شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 556
نمايش فراداده

الشرح:

الاشاره بامام الهدى اليه نفسه، و بامام الردى الى معاويه، و سماه اماما، كما سمى الله تعالى اهل الضلال ائمه، فقال: (و جعلناهم ائمه يدعون الى النار) ثم وصفه بصفه اخرى و هو انه عدو النبى (ص) ليس يعنى بذلك انه كان عدوا ايام حرب النبى (ص) لقريش.

بل يريد انه الان عدو النبى (ص)، لقوله (ص) له (ع): (و عدوك عدوى و عدوى عدو الله).

و اول الخبر: (وليك وليى، و وليى ولى الله)، و تمامه مشهور، و لان دلائل النفاق كانت ظاهره عليه من فلتات لسانه و من افعاله، و قد قال اصحابنا فى هذا المعنى اشياء كثيره فلتطلب من كتبهم، خصوصا من كتب شيخنا ابى عبدالله، و من كتب الشيخين ابى جعفر الاسكافى، و ابى القاسم، البلخى و قد ذكرنا بعض ذلك فيما تقدم.

ثم قال (ع): (ان رسول الله (ص) قال: انى لااخاف على امتى مومنا و لا مشركا) اى و لا مشركا يظهر الشرك، قال: لان المومن يمنعه الله بايمانه ان يضل الناس.

و المشرك مظهر الشرك، يقمعه الله باظهار شركه و يخذله، و يصرف قلوب الناس عن اتباعه، لانهم ينفرون منه لاظهاره كلمه الكفر، فلاتطمئن قلوبهم اليه، و لاتسكن نفوسهم الى مقالته، و لكنى اخاف على امتى المنافق الذى يسر الكفر و الضلال، و يظهر ا لايمان و الافعال الصالحه، و يكون مع ذلك ذا لسن و فصاحه، يقول بلسانه ما تعرفون صوابه، و يفعل سرا ما تنكرونه لو اطلعتم عليه، و ذاك ان من هذه صفته تسكن نفوس الناس اليه، لان الانسان انما يحكم بالظاهر فيقلده الناس، فيضلهم و يوقعهم فى المفاسد.

(كتاب المعتضد بالله) و من الكتب المستحسنه الكتاب الذى كتبه المعتضد بالله ابوالعباس احمد بن الموفق ابى احمد طلحه بن المتوكل على الله فى سنه اربع و ثمانين و مائتين و وزيره حينئذ عبيد الله بن سليمان، و انا اذكره مختصرا من تاريخ ابى جعفر محمد بن جرير الطبرى.

قال ابوجعفر: و فى هذه السنه عزم المعتضد على لعن معاويه بن ابى سفيان على المنابر، و امر بانشاء كتاب يقرا على الناس،، فخوفه عبيدالله بن سليمان اضطراب العامه، و انه لايامن ان تكون فتنه، فلم يلتفت اليه.

فكان اول شى ء بدا به المعتضد من ذلك التقدم الى العامه بلزوم اعمالهم و و ترك الاجتماع و العصبيه، (و الشهادات عند السلطان الا ان يسالوا)، و منع القصاص عن القعود على الطرقات، و انشا هذا الكتاب و عملت به نسخ قرئت بالجانبين من مدينه السلام فى الارباع و المحال و الاسواق يوم الاربعاء لست بقين من جمادى الاولى من هذه السنه، ثم منع يوم الجمعه لاربع بقين منه، و منع القصاص من القعود فى الجانبين، و منع اهل الحلق من القعود فى المسجدين، و نودى فى المسجد الجامع بنهى الناس عن الاجتماع و غيره و بمنع القصاص و اهل الحلق من القعود، و نودى: ان الذمه قد برئت ممن اجتمع من الناس فى مناظره او جدال، و تقدم الى الشراب الذين يسقون الماء فى الجامعين الا يترحموا على معاويه، و لايذكروه (بخير)، و كانت عادتهم جاريه بالترحم عليه، و تحدث الناس ان الكتاب الذى قد امر المعتضد بانشائه بلعن معاويه يقرا بعد صلاه الجمعه على المنبر، فلما صلى الناس بادروا الى المقصوره ليسمعوا قرائه الكتاب، فلم يقرا: و قيل: ان عبيدالله بن سليمان صرفه عن قرائته، و انه احضر يوسف بن يعقوب القاضى، و امره ان يعمل الحيله فى ابطال ما عزم المعتضد عليه، فمضى يوسف فكلم المعتضد فى ذلك، و قال له: انى اخاف ان تضطرب العامه، و يكون منها عند سماعها هذا الكتاب حركه، فقال: ان تحركت العامه او نطقت وضعت السيف فيها.

فقال: يا اميرالمومنين فما تصنع بالطالبيين الذين يخرجون فى كل ناحيه، و يميل اليهم خلق كثير، لقربتهم من رسول الله (ص)، و ما فى هذا الكتاب من اطرائهم- او كما قال- و اذا سمع الناس هذا كانوا اليهم اميل، و كانوا هم ابسط السنه، و اثبت حجه منهم اليوم.

فامسك المعتضد فلم يرد اليه جوابا، و لم يامر بعد ذلك فى الكتاب بشى ء.

و كان من جمله الكتاب بعد ان قدم حمد الله و الثناء عليه و الصلاه على رسوله الله (ص): اما بعد، فقد انتهى الى اميرالمومنين ما عليه جماعه العامه من شبهه قد دخلتهم فى اديانهم، و فساد قد لحقهم فى معتقدهم، و عصبيه قد غلبت عليها اهواوهم، و نطقت بها السنتهم، على غير معرفه و لا رويه، قد قلدوا فيها قاده الضلاله بلا بينه و لا بصيره، و خالفوا السنن المتبعه، الى الاهواء المبتدعه، قال الله تعالى: (و من اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ان الله لايهدى القوم الظالمين).

خروجا عن الجماعه، و مسارعه الى الفتنه، و ايثارا للفرقه، و تشتيتا للكلمه، و اظهارا لموالاه من قطع الله عنه الموالاه، و بتر منه العصمه و اخرجه من المله، و اوجب عليه اللعنه، و تعظيما لمن صغر الله حقه، و اوهن امره، و اضعف ركنه، من بنى اميه، الشجره الملعونه، و مخالفه لمن استنقذهم الله به من الهلكه، و اسبغ عليهم به النعمه من اهل بيت البركه و الرحمه، (و الله يختص برحمته من يشاء و الله ذو الفضل العظيم).

فاعظم اميرالمومنين ما انتهى اليه من ذلك، و راى ترك ان كاره حرجا عليه فى الدين، و فسادا لمن قلده الله امره من المسلمين، و اهمالا لما اوجبه الله عليه من تقويم المخالفين، و تبصير الجاهلين، و اقامه الحجه على الشاكين، و بسط اليد على المعاندين! و اميرالمومنين يخبركم معاشر المسلمين ان الله جل ثناوه لما ابتعث محمدا (ص) بدينه، و امره ان يصدع بامره، بدا باهله و عشيرته فدعاهم الى ربه، و انذرهم و بشرهم، و نصح لهم و ارشدهم، فكان من استجاب له، و صدق قوله، و اتبع امره نفير يسير من بنى ابيه، من بين مومن بما اتى به من ربه، و ناصر لكلمته و ان لم يتبع دينه اعزازا له، و اشفاقا عليه، فمومنهم مجاهد ببصيرته، و كافرهم مجاهد بنصرته و حميته، يدفعون من نابذه، و يقهرون من عازه و عانده، و يتوثقون له ممن كانفه و عاضده، و يبايعون من سمح بنصرته، و يتجسسون اخبار اعدائه، يكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له براى العين، حتى بلغ المدى، و حان وقت الاهتدا، فدخلوا فى دين الله و طاعته و تصديق رسوله و الايمان به باثبت بصيره، و احسن هدى و رغبه، فجعلهم الله اهل بيت الرحمه، و اهل بيت الدين، اذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.

معدن الحكمه، و ورثه النبوه، و موضع الخلافه.

اوجب الله لهم الفضيله، و الزم العباد لهم الطاعه.

و كان ممن عانده و كذبه و حاربه من عشيرته العدد الكثير و السواد الاعظم.

يتلقونه بالضرر و التثريب، و يقصدونه بالاذى و التخويف، و ينابذونه بالعداوه و ينصبون له المحاربه و يصدون من قصده، و ينالون بالتعذيب من اتبعه، و كان اشدهم فى ذلك عداوه، و اعظمهم له مخالفه، اولهم فى كل حرب و مناصبه، و راسهم فى كل اجلاب و فتنه، لايرفع على الاسلام رايه الا كان صاحبها و قائدها و رئيسها، اباسفيان بن حرب صاحب احد و الخندق و غيرهما، و اشياعه من بنى اميه الملعونين فى كتاب الله، ثم الملعونين على لسان رسول الله (ص) فى مواطن عده، لسابق علم الله فيهم، و ماضى حكمه فى امرهم، و كفرهم و نفاقهم.

فلم يزل لعنه الله يحارب مجاهدا، و يدافع مكايدا، و يجلب منابذا، حتى قهره السيف، و علا امر الله و هم كارهون، فتعوذ بالاسلام غير منطو عليه، و اسر الكفر غير مقلع عنه، فقبله و قبل ولده على علم منه بحاله و حالهم، ثم انزل الله تعالى كتابا فيما انزله على رسوله يذكر فيه شانهم، و هو قوله تعالى: (و الشجره الملعونه فى القرآن)، و لا خلاف بين احد فى انه تعالى و تبارك اراد بها بنى اميه.

و مما ورد من ذلك فى السنه، و رواه ثقات الامه، قول رسول الله (ص) فيه و ق د رآه مقبلا على حمار و معاويه يقوده و يزيد يسوقه: (لعن الله الراكب و القائد و السائق).

و منه ماروته الرواه عنه من قوله يوم بيعه عثمان: تلقفوها يا بنى عبدشمس تلقف الكره، فو الله ما من جنه و لا نار، و هذا كفر صراح يلحقه اللعنه من الله كما لحقت الذين كفروا من بنى اسرائيل على لسان داود و عيسى بن مريم ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون.

و منه ما يروى من وقوفه على ثنيه احد من بعد ذهاب بصره و قوله لقائده: هاهنا رمينا محمدا و قتلنا اصحابه.

و منها الكلمه التى قالها للعباس قبل الفتح و قد عرضت عليه الجنود: لقد اصبح ملك ابن اخيك عظيما، فقال له العباس: ويحك! انه ليس بملك، انها النبوه.

و منها قوله يوم الفتح و قد راى بلالا على ظهر الكعبه يوذن و يقول: اشهد ان محمدا رسول الله: لقد اسعد الله عتبه بن ربيعه اذ لم يشهد هذا المشهد.

و منه الرويا التى رآها رسول الله (ص) فوجم لها.

قالوا: فما رئى بعدها ضاحكا، راى نفرا من بنى اميه ينزون على منبره نزوه القرده.

و منها طرد رسول الله (ص) الحكم بن ابى العاص لمحاكاته اياه فى مشيته، و الحقه الله بدعوه رسول الله (ص) آفه باقيه حين التفت اليه فرآه يتخلج يحكيه، فقال: (كن كما انت) فبقى على ذلك سائر عمره .

هذا الى ما كان من مروان ابنه فى افتتاحه اول فتنه كانت فى الاسلام، و احتقابه كل حرام سفك فيها او اريق بعدها.

و منها ما انزل الله تعالى على نبيه (ص) ليله القدر، خير من الف شهر! قالوا: ملك بنى اميه.

و منها ان رسول الله (ص) دعا معاويه ليكتب بين يديه، فدافع بامره و اعتل بطعامه، فقال (ص): (لااشبع الله بطنه).

فبقى لايشبع و هو يقول: و الله ما اترك الطعام شبعا و لكن اعياء! و منها ان رسول الله (ص) قال: (يطلع من هذا الفج رجل من امتى يحشر على غير ملتى)، فطلع معاويه.

و منها ان رسول الله (ص) قال: (اذا رايتم معاويه على منبرى فاقتلوه).

و منها الحديث المشهور المرفوع انه (ص) قال: (ان معاويه فى تابوت من نار، فى اسفل درك من جهنم، ينادى: يا حنان يا منان.

فيقال له: (آلان و قد عصيت قبل و كنت من المفسدين).

و منها افتراوه بالمحاربه لافضل المسلمين فى الاسلام مكانا و اقدمهم اليه سبقا و احسنهم فيه اثرا و ذكرا، على بن ابى طالب ينازعه حقه بباطله و يجاهد انصاره بضلاله و اعوانه، و يحاول ما لم يزل هو و ابوه يحاولانه، من اطفاء نور الله، و جحود دينه (و يابى الله الا ان يتم نوره و لو كره الكافرون)، و يستهوى اهل الجهاله و يموه لاهل الغباوه بم كره و بغيه اللذين قدم رسول الله (ص) الخبر عنهما، فقال لعمار بن ياسر: (تقتلك الفئه الباغيه)، تدعوهم الى الجنه و يدعونك الى النار، موثرا للعاجله، كافرا بالاجله، خارجا من ربقه الاسلام، مستحلا للدم الحرام، حتى سفك فى فتنته و على سبيل غوايته و ضلالته ما لايحصى عدده من اخيار المسلمين، الذابين عن دين الله و الناصرين لحقه، مجاهدا فى عداوه الله، مجتهدا فى ان يعصى الله فلا يطاع، و تبطل احكامه فلا تقام، و يخالف دينه.

فلابد و ان تعلو كلمه الضلال و ترتفع دعوه الباطل، و كلمه الله هى العليا، و دينه المنصور، و حكمه النافذ، و امره الغالب و كيد من عاداه و حاده المغلوب الداحض، حتى احتمل اوزار تلك الحروب و ما تبعها، و تطوق تلك الدماء و ما سفك بعدها، و سن سنن الفساد التى عليه اثمها و اثم من عمل بها، و اباح المحارم لمن ارتكبها، و منع الحقوق اهلها، و غرته الامال، و استدرجه الامهال.

و كان مما اوجب الله عليه به اللعنه قتله من قتل صبرا من خيار الصحابه و التابعين، و اهل الفضل و الدين، مثل عمرو بن الحمق الخزاعى و حجر بن عدى الكندى، فيمن قتل من امثالهم، على ان تكون له العزه و الملك و الغلبه، ثم ادعاوه زياد بن سميه اخا، و نسبته اياه الى ا بيه، و الله تعالى يقول: (ادعوهم لابائهم هو اقسط عند الله)، و رسول الله (ص) يقول: (ملعون من ادعى الى غير ابيه، او انتمى الى غير مواليه).

و قال: (الولد للفراش و للعاهر الحجر) فخالف حكم الله تعالى و رسوله جهارا، و جعل الولد لغير الفراش و الحجر لغير العاهر، فاحل بهذه الدعوه من محارم الله و رسوله فى ام حبيبه ام المومنين و فى غيرها من النساء من شعور و وجوه قد حرمها الله و اثبت بها من قربى قد ابعدها الله، ما لم يدخل الدين خلل مثله، و لم ينل الاسلام تبديل يشبهه.

و من ذلك ايثاره لخلافه الله على عباده ابنه يزيد السكير الخمير صاحب الديكه و الفهود و القرده، و اخذ البيعه له على خيار المسلمين بالقهر و السطوه و التوعد و الاخافه، و التهديد و الرهبه، و هو يعلم سفهه، و يطلع على رهقه و خبثه، و يعاين سكراته و فعلاته و فجوره و كفره.

فلما تمكن- قاتله الله- فيما تمكن منه، طلب بثارات المشركين و طوائلهم عند المسلمين، فاوقع باهل المدينه فى وقعه الحره الوقعه التى لم يكن فى الاسلام اشنع منها و لاافحش، فشفى عند نفسه غليله، و ظن انه قد انتقم من اولياء الله، و بلغ الثار لاعداء، الله فقال مجاهرا بكفره، و مظهرا لشركه: ليت اشياخى ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل قول من لايرجع الى الله و لا الى دينه و لا الى رسوله و لا الى كتابه، و لايومن بالله و بما جاء من عنده.

ثم اغلظ ما انتهك، و اعظم ما اجترم، سفكه دم الحسين بن على (ع)، مع موقعه من رسول الله (ص) و مكانه و منزلته من الدين و الفضل و الشهاده له و لاخيه بسياده شباب اهل الجنه، اجتراء على الله، و كفرا بدينه، و عداوه لرسوله، و مجاهره لعترته، و استهانه لحرمته، كانما يقتل منه و من اهل بيته قوما من كفره الترك و الديلم، و لايخاف من الله نقمه، و لايراقب منه سطوه، فبتر الله عمره، اخبث اصله و فرعه، و سلبه ما تحت يده، و اعد له من عذابه و عقوبته، ما استحقه من الله بمعصيته.

هذا الى ما كان من بنى مروان من تبديل كتاب الله، و تعطيل احكام الله، و اتخاذ مال الله بينهم دولا، و هدم بيت الله، و استحلالهم حرمه، و نصبهم المجانيق عليه، و رميهم بالنيران اياه، لايالون له احراقا و اخرابا، و لما حرم الله منه استباحه و انتهاكا، و لمن لجا اليه قتلا و تنكيلا، و لمن امنه الله به اخفاقه و تشريدا، حتى اذا حقت عليهم كلمه العذاب، و استحقوا من الله الانتقام، و ملئوا الارض بالجور و العدوان، و عموا عباد بلاد الله بالظلم و الاقتس ار، و حلت عليهم السخطه، و نزلت بهم من الله السطوه، اتاح الله لهم من عتره نبيه و اهل وراثته، و من استخلصه منهم لخلافته، مثل ما اتاح من اسلافهم المومنين، و آبائهم المجاهدين، لاوائلهم الكافرين، فسفك الله به دمائهم و دماء آبائهم مرتدين، كما سفك بابائهم مشركين، و قطع الله دابر الذين ظلموا و الحمد لله رب العالمين.

ايها الناس، ان الله انما امر ليطاع، و مثل ليتمثل، و حكم ليفعل، قال الله سبحانه و تعالى: (ان الله لعن الكافرين و اعد لهم سعيرا)، و قال: (اولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون).

فالعنوا ايها الناس من لعنه الله و رسوله، و فارقوا من لاتنالون القربه من الله الا بمفارقته، اللهم العن اباسفيان بن حرب بن اميه، و معاويه بن ابى سفيان، و يزيد بن معاويه، و مروان بن الحكم، و ولده و ولد ولده! اللهم العن ائمه الكفر، و قاده الضلال، و اعداء الدين، و مجاهدى الرسول، و معطلى الاحكام، و مبدلى الكتاب، و منتهكى الدم الحرام! اللهم انا نبرا اليك من موالاه اعدائك، و من الاغماض لاهل معصيتك، كما قلت: (لاتجد قوما يومنون بالله و اليوم الاخر يوادون من حاد الله و رسوله).

ايها الناس، اعرفوا الحق تعرفوا اهله، و تاملوا سبل الضلاله تعرفوا ساب لها، فقفوا عند ما وقفكم الله عليه، و انفذوا كما امركم الله به، و اميرالمومنين يستعصم بالله لكم، و يساله توفيقكم، و يرغب اليه فى هدايتكم.

و الله حسبه، و عليه توكله، و لا قوه الا بالله العلى العظيم.

قلت: هكذا ذكر الطبرى الكتاب، و عندى انه الخطبه، لان كل ما يخطب به فهو خطبه، و ليس بكتاب، و الكتاب ما يكتب الى عامل او امير و نحوهما، و قد يقرا الكتاب على المنبر فيكون كالخطبه، و لكن ليس بخطبه، و لكنه كتاب قرى ء على الناس.

و لعل هذا الكلام كان قد انشى ء ليكون كتابا، و يكتب به الى الافاق، و يومروا بقرائته على الناس، و ذلك بعد قرائته على اهل بغداد.

و الذى يوكد كونه كتابا، و ينصر ما قاله الطبرى، ان فى آخره: (كتب عبيد الله بن سليمان فى سنه اربع و ثمانين و مائتين) و هذا لايكون فى الخطب، بل فى الكتب، و لكن الطبرى لم يذكر انه امر بان يكتب الى الافاق و لاقال: وقع العزم على ذلك، و لم يذكر الا وقوع العزم على ان يقرا فى الجوامع ببغداد.

نامه 028-در پاسخ معاويه

الشرح:

(كتاب لمعاويه الى على) سالت النقيب اباجعفر يحيى بن ابى زيد، فقلت: ارى هذا الجواب منطبقا على كتاب معاويه الذى بعثه مع ابى مسلم الخولانى الى على (ع)، فان كان هذا هو الجواب فالجواب الذى ذكره ارباب السيره و اورده نصر بن مزاحم فى كتاب صفين اذن غير صحيح و ان كان ذلك الجواب، فهذا الجواب اذن غير صحيح و لا ثابت، فقال لى: بل كلاهما ثابت مروى و كلاهما كلام اميرالمومنين (ع) و الفاظه، ثم امرنى ان اكتب ما عليه على (ع)، فكتبته، قال رحمه الله: كان معاويه يتسقط عليا و ينعى عليه ما عساه يذكره من حال ابى بكر و عمر، و انهما غصباه حقه و لايزال يكيده بالكتاب يكتبه، و الرساله يبعثها يطلب غرته، لينفث بما فى صدره من حال ابى بكر و عمر، اما مكاتبه او مراسله، فيجعل ذلك حجه عليه عند اهل الشام، و يضيفه الى ما قرره فى انفسهم من ذنوبه كما زعم فقد كان غمصه عندهم بانه قتل عثمان و مالا على قتله، و انه قتل طلحه و الزبير، و اسر عائشه، و اراق دماء اهل البصره.

و بقيت خصله واحده، و هو ان يثبت عندهم انه يتبرا من ابى بكر و عمر، و ينسبهما الى الظلم و مخالفه الرسول فى امر الخلافه و انهما وثبا عليها غلبه و غصباه اياها، فكانت ه ذه الطامه الكبرى ليست مقتصره على فساد اهل الشام عليه، بل و اهل العراق الذين هم جنده و بطانته و انصاره، لانهم كانوا يعتقدون امامه الشيخين، الا القليل الشاذ من خواص الشيعه، فلما كتب ذلك الكتاب مع ابى مسلم الخولانى قصد ان يغضب عليا و يحرجه و يحوجه اذا قرا ذكر ابى بكر، و انه افضل المسلمين، الى ان يخلط خطه فى الجواب بكلمه تقتضى طعنا فى ابى بكر، فكان الجواب مجمجما غير بين، ليس فيه تصريح بالتظليم لهما، و لا التصريح ببرائتهما، و تاره يترحم عليهما، و تاره يقول: اخذا حقى و قد تركته لهما، فاشار عمرو بن العاص على معاويه ان يكتب كتابا ثانيا مناسبا للكتاب الاول ليستفزا فيه عليا (ع) و يستخفاه، و يحمله الغضب منه ان يكتب كلاما يتعلقان به فى تقبيح حاله و تهجين مذهبه.

و قال له عمرو: ان عليا (ع) رجل نزق تياه و ما استطعمت منه الكلام بمثل تقريظ ابى بكر و عمر فاكتب.

فكتب كتابا انفذه اليه مع ابى امامه الباهلى، و هو من الصحابه، بعد ان عزم على بعثته مع ابى الدرداء.

و نسخه الكتاب: من عبدالله معاويه بن ابى سفيان الى على بن ابى طالب.

اما بعد، فان الله تعالى جده اصطفى محمدا (ع) لرسالته، و اختصه بوحيه و تاديه شريعته، فانقذ به من العمايه، و هدى به من الغوايه، ثم قبضه اليه رشيدا حميدا، قد بلغ الشرع، و محق الشرك، و اخمد نار الافك، فاحسن الله جزائه، و ضاعف عليه نعمه و آلائه.

ثم ان الله سبحانه اختص محمدا (ع) باصحاب ايدوه و آزروه و نصروه و كانوا كما قال الله سبحانه لهم: (اشداء على الكفار رحماء بينهم)، فكان افضلهم مرتبه، و اعلاهم عند الله و المسلمين منزله، الخليفه الاول الذى جمع الكلمه، و لم الدعوه، و قاتل اهل الرده، ثم الخليفه الثانى الذى فتح الفتوح، و مصر الامصار و اذل رقاب المشركين.

ثم الخليفه الثالث المظلوم الذى نشر المله، و طبق الافاق بالكلمه الحنيفيه.

فلما استوثق الاسلام و ضرب بجرانه عدوت عليه فبغيته الغوائل، و نصبت له المكايد، و ضربت له بطن الامر و ظهره، و دسست عليه، و اغريت به، و قعدت حيث استنصرك عن نصره، و سالك ان تدركه قبل ان يمزق فما ادركته، و ما يوم المسلمين منك بواحد! لقد حسدت ابابكر و التويت عليه، و رمت افساد امره، و قعده فى بيتك، و استغويت عصابه من الناس حتى تاخروا عن بيعته، ثم كرهت خلافه عمر و حسدته و استطلت مدته، و سررت بقتله، و اظهرت الشماته بمصابه، حتى انك حاولت قتل ولده لانه قتل قاتل ابيه، ثم لم تكن اشد منك حسدا لابن عمك عثمان، نش رت مقابحه، و طويت محاسنه، و طعنت فى فقهه، ثم فى دينه، ثم فى سيرته، ثم فى عقله، و اغريت به السفهاء من اصحابك و شيعتك، حتى قتلوه بمحضر منك، لاتدفع عنه بلسان و لا يد، و ما من هولاء الا من بغيت عليه، و تلكات فى بيعته، حتى حملت اليه قهرا، تساق بخزائم الاقتسار كما يساق الفحل المخشوش، ثم نهضت الان تطلب الخلافه، و قتله عثمان خلصاوك و سجراوك و المحدقون بك، و تلك من امانى النفوس، و ضلالات الاهواء.

فدع اللجاج و العبث جانبا، و ادفع الينا قتلته عثمان، و اعد الامر شورى بين المسلمين ليتفقوا على من هو لله رضا.

فلا بيعه لك فى اعناقنا، و لا طاعه لك علينا، و لا عتبى لك عندنا، و ليس لك و لاصحابك عندى الا السيف.

و الذى لا اله الا هو لاطلبن قتله عثمان اين كانوا، و حيث كانوا حتى اقتلهم او تلتحق روحى بالله.

فاما ما لاتزال تمن به من سابقتك و جهادك فانى وجدت الله سبحانه يقول: (يمنون عليك ان اسلموا قل لاتمنوا على اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هداكم للايمان ان كنتم صادقين).

و لو نظرت فى حال نفسك لوجدتها اشد الانفس امتنانا على الله بعملها، و اذا كان الامتنان على السائل يبطل اجر الصدقه، فالامتنان على الله يبطل اجر الجهاد و يجعله (كصفوان ع ليه تراب فاصابه وابل فتركه صلدا لايقدرون على شى ء مما كسبوا و الله لايهدى القوم الكافرين).

