ينبع على (يفعل) مثل يحلم و يحكم: اسم موضع، كان فيه نخل لعلى بن ابى طالب (ع)، و ينبع الان بلد صغير من اعمال المدينه.
و هتف الناس باسمه: نداوهم و دعاوهم، و اصله الصوت، يقال: هتف الحمام يهتف هتفا، و هتف زيد بعمرو هتافا، اى صاح به، و قوس هتافه و هتفى، اى ذات صوت.
و الناضح: البعير يستقى عليه، و قال معاويه لقيس بن سعد- و قد دخل عليه فى رهط من الانصار-: ما فعلت نواضحكم! يهزا به، فقال: انصبناها فى طلب ابيك يوم بدر.
و الغرب: الدلو العظيمه.
قوله: (اقبل و ادبر) اى يقول لى ذلك، كما يقال: للناضح، و قد صرح العباس بن مرداس بهذه الالفاظ فقال: اراك اذا اصبحت للقوم ناضحا يقال له بالغرب ادبر و اقبل قوله: (لقد دفعت عنه حتى خشيت ان اكون آثما)، يحتمل ان يريد بالغت و اجتهدت فى الدفاع عنه، حتى خشيت ان اكون آثما فى كثره مبالغتى و اجتهادى فى ذلك، و انه لا يستحق الدفاع عنه لجرائمه و احداثه، و هذا تاويل من ينحرف عن عثمان، و يحتمل ان يريد: لقد دفعت عنه حتى كدت ان القى نفسى فى الهلكه، و ان يقتلنى الناس الذين ثاروا به، فخفت الاثم فى تغريرى بنفسى و توريطها فى تلك الورطه العظيمه، و يحتمل ان يريد: لقد جاهدت الناس د ونه و دفعتهم عنه، حتى خشيت ان اكون آثما بما نلت منهم من الضرب بالسوط، و الدفع باليد، و الاعانه بالقول، اى فعلت من ذلك اكثر مما يحب.
(وصيه العباس قبل موته لعلى) قرات فى كتاب صنفه ابوحيان التوحيدى فى تقريظ الجاحظ، قال: نقلت من خط الصولى: قال الجاحظ: ان العباس بن عبدالمطلب اوصى على بن ابى طالب (ع) فى علته التى مات فيها، فقال: اى بنى انى مشف على الظعن عن الدنيا الى الله، الذى فاقتى الى عفوه و تجوزه اكثر من حاجتى الى ما انصحك فيه، و اشير عليك به، و لكن العرق نبوض، و الرحم عروض، و اذا قضيت حق العمومه، فلا ابالى بعد ان هذا الرجل- يعنى عثمان- قد جائنى مرارا بحديثك، و ناظرنى ملاينا و مخاشنا فى امرك، و لم اجد عليك الا مثل ما اجد منك عليه، و لارايت منه لك الا مثل ما اجد منك له، و لست توتى من قله علم، و لكن من قله قبول، و مع هذا كله فالراى الذى اودعك به ان تمسك عنه لسانك و يدك، و همزك و غمزك، فانه لا يبدوك ما لم تبداه، و لا يجيبك عما لم يبلغه، و انت المتجنى و هو المتانى، و انت العائب و هو الصامت.
