شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 436
نمايش فراداده

قلت: السبابجه لفظه معربه، قد ذكرها الجوهرى فى كتاب "الصحاح" قال: هم قوم من السند، كانوا بالبصره جلاوزه و حراس السجن، و الهاء للعجمه و النسب، قال يزيد بن مفرغ الحميرى: و طماطيم من سبابيج خزر يلبسونى مع الصباح القيودا قال: فلما بلغ حكيم بن جبله ما صنع القوم بعثمان بن حنيف، خرج فى ثلاثمائه من عبدالقيس مخالفا لهم و منابذا، فخرجوا اليه، و حملوا عائشه على جمل، فسمى ذلك اليوم يوم الجمل الاصغر، و يوم على يوم الجمل الاكبر.

و تجالد الفريقان بالسيوف، فشد رجل من الازد من عسكر عائشه على حكيم بن جبله، فضرب رجله فقطعها، و وقع الازدى عن فرسه، فجثا حكيم، فاخذ رجله فرمى بها الازدى، فصرعه، ث م دب اليه فقتله متكئا عليه، خانقا له حتى زهقت نفسه، فمر بحكيم انسان و هو يجود بنفسه، فقال: من فعل بك؟ قال: وسادى، فنظر فاذا الازدى تحته، و كان حكيم شجاعا مذكورا.

قال: و قتل مع حكيم اخوه له ثلاثه، و قتل اصحابه كلهم، و هم ثلاثمائه من عبدالقيس، و القليل منهم من بكر بن وائل، فلما صفت البصره لطلحه و الزبير بعد قتل حكيم و اصحابه و طرد ابن حنيف عنهما اختلفا فى الصلاه، و اراد كل منهما ان يوم بالناس، و خاف ان تكون صلاته خلف صاحبه تسليما له و رضا بتقدمه، فاصلحت بينهما عائشه، بان جعلت عبدالله بن الزبير و محمد بن طلحه يصليان بالناس، هذا يوما و هذا يوما.

قال ابومخنف: ثم دخلا بيت المال بالبصره، فلما راوا ما فيه من الاموال، قال الزبير: (وعدكم الله مغانم كثيره تاخذونها، فعجل لكم هذه)، فنحن احق بها من اهل البصره، فاخذا ذلك المال كله، فلما غلب على (ع) رد تلك الاموال الى بيت المال، و قسمها فى المسلمين.

و قد ذكرنا فيما تقدم كيفيه الوقعه، و مقتل الزبير فارا عن الحرب خوفا او توبه- و نحن نقول: انها توبه- و ذكرنا مقتل طلحه و الاستيلاء على ام المومنين و احسان على (ع) اليها و الى من اسر فى الحرب، او ظفر به بعدها.

منافره بين ولدى عل ى و طلحه كان القاسم بن محمد بن يحيى بن طلحه بن عبيدالله التيمى- يلقب ابابعره، ولى شرطه الكوفه لعيسى بن موسى بن محمد بن على بن عبدالله بن العباس- كلم اسماعيل ابن جعفر بن محمد الصادق (ع) بكلام خرجا فيه الى المنافره، فقال القاسم بن محمد: لم يزل فضلنا و احساننا سابغا عليكم يا بنى هاشم و على بنى عبدمناف كافه، فقال اسماعيل: اى فضل و احسان اسديتموه الى بنى عبدمناف؟ اغضب ابوك جدى بقوله: ليموتن محمد و لنجولن بين خلاخيل نسائه.

كما جال بين خلاخيل نسائنا.

فانزل الله تعالى مراغمه لابيك: (و ما كان لكم ان توذوا رسول الله و لا ان تنكحوا ازواجه من بعده ابدا) و منع ابن عمك امى حقها من فدك و غيرها من ميراث ابيها، و اجلب ابوك على عثمان و حصره حتى قتل، و نكث بيعه على و شام السيف فى وجهه، و افسد قلوب المسلمين عليه، فان كان لبنى عبد مناف قوم غير هولاء اسديتم اليهم احسانا، فعرفنى من هم جعلت فداك! منافره عبدالله بن الزبير و عبدالله بن العباس و تزوج عبدالله بن الزبير ام عمرو ابنه منظور بن زبان الفزاريه، فلما دخل بها قال لها تلك الليله: اتدرين من معك فى حجلتك؟ قالت: نعم، عبدالله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن اسد بن عبدالعزى.

ق ال: ليس غير هذا! قالت: فما الذى تريد؟ قال: معك من اصبح فى قريش بمنزله الراس من الجسد، لا بل بمنزله العينين من الراس.

قالت: اما و الله لو ان بعض بنى عبدمناف حضرك لقال لك خلاف قولك.

فغضب، و قال: الطعام و الشراب على حرام حتى احضرك الهاشميين و غيرهم من بنى عبدمناف، فلا يستطيعون لذلك انكارا.

قالت: ان اطعتنى لم تفعل و انت اعلم و شانك.