قال النقيب ابوجعفر: فلما وصل هذا الكتاب الى على (ع) مع ابى امامه الباهلى، كلم اباامامه بنحو مما كلم به ابامسلم الخولانى، و كتب معه هذا الجواب.

قال النقيب: و فى كتاب معاويه هذا ذكر لفظ الجمل المخشوش او الفحل المخشوش، لا فى الكتاب الواصل مع ابى مسلم، و ليس فى ذلك هذه اللفظه، و انما فيه: (حسدت الخلفاء و بغيت عليهم، عرفنا ذلك من نظرك الشزر و قولك الهجر و تنفسك الصعداء و ابطائك عن الخلفاء).

قال: و انما كثير من الناس لايعرفون الكتابين، و المشهور عندهم كتاب ابى مسلم فيجعلون هذه اللفظه فيه، و الصحيح انها فى كتاب ابى امامه، الا تراها عادت فى جوابه و لو كانت فى كتاب ابى مسلم لعادت فى جوابه! انتهى كلام النقيب ابى جعفر.

و نحن الان مبتدئون فى شرح الفاظ الجواب المذكور.

قوله: (فلقد خبا لنا الدهر منك عجبا)، موضع التعجب ان معاويه يخبر عليا (ع) باصطفاء الله تعالى محمدا و تشريفه له، و تاييده له، و هذا ظريف لانه يجرى كاخبار زيد عمرا عن حال عمرو، اذ كان النبى (ص) و على (ع) كالشى ء الواحد.

و خبا مهموز، و المصدر الخب ء، و منه الخابيه، و هى ا لخب ء الا انهم تركوا همزها، و الخب ء ايضا و الخبى ء على فعيل ما خبى ء.

و بلاء الله تعالى: انعامه و احسانه.

و قوله (ع): (كناقل التمر الى هجر)، مثل قديم.

و هجر: اسم مدينه لاينصرف للتعريف و التانيث.

و قيل: هو اسم مذكر مصروف، و اصل المثل (كمستبضع تمر الى هجر) و النسبه اليه هاجرى على غير قياس، و هى بلده كثيره النخل يحمل منها التمر الى غيرها، قال الشاعر فى هذا المعنى: اهدى له طرف الكلام كما يهدى لوالى البصره التمر قوله: (و داعى مسدده الى النضال)، اى معلمه الرمى و هذا اشاره الى قول القائل الاول: اعلمه الرمايه كل يوم فلما استد ساعده رمانى هكذا الروايه الصحيحه بالسين المهمله، اى استقام ساعده على الرمى، و سددت فلانا: علمته النضال، و سهم سديد: مصيب، و رمح سديد، اى قل ان تخطى ء طعنته، و قد ظرف القاضى الارجانى فى قوله لسديد الدوله محمد بن عبد الكريم الانبارى كاتب الانشاء: الى الذى نصب المكارم للورى غرضا يلوح من المدى المتباعد نثل الاماثل من كنانته فما وجدت يداه سوى سديد واحد و من الامثال فى هذا المعنى: (سمن كلبك ياكلك)، و منها: (احشك و تروثنى!).

قوله (ع): (و زعمت ان افضل الناس فى الاسلام فلان و فلان)، اى ابوبكر و عمر.

قوله (ع): (فذكرت امرا ان تم اعتزلك كله و ان نقص لم يلحقك ثلمه) من هذا المعنى قول الفرزدق لجرير، و قد كان جرير فى مهاجاته اياه يفخر عليه بقيس عيلان فقد كانت لجرير فى قيس خووله يعيره بايامهم على بنى تميم فلما قتل بنوتميم قتيبه بن مسلم الباهلى بخراسان قال الفرزدق يفتخر: اتانى و اهلى بالمدينه وقعه لال تميم اقعدت كل قائم كان رئوس الناس اذ سمعوا بها مشدخه هاماتها بالامائم و ما بين من لم يوت سمعا و طاعه و بين تميم غير جز الحلاقم ثم خرج الى خطاب جرير بعد ابيات تركنا ذكرها، فقال: اتغضب ان اذنا قتيبه جزتا جهارا و لم تغضب لقتل ابن حازم و ما منهما الا نقلنا دماغه الى الشام فوق الشاحجات الرواسم تذبذب فى المخلاه تحت بطونها محذفه الاذناب جلح المقادم و ما انت من قيس فتنبح دونها و لا من تميم فى الرئوس الاعاظم تخوفنا ايام قيس و لم تدع لعيلان انفا مستقيم الخياشم لقد شهدت قيس فما كان نصرها قتيبه الا عضها بالاباهم فقوله: و ما انت من قيس فتنبح دونها هو معنى قول على (ع) لمعاويه: (فذكرت امرا ان تم اعتزلك كله)، و ابن حازم المذكور فى الشعر هو عبدالله بن حازم، من بنى سليم، و سليم من قي س عيلان، و قتلته تميم ايضا، و كان والى خراسان.

قوله (ع): (و ما انت و الفاضل و المفضول)، الروايه المشهوره بالرفع، و قد رواها قوم بالنصب، فمن رفع احتج بقوله: و ما انت و بيت ابيك و الفخر.

و بقوله: فما القيسى بعدك و الفخار و من نصب فعلى تاويل (مالك و الفاضل)، و فى ذلك معنى الفعل اى ما تصنع لان هذا الباب لابد ان يتضمن الكلام فيه فعلا، او معنى فعل، و انشدوا: فما انت و السير فى متلف و الرفع عند النحويين اولى.

ثم قال: (و ما للطلقاء و ابناء الطلقاء و التمييز) النصب هاهنا لا غير لاجل اللام فى الطلقاء.

ثم قال (ع) بين المهاجرين الاولين و ترتيب درجاتهم، و تعريف طبقاتهم، هذا الكلام ينقض ما يقول من يطعن فى السلف، فان اميرالمومنين (ع) انكر على معاويه تعرضه بالمفاضله بين اعلام المهاجرين، و لم يذكر معاويه الا للمفاضله بينه (ع) و بين ابى بكر و عمر، فشهاده اميرالمومنين (ع) بانهما من المهاجرين الاولين و من ذوى الدرجات و الطبقات التى اشتبه الحال بينهما و بينه (ع) فى اى الرجال منهم افضل، و ان قدر معاويه يصغر ان يدخل نفسه فى مثل ذلك شهاده قاطعه على علو شانهما، و عظم منزلتهما.

قوله (ع): (هيهات، لقد حن قدح ليس منها) هذا مثل يضرب لمن يدخل نفسه بين قوم ليس له ان يدخل بينهم، و اصله القداح من عود واحد يجعل فيها قدح من غير ذلك الخشب، فيصوت بينها اذا ارادها المفيض، فذلك الصوت هو حنينه.

قوله (و طفق يحكم فيها من عليه الحكم لها)، اى و طفق يحكم فى هذه القصه او فى هذه القضيه من يجب ان يكون الحكم لها عليه لا له فيها، و يجوز ان يكون الضمير يرجع الى الطبقات.

ثم قال: (الا تربع ايها الانسان على ظلعك!) اى الا ترفق بنفسك و تكف، و لاتحمل عليها ما لاتطيقه، و الظلع: مصدر ظلع البعير يظلع اى غمز فى مشيه.

قوله: (و تعرف قصور ذرعك)، اصل الذرع بسط اليد، يقال: ضقت به ذرعا: اى ضاق ذرعى به.

فنقلوا الاسم من الفاعليه فجعلوه منصوبا على التمييز، كقولهم: طبت به نفسا.

قوله: (و تتاخر حيث اخرك القدر)، مثل قولك: ضع نفسك حيث وضعها الله، يقال ذلك لمن يرفع نفسه فوق استحقاقه.

ثم قال: (فما عليك غلبه المغلوب، و لا عليك ظفر الظافر)، يقول: و ما الذى ادخلك بينى و بين ابى بكر و عمر، و انت من بنى اميه، لست هاشميا و لا تيميا و لا عدويا هذا فيما يرجع الى انسابنا، و لست مهاجرا ولا ذا قدم فى الاسلام فتزاحم المهاجرين و ارباب السوابق باعمالك و اجتهادك، فاذن لايضرك غلبه الغالب منا و لايسرك ظف ر الظافر.

و يروى ان مروان بن الحكم كان ينشد يوم مرج راهط و الرئوس تندر عن كواهلها بينه و بين الضحاك بن قيس الفهرى: و ما ضرهم غير حين النفو س اى غلامى قريش غلب قوله (ع): (و انك لذهاب فى التيه، رواغ عن القصد)، يحتمل قوله (ع) فى التيه معنيين: احدهما بمعنى الكبر، و الاخر التيه من قولك: تاه فلان فى البيداء و منه قوله تعالى: (فانها محرمه عليهم اربعين سنه يتيهون فى الارض)، و هذا الثانى احسن يقول: انك شديد الايغال فى الضلال.

و (ذهاب) فعال، للتكثير و يقال: ارض متيهه، مثل معيشه، اى يتاه فيها.

قال (ع): (رواغ عن القصد)، اى تترك ما يلزمك فعله و تعدل عما يجب عليك ان تجيب عنه الى حديث الصحابه، و ما جرى بعد موت النبى (ص)، و نحن الى الكلام فى غير هذا احوج الى الكلام فى البيعه و حقن الدماء و الدخول تحت طاعه الامام.

ثم قال: (الا ترى غير مخبر لك، و لكن بنعمه الله احدث)، اى لست عندى اهلا لان اخبرك بذلك ايضا، فانك تعلمه، و من يعلم الشى ء لايجوز ان يخبر به، و لكن اذكر ذلك لانه تحدث بنعمه الله علينا، و قد امرنا بان نحدث بنعمته سبحانه.

قوله (ع): (ان قوما استشهدوا فى سبيل الله) المراد هاهنا، سيدالشهداء حمزه رضى الله عنه، و ينبغى ان يحمل قول النبى (ص) فيه انه سيد الشهداء على انه سيدالشهداء فى حياه النبى (ص)، لان عليا (ع) مات شهيدا، و لايجوز ان يقال: حمزه سيده، بل هو سيد المسلمين كلهم، و لا خلاف بين اصحابنا رحمهم الله انه افضل من حمزه و جعفر رضى الله عنهما، و قد تقدم ذكر التكبير الذى كبره رسول الله (ص) على حمزه فى قصه احد.

قوله (ع): (و لكل فضل)، اى و لكل واحد من هولاء فضل لايجحد.

قوله: (او لاترى ان قوما قطعت ايديهم)، هذا اشاره الى جعفر، و قد تقدم ذلك فى قصه موته.

قوله: (و لو لا ما نهى الله عنه)، هذا اشاره الى نفسه (ع).

قوله: (و لاتمجها آذان السامعين) اى لاتقذفها، يقال: مج الرجل من فيه، اى قذفه.

قوله (ع) (فدع عنك من مالت به الرميه)، يقال للصيد: يرمى هذه الرميه، و هى (فعيله) بمعنى مفعوله، و الاصل فى مثلها الا تلحقها الهاء، نحو كف خضيب و عين كحيل، الا انهم اجروها مجرى الاسماء لا النعوت، كالقصيده و القطيعه.

و المعنى: دع ذكر من مال الى الدنيا و مالت به، اى امالته اليها.

فان قلت: فهل هذا اشاره الى ابى بكر و عمر؟ قلت: ينبغى ان ينزه اميرالمومنين (ع) عن ذلك، و ان تصرف هذه الكلمه الى عثمان، لان معاويه ذكره فى كتابه و قد اوردناه، و اذا انصف الان سان من نفسه علم انه (ع) لم يكن يذكرهما بما يذكر به عثمان، فان الحال بينه و بين عثمان كانت مضطربه جدا.

قال (ع): (فان صنائع ربنا و الناس بعد صنائع لنا) هذا كلام عظيم، عال على الكلام، و معناه عال على المعانى، و صنيعه الملك من يصطنعه الملك و يرفع قدره.

يقول: ليس لاحد من البشر علينا نعمه، بل الله تعالى هو الذى انعم علينا، فليس بيننا و بينه واسطه، و الناس باسرهم صنائعنا، فنحن الواسطه بينهم و بين الله تعالى، و هذا مقام جليل ظاهره ما سمعت، و باطنه انهم عبيد الله، و ان الناس عبيدهم.

ثم قال: (لم يمنعنا قديم عزنا، و عادى طولنا)، الطول: الفضل.

و عادى اى قديم بئر عاديه.

قوله: (على قومك ان خلطناهم بانفسنا فنكحنا و انكحنا فعل الاكفاء و لستم هناك)، يقول: تزوجنا فيكم و تزوجتم فينا كما يفعل الاكفاء، و لستم اكفائنا.

و ينبغى ان يحمل قوله: (قديم و عادى) على مجازه لا على حقيقته، لان بنى هاشم و بنى اميه لم يفترقا فى الشرف الا مذ نشا هاشم بن عبدمناف و عرف بافعاله و مكارمه، و نشا حينئذ اخوه عبد شمس و عرف بمثل ذلك و صار لهذا بنون، و لهذا بنون و ادعى كل من الفريقين انه اشرف بالفعال من الاخر، ثم لم تكن المده بين نش ء هاشم و اظهار محمد (ص) الدعوه الا نحو تسعين سنه، و مثل هذه المده القصيره لايقال فيها: (قديم عزنا و عادى طولنا)، فيجب ان يحمل اللفظ على مجازه، لان الافعال الجميله كما تكون عاديه بطول المده تكون بكثره المناقب و الماثر و المفاخر، و ان كانت المده قصيره.

و لفظه قديم ترد و لايراد بها قدم الزمان، بل من قولهم: لفلان قدم صدق و قديم اثر، اى سابقه حسنه.

(مناكحات بنى هاشم و بنى عبدشمس) و ينبغى ان نذكرها هاهنا مناكحات بنى هاشم و بنى عبدشمس.

زوج رسول الله (ص) ابنتيه رقيه و ام كلثوم من عثمان بن عفان بن ابى العاص، و زوج ابنته زينب من ابى العاص بن الربيع بن عبدالعزى بن عبدشمس فى الجاهليه، و تزوج ابولهب بن عبدالمطلب ام جميل بنت حرب بن اميه فى الجاهليه، و تزوج رسول الله (ص) ام حبيبه بنت ابى سفيان بن حرب، و تزوج عبدالله بن عمرو بن عثمان فاطمه بنت الحسين بن على بن ابى طالب (ع).

و روى شيخنا ابوعثمان عن اسحاق بن عيسى بن على بن عبدالله بن العباس قال: قلت للمنصور ابى جعفر: من اكفاونا؟ فقال: اعداونا، فقلت: من هم؟ فقال: بنواميه.

و قال اسحاق بن سليمان بن على: قلت للعباس بن محمد: اذا اتسعنا من البنات، و ضقنا من البنين، و خفنا بوار الايامى فالى من نخرجه ن من قبائل قريش؟ فانشدنى: عبد شمس كان يتلو هاشما و هما بعد لام و لاب فعرفت ما اراد و سكتت.

و روى ايوب بن جعفر بن سليمان، قال: سالت الرشيد عن ذلك فقال: زوج النبى (ص) بنى عبدشمس فاحمد صهرهم، و قال: (ما ذممنا من صهرنا فانا لانذم صهر ابى العاص بن الربيع).

قال شيخنا ابوعثمان: و لما ماتت الابنتان تحت عثمان قال النبى (ص) لاصحابه: (ما تنتظرون بعثمان، الا ابوايم، الا اخو ايم، زوجته ابنتين، و لو ان عندى ثالثه لفعلت).

قال: و لذلك سمى ذا النورين.

ثم قال (ع): (و انى يكون ذلك!) اى كيف يكون شرفكم كشرفنا، و منا النبى و منكم المكذب- يعنى اباسفيان بن حرب، كان عدو رسول الله و المكذب له و المجلب عليه- و هولاء ثلاثه: بازاء ابى سفيان رسول الله (ص)، و معاويه بازاء على (ع)، و يزيد بازاء الحسين (ع)، بينهم من العداوه ما لاتبرك عليه الابل.

قال: (و منا اسد الله)، يعنى حمزه، (و منكم اسد الاحلاف)، يعنى عتبه بن ربيعه، و قد تقدم شرح ذلك فى قصه بدر.

و قال الراوندى: المكذب من كان يكذب رسول الله (ص) عنادا من قريش: و اسد الاحلاف: اسد بن عبدالعزى، قال: لان بنى اسد بن عبدالعزى كانوا احد البطون الذين اجتمعوا فى حلف المطيبين، و هم بنواسد بن عب دالعزى و بنو عبدمناف و بنو تميم بن مره، و بنو زهره، و بنو الحارث بن فهر.

و هذا كلام طريف جدا، لانه لم يلحظ انه يجب ان يجعل بازاء النبى (ص) مكذب من بنى عبدشمس، فقال: المكذب من كذب النبى (ص) من قريش عنادا، و ليس كل من كذبه (ع) من قريش يعير معاويه به.

ثم قال: اسد الاحلاف اسد بن عبدالعزى و اى عار يلزم معاويه من ذلك، ثم ان بنى عبدمناف كانوا فى هذا الحلف و على و معاويه من بنى عبدمناف، و لكن الراوندى يظلم نفسه بتعرضه لما لايعلمه.

قوله: (و منا سيدا شباب اهل الجنه)، يعنى حسنا و حسينا (ع)، (و منكم صبيه النار)، هى الكلمه التى قالها النبى (ص) لعقبه بن ابى معيط حين قتله صبرا يوم بدر و قد قال كالمستعطف له (ع): من للصبيه يا محمد؟ قال: النار.

و عقبه بن ابى معيط من بنى عبدشمس.

و لم يعلم الراوندى ما المراد بهذه الكلمه فقال: صبيه النار اولاد مروان بن الحكم الذين صاروا من اهل النار عند البلوغ، و لما اخبر النبى (ص) عنهم بهذه الكلمه كانوا صبيه، ثم ترعرعوا و اختاروا الكفر، و لا شبهه ان الراوندى قد كان يفسر من خاطره ما خطر له.

قال: قوله (ع): (و منا خير نساء العالمين)، يعنى فاطمه (ع)، نص رسول الله (ص) على ذلك، لا خلاف فيه.

(و منكم ح ماله الحطب)، هى ام جميل بنت حرب بن اميه، امراه ابى لهب الذى ورد نص القرآن فيها بما ورد.

قوله: (فى كثير مما لنا و عليكم)، اى انا قادر على ان اذكر من هذا شيئا كثيرا، و لكنى اكتفى بما ذكرت.

فان قلت: فبماذا يتعلق (فى) فى قوله (فى كثير)؟ قلت: بمحذوف تقديره: هذا الكلام داخل فى جمله كلام كثير تتضمن ما لنا و عليكم.

قوله (ع): (فاسلامنا ما قد سمع، و جاهليتنا لاتدفع)، كلام قد تعلق به بعض من يتعصب للامويه.

و قال: لو كانت جاهليه بنى هاشم فى الشرف كاسلامهم لعد من جاهليتهم حسب ما عد من فضيلتهم فى الاسلام.

(فضل بنى هاشم على بنى عبدشمس) و ينبغى ان نذكر فى هذا الموضع فضل هاشم على عبد شمس فى الجاهليه، و قد يمتزج بذلك بعض ما يمتازون به فى الاسلام ايضا، فان استقصائه فى الاسلام كثير، لانه لايمكن جحد ذلك، و كيف و الاسلام كله عباره عن محمد (ص)، و هو هاشمى! و يدخل فى ضمن ذلك ما يحتج به الامويه ايضا، فنقول: ان شيخنا اباعثمان قال: ان اشرف خصال قريش فى الجاهليه اللواء و الندوه، و السقايه و الرفاده و زمزم، و الحجابه و هذه الخصال مقسومه فى الجاهليه لبنى هاشم و عبد الدار و عبد العزى دون بنى عبد شمس.

قال: على ان معظم ذلك صار شرفه فى الاسلام الى بنى هاشم، لان النبى (ص) لما ملك مكه صار مفتاح الكعبه بيده، فدفعه الى عثمان بن طلحه، فالشرف راجع الى من ملك المفتاح، لا الى من دفع اليه، و كذلك دفع (ص) اللواء الى مصعب بن عمير فالذى دفع اللواء اليه و اخذه مصعب من يديه احق بشرفه و اولى بمجده و شرفه راجع الى رهطه من بنى هاشم.

قال: و كان م حمد بن عيسى المخزومى اميرا على اليمن، فهجاه ابى بن مدلج فقال: قل لابن عيسى المستغي ث من السهوله بالوعوره الناطق العوراء فى جل الامور بلا بصيره ولد المغيره تسعه كانوا صناديد العشيره و ابوك عاشرهم كما نبتت مع النخل الشعيره ان النبوه و الخلا فه و السقايه و المشوره فى غيركم فاكفف الي ك يدا مجذمه قصيره قال: فانبرى له شاعر من ولد كريز بن حبيب بن عبد شمس، كان مع محمد بن عيسى باليمن يهجو عنه ابن مدلج فى كلمه له طويله، قال فيها: لا لواء يعد يا بن كريز لا و لا رفد بيته ذى السناء لا حجاب و ليس فيكم سوى الكب ر و بغض النبى و الشهداء بين حاك و مخلج و طريد و قتيل يلعنه اهل السماء و لهم زمزم كذاك و جبري ل و مجد السقايه الغراء قال شيخنا ابوعثمان: فالشهداء على و حمزه، و جعفر و الحاكى و المخلج هو الحكم بن ابى العاص، كان يحكى مشيه رسول الله (ص)، فالتفت يوما فرآه، فدعا عليه، فلم يزل مخلج المشيه عقوبه من الله تعالى.

و الطريد اثنان: الحكم بن ابى العاص، و معاويه بن المغيره بن ابى العاص، و هما جدا عبد الملك بن مروان من قبل امه و ابيه.

و كان النبى (ص) طرد معاويه بن المغيره هذا من المدينه و اجله ثلاثا فحيره الله، و لم يزل يتردد فى ضلاله حتى بعث فى اثره عليا (ع) و عمارا فقتلاه.

فاما القتلى فكثير، نحو شيبه و عتبه ابنى ربيعه، و الوليد بن عتبه، و حنظله بن ابى سفيان و عقبه بن ابى معيط، و العاص بن سعيد بن اميه، و معاويه بن المغيره، و غيرهم.

قال ابوعثمان: و كان اسم هاشم عمرا، و هاشم لقب، و كان ايضا يقال له القمر، و فى ذلك يقول مطرود الخزاعى: الى القمر السارى المنير دعوته و مطعمهم فى الازل من قمع الجزر قال: ذلك فى شى ء كان بينه و بين بعض قريش، فدعاه مطرود الى المحاكمه الى هاشم، و قال ابن الزبعرى: كانت قريش بيضه فتفلقت فالمخ خالصه لعبد مناف الرائشون و ليس يوجد رائش و القائلون هلم للاضياف عمرو العلى هشم الثريد لقومه و رجال مكه مسنتون عجاف فعم كما ترى اهل مكه بالازل و العجف، و جعله الذى هشم لهم الخبز ثريدا، فغلب هذا اللقب على اسمه حتى صار لايعرف الا به، و ليس لعبد شمس لقب كريم، و لااشتق له من صالح اعماله اسم شريف، و لم يكن لعبد شمس ابن ياخذ بضبعه، و يرفع من قدره و يزيد فى ذكره، و لهاشم عبدالمطلب سيد الوادى غير مدافع، اجمل الناس جمالا، و اظهرهم جودا، و اكملهم كمالا، و هو صاحب الفيل، و الطير الاب ابيل، و صاحب زمزم، و ساقى الحجيج.

و ولد عبد شمس اميه بن عبد شمس و اميه فى نفسه ليس هناك، و انما ذكر باولاده و لا لقب له، و لعبدالمطلب لقب شهير و اسم شريف: شيبه الحمد، قال مطرود الخزاعى فى مدحه: يا شيبه الحمد الذى تثنى له ايامه من خير ذخر الذاخر المجد ما حجت قريش بيته و دعا هذيل فوق غصن ناضر و الله لا انساكم و فعالكم حتى اغيب فى سفاه القابر و قال حذافه بن غانم العدوى و هو يمدح ابالهب، و يوصى ابنه خارجه بن حذافه بالانتماء الى بنى هاشم: اخارج اما اهلكن فلا تزل لهم شاكرا حتى تغيب فى القبر بنى شيبه الحمد الكريم فعاله يضى ء ظلام الليل كالقمر البد لساقى الحجيج ثم للشيخ هاشم و عبدمناف ذلك السيد الغمر ابوعتبه الملقى الى جواره اغر هجان اللون من نفر غر ابوكم قصى كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر فابو عتبه هو ابولهب، عبدالعزى بن عبدالمطلب بن هاشم، و ابناه عتبه و عتيبه.

و قال العبدى حين احتفل فى الجاهليه فلم يترك: لاترى فى الناس حيا مثلنا ما خلا اولاد عبدالمطلب و انما شرف عبدشمس بابيه عبدمناف بن قصى و بنى ابنه اميه بن عبدشمس و هاشم شرف بنفسه و بابيه عبدمناف، و بابنه عبدالمطلب و الامر فى هذا بين، و هو كما اوضحه الشاعر فى قوله: انما عبدمناف جوهر زين الجوهر عبدالمطلب قال ابوعثمان: و لسنا نقول: ان عبدشمس لم يكن شريفا فى نفسه، و لكن الشرف يتفاضل، و قد اعطى الله عبدالمطلب فى زمانه، و اجرى على يديه، و اظهر من كرامته ما لايعرف مثله الا لنبى مرسل، و ان فى كلامه لابرهه صاحب الفيل، و توعده اياه برب الكعبه و تحقيق قوله من الله تعالى و نصره وعيده بحبس الفيل و قتل اصحابه بالطير الابابيل و حجاره السجيل حتى تركوا كالعصف الماكول- لاعجب البرهانات، و اسنى الكرامات، و انما كان ذلك ارهاصا لنبوه النبى (ص)، و تاسيسا لما يريده الله به من الكرامه، و ليجعل ذلك البهاء متقدما له، و مردودا عليه، و ليكون اشهر فى الافاق، و اجل فى صدور الفراعنه و الجبابره و الاكاسره، و اجدر ان يقهر المعاند، و يكشف غباوه الجاهل.

و بعد، فمن يناهض و يناضل رجالا ولدوا محمدا (ص)، و لو عزلنا ما اكرمه الله به من النبوه حتى نقتصر على اخلاقه و مذاهبه و شيمه لما وفى به بشر، و لا عدله شى ء، و لو شئنا ان نذكر ما اعطى الله به عبدالمطلب من تفجر العيون و ينابيع الماء من تحت كلكل بعيره و اخفافه بالارض القسى، و بما اعطى من المساهمه و عند المق ارعه من الامور العجيبه، و الخصال البائنه، لقلنا، و لكنا احببنا الا نحتج عليكم الا بالموجود فى القرآن الحكيم، و المشهور فى الشعر القديم، الظاهر على السنه الخاصه و العامه و رواه الاخبار و حمال الاثار.

