شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
و منها فضول الكلام و كثرته، و ترك الاقتصار، و كان يقال: فضول المنطق و زيادته نقص فى العقل، و هما ضدان متنافيان، كلما زاد احدهما نقص الاخر.و قال عبدالله بن مسعود: اياكم و فضول الكلام، حسب امرى ما بلغ به حاجته.و كان يقال: من كثر كلامه كثر سقطه.و قال الحسن: فضول الكلام كفضول المال، كلاهما مهلك.و منها الخوض فى الباطل، و الحديث فيما لايحل، كحديث النساء و مجالس الخمر.و مقامات الفساق، و اليه الاشاره بقوله تعالى: (و كنا نخوض مع الخائضين).و منها المراء و الجدال، قال (ع): (دع المراء و ان كنت محقا).و قال مالك بن انس: المراء يقسى القلب، و يورث الضغائن.و قال سفيان الثورى: لو خالفت اخى فى رمانه فقال: حلوه، و قلت: حامضه، لسعى بى الى السلطان.و كان يقال: صاف من شئت ثم اغضبه بالجدال و المراء، فليرمينك بداهيه تمنعك العيش.و قيل لميمون بن مهران: ما لك لاتفارق اخا لك عن قلى؟ قال: لانى لا اشاريه، و لا اماريه.و منها التقعر فى الكلام بالتشدد، و التكلف فى الالفاظ، قال النبى (ص) (ابغضكم الى، و ابعدكم منى مجالس يوم القيامه الثرثارون المتفيهقون المتشدقون).و قال (ع): (هلك المتنطعون...)، ثلاث
مرات، و التنطع: هو التعمق و الاستقصاء.و قال عمر: ان شقاشق الكلام من شقاشق الشيطان.و منها الفحش و السب و البذاء قال النبى (ص): (اياكم و الفحش، فان الله لايحب الفحش، و لا يرضى الفحش).و قال (ع): (ليس المومن بالطعان، و لا باللعان، و لا بالسباب، و لا البذى).و قال (ع): (لو كان الفحش رجلا لكان رجل سوء).و منها المزاح الخارج عن قانون الشريعه، و كان يقال: من مزح استخف به.و كان يقال: المزاح فحل لا ينتج الا الشر.و منها الوعد الكاذب، و قد قال النبى (ص): العده دين، و قد اثنى الله سبحانه على اسماعيل، فقال: (انه كان صادق الوعد)، و قال سبحانه: (يا ايها الذين آمنوا اوفوا بالعقود).و منها الكذب فى القول و اليمين و الامر فيهما مشهور.و منها الغيبه و قد تقدم القول فيها.قوله (ع): (و ملبسهم الاقتصاد)، اى ليس بالثمين جدا، و لا بالحقير جدا، كالخرق التى توخذ من على المزابل، و لكنه امر بين امرين، و كان (ع) يلبس الكرابيس، و هو الخام الغليظ، و كذلك كان عمر رضى الله عنه، و كان رسول الله (ص) يلبس اللين تاره، و الخشن اخرى.قوله (ع): (و مشيهم التواضع) تقديره: و صفه مشيهم التواضع، فحذف المضاف و هذا ماخوذ من قوله تعالى: (و اقصد فى مشي
ك و اغضض من صوتك).راى محمد بن واسع ابنا له يمشى، و هو يتبختر و يميس فى مشيته، فصاح به، فاقبل فقال له: ويلك! لو عرفت نفسك لقصدت فى مشيك، اما امك فامه ابتعتها بمائه درهم و اما ابوك فلا اكثر الله فى الناس من امثاله! و الاصل فى هذا الباب، قوله تعالى: (و لاتمش فى الارض مرحا انك لن تخرق الارض و لن تبلغ الجبال طولا).و قوله: (غضوا ابصارهم) اى خفضوها و غمضوها، و غضضت طرفى عن كذا: احتملت مكروهه.و قوله: (وقفوا اسماعهم على العلم النافع لهم) اى لم يشغلوا سمعهم بشى ء غير العلوم النافعه، اى لم يشتغلوا بسماع شعر و لا غناء و لا احاديث اهل الدنيا.قوله: (نزلت انفسهم منهم فى البلاء، كالذى نزلت فى الرخاء)، يعنى انهم قد طابوا نفسا فى البلاء و الشده كطيب انفسهم باحوالهم فى الرخاء و النعمه، و ذلك لقله مبالاتهم بشدائد الدنيا و مصائبها، و تقدير الكلام من جهه الاعراب: نزلت انفسهم منهم فى حال البلاء نزولا كالنزول الذى نزلته منهم فى حال الرخاء، فموضع (كالذى) نصب، لانه صفه مصدر محذوف، و الموصول قد حذف العائد اليه، و هو الهاء فى (نزلته) كقولك: ضربت الذى ضربت، اى ضربت الذى ضربته.ثم قال (ع): انهم من شده شوقهم الى الجنه، و من شده خوفهم
من النار، تكاد ارواحهم ان تفارق اجسادهم، لولا ان الله تعالى ضرب لهم آجالا ينتهون اليها.ثم ذكر ان الخالق لما عظم فى اعينهم استصغروا كل شى ء دونه، و صاروا لشده يقينهم و مكاشفتهم، كمن راى الجنه فهو يتنعم فيها، و كمن راى النار و هو يعذب فيها، و لاريب ان من يشاهد هاتين الحالتين، يكون على قدم عظيمه من العباده و الخوف و الرجاء، و هذا مقام جليل، و مثله قوله (ع) فى حق نفسه: (لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا).و الواو فى (و الجنه) واو (مع)، و قد روى بالعطف بالرفع على انه معطوف على (هم) و الاول احسن.ثم وصفهم بحزن القلوب، و نحافه الاجسام، و عفه الانفس و خفه الحوائج و ان شرورهم مامونه على الناس، و انهم صبروا صبرا يسيرا اعقبهم نعيما طويلا.ثم ابتداهم فقال: تجاره مربحه اى تجارتهم تجاره مربحه، فحذف المبتدا.و روى: (تجاره مربحه)، بالنصب على انه مصدر محذوف الفعل.قوله: (اما الليل) بالنصب على الظرفيه، و روى (اما الليل) على الابتداء.قوله: (تالين)، منصوب على انه حال، اما من الضمير المرفوع بالفاعليه فى (صافون) او من الضمير المجرور بالاضافه فى: (اقدامهم).و الترتيل: التبيين و الايضاح، و هو ضد الاسراع و العجل و يروى: (يرتلونه) على ا
ن الضمير يعود الى القرآن، و الروايه الاولى يعود الضمير فيها الى اجزاء القرآن.قوله: (يحزنون به انفسهم)، اى يستجلبون لها الحزن به، و يستثيرون به دواء دائهم، اشاره الى البكاء، فانه دواء داء الحزين، قال الشاعر: فقلت لها ان البكاء لراحه به يشتفى من ظن ان لا تلاقيا و قال آخر: شجاك من ليلتك الطول فالدمع من عينيك مسدول و هو اذا انت تاملته حزن على الخدين محلول ثم ذكر انهم اذا مروا بايه فيها ذكر الثواب مالوا اليها، و اطمانوا بها، طمعا فى نيله، و تطلعت انفسهم اليها شوقا، اى اشرابت.