شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 49
نمايش فراداده

خطبه 019-به اشعث بن قيس

قال الرضى رحمه الله: يريد (ع) انه اسر فى الكفر مره و فى الاسلام مره.

و اما قوله (ع): (دل على قومه السيف)، فاراد به حديثا كان للاشعث مع خالد بن الوليد باليمامه، غر فيه قومه، و مكر بهم، حتى اوقع بهم خالد، و كان قومه بعد ذلك يسمونه عرف النار، و هو اسم للغادر عندهم.

الشرح:

خفض اليه بصره: طاطاه.

و قوله: (فما فداك)، لايريد به الفداء الحقيقى، فان الاشعث فدى فى الجاهليه بفداء يضرب به المثل، فقال: (اغلى فداء من الاشعث)، و سنذكره، و انما يريد: ما دفع عنك الاسر مالك و لاحسبك.

و يمقته يبغضه، و المقت: البغض.

(الاشعث بن قيس و نسبه و بعض اخباره) اسم الاشعث معدى كرب، و ابوه قيس الاشج- سمى الاشج، لانه شج فى بعض حروبهم- ابن معدى كرب بن معاويه بن معدى كرب بن معاويه بن جبله بن عبدالعزى بن ربيعه بن معاويه الاكرمين بن الحارث بن معاويه بن الحارث بن معاويه بن ثور بن مرتع بن معاويه بن كنده بن عفير بن عدى بن الحارث بن مره بن ادد.

و ام الاشعث كبشه بنت يزيد بن شرحبيل بن يزيد بن امرى ء القيس بن عمرو المقصور الملك.

كان الاشعث ابدا اشعث الراس، فسمى الاشعث، و غلب عليه حتى نسى اسمه، و لعبدالرحمن بن محمد بن الاشعث يقول ا عشى همدان: يابن الاشج قريع كن ده لا ابالى فيك عتبا انت الرئيس ابن الرئي س و انت اعلى الناس كعبا و تزوج رسول الله (ص) قتيله اخت الاشعث، فتوفى قبل ان تصل اليه.

فاما الاسر الذى اشار اميرالمومنين (ع) اليه فى الجاهليه فقد ذكره ابن الكلبى فى "جمهره النسب"، فقال: ان مرادا لما قتلت قيسا الاشج، خرج الاشعث طالبا بثاره، فخرجت كنده متساندين على ثلاثه الويه: على احد الالويه كبس بن هانى ء بن شرحبيل بن الحارث بن عدى بن ربيعه بن معاويه الاكرمين- و يعرف هانى ء بالمطلع، لانه كان يغزو فيقول: اطلعت بنى فلان، فسمى المطلع.

و على احدها القشعم ابوجبر بن يزيد الارقم.

و على احدها الاشعث، فاخطاوا مرادا، و لم يقعوا عليهم، و وقعوا على بنى الحارث بن كعب، فقتل كبس و القشعم ابوجبر، و اسر الاشعث، ففدى بثلاثه آلاف بعير، لم يفد بها عربى بعده و لا قبله، فقال فى ذلك عمرو بن معدى كرب الزبيدى: فكان فداوه الفى بعير و الفا من طريفات و تلد و اما الاسر الثانى فى الاسلام، فان رسول الله (ص) لما قدمت كنده حجاجا قبل الهجره، عرض رسول الله (ص) نفسه عليهم، كما كان يعرض نفسه على احياء العرب، فدفعه بنو وليعه من بنى عمرو بن معاويه و لم يقبلوه، فلما هاجر (ص) و تمهدت دعوته، و جاءته وفود العرب، جاءه وفد كنده، فيهم الاشعث و بنو وليعه، فاسلموا، فاطعم رسول الله (ص) بنى وليعه طعمه من صدقات حضرموت، و كان قد استعمل على حضرموت زياد بن لبيد البياضى الانصارى، فدفعها زياد اليهم، فابوا اخذها، و قالوا: لا ظهر لنا، فابعث بها الى بلادنا على ظهر من عندك فابى زياد، و حدث بينهم و بين زياد شر كاد يكون حربا، فرجع منهم قوم الى رسول الله (ص)، و كتب زياد اليه (ع) يشكوهم.