قال: و مما هو مذكور فى القرآن عدا حديث الفيل قوله تعالى: (لايلاف قريش)، و قد اجتمعت الرواه على ان اول من اخذ الايلاف لقريش هاشم بن عبدمناف، فلما مات قام اخوه المطلب مقامه، فلما مات قام عبدشمس مقامه، فلما مات قام نوفل مقامه- و كان اصغرهم.

و الايلاف، هو ان هاشما كان رجلا كثير السفر و التجاره، فكان يسافر فى الشتاء الى اليمن و فى الصيف الى الشام و شرك فى تجارته روساء القبائل من العرب و من ملوك اليمن و الشام، نحو العباهله باليمن، و اليكسوم من بلاد الحبشه، و نحو ملوك الروم بالشام، فجعل لهم معه ربحا فيما يربح، و ساق لهم ابلا مع ابله، فكفاهم موونه الاسفار، على ان يكفوه موونه الاعداء فى طريقه و منصرفه، فكان فى ذلك صلاح عام للفريقين و كان المقيم رابحا و المسافر محفوظا: فاخصبت قريش بذلك، و حملت معه اموالها، و اتاها الخير من البلاد السافله و العاليه، و حسنت حالها، و طاب عيشها.

قال: و قد ذكر حديث الايلاف الحارث بن الحنش السلمى ، و هو خال هاشم و المطلب و عبدشمس، فقال: ان اخى هاشما ليس اخا واحد الاخذ الايلاف و ال قائم للقاعد قال ابوعثمان: و قيل: ان تفسير قوله تعالى: (و آمنهم من خوف) هو خوف من كان هولاء الاخوه يمرون به من القبائل و الاعداء و هم مغتربون و معهم الاموال، و هذا ما فسرنا به الايلاف آنفا، و قد فسره قوم بغير ذلك، قالوا: ان هاشما جعل على روساء القبائل ضرائب يودونها اليه ليحمى بها اهل مكه، فان ذوبان العرب و صعاليك الاحياء و اصحاب الغارات و طلاب الطوائل كانوا لايومنون على الحرم، لا سيما و ناس من العرب كانوا لايرون للحرم حرمه، و لا للشهر الحرام قدرا، مثل طيى ء و خثعم و قضاعه و بعض بلحارث بن كعب، و كيفما كان الايلاف فان هاشما كان القائم به دون غيره من اخوته.

قال ابوعثمان: ثم حلف الفضول و جلالته و عظمته، و هو اشرف حلف كان فى العرب كلها، و اكرم عقد عقدته قريش فى قديمها و حديثها قبل الاسلام لم يكن لبنى عبدشمس فيه نصيب.

قال النبى (ص)- و هو يذكر حلف الفضول-: (لقد شهدت فى دار عبدالله بن جدعان حلفا لو دعيت الى مثله فى الاسلام لاجبت).

و يكفى فى جلالته و شرفه ان رسول الله (ص) شهده و هو غلام، و كان عتبه بن ربيعه يقول: لو ان رجلا خ رج مما عليه قومه لداخلت فى حلف الفضول، لما ارى من كماله و شرفه، و لما اعلم من قدره و فضيلته.

قال: و لفضل ذلك الحلف و فضيله اهله سمى حلف الفضول، و سميت تلك القبائل الفضول، فكان هذا الحلف فى بنى هاشم، و بنى المطلب و بنى اسد بن عبدالعزى و بنى زهره و بنى تميم بن مره تعاقدوا فى دار ابن جدعان فى شهر حرام قياما يتماسحون باكفهم صعدا ليكونن مع المظلوم حتى يودوا اليه حقه ما بل بحر صوفه، و فى التاسى فى المعاش و التساهم بالمال.

و كانت النباهه فى هذا الحلف للزبير بن عبدالمطلب و لعبد الله بن جدعان اما ابن جدعان، فلان الحلف عقد فى داره، و اما الزبير فلانه هو الذى نهض فيه، و دعا اليه و حث عليه، و هو الذى سماه حلف الفضول، و ذلك لانه لما سمع الزبيدى المظلوم ثمن سلعته قد اوفى على ابى قبيس قبل طلوع الشمس رافعا عقيرته و قريش فى انديتها قائلا: يا للرجال لمظلوم بضاعته ببطن مكه نائى الحى و النفر ان الحرام لمن تمت حرامته و لا حرام لثوبى لابس الغدر حمى و حلف ليعقدن حلفا بينه و بين بطون من قريش يمنعون القوى من ظلم الضعيف، و القاطن من عنف الغريب، ثم قال: حلفت لنعقدن حلفا عليهم و ان كنا جميعا اهل دار نسميه الفضول اذا عقدنا يعز به الغريب لدى الجوار و يعلم من حوالى البيت انا اباه الضيم نهجر كل عار فبنو هاشم هم الذين سموا ذلك الحلف حلف الفضول، و هم كانوا سببه، و القائمين به دون جميع القبائل العاقده له، و الشاهده لامره، فما ظنك بمن شهده و لم يقم بامره! قال ابوعثمان، و كان الزبير بن عبدالمطلب شجاعا ابيا، و جميلا بهيا، و كان خطيبا شاعرا، و سيدا جواد، و هو الذى يقول: و لو لا الحمس لم يلبس رجال ثياب اعزه حتى يموتوا ثيابهم شمال او عباء بها دنس كما دنس الحميت و لكنا خلقنا اذا خلقنا لنا الحبرات و المسك الفتيت و كاس لو تبين لهم كلاما لقالت انما لهم سبيت تبين لنا القذى ان كان فيها رضين الحلم يشربها هبيت و يقطع نخوه المختال عنا رقيق الحد ضربته صموت بكف مجرب لا عيب فيه اذا لقى الكريهه يستميت قال: و الزبير هو الذى يقول: و اسحم من راح العراق مملا محيط عليه الجيش جلد مرائره صبحت به طلقا يراح الى الندى اذا ما انتشى لم يختصره معاقره ضعيف بجنب الكاس قبض بنانه كليل على جلد النديم اظافره قال: و بنوهاشم هم الذين ردوا على الزبيدى ثمن بضاعته، و كانت عند العاص بن وائل، و اخذوا للبارقى ثمن سلعته من ابى بن خلف الجمحى، و فى ذلك يقول البارقى: و يابى لكم حلف الفضول ظلامتى بنى جمح و الحق يوخذ بالغصب و هم الذين انتزعوا من نبيه بن الحجاج قتول الحسناء بنت التاجر الخثعمى، و كان كابره عليها حين راى جمالها، و فى ذلك يقول نبيه بن الحجاج: و خشيت الفضول حين اتونى قد ارانى و لااخاف الفضولا انى و الذى يحج له شم ط اياد و هللوا تهليلا لبراء منى قتيله يا للن اس هل يتبعون الا القتولا! و فيها ايضا يقول: لو لا الفضول و انه لاامن من عروائها لدنوت من ابياتها و لطفت حول خبائها فى كلمته التى يقول فيها: حى النخيله اذ نات منا على عدوائها لا بالفراق تنيلنا شيئا و لا بلقائها حلت بمكه حله فى مشيها و وطائها فى رجال كثير انتزعوا منهم الظلامات، و لم يكن يظلم بمكه الا رجال اقوياء، و لهم العدد و العارضه، منهم من ذكرنا قصته.

قال ابوعثمان: و لهاشم اخرى لايعد احد مثلها، و لاياتى بما يتعلق بها، و ذلك ان روساء قبائل قريش خرجوا الى حرب بنى عامر متساندين، فكان حرب بن اميه على بنى عبدشمس، و كان الزبير بن عبدالمطلب على بنى هاشم، و كان عبدالله بن جدعان على بنى تيم، و كان هشام بن المغيره على بنى مخزوم، و كان على كل قبيله رئ يس منها، فهم متكافئون فى التساند، و لم يحقق واحد منهم الرئاسه على الجميع، ثم آب هاشم بما لاتبلغه يد متناول، و لايطمع فيه طامع، و ذلك ان النبى (ص) قال: شهدت الفجار و انا غلام، فكنت انبل فيه على عمومتى، فنفى مقامه (ع) ان تكون قريش هى التى فجرت، فسميت تلك الحرب حرب الفجار، و ثبت ان الفجور انما كان ممن حاربهم، و صاروا بيمنه و بركته و لما يريد الله تعالى من اعزاز امره و اعظامه الغالبين العالين، و لم يكن الله ليشهده فجره و لا غدره، فصار مشهده نصرا، و موضعه فيهم حجه و دليلا.

قال ابوعثمان: و شرف هاشم متصل، من حيث عددت كان الشرف معك كابرا عن كابر، و ليس بنوعبدشمس كذلك، فان الحكم بن ابى العاص كان عاديا فى الاعلام، و لم يكن له سناء فى الجاهليه.

و اما اميه فلم يكن فى نفسه هناك، و انما رفعه ابوه، و كان مضعوفا، و كان صاحب عهار يدل على ذلك قول نفيل بن عدى جد عمر بن الخطاب حين تنافر اليه حرب بن اميه و عبدالمطلب بن هاشم، فنفر عبدالمطلب و تعجب من اقدام حرب عليه و قال له: ابوك معاهر و ابوه عف و ذاد الفيل عن بلد حرام و ذلك ان اميه كان تعرض لامراه من بنى زهره، فضربه رجل منهم بالسيف، فاراد بنواميه و من تبعهم اخراج زهره من مكه ، فقام دونهم قيس بن عدى السهمى- و كانوا اخواله، و كان منيع الجانب، شديد العارضه، حمى الانفس ابى النفس- فقام دونهم و صاح: (اصبح ليل)، فذهبت مثلا، و نادى: الان الظاعن مقيم.

و فى هذه القصه يقول وهب بن عبدمناف بن زهره جد رسول الله (ص): مهلا امى فان البغى مهلكه لايكسبنك يوم شره ذكر تبدو كواكبه و الشمس طالعه يصب فى الكاس منه الصبر و المقر قال ابوعثمان: و صنع اميه فى الجاهليه شيئا لم يصنعه احد من العرب، زوج ابنه اباعمرو امراته فى حياته منه، فاولدها ابامعيط بن ابى عمرو بن اميه.

و المقيتون فى الاسلام هم الذين نكحوا نساء آبائهم بعد موتهم، فاما ان يتزوجها فى حياه الاب و يبنى عليها و هو يراه فانه شى ء لم يكن قط.

قال ابوعثمان: و قد اقر معاويه على نفسه و رهطه لبنى هاشم حين قيل له: ايهما كان اسود فى الجاهليه؟ انتم ام بنوهاشم؟ فقال: كانوا اسود منا واحدا، و كنا اكثر منهم سيدا فاقر و ادعى، فهو فى اقراره بالنقص مخصوم، و فى ادعائه الفضل خصيم.

و قال جحش بن رئاب الاسدى حين نزل مكه بعد موت عبدالمطلب: و الله لاتزوجن ابنه اكرم اهل هذا الوادى، و لاحالفن اعزهم، فتزوج اميمه بنت عبدالمطلب، و حالف اباسفيان بن حرب.

و قد يمكن ان يك ون اعزهم ليس باكرمهم و لايمكن ان يكون اكرمهم ليس باكرمهم، و قد اقر ابوجهل على نفسه و رهطه من بنى مخزوم حين قال: تحاربنا نحن و هم، حتى اذا صرنا كهاتين قالوا: منا نبى.

فاقر بالتقصير، ثم ادعى المساواه، الا تراه كيف اقر انه لم يزل يطلب شاوهم ثم ادعى انه لحقهم! فهو مخصوم فى اقراره، خصيم فى دعواه، و قد حكم لهاشم دغفل بن حنظله النسابه حين ساله معاويه عن بنى هاشم، فقال: هم اطعم للطعام، و اضرب للهام، و هاتان خصلتان يجمعان اكثر الشرف.

قال ابوعثمان: و العجب من منافره حرب بن اميه عبدالمطلب بن هاشم، و قد لطم حرب جارا لخلف بن اسعد جد طلحه الطلحات، فجاء جاره فشكا ذلك اليه، فمشى خلف الى حرب و هو جالس عند الحجر، فلطم وجهه عنوه من غير تحاكم و لاتراض، فما انتطح فيه عنزان.

ثم قام ابوسفيان بن حرب مقام ابيه بعد موته، فحالفه ابوالازيهر الدوسى، و كان عظيم الشان فى الازد، و كانت بينه و بين بنى الوليد بن المغيره محاكمه فى مصاهره كانت بين الوليد و بينه، فجائه هشام بن الوليد و ابوالازيهر قاعد فى مقعد ابى سفيان بذى المجاز، فضرب عنقه، فلم يدرك به ابوسفيان عقلا و لا قودا فى بنى المغيره، و قال حسان بن ثابت يذكر ذلك: غدا اهل حصنى ذى المجاز بسحره و جار ابن حرب لايروح و لايغدو كساك هشام بن الوليد ثيابه فابل و اخلق مثلها جددا بعد فهذه جمله صالحه مما ذكره شيخنا ابوعثمان.

و نحن نورد من كتاب "انساب قريش" للزبير بن بكار ما يتضمن شرحا لما اجمله شيخنا ابوعثمان او لبعضه، فان كلام ابى عثمان لمحه و اشاره، و ليس بالمشروح.

قال الزبير: حدثنى عمر بن ابى بكر العدوى من بنى عدى بن كعب قال: حدثنى يزيد بن عبدالملك بن المغيره بن نوفل، عن ابيه، قال: اصطلحت قريش على ان ولى هاشم بعد موت ابيه عبدمناف السقايه و الرفاده، و ذلك ان عبدشمس كان يسافر، قل ان يقيم بمكه، و كان رجلا معيلا، و كان له ولد كثير، و كان هاشم رجلا موسرا، فكان اذا حضر الحج قام فى قريش فقال: يا معشر قريش، انكم جيران الله، و اهل بيته، و انه ياتيكم فى هذا الموسم زوار الله يعظمون حرمه بيته، فهم لذلك ضيف الله و احق ضيف بالكرامه ضيف الله، و قد خصكم الله بذلك و اكرمكم به، ثم حفظ منكم افضل ما حفظ جار من جاره، فاكرموا ضيفه و زواره، فانهم ياتون شعثا غبرا من كل بلد ضوامر كالقداح و قد ارجفوا و تفلوا و قملوا و ارملوا، فاقروهم و اعينوهم.

قال: فكانت قريش تترافد على ذلك، حتى ان كل اهل بيت ليرسلون بالشى ء اليسير ع لى قدر حالهم، و كان هاشم يخرج فى كل سنه مالا كثيرا، و كان قوم من قريش يترافدون، و كانوا اهل يسار فكان كل انسان ربما ارسل بمائه مثقال ذهب هرقليه و كان هاشم يامر بحياض من ادم تجعل فى مواضع زمزم من قبل ان تحفر، يستقى فيها من البئار التى بمكه، فيشرب الحاج و كان يطعمهم اول ما يطعم قبل يوم الترويه بيوم بمكه و بمنى و بجمع و عرفه، و كان يثرد لهم الخبز و اللحم و السمن و السويق و التمر، و يحمل لهم الماء فيسقون بمنى، و الماء يومئذ قليل، الى ان يصدر الحاج من منى، ثم تنقطع الضيافه، و تتفرق الناس الى بلادهم.

قال الزبير: و انما سمى هاشما لهشمه الثريد، و كان اسمه عمرا، ثم قالوا: (عمرو العلا) لمعاليه.

و كان اول من سن الرحلتين: رحله الى الحبشه، و رحله الى الشام، ثم خرج فى اربعين من قريش فبلغ غزه، فمرض بها، فمات فدفنوه بها و رجعوا بتركته الى ولده.

و يقال: ان الذى رجع بتركته الى ولده ابو رهم عبدالعزى بن ابى قيس العامرى من بنى عامر بن لوى.

قال الزبير: و كان يقال لهاشم و المطلب: البدران، و لعبد شمس و نوفل الابهران.

قال الزبير: و قد اختلف فى اى ولد عبدمناف اسن، و الثبت عندنا ان اسنهم هاشم.

و قال آدم بن عبدالعزيز بن عمر بن عمر بن ع بدالعزيز بن مروان: يا امين الله انى قائل قول ذى دين و بر و حسب عبدشمس لاتهنها انما عبدشمس عم عبدالمطلب عبدشمس كان يتلو هاشما و هما بعد لام و لاب قال الزبير: و حدثنى محمد بن حسن، عن محمد بن طلحه، عن عثمان بن عبدالرحمن قال: قال عبدالله بن عباس: و الله لقد علمت قريش ان اول من اخذ الايلاف و اجاز لها العيرات لهاشم، و الله ما شدت قريش رحالا و لا حبلا بسفر، و لااناخت بعيرا لحضر الا بهاشم، و الله انه اول من سقى بمكه ماء عذبا، و جعل باب الكعبه ذهبا لعبد المطلب.

قال الزبير: و كانت قريش تجارا لاتعدو تجارتهم مكه انما تقدم عليهم الاعاجم بالسلع فيشترونها منهم، يتبايعون بها بينهم و يبيعون من حولهم من العرب، حتى رحل هاشم بن عبدمناف الى الشام، فنزل بقيصر فكان يذبح كل يوم شاه و يصنع جفنه من ثريد، و يدعو الناس فياكلون، و كان هاشم من احسن الناس خلقا و تماما، فذكر لقيصر، و قيل له: هاهنا شاب من قريش يهشم الخبز، ثم يصب عليه المرق، و يفرغ عليه اللحم، و يدعو الناس.

قال: و انما كانت الاعاجم و الروم تصنع المرق فى الصحاف، ثم تاتدم عليه بالخبز، فدعا به قيصر، فلما رآه و كلمه اعجب به، و جعل يرسل اليه فيدخل عليه فلما راى مكانه ساله ان ياذن لقريش فى القدوم عليه بالمتاجر، و ان يكتب لهم كتب الامان فيما بينهم و بينه، ففعل.

فبذلك ارتفع هاشم من قريش.

قال الزبير: و كان هاشم يقوم اول نهار اليوم الاول من ذى الحجه فيسند ظهره الى الكعبه من تلقاء بابها فيخطب قريشا فيقول: يا معشر قريش، انتم ساده العرب، احسنها وجوها، و اعظمها احلاما و اوسطها انسابا، و اقربها ارحاما.

يا معشر قريش، انتم جيران بيت الله اكرمكم بولايته، و خصكم بجواره دون بنى اسماعيل، و حفظ منكم احسن ما حفظ منكم جار من جاره، فاكرموا ضيفه و زوار بيته، فانهم ياتونكم شعثا غبرا من كل بلد.

فو رب هذه البنيه، لو كان لى مال يحمل ذلك لكفيتموه، الا و انى مخرج من طيب مالى و حلاله ما لم تقطع فيه رحم، و لم يوخذ بظلم، و لم يدخل فيه حرام، فواضعه فمن شاء منكم ان يفعل مثل ذلك فعل و اسالكم بحرمه هذا البيت الا يخرج منكم رجل من ماله لكرامه زوار بيت الله و معونتهم الا طيبا لم يوخذ ظلما، و لم تقطع فيه رحم و لم يغتصب.

قال: فكانت قريش تخرج من صفو اموالها ما تحتمله احوالها، و تاتى بها الى هاشم فيضعه فى دار الندوه لضيافه الحاج.

قال الزبير: و مما رثى به مطرود الخزاعى هاشما قوله: مات الندى بالشام لما ان ثوى اودى بغزه هاشم لايبعد فجفانه رذم لمن ينتابه و النصر ادنى باللسان و باليد و من مراثيه له: يا عين جودى و اذرى الدمع و احتفلى و ابكى خبيئه نفسى فى الملمات و ابكى على كل فياض اخى حسب ضخم الدسيعه وهاب الجزيلات ماضى الصريمه عالى الهم ذى شرف جلد النحيزه حمال العظيمات صعب المقاده لانكس و لا وكل ماض على الهول متلاف الكريمات محض توسط من كعب اذا نسبوا بحبوحه المجد فى الشم الرفيعات فابكى على هاشم فى وسط بلقعه تسقى الرياح عليه وسط غزات يا عين بكى اباالشعث الشجيات يبكينه حسرا مثل البنيات يبكين عمرو العلا اذ حان مصرعه سمح السجيه بسام العشيات يبكينه معولات فى معاوزها يا طول ذلك من حزن و عولات محزمات على اوساطهن لما جر الزمان من احداث المصيبات ابيت ارعى نجوم الليل من الم ابكى و تبكى معى شجوا بنياتى قال الزبير: و حدثنى ابراهيم بن المنذر، عن الواقدى، عن عبدالرحمن بن الحارث، عن عكرمه، عن ابن عباس، قال: اول من سن ديه النفس مائه من الابل عبدالمطلب، فجرت فى قريش و العرب سنته، و اقرها رسول الله (ص).

قال: و ام عبدالمطلب سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد، من بنى النجار من الانصار، و كان سبب تزوج هاشم بها انه قدم فى تجاره له المدينه، فنزل على عمرو بن زيد، فجائته سلمى بطعام فاعجبت هاشما، فخطبها الى ابيها، فانكحه اياها، و شرط عليه ان تلد عند اهلها فبنى عليها بالمدينه، و اقام معها سنتين، ثم ارتحل بها الى مكه، فحملت و اثقلت، فخرج بها الى المدينه، فوضعها عند اهلها، و مضى الى الشام، فمات بغزه من وجهه ذلك، و ولدت عبدالمطلب، فسمته شيبه الحمد لشعره بيضاء كانت فى ذوائبه حين ولد، فمكث بالمدينه ست سنين او ثمانيا.

ثم ان رجلا من تهامه مر بالمدينه، فاذا غلمان ينتضلون، و غلام منهم يقول كلما اصاب: انا ابن هاشم بن عبدمناف، سيد البطحاء، فقال له الرجل: من انت يا غلام؟ قال: انا ابن هاشم بن عبدمناف.

قال: ما اسمك؟ قال: شيبه الحمد، فانصرف الرجل حتى قدم مكه، فيجد المطلب بن عبدمناف جالسا فى الحجر، فقال: قم الى يا اباالحارث فقام اليه، فقال: تعلم انى جئت الان من يثرب فوجدت بها غلمانا ينتضلون... و قص عليه ما راى من عبدالمطلب، و قال: انه اضرب غلام رايته قط، فقال له المطلب: اغفلته و الله! اما انى لاارجع الى اهلى و مالى حتى آتيه، فخرج المطلب حتى اتى المدينه، فاتاها عشاء، ثم خرج براحلته حتى اتى بنى عدى بن النجار فاذا الغلمان بين ظهرانى المجلس فلما نظر الى ابن اخيه قال للقوم: هذا ابن هاشم؟ قالوا: نعم، و عرفه القوم فقالوا: هذا ابن اخيك، فان كنت تريد اخذه فالساعه لانعلم امه، فانها ان علمت حلنا بينك و بينه.

فاناخ راحلته، ثم دعاه فقال، يابن اخى انا عمك، و قد اردت الذهاب بك الى قومك، فاركب قال: فو الله ما كذب ان جلس على عجز الراحله، و جلس المطلب على الراحله ثم بعثها فانطلقت، فلما علمت امه قامت تدعو حزنها على ابنها، فاخبرت انه عمه، و انه ذهب به الى قومه.

قال: فانطلق به المطلب فدخل به مكه ضحوه، مردفه خلفه، و الناس فى اسواقهم و مجالسهم فقاموا يرحبون به و يقولون من هذا الغلام معك؟ فيقول: عبد لى ابتعته بيثرب، ثم خرج به حتى جاء الى الحزوره فابتاع له حله، ثم ادخله على امراته خديجه بنت سعد بن سهم فرجلت شعره، ثم البسه الحله عشيه، فجاء به فاجلسه فى مجلس بنى عبدمناف، و اخبرهم خبره، فكان الناس بعد ذلك اذا راوه يطوف فى سكك مكه و هو احسن الناس يقولون: هذا عبدالمطلب- لقول المطلب: هذا عبدى- فلج به الاسم، و ترك به شيبه.

و روى الزبير روايه اخرى ان سلمى ام عبدالمطلب حالت بين المطلب و بين ابنها شيبه، و كان بينها و بينه فى امره محاوره، ثم غلبها عليه، و قال:عرفت شيبه و النجار قد حلفت ابناوها حوله بالنبل تنتضل فاما الشعر الذى لحذافه العذرى و الذى ذكره شيخنا ابوعثمان فقد ذكره الزبير بن بكار فى كتاب النسب، و زاد فيه: كهولهم خير الكهول و نسلهم كنسل الملوك لايبور و لايجرى ملوك و ابناء الملوك و ساده تفلق عنهم بيضه الطائر الصقر متى تلق منهم طامحا فى عنانه تجده على اجراء والده يجرى هم ملكوا البطحاء مجدا و سوددا و هم نكلوا عنها غواه بنى بكر و هم يغفرون الذنب ينقم مثله و هم تركوا راى السفاهه و الهجر اخارج اما اهلكن فلاتزل لهم شاكرا حتى تغيب فى القبر قال الزبير: و حدثنى عن سبب هذا الشعر محمد بن حسن، عن محمد بن طلحه، عن ابيه، قال: ان ركبا من جذام خرجوا صادرين عن الحج من مكه: ففقدوا رجلا منهم عاليه بيوت مكه، فيلقون حذافه العذرى، فربطوه و انطلقوا به، فتلقاهم عبدالمطلب مقبلا من الطائف و معه ابنه ابولهب يقود به، و عبدالمطلب حينئذ قد ذهب بصره، فلما نظر اليه حذافه بن غانم هتف به، فقال عبدالمطلب لابنه: ويلك! من هذا؟ قال: هذا حذافه بن غانم مربوطا مع ركب.

قال: فالحقهم فسلهم ما شانهم و شانه، فلحقهم ابولهب فاخبروه الخبر، فرجع الى ابيه، فاخبره، فقال: ويحك! م ا معك؟ قال: لا و الله ما معى شى ء، قال: فالحقهم لا ام لك! فاعطهم بيدك، و اطلق الرجل، فلحقهم ابولهب فقال: قد عرفتم تجارتى و مالى و انا احلف لكم لاعطينكم عشرين اوقيه ذهبا، و عشرا من الابل و فرسا، و هذا ردائى رهن.

فقبلوا ذلك منه، و اطلقوا حذافه فلما اقبل به و قربا من عبدالمطلب، سمع عبدالمطلب صوت ابى لهب، و لم يسمع صوت حذافه، فصاح به: و ابى انك لعاص، ارجع لا ام لك! قال: يا ابتا هذا الرجل معى، فناداه عبدالمطلب: يا حذافه اسمعنى صوتك.

قال: هانذا بابى انت و امى يا ساقى الحجيج اردفنى، فاردفه حتى دخل مكه، فقال حذافه هذا الشعر.

