اراد ان يقول: (و كان من اقتداره) فقال: (و كان من اقتدار جبروته)، تعظيما و تفخيما، كما يقال للملك: امرت الحضره الشريفه بكذا.
و البحر الزاخر: الذى قد امتد جدا و ارتفع.
و المتراكم: المجتمع بعضه على بعض.
و المتقاصف: الشديد الصوت، قصف الرعد و غيره قصيفا.
و اليبس، بالتحريك: المكان يكون رطبا ثم ييبس، و منه قوله تعالى: (فاضرب لهم طريقا فى البحر يبسا)، و اليبس بالسكون: اليابس خلقه، حطب يبس، هكذا يقوله اهل اللغه و فيه كلام، لان الحطب ليس يابسا خلقه بل كان رطبا من قبل، فالاصوب ان يقال: لاتكون هذه اللفظه محركه الا فى المكان خاصه.
و فطر: خلق، و المضارع يفطر بالضم، فطرا.
و الاطباق: جمع طبق، و هو اجزاء مجتمعه من جراد او غيم او ناس او غير ذلك من حيوان او جماد، يقول: خلق منه اجساما مجتمعه مرتتقه، ثم فتقها سبع سموات.
و روى: (ثم فطر منه طباقا) اى اجساما منفصله فى الحقيقه متصله فى الصوره بعضها فوق بعض، و هى من الفاظ القرآن المجيد.
و الضمير فى (منه) يرجع الى ماء البحر فى اظهر النظر، و قد يمكن ان يرجع الى اليبس.
و اعلم انه قد تكرر فى كلام اميرالمومنين ما يماثل هذا القول و يناسبه، و هو مذهب كثير من الحكماء ا لذين قالوا بحدوث السماء، منهم ثاليس الملطى، قالوا: اصل الاجسام الماء، و خلقت الارض من زبده، و السماء من بخاره، و قد جاء القرآن العزيز بنحو هذا، قال سبحانه: (الذى خلق السموات و الارض فى سته ايام و كان عرشه على الماء).
قال شيخنا ابوعلى و ابوالقاسم رحمهما الله فى تفسيريهما: هذه الايه داله على ان الماء و العرش كانا قبل خلق السموات و الارض، قالا: و كان الماء على الهواء، قالا: و هذا يدل ايضا على ان الملائكه كانوا موجودين قبل خلق السموات و الارض، لان الحكيم سبحانه لايجوز ان يقدم خلق الجماد على خلق المكلفين، لانه يكون عبثا.
و قال على بن عيسى الرمانى من مشايخنا: انه غير ممتنع ان يخلق الجماد قبل الحيوان، اذا علم ان فى اخبار المكلفين بذلك لطفا لهم، و لا يصح ان يخبرهم الا و هو صادق فيما اخبر به، و انما يكون صادقا اذا كان المخبر خبره على ما اخبر عنه، و فى ذلك حسن تقديم خلق الجماد على خلق الحيوان.
و كلام اميرالمومنين (ع) يدل على انه كان يذهب الى ان الارض موضوعه على ماء البحر، و ان البحر حامل لها بقدره الله تعالى، و هو معنى قوله: (يحملها الاخضر المثعنجر، و القمقام المسخر)، و ان البحر الحامل لها قد كان جاريا فوقف تحتها، و ان ه تعالى خلق الجبال فى الارض، فجعل اصولها راسخه فى ماء البحر الحامل للارض و اعاليها شامخه فى الهواء، و انه سبحانه جعل هذه الجبال عمادا للارض، و اوتادا تمنعها من الحركه و الاضطراب، و لولاها لماجت و اضطربت، و ان هذا البحر الحامل للارض تصعد فيه الرياح الشديده فتحركه حركه عنيفه، و تموج السحب التى تغترف الماء منه لتمطر الارض به، و هذا كله مطابق لما فى الكتاب العزيز، و السنه النبويه، و النظر الحكمى، الا ترى الى قوله تعالى: (اولم ير الذين كفروا ان السموات و الارض كانتا رتقا ففتقناهما)، و هذا هو صريح قوله (ع): (ففتقها سبع سموات بعد ارتتاقها) و الى قوله تعالى: (و جعلنا فى الارض رواسى ان تميد بهم)، و الى ما ورد فى الخبر من ان الارض مدحوه على الماء، و ان الرياح تسوق السحب الى الماء نازله، ثم تسوقها عنه صاعده بعد امتلائها، ثم تمطر.
و اما النظر الحكمى فمطابق لكلامه اذا تامله المتامل، و حمله على المحمل العقلى، و ذلك لان الارض هى آخر طبقات العناصر، و قبلها عنصر الماء، و هو محيط بالارض كلها الا ما برز منها، و هو مقدار الربع من كره الارض، على ما ذكره علماء هذا الفن و برهنوا عليه، فهذا تفسير قوله (ع): (يحملها يحملها الاخضر الم ثعنجر).
