الخفاش، واحد جمعه خفافيش، و هو هذا الطائر الذى يطير ليلا و لايطير نهارا، و هو ماخوذ من الخفش، و هو ضعف فى البصر خلقه، و الرجل اخفش، و قد يكون عله، و هو الذى يبصر بالليل لا بالنهار، او فى يوم غيم لا فى يوم صحو.
و انحسرت الاوصاف: كلت و اعيت.
و ردعت: كفت.
و المساغ: المسلك.
قال: (احق و ابين مما ترى العيون)، و ذلك لان العلوم العقليه اذا كانت ضروريه او قريبه من الضروريه، كانت اوثق من المحسوسات، لان الحس يغلط دائما، فيرى الكبير صغيرا كالبعيد، و الصغير كبيرا، كالعنبه فى الماء ترى كالاجاصه، و يرى الساكن متحركا، كجرف الشط اذا رآه راكب السفينه متصاعدا، و يرى المتحرك ساكنا كالظل، الى غير ذلك من الاغاليط و القضايا العقليه الموثوق بها، لانها بديهه او تكاد، فالغلط غير داخل عليها.
قوله: (يقبضها الضياء)، اى يقبض اعينها.
قوله: (و تتصل بعلانيه برهان الشمس) كلام جيد فى مذاهب الاستعاره.
و سبحات اشراقها: جلاله و بهاوه.
و اكنها: سترها، و بلج ائتلافها: جمع بلجه، و هى اول الصبح، و جاء بلجه ايضا بالفتح.
و الحداق: جمع حدقه العين.
و الاسداف: مصدر اسدف الليل، اظلم.
و غسق الدجنه: ظلام الليل.
فاذا القت الشمس قناعها، اى سفرت عن وجهها و اشرقت.
و الاوضاح: جمع وضح، و قد يراد به حلى يعمل من الدراهم الصحاح، و قد يراد به الدراهم الصحاح نفسها و ان لم يكن حليا.
و الضباب، جمع ضب.
و وجارها: بيتها.
و شظايا الاذان: اقطاع منها.
و القصب هاهنا: الغضروف.
و خلاصه الخطبه، التعجب من اعين الخفافيش التى تبصر ليلا و لاتبصر نهارا، و كل الحيوانات بخلاف ذلك، فقد صار الليل لها معاشا، و النهار لها سكنا، بعكس الحال فيما عداها ثم من اجنحتها التى تطير بها و هى لحم لا ريش عليه و لا غضروف، و ليست رقيقه فتنشق و لا كثيفه فتثقلها عن الطيران.
ثم من ولدها اذا طارت احتملته و هو لاصق بها، فاذا وقعت وقع ملتصقا بها هكذا، الى ان يشتد و يقوى على النهوض فيفارقها.
(فصل فى ذكر بعض غرائب الطيور و ما فيها من عجائب) و اعلم انه (ع) قد اتى بالعله الطبيعيه فى عدم ابصارها نهارا، و هو انفعال حاسه بصرها عن الضوء الشديد، و قد يعرض مثل ذلك لبعض الناس، و هو المرض المسمى (روز كور) اى اعمى النهار، و يكون ذلك عن افراط التحلل فى الروح النورى، فاذا لقى حر النهار اصابه قمر، ثم يستدرك ذلك برد الليل فيزول، فيعود الابصار.
و اما طيرانها من غير ريش، فانه ليس بذلك الطيران الشديد، و انما هو نهوض و خفه، افادها الله تعالى اياه بواسطه الطبيعه، و التصاق الولد بها، لانها تضمه اليها بالطبع، و ينضم اليها كذلك، و تستعين على ضمه برجليها، و بقصر المسافه.
و جمله الامر انه تعجب من عجيب.
و فى الاحاديث العاميه: قيل للخفاش: لماذا لاجناح لك؟ قال: لانى تصوير مخلوق، قيل: فلما ذا لاتخرج نهارا؟ قال: حياء من الطيور، يعنون ان المسيح (ع) صوره، و ان اليه الاشاره بقوله تعالى: (و اذ تخلق من الطين كهيئه الطير باذنى فتنفخ فيها فتكون طيرا باذنى).
و فى الطير عجائب و غرائب لاتهتدى العقول اليها، و يقال: ان ضربين من الحيوان اصمان لايسمعان، و هما النعام و الافاعى.
و تقول العرب: ان الظليم يسمع بعينه و انفه، لايحتاج معهما الى حاسه اخرى.
و الكراكى يجمعها امير لها كيعسوب النحل، و لايجمعها الا ازواجا.
و العصافير آلفه للناس آنسه بهم، لاتسكن دارا حتى يسكنها انسان، و متى سكنتها لم تقم فيها اذا خرج الانسان منها، فبفراقه تفارق، و بسكناه تسكن.
و يذكر اهل البصره انه اذا كان زمن الخروج الى البساتين لم يبق فى البصره عصفور الا خرج اليها، الا ما اقام على بيضه و فراخه، و قد يدرب العصفور فيستجيب من المكان البعيد و يرجع.
و قال شيخنا ابوعثمان: بلغنى انه درب فيرجع من ميل.