قال الزبير: و حدثنى عبدالله بن معاذ، عن معمر، عن ابن شهاب، قال: اول ما ذكر من عبدالمطلب ان قريشا خرجت فاره من الحرم خوفا من اصحاب الفيل، و عبدالمطلب يومئذ غلام شاب، فقال: و الله لااخرج من حرم الله ابغى العز فى غيره! فجلس فى البيت و اجلت قريش عنه، فقال عبدالمطلب: لا هم ان المرء يم نع رحله فامنع حلالك لايغلبن صليبهم و محالهم ابدا محالك فلم يزل ثابتا فى الحرم حتى اهلك الله الفيل و اصحابه، فرجعت قريش و قد عظم فيهم بصبره و تعظيمه محارم الله عز و جل، فبينا هو على ذلك- و كان اكبر ولده و هو الحار ث بن عبدالمطلب قد بلغ الحلم- ارى عبدالمطلب فى المنام، فقيل له: احفر زمزم، خبيئه الشيخ الاعظم.

فاستيقظ فقال: اللهم بين لى الشيخ، فارى فى المنام مره اخرى: احفر تكتم بين الفرث و الدم، فى مبحث الغراب، فى قريه النمل، مستقبله الانصاب الحمر.

فقام عبدالمطلب فمشى حتى جلس فى المسجد الحرام ينتظر ما سمى له من الايات، فنحر بقره فى الحزوره، فافلتت من جازرها بحشاشه نفسها حتى غلب عليها الموت فى المسجد فى موضع زمزم، فاحتمل لحمها من مكانها، و اقبل غراب يهوى حتى وقع فى الفرث فبحث عن قريه النمل، فقام عبدالمطلب يحفرها، فجائته قريش فقالت له: ما هذا الصنع، انا لم نكن نراك بالجهل، لم تحفر فى مسجدنا؟ فقال عبدالمطلب: انى لحافر هذا البئر، و مجاهد من صدنى عنها، فطفق يحفر هو و ابنه الحارث، و ليس له يومئذ ولد غيره، فيسفه عليهما الناس من قريش فينازعونهما و يقاتلونهما.

و تناهى عنه ناس من قريش لما يعلمون من زعيق نسبه و صدقه، و اجتهاده فى دينهم يومئذ، حتى اذا اتعبه الحفر، و اشتد عليه الاذى نذر ان وفى له عشره من الولدان ينحر احدهم، ثم حفر فادرك سيوفا دفنت فى زمزم حين دفنت، فلما رات قريش انه قد ادرك السيوف قالت: يا عبدالمطلب، احذنا مما وجدت.

ف قال عبدالمطلب: بل هذه السيوف لبيت الله، ثم حفر حتى انبط الماء، فحفرها فى القرار، ثم بحرها حتى لاتنزف، ثم بنى عليها حوضا و طفق هو و ابنه ينزعان فيملان ذلك الحوض، فيشرب منه الحاج، و يكسره قوم حسده له من قريش بالليل، فيصلحه عبدالمطلب حين يصبح، فلما اكثروا فساده دعا عبدالمطلب ربه، فارى، فقيل له: قل اللهم انى لا احلها لمغتسل: و هى لشارب حل و بل، ثم كفيتهم، فقام عبدالمطلب حين اختلف قريش فى المسجد، فنادى بالذى ارى، ثم انصرف فلم يكن يفسد حوضه عليه احد من قريش الا رمى فى جسده بداء، حتى تركوا حوضه ذلك و سقايته.

ثم تزوج عبدالمطلب النساء، فولد له عشره رهط، فقال: اللهم انى كنت نذرت لك نحر احدهم، و انى اقرع بينهم، فاصيب بذلك من شئت، فاقرع بينهم، فطارت القرعه على عبدالله بن عبدالمطلب ابى رسول الله (ص) و كان احب ولده اليه، فقال عبدالمطلب: اللهم هو احب اليك ام مائه من الابل! فنحرها عبدالمطلب مكان عبدالله، و كان عبدالله احسن رجل رئى فى قريش قط.

و روى الزبير ايضا قال: حدثنى ابراهيم بن المنذر، عن عبدالعزيز بن عمران، عن عبدالله بن عثمان بن سليمان قال: سمعت ابى يقول: لما حفرت زمزم، و ادرك منها عبدالمطلب ما ادرك، وجدت قريش فى انفس ها مما اعطى عبدالمطلب، فلقيه خويلد بن اسد بن عبدالعزى فقال: يابن سلمى، لقد سقيت ماء رغدا، و نثلت عاديه حسدا، فقال: يابن اسد، اما انك تشرك فى فضلها، و الله لايساعدنى احد عليها ببر، و لايقوم معى بارزا الا بذلت له خير الصهر، فقال خويلد بن اسد: اقول و ما قولى عليهم بسبه اليك ابن سلمى انت حافر زمزم حفيره ابراهيم يوم ابن هاجر و ركضه جبريل على عهد آدم فقال عبدالمطلب: ما وجدت احدا ورث العلم الاقدم غير خويلد بن اسد.

قال الزبير فاما ركضه جبريل فان سعيد بن المسيب قال: ان ابراهيم قدم باسماعيل و امه مكه، فقال لهما: كلا من الشجر، و اشربا من الشعاب.

و فارقهما، فلما ضاقت الارض تقطعت المياه، فعطشا، فقالت له امه: اصعد و انصب فى هذا الوادى فلا ارى موتك و لاترى موتى، ففعل فانزل الله تعالى ملكا من السماء على ام اسماعيل، فامرها فصرحت به، فاستجاب لها، و طار الملك فضرب بجناحيه مكان زمزم، فقال: اشربا، فكان سيحا يسيح، و لو تركاه ما زال كذلك ابدا، لكنها فرقت عليه من العطش، فقرت له فى السقاء، و حفرت فى البطحاء، فلما نضب الماء طوياه، ثم هلك الناس و دفنته السيول.

ثم ارى عبدالمطلب فى المنام ان احفر زمزم لاتثرب و لاتذم، تروى الحجيج الاعظم.

ثم ارى مره اخرى ان احفر الرواء، اعطيتها على رغم الاعداء.

ثم ارى مره اخرى، ان احفر تكتم، بين الانصاب الحمر، فى قريه النمل.

فاصبح يحفر حيث ارى.

فطفقت قريش يستهزئون به، حتى اذا بدا عن الطى وجد فيها غزالا من ذهب، و حليه سيف، فضرب عليها بالسهام، فخرج سهم البيت.

فكان اول حلى حلى به الكعبه.

قال الزبير: و كان حرب بن اميه بن عبدشمس نديم عبدالمطلب، و كان عبيد بن الابرص تربه و بلغ عبيد مائه و عشرين سنه و بقى عبدالمطلب بعده عشرين سنه.

قال: و قال بعض اهل العلم: توفى عبدالمطلب عن خمس و تسعين سنه و يقال: كان يعرف فى عبدالمطلب نور النبوه، و هيبه الملك و فيه يقول الشاعر: اننى و اللات و البيت الذى لز بالهبرز عبدالمطلب قال الزبير: حدثنى عمى مصعب بن عبدالله، قال: بينا عبدالمطلب يطوف بالبيت بعد ما اسن و ذهب بصره، اذ زحمه رجل، فقال: من هذا؟ فقيل رجل من بنى بكر.

قال: فما منعه ان ينكب عنى و قد رآنى لااستطيع لان انكب عنه! فلما راى بنيه قد توالوا عشره قال: لابد لى من العصا، فان اتخذتها طويله شقت على، و ان اتخذتها قصيره قويت عليها، و لكن ينحدب لها ظهرى، و الحدبه ذل، فقال بنوه: او غير ذلك؟ يوافيك كل يوم منا رجل تتوكا عليه فت طوف فى حوائجك.

قال: و لذلك قال الزبير: و مكارم عبدالمطلب اكثر من ان يحاط بها، كان سيد قريش غير مدافع نفسا و ابا و بيتا و جمالا و بهاء و كمالا و فعالا، قال احد بنى كنانه يمدحه: انى و ما سترت قريش و الذى تعزو لال كلهن ظباء و و حق من رفع الجبال منيفه و الارض مدا فوقهن سماء مثن و مهد لابن سلمى مدحه فيها اداء ذمامه و وفاء قال الزبير: فاما ابوطالب بن عبدالمطلب- و اسمه عبدمناف، و هو كافل رسول الله (ص) و حاميه من قريش و ناصره، و الرفيق به، الشفيق عليه، و وصى عبدالمطلب فيه- فكان سيد بنى هاشم فى زمانه، و لم يكن احد من قريش يسود فى الجاهليه بمال الا ابوطالب و عتبه بن ربيعه.

قال الزبير: ابوطالب اول من سن القسامه فى الجاهليه فى دم عمرو بن علقمه، ثم اثبتتها السنه فى الاسلام، و كانت السقايه فى الجاهليه بيد ابى طالب، ثم سلمها الى اخيه العباس بن عبدالمطلب.

قال الزبير: و كان ابوطالب شاعرا مجيدا، و كان نديمه فى الجاهليه مسافر بن عمرو بن اميه بن عبدشمس، و كان قد حبن فخرج ليتداوى بالحيره، فمات بهباله، فقال ابوطالب يرثيه: ليت شعرى مسافر ابن ابى عم رو و ليث يقولها المحزون كيف كانت مذاقه الموت اذ مت و ماذا بعد ال ممات يكون! رحل الركب قافلين الينا و خليلى فى مرمس مدفون بورك الميت الغريب كما بو رك نضر الريحان و الزيتون رزء ميت على هباله قد حا لت فياف من دونه و حزون مدره يدفع الخصوم بايد و بوجه يزينه العرنين كم خليل و صاحب و ابن عم و حميم قفت عليه المنون فتعزيت بالجلاده و الصب ر و انى بصاحبى لضنين قال الزبير: فلما هلك مسافر نادم ابوطالب بعده عمرو بن عبد بن ابى قيس بن عبدود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لوى، و لذلك قال عمرو لعلى (ع) يوم الخندق حين بارزه: ان اباك كان لى صديقا.

قال الزبير: و حدثنى محمد بن حسن، عن نصر بن مزاحم، عن معروف بن خربوذ قال: كان ابوطالب يحضر ايام الفجار، و يحضر معه النبى (ص) و هو غلام، فاذا جاء ابوطالب هزمت قيس و اذا لم يجى ء هزمت كنانه، فقالوا لابى طالب: لا ابالك! لاتغب عنا، ففعل.

قال الزبير: فاما الزبير بن عبدالمطلب فكان من اشراف قريش و وجوهها و هو الذى استثنته بنو قصى على بنى سهم حين هجا عبدالله بن الزبعرى بن قصى فارسلت بنو قصى عتبه بن ربيعه بن عبدشمس الى بنى سهم فقال لهم: ان قومكم قد كرهوا ان يعجلوا عليكم، فارسلونى اليكم فى هذا السفيه الذى هجاهم فى غير ذنب اجترموا ال يه، فان كان ما صنع عن رايكم، فبئس الراى رايكم و ان كان عن غير رايكم فادفعوه اليهم.

فقال القوم: نبرا الى الله ان يكون عن راينا.

قال: فاسلموه اليهم فقال بعض بنى سهم: ان شئتم فعلنا، على ان من هجانا منكم دفعتموه الينا.

فقال عتبه: ما يمنعنى ان اقول ما تقول الا ان الزبير بن عبدالمطلب غائب بالطائف، و قد عرفت انه سيفرغ لهذا الامر فيقول: و لم اكن اجعل الزبير خطرا لابن الزبعرى، فقال قائل منهم: ايها القوم، ادفعوه اليهم، فلعمرى ان لكم مثل الذى عليكم، فكثر فى ذلك الكلام و اللغط، فلما راى العاص بن وائل ذلك دعا برمه، فاوثق بها عبدالله بن الزبعرى، و دفعه الى عتبه بن ربيعه، فاقبل به مربوطا حتى اتى به قومه: فاطلقه حمزه بن عبدالمطلب و كساه، فاغرى ابن الزبعرى اناس من قريش بقومه بنى سهم، و قالوا له: اهجهم كما اسلموك، فقال: لعمرى ما جائت بنكر عشيرتى و ان صالحت اخوانها لا الومها فود جناه الشر ان سيوفنا بايماننا مسلوله لانشيمها فيقطع ذو الصهر القريب و يتركوا غماغم منها اذ اجد يريمها فان قصيا اهل مجد و ثروه و اهل فعال لايرام قديمها هم منعوا يومى عكاظ نسائنا كما منع الشول الهجان قرومها و ان كان هيج قدموا فتقدموا و هل يمنع المخزاه الا حميمها! محاشيد للمقرى سراع الى الندى مرازبه غلب رزان حلومها قال: فقدم الزبير بن عبدالمطلب من الطائف، فقال قصيدته التى يقول فيها: فلو لا الحمس لم يلبس رجال ثياب اعزه حتى يموتوا و قد ذكرنا قطعه منها فيما تقدم.

قال الزبير: و قال الزبير بن عبدالمطلب ايضا فى هذا المعنى: قومى بنو عبدمناف اذا اظلم من حولى بالجندل لا اسد لن يسلمونى و لا تيم و لا زهره للنيطل و لا بنو الحارث ان مر بى يوم من الايام لاينجلى يا ايها الشاتم قومى و لا حق له عندهم اقبل انى لهم جار لئن انت لم تقصر عن الباطل او تعدل قال الزبير: و من شعر الزبير بن عبدالمطلب: يا ليت شعرى اذا ما حمتى وقعت ماذا تقول ابنتى فى النوح تنعانى! تنعى ابا كان معروف الدفاع عن ال مولى المضاف و فكاكا عن العانى و نعم صاحب عان كان رافده اذا تضجع عنه العاجز الوانى قال الزبير: و كان الزبير بن عبدالمطلب ذا نظر و فكر، اتى فقيل له: مات فلان- لرجل من قريش كان ظلوما- فقال: باى عقوبه مات؟ قالوا: مات حتف انفه! فقال: لئن كان ما قلتموه حقا ان للناس معادا يوخذ فيه للمظلوم من الظالم.

قال: و كان الزبير يكنى بابى الطاهر، و كانت صفيه بنت عبدالمطلب كنت ابنها الزبير بن العوام اباالطاهر دهرا بكنيه اخيها، و كان للزبير بن عبدالمطلب ابن يقال له الطاهر، كان من اظرف فتيان مكه، مات غلاما، و به سمى رسول الله (ص) ابنه الطاهر، و باسم الزبير سمت اخته صفيه ابنها الزبير، و قالت صفيه ترثى اخاها الزبير بن عبدالمطلب: بكى زبير الخير اذ مات ان كنت على ذى كرم باكيه لو لفظته الارض ما لمتها او اصبحت خاشعه عاريه قد كان فى نفسى ان اترك ال موتى و لااتبعهم قافيه فلم اطق صبرا على رزئه وجدته اقرب اخوانيه لو لم اقل من فى قولا له لقضت العبره اضلاعيه فهو الشامى و اليمانى اذا ما خضروا ذو الشفره الداميه و قال ضرار بن الخطاب يبكيه: بكى ضباع على ابي ك بكاء محزون اليم قد كنت انشده فلا رث السلاح و لا سليم كالكوكب الدرى يع لو ضوئه ضوء النجوم زخرت به اعراقه و نماه والده الكريم بين الاغر و هاشم فرعين قد فرعا القروم فاما القتول الخثعميه التى اغتصبها نبيه بن الحجاج السهمى من ابيها، فقد ذكر الزبير بن بكار قصتها فى كتاب "انساب قريش".

قال الزبير: ان رجلا من خثعم قدم مكه تاجرا و معه ابنه يقال لها القتول، اوضا نساء العالمين، فعلقها نبيه بن الحجاج السهمى، فلم يبرح حتى غلب اباها عليها، و نقلها اليه، فقيل لابيها: عليك بحلف الفضول، فاتاهم فشكا اليهم ذلك، فاتوا نبيه بن الحجاج فقالوا له: اخرج ابنه هذا الرجل- و هو يومئذ منتبذ بناحيه مكه- و هى معه و الا فانا من قد عرفت، فقال: يا قوم، متعونى بها الليله، فقالوا: قبحك الله! ما اجهلك، لا و الله و لا شخب لقحه، فاخرجها اليهم فاعطوها اباها، فقال نبيه بن الحجاج فى ذلك قصيده اولها: راح صحى و لم احى القتولا لم اودعهم وداعا جميلا اذ اجد الفضول ان يمنعوها قد ارانى و لااخاف الفضولا فى ابيات طويله.

و اما قصه البارقى فقد ذكرها الزبير ايضا.

قال: قدم رجل من ثماله من الازد مكه، فباع سلعه من ابى بن خلف الجمحى فمطله بالثمن، و كان سيى ء المخالطه، فاتى الثمالى اهل حلف الفضول فاخبرهم، فقالوا: اذهب فاخبره انك قد اتيتنا، فان اعطاك حقك و الا فارجع الينا، فاتاه فاخبره بما قال اهل حلف الفضول، فاخرج اليه حقه فاعطاه، فقال الثمالى: ايفجر بى ببطن مكه ظالما ابى و لا قومى لدى و لا صحبى و ناديت قومى بارقا لتجيبنى و كم دون قومى من فياف و من سهب و يابى لكم حلف الفضول ظلامتى بنى جمح و الحق يوخذ بالغصب.

و اما قصه حلف الفضول و شرفه فقد ذكرها الزبير فى كتابه ايضا، قال: كان بنو سهم و بنو جمح اهل بغى و عدوان، فاكثروا من ذلك، فاجمع بنوهاشم و بنوالمطلب و بنو اسد و بنو زهره و بنو تيم على ان تحالفوا و تعاقدوا على رد الظلم بمكه: و الا يظلم احد الا منعوه، و اخذوا له بحقه، و كان حلفهم فى دار عبدالله بن جدعان، قال رسول الله (ص): (لقد شهدت فى دار عبدالله بن جدعان حلفا ما احب ان لى به حمر النعم و لو دعيت به اليوم لاجبت لا يزيده الاسلام الا شده).

قال الزبير: كان رجل من بنى اسد قد قدم مكه معتمرا ببضاعه فاشتراها منه العاص بن وائل السهمى، فاواها الى بيته ثم تغيب، فابتغى الاسدى متاعه فلم يقدر عليه، فجاء الى بنى سهم يستعديهم عليه، فاغلظوا له، فعرف ان لا سبيل له الى ماله، و طوف فى قبائل قريش يستنفر بهم، فتخاذلت القبائل عنه، فلما راى ذلك اشرف على ابى قبيس حين اخذت قريش مجالسها، و نادى باعلى صوته: يا للرجال لمظلوم بضاعته ببطن مكه نائى الاهل و النفر و محرم اشعث لم يقض عمرته يا آل فهر و بين الحجر و الحجر هل منصف من بنى سهم فمرتجع ما غيبوا ام حلال مال معتمر! فاعظمت ذلك قريش، و تكلموا فيه، فقال المطيبون: و الله ان قمنا فى هذا ليغضبن ال احلاف، و قالت الاحلاف: و الله ان قمنا فى هذا ليغضبن المطيبون: فقالت قبائل من قريش: هلموا فلنحتلف حلفا جديدا، لننصرن المظلوم على الظالم ما بل بحر صوفه.

فاجتمعت هاشم و المطلب و اسد و تيم و زهره فى دار عبدالله بن جدعان و رسول الله (ص) يومئذ معهم و هو شاب ابن خمس و عشرين سنه لم يوح اليه بعد، فتحالفوا الا يظلم بمكه غريب و لا قريب و لا حر و لا عبد الا كانوا معه حتى ياخذوا له بحقه و يردوا اليه مظلمته من انفسهم، و من غيرهم ثم عمدوا الى ماء، زمزم فجعلوه فى جفنه ثم بعثوا به الى البيت، فغسلوا به اركانه ثم جمعوه، و اتوهم به فشربوه، ثم انطلقوا الى العاص بن وائل فقالوا له: اد الى هذا حقه، فاد اليه حقه فمكثوا كذلك دهرا لايظلم احد بمكه الا اخذوا له حقه، فكان عتبه بن ربيعه بن عبدشمس يقول: لو ان رجلا وحده خرج من قومه لخرجت من عبدشمس، حتى ادخل فى حلف الفضول.

قال الزبير: و حدثنى محمد بن حسن، عن محمد بن طلحه، عن موسى بن محمد، عن ابيه ان الحلف كان على الا يدعوا بمكه كلها و لا فى الاحابيش مظلوما يدعوهم الى نصرته الا انجدوه حتى يردوا عليه ماله و مظلمته، او يبلوا فى ذلك عذرا، و على الامر بالمعروف و النهى عن المنكر، و على التاسى فى ا لمعاش.

قال الزبير: و يقال: انه انما سمى حلف الفضول لان رجالا كانوا فى وجوههم تحالفوا على رد المظالم، يقال لهم فضيل و فضال و فضل و مفضل، فسمى هذا الحلف حلف الفضول، لانه احيا تلك السنه التى كانت ماتت.

قال الزبير: و قدم محمد بن جبير بن مطعم على عبدالملك بن مروان- و كان من علماء قريش- فقال له: يا اباسعيد، الم نكن- يعنى بنى عبدشمس- و انتم فى حلف الفضول؟ فقال: اميرالمومنين اعلم، قال: لتخبرنى بالحق، قال: لا و الله يا اميرالمومنين، لقد خرجنا نحن و انتم منه، و ما كانت يدنا و يدكم الا جميعا فى الجاهليه و الاسلام.

قال الزبير: و حدثنى محمد بن حسن، عن ابراهيم بن محمد، عن يزيد بن عبدالله بن الهادى الليثى ان محمد بن الحارث اخبره قال: كان بين الحسين بن على (ع) و بين الوليد بن عتبه بن ابى سفيان كلام فى مال كان بينهما بذى المروه، و الوليد يومئذ امير المدينه فى ايام معاويه فقال الحسين (ع): ايستطيل الوليد على بسلطانه! اقسم بالله لينصفنى من حقى او لاخذن سيفى ثم اقوم فى مسجد الله فادعو بحلف الفضول! فبلغت كلمته عبدالله بن الزبير، فقال: احلف بالله لئن دعا به لاخذن سيفى، ثم لاقومن.

معه حتى ينتصف او نموت جميعا.

فبلغت المسور بن مخرمه بن نوفل الزهرى، فقال مثل ذلك، فبلغت عبدالرحمن بن عثمان بن عبيدالله التيمى، فقال مثل ذلك فبلغ ذلك، الوليد بن عتبه، فانصف الحسين (ع) من نفسه حتى رضى.

قال الزبير: و قد كان للحسين (ع) مع معاويه قصه مثل هذه، كان بينهما كلام فى ارض للحسين (ع) فقال له الحسين (ع): اختر منى ثلاث خصال، اما ان تشترى منى حقى، و اما ان ترده على، او تجعل بينى و بينك ابن عمر او ابن الزبير حكما، و الا فالرابعه، و هى الصيلم.

قال معاويه: و ما هى؟ قال: اهتف بحلف الفضول، ثم قام فخرج و هو مغضب، فمر بعبدالله بن الزبير فاخبره، فقال: و الله لئن هتفت به و انا مضطجع لاقعدن، او قاعد لاقومن، او قائم لامشين، او ماش لاسعين، ثم لتنفدن روحى مع روحك، او لينصفنك.

فبلغت معاويه، فقال: لا حاجه لنا بالصيلم ثم ارسل اليه ان ابعث فانتقد مالك، فقد ابتعناه منك.

قال الزبير، و حدثنى بهذه القصه على بن صالح عن جدى عبدالله بن مصعب، عن ابيه، قال: خرج الحسين (ع) من عند معاويه و هو مغضب، فلقى عبدالله بن الزبير، فحدثه بما دار بينهما، و قال: لاخيرنه فى خصال فقال له ابن الزبير ما قال: ثم ذهب الى معاويه، فقال: لقد لقينى الحسين فخيرك فى ثلاث خصال، و الرابعه الصيلم، قال معاويه: فلا حاجه لنا بالصيلم.

اظنك لقيته مغضبا! فهات الثلاث، قال: ان تجعلنى او ابن عمر بينك و بينه.

قال: قد جعلتك بينى و بينه او جعلت ابن عمر او جعلتكما جميعا.

قال او تقر له بحقه ثم تساله اياه.

قال: قد اقررت له بحقه و انا اساله اياه قال: او تشريه منه، قال قد اشتريته منه، فما الصيلم؟ قال: يهتف بحلف الفضول، و انا اول من يجيبه.

قال: فلا حاجه لنا فى ذلك.

و بلغ الكلام عبدالله بن ابى بكر و المسور بن مخرمه، فقالا للحسين مثل ما قاله ابن الزبير.

فاما تفجر الماء من تحت اخفاف بعير عبدالمطلب فى الارض الجرز فقد ذكره محمد بن اسحاق بن يسار فى كتاب السيره، قال: لما انبط عبدالمطلب الماء فى زمزم حسدته قريش، فقالت له: يا عبدالمطلب، انها بئر ابينا اسماعيل، و ان لنا فيها حقا فاشركنا معك.

قال: ما انا بفاعل، ان هذا الامر امر خصصت به دونكم و اعطيته من بينكم، قالوا له: فانا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها، قال: فاجعلوا بينى و بينكم حكما احاكمكم اليه، قالوا: كاهنه بنى سعد بن هذيم، قال: نعم، و كانت باشراف الشام، فركب عبدالمطلب فى نفر من بنى عبدمناف، و خرج من كل قبيله من قبائل قريش قوم، و الارض اذ ذاك مفاوز، حتى اذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز و الشام نفد ما كان مع عبدالمطلب و بنى ابيه من الماء فعطشوا عطشا شديدا، فاستسقوا قومهم، فابوا ان يسقوهم، و قالوا: نحن بمفازه و نخشى على انفسنا مثل الذى اصابكم.

فلما راى عبدالمطلب ما صنع القوم و خاف على نفسه و اصحابه الهلاك، قال لاصحابه: ما ترون؟ قالوا: ما راينا الا تبع لرايك، فمرنا بما احببت، قال: فانى ارى ان يحفر كل رجل منا حفره لنفسه بما معه الان من القوه، فكلما مات رجل دفنه اصحابه فى حفرته، حتى يكون رجل واحد، فضيعه رجل واحد ايسر من ضيعه ركب، قالوا: نعم ما اشرت! فقام كل رجل منهم فحفر حفيره لنفسه، و قعدوا ينتظرون الموت.

ثم ان عبدالمطلب قال لاصحابه: و الله ان القائنا بايدينا كذا للموت، لانضرب فى الارض فنطلب الماء لعجز، قوموا فعسى الله ان يرزقنا ماء ببعض الارض، ارتحلوا.

