الضمير فى (له) و هو الهاء راجع (ما) التى بمعنى (الذى) و قيل: بل هو راجع الى الله سبحانه، كانه قال: (نحمده على ما وفق من طاعته)، و الصحيح هو الاول، لان (له) فى الفقره الاولى بازاء (عنه) فى الفقره الثانيه.
و الهاء فى (عنه) ليست عائده الى (الله) و ذاد: طرد، و المصدر الذياد.
و خاض كل غمره، مثل قولك: ارتكب كل مهلكه، و تقحم كل هول.
و الغمره: ما ازدحم و كثر من الماء، و كذلك من الناس، و الجمع غمار.
و الغصه: الشجا و الجمع غصص.
و تلون له الادنون: تغير عليه اقاربه الوانا.
و تالب عليه الاقصون: تجمع عليه الابعدون عنه نسبا.
و خلعت اليه العرب اعنتها، مثل، معناه اوجفوا اليه مسرعين لمحاربته، لان الخيل اذا خلعت اعنتها كان اسرع لجريها.
و ضربت الى محاربته بطون رواحلها، كنايه عن اسراع العرب نحوه للحرب، لان الرواحل اذا ضربت بطونها لتساق كان اوحى لها، و مراده انهم كانوا فرسانا و ركبانا.
قوله: (حتى انزلت بساحته عداوتها)، اى حربها، فعبر عنها بالعداوه، لان العداوه سبب الحرب، فعبر بالسبب، عن المسبب ما زلنا نطا السماء حتى اتيناك، يعنون الماء، لما كان اعتقادهم ان السماء سبب الماء.
و اسحق المزار، ابعده مكان سحيق، ا ى بعيد، و السحق بضم السين: البعد، يقال: (سحقا له)، و يجوز ضم الحاء، كما قالوا: عسر و عسر، و سحق الشى ء، بالضم، اى بعد، و اسحقه الله ابعده، و المزار: المكان الذى يزار منه، او المكان الذى يزار فيه و الراد هاهنا هو الاول و من قرا كتب السيره علم ما لاقى رسول الله (ص) فى ذات الله سبحانه من المشقه، و استهزاء قريش به فى اول الدعوه، و رميهم اياه بالحجاره، حتى ادموا عقبيه، و صياح الصبيان به، و فرث الكرش على راسه، و فتل الثوب فى عنقه و حصره و حصر اهله فى شعب بنى هاشم سنين عده، محرمه معاملتهم و مبايعتهم و مناكحتهم و كلامهم حتى كادوا يموتون جوعا، لو لا ان بعض من كان يحنوا لرحم او لسبب غيره فهو يسرق الشى ء القليل من الدقيق او التمر فيلقيه اليهم ليلا، ثم ضربهم اصحابه و تعذيبهم بالجوع و الوثاق فى الشمس، و طردهم اياهم عن شعاب مكه، حتى خرج من خرج منهم الى الحبشه، و خرج (ع) مستجيرا منهم تاره بثقيف، و تاره ببنى عامر، و تاره بربيعه الفرس، و بغيرهم.
ثم اجمعوا على قتله و الفتك به ليلا، حتى هرب منهم لائذا بالاوس و الخزرج، تاركا اهله و اولاده، و لاخوته يده، ناجيا بحشاشه نفسه، حتى وصل الى المدينه، فناصبوه الحرب و رموه بالمناسر و الكت ائب، و ضربوا اليه آباط الابل، و لم يزل منهم فى عناء شديد، و حروب متصله، حتى اكرمه الله تعالى و نصره، و ايد دينه و اظهره.
و من له انس بالتواريخ يعلم من تفاصيل هذه الاحوال ما يطول شرحه.
سمى النفاق نفاقا من النافقاء، و هى بيت اليربوع، له بابان يدخل من احدهما، و يخرج من الاخر، و كذلك الذى يظهر دينا و يبطن غيره.
و الضالون المضلون: الذين يضلون انفسهم و يضلون غيرهم، و كذلك الزالون المزلون، زل فلان عن الامر، اى اخطا، و ازله غيره.
قوله: (يفتنون) يتشعبون فنونا، اى ضروبا.
و يعمدونكم، اى يهدونكم و يفدحونكم، يقال: عمده المرض يعمده، اى هده، و منه قولهم للعاشق: عميد القلب.
قوله: (بعماد)، اى بامر فادح و خطب مولم، و اصل العمد انشداخ سنام البعير، و ماضيه: عمد السنام بالكسر، عمدا فهو عمد.
و يرصدونكم: يعدون المكايد لكم، ارصدت: اعددت، و منه فى الحديث: (الا ان ارصده لدين على).
و قلب دو، بالتخفيف، اى فاسد، من داء اصابه، و امراه دويه، فاذا قلت: رجل دوى، بالفتح، استوى فيه المذكر و المونث و الجماعه، لانه مصدر فى الاصل، و من روى: (دويه) بالتشديد، على بعده، فانما شدده ليقابل (نقيه).