فان قلت: كيف هذا و قد جلس مجلسا انا به احق، فقد قاربت! و لكن ذاك بما كسبت يداك، و نكص عنه عقباك، لانك بالامس الادنى، هرول ت اليهم تظن انهم يحلون جيدك، و يختمون اصبعك، و يطئون عقبك، و يرون الرشد بك، و يقولون: لابد لنا منك، و لا معدل لنا عنك و كان هذا من هفواتك الكبر، و هناتك التى ليس لك منها عذر، و الان بعد ما ثللت عرشك بيدك، و نبذت راى عمك فى البيداء يتدهده فى السافياء، خذ باحزم مما يتوضح به وجه الامر، لا تشار هذا الرجل و لا تماره، و لا يبلغنه عنك ما يحنقه عليك، فانه ان كاشفك اصاب انصارا، و ان كاشفته لم تر الا ضرارا، و لم تستلج الا عثارا، و اعرف من هو بالشام له و من هاهنا حوله من يطيع امره، و يمتثل قوله، لا تغترر بالناس يطيفون بك، و يدعون الحنو عليك و الحب لك، فانهم بين مولى جاهل، و صاحب متمن، و جليس يرعى العين و يبتدر المحضر، و لو ظن الناس بك ما تظن بنفسك لكان الامر لك، و الزمام فى يدك، و لكن هذا حديث يوم مرض رسول الله (ص) فات، ثم حرم الكلام فيه حين مات، فعليك الان بالعزوف عن شى ء عرضك له رسول الله (ص)، فلم يتم، و تصديت له مره بعد مره فلم يستقم، و من ساور الدهر غلب، و من حرص على ممنوع تعب، فعلى ذلك فقد اوصيت عبدالله بطاعتك، و بعثته على متابعتك، و اوجرته محبتك، و وجدت عنده من ذلك ظنى به لك، لا توتر قوسك الا بعد الثقه بها، و اذا اعجبتك فانظر الى سيتها، ثم لا تفوق الا بعد العلم و لا تغرق فى النزع الا لتصيب الرميه، و انظر لا تطرف يمينك عينك، و لا تجن شمالك شينك، و دعنى بايات من آخر سوره الكهف، و قم اذا بدا لك.
قلت: الناس يستحسنون راى العباس لعلى (ع) فى الا يدخل فى اصحاب الشورى و اما انا فانى استحسنه ان قصد به معنى، و لا استحسنه ان قصد به معنى آخر، و ذلك لانه ان اجرى بهذا الراى الى ترفعه عليهم، و علو قدره عن ان يكون مما ثلالهم، او اجرى به الى زهده فى الاماره، و رغبته عن الولايه، فكل هذا راى حسن و صواب، و ان كان منزعه فى ذلك الى انك ان تركت الدخول معهم، و انفردت بنفسك فى دارك، او خرجت عن المدينه الى بعض اموالك، فانهم يطلبونك و يضربون اليك آباط الابل، حتى يولوك الخلافه، و هذا هو الظاهر من كلامه، فليس هذا الراى عندى بمستحسن، لانه لو فعل ذلك لولوا عثمان او واحدا منهم غيره، و لم يكن عندهم من الرغبه فيه (ع) ما يبعثهم على طلبه، بل كان تاخره عنهم قره اعينهم، و واقعا بايثارهم، فان قريشا كلها كانت تبغضه اشد البغض، و لو عمر عمر نوح، و توصل الى الخلافه بجميع انواع التوصل، كالزهد فيها تاره، و المناشده بفضائله تاره، و بما فعله فى ابتداء الامر من اخرا ج زوجته و اطفاله ليلا الى بيوت الانصار، و بما اعتمده اذ ذاك من تخلفه فى بيته، و اظهار انه قد انعكف على جمع القرآن، و بسائر انواع الحيل فيها، لم تحصل له الا بتجريد السيف، كما فعل فى آخر الامر، و لست الوم العرب، لا سيما قريشا فى بغضها له، و انحرافها عنه، فانه وترها، و سفك دمائها، و كشف القناع فى منابذتها، و نفوس العرب و اكبادهم كما تعلم، و ليس الاسلام بمانع من بقاء الاحقاد فى النفوس، كما نشاهده اليوم عيانا، و الناس كالناس الاول، و الطبائع واحده، فاحسب انك كنت من سنتين او ثلاث جاهليا او من بعض الروم، و قد قتل واحد من المسلمين ابنك او اخاك، ثم اسلمت، اكان اسلامك يذهب عنك ما تجده من بغض ذلك القاتل و شنانه؟ كلا.
ان ذلك لغير ذاهب، هذا اذا كان الاسلام صحيحا، و العقيده محققه، لا كاسلام كثير من العرب، فبعضهم تقليدا، و بعضهم للطمع و الكسب، و بعضهم خوفا من السيف، و بعضهم على طريق الحميه و الانتصار، او لعداوه قوم آخرين من اضداد الاسلام و اعدائه.
و اعلم ان كل دم اراقه رسول الله (ص) بسيف على (ع) و بسيف غيره، فان العرب بعد وفاته (ع) عصبت تلك الدماء بعلى بن ابى طالب (ع) وحده، لانه لم يكن فى رهطه من يستحق فى شرعهم و سنتهم و ع ادتهم ان يعصب به تلك الدماء الا بعلى وحده، و هذه عاده العرب اذا قتل منها قتلى طالبت بتلك الدماء القاتل، فان مات، او تعذرت عليها مطالبته، طالبت بها امثل الناس من اهله.