فارتحلوا و من معهم من قبائل قريش ينظرون اليهم ما هم صانعون، فتقدم عبدالمطلب الى راحلته فركبها، فلما انبعثت به انفجر من تحت خفها عين من ماء عذب، فكبر عبدالمطلب و كبر اصحابه، ثم نزل فشرب و شرب اصحابه و استقوا حتى ملاوا اسقيتهم، ثم دعا القبائل من قريش فقال لهم: هلموا الى الماء فقد اسقانا الله فاشربوا و استقوا، فجائوا فشربوا و استقوا، ثم قالوا: قد و الله قضى الله لك علينا، و الله لانخاصمك فى زمزم ابدا، ان الذى سقاك هذا الماء بهذه الفلاه هو الذى سقاك زمزم، فارجع الى سقايتك راشدا.

فرجع و رجعوا معه، لم يصلوا الى الكاهنه و خلوا بينه و بين زمزم.

و روى صاحب كتاب الواقدى ان عبدالله بن جعفر فاخر يزيد بن معاويه بين يدى معاويه، فقال له: باى آبائك تفاخرنى؟ ابحرب الذى اجرناه، ام باميه الذى ملكناه، ام بعبد شمس الذى كفلناه! فقال معاويه: لحرب بن اميه يقال هذا! ما كنت احسب ان احدا فى عصر حرب يزعم انه اشرف من حرب! فقال عبدالله: بلى اشرف منه من كفا عليه انائه و جلله بردائه! فقال معاويه ليزيد: رويدا يا بنى، ان عبدالله يفخر عليك بك لانك منه و هو منك.

فاستحيا عبدالله و قال: يا اميرالمومنين يدان انتشطتا و اخوان اصطرعا.

فلما قام عبدالله قال معاويه ليزيد: يا بنى اياك و منازعه بنى هاشم فانهم لايجهلون ما علموا، و لايجد مبغضهم لهم سبا، قال: (اما قوله: ابحرب الذى اجرناه) فان قريشا كانت اذا سافرت فصارت على العقبه لم يتجاوزها احد حتى تجوز قريش، فخرج حرب ليله فلما صار على العقبه لقيه رجل من بنى حاجب بن زراره تميمى فتنحنح حرب بن اميه و قال: انا حرب بن اميه، فتنحنح التميمى و قال: انا ا بن حاجب بن زراره، ثم بدر فجاز العقبه، فقال حرب: لاها الله لاتدخل بعدها مكه و انا حى! فمكث التميمى حينا لايدخل، و كان متجره بمكه، فاستشار بها بمن يستجير من حرب، فاشير عليه بعبدالمطلب او بابنه الزبير بن عبدالمطلب.

فركب ناقته و صار الى مكه ليلا، فدخلها و اناخ ناقته بباب الزبير بن عبدالمطلب.

فرغت الناقه، فخرج اليه الزبير فقال: امستجير فتجار، ام طالب قرى فتقرى! فقال: لاقيت حربا بالثنيه مقبلا و الليل ابلج نوره للسارى فعلا بصوت و اكتنى ليروعنى و دعا بدعوه معلن و شعار فتركته خلفى و جزت امامه و كذاك كنت اكون فى الاسفار فمضى يهددنى و يمنع مكه الا احل بها بدار قرار فتركته كالكلب ينبح وحده و اتيت قرم مكارم و فخار ليثا هزبرا يستجار بقربه رحب المبائه مكرما للجار و حلفت بالبيت العتيق و حجه و بزمزم و الحجر و الاستار ان الزبير لمانعى بمهند صافى الحديده صارم بتار فقال الزبير: اذهب الى المنزل فقد اجرتك.

فلما اصبح نادى الزبير اخاه الغيداق، فخرجا متقلدين سيفيهما، و خرج التميمى معهما فقالا له: انا اذا اجرنا رجلا لم نمش امامه، فامش امامنا ترمقك ابصارنا كى لاتختلس من خلفنا.

فجعل التميمى يشق مكه حتى د خل المسجد، فلما بصر به حرب قال: و انك لهاهنا! و سبق اليه فلطمه، و صاح الزبير: ثكلتك امك! اتلطمه و قد اجرته! فثنى عليه حرب فلطمه ثانيه، فانتضى الزبير سيفه، فحمل على حرب بين يديه، و سعى الزبير خلفه فلم يرجع عنه حتى هجم حرب على عبدالمطلب داره، فقال: ما شانك؟ قال: الزبير، قال: اجلس، و كفا عليه اناء كان هاشم يهشم فيه الثريد، و اجتمع الناس، و انضم بنو عبدالمطلب الى الزبير، و وقفوا على باب ابيهم بايديهم سيوفهم فازر عبدالمطلب حربا بازار كان له، و رداه برداء له طرفان و اخرجه اليهم، فعلموا ان اباهم قد اجاره.

و اما معنى قوله: (ام باميه الذى ملكناه!)، فان عبدالمطلب راهن اميه بن عبدشمس على فرسين، و جعل الخطر ممن سبقت فرسه مائه من الابل و عشره اعبد و عشر اماء و استعباد سنه، و جز الناصيه.

فسبق فرس عبدالمطلب فاخذ الخطر فقسمه فى قريش، و اراد جز ناصيته، فقال: او افتدى منك باستعباد عشر سنين (ففعل، فكان اميه بعد فى حشم عبدالمطلب و عضاريطه عشر سنين.

و اما قوله: (ام بعبد شمس الذى كفلناه!) فان عبدشمس كان مملقا لا مال له، فكان اخوه هاشم يكفله و يمونه الى ان مات هاشم.

و فى كتاب "الاغانى"، لابى الفرج ان معاويه قال لدغفل النسابه: ارايت عبدالمطلب؟ قال: نعم، قال: كيف رايته؟ قال: رايته رجلا نبيلا جميلا وضيئا، كان على وجهه نور النبوه.

قال: افرايت اميه بن عبدشمس؟ قال: نعم، قال: كيف رايته؟ قال: رايته رجلا ضئيلا منحنيا اعمى يقوده عبده ذكوان، فقال معاويه: ذلك ابنه ابوعمرو، قال: انتم تقولون ذلك، فاما قريش فلم تكن تعرف الا انه عبده.

و نقلت من كتاب "هاشم و عبدشمس" لابن ابى روبه الدباس.

قال: روى هشام بن الكلبى عن ابيه، ان نوفل بن عبدمناف ظلم عبدالمطلب ابن هاشم اركاحا له بمكه- و هى الساحات- و كان بنو نوفل يدا مع عبدشمس، و عبدالمطلب يدا مع هاشم، فاستنصر عبدالمطلب قوما من قومه فقصروا عن ذلك، فاستنجد اخواله من بنى النجار بيثرب، فاقبل معه سبعون راكبا، فقالوا لنوفل: لا و الله يا ابا عدى، ما راينا بهذا الغائط ناشئا احسن وجها، و لاامد جسما، و لااعف نفسا، و لاابعد من كل سوء من هذا الفتى- يعنون عبدالمطلب- و قد عرفت قرابته منا، و قد منعته ساحات له، و نحن نحب ان ترد عليه حقه، فرده عليه، فقال عبدالمطلب: تابى مازن و بنو عدى و ذبيان بن تيم اللات ضيمى و زادت مالك حتى تناهت و نكب بعد نوفل عن حريمى قال: و يقال ان ذلك كان سبب مخالفه خزاعه عبدالمطلب: قال: و روى ا بواليقظان سحيم بن حفص، ان عبدالمطلب جمع بنيه عند وفاته- و هم عشره يومئذ- فامرهم و نهاهم و اوصاهم و قال: اياكم و البغى، فو الله ما خلق الله شيئا اعجل عقوبه من البغى، و ما رايت احدا بقى على البغى الا اخوتكم من بنى عبدشمس.

و روى الوليد بن هشام بن قحذم، قال: قال عثمان يوما: وددت انى رايت رجلا قد ادرك الملوك يحدثنى عما مضى، فذكر له رجل بحضر موت، فبعث اليه فحدثه حديثا- طويلا تركنا ذكره- الى ان قال: ارايت عبدالمطلب بن هاشم؟ قال: نعم، رايت رجلا قعدا ابيض طويلا مقرون الحاجبين، بين عينيه غره يقال ان فيها بركه، و ان فيه بركه، قال: افرايت اميه بن عبدشمس؟ قال: نعم، رايت رجلا آدم دميما قصيرا اعمى يقال: انه نكد، و ان فيه نكدا، فقال عثمان: (يكفيك من شر سماعه) و امر باخراج الرجل.

و روى هشام بن الكلبى ان اميه بن عبدشمس لما كان غلاما، كان يسرق الحاج فسمى حارسا.

و روى ابن ابى روبه فى هذا الكتاب ان اول قتيل قتله بنو هاشم من بنى عبد شمس عفيف بن ابى العاص بن اميه، قتله حمزه بن عبدالمطلب، و لم اقف على هذا الخبر الا من كتاب ابن ابى روبه.

قال: و مما يصدق قول من روى ان اميه بن عبدشمس استعبده عبدالمطلب شعر ابى طالب بن عبدالمطلب حين تظا هرت عبدشمس و نوفل عليه و على رسول الله (ص) و حصروهما فى الشعب فقال ابوطالب: توالى علينا موليانا كلاهما اذا سئلا قالا الى غيرنا الامر بلى لهما امر و لكن تراجما كما ارتجمت من راس ذى القلع الصخر اخص خصوصا عبدشمس و نوفلا هما نبذانا مثل ما تنبذ الخمر هما اغمضا للقوم فى اخويهما فقد اصبحت ايديهما و هما صفر قديما ابوهم كان عبدا لجدنا بنى امه شهلاء جاش بها البحر لقد سفهوا احلامهم فى محمد فكانوا كجعر بئس ما ضفطت جعر ثم نرجع الى حكايه شيخنا ابى عثمان، و قد نمزجه بكلام آخر لنا او لغيرنا ممن تعاطى الموازنه بين هذين البيتين.

قال ابوعثمان: فان قالت اميه: لنا الوليد بن يزيد بن عبدالملك بن مروان بن الحكم بن ابى العاص بن اميه بن عبدشمس بن عبدمناف بن قصى، اربعه خلفاء فى نسق، قلنا لهم: و لبنى هاشم: هارون الواثق بن محمد المعتصم بن هارون الرشيد بن محمد المهدى بن عبدالله المنصور بن محمد الكامل بن على السجاد، كان يصلى كل يوم و ليله الف ركعه، فكان يقال له السجاد لعبادته و فضله و كان اجمل قريش على وجه الارض و اوسمها، ولد ليله قتل على بن ابى طالب (ع) فسمى باسمه، و كنى بكنيته فقال عبدالملك: لا و الله لااحتمل لك الاسم و لا الكنيه، فغير احدهما، فغير الكنيه فصيرها ابامحمد بن عبدالله، و هو البحر، و هو حبر قريش، و هو المفقه فى الدين المعلم التاويل، ابن العباس ذى الراى، و حليم قريش، بن شيبه الحمد، و هو عبدالمطلب سيد الوادى بن عمرو، و هو هاشم، هشم الثريد، و هو القمر سمى بذلك لجماله، و لانهم كانوا يقتدون و يهتدون برايه، ابن المغيره و هو عبدمناف، بن زيد، و هو قصى و هو مجمع، فهولاء ثلاثه عشر سيدا لم يحرم منهم واحد، و لا قصر عن الغايه، و ليس منهم واحد الا و هو ملقب بلقب اشتق له من فعله الكريم، و من خلقه الجميل، و ليس منهم الا خليفه، او موضع للخلافه او سيد فى قديم الدهر منيع، او ناسك مقدم، او فقيه بارع، او حليم ظاهر الركانه، و ليس هذا لاحد سواهم، و منهم خمسه خلفاء فى نسق، و هم اكثر مما عدته الامويه، و لم يكن مروان كالمنصور لان المنصور ملك البلاد و دوخ الاقطار، و ضبط الاطراف اثنتين و عشرين سنه، و كانت خلافه مروان على خلاف ذلك كله، و انما بقى فى الخلافه تسعه اشهر حتى قتلته امراته عاتكه بنت يزيد بن معاويه حين قال لابنها خالد من بعلها الاول، يابن الرطبه.

و لئن كان مروان مستوجبا لاسم الخلافه مع قله الايام و كثره الاختلاف و اضطراب ا لبلدان فضلا عن الاطراف، فابن الزبير اولى بذلك منه، فقد كان ملك الارض الا بعض الاردن، و لكن سلطان عبدالملك و اولاده لما اتصل بسلطان مروان اتصل عند القوم ما انقطع منه و اخفى موضع الوهن عند من لا علم له، و سنو المهدى كانت سنى سلامه، و ما زال عبدالملك فى انتقاض و انتكاث، و لم يكن ملك يزيد كملك هارون، و لا ملك الوليد كملك المعتصم.

قلت: رحم الله اباعثمان! لو كان اليوم لعد من خلفاء بنى هاشم تسعه فى نسق: المستعصم بن المستنصر بن الطاهر بن المستضى ء بن المستنجد بن المقتفى بن المستظهر بن المقتدر و الطالبيون؟ بمصر يعدون عشره فى نسق: الامر بن المستعلى بن المستنصر بن الطاهر بن الحاكم بن العزيز بن المعتز بن المنصور بن القائم بن المهدى.

قال ابوعثمان: و تفخر عليهم بنوهاشم بان سنى ملكهم اكثر، و مدته اطول، فانه قد بلغت مده ملكهم الى اليوم اربعا و تسعين سنه.

و يفخرون ايضا عليهم بانهم ملكوا بالميراث و بحق العصبه و العمومه، و ان ملكهم فى مغرس نبوه، و ان اسبابهم غير اسباب بنى مروان، بل ليس لبنى مروان فيها سبب، و لا بينهم و بينها نسب، الا ان يقولوا: انا من قريش فيساووا فى هذا الاسم قريش الظواهر، لان روايه الراوى: (الائمه من قريش) وا قعه على كل قرشى و اسباب الخلافه معروفه، و ما يدعيه كل جيل معلوم، و الى كل ذلك قد ذهب الناس، فمنهم من ادعاه لعلى (ع) لاجتماع القرابه و السابقه و الوصيه، فان كان الامر كذلك فليس لال ابى سفيان و آل مروان فيها دعوى، و ان كانت انما تنال بالوراثه، و تستحق بالعمومه، و تستوجب بحق العصبه، فليس لهم ايضا فيها دعوى.

و ان كانت لاتنال الا بالسوابق و الاعمال و الجهاد، فليس لهم فى ذلك قدم مذكور، و لا يوم مشهور، بل كانوا اذ لم تكن لهم سابقه، و لم يكن فيهم ما يستحقون به الخلافه، و لم يكن فيهم ما يمنعهم منها اشد المنع، لكان اهون، و لكان الامر عليهم ايسر، قد عرفنا كيف كان ابوسفيان فى عداوه النبى (ص) و فى محاربته له، و اجلابه عليه و غزوه اياه، و عرفنا اسلامه حيث اسلم، و اخلاصه كيف اخلص، و معنى كلمته يوم الفتح حين راى الجنود و كلامه يوم حنين، و قوله يوم صعد بلال على الكعبه، فاذن.

على انه انما اسلم على يدى العباس رحمه الله، و العباس هو الذى منع الناس من قتله، و جاء به رديفا الى رسول الله (ص)، و ساله فيه ان يشرفه و ان يكرمه و ينوه به، و تلك يد بيضاء، و نعمه غراء، و مقام مشهود، و يوم حنين غير مجحود، فكان جزاء بنى هاشم من بنيه ان حار بوا عليا، و سموا الحسن، و قتلوا الحسين، و حملوا النساء على الاقتاب حواسر، و كشفوا عن عوره على بن الحسين حين اشكل عليهم بلوغه كما يصنع بذرارى المشركين اذا دخلت دورهم عنوه، و بعث معاويه بسر بن ارطاه الى اليمن، فقتل اثنى عبيدالله بن العباس، و هما غلامان لم يبلغا الحلم، و قتل عبيدالله بن زياد يوم الطف تسعه من صلب على (ع)، و سبعه من صلب عقيل، و لذلك قال ناعيهم: عين جودى بعبره و عويل و اندبى ان ندبت آل الرسول تسعه كلهم لصلب على قد اصيبوا و سبعه لعقيل ثم ان اميه تزعم ان عقيلا اعان معاويه على على (ع)، فان كانوا كاذبين فما اولاهم بالكذب! و ان كانوا صادقين فما جازوا عقيلا بما صنع! و ضرب عنق مسلم ابن عقيل صبرا و غدرا بعد الامان، و قتلوا معه هانى ء بن عروه لانه آواه و نصره، و لذلك قال الشاعر: فان كنت لاتدرين ما الموت فانظرى الى هانى ء فى السوق و ابن عقيل ترى بطلا قد هشم السيف وجهه و آخر يهوى من طمار قتيل و اكلت هند كبد حمزه، فمنهم آكله الاكباد، و منهم كهف النفاق، و منهم من نقر بين ثنيتى الحسين (ع) بالقضيب، و منهم القاتل يوم الحره عون بن عبدالله بن جعفر، و يوم الطف ابابكر بن عبدالله بن جعفر.

و قتل يوم الح ره ايضا من بنى هاشم الفضل بن عباس بن ربيعه بن الحارث بن عبدالمطلب، و العباس بن عتبه بن ابى لهب بن عبدالمطلب، و عبدالرحمن بن العباس بن ربيعه بن الحارث بن عبدالمطلب.

قلت: ان اباعثمان قايس بين مدتى ملكهما و هو حينئذ فى ايام الواثق: ففضل هولاء عليهم، لان ملكهم اطول من ملكهم بعشر سنين، فكيف به لو كان اليوم حيا، و قد امتد ملكهم خمسمائه و ست عشره سنه! و هذا اكثر من ملك البيت الثالث من ملوك الفرس بنحو ثلاثين سنه.

و ايضا فان كان الفخر بطول مده الملك فبنو هاشم قد كان لهم ايضا ملك بمصر نحو مائتين و سبعين سنه، مع ما ملكوه بالمغرب قبل ان ينتقلوا الى مصر.

قال ابوعثمان: و قالت هاشم لاميه: قد علم الناس ما صنعتم بنا من القتل و التشريد، لا لذنب اتيناه اليكم، ضربتم على بن عبدالله بن عباس بالسياط مرتين، على ان تزوج بنت عمه الجعفريه التى كانت عند عبدالملك، و على ان نحلتموه قتل سليط، و سممتم اباهاشم عبدالله بن محمد بن على بن ابى طالب (ع)، و نبشتم زيدا و صلبتموه، و القيتم راسه فى عرصه الدار توطا بالاقدام، و ينقر دماغه الدجاج، حتى قال القائل: اطرد الديك عن ذوابه زيد طالما كان تطاه الدجاج و قال شاعركم ايضا: صلبنا لكم زيدا على ج ذع نخله و لم نر مهديا على الجذع يصلب و قستم بعثمان عليا سفاهه و عثمان خير من على و اطيب فروى ان بعض الصالحين من اهل البيت (ع) قال: اللهم ان كان كاذبا فسلط عليه كلبا من كلابك، فخرج يوما بسفر له، فعرض له الاسد فافترسه.

و قتلتم الامام جعفرا الصادق (ع)، و قتلتم يحيى بن زيد، و سميتم قاتله: ثائر مروان، و ناصر الدين، هذا الى ما صنع سليمان بن حبيب بن المهلب عن امركم و قولكم بعبد الله ابى جعفر المنصور قبل الخلافه، و ما صنع مروان بابراهيم الامام، ادخل راسه فى جراب نوره حتى مات، فان انشدتم: افاض المدامع قتلى كدى و قتلى بكثوه لم ترمس و بالزابيين نفوس ثوت و اخرى بنهر ابى فطرس انشدنا نحن: و اذكروا مصرع الحسين و زيدا و قتيلا بجانب المهراس و القتيل الذى بنجران امسى ثاويا بين غربه و تناس و قد علمتم حال مروان ابيكم و ضعفه، و انه كان رجلا لا فقه له، و لايعرف بالزهد و لا الصلاح، و لا بروايه الاثار، و لا بصحبه و لا ببعد همه، و انما ولى رستاقا من رساتيق دار بجرد لابن عامر، ثم ولى البحرين لمعاويه، و قد كان جمع اصحابه و من تابعه ليبايع ابن الزبير حتى رده عبيدالله بن زياد، و قال يوم مرج راهط و الرئوس تندر عن ك واهلها فى طاعته: و ما ضرهم غير حين النفو س و اى غلامى قريش غلب هذا قول من لايستحق ان يلى ربعا من الارباع، و لا خمسا من الاخماس، و هو احد من قتلته النساء لكلمه كان حتفه فيها.

و اما ابوه الحكم بن العاص فهو طريد رسول الله (ص) و لعينه و المتخلج فى مشيته، الحاكى لرسول الله (ص)، و المستمع عليه ساعه خلوته، ثم صار طريدا لابى بكر و عمر امتنعا عن اعادته الى المدينه، و لم يقبلا شفاعه عثمان، فلما ولى ادخله، فكان اعظم الناس شوما عليه، و من اكبر الحجج فى قتله و خلعه من الخلافه، فعبد الملك ابو هولاء الملوك الذين تفتخر الامويه بهم اعرق الناس فى الكفر لان احد ابويه الحكم هذا، و الاخر من قبل امه معاويه بن المغيره بن ابى العاص، كان النبى (ص) طرده من المدينه، و اجله ثلاثا، فحيره الله تعالى حين خرج، و بقى مترددا متلددا حولها لايهتدى لسبيله، حتى ارسل فى اثره عليا (ع) و عمارا، فقتلاه، فانتم اعرق الناس فى الكفر، و نحن اعرق الناس فى الايمان، و لايكون اميرالمومنين الا اولاهم بالايمان، و اقدمهم فيه.

قال ابوعثمان: و تفخر هاشم بان احدا لم يجد تسعين عاما لا طواعين فيها الا منذ ملكوا، قالوا: لو لم يكن من بركه دعوتنا الا ان تعذيب الامرا ء بعمال الخراج بالتعليق و الزهق و التجريد و التسهير و المسالد و النوره و الجورتين و العذراء و الجامعه و التشطيب قد ارتفع لكان ذلك خيرا كثيرا، و فى الطاعون يقول العمانى الراجز يذكر دولتنا: قد رفع الله رماح الجن و اذهب التعذيب و التجنى و العرب تسمى الطواعين رماح الجن، و فى ذلك يقول الشاعر: لعمرك ما خشيت على ابى رماح بنى مقيده الحمار و لكنى خشيت على ابى رماح الجن او اياك حار يقول بعض بنى اسد للحارث الغسانى الملك.

قال ابوعثمان: و تفخر هاشم عليهم بانهم لم يهدموا الكعبه، و لم يحولوا القبله، و لم يجعلوا الرسول دون الخليفه، و لم يختموا فى اعناق الصحابه، و لم يغيروا اوقات الصلات، و لم ينقشوا اكف المسلمين، و لم ياكلوا الطعام و يشربوا على منبر رسول الله (ص)، و لم ينهبوا الحرم، و لم يطئوا المسلمات دار فى الاسلام بالسباء.

قلت: نقلت من كتاب "افتراق هاشم و عبدشمس" لابى الحسين محمد بن على بن نصر المعروف بابن ابى روبه الدباس قال: كان بنواميه فى ملكهم يوذنون و يقيمون فى العيد و يخطبون بعد الصلاه، و كانوا فى سائر صلاتهم لايجهرون بالتكبير فى الركوع و السجود، و كان لهشام بن عبدالملك خصى اذا سجد هشام و هو يصلى فى المق صوره قال: لا اله الا الله، فيسمع الناس فيسجدون، و كانوا يقعدون فى احدى خطبتى العيد و الجمعه و يقومون فى الاخرى، قال: و راى كعب مروان بن الحكم يخطب قاعدا، فقال: انظروا الى هذا يخطب قاعدا، و الله تعالى يقول لرسوله: (و تركوك قائما).

قال: و اول من قعد فى الخطب معاويه، و اول من اذن و اقام فى صلاه العيد بشر ابن مروان، و كان عمال بنى اميه ياخذون الجزيه ممن اسلم من اهل الذمه، و يقولون: هولاء فروا من الجزيه، و ياخذون الصدقه من الخيل، و ربما دخلوا دار الرجل قد نفق فرسه او باعه، فاذا ابصروا الاخيه، قالوا: قد كان هاهنا فرس، فهات صدقتها، و كانوا يوخرون صلاه الجمعه تشاغلا عنها بالخطبه، و يطيلون فيها، الى ان تتجاوز وقت العصر، و تكاد الشمس تصفر فعل ذلك الوليد بن عبدالملك و يزيد اخوه و الحجاج عاملهم، و وكل بهم الحجاج المسالخ معه و السيوف على رئوسهم، فلايستطيعون ان يصلوا الجمعه فى وقتها.

و قال الحسن البصرى: وا عجبا من اخيفش اعيمش! جائنا ففتننا عن ديننا، و صعد على منبرنا، فيخطب و الناس يلتفتون الى الشمس فيقول: ما بالكم تلتفتون الى الشمس! انا و الله ما نصلى للشمس، انما نصلى لرب الشمس! افلا تقولون: يا عدو الله، ان لله حقا بالليل لايقبله بالنهار، و حقا بالنهار لايقبله بالليل، ثم يقول الحسن: و كيف يقولون ذلك و على راس كل واحد منهم علج قائم بالسيف! قال: و كانوا يسبون ذرارى الخوارج من العرب و غيرهم، لما قتل قريب و زحاف الخارجيان، سبى زياد ذراريهما، فاعطى شقيق بن ثور السدوسى احدى بناتهما، و اعطى عباد بن حصين الاخرى.

و سبيت بنت لعبيده بن هلال اليشكرى، و بنت لقطرى بن الفجائه المازنى، فصارت هذه الى العباس بن الوليد بن عبدالملك و اسمها ام سلمه، فوطئها بملك اليمين على رايهم، فولدت له المومل، و محمدا، و ابراهيم، و احمد، و حصينا بنى عباس بن الوليد بن عبدالملك.

و سبى واصل بن عمرو القنا و استرق، و سبى سعيد الصغير الحرورى و استرق، و ام يزيد بن عمر بن هبيره، و كانت من سبى عمان الذين سباهم مجاعه، و كانت بنواميه تبيع الرجل فى الدين يلزمه و ترى انه يصير بذلك رقيقا.

كان معن ابوعمير بن معن الكاتب حرا مولى لبنى العنبر، فبيع فى دين عليه، فاشتراه ابوسعيد بن زياد بن عمرو العتكى، و باع الحجاج على بن بشير بن الماحوز لكونه قتل رسول المهلب على رجل من الازد.

فاما الكعبه فان الحجاج فى ايام عبدالملك هدمها، و كان الوليد بن يزيد يصلى اذا صلى اوقات افاقته من السكر ال ى غير القبله، فقيل له، فقرا: (فاينما تولوا فثم وجه الله).