فخرج الى المسجد فراى حلقه فيها قوم من قريش، منهم عبدالله بن العباس و عبدالله بن الحصين بن الحارث بن عبدالمطلب بن عبدمناف، فقال لهم ابن الزبير: احب ان تنطلقوا معى الى منزلى، فقام القوم باجمعهم حتى وقفوا على باب بيته، فقال ابن الزبير: يا هذه اطرحى عليك سترك، فلما اخذوا مجالسهم دعا بالمائده، فتغذى القوم، فلما فرغوا قال لهم: انما جمعتكم لحديث ردته على صاحبه الستر، و زعمت انه لو كان بعض بنى عبدمناف حضرنى لما اقر لى بما قلت، و قد حضرتم جميعا.

و انت يابن عباس، ما تقول؟ انى اخبرتها ان معها فى خدرها من اصبح فى قريش بمنزله الراس من الجسد، بل بمنزله العينين من الراس! فردت على مقالتى، فقال ابن عباس: اراك قصدت قصدى، فان شئت ان اقول قلت، و ان شئت ان اكف كففت، قال: بل قل، و ما عسى ان تقول! الست تعل م انى ابن الزبير حوارى رسول (ص)، و ان امى اسماء بنت ابى بكر الصديق ذات النطاقين، و ان عمتى خديجه سيده نساء العالمين، و ان صفيه عمه رسول الله (ص) جدتى، و ان عائشه ام المومنين خالتى! فهل تستطيع لهذا انكارا! قال ابن عباس: لقد ذكرت شرفا شريفا، و فخرا فاخرا، غير انك تفاخر من بفخره فخرت، و بفضله سموت.

قال: و كيف ذلك؟ قال: لانك لم تذكر فخرا الا برسول (ص)، و انا اولى بالفخر به منك.

قال ابن الزبير: لو شئت لفخرت عليك بما كان قبل النبوه، قال ابن عباس: قد انصف القاره من راماها نشدتكم الله ايها الحاضرون! عبدالمطلب اشرف ام خويلد فى قريش؟ قالوا: عبدالمطلب، قال: افهاشم كان اشرف فيها ام اسد؟ قالوا: بل هاشم قال: افعبد مناف اشرف ام عبدالعزى؟ قالوا: عبدمناف، فقال ابن عباس: تنافرنى يابن الزبير و قد قضى عليك رسول الله لو لاقول هازل و لو غيرنا يابن الزبير فخرته و لكنما ساميت شمس الاصائل قضى لنا رسول الله (ص) بالفضل فى قوله: (ما افترقت فرقتان الا كنت فى خيرهما) فقد فارقناك من بعد قصى بن كلاب، افنحن فى فرقه الخير ام لا؟ ان قلت: نعم خصمت، و ان قلت لاكفرت! فضحك بعض القوم، فقال ابن الزبير: اما و الله لو لاتحرمك بطعامنا يابن ع باس لاعرقت جبينك قبل ان تقوم من مجلسك، قال ابن عباس: و لم؟ ابباطل فالباطل لايغلب الحق، ام بحق؟ فالحق لايخشى من الباطل! فقالت المراه من وراء الستر: انى و الله لقد نهيته عن هذا المجلس، فابى الا ما ترون.

فقال ابن عباس: مه ايتها المراه! اقنعى ببعلك، فما اعظم الخطر، و ما اكرم الخبر! فاخذ القوم بيد ابن عباس- و كان قد عمى- فقالوا: انهض ايها الرجل فقد افحمته غير مره، فنهض و قال: الا يا قومنا ارتحلوا و سيروا فلو ترك القطا لغفا و ناما فقال ابن الزبير: يا صاحب القطا، اقبل على، فما كنت لتدعنى حتى اقول، و ايم الله لقد عرف الاقوام انى سابق غير مسبوق و ابن حوارى و صديق، متبجح فى الشرف الانيق، خير من طليق.

فقال ابن عباس: دسعت بجرتك فلم تبق شيئا؟ هذا الكلام مردود، من امرى ء حسود، فان كنت سابقا فالى من سبقت؟ و ان كنت فاخرا فبمن فخرت؟ فان كنت ادركت هذا الفخر باسرتك دون اسرتنا، فالفخر لك علينا، و ان كنت انما ادركته باسرتنا فالفخر لنا عليك، و الكثكث فى فمك و يديك و اما ما ذكرت من الطليق، فوالله لقد ابتلى فصبر، و انعم عليه فشكر، و ان كان و الله لوفيا كريما غير ناقض بيعه بعد توكيدها، و لا مسلم كتيبه بعد التامر عليها.

فقال ابن الزبير: اتعير الزبير بالجبن، و الله انك لتعلم منه خلاف ذلك! قال ابن عباس: و الله انى لااعلم الا انه فر و ما كر، و حارب فما صبر، و بايع فما تمم، و قطع الرحم، و انكر الفضل، و رام ما ليس له باهل.

و ادرك منها بعض ما كان يرتجى و قصر عن جرى الكرام و بلدا و ما كان الا كالهجين امامه عناق فجاراه العناق فاجهدا فقال ابن الزبير: لم يبق يا بنى هاشم غير المشاتمه و المضاربه.

فقال عبدالله بن الحصين بن الحارث: اقمناه عنك يابن الزبير، و تابى الا منازعته! و الله لو نازعته من ساعتك الى انقضاء عمرك ما كنت الا كالسغب الظمان، يفتح فاه يستزيد من الريح، فلا يشبع من سغب، و لايروى من عطش، فقل ان شئت، او فدع.

و انصرف القوم.