لما قتل قوم من بنى تميم اخا لعمرو بن هند، قال بعض اعدائه يحرض عمرا عليهم: من مبلغ عمرا بان المرء لم يخلق صباره و حوادث الايام لا يبقى لها الا الحجاره ها ان عجزه امه بالسفح اسفل من اواره تسفى الرياح خلال كش حيه و قد سلبوا ازاره فاقتل زراره لاارى فى القوم امثل من زراره فامره ان يقتل زراره بن عدس رئيس بنى تميم، و لم يكن قاتلا اخا الملك و لا حاضرا قتله.
و من نظر فى ايام العرب و وقائعها و مقاتلها عرف ما ذكرناه.
سالت النقيب اباجعفر يحيى بن ابى زيد رحمه الله، فقلت له: انى لاعجب من على (ع) كيف بقى تلك المده الطويله بعد رسول الله (ص)، و كيف ما اغتيل و فتك به فى جوف منزله، مع تلظى الاكباد عليه! فقال: لولا انه ارغم انفه بالتراب، و وضع خده فى حضيض الارض لقتل، و لكنه اخمل نفسه، و اشتغل بالعباده و الصلاه و النظر فى القرآن، و خرج عن ذلك الزى الاول، و ذلك الشعار و نسى السيف، و صار كالفاتك يتوب و يصير سائحا فى الارض، او راهبا فى الجبال، و لم ا اطاع القوم الذين ولوا الامر، و صار اذل لهم من الحذاء، تركوه و سكتوا عنه، و لم تكن العرب لتقدم عليه الا بمواطاه من متولى الامر، و باطن فى السر منه، فلما لم يكن لولاه الامر باعث و داع الى قتله وقع الامساك عنه، و لولا ذلك لقتل، ثم اجل بعد معقل حصين.
فقلت له: احق ما يقال فى حديث خالد؟ فقال: ان قوما من العلويه يذكرون ذلك.
ثم قال: و قد روى ان رجلا جاء الى زفر بن الهذيل، صاحب ابى حنيفه، فساله عما يقول ابوحنيفه فى جواز الخروج من الصلاه بامر غير التسليم، نحو الكلام و الفعل الكثير او الحدث، فقال: انه جائز، قد قال ابوبكر فى تشهده ما قال، فقال الرجل: و ما الذى قاله ابوبكر؟ قال: لا عليك، فاعاد عليه السوال ثانيه و ثالثه، فقال: اخرجوه اخرجوه، قد كنت احدث انه من اصحاب ابى الخطاب.
قلت له: فما الذى تقوله انت! قال: انا استبعد ذلك و ان روته الاماميه.
ثم قال: اما خالد فلا استبعد منه الاقدام عليه بشجاعته فى نفسه، و لبغضه اياه، و لكنى استبعده من ابى بكر، فانه كان ذا ورع، و لم يكن ليجمع بين اخذ الخلافه و منع فدك و اغضاب فاطمه و قتل على (ع)، حاش لله من ذلك! فقلت له: اكان خالد يقدر على قتله؟ قال: نعم، و لم لايقدر على ذلك، و السيف ف ى عنقه، و على اعزل غافل عما يراد به، قد قتله ابن ملجم غيله، و خالد اشجع من ابن ملجم! فسالته عما ترويه الاماميه فى ذلك، كيف الفاظه؟ فضحك و قال: كم عالم بالشى ء و هو يسائل ثم قال: دعنا من هذا، ما الذى تحفظ فى هذا المعنى؟ قلت: قول ابى الطيب: نحن ادرى و قد سالنا بنجد اطويل طريقنا ام يطول و كثير من السوال اشتياق و كثير من رده تعليل فاستحسن ذلك، و قال: لمن عجز البيت الذى استشهدت به؟ قلت: لمحمد بن هانى ء المغربى، و اوله: فى كل يوم استزيد تجاربا كم عالم بالشى ء و هو يسائل فبارك على مرارا، ثم قال: نترك الان هذا و نتمم ما كنا فيه، و كنت اقرا عليه فى ذلك الوقت "جمهره النسب" لابن الكلبى، فعدنا الى القرائه، و عدلنا عن الخوض عما كان اعترض الحديث فيه.