شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 473
نمايش فراداده

(و نصب اعينهم) منصوب على الظرفيه، و روى بالرفع، على انه خبر ان، و الظن هاهنا يمكن ان يكون على حقيقته، و يمكن ان يكون بمعنى العلم، كقوله تعالى (الا يظن اولئك انهم مبعوثون).

و اصغى الى الكلام: مال اليه بسمعه.

و زفير النار: صوتها.

و قد جاء فى فضل قرائه القرآن شى ء كثير، روى عن النبى (ص) انه قال: (من قرا القرآن ثم راى ان احدا اوتى افضل مما اوتى فقد استصغر ما عظمه الله).

و قال (ص): (لو كان القرآن فى اهاب ما مسته النار).

و قال: (افضل عباده امتى قرائه القرآن).

و قال: (اهل القرآن اهل الله و خاصته).

و قال: (ان هذه القلوب تصدا كما يصدا ال حديد)، قيل: فما جلاوها؟ قال: (تلاوه القرآن و ذكر الموت).

و قال (ع): (ان الله سبحانه لاشد اذنا الى قارى ء القرآن من صاحب القينه الى قينته).

و قال الحسن رحمه الله: ما دون القرآن من غنى، و لا بعد القرآن من فاقه.

ثم ذكر (ع) صوره صلاتهم و ركوعهم، فقال: (حانون على اوساطهم)، حنيت العود: عطفته، يصف هيئه ركوعهم و انحنائهم فى الصلاه.

مفترشون لجباههم: باسطون لها على الارض.

ثم ذكر الاعضاء السبعه التى مباشرتها بالارض فروض فى الصلاه، و هى: الجبهه، و الكفان، و الركبتان، و المقدمان.

قوله (ع): (يطلبون الى الله)، اى يسالونه، يقال: طلبت اليك فى كذا، اى سالتك، و الكلام على الحقيقه، مقدر فيه حال محذوفه يتعلق بها حرف الجر، اى يطلبون سائلين الى الله فى فكاك رقابهم، لان (طلب) لايتعدى بحرف الجر.

ثم لما فرغ من ذكر الليل، قال: (و اما النهار فحلماء، علماء، ابرار اتقياء) هذه الصفات هى التى يطلع عليها الناظرون لهم نهارا، و تلك الصفات المتقدمه من وظائف الليل.

ثم ذكر ما هم عليه من الخوف، فقال (ع): (ان خوفهم قد براهم برى القداح)، و هى السهام، واحدها قدح، فينظر اليهم الناظر فيحسبهم مرضى و ما بهم من مرض، نظير هذا قول الشاعر: و مخرق عنه القمي ص تخاله بين البيوت من الحياء سقيما حتى اذا رفع اللواء رايته تحت اللواء على الخميس زعيما و يقال للمتقين لشده خوفهم: كانهم مرضى، و لا مرض بهم.

و تقول العرب للكرام من الناس، القليلى الماكل و المشرب، رافضى اللباس الرفيع، ذوى الاجسام النحيفه: مراض من غير مرض، و يقولون ايضا للمراه ذات الطرف الغضيض الفاتر، ذات الكسل: مريضه من غير مرض، قال الشاعر: ضعيفه كر الطرف تحسب انها حديثه عهد بالافافه من سقم (ذكر الخوف و ما ورد فيه من الاثار) و اعلم ان الخوف مقام جليل من مقامات العارفين، و هو احد الاركان التى هى اصول هذا الفن، و هو التقوى التى حث الله تعالى عليها، و قال: ان اكرم الناس عنده اشدهم خوفا له و فى هذه الايه وحدها كفايه، و اذا نظرت القرآن العزيز وجدت اكثره ذكر المتقين، و هم الخائفون، و قال النبى (ص): (من خاف الله خافه كل شى ء، و من خاف غير الله خوفه الله من كل شى ء).

و قال (ع): (اتمكم عقلا اشدكم لله خوفا، و احسنكم فيما امر به و نهى عنه نظرا).

و قال يحيى بن معاذ: مسكين ابن آدم، لو خاف النار كما يخاف الفقر، دخل الجنه.

و قال ذو النون المصرى: ينبغى ان يكون الخوف اغلب من الرجاء، فان الرجاء اذا غلب تشوش القلب .

و قيل لبعض الصالحين: من آمن الخلق غدا؟ قال: اشدهم خوفا اليوم.

و قيل للحسن: يا اباسعيد، كيف نصنع بمجالسه اقوام من اصحابك، يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تطير؟ فقال: انك و الله لان تصحب قوما يخوفونك حتى تدرك الامن، خير لك من ان تصحب قوما يومنونك حتى يدركك الخوف.

و قيل للنبى (ص) فى قوله تعالى: (و الذين يوتون ما آتوا و قلوبهم و جله): هم الذين يعصون و يخافون المعصيه؟ قال: (لا، بل الرجل يصوم، و يتصدق، و يخاف الا يقبل منه).

و قال (ص): (ما من قطره احب الى الله تعالى من قطره دمع من خشيه الله، او قطره دم اريقت فى سبيل الله).

و قال (ع): (سبعه يظلهم الله بظله يوم لا ظل الا ظله)، و ذكر منهم رجلا ذكر الله فى خلوه، ففاضت عيناه.

قوله (ع): (و يقول قد خولطوا) اى اصابتهم جنه.

ثم قال: (و لقد خالطهم امر عظيم)، اى مازجهم خوف عظيم تولهوا لاجله، فصاروا كالمجانين.

ثم ذكر انهم لايستكثرون فى كثير من اعمالهم، و لايرضيهم اجتهادهم، و انهم يتهمون انفسهم، و ينسبونها الى التقصير فى العباده، و الى هذا نظر المتنبى، فقال: يستصغر الخطر الكبير لنفسه و يظن دجله ليس تكفى شاربا قال: (و من اعمالهم مشفقون)، اى مشفقون من عباداتهم الا تقبل، و الى هذا ن ظر ابوتمام فقال: يتجنب الاثام ثم يخافها فكانما حسناته آثام و مثل قوله: (انا اعلم بنفسى من غيرى).

قوله (ع) لمن زكاه نفاقا: (انا دون ما تقول، و فوق ما فى نفسك).

و قوله: (اللهم لاتوخذانى بما يقولون...) الى آخر الكلام مفرد مستقل بنفسه منقول عنه (ع)، انه قال لقوم مر عليهم و هم مختلفون فى امره، فمنهم الحامد له، و منهم الذام، فقال: اللهم لا تواخذنى...) الكلمات الى آخرها، و معناه: اللهم ان كان ما ينسبه الذامون الى من الافعال الموجبه الذم حقا، فلا تواخذنى بذلك، و اغفرلى ما لايعلمونه من افعالى، و ان كان ما يقوله الحامدون حقا، فاجعلنى افضل مما يظنونه فى.