و فى هذه الوقعه كان الخبر المشهور عن رسول الله (ص)، قال لبنى وليعه: (لتنتهن يا بنى وليعه، او لابعثن عليكم رجلا عديل نفسى، يقتل مقاتلتكم، و يسبى ذراريكم).

قال عمر بن الخطاب: فما تمنيت الاماره الا يومئذ، و جعلت انصب له صدرى رجاء ان يقول: هو هذا، فاخذ بيد على (ع)، و قال: (هو هذا).

ثم كتب لهم رسول الله (ص) الى زياد، فوصلوا اليه بالكتاب و قد توفى رسول الله (ص)، و طار الخبر بموته الى قبائل العرب، فارتدت بنو وليعه، و غنت بغاياهم، و خضبن له ايديهن.

و قال محمد بن حبيب: كان اسلام بنى وليعه ضعيفا، و كان رسول الله (ص) يعلم ذلك منهم.

و لما حج رسول الله (ص) حجه الوداع، و انتهى الى فم الشعب دخل اسامه بن زيد ليبول، فانتظره رس ول الله (ص)- و كان اسامه اسود افطس- فقال بنووليعه: هذا الحبشى حبسنا! فكانت الرده فى انفسهم.

قال ابوجعفر محمد بن جرير: فامر ابوبكر زيادا على حضرموت، و امره باخذ البيعه على اهلها و استيفاء صدقاتهم، فبايعوه الا بنى وليعه، فلما خرج ليقبض الصدقات من بنى عمرو بن معاويه، اخذ ناقه لغلام منهم يعرف بشيطان بن حجر- و كانت صفيه نفيسه، اسمها شذره- فمنعه الغلام عنها.

و قال: خذ غيرها، فابى زياد ذلك ولج، فاستغاث شيطان باخيه العداء بن حجر، فقال لزياد: دعها و خذ غيرها، فابى زياد ذلك، ولج الغلامان فى اخذها، ولج زياد و قال لهما: لاتكونن شذره عليكما كالبسوس، فهتف الغلامان: يا لعمرو! انضام و نضطهد! ان الذليل من اكل فى داره.

و هتفا بمسروق بن معدى كرب، فقال مسروق لزياد: اطلقها، فابى، فقال مسروق: يطلقها شيخ بخديه الشيب ملمع فيه كتلميع الثوب ماض على الريب اذا كان الريب ثم قام فاطلقها، فاجتمع الى زياد بن لبيد اصحابه، و اجتمع بنو وليعه، و اظهروا امرهم، فبيتهم زياد و هم غارون، فقتل منهم جمعا كثيرا، و نهب و سبى، و لحق فلهم بالاشعث بن قيس، فاستنصروه فقال: لاانصركم حتى تملكونى عليكم.

فملكوه و توجوه كما يتوج الملك من قحطان.

فخرج الى زي اد فى جمع كثيف، و كتب ابوبكر الى المهاجر بن ابى اميه و هو على صنعاء ان يسير بمن معه الى زياد، فاستخلف على صنعاء، و سار الى زياد، فلقوا الاشعث، فهزموه و قتل مسروق، و لجا الاشعث و الباقون الى الحصن المعروف بالنجير.

فحاصرهم المسلمون حصارا شديدا حتى ضعفوا، و نزل الاشعث ليلا الى المهاجر و زياد، فسالهما الامان على نفسه حتى يقدما به على ابى بكر فيرى فيه رايه، على ان يفتح لهم الحصن و يسلم اليهم من فيه.

و قيل: بل كان فى الامان عشره من اهل الاشعث.