و خطب الحجاج بالكوفه فذكر الذين يزورون قبر رسول الله (ص) بالمدينه، فقال: تبا لهم! انما يطوفون باعواد و رمه باليه هلا طافوا بقصر اميرالمومنين عبدالملك! الا يعلمون ان خليفه المرء خير من رسوله! قال: و كانت بنواميه تختم فى اعناق المسلمين كما توسم الخيل علامه لاستعبادهم.

و بايع مسلم بن عقبه اهل المدينه كافه، و فيها بقايا الصحابه و اولادها و صلحاء التابعين على ان كلا منهم عبد قن لاميرالمومنين يزيد بن معاويه، الا على بن الحسين (ع)، فانه بايعه على انه اخوه و ابن عمه.

قال: و نقشوا اكف المسلمين علامه لاسترقاقهم، كما يصنع بالعلوج من الروم و الحبشه.

و كانت خطباء بنى اميه تاكل و تشرب على المنبر يوم الجمعه لاطالتهم فى الخطبه، و كان المسلمون تحت منبر الخطبه ياكلون و يشربون.

قال ابوعثمان: و يفخر بنوالعباس على بنى مروان، و هاشم على عبدشمس، بان الملك كان فى ايديهم فانتزعوه منهم، و غلبوهم بالبطش الشديد، و بالحيله اللطيفه، ثم لم ينزعوه الا من يد اشجعهم شجاعه، و اشدهم تدبيرا و ابعدهم غورا، و من نشا فى الحروب و ربى فى الثغور، و من لايعرف الا الفتوح و سياسه الجنود، ثم اعطى الوفاء من اصحابه و الصبر من قواده، فلم يغدر منهم غادر، و لا قصر منهم مقصر، كما قد بلغك عن حنظله بن نباته، و عامر بن ضباره، و يزيد بن عمر بن هبيره، و لااحد من سائر قواده حتى من احبابه و كتابه كعبد الحميد الكاتب، ثم لم يلقه، و لا لقى تلك الحروب فى عامه تلك الايام الا رجال ولد العباس بانفسهم، و لا قام باكثر الدوله الا مشايخهم كعبد الله بن على، و صالح بن على، و داود بن على، و عبدالصمد بن على، و قد لقيهم المنصور نفسه.

قال: و تفخر هاشم ايضا عليهم بقول النبى (ص)- و هو الصادق المصدق: (نقلت من الاصلاب الزاكيه، الى الارحام الطاهره، و ما افترقت فرقتان الا كنت فى خيرهما).

و قال ايضا: (بعثت من خيره قريش).

و معلوم ان بنى عبدمناف افترقوا فكانت هاشم و المطلب يدا، و عبدشمس و نوفل يدا.

قال: و ان كان الفخر بكثره العدد فانه من اعظم مفاخر العرب، فولد على بن عبدالله بن العباس اليوم مثل جميع بنى عبدشمس، و كذلك ولد الحسين بن على (ع)، هذا مع قرب ميلادهما، و قد قال النبى (ص): شوهاء ولود خير من حسناء عقيم.

و قال: (انا مكاثر بكم الامم).

و قد روى الشعبى عن جابر بن عبدالله ان النبى (ص) قدم من سفر، فاراد الرجال ان يطرقوا النساء ليلا، فقال : (امهلوا حتى تمتشط الشعثه، و تستحد المغيبه، فاذا قدمتم فالكيس الكيس).

قالوا: ذهب الى طلب الولد، و كانت العرب تفخر بكثره الولد، و تمدح الفحل القبيس، و تذم العاقر و العقيم.

و قال عامر بن الطفيل يعنى نفسه: ليس الفتى ان كنت اعور عاقرا جبانا فما عذرى لدى كل محضر و قال علقمه بن علاثه يفخر على عامر: آمنت و كفر، و وفيت و غدر، و ولدت و عقر.

و قال الزبرقان: فاسال بنى سعد و غيرهم يوم الفخار فعندهم خبرى اى امرى ء انا حين يحضرنى رفد العطاء و طالب النصر و اذا هلكت تركت وسطهم ولدى الكرام و نابه الذكر.

و قال طرفه بن العبد: فلو شاء ربى كنت قيس بن خالد و لو شاء ربى كنت عمرو بن مرثد فاصبحت ذا مال كثير و عادنى بنون كرام ساده لمسود و مدح النابغه الذبيانى ناسا فقال: لم يحرموا طيب النساء و امهم طفحت عليك بناتق مذكار و قال نهشل بن حرى: على بنى يشد الله عظمهم و النبع ينبت قضبانا فيكتهل و مكث الفرزدق زمانا لايولد له فعيرته امراته، فقال: قالت اراه واحدا لا اخا له يومله فى الوارثين الاباعد لعلك يوما ان ترينى كانما بنى حوالى الليوث الحوارد فان تميما قبل ان يلد الحصا اقام زمانا و هو فى الناس وا حد و قال الاخر، و قد مات اخوته، و ملا حوضه ليسقى، فجاء رجل صاحب عشيره و عتره، فاخذ، بضبعه فنحاه، ثم قال لراعيه: اسق ابلك: لو كان حوض حمار ما شربت به الا باذن حمار آخر الابد لكنه حوض من اودى باخوته ريب المنون فامسى بيضه البلد لو كان يشكى الى الاموات ما لقى ال حياء بعدهم من قله العدد اشتكيت لاشكانى و انجدنى قبر بسنجار او قبر على فحد و قال الاعشى و هو يذكر الكثره: و لست بالاكثر منهم حصى و انما العزه للكاثر قال: و قد ولد رجال من العرب كل منهم يلد لصلبه اكثر من مائه، فصاروا بذلك مفخرا، منهم عبدالله بن عمير الليثى، و انس بن مالك الانصارى، و خليفه بن بر السعدى، اتى على عامتهم الموت الجارف.

و مات جعفر بن سليمان بن على بن عبدالله بن العباس عن ثلاثه و اربعين ذكرا و خمس و ثلاثين امراه كلهم لصلبه، فما ظنك بمن مات من ولده فى حياته! و ليس طبقه من طبقات الاسنان الموت اليها اسرع، و فيها اعم و افشى من سن الطفوليه، و امر جعفر بن سليمان قد عاينه عالم من الناس، و عامتهم احياء، و ليس خبر جعفر كخبر غيره من الناس.

قال الهيثم بن عدى: افضى الملك الى ولد العباس، و جميع ولد العباس يومئذ من الذكور ثلاثه و اربعون رج لا، و مات جعفر بن سليمان وحده عن مثل ذلك العدد من الرجال.

و ممن قرب ميلاده و كثر نسله حتى صار كبعض القبائل و العمائر ابوبكر صاحب رسول الله (ص)، و المهلب بن ابى صفره، و مسلم بن عمرو الباهلى، و زياد بن عبيد امير العراق، و مالك بن مسمع.

و ولد جعفر بن سليمان اليوم اكثر عددا من اهل هذه القبائل.

و اربعه من قريش ترك كل واحد منهم عشره بنين مذكورين معروفين و هم: عبدالمطلب بن هاشم، و المطلب بن عبدمناف، و اميه بن عبد شمس و المغيره بن المغيره بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، و ليس على ظهر الارض هاشمى الا من ولد عبدالمطلب، و لايشك احد ان عدد الهاشميين شبيه بعدد الجميع، فهذا ما فى الكثره و القله.

قلت: رحم الله اباعثمان! لو كان حيا اليوم لراى ولد الحسن و الحسين (ع) اكثر من جميع العرب الذين كانوا فى الجاهليه على عصر النبى (ص) المسلمين منهم و الكافرين لانهم لو احصوا لما نقص ديوانهم عن مائتى الف انسان.

قال ابوعثمان: و ان كان الفخر بنبل الراى، و صواب القول، فمن مثل عباس بن عبدالمطلب و عبدالله بن العباس! و ان كان فى الحكم و السودد و اصاله الراى و الغناء العظيم فمن مثل عبدالمطلب! و ان كان الى الفقه و العلم بالتاويل و معرفه التاويل و ا لى القياس السديد و الى الالسنه الحداد و الخطب الطوال، فمن مثل على بن ابى طالب (ع) و عبدالله بن عباس! قالوا: خطبنا عبدالله بن عباس خطبه بمكه ايام حصار عثمان لو شهدها الترك و الديلم لاسلموا.

و فى عبدالله بن العباس يقول حسان بن ثابت: اذا قال لم يترك مقالا لقائل بملتقطات لاترى بينها فضلا شفى و كفى ما فى النفوس فلم يدع لذى اربه فى القول جدا و لا هزلا و هو البحر، و هو الحبر، و كان عمر يقول له فى حداثته عند اجاله الراى: غص يا غواص، و كان يقدمه على جله السلف.

قلت: ابى ابوعثمان الا اعراضا عن على (ع)، هلا قال فيه كما قال فى عبدالله! فلعمرى لو اراد لوجد مجالا، و لالفى قولا وسيعا، و هل تعلم الناس الخطب و العهود و الفصاحه الا من كلام على (ع)! و هل اخذ عبدالله رحمه الله الفقه و تفسير القرآن الا عنه! فرحم الله اباعثمان، لقد غلبت البصره و طينتها على اصابه رايه! قال ابوعثمان: و ان كان الفخر فى البساله و النجده و قتل الاقران و جرز الفرسان، فمن كحمزه بن عبدالمطلب و على بن ابى طالب! و كان الاحنف اذا ذكر حمزه قال: اكيس، و كان لايرضى ان يقول: شجاع، لان العرب كانت تجعل ذلك اربع طبقات، فتقول: شجاع، فاذا كان فوق ذلك قالت: بط ل، فاذا كان فوق ذلك قالت: بهمه، فاذا كان فوق ذلك قالت: اكيس.

و قال العجاج: اكيس عن حوبائه سخى و هل اكثر ما يعد الناس من جرحاهما و صرعاهما الا سادتكم و اعلامكم! قتل حمزه و على (ع) عتبه و الوليد، و قتلا شيبه ايضا، شركا عبيده بن الحارث فيه، و قتل على (ع) حنظله بن ابى سفيان.

فاما آباء ملوككم من بنى مروان فانهم كما قال عبدالله بن الزبير لما اتاه خبر المصعب: انا و الله ما نموت حبجا كما يموت آل ابى العاص، و الله ما قتل منهم قتيل فى جاهليه و لا اسلام، و ما نموت الا قتلا، قعصا بالرماح، و موتا تحت ظلال السيوف.

قال ابوعثمان: كانه لم يعد قتل معاويه بن المغيره بن ابى العاص قتلا، اذ كان انما قتل فى غير معركه، و كذلك قتل عثمان بن عفان، اذ كان انما قتل محاصرا، و لا قتل مروان بن الحكم، لانه قتل خنقا، خنقته النساء.

قال: و انما فخر عبدالله بن الزبير بما فى بنى اسد بن عبد العزى من القتلى، لان من شان العرب ان يفخروا بذلك، كيف كانوا قاتلين او مقتولين، الا ترى انك لاتصيب كثره القتلى الا فى القوم المعروفين بالباس و النجده و بكثره اللقاء و المحاربه، كال ابى طالب، و آل الزبير، و آل المهلب! قال: و فى آل الزبير خاصه سبعه مقتولون فى نسق و لم يوجد ذلك فى غيرهم، قتل عماره و حمزه ابنا عبدالله بن الزبير يوم قديد فى المعركه، قتلهما الاباضيه، و قتل عبدالله بن الزبير فى محاربه الحجاج، و قتل مصعب بن الزبير بدير الجاثليق فى المعركه اكرم قتل، و بازائه عبدالملك بن مروان، و قتل الزبير بوادى السباع منصرفه عن وقعه الجمل، و قتل العوام بن خويلد فى حرب الفجار، و قتل خويلد بن اسد بن عبدالعزى فى حرب خزاعه، فهولاء سبعه فى نسق.

قال: و فى بنى اسد بن عبدالعزى قتلى كثيرون غير هولاء، قتل المنذر بن الزبير بمكه، قتله اهل الشام فى حرب الحجاج، و هو على بغل ورد كان نفر به فاصعد به فى الجبل.

و اياه يعنى يزيد بن مفرغ الحميرى و هو يهجو صاحبكم عبيدالله بن زياد و يعيره بفراره يوم البصره: لابن الزبير غداه تدمر منذرا اولى بكل حفيظه و دفاع و قتل عمرو بن الزبير، قتله اخوه عبدالله بن الزبير، و كان فى جوار اخيه عبيده بن الزبير، فلم يغن عنه فقال الشاعر يحرض عبيده على قتل اخيه عبدالله بن الزبير، و يعيره باخفاره جوار عمرو اخيهما: اعبيد لو كان المجير لولولت بعد الهدو برنه اسماء اعبيد انك قد اجرت و جاركم تحت الصفيح تنوبه الاصداء اضرب بسيفك ضربه مذكوره فيها اداء امانه و و فاء و قتل بجير بن العوام اخو الزبير بن العوام، قتله سعد بن صفح الدوسى جد ابى هريره من قبل امه، قتله بناحيه اليمامه، و قتل معه اصرم و بعلك اخويه ابنى العوام بن خويلد، و قد قتل منهم فى محاربه النبى (ص) قوم مشهورون، منهم زمعه بن الاسود بن المطلب بن اسد بن عبدالعزى، كان شريفا، قتل يوم بدر، و ابوه الاسود، كان المثل يضرب بعزته بمكه، و فيه قال رسول الله (ص) و هو يذكر عاقر الناقه: (كان عزيزا منيعا كابى زمعه)، و يكنى زمعه بن الاسود اباحكيمه، و قتل الحارث بن الاسود بن المطلب يوم بدر ايضا، و قتل عبدالله بن حميد بن زهير بن الحارث بن الاسود بن المطلب بن اسد يوم بدر ايضا، و قتل نوفل بن خويلد يوم بدر ايضا، قتله على بن ابى طالب (ع)، و قتل يوم الحره يزيد بن عبدالله بن زمعه بن الاسود، ضرب عنقه مسرف بن عقبه صبرا قال له: بايع لاميرالمومنين يزيد ابن معاويه على انك عبد قن له، قال: بل ابايعه على انى اخوه و ابن عمه، فضرب عنقه.

و قتل اسماعيل بن هبار بن الاسود ليلا: و كان ادعى حيله فخرج مصرخا لمن استصرخه، فقتل، فاتهم به مصعب بن عبدالله بن عبدالرحمن، فاحلفه معاويه خمسين يمينا و خلى سبيله، فقال الشاعر: و لااجيب بليل داعيا ابدا اخشى الغرور كما غر ابن هبار باتوا يجرونه فى الحش منعقرا بئس الهديه لابن العم و الجار و قتل عبدالرحمن بن العوام بن خويلد فى خلافه عمر بن الخطاب فى بعض المغازى، و قتل ابنه عبد الرحمن يوم الدار مع عثمان، فعبدالله بن عبدالرحمن بن العوام بن خويلد قتيل ابن قتيل ابن قتيل ابن قتيل اربعه.

و من قتلاهم عيسى بن مصعب بن الزبير، قتل بين يدى ابيه بمسكن فى حرب عبدالملك، و كان مصعب (يكنى اباعيسى و اباعبدالله و فيه يقول الشاعر): لتبك اباعيسى و عيسى كلاهما موالى قريش كهلها و صميمها و منهم مصعب بن عكاشه بن مصعب بن الزبير، قتل يوم قديد فى حرب الخوارج، و قد ذكره الشاعر فقال: قمن فاندبن رجالا قتلوا بقديد و لنقصان العدد ثم لاتعدلن فيها مصعبا حين يبكى من قتيل باحد انه قد كان فيها باسلا صارما يقدم اقدام الاسد و منهم خالد بن عثمان بن خالد بن الزبير، خرج مع محمد بن عبدالله بن حسن ابن حسن، فقتله ابوجعفر و صلبه.

و منهم عتيق بن عامر بن عبدالله بن الزبير، قتل بقديد ايضا، و سمى عتيقا باسم جده ابى بكر الصديق.

قلت: هذا ايضا من تحامل ابى عثمان، هلا ذكر قتلى الطف و هم عشرون سيدا من بيت واحد قتلوا فى ساعه واحده! و هذا ما لم يقع م ثله فى الدنيا لا فى العرب و لا فى العجم.

و لما قتل حذيفه بن بدر يوم الهبائه و قتل معه ثلاثه او اربعه من اهل بيته ضربت العرب بذلك الامثال و استعظموه، فجاء يوم الطف، (جرى الوادى فطم على القرى).

و هلا عدد القتلى من آل ابى طالب فانهم اذا عدوا الى ايام ابى عثمان كانوا عددا كثيرا اضعاف ما ذكره من قتلى الاسديين! قالوا ابوعثمان: و ان كان الفخر و الفضل فى الجود و السماح فمن مثل عبدالله بن جعفر بن ابى طالب! و من مثل عبيدالله بن العباس بن عبدالمطلب! و قد اعترضت الامويه هذا الموضع فقالت: انما كان عبدالله بن جعفر يهب ما كان معاويه و يزيد يهبان له، فمن فضل جودنا جاد.

قالوا: و معاويه اول رجل فى الارض وهب الف الف درهم، و ابنه اول من ضاعف ذلك، فانه كان يجيز الحسن و الحسين ابنى على (ع) فى كل عام لكل واحد منهما بالف الف درهم، و كذلك كان يجيز عبدالله بن العباس و عبدالله بن جعفر، فلما مات و قام يزيد وفد عليه عبدالله بن جعفر، فقال له: ان اميرالمومنين معاويه كان يصل رحمى فى كل سنه بالف الف درهم، قال: فلك الفا الف درهم، فقال: بابى انت و امى! اما انى ما قلتها لابن انثى قبلك، قال فلك اربعه آلاف الف درهم.

و هذا الاعتراض ساقط، لان ذلك ا ن صح لم يعد جودا و لا جائزه و لا صله رحم، هولاء قوم كان يخافهم على ملكه، و يعرف حقهم فيه، و موقعهم من قلوب الامه، فكان يدبر فى ذلك تدبيرا، و يريع امورا، و يصانع عن دولته و ملكه، و نحن لم نعد قط ما اعطى خلفاء بنى هاشم قوادهم و كتابهم و بنى عمهم جودا، فقد وهب المامون للحسن بن سهل غله عشره آلاف الف فما عد ذلك منه مكرمه، و كذلك كل ما يكون داخلا فى باب التجاره و استماله القلوب، و تدبير الدوله، و انما يكون الجود ما يدفعه الملوك فى الوفود و الخطباء و الشعراء و الاشراف و الادباء و السمار و نحوهم، و لو لا ذلك لكان الخليفه اذا وفى الجند اعطياتهم احتسب ذلك فى جوده فالعمالات شى ء، و الاعطاء على دفع المكروه شى ء و التفضل و الجود شى ء.

ثم ان الذين اعطاهم معاويه و يزيد هو بعض حقهم، و الذى فضل عليهما اكثر مما خرج منهما.

و ان اريد الموازنه بين ملوك بنى العباس و ملوك بنى اميه فى العطاء افتضح بنواميه و ناصروهم فضيحه ظاهره، فان نساء خلفاء بنى عباس اكثر معروفا من رجال بنى اميه، و لو ذكرت معروف ام جعفر وحدها لاتى ذلك على جميع صنائع بنى مروان، و ذلك معروف، و لو ذكر معروف الخيزران و سلسبيل لملئت الطوامير الكثيره به، و ما نظن خالصه مولاتهم الا فوق اجواد اجوادهم، و ان شئت ان تذكر مواليهم و كتابهم فاذكر عيسى بن ماهان، و ابنه عليا، و خالد بن برمك و ابنه يحيى، و ابنه جعفرا و الفضل و كاتبهم منصور بن زياد و محمد بن منصور و فتى العسكر، فانك تجد لكل واحد من هولاء ما يحيط بجميع صنائع بنى عبدشمس.

فاما ملوك الامويه فليس منهم الا من كان يبخل على الطعام، و كان جعفر بن سليمان كثيرا ما يذكر ذلك، و كان معاويه يبغض الرجل النهم على مائدته، و كان المنصور اذا ذكرهم يقول: كان عبدالملك جبارا لا يبالى ما صنع و كان الوليد مجنونا، و كان سليمان همه بطنه و فرجه، و كان عمر اعور بين عميان و كان هشام رجل القوم، و كان لايذكر ابن عاتكه.

و لقد كان هشام مع ما استثناه به يقول: هو الاحول السراق، ما زال يدخل اعطاء الجند شهرا فى شهر، و شهرا فى شهر حتى اخذ لنفسه مقدار رزق سنه و انشده ابوالنجم العجلى ارجوزته التى اولها: الحد لله الوهوب المجزل فما زال يصفق بيديه استحسانا لها حتى صار الى ذكر الشمس، فقال: و الشمس فى الافق كعين الاحول فامر بوج ء عنقه و اخراجه و هذا ضعف شديد، و جهل عظيم.

و قال خاله ابراهيم بن هشام المخزومى: ما رايت من هشام خطا قط الا مرتين: حدا به الحادى مره فقال : ان عليك ايها البختى اكرم من تمشى به المطى فقال: صدقت.

و قال مره: و الله لاشكون سليمان يوم القيامه الى اميرالمومنين عبدالملك.

و هذا ضعف شديد، و جهل مفرط.

و قال ابوعثمان: و كان هشام يقول: و الله انى لاستحيى ان اعطى رجلا اكثر من اربعه آلاف درهم، ثم اعطى عبدالله بن الحسن اربعه آلاف دينار فاعتدها فى جوده و توسعه و انما اشترى بها ملكه: و حصن بها عن نفسه و ما فى يديه.

قال له اخوه مسلمه: اتطمع ان تلى الخلافه و انت بخيل جبان! فقال: و لكنى حليم عفيف، فاعترف بالجبن و البخل، و هل تقوم الخلافه مع واحد منهما! و ان قامت فلا تقوم الا مع الخطر العظيم، و التغرير الشديد.

و لو سلمت من الفساد لم تسلم من العيب.

و لقد قدم المنصور عليهم عمر بن عبدالعزيز بقوله: اعور بين عميان، و زعمتم انه كان ناسكا ورعا تقيا، فكيف و قد جلد خبيب بن عبدالله بن الزبير مائه جلده، و صب على راسه جره من ماء بارد فى يوم شات، حتى كز فمات، فما اقر بدمه، و لاخرج الى وليه من حقه، و لااعطى عقلا و لا قودا، و لاكان خبيب ممن اتت عليه حدود الله و احكامه و قصاصه، فيقال: كان مطيعا باقامتها، و انه ازهق الحد نفسه! و احتسبوا الضرب كان ادبا و تعزيرا، فما عذره فى الم اء البارد فى الشتاء، على اثر جلد شديد! و لقد بلغه ان سليمان بن عبدالملك يوصى، فجاء حتى جلس على طريق من يجلس عنده او يدخل اليه، فقال رجاء بن حيوه فى بعض من يدخل و من يخرج: نشدتك الله ان تذكرنى لهذا الامر، او تشير بى فى هذا الشان، فو الله ما لى عليه من طاقه! فقال له رجاء: قاتلك الله ما احرصك عليها! و لما جاء الوليد بن عبدالملك بنعى الحجاج، قال له الوليد: مات الحجاج يا اباحفص؟ فقال: و هل كان الحجاج الا رجلا منا اهل البيت! و قال فى خلافته: لو لا بيعه فى اعناق الناس ليزيد بن عاتكه لجعلت هذا الامر شورى بين صاحب الاعوص اسماعيل بن اميه بن عمرو بن سعيد الاشدق و بين احمس قريش القاسم بن محمد بن ابى بكر، و بين سالم بن عبدالله بن عمر، فما كان عليه من الضرر و الحرج، و ما كان عليه من الوكف و النقص ان لو قال: بين على بن العباس و على بن الحسين بن على! و على انه لم يرد التيمى و لا العدوى، و انما دبر الامر للاموى، و لم يكن عنده احد من هاشم يصلح للشورى، ثم دبر الامر ليبايع لاخيه ابى بكر بن عبدالعزيز من بعده حتى عوجل بالسم.

و قدم عليه عبدالله بن حسن بن حسن فلما راى كماله و بيانه و عرف نسبه و مركبه و موضعه و كيف ذلك من قلوب المسل مين و فى صدور المومنين لم يدعه يبيت بالشام ليله واحده، و قال له: الحق باهلك، فانك لم تغنهم شيئا هو انفس منك و لا ارد عليهم من حياتك.

اخاف عليك طواعين الشام، و ستلحقك الحوائج على ما تشتهى و تحب.

و انما كره ان يروه و يسمعوا كلامه، فلعله يبذر فى قلوبهم بذرا، و يغرس فى صدورهم غرسا، و كان اعظم خلق قولا بالجبر حتى يتجاوز الجهميه، و يربى على كل ذى غايه، صاحب شنعه، و كان يصنع ذلك الكتب، مع جهله بالكلام و قله اختلافه الى اهل النظر.

و قال له شوذب الخارجى: لم لاتلعن رهطك و تذكر اباك ان كانوا عندك ظلمه فجره؟ فقال عمر: متى عهدك بلعن فرعون! قال: ما لى به عهد.

قال: افيسعك ان تمسك عن لعن فرعون، و لايسعنى ان امسك عن لعن آبائى! فراى انه قد خصمه و قطع حجته، و كذلك يظنه كل من قصر عن مقدار العالم، و جاوز مقدار الجاهل، و اى شبه لفرعون بال مروان و آل ابى سفيان! هولاء قوم لهم حزب و شيعه، و ناس كثير يدينون بتفضيلهم و قد اعتورتهم الشبه فى امرهم، و فرعون على خلاف ذلك، و ضده لا شيعه له و لا حزب و لا نسل و لا موالى و لا صنائع و لا فى امره شبهه.

ثم ان عمر ظنين فى امر اهله فيحتاج الى غسل ذلك عنه بالبرائه منهم، و شوذب ليس بظنين فى امر فرعون ، و ليس الامساك عن لعن فرعون و البرائه منه مما يعرفه الخوارج فكيف استويا عنده! و شكا اليه رجل من رهطه دينا فادحا، و عيالا كثيرا، فاعتل عليه، فقال له: فهلا اعتللت على عبدالله بن الحسن! قال: و متى شاورتك فى امرى! قال: او مشيرا ترانى! قال: او هل اعطيته الا بعض حقه! قال: و لم قصرت عن كله؟ فامر باخراجه ما زال الى ان مات محروما منه.

و كان عمال اهله على البلاد عماله و اصحابه.