و اما قوله: (و وقف الجارى منه لخشيته)، فلا يدل دلاله قاطعه على انه كان جاريا و وقف، و لكن ذلك كلام خرج مخرج التعظيم و التبجيل، و معناه ان الماء طبعه الجريان و السيلان، فهو جار بالقوه، و ان لم يكن جاريا بالفعل، و انما وقف و لم يجر بالفعل بقدره الله تعالى، المانعه له من السيلان، و ليس قوله: (و رست اصولها فى الماء) مما ينافى النظر العقلى، لانه لم يقل: (و رست اصولها فى ماء البحر)، و لكنه قال فى الماء و لا شبهه فى ان اصول الجبال راسيه فى الماء المتخلخل بين اجزاء الارض، فان الارض كلها يتخلخل الماء بين اجزائها على طريق استحاله البخار من الصوره الهوائيه الى الصوره المائيه.
و ليس ذكره للجبال و كونها مانعه للارض من الحركه بمناف ايضا للنظر الحكمى لان الجبال فى الحقيقه قد تمنع من الزلزله اذا وجدت اسبابها الفاعله، فيكون ثقلها مانعا من الهده و الرجفه.
و ليس قوله: (تكركره الرياح) منافيا للنظر الحكمى ايضا، لان كره الهواء محيطه بكره، و قد تعصف الرياح فى كره الهواء للاسباب المذكوره فى موضعها من هذا العلم، فيتموج كثير من الكره المائيه لعصف الرياح.
و ليس قوله (ع): (و تمخضه الغمام الذوارف) صريحا فى ان السحب تنزل فى البحر ، فتغترف منه، كما قد يعتقد فى المشهور العامى، نحو قول الشاعر: كالبحر تمطره السحاب و ما لها فضل عليه لانها من مائه بل يجوز ان تكون الغمام الذراف تمخضه و تحركه بما ترسل عليه من الامطار السائله منها، فقد ثبت ان كلام اميرالمومنين (ع) موجه، ان شئت فسرته بما يقوله اهل الظاهر، و ان شئت فسرته بما يعتقده الحكماء.
فان قلت: فكيف قال الله تعالى: (اولم ير الذين كفروا ان السموات و الارض كانتا رتقا ففتقناهما)، و هل كان الذين كفروا رائين لذلك، حتى يقول لهم (او لم ير الذين كفروا)؟ قلت: هذا فى قوله: (اعلموا ان السموات و الارض كانتا رتقا ففتقناهما)، كما يقول الانسان لصاحبه: الم تعلم ان الامير صرف حاجبه الليله عن بابه؟ اى اعلم ذلك ان كنت غير عالم، و الرويه هنا بمعنى العلم.
و اعلم انه قد ذهب قوم من قدماء الحكماء- و يقال: انه مذهب سقراط- الى تفسير القيامه و جهنم بما يبتنى على وضع الارض على الماء، فقالوا: الارض موضوعه على الماء، و الماء على الهواء، و الهواء على النار، و النار فى حشو الافلاك، و لما كان العنصران الخفيفان،- و هما الهواء و النار- يقتضيان صعود ما يحيطان به، و العنصران الثقيلان اللذان فى وسطهما، و هما الماء و الارض، يقتضيان النزول و الهبوط، وقعت الممانعه و المدافعه، فلزم من ذلك وقوف الماء و الارض فى الوسط.
قالوا: ثم ان النار لاتزال يتزايد تاثيرها فى اسخان الماء، و ينضاف الى ذلك حر الشمس و الكواكب الى ان تبلغ البحار و العنصر المائى غايتهما فى الغليان و الفوران، فيتصاعد بخار عظيم الى الافلاك شديد السخونه، و ينضاف الى ذلك حر فلك الاثير الملاصق للافلاك فتذوب الافلاك كما يذوب الرصاص، و تتهافت و تتساقط و تصير كالمهل الشديد الحراره.
و نفوس البشر على قسمين: احدهما ما تجوهر و صار مجردا بطريق العلوم و المعارف و قطع العلائق الجسمانيه حيث كان مدبرا للبدن، و الاخر ما بقى على جسمانيته بطريق خلوه من اللعوم و المعارف، و انغماسه فى اللذات و الشهوات الجسمانيه، فاما الاول فانه يلتحق بالنفس الكليه المجرده، و يخلص من دائره هذا العالم بالكليه.
و اما الثانى فانه تنصب عليه تلك الاجسام الفلكيه الذائبه، فيحترق بالكليه، و يتعذب و يلقى آلاما شديده.
قالوا: هذا هو باطن ما وردت به الروايه من العذاب عليها، و خراب العالم و الافلاك و انهدامها.
ثم نعود الى شرح الالفاظ: قوله (ع): (فاستمسكت)، اى وقفت و ثبتت.
و الهاء فى (حده) تعود الى امره، اى قامت على حد ما امرت به، اى لم تتجاوزه و لا تعدته.
و الاخضر: البحر، و يسمى ايضا (خضاره) معرفه غير مصروف، و العرب تسميه بذلك، اما لانه يصف لون السماء فيرى اخضر، او لانه يرى اسود لصفائه فيطلقون عليه لفظ الاخضر، كما سموا الاخضر اسود، نحو قوله: (مدهامتان)، و نحو تسميتهم قرى العراق سوادا لخضرتها و كثره شجرها، و نحو قولهم للديزج من الدواب اخضر.