فامناه و امضيا شرطه، ففتح لهم الحصن، فدخلوه و استنزلوا كل من فيه، و اخذوا اسلحتهم، و قالوا للاشعث: اعزل العشره، فعزلهم، فتركوهم و قتلوا الباقين- و كانوا ثمانمائه- و قطعوا ايدى النساء اللواتى شمتن برسول الله (ص)، و حملوا الاشعث الى ابى بكر موثقا فى الحديد هو و العشره، فعفا عنه و عنهم، و زوجه اخته ام فروه بنت ابى قحافه- و كانت عمياء- فولدت للاشعث محمدا و اسماعيل و اسحاق.

و خرج الاشعث يوم البناء عليها الى سوق المدينه، فما مر بذات اربع الا عقرها، و قال للناس: هذه وليمه البناء، و ثمن كل عقيره فى مالى.

فدفع اثمانها الى اربابها.

قال ابوجعفر محمد بن جرير فى التاريخ: و كان المسلمون ي لعنون الاشعث و يلعنه الكافرون ايضا و سبايا قومه، و سماه نساء قومه عرف النار، و هو اسم للغادر عندهم.

و هذا عندى هو الوجه، و هو اصح مما ذكره الرضى رحمه الله تعالى من قوله فى تفسير قول اميرالمومنين: (و ان امرا دل على قومه السيف): انه اراد به حديثا كان للاشعث مع خالد بن الوليد باليمامه غر فيه قومه، و مكر بهم حتى قتلهم، فانا لم نعرف فى التواريخ ان الاشعث جرى له باليمامه مع خالد هذا و لا شبهه، و اين كنده و اليمامه! كنده باليمن، و اليمامه لبنى حنيفه، و لا اعلم من اين نقل الرضى رحمه الله تعالى هذا! فاما الكلام الذى كان اميرالمومنين (ع) قاله على منبر الكوفه فاعترضه فيه الاشعث، فان عليا (ع) قام اليه- و هو يخطب، و يذكر امر الحكمين- رجل من اصحابه، بعد ان انقضى امر الخوارج، فقال له: نهيتنا عن الحكومه ثم امرتنا بها، فما ندرى اى الامرين ارشد! فصفق (ع) باحدى يديه على الاخرى، و قال: هذا جزاء من ترك العقده.

و كان مراده (ع): هذا جزاوكم اذ تركتم الراى و الحزم، و اصررتم على اجابه القوم الى التحكيم، فظن الاشعث انه اراد: هذا جزائى حيث تركت الراى و الحزم و حكمت، لان هذه اللفظه محتمله، الا ترك ان الرئيس اذا شغب عليه جنده و طلبوا منه اعتماد امر ليس بصواب، فوافقهم تسكينا لشغبهم لااستصلاحا لرايهم، ثم ندموا بعد ذلك، قد يقول: هذا جزاء من ترك الراى، و خالف وجه الحزم، و يعنى بذلك اصحابه، و قد يقوله يعنى به نفسه حيث وافقهم اميرالمومنين (ع)، انما عنى ما ذكرناه دون ما خطر للاشعث، فلما قال له: هذه عليك لا لك، قال له: و ما يدريك ما على مما لى، عليك لعنه الله و لعنه اللاعنين! و كان الاشعث من المنافقين فى خلافه على (ع)، و هو فى اصحاب اميرالمومنين (ع)، كما كان عبدالله بن ابى بن سلول فى اصحاب رسول الله (ص) كل واحد منهما راس النفاق فى زمانه.

و اما قوله (ع) للاشعث: (حائك ابن حائك)، فان اهل اليمن يعيرون بالحياكه، و ليس هذا مما يخص الاشعث.

و من كلام خالد بن صفوان: ما اقول فى قوم ليس فيهم الا حائك برد، او دابغ جلد، او سائس قرد، ملكتهم امراه، و اغرقتهم فاره، و دل عليهم هدهد!