و الذى حسن امره، و شبه على الاغنياء حاله، انه قام بعقب قوم قد بدلوا عامه شرائع الدين و سنن النبى (ص)، و كان الناس قبله من الظلم و الجور و التهاون بالاسلام فى امر صغر فى جنبه عاينوا منه، و الفوه عليه، فجعلوه بما نقص من تلك الامور الفظيعه فى عداد الائمه الراشدين، و حسبك من ذلك انهم كانوا يلعنون عليا (ع) على منابرهم، فلما نهى عمر عن ذلك عد محسنا، و يشهد لذلك قول كثير فيه: و ليت فلم تشتم عليا و لم تخف بريا و لم تتبع مقاله مجرم و هذا الشعر يدل على ان شتم على (ع) قد كان لهم عاده، حتى مدح من كف عنه، و لما ولى خالد بن عبدالله القسرى مكه- و كان اذا خطب بها لعن عليا و الحسن و الحسين (ع)- قال عبيدالله بن كثير السهمى: لعن الله من يسب عليا و حسينا م ن سوقه و امام ايسب المطهرون جدودا و الكرام الاباء و الاعمام يامن الطير و الحمام و لا يا من آل الرسول عند المقام! طبت بيتا و طاب اهلك اهلا اهل بيت النبى و الاسلام! رحمه الله و السلام عليهم كلما قام قائم بسلام! و قام عبدالله بن الوليد بن عثمان بن عفان- و كان ممن يناله بزعمهم الى هشام بن عبدالملك، و هو يخطب على المنبر بعرفه- فقال: يا اميرالمومنين، هذا يوم كانت الخلفاء تستحب فيه لعن ابى تراب، فقال هشام: ليس لهذا جئنا، الا ترى ان ذلك يدل على انه قد كان لعنه فيهم فاشيا ظاهرا، و كان عبدالله بن الوليد هذا يلعن عليا (ع) و يقول: قتل جدى جميعا، الزبير و عثمان.

و قال المغيره و هو عامل معاويه يومئذ لصعصعه بن صوحان: قم فالعن عليا، فقام فقال: ان اميركم هذا امرنى ان العن عليا، فالعنوه لعنه الله! و هو يضمر المغيره.

و اما عبدالملك فحسبك من جهله تبديله شرائع الدين و الاسلام، و هو يريد ان يلى امور اصحابها بذلك الدين بعينه، و حسبك من جهله انه راى من ابلغ التدبير فى منع بنى هاشم الخلافه ان يلعن على بن ابى طالب (ع) على منابره، و يرمى بالفجور فى مجالسه، و هذا قره عين عدوه و عير وليه، و حسبك من جهله قيامه على منبر ا لخلافه قائلا: انى و الله ما انا بالخليفه المستضعف و لا بالخليفه المداهن، و لا بالخليفه المافون.

و هولاء سلفه و ائمته، و بشفعتهم قام ذلك المقام، و بتقدمهم و تاسيسهم نال تلك الرياسه، و لو لا العاده المتقدمه، و الاجناد المجنده، و الصنائع القائمه، لكان ابعد خلق الله من ذلك المقام، و اقربهم الى المهلكه ان رام ذلك الشرف.

و عنى بالمستضعف عثمان، و بالمداهن معاويه و بالمافون يزيد بن معاويه، و هذا الكلام نقض لسلطانه و عداوه لاهله و افساد لقلوب شيعته و لو لم يكن من عجز رايه الا انه لم يقدر على اظهار قوته، الا بان يظهر عجز ائمته لكفاك ذلك منه.

فهذا ما ذكرته هاشم لانفسها.

(مفاخر بنى اميه) قالت اميه: لنا من نوادر الرجال فى العقل و الدهاء و الادب و المكر ما ليس لاحد، و لنا من الاجواد و اصحاب الصنائع ما ليس لاحد، زعم الناس ان الدهاه اربعه: معاويه بن ابى سفيان، و زياد و عمرو بن العاص، و المغيره بن شعبه، فمنا رجلان، و من سائر الناس رجلان.

و لنا فى الاجواد سعيد بن العاص، و عبدالله بن عامر، لم يوجد لهما نظير الى الساعه.

و اما نوادر الرجال فى الراى و التدبير فابوسفيان بن حرب، و عبدالملك بن مروان، و مسلمه بن عبدالملك، و على ا نهم يعدون فى الحلماء و الروساء، فاهل الحجاز يضربون المثل فى الحلم بمعاويه، كما يضرب اهل العراق المثل فيه بالاحنف.

فاما الفتوح و التدبير فى الحرب فلمعاويه غير مدافع، و كان خطيبا مصقعا.

و مجربا مظفرا، و كان يجيد قول الشعر اذا آثر ان يقوله، و كان عبدالملك خطيبا حازما مجربا مظفرا، و كان مسلمه شجاعا مدبرا و سائسا مقدما، و كثير الفتوح كثير الادب.

و كان يزيد بن معاويه خطيبا شاعرا، و كان الوليد بن يزيد خطيبا شاعرا، و كان مروان بن الحكم و عبدالرحمن بن الحكم شاعرين، و كان بشر بن مروان شاعرا ناسبا، و اديبا عالما، و كان خالد بن يزيد بن معاويه خطيبا شاعرا، جيد الراى، اديبا كثير الادب، حكيما، و كان اول من اعطى التراجمه و الفلاسفه، و قرب اهل الحكمه و روساء اهل كل صناعه، و ترجم كتب النجوم و الطب و الكيمياء و الحروب و الاداب و الالات و الصناعات.

قالوا: و ان ذكرت الباس و الشجاعه فالعباس بن الوليد بن عبدالملك، و مروان بن محمد، و ابوه محمد بن مروان بن الحكم، و هو صاحب مصعب، و هولاء قوم لهم آثار بالروم لاتجهل، و آثار بارمينيه لاتنكر، و لهم يوم العقر، شهده مسلمه و العباس بن الوليد.

قالوا: و لنا الفتوح العظام، و لنا فارس، و خراسان، و ارمينيه، و سجستان، و افريقيه، و جميع فتوح عثمان، فاما فتوح بنى مروان فاكثر و اعم و اشهر من ان تحتاج الى عدد او الى شاهد.

و الذين بلغوا فى ذلك الزمان اقصى ما يمكن صاحب خف و حافر ان يبلغه، حتى لم يحتجز منهم الا ببحر او خليج بحر او غياض او عقاب او حصون و صياصى ثلاثه رجال: قتيبه بن مسلم بخراسان، و موسى بن نصير بافريقيه، و القاسم بن محمد بن القاسم الثقفى بالسند و الهند، و هولاء كلهم عمالنا و صنائعنا.

و يقال: ان البصره كانت صنائع ثلاثه رجال: عبدالله بن عامر، و زياد، و الحجاج، فرجلان من انفسنا و الثالث صنيعنا.

قالوا: و لنا فى الاجواد و اهل الاقدار بنو عبدالله بن خالد بن اسيد بن اميه: و اخوه خالد و فى خالد يقول الشاعر: الى خالد حتى انحنا بخالد فنعم الفتى يرجى و نعم المومل! و لنا سعيد بن خالد بن عبدالله بن خالد بن اسيد، و هو عقيد الندى، كان يسبت سته اشهر و يفيق سته اشهر، و يرى كحيلا من غير اكتحال، و دهينا من غير تدهين، و له يقول موسى شهوات: اباخالد اعنى سعيد بن خالد اخا العرف لااعنى ابن بنت سعيد و لكننى اعنى ابن عائشه الذى ابو ابويه خالد بن اسيد عقيد الندى ما عاش يرضى به الندى فان مات لم يرض الندى بع قيد قالوا: و انما تمكن فينا الشعر و جاد، ليس من قبل ان الذين مدحونا ما كانوا غير من مدح الناس و لكن لما وجدوا فينا مما يتسع لاجله القول و يصدق فيه القائل.

قد مدح عبدالله بن قيس الرقيات من الناس: آل الزبير عبدالله و مصعبا و غيرهما، فكان يقول كما يقول غيره، فلما صار الينا قال: ما نقموا من بنى اميه الا انهم يحلمون ان غضبوا و انهم معدن الملوك فما تصلح الا عليهم العرب و قال نصيب: من النفر الشم الذين اذا انتجوا اقرت لنجواهم لوى بن غالب يحيون بسامين طورا و تاره يحيون عباسين شوس الحواجب و قال الاخطل: شمس العداوه حتى يستقاد لهم و اعظم الناس احلاما اذا قدروا قالوا: و فينا يقول شاعركم و المتشيع لكم، الكميت بن زيد: فالان صرت الى اميه و الامور لها مصاير.

و فى معاويه يقول ابوالجهم العدوى: نقلبه لنخبر حالتيه فنخبر منهما كرما و لينا نميل على جوانبه كانا اذا ملنا نميل على ابينا و فيه يقول: تريع اليه هوادى الكلام اذا ضل خطبته المهذر قالوا: و اذا نظرتم فى امتداح الشعراء عبدالعزيز بن مروان عرفتم صدق ما نقوله.

قالوا: و فى ارسال النبى (ص) الى اهل مكه عثمان، و استعماله عليها عتاب بن اسيد و هو ابن ا ثنتين و عشرين سنه دليل على موضع المنعه ان تهاب العرب و تعز قريش، و قال النبى (ص) قبل الفتح: (فتيان اضن بهما على النار: عتاب بن اسيد، و جبير بن مطعم) فولى عتابا، و ترك جبير بن مطعم.

و قال الشعبى: لو ولد لى مائه ابن لسميتهم كلهم عبدالرحمن، للذى رايت فى قريش من اصحاب هذا الاسم، ثم عد عبدالرحمن بن عتاب بن اسيد، و عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، و عبدالرحمن بن الحكم بن ابى العاص، فاما عبدالرحمن بن عتاب فانه صاحب الخيل يوم الجمل، و هو صاحب الكف و الخاتم، و هو الذى مر به على و هو قتيل فقال: لهفى عليك يعسوب قريش، هذا اللباب المحض من بنى عبدمناف! فقال له قائل: لشد ما اتيته اليوم يا اميرالمومنين! قال: انه قام عنى و عنه نسوه لم يقمن عنك.

قالوا: و لنا من الخطباء معاويه بن ابى سفيان، اخطب الناس قائما و قاعدا، و على منبر، و فى خطبه نكاح.

و قال عمر بن الخطاب: ما يتصعدنى شى ء من الكلام كما يتصعدنى خطبه النكاح، و قد يكون خطيبا من ليس عنده فى حديثه و وصفه للشى ء احتجاجه فى الامر لسان بارع.

و كان معاويه يجرى مع ذلك كله.

قالوا: و من خطبائنا يزيد بن معاويه، كان اعرابى اللسان، بدوى اللهجه.

قال معاويه: و خطب عنده خطيب فاجاد: لارمينه بالخطيب الاشدق يريد يزيد بن معاويه.

و من خطبائنا سعيد بن العاص، لم يوجد كتحبيره تحبير، و لا كارتجاله ارتجال.

و منا عمرو بن سعيد الاشدق، لقب بذلك لانه حيث دخل على معاويه و هو غلام بعد وفاه ابيه، فسمع كلامه، فقال: ان ابن سعيد هذا الاشدق.

و قال له معاويه: الى من اوصى بك ابوك؟ قال: ان ابى اوصى الى و لم يوص بى، قال: فبم اوصى اليك؟ قال: الا يفقد اخوانه منه الا وجهه.

قالوا: و منا سعيد بن عمرو بن سعيد، خطيب ابن خطيب ابن خطيب تكلم الناس عند عبدالملك قياما و تكلم قاعدا.

قال عبدالملك: فتكلم و انا و الله احب عثرته و اسكاته فاحسن حتى استنطقته، و استزدته و كان عبدالملك خطيبا، خطب الناس مره فقال: ما انصفتمونا معشر رعيتنا، طلبتم منا ان نسير فيكم و فى انفسنا سيره ابى بكر و عمر فى انفسهما و رعيتهما، و لم تسيروا فينا و لا فى انفسكم سيره رعيه ابى بكر و عمر فيهما و فى انفسهما، و لكل من النصفه نصيب.

قالوا: فكانت خطبته نافعه.

قالوا: و لنا زياد و عبيدالله بن زياد، و كانا غنيين فى صحه المعانى، و جوده اللفظ و لهما كلام كثير محفوظ.

قالوا: و من خطبائنا سليمان بن عبدالملك و الوليد بن يزيد بن عبدالملك.

و من خطبائنا و نساكنا يزيد بن الولي د الناقص.

قال عيسى بن حاضر: قلت لعمرو بن عبيد: ما قولك فى عمر بن عبدالعزيز؟ فكلح، ثم صرف وجهه عنى.

قلت: فما قولك فى يزيد الناقص؟ فقال: او الكامل، قال بالعدل، و عمل بالعدل، و بذل نفسه و قتل ابن عمه فى طاعه ربه، و كان نكالا لاهله، و نقص من اعطياتهم ما زادته الجبابره، و اظهر البرائه من آبائه، و جعل فى عهده شرطا و لم يجعله جزما، لا و الله لكانه ينطق عن لسان ابى سعيد- يريد الحسن البصرى- قال: و كان الحسن من انطق الناس.

قالوا: و قد قرى ء فى الكتب القديمه: يا مبذر الكنوز، يا ساجدا بالاسحار، كانت ولايتك رحمه بهم، و حجه عليهم.

قالوا: هو يزيد بن الوليد.

و من خطبائنا ثم من ولد سعيد بن العاص عمرو بن خوله، كان ناسبا فصيحا خطيبا.

و قال ابن عائشه الاكبر: ما شهد خطيبا قط الا و لجلج هيبه له و معرفه بانتقاده.

و من خطبائنا عبدالله بن عامر، و عبدالاعلى بن عبدالله بن عامر، و كانا من اكرم الناس، و ابين الناس، كان مسلمه بن عبدالملك يقول: انى لانحى كور عمامتى على اذنى لاسمع كلام عبد الاعلى.

و كانوا يقولون: اشبه قريش نعمه و جهاره و اقتدارا و بيانا بعمرو بن سعيد عبدالاعلى بن عبدالله.

قالوا: و من خطبائنا و رجالنا الوليد بن عبدالملك، و هو الذى كان يقال له فحل بنى مروان، كان يركب معه ستون رجلا لصلبه.

و من ذوى آدابنا و علمائنا و اصحاب الاخبار و روايه الاشعار و الانساب بشر بن مروان امير العراق.

قالوا: و نحن اكثر نساكا منكم، منا معاويه بن يزيد بن معاويه، و هو الذى قيل له فى مرضه الذى مات فيه: لو اقمت للناس ولى عهد؟ قال: و من جعل لى هذا العهد فى اعناق الناس؟ و الله لو لا خوفى الفتنه لما اقمت عليها طرفه عين، و الله لااذهب بمرارتها، و تذهبون بحلاوتها، فقالت له امه: لوددت انك حيضه، قال: انا و الله وددت ذلك.

قالوا: و منا سليمان بن عبدالملك الذى هدم الديماس و رد المسيرين، و اخرج المسجونين، و ترك القريب.

و اختار عمر بن عبدالعزيز، و كان سليمان جوادا خطيبا جميلا صاحب سلامه و دعه و حب للعافيه و قرب من الناس، حتى سمى المهدى، و قيلت الاشعار فى ذلك.

قالوا: و لنا عمر بن عبدالعزيز، شبه عمر بن الخطاب، قد ولده عمر، و باسمه سمى، و هو اشج قريش المذكور فى الاثار المنقوله فى الكتب، العدل فى اشد الزمان، و ظلف نفسه بعد اعتياد النعم، حتى صار مثلا و مفخرا.

و قيل للحسن: اما رويت ان رسول الله (ص) قال: لايزداد الزمان الا شده، و الناس الا شحا، و لاتقوم الساعه الا على شرار الخلق! قال: بلى، قيل: فما بال عمر بن عبدالعزيز و عدله و سيرته! فقال: لابد للناس من متنفس.

و كان مذكورا مع الخطباء، و مع النساك، و مع الفقهاء.

قالوا: و لنا ابنه عبدالملك بن عمر بن عبدالعزيز، كان ناسكا زكيا طاهرا، و كان من اتقى الناس و احسنهم معونه لابيه، و كان كثيرا ما يعظ اباه و ينهاه.

قالوا: و لنا من لانظير له فى جميع اموره، و هو صاحب الاعوص، اسماعيل بن اميه بن عمرو بن سعيد بن العاص، و هو الذى قال فيه عمر بن عبدالعزيز: لو كان الى من الامر شى ء لجعلتها شورى بين القاسم بن محمد و سالم بن عبدالله و صاحب الاعوص.

قالوا: و من نساكنا ابوحراب من بنى اميه الصغرى، قتله داود بن على، و من نساكنا يزيد بن محمد بن مروان، كان لايهدب ثوبا و لايصبغه، و لايتخلق بخلوق، و لااختار طعاما على طعام، ما اطعم اكله، و كان يكره التكلف، و ينهى عنه.

قالوا: و من نساكنا ابوبكر بن عبدالعزيز بن مروان، اراد عمر اخوه ان يجعله ولى عهده لما راى من فضله و زهده فسما فيهما جميعا.

و من نساكنا عبدالرحمن بن ابان بن عثمان بن عفان، كان يصلى كل يوم الف ركعه، و كان كثير الصدقه، و كان اذا تصدق بصدقه قال: اللهم ان هذا لوجهك، فخفف عنى الموت.

فانطلق حاجا، ثم ت صبح بالنوم فذهبوا ينبهونه للرحيل، فوجدوه ميتا، فاقاموا عليه الماتم بالمدينه، و جاء اشعب فدخل الى الماتم و على راسه كبه من طين، فالتدم مع النساء، و كان اليه محسنا.

و من نساكنا عبدالرحمن بن يزيد بن معاويه بن ابى سفيان.

قالوا: فنحن نعد من الصلاح و الفضل ما سمعتموه، و ما لم نذكره اكثر و انتم تقولون: اميه هى الشجره الملعونه فى القرآن، و زعمتم ان الشجره الخبيثه لاتثمر الطيب كما ان الطيب لايثمر الخبيث، فان كان الامر كما تقولون، فعثمان بن عفان ثمره خبيثه.

و ينبغى ان يكون النبى (ص) دفع ابنتيه الى خبيث، و كذلك يزيد بن ابى سفيان صاحب مقدمه ابى بكر الصديق على جيوش الشام، و ينبغى لابى العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله (ص) ان يكون كذلك، و ينبغى لمحمد بن عبدالله المدبج ان يكون كذلك، و ان ولدته فاطمه (ع)، لانه من بنى اميه، و كذلك عبدالله بن عثمان بن عفان سبط رسول الله (ص)، الذى مات بعد ان شدن و نقر الديك عينه فمات، لانه من بنى اميه، و كذلك ينبغى ان يكون عتاب بن اسيد بن ابى العيص بن اميه و ان كان النبى (ص) ولاه مكه ام القرى و قبله الاسلام، مع قوله (ع) (فتيان اضن بهما عن النار: عتاب ابن اسيد، و جبير بن مطعم).

و كذلك ينبغ ى ان يكون عمر بن عبدالعزيز شبيه عمر بن الخطاب كذلك، و كذلك معاويه بن يزيد بن معاويه، و كذلك يزيد بن الناقص، و ينبغى الا يكون النبى ص عد عثمان فى العشره الذين بشرهم بالجنه، و ينبغى ان يكون خالد بن سعيد بن العاص شهيد يوم مرج الصفر و الحبيس فى سبيل الله، و والى النبى (ص) على اليمن، و والى ابى بكر على جميع اجناد الشام، و رابع اربعه فى الاسلام، و المهاجر الى ارض الحبشه كذلك.

و كذلك ابان بن سعيد بن العاص المهاجر الى المدينه، و القديم فى الاسلام، و الحبيس على الجهاد، و يجب ان يكون ملعونا خبيثا، و كذلك ابوحذيفه بن عتبه بن ربيعه، و هو بدرى من المهاجرين الاولين، و كذلك امامه بنت ابى العاص بن الربيع، و امها زينب بنت رسول الله (ص)، و كذلك ام كلثوم بنت عقبه بن ابى معيط، و كان النبى (ص) يخرجها من المغازى، و يضرب لها بسهم، و يصافحها، و كذلك فاطمه بنت ابى معيط، و هى من مهاجره الحبشه.

قالوا: و مما نفخر به و ليس لبنى هاشم مثله، ان منا رجلا ولى اربعين سنه منها عشرون سنه خليفه، و هو معاويه بن ابى سفيان.

و لنا اربعه اخوه خلفاء: الوليد، و سليمان، و هشام، بنو عبدالملك، و ليس لكم و يزيد، الا ثلاثه اخوه: محمد، و عبدالله و ابى اسحاق اولاد هارون.

قالوا: و منا رجل ولد سبعه من الخلفاء و هو عبدالله بن يزيد بن عبدالملك بن مروان، ابوه يزيد بن عاتكه، خليفه، و جده عبدالملك خليفه، و ابوجده مروان الحكم خليفه، و جده من قبل عاتكه ابنه يزيد بن معاويه ابوها يزيد بن معاويه و هو خليفه، و معاويه بن ابى سفيان و هو خليفه، فهولاء خمسه و ام عبدالله هذا عاتكه بنت عبدالله بن عثمان بن عفان، و حفصه بنت عبدالله بن عمر بن الخطاب، فهذان خليفتان، فهذه سبعه من الخلفاء ولدوا هذا الرجل.

قالوا: و منا امراه ابوها خليفه، و جدها خليفه، و ابنها خليفه، و اخوها خليفه، و بعلها خليفه، فهولاء خمسه، و هى عاتكه بنت يزيد بن معاويه بن ابى سفيان، ابوها يزيد بن معاويه خليفه، و جدها معاويه بن ابى سفيان خليفه، و ابنها يزيد بن عبدالملك بن مروان خليفه، و اخوها معاويه بن يزيد خليفه، و بعلها عبدالملك بن مروان خليفه.

قالوا: و من ولد المدبج محمد بن عبدالله الاصغر امراه ولدها النبى (ص) و ابوبكر و عمر و عثمان و على و طلحه و الزبير، و هى عائشه بنت محمد بن عبدالله بن عمر بن عثمان بن عفان، و امها خديجه بنت عثمان بن عروه بن الزبير، و ام عروه اسماء ذات النطاقين بنت ابى بكر الصديق، و ام محمد بن عبدال له بن عمرو بن عثمان و هو المدبج- فاطمه بنت الحسين بن على (ع)، و ام الحسين بن على (ع) فاطمه بنت رسول الله (ص) و ام فاطمه بنت الحسين بن على (ع) ام اسحاق بنت طلحه بن عبدالله، و ام عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان ابنه عبدالله بن عمر بن الخطاب.

قالوا: و لنا فى الجمال و الحسن ما ليس لكم، منا المدبج، و الديباج، قيل ذلك لجماله.

و منا المطرف، و منا الارجوان، فالمطرف و هو عبدالله بن عمرو بن عثمان، سمى المطرف لجماله، و فيه يقول الفرزدق: نما الفاروق انك و ابن اروى ابوك فانت منصدع النهار و المدبج هو الديباج، كان اطول الناس قياما فى الصلاه، و هلك فى سجن المنصور.

قالوا: و منا ابن الخلائف الاربعه، دعى بذلك و شهر به، و هو المومل بن العباس بن الوليد بن عبدالملك، كان هو و اخوه الحارث ابنى العباس بن الوليد من الفجائه بنت قطرى بن الفجائه، امام الخوارج، و كانت سبيت فوقعت اليه، فلما قام عمر بن عبدالعزيز اتت وجوه بنى مازن و فيهم حاجب بن ذبيان المازنى الشاعر، فقال حاجب: اتيناك زوارا و وفدا الى التى اضائت فلايخفى على الناس نورها ابوها عميد الحى جمعا و امها من الحنظليات الكرام حجورها فان تك صارت حين صارت فانها الى نسب زاك كرام نفيرها فبعث عمر بن عبدالعزيز الى العباس بن الوليد اما ان تردها الى اهلها، و اما ان تزوجها، فقال قائل ذات يوم للمومل: يابن الخلائف الاربعه، قال: ويلك من الرابع! قال: قطرى، فاما الثلاثه فالوليد و عبدالملك و مروان، و اما قطرى فبويع بالخلافه، و فيه يقول الشاعر: و ابو نعامه سيد الكفار قالوا: و من اين صار محمد بن على بن عبدالله بن العباس احق بالدعوه و الخلافه من سائر اخوته! و من اين كان له ان يضعها فى بيته دون اخوته! و كيف صار بنو الاخ احق بها من الاعمام! و قالوا: ان يكن هذا الامر انما يستحق بالميراث، فالاقرب الى العباس احق، و ان كان بالسن و التجربه فالعمومه بذلك اولى.

قالوا: فقد ذكرنا جملا من حال رجالنا فى الاسلام، و اما الجاهليه فلنا الاعياص و العنابس.

و لنا ذو العصابه ابواحيحه سعيد بن العاص كان اذا اعتم لم يعتم بمكه احد، و لنا حرب بن اميه رئيس يوم الفجار، و لنا ابوسفيان بن حرب رئيس احد و الخندق، و سيد قريش كلها فى زمانه.

و قال ابوالجهم بن حذيفه العدوى لعمر حين راى العباس و اباسفيان على فراشه دون الناس: ما نرانا نستريح من بنى عبدمناف على حال! قال عمر: بئس اخو العشيره انت! هذا عم رسول الله (ص)، و هذا سي د قريش.

قالوا: و لنا عتبه بن ربيعه، ساد مملقا، و لايكون السيد الا مترفا، لو لا ما راوا عنده من البراعه و النبل و الكمال.

و هو الذى لما تحاكمت بجيله و كلب فى منافره جرير و الفرافصه، و تراهنوا بسوق عكاظ، و صنعوا الرهن على يده دون جميع من شهد على ذلك المشهد، و قال رسول الله (ص)، و نظر الى قريش مقبله يوم بدر: (ان يكن منهم عند احد خير فعند صاحب الجمل الاحمر)، و ما ظنك بشيخ طلبوا له من جميع العسكر عند المبارزه بيضه فلم يقدروا على بيضه يدخل راسه فيها، و قد قال الشاعر: و انا اناس يملا البيض هامنا قالوا: و اميه الاكبر صنفان: الاعياص و العنابس، قال الشاعر: من الاعياص او من آل حرب اغر كغره الفرس الجواد سموا بذلك فى حرب الفجار حين حفروا لارجلهم الحفائر و ثبتوا فيها، و قالوا: نموت جميعا او نظفر.

و انما سموا بالعنابس لانها اسماء الاسود، و انما سموا الاعياص لانها اسماء الاصول، فالعنابس: حرب و سفيان و ابوسفيان و عمرو، و الاعياص: العيص، و ابوالعيص، و العاص، و ابوالعاص و ابوعمرو و لم يعقب من العنابس الا حرب و ما عقب الاعياص الا العيص، و لذلك كان معاويه يشكو القله.

قالوا: و ليس لبنى هاشم و المطلب مثل هذه القسمه، و لا مثل ه ذا اللقب المشهور.

و هذا ما قالته اميه عن نفسها.

(ذكر الجواب عما فخرت به بنواميه) و نحن نذكر ما اجاب به ابوعثمان عن كلامهم، و نضيف اليه من قبلنا امورا لم يذكرها، فنقول: قالت هاشم: اما ذكرتم من الدهاء و المكر فان ذلك من اسماء فجار العقلاء، و ليس من اسماء اهل الصواب فى الراى من العقلاء و الابرار، و قد بلغ ابوبكر و عمر من التدبير و صواب الراى، و الخبره بالامور العامه، و ليس من اوصافهما و لا من اسمائهما ان يقال: كانا داهيين، و لا كانا مكيرين.

