه، و الكيفيات هى الالوان و الطعوم و نحوها، و الاشكال و المعانى و ما يجرى مجرى ذلك، و كل هذا لايجوز الا على الاجسام.

فان قلت: ينبغى ان يقول: (فقد وصفه)، و لايقال: (فقد استوصفه)، لان السائل لم يستوصف الله، و انما استوصف صاحبه الذى ساله عن كيفيه الله.

قلت: (استوصف) هاهنا بمعنى (وصف)، كقولك: استغنى زيد عن عمرو، اى غنى عنه، و استعلى عليه، اى علا، و مثله كثير.

و سادس عشرها: ان من قال: (اين) فقد حيزه، لان (اين) سوال عن المكان، و ليس الله تعالى فى مكان، و ياتى انه فى كل مكان بمعنى العلم و الاحاطه.

و سابع عشرها: انه عالم اذ لامعلوم، و رب اذ لامربوب، و قادر اذ لامقدور، و كل هذا صحيح و مدلول عليه، لانه عالم فيما لم يزل و ليس شى ء من الاشياء بموجود، و هو رب كل شى ء قبل ان يخلقه، كما تقول انه سميع بصير قبل ان يدرك المسموعات و المبصرات، اى قبل ان يخلقها، و قادر على الاشياء قبل كونها، لانه يستحيل حال كونها ان تكون مقدوره، لاستحاله ايجاد الموجود.

و قد شرحما كل هذه المسائل الت وحيديه فى كتبنا المصنفه فى علم الكلام.