شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 542
نمايش فراداده

خطبه 230-در سفارش به تقوا

الشرح:

اعورتم، اى انكشفتم و بدت عوراتكم، و هى المقاتل، تقول: اعور الفارس، اذا بدت مقاتله، و اعورك الصيد اذا امكنك منه.

قوله (ع): اوحشوا ما كانوا يوطنون اى اوطنوا قبورهم التى كانوا يوحشونها.

قوله (ع): (و اشتغلوا بما فارقوا)، اى اشتغلوا و هم فى القبور بما فارقوه من الاموال و القينات، لانها اذى و عقاب عليهم فى قبورهم، و لولاها لكانوا فى راحه.

و يجوز ان يكون حكايه حالهم و هم بعد فى الدنيا، اى اشتغلوا ايام حياتهم من الاموال و المنازل بما فارقوه، و اضاعوا من امر آخرتهم ما انتقلوا اليه.

ثم ذكر انهم لا يستطيعون فعل حسنه، و لا توبه من قبيح، لان التكليف سقط، و المنازل التى امروا بعمارتها، و المقابر، و عمارتها الاعمال الصالحه.

و قوله (ع): (ان غدا من اليوم قريب) كلام يجرى مجرى المثل، قال: غد ما غد ما اقرب اليوم من غد و الاصل فيه قول الله تعالى: (ان موعدهم الصبح اليس الصبح بقريب).

و قوله (ع): (مااسرع الساعات فى اليوم...) الى آخر الفصل، كلام شريف وجيز بالغ فى معناه، و الفصل كله نادر لا نظير له.

خطبه 231-ايمان

الشرح:

هذا الفصل يحمل على عده مباحث: اولها قولها (ع): الايمان ما يكون كذا.

فنقول: انه قسم الايمان الى ثلاثه اقسام: احدها، الايمان الحقيقى، و هو الثابت المستقر فى القلوب بالبرهان اليقينى.

الثانى: ما ليس ثابتا بالبرهان اليقينى بل بالدليل الجدلى، كايمان كثير ممن لم يحقق العلوم العقليه، و يعتقد ما يعتقده عن اقيسه جدليه لا تبلغ الى درجه البرهان، و قد سمى (ع) هذا القسم باسم مفرد، فقال: انه عوارى فى القلوب، و العوارى: جمع عاريه اى هو و ان كان فى القلب و فى محل الايمان الحقيقى الا ان حكمه حكم العاريه فى البيت، فانها بعرضه الخروج منه، لانها ليست اصليه كائنه فى بيت صاحبها.

و الثالث: ما ليس مستندا الى برهان و لا الى قياس جدلى، بل على سبيل التقليد و حسن الظن بالاسلاف، و بمن يحسن ظن الانسان فيه من عابد او زاهد او ذى ورع، و قد جعله (ع) عوارى بين القلوب و الصدور لانه دون الثانى، فلم يجعله حالا فى القلب، و جعله مع كونه عاريه حالا بين القلب و الصدر.

فيكون اضعف مما قبله.

فان قلت: فما معنى قوله: (الى اجل معلوم)؟ قلت: انه يرجع الى القسمين الاخيرين، لان من لا يكون ايمانه ثابتا بالبرهان القطعى قد ينتقل ايمانه الى ان يصير قطعيا، بان ينعم النظر و يرتب البرهان ترتيبا مخصوصا، فينتج له النتيجه اليقينيه، و قد يصير ايمان المقلد ايمانا جدليا فيرتقى الى ما فوقه مرتبته، و قد يصير ايمان الجدلى ايمانا تقليديا بان يضعف فى نظره ذلك القياس الجدلى، و لايكون عالما بالبرهان، فيوول حال ايمانه الى ان يصير تقليديا، فهذا هو فائده قوله: (الى اجل معلوم) فى هذين القسمين.

فاما صاحب القسم الاول فلا يمكن ان يكون ايمانه الى اجل معلوم، لان من ظفر بالبرهان استحال ان ينتقل عن اعتقاده، لا صاعدا و لا هابطا، اما لا صاعدا، فلانه ليس فوق البرهان مقام آخر، و اما لا هابطا، فلان ماده البرهان هى المقدمات البديهيه و المقدمات البديهيه يستحيل ان تضعف عند الانسان حتى يصير ايمانه جدليا او تقليديا.

و ثانيها قوله (ع): (فاذا كانت لكم برائه)، فنقول: انه (ع) نهى عن البرائه من احد مادام حيا، لانه و ان كان مخطئا فى اعتقاده، لكن يجوز ان يعتقد الحق فيما بعد، و ان كان مخطئا فى افعاله، لكن يجوز ان يتوب.