و ما عامل معاويه و عمرو بن العاص عليا (ع) قط بمعامله الا و كان على (ع) اعلم بها منهما و لكن الرجل الذى يحارب و لايستعمل الا ما يجل له اقل مذاهب فى وجوه الحيل و التدبير من الرجل الذى يستعمل ما يحل و ما لايحل، و كذلك من حدث و اخبر، الا ترى ان الكذاب ليس لكذبه غايه، و لا لما يولد و يصنع نهايه، و الصدوق انما يحدث عن شى ء معروف، و معنى محدود! و يدل على ما قلنا انكم عددتم اربعه فى الدهاء، و ليس واحد منهم عند المسلمين فى طريق المتقين، و لو كان الدهاء مرتبه و المكر منزله لكان تقدم هولاء الجميع السابقين الاولين، عيبا شديدا فى السابقين الاولين و لو ان انسانا اراد ان يمدح ابابكر و عمر و عثمان و عليا ثم قال: الدهاه اربعه، و عدهم، لكان قد قال قولا مرغوبا عنه، لان الدهاء و المكر ليس من صفات الصالحين، و ان علموا من غامض الامور ما يجهله جميع العقلاء الا ترى انه قد يحسن ان يقال: كان رسول الله (ص) اكرم الناس، و احلم الناس، و اجود الناس و اشجع الناس و لا يجوز ان يقال: كان امكر الناس، و ادهى الناس، و ان علمنا ان علمه قد احاط بكل مكر و خديعه، و بكل ادب و مكيده! و اما ما ذكرتم من جود سعيد بن العاص و عبدالله بن عامر، فاين انتم من عبدالله بن جعفر، و عبيدالله بن العباس، و الحسن بن على! و اين انتم من جود خلفاء بنى العباس، كمحمد المهدى، و هارون، و محمد بن زبيده، و عبدالله المامون، و جعفر المقتدر! بل لعل جود بعض صنائع هولاء كبنى برمك و بنى الفرات، اعظم من جود الرجلين اللذين ذكرتموهما، بل من جميع ما جاء به خلفاء بنى اميه.

و اما ما ذكرتم من حلم معاويه، فلو شئنا ان نجعل جميع ساداتنا حلماء لكانوا محتملين لذلك، و لكن الوجه فى هذا الا يشتق للرجل اسم الا من اشرف اعماله و اكرم اخلاقه، و الا ان يتبين بذلك عند اصحابه حتى يصير بذلك اسما يسمى به، و يصير معروفا به، كما عرف الاحنف بالحلم، و كما عرف حاتم بالجود، و ك ذلك هرم، قالوا: هرم الجواد، و لو قلتم: كان ابوالعاص بن اميه احلم الناس، لقلنا: و لعله يكون قد كان حليما، و لكن ليس كل حلم يكون صاحبه به مذكورا، و من اشكاله بائنا.

و انكم لتظلمون خصومكم فى تسميتكم معاويه بالحلم، فكيف من دونه، لان العرب تقول: احلم الحلمين الا يتعرض ثم يحلم، و لم يكن فى الارض رجل اكثر تعرضا من معاويه، و التعرض هو السفه، فان ادعيتم ان الاخبار التى جائت فى ترضه كلها باطله، فان لقائل ان يقول، و كل خبر رويتموه فى حلمه باطل، و لقد شهر الاحنف بالحلم، و لكنه تكلم بكلام كثير يجرح فى الحلم و يثلم فى العرض، و لايستطيع احد ان يحكى عن العباس بن عبدالمطلب و لا عن الحسن بن على بن ابى طالب لفظا فاحشا، و لا كلمه ساقطه و لا حرفا واحدا مما يحكى عن الاحنف و معاويه.

و كان المامون احلم الناس، و كان عبدالله السفاح احلم الناس.

و بعد فمن يستطيع ان يصف هاشما او عبدالمطلب بالحلم دون غيره من الاخلاق و الافعال حتى يسميه بذلك، و يخص به دون كل شى ء فيه من الفضل! و كيف و اخلاقهم متساويه، و كلها فى الغايه! و لو ان رجلا كان اظهر الناس زهدا، و اصدقهم للعدو لقاء، و اصدق الناس لسانا، و اجود الناس كفا، و افصحهم منطقا، و كان بكل ذل ك مشهورا، لمنع بعض، ذلك من بعض، و لما كان له اسم السيد المقدم، و الكامل المعظم، و لم يكن الجواد اغلب على اسمه، و لا البيان و لا النجده.

و اما ما ذكرتم من الخطابه و الفصاحه و السودد و العلم بالادب و النسب، فقد علم الناس ان بنى هاشم فى الجمله ارق السنه من بنى اميه، كان ابوطالب و الزبير شاعرين، و كان ابوسفيان بن الحارث بن عبدالمطلب شاعرا، و لم يكن من اولاد اميه بن عبدشمس لصلبه شاعر، و لم يكن فى اولاد اميه الا ان تعدوا فى الاسلام العرجى من ولد عثمان بن عفان، و عبدالرحمن بن الحكم، فنعد نحن الفضل بن العباس بن عتبه بن ابى لهب، و عبدالله بن معاويه بن جعفر، و لنا من المتاخرين محمد بن الحسين بن موسى المعروف بالرضى، و اخوه ابوالقاسم، و لنا الحمانى، و على بن محمد صاحب الزنج، و كان ابراهيم بن الحسن صاحب باخمرى اديبا شاعرا فاضلا، و لنا محمد بن على بن صالح الذى خرج فى ايام المتوكل.

قال ابو الفرج الاصفهانى: كان من فتيان آل ابى طالب و فتاكهم و شجعانهم و ظرافهم و شعرائهم، و ان عددتم الخطابه و البيان و الفصاحه لم تعدوا كعلى بن ابى طالب (ع)، و لاكعبد الله بن العباس، و لنا من الخطباء زيد بن على بن الحسين، و عبدالله بن معاويه بن ع بدالله بن معاويه بن عبدالله بن جعفر، و جعفر بن الحسين بن الحسن، و داود بن على بن عبدالله بن العباس، و داود و سليمان ابنا جعفر بن سليمان.

قالوا: كان جعفر بن الحسين بن الحسن ينازع زيد بن على بن الحسين فى الوصيه، و كان الناس يجتمعون ليستمعوا محاورتهما، و كان سليمان بن جعفر بن سليمان بن على والى مكه، فكان اهل مكه يقولون: لم يرد علينا امير الا و سليمان ابين منه قاعدا، و اخطب منه قائما.

و كان داود اذا خطب اسحنفر فلم يرده شى ء.

قالوا: و لنا عبدالملك بن صالح بن على، كان خطيبا بليغا، و ساله الرشيد- و سليمان بن ابى جعفر و عيسى بن جعفر حاضران- فقال له: كيف رايت ارض كذا؟ قال: مسافى ريح، و منابت شيح.

قال: فارض كذا، قال: هضبات حمر، و ربوات عفر، حتى اتى على جميع ما ساله عنه، فقال عيسى لسليمان: و الله ما ينبغى لنا ان نرضى لانفسنا بالدون من الكلام.

قالوا: و اما ما ذكرتم من نساك الملوك، فلنا على بن ابى طالب (ع)، و بزهده و بدينه يضرب المثل، و لنا محمد بن الواثق من خلفاء بنى العباس، و هو الملقب بالمهتدى، كان يقول: انى لانف لبنى العباس الا يكون منهم مثل عمر بن عبدالعزيز، فكان مثله و فوقه.

و لنا القادر ابوالعباس بن اسحاق بن المقت در، و لنا القائم عبدالله بن القادر، كانا على قدم عظيمه من الزهد و الدين و النسك، و ان عددتم النساك من غير الملوك فاين انتم عن على بن الحسين زين العابدين! و اين انتم عن على بن عبدالله بن العباس! و اين انتم عن على بن الحسين بن على بن ابى طالب (ع)، الذى كان يقال له: على الخير، و على الاغر، و على العابد، و ما اقسم على الله بشى ء الا و ابر قسمه! و اين انتم عن موسى بن جعفر بن محمد! و اين انتم عن على بن محمد الرضا، لابس الصوف طول عمره، مع سعه امواله، و كثره ضياعه و غلاته! و اما ما ذكرتم من الفتوح، فلنا الفتوح المعتصميه التى سارت بها الركبان، و ضربت بها الامثال و لنا فتوح الرشيد، و لنا الاثار الشريفه فى قتل بابك الخرمى بعد ان دامت فتنته فى دار الاسلام نحو ثلاثين سنه.

و ان شئت ان تعد فتوح الطالبيين بافريقيه و مصر و ما ملكوه من مدن الروم و الفرنج و الجلالقه فى سنى ملكهم، عددت الكثير الجم الذى يخرج عن الحصر، و يحتاج الى تاريخ مفرد يشتمل على جلود كثيره.

فاما الفقه و العلم و التفسير و التاويل فان ذكرتموه لم يكن لكم فيه احد، و كان لنا فيه مثل على بن ابى طالب (ع)، و عبدالله بن العباس، و زيد بن على، و محمد بن على، ابنى على بن الحسين بن على، و جعفر بن محمد الذى ملا الدنيا علمه و فقهه.

و يقال: ان اباحنيفه من تلامذته، و كذلك سفيان الثورى، و حسبك بهما فى هذا الباب، و لذلك نسب سفيان الى انه زيدى المذهب، و كذلك ابوحنيفه.

و من مثل على بن الحسين زين العابدين! و قال الشافعى فى الرساله فى اثبات خبر الواحد: وجدت على بن الحسين و هو افقه اهل المدينه يعول على اخبار الاحاد.

و من مثل محمد بن الحنفيه و ابنه ابى هاشم الذى قرر علوم التوحيد و العدل! و قالت المعتزله: غلبنا الناس كلهم بابى هاشم الاول، و ابى هاشم الثانى! و ان ذكرتم النجده و البساله و الشجاعه فمن مثل على بن ابى طالب (ع)، و قد وقع اتفاق اوليائه و اعدائه على انه اشجع البشر! و من مثل حمزه بن عبدالمطلب اسد الله و اسد رسوله! و من مثل الحسين بن على (ع)! قالوا يوم الطف: ما راينا مكثورا قد افرد من اخوته و اهله و انصاره اشجع منه، كان كالليث المحرب، يحطم الفرسان حطما.

و ما ظنك برجل ابت نفسه الدينه و ان يعطى بيده، فقاتل حتى قتل هو و بنوه و اخوته و بنو عمه بعد بذل الامان لهم، و التوثقه بالايمان المغلظه، و هو الذى سن للعرب الاباء.

و اقتدى بعده ابناء الزبير و بنوالمهلب و غيرهم.

و من لكم مثل محمد و ابراهيم بن عبدالله! و من لكم كزيد بن على، و قد علمتم كلمته التى قالها حيث خرج من عند هشام: ما احب الحياه الا من ذل، فلما بلغت هشاما قال: خارج و رب الكعبه! فخرج بالسيف و نهى عن المنكر، و دعا الى اقامه شعائر الله حتى قتل صابرا محتسبا.

و قد بلغتكم شجاعه ابى اسحاق المعتصم، و وقوفه فى مشاهد الحرب بنفسه حتى فتح الفتوح الجليله.

و بلغتكم شجاعه عبدالله بن على، و هو الذى ازال ملك بنى مروان، و شهد الحروب بنفسه، و كذلك صالح بن على، و هو الذى اتبع مروان بن محمد الى مصر حتى قتله.

قالوا: و ان كان الفضل و الفخر فى تواضع الشريف، و انصاف السيد، و سجاحه الخلق و لين الجانب للعشيره و الموالى، فليس لاحد من ذلك ما لبنى العباس، و لقد سالنا طارق بن المبارك- و هو مولى لبنى اميه و صنيعه من صنائعهم- فقلنا: اى القبيلتين اشد نخوه و اعظم كبرياء و جبريه: ابنو مروان؟ ام بنوالعباس؟ فقال: و الله لبنو مروان فى غير دولتهم، اعظم كبرياء من بنى العباس فى دولتهم و قد كان ادرك الدولتين و لذلك قال شاعرهم: اذا نابه من عبدشمس رايته يتيه فرشحه لكل عظيم و ان تاه تياه سواهم فانما يتيه لنوك او يتيه للوم و من كلامهم: من لم يكن من بنى اميه تياها فهو دعى.

قالوا: و ان كان الكبر مفخرا يمدح به الرجال و يعد من خصال الشرف و الفضل، فمولانا عماره بن حمزه اعظم كبرا من كل اموى كان و يكون فى الدنيا، و اخباره فى كبره و تيهه مشهوره متعالمه.

قالوا: و ان كان الشرف و الفخر فى الجمال و فى الكمال و فى البسطه فى الجسم و تمام القوام، فمن كان كالعباس بن عبدالمطلب! قالوا: راينا العباس يطوف بالبيت و كانه فسطاط ابيض.

و من مثل على بن عبدالله بن العباس و ولده، و كان كل واحد منهم اذا قام الى جنب ابيه كان راسه عند شحمه اذنه، و كانوا من اطول الناس، و انك لتجد ميراث ذلك اليوم فى اولادهم.

ثم الذى رواه اصحاب الاخبار و حمال الاثار فى عبدالمطلب من التمام و القوام و الجمال و البهاء، و ما كان من لقب هاشم بالقمر لجماله، و لانهم يستضيئون برايه، و كما رواه الناس ان عبدالمطلب ولد عشره كان الرجل منهم ياكل فى المجلس الجذعه و يشرب الفرق، و ترد آنفهم قبل شفاههم، و ان عامر بن مالك لما رآهم يطوفون بالبيت كانهم جمال جون قال: بهولاء تمنع مكه، و تشرف مكه! و قد سمعتم ما ذكره الناس من جمال السفاح و حسنه، و كذلك المهدى و ابنه هارون الرشيد، و ابنه محمد بن زبيده و كذلك هارون الواثق، و محمد المنتصر و الزبير المعتز.

قالوا: ما رئى فى العرب و لا فى العجم احسن صوره منه، و كان المكتفى على بن المعتضد بارع الجمال، و لذلك قال الشاعر يضرب المثل به: و الله لا كلمته و لو انه كالشمس او كالبدر او كالمكتفى فجعله ثالث القمرين.

و كان الحسن بن على (ع) اصبح الناس وجها، كان يشبه برسول الله (ص)، و كذلك عبدالله بن الحسن المحض.

قالوا: و لنا ثلاثه فى عصر بنو عم، كلهم يسمى عليا، و كلهم كان يصلح للخلافه بالفقه و النسك و المركب، و الراى، و التجربه، و الحال الرفيعه بين الناس: على بن الحسين بن على، و على بن عبدالله بن العباس، و على بن عبدالله بن جعفر، كل هولاء كان تاما كاملا بارعا جامعا.

و كانت لبابه بنت عبدالله بن العباس عند على بن عبدالله بن جعفر، قالت: ما رايته ضاحكا قط و لا قاطبا، و لاقال شيئا احتاج الى ان يعتذر منه و لاضرب عبدا قط، و لا ملكه اكثر من سنه.

قالوا: و بعد هولاء ثلاثه بنو عم، و هم بنو هولاء الثلاثه، و كلهم يسمى محمدا، كما ان كل واحد من اولئك يسمى عليا، و كلهم يصلح للخلافه، بكرم النسب و شرف الخصال: محمد بن على بن الحسين بن على و محمد بن على بن عبدالله بن العباس و محمد بن على بن عبدالله بن جعفر.

قالوا: كان محمد بن على بن الحسين لايسمع المبتلى الاستعاذه، و كان ينهى الجاريه و الغلام ان يقولا للمسكين: يا سائل، و هو سيد فقهاء الحجاز، و منه و من ابنه جعفر تعلم الناس الفقه، و هو الملقب بالباقر، باقر العلم، لقبه به رسول الله (ص) و لم يخلق بعد، و بشر به، و وعد جابر بن عبدالله برويته، و قال: ستراه طفلا، فاذا رايته فابلغه عنى السلام، فعاش جابر حتى رآه، و قال له: ما وصى به.

و توعد خالد بن عبدالله القسرى هشام بن عبدالملك فى رساله له اليه، و قال: و الله انى لاعرف رجلا حجازى الاصل، شامى الدار، عراقى الهوى، يريد محمد بن على بن عبدالله بن العباس.

قالوا: و اما ما ذكرتم من امر عاتكه بنت يزيد بن معاويه فانا نذكر فاطمه بنت رسول الله (ص)، و هى سيده نساء العالمين، و امها خديجه سيده نساء العالمين، و بعلها على بن ابى طالب سيد المسلمين كافه، و ابن عمها جعفر ذو الجناحين، و ذو الهجرتين، و ابناها الحسن و الحسين سيدا شباب اهل الجنه، وجدهما ابوطالب بن عبدالمطلب اشد الناس عارضه و شكيمه، و اجودهم رايا، و اشهمهم نفسا، و امنعهم لما وراء ظهره، منع النبى (ص) من جميع قريش، ثم بنى هاشم و بنى المطلب، ثم منع بنى اخوانه من بنى اخواته من بنى مخزوم الذين اسلموا، و هو احد الذين سادوا مع الاقلال، و هو مع هذا شاعر خطيب.

و من يطيق ان يفاخر بنى ابى طالب، و امهم فاطمه بنت اسد بن هاشم، و هى اول هاشميه ولدت لهاشمى، و هى التى ربى رسول الله فى حجرها، و كان يدعوها امى و نزل فى قبرها، و كان يوجب حقها كما يوجب حق الام! من يستطيع ان يسامى رجالا ولدهم هاشم مرتين من قبل ابيهم و من قبل امهم.

قالوا: و من العجائب انها ولدت اربعه كل منهم اسن من الاخر بعشر سنين: طالب، و عقيل، و جعفر، و على.

و من الذى يعد من قريش او من غيرهم ما يعده الطالبيون عشره فى نسق، كل واحد منهم عالم زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاك، فمنهم خلفاء و منهم مرشحون: ابن ابن ابن ابن، هكذا الى عشره، و هم الحسن بن على بن محمد بن على بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على (ع)، و هذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب و لا من بيوت العجم.

قالوا: فان فخرتم بان منكم اثنتين من امهات المومنين ام حبيبه بنت ابى سفيان و زينب بنت جحش، و فزينب امراه من بنى اسد بن خزيمه، ادعيتموه بالحلف لا بالولاده، و فينا رجل ولدته امان من امهات المومنين، محمد بن عبدالله بن الحسن المحض، ولدته خديجه ام المومنين، و ام سلمه ام المومنين، و ولدته مع ذلك فاطمه بنت ا لحسين بن على، و فاطمه سيده نساء العالمين ابنه رسول الله (ص)، و فاطمه بنت اسد بنت هاشم، و كان يقال: خير النساء الفواطم و العواتك و هن امهاته.

قالوا: و نحن اذا ذكرنا انسانا فقبل ان نعد من ولده ناتى به شريفا فى نفسه، مذكورا بما فيه دون ما فى غيره، قلتم لنا: عاتكه بنت يزيد، و عاتكه فى نفسها كامراه من عرض قريش، ليس فيها فى نفسها خاصه امر تستوجب به المفاخره.

و نحن نقول: منا فاطمه، و فاطمه سيده نساء العالمين، و كذلك امها خديجه الكبرى، و انما تذكران مع مريم بنت عمران و آسيه بنت مزاحم اللتين ذكرهما النبى (ص) و ذكر احداهما القرآن، و هن المذكورات من جميع نساء العالم من العرب و العجم.

و قلتم لنا: عبدالله بن يزيد بن عبدالملك بن مروان ولده سبعه من الخلفاء، و عبدالله هذا فى نفسه ليس هناك، و نحن نقول: منا محمد بن على بن عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب بن هاشم، كلهم سيد، و امه العاليه بنت عبيدالله بن العباس، و اخوته داود و صالح و سليمان و عبدالله رجال كلهم اغر محجل، ثم ولدت الروساء ابراهيم الامام و اخويه اباالعباس و اباجعفر، و من جاء بعدهما من خلفاء بنى العباس.

و قلتم: منا عبدالله بن يزيد، و قلنا: منا الحسين بن على سيد شباب اه ل الجنه، و اولى الناس بكل مكرمه، و اطهرهم طهاره، مع النجده و البصيره و الفقه و الصبر و الحلم و الانف، و اخوه الحسن سيد شباب اهل الجنه، و ارفع الناس درجه، و اشبههم برسول الله خلقا و خلقا: و ابوهما على بن ابى طالب.

قال شيخنا ابوعثمان: و هو الذى ترك وصفه ابلغ فى وصفه: اذ كان هذا الكتاب يعجز عنه، و يحتاج الى كتاب يفرد له، و عمهما ذو الجناحين، و امهما، فاطمه و جدتهما خديجه، و اخوالهما: القاسم و عبدالله و ابراهيم، و خالاتهما زينب و رقيه و ام كلثوم و جدتاهما آمنه بنت وهب والده رسول الله (ص)، و فاطمه بنت اسد بن هاشم، و جدهما رسول الله (ص) المخرس لكل فاخر، و الغالب لكل منافر، قل ما شئت، و اذكر اى باب شئت من الفضل، فانك تجدهم قد حووه.

و قالت اميه: نحن لاننكر فخر بنى هاشم و فضلهم فى الاسلام، و لكن لا فرق بيننا فى الجاهليه، اذ كان الناس فى ذلك الدهر لايقولون: هاشم و عبدشمس، و لا هاشم و اميه، بل يقولون: كانوا لايزيدون فى الجميع على عبدمناف، حتى كان ايام تميزهم فى امر على و عثمان فى الشورى، ثم ما كان فى ايام تحزبهم و حربهم مع على و معاويه.

و من تامل الاخبار و الاثار علم انه ما كان يذكر فرق بين البيتين، و انما يقال: بنو عب دمناف، الا ترى ان اباقحافه سمع رجه شديده، و اصواتا مرتفعه، و هو يومئذ شيخ كبير مكفوف، فقال: ما هذا، قالوا: قبض رسول الله (ص)، قال: فما صنعت قريش؟ قالوا: ولوا الامر ابنك، قال: و رضيت بذلك بنو عبدمناف؟ قالوا: نعم.

قال: و رضى بذلك بنو المغيره؟ قالوا: نعم، قال: فلا مانع لما اعطى الله و لامعطى لما منع! و لم يقل: ارضى بذلك بنو عبدشمس؟ و انما جمعهم على عبدمناف لانه كذلك كان يقال.

و هكذا قال ابوسفيان بن حرب لعلى (ع)، و قد سخط اماره ابى بكر: ارضيتم يا بنى عبدمناف ان تلى عليكم تيم! و لم يقل: ارضيتم يا بنى هاشم؟ و كذلك قال خالد بن سعيد بن العاص حين قدم من اليمن و قد استخلف ابوبكر: ارضيتم معشر بنى عبدمناف ان تلى عليكم تيم؟ قالوا: و كيف يفرقون بين هاشم، و عبدشمس و هما اخوان لاب و ام! و يدل على ان امرهما كان واحدا، و ان اسمهم كان جامعا، قول النبى (ص) و صنيعه حين قال: (منا خير فارس فى العرب، عكاشه بن محصن) و كان اسديا، و كان حليفا لبنى عبدشمس، و كل من شهد بدرا من بنى كبير بن داود كانوا حلفاء بنى عبدشمس، فقال ضرار بن الازور الاسدى: ذاك منا يا رسول الله، فقال (ع): (بل هو منا بالحلف)، فجعل حليف بنى عبدشمس حليف بنى هاشم و هذا بين لايحتاج صاحب هذه الصفه الى اكثر منه.

قالوا: و لهذا نكح هذا البيت، فى هذا البيت فكيف صرنا نتزوج بنات النبى و بنات بنى هاشم على وجه الدهر الا و نحن اكفاء، و امرنا واحد! و قد سمعتم اسحاق بن عيسى يقول لمحمد بن الحارث احد بنى عبدالرحمن بن عتاب بن اسيد: لو لا حى اكرمهم الله بالرساله، لزعمت انك اشرف الناس، افلا ترى انه لم يقدم علينا رهطه الا بالرساله! قالت هاشم: قلتم: لو لا انا كنا اكفائكم لما انكحتمونا نسائكم، فقد نجد القوم يستوون فى حسب الاب، و يفترقون فى حسب الانفس، و ربما استووا فى حسب ابى القبيله، كاستواء قريش فى النضر بن كنانه، و يختلفون كاختلاف كعب بن لوى، و عامر بن لوى، و كاختلاف ابن قصى و عبدمناف و عبدالدار و عبدالعزى، و القوم قد يساوى بعضهم بعضا فى وجوه، و يفارقونهم فى وجوه، و يستجيزون بذلك القدر مناكحتهم و ان كانت معانى الشرف لم تتكامل فيهم كما تكاملت فيمن زوجهم، و قد يزوج السيد ابن اخيه و هو حارض ابن حارض على وجه صله الرحم، فيكون ذلك جائزا عندهم، و لوجوه فى هذا الباب كثيره، فليس لكم ان تزعموا انكم اكفاونا من كل وجه، و ان كنا قد زوجناكم و ساويناكم فى بعض الاباء و الاجداد.

و بعد، فانتم فى الجاهليه و ا لاسلام قد اخرجتم بناتكم الى سائر قريش و الى سائر العرب، افتزعمون انهم اكفاوكم عينا بعين! و اما قولكم: ان الحيين كان يقال لهما عبدمناف فقد كان يقال لهما ايضا مع غيرهما من قريش و بنيها: بنوالنضر.

و قال الله تعالى: (و انذر عشيرتك الاقربين)، فلم يدع النبى (ص) احدا من بنى عبدشمس، و كانت عشيرته الاقربون بنى هاشم و بنى المطلب، و عشيرته فوق ذاك عبدمناف و فوق ذلك قصى، و من ذلك ان النبى (ص) لما اتى بعبد الله بن عامر بن كريز بن حبيب بن عبدشمس- و ام عامر بن كريز ام حكيم البيضاء بنت عبدالمطلب بن هاشم- قال (ع): هذا اشبه بنا منه بكم، ثم تفل فى فيه فازدرده، فقال: ارجو ان تكون مشفيا، فكان كما قال.

ففى قوله: (هو اشبه بنا منه بكم) خصلتان: احداهما ان عبدشمس و هاشما لو كانا شيئا واحدا كما ان عبدالمطلب شى ء واحد لما قال: (هو بنا اشبه به منكم)، و الاخرى ان فى هذا القول تفضيلا لبنى هاشم على بنى عبدشمس، الا ترون انه خرج خطيبا جوادا نبيلا و سيدا مشفيا، له مصانع و آثار كريمه، لانه قال: (و هو بنا اشبه به منكم