شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 474
نمايش فراداده

الشرح:

هذه الالفاظ التى اولها: (قوه فى دين)، بعضها يتعلق حرف الجر فيه بالظاهر، فيكون موضعه نصبا بالمفعوليه، و بعضها يتعلق بمحذوف، فيكون موضعه نصبا ايضا على الصفه، و نحن نفصلها.

فقوله: (قوه فى دين) حرف الجر هاهنا متعلق بالظاهر، و هو (قوه)، تقول: فلان قوى فى كذا و على كذا، كما تقول: مررت بكذا، و بلغت الى كذا.

و (و حزما فى لين)، هاهنا لايتعلق حرف الجر بالظاهر، لانه لا معنى له، الا ترى انك لا تقول: فلان حازم فى اللين، لان اللين ليس امرا يحزم الانسان فيه، و ليس كما تقول: فلان حازم فى رايه او فى تدبيره! فوجب ان يكون حرف الجر متعلقا بمحذوف تقديره: و حزما كائنا فى لين.

و كذلك قوله: (و ايمانا فى يقين)، حرف الجر متعلق بمحذوف: اى كائنا فى يقين، اى مع يقين.

فان قلت: الايمان هو اليقين فكيف، قال: (و ايمانا فى يقين)؟ قلت: الايمان هو الاعتقاد مضافا الى العمل، و اليقين هو سكون القلب فقط، فاحدهما غير الاخر.

قوله: (و حرصا فى علم) حرف الجر هاهنا يتعلق بالظاهر، و (فى) بمعنى (على) كقوله تعالى: (و لاصلبنكم فى جذوع النخل).

قوله: (و قصدا فى غنى) حرف الجر متعلق بمحذوف، اى هو مقتصد مع كونه غنيا، و ليس يجوز ان يكون متعلق ا بالظاهر، لانه لا معنى لقولك: اقتصد فى الغنى، انما يقال: اقتصد فى النفقه، و ذلك الاقتصاد موصوف بانه مقارن للغنى و مجامع له.

قوله: (و خشوعا فى عباده) حرف الجر هاهنا يحتمل الامرين معا.

قوله: (و تجملا فى فاقه)، حرف الجر هاهنا متعلق بمحذوف، و لايصح تعلقه بالظاهر، لانه انما يقال: فلان يتجمل فى لباسه و مرووته، مع كونه ذا فاقه، و لايقال: يتجمل فى الفاقه، على ان يكون التجمل متعديا الى الفاقه.

قوله: (و صبرا فى شده)، حرف الجر هاهنا يحتمل الامرين.

قوله: (و طلبا فى حلال) حرف الجر هاهنا يتعلق بالظاهر و (فى) بمعنى (اللام).

قوله: (و نشاطا فى هدى) حرف الجر هاهنا يحتمل الامرين.

قوله: (و تحرجا عن طمع)، حرف الجر هاهنا يتعلق بالظاهر لا غير.

قوله: (يعمل الاعمال الصالحه و هو على وجل) قد تقدم مثله.

قوله: (يمسى و همه الشكر)، هذه درجه عظيمه من درجات العارفين، و قد اثنى الله تعالى على الشكر و الشاكرين فى كتابه فى مواضع كثيره، نحو قوله: (فاذكرونى اذكركم و اشكروا لى و لاتكفرون) فقرن الشكر بالذكر.

و قال تعالى: (ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم و آمنتم).

و قال تعالى: (و سيجزى الله الشاكرين).

و لعلو مرتبه الشكر طعن ابليس فى بنى آدم، فقال: ( و لاتجد اكثرهم شاكرين)، و قد صدقه الله تعالى فى هذا القول فقال: (و قليل من عبادى الشكور).

و قال بعض اصحاب المعانى: قد قطع الله تعالى بالمزيد مع الشكر و لم يستثن، فقال: (لئن شكرتم لازيدنكم).

و استثنى فى خمسه: امور و هى الاغناء، و الاجابه، و الرزق، و المغفره، و التوبه.

فقال: (فسوف يغنيكم الله من فضله ان شاء).

و قال: (بل اياه تدعون فيكشف ما تدعون اليه ان شاء).

و قال: (يرزق من يشاء).

و قال: (و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء).

و قال: (و يتوب الله على من يشاء).

و قال بعضهم: كيف لايكون الشكر مقاما جليلا، و هو خلق من اخلاق الربوبيه، قال تعالى فى صفه نفسه: (و الله شكور حليم).

و قد جعل الله تعالى مفتاح كلام اهل الجنه، فقال: (و قالوا الحمد لله الذى صدقنا وعده)، و جعله خاتمه كلامهم ايضا فقال: (و آخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين).

و قيل للنبى (ص): قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تاخر فلم تقوم الليل و تتعب نفسك؟ قال: افلا اكون عبدا شكورا! قوله (ع): (و يصبح و همه الذكر) هذه ايضا درجه كبيره عظيمه من درجات العارفين، قال تعالى: (فاذكرونى اذكركم) قال بعض العارفين لاصحابه: انا اعلم متى يذكرنى ربى.

ففزعوا منه فقال: اذا ذكرته ذ كرنى، و تلا الايه، فسكتوا.