المثعنجر: السائل، ثعجرت الدم و غيره فاثعنجر، اى صببته فانصب، و تصغير المثعنجر مثيعج و مثيعيج.
و القمقام، بالفتح: من اسماء البحر، و يقال لمن وقع فى امر عظيم: وقع فى قمقام من الامر، تشبيها بالبحر.
قوله (ع): (و جبل جلاميدها)، اى و خلق صخورها، جمع جلمود.
و النشوز: جمع نشز، و هو المرتفع من الارض، و يجوز فتح الشين.
و متونها: جوانبها.
و اطوادها جبالها: (و يروى): (و اطوادها) بالجر عطفا على متونها.
فارساها فى مراسيها، اثبتها فى مواضعها، رسا الشى ء يرسو: ثبت.
ورست افدامهم فى الحرب: ثبتت، و رست السفينه ترسو رسوا و رسوا، اى وقفت فى البحر.
و قوله تعالى: (بسم الله مجراها و مرساها)، بالضم من اجريت و ارسيت، و من قرا بالفتح فهو من (رست) هى (و جرت) هى.
و الزمها قرارتها: امسكها حيث استقرت.
قوله: (فانهد جباله ا)، اى اعلاها.
نهد ثدى الجاريه ينهد بالضم، اذا اشرف و كعب، فهى ناهد و ناهده.
و سهولها: ما تطامن منها عن الجبال.
و اساخ قواعدها، اى غيب قواعد الجبال فى جوانب اقطار الارض، ساخت قوائم الفرس فى الارض تسوخ و تسيخ، اى دخلت فيها و غابت، مثل ثاخت، و اسختها انا مثل اثختها.
و الانصاب: الاجسام المنصوبه، الواحد نصب بضم النون و الصاد، و منه سميت الاصنام نصبا فى قوله تعالى: (و ما ذبح على النصب)، لانها نصبت فعبدت من دون الله قال الاعشى: و ذا المنصوب لاتنسكنه لعاقبه و الله ربك فاعبدا اى و اساخ قواعد الجبال فى متون اقطار الارض، و فى المواضع الصالحه لان تكون فيها الانصاب المماثله، و هى الجبال انفسها.
قوله: (فاشهق قلالها)، جمع قله و هى ما علا من راس الجبل، اشهقها: جعلها شاهقه، اى عاليه.
و ارزها: اثبتها فيها، رزت الجراده ترز رزا، و هو ان تدخل ذنبها فى الارض فتلقى بيضها، و ارزها الله: اثبت ذلك منها فى الارض، و يجوز (ارزت)، لازما غير متعد، مثل رزت، و ارتز السهم فى القرطاس: ثبت فيه.
و روى و (آرزها) بالمد من قولهم: شجره آرزه، اى ثابته فى الارض، ارزت بالفتح، تارز بالكسر، اى ثبتت، و آرزها- بالمد- غيرها، اى اثبتها.
و تميد: تتحرك.
و تسيخ: تنزل و تهوى.
فان قلت: ما الفرق بين الثلاثه: تميد باهلها، او تسيخ بحملها، او تزول عن مواضعها؟ قلت: لانها لو تحركت لكانت اما ان تتحرك على مركزها او لا على مركزها، و الاول هو المراد بقوله: (تميد باهلها)، و الثانى تنقسم الى ان تنزل الى تحت او لاتنزل الى تحت، فالنزول الى تحت هو المراد بقوله: (او تسيخ بحملها) و القسم الثانى هو المراد بقوله: (او تزول عن مواضعها).
فان قلت: ما المراد ب(على) فى قوله: (فسكنت على حركتها)؟.
قلت: هى لهيئه الحال، كما تقول عفوت عنه على سوء ادبه، و دخلت اليه على شربه، اى سكنت، على ان من شانها الحركه، لانها محموله على سائل متموج.
قوله: (موجان مياهها)، بناء (فعلان) لما فيه اضطراب و حركه كالغليان و النزوان و الخفقان، و نحو ذلك.
و اجمدها، اى اجعلها جامده.
و اكنافها: جوانبها.
و المهاد: الفراش.
فوق بحر لجى: كثير الماء، منسوب الى اللجه، و هى معظم البحر.
قوله: (يكركره الرياح) الكركره: تصريف الريح السحاب اذا جمعته بعد تفريق و اصله (يكرر) من التكرير، فاعادوا الكاف، كركرت الفارس عنى اى دفعته و رددته.
و الرياح العواصف: الشديده الهبوب.
و تمخضه، يجوز فتح الخاء و ضمها و كسرها، و الفتح افصح، لمكان ح رف الحلق، من مخضت اللبن، اذا حركته لتاخذ زبده.
و الغمام: جمع، و الواحده غمامه، و لذلك قال: (الذوارف)، لان فواعل اكثر ما يكون لجمع المونث، ذرفت عينه اى دمعت، اى السحب المواطر، و المضارع من (ذرفت) عينه (تذرف) بالكسر، ذرفا و ذرفا.
و المذارف: المدامع.