الشرح:
هذه خطبه خطب بها بعد قتل عثمان حين افضت الخلافه اليه.قد طلع طالع، يعنى عود الخلافه اليه، و كذلك قوله: (و لمع لامع، و لاح لائح)، كل هذا يراد به معنى واحد.و اعتدل مائل، اشاره الى ما كانت الامور عليه من الاعوجاج فى اواخر ايام عثمان، و استبدل الله بعثمان و شيعته عليا و شيعته، و بايام ذاك ايام هذا.ثم قال: (و انتظرنا الغير انتظار المجدب المطر)، و هذا الكلام يدل على انه قد كان يتربص بعثمان الدوائر، و يرتقب حلول الخطوب بساحته، ليلى الخلافه.فان قلت: اليس هو الذى طلق الدنيا، فاين هذا القول من طلاقها؟ قلت: انه طلق الدنيا ان يقبل منها حظا دنيويا، و لم يطلقها، ان ينهى فيها عن المنكرات التى امره الله تعالى بالنهى عنها، و يقيم فيها الدين الذى امره الله باقامته، و لا سبيل له الى النهى عن المنكر و الامر بالمعروف الا بولايه الخلافه.(عقيده على فى عثمان و راى المعتزله فى ذلك) فان قلت: ايجوز على مذهب المعتزله ان يقال: انه (ع) كان ينتظر قتل عثمان، انتظار المجدب المطر، و هل هذا الا محض مذهب الشيعه! قلت: انه (ع) لم يقل: (و انتظرنا قتله) و انما انتظر الغير، فيجوز ان يكون اراد انتظار خلعه و عزله عن الخلافه، فان عليا (ع) عند اصحابنا كان يذهب الى ان عثمان استحق الخلع باحداثه، و لم يستحق القتل، و هذا الكلام اذا حمل على انتظار الخلع كان موافقا لمذهب اصحابنا.فان قلت: اتقول المتعزله ان عليا كان يذهب الى فسق عثمان المستوجب لاجله الخلع؟ قلت: كلا! حاش لله ان تقول المعتزله ذلك! و انما تقول ان عليا كان يرى ان عثمان يضعف عن تدبير الخلافه، و ان اهله غلبوا عليه، و استبدوا بالامر دونه، و استعجزه المسلمون، و استسقطوا رايه، فصار حكمه حكم الامام اذا عمى، او اسره العدو، فانه ينخلع من الامامه.ثم قال (ع): (الائمه قوام الله على خلقه)، اى يقومون بمصالحهم، و قيم المنزل: هو المدبر له.قال: (و عرفاوه على عباده): جمع عريف، و هو النقيب و الرئيس، يقال: عرف فلان بالضم عرافه بالفتح، مثل خطب خطابه اى صار عريفا، و اذا اردت انه عمل ذلك قلت: عرف فلان علينا سنين، يعرف عرافه بالكسر، مثل كتب يكتب كتابه.قال: (و لايدخل الجنه الا من عرفهم و عرفوه، و لايدخل النار الا من انكرهم و انكروه)، هذا اشاره الى قوله تعالى: (يوم ندعو كل اناس بامامهم)، قال المفسرون: ينادى فى الموقف: يا اتباع فلان، و يا اصحاب فلان، فينادى كل قوم باسم امامهم، يقول اميرالموم
نين (ع): لايدخل الجنه يومئذ الا من كان فى الدنيا عارفا بامامه، و من يعرفه امامه فى الاخره، فان الائمه تعرف اتباعها يوم القيامه، و ان لم يكونوا راوهم فى الدنيا، كما ان النبى (ص) يشهد للمسلمين و عليهم، و ان لم يكن راى اكثرهم، قال سبحانه: (فكيف اذا جئنا من كل امه بشهيد و جئنا بك على هولاء شهيدا) و جاء فى الخبر المرفوع: (من مات بغير امام مات ميته جاهليه)، و اصحابنا كافه قائلون بصحه هذه القضيه، و هى انه لايدخل الجنه الا من عرف الائمه، الا ترى انهم يقولون: الائمه بعد رسول الله (ص) فلان و فلان، و يعدونهم واحدا واحدا، فلو ان انسانا لايقول بذلك، لكان عندهم فاسقا، و الفاسق لايدخل الجنه عندهم ابدا، اعنى من مات على فسقه.فقد ثبت ان هذه القضيه، و هى قوله: (ع): (لايدخل الجنه الا من عرفهم) قصه صحيحه على مذهب المعتزله، و ليس قوله: (و عرفوه) بمنكر عند اصحابنا، اذا فسرنا قوله تعالى: (يوم ندعو كل اناس بامامهم) على ما هو الاظهر و الاشهر من التفسيرات، و هو ما ذكرناه.و بقيت القضيه الثانيه ففيها الاشكال، و هى قوله (ع): (و لايدخل النار الا من انكرهم و انكروه)، و ذلك ان لقائل ان يقول: قد يدخل النار من لم ينكرهم، مثل ان يكون انسان ي
عتقد صحه امامه القوم الذين يذهب انهم ائمه عند المتعزله، ثم يزنى او يشرب الخمر من غير توبه، فانه يدخل النار، و ليس بمنكر للائمه، فكيف يمكن الجمع بين هذه القضيه و بين الاعتزال! فالجواب ان الواو فى قوله (و انكروه) بمعنى (او) كما فى قوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع) فالانسان المفروض فى السوال و ان كان لاينكر الائمه الا انهم ينكرونه، اى يسخطون يوم القيامه افعاله، يقال: انكرت فعل فلان اى كرهته، فهذا هو تاويل الكلام على مذهبنا، فاما الاماميه فانهم يحملون ذلك على تاويل آخر، و يفسرون قوله: (و لايدخل النار)، فيقولون: اراد و لايدخل النار دخولا موبدا الا من ينكرهم و ينكرونه.ثم ذكر (ع) شرف الاسلام، و قال: انه مشتق من السلامه، و انه جامع للكرامه، و ان الله قد بين حججه، اى الادله على صحته.ثم بين ما هذه الادله، فقال: (من ظاهر علم، و باطن حكم) اى حكمه، ف(من) هاهنا للتبيين و التفسير، كما تقول: دفعت اليه سلاحا من سيف و رمح و سهم، و يعنى بظاهر علم و باطن حكم، و القرآن، الا تراه كيف اتى بعده بصفات و نعوت لاتكون الا للقرآن، من قوله: (لاتفنى عزائمه) اى آياته المحكمه.و (براهينه العازمه) اى القاطعه ولا تنقضى عجائبه، لانه مهما تامله الانسان استخرج منه بكفر غرائب عجائب لم تكن عنده من قبل.(فيه مرابيع النعم)، المرابيع الامطار التى تجى ء فى اول الربيع فتكون سببا لظهور الكلا، و كذلك تدبر القرآن سبب للنعم الدينيه و حصولها.قوله: (قد احمى حماه، و ارعى مرعاه)، الضمير فى (احمى) يرجع الى الله تعالى، اى قد احمى الله حماه، اى عرضه لان يحمى، كما تقول: اقتلت الرجل، اى عرضته لان يقتل.و اضربته، اى عرضته لان يضرب، اى قد عرض الله تعالى حمى القرآن و محارمه لان يجتنب و مكن منها، و عرض مراعاه لان يرعى، اى مكن من الانتفاع بما فيه من الزواجر و المواعظ لانه خاطبنا بلسان عربى مبين، و لم يقنع ببيان م
ا لانعلم الا بالشرع حتى نبه فى اكثره على ادله العقل.