فلا تحل البرائه من احد حتى يموت على امر، فاذا مات على اعتقاد قبيح او فعل قبيح جازت البرائه منه، لانه لم يبق له بعد الموت حاله تنتظر، و ينبغى ان تحمل هذه البرائه التى اشار ا ليها (ع) على البرائه المطلقه، لا على كل برائه، لانا يجوز لنا ان نبرا من الفاسق و هو حى، و من الكافر و هو حى، لكن بشرط كونه فاسقا، و بشرط كونه كافرا، فاما من مات و نعلم ما مات عليه فانا نبرا منه برائه مطلقه غير مشروطه.

و ثالثها قوله: (و الهجره قائمه على حدها الاول)، فنقول: هذا كلام يختص به اميرالمومنين (ع)، و هو من اسرار الوصيه، لان الناس يروون عن النبى(ص) انه قال: (لا هجره بعد الفتح)، فشفع عمه العباس فى نعيم بن مسعود الاشجعى ان يستثنيه، فاستثناه، و هذه الهجره التى يشير اليها اميرالمومنين (ع) ليست تلك الهجره، بل هى الهجره الى الامام، قال: انها قائمه على حدها الاول ما دام التكليف باقيا، و هو معنى قوله: (ما كان لله تعالى فى اهل الارض حاجه).

و قال الراوندى: ما هاهنا نافيه، اى لم يكن لله فى اهل الارض من حاجه، و هذا ليس بصحيح، لانه ادخال كلام منقطع بين كلامين متصل احدهما بالاخر.

ثم ذكر انه لا يصح ان يعد الانسان من المهاجرين الا بمعرفه امام زمانه، و هو معنى قوله: (الا بمعرفه الحجه فى الارض).

قال: (فمن عرف الامام و اقر به فهو مهاجر).

قال: و لا يجوز ان يسمى من عرف الامام مستضعفا، يمكن ان يشير به الى آيتين فى القرآن: احدهما قوله تعالى: (ان الذين توفاهم الملائكه ظالمى انفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالوا الم تكن ارض الله واسعه فتهاجروا فيها فاولئك ماواهم جهنم)، فالمراد على هذا انه ليس من عرف الامام و بلغه خبره بمستضعف كما كان هولاء مستضعفين، و ان كان فى بلده و اهله لم يخرج و لم يتجشم مشقه السفر.

ثانيهما قوله تعالى فى الايه التى تلى الايه المذكوره: (الا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان لايستطيعون حيله و لايهتدون سبيلا فاولئك عسى الله ان يعفو عنهم) فالمراد على هذا انه ليس من عرف الامام و بلغه خبره بمستضعف كهولاء، الذين استثناهم الله تعالى من الظالمين، لان اولئك كانت الهجره بالبدن مفروضه عليهم، و عفى عن ذوى العجز عن الحركه منهم، و شيعه الامام (ع) ليست الهجره بالبدن مفروضه عليهم، بل تكفى معرفتهم به و اقرارهم بامامته، فلا يقع اسم الاستضعاف عليهم.

فان قلت: فما معنى قوله: (من مستسر الامه و معلنها)، و بماذا يتعلق حرف الجر؟ قلت: معناه: مادام لله فى اهل الارض المستسر منهم باعتقاده و المعلن حاجه، ف(من) على هذا زائده، فلو حذفت لجر المستسر بدلا من اهل الارض، و من اذا كانت زائده لا تتعلق، نحو قولك ما جائنى من ا حد.

و رابعها: قوله (ع): (ان امرنا هذا صعب مستصعب) و يروى: (مستصعب- بكسر العين- لا يحتمله الا عبدامتحن الله تعالى قلبه للايمان)، هذه من الفاظ القرآن العزيز، قال الله تعالى: (اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى)، و هو من قولك: امتحن فلان لامر كذا و جرب و درب للنهوض به فهو مضطلع به، غير وان عنه، و المعنى انهم صبر على التقوى اقوياء على احتمال مشاقها، و يجوز ان يكون وضع الامتحان موضع المعرفه، لان تحققك الشى ء انما يكون باختباره كما يوضع الخبر موضع المعرفه، فكانه قيل: عرف الله قلوبهم للتقوى، فتتعلق اللام بمحذوف، اى كائنه له، و هى اللام التى فى قولك: انت لهذا الامر، اى مختص به كقوله: اعدا من لليعملات على الواجا و تكون مع معمولها منصوبه على الحال، و يجوز ان يكون المعنى: ضرب الله قلوبهم بانواع المحن و التكاليف الصعبه لاجل التقوى، اى لتثبت فيظهر تقواها، و يعلم انهم متقون، لان حقيقه التقوى لاتعلم الا عند المحن و الشدائد و الاصطبار عليها.

و يجوز ان يكون المعنى انه اخلص قلوبهم للتقوى، من قولهم: امتحن الذهب، اذا اذابه فخلص ابريزه من خبثه و نقاه.

و هذه الكلمه قد قالها (ع) مرارا، و وقفت فى بعض الكتب على خطبه من جملتها: ا ن قريشا طلبت السعاده فشقيت، و طلبت النجاه فهلكت، و طلبت الهدى فضلت، الم يسمعوا ويحهم قوله تعالى: (و الذين آمنوا و اتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم ذريتهم)؟ فاين المعدل و المنزع عن ذريه الرسول، الذين شيد الله بنيانهم فوق بنيانهم، و اعلى رئوسهم فوق رئوسهم، و اختارهم عليهم! الا ان الذريه افنان انا شجرتها، و دوحه انا ساقها، و انى من احمد بمنزله الضوء من الضوء، كنا ظلالا تحت العرش قبل خلق البشر، و قبل خلق الطينه التى كان منها البشر، اشباحا عاليه، لا اجساما ناميه، ان امرنا صعب مستصعب، لا يعرف كنهه الا ثلاثه: ملك مقرب، او نبى مرسل، او عبدامتحن الله قلبه للايمان، فاذا انكشف لكم سر او وضح لكم امر فاقبلوه، و الا فاسكتوا تسلموا، و ردوا علمنا الى الله فانكم فى اوسع مما بين السماء و الارض.

و خامسها: قوله: (سلونى قبل ان تفقدونى)، اجمع الناس كلهم على انه لم يقل احد من الصحابه، و لا احد من العلماء: (سلونى) غير على بن ابى طالب (ع)، ذكر ذلك ابن عبدالبر المحدث فى كتاب "الاستيعاب".

و المراد بقوله: (فلانا اعلم بطرق السماء منى بطرق الارض)، ما اختص به من العلم بمستقبل الامور، و لا سيما فى الملاحم و الدول، و قد صدق هذا القول عنه ما تواتر عنه من الاخبار بالغيوب المتكرره، لا مره و لا مائه مره، حتى زال الشك و الريب فى انه اخبار عن علم، و انه ليس على طريق الاتفاق، و قد ذكرنا كثيرا من ذلك فيما تقدم من هذا الكتاب.

و قد تاوله قوم على وجه آخر قالوا: اراد انا بالاحكام الشرعيه و الفتاوى الفقهيه اعلم منى بالامور الدنيويه، فعبر عن تلك بطرق السماء، لانها احكام الهيه، و عبر عن هذه بطرق الارض لانها من الامور الارضيه.

و الاول اظهر، لان فحوى الكلام و اوله يدل على انه المراد.

(قصه وقعت لاحد الوعاظ ببغداد) و على ذكر قوله (ع): (سلونى)، حدثنى من اثق به من اهل العلم حديثا، و ان كان فيه بعض الكلمات العاميه، الا انه يتضمن ظرفا و لطفا، و يتضمن ايضا ادبا.

قال: كان ببغداد فى صدر ايام الناصر لدين الله ابى العباس احمد بن المستضى ء بالله، واعظ مشهور بالحذق و معرفه الحديث و الرجال، و كان يجتمع اليه تحت منبره خلق عظيم من عوام بغداد و من فضلائها ايضا، و كان مشتهرا بذم اهل الكلام و خصوصا المعتزله و اهل النظر، على قاعده الحشويه، و مبغضى ارباب العلوم العقليه، و كان ايضا منحرفا عن الشيعه برضا العامه بالميل عليهم، فاتفق قوم من روساء الشيعه على ان يضعوا عليه من يبكته و يساله تحت منبره، و يخجله و يفضحه بين الناس فى المجلس، و هذه عاده الوعاظ، يقوم اليهم قوم فيسالونهم مسائل يتكلفون الجواب عنها، و سالوا عمن ينتدب لهذا، فاشير عليهم بشخص كان ببغداد يعرف باحمد بن عبدالعزيز الكزى، كان له لسن، و يشتغل بشى ء يسير من كلام المعتزله، و يتشيع، و عنده قحه، و قد شدا اطرافا من الادب، و قد رايت انا هذا الشخص فى آخر عمره، و هو يومئذ شيخ، و الناس يختلفون اليه فى تعبير الرويا، فاحضروه و طلبوا اليه ان يعتمد ذلك، فاجابهم، و جلس ذلك الواعظ فى يومه الذى جرت عادته بالجلوس فيه، و اجتمع الناس عنده على طبقاتهم، حتى امتلات الدنيا بهم، و تكلم على عادته فاطال، فلما مر فى ذكر صفات البارى ء سبحانه فى اثناء الوعظ، قام اليه الكزى، فساله اسئله عقليه، على منهاج كلام المتكلمين من المعتزله، فلم يكن للواعظ عنها جواب نظرى، و انما دفعه بالخطابه و الجدل، و سجع الالفاظ، و تردد الكلام بينهما طويلا، و قال الواعظ فى آخر الكلام اعين المعتزله حول، و صوتى فى مسامعهم طبول، و كلامى فى افئدتهم نصول، يا من بالاعتزال يصول، ويحك كم تحوم و تجول، حول من لا تدركه العقول! كم اقول، كم اقول! خلوا هذا الفضول! فارتج المجلس، و صرخ الناس، و علت الاصوات، و طاب الواعظ و طرب، و خرج من هذا الفصل الى غيره فشطح شطح الصوفيه، و قال: سلونى قبل ان تفقدونى، و كررها، فقام اليه الكزى، فقال: يا سيدى ما سمعنا انه قال هذه الكلمه الا على بن ابى طالب (ع)، و تمام الخبر معلوم.

و اراد الكزى بتمام الخبر قوله (ع): (لايقولها بعدى الا مدع).

فقال الواعظ و هو فى نشوه طربه، و اراد اظهار فضله و معرفته برجال الحديث و الرواه: من على بن ابى طالب؟ اهو على بن ابى طالب بن المبارك النيسابورى؟ ام على بن ابى طالب بن اسحاق المروزى؟ ام على بن ابى طالب بن عثمان القيروانى؟ ام على بن ابى طالب بن سليمان الرازى؟ وعد سبعه او ثمانيه من اصحاب الحديث، كلهم على بن ابى طالب.

فقام الكزى، و قام من يمين المجلس آخر، و من يسار المجلس ثالث، انتدبوا له، و بذلوا انفسهم للحميه و وطنوها على القتل.

فقال الكزى: اشا يا سيدى فلان الدين، اشا! صاحب هذا القول هو على بن ابى طالب زوج فاطمه سيده نساء العالمين (ع)، و ان كنت ما عرفته بعد بعينه، فهو الشخص الذى لما آخى رسول الله (ص) بين الاتباع و الاذناب آخى بينه و بين نفسه، و اسجل على انه نظيره و مماثله، فهل نقل فى جهازكم انتم من هذا شى ئ؟ او نبت تحت خبكم من هذا شى ئ؟ فاراد الواعظ ان يكلمه، فصاح عليه القائم من الجانب الايمن، و قال: يا سيدى فلان الدين، محمد بن عبدالله كثير فى الاسماء، و لكن ليس فيهم من قال له رب العزه: (ما ضل صاحبكم و ما غوى و ما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى).

و كذلك على بن ابى طالب كثير فى الاسماء، و لكن ليس فيهم من قال له صاحب الشريعه: (انت منى بمنزله هرون من موسى الا انه لا نبى بعدى).

و قد تلتقى الاسماء فى الناس و الكنى كثيرا و لكن ميزوا فى الخلائق فالتفت اليه الواعظ ليكلمه، فصاح عليه القائم من الجانب الايسر، و قال: يا سيدى فلان الدين، حقك تجهله، انت معذور فى كونك لاتعرفه: و اذا خفيت على الغبى فعاذر الا ترانى مقله عمياء! فاضطرب المجلس و ماج كما يموج البحر، و افتتن الناس، و تواثبت العامه بعضها الى بعض، و تكشفت الرئوس، و مزقت الثياب، و نزل الواعظ، و احتمل حتى ادخل دارا اغلق عليه بابها، و حضر اعوان السلطان فسكنوا الفتنه، و صرفوا الناس الى منازلهم و اشغالهم، و انفذ الناصر لدين الله فى آخر نهار ذلك اليوم، فاخذ احمد بن عبدالعزيز الكزى و الرجلين اللذين قاما معه، فحبسهم اياما لتطفا نائره الفتنه.

ثم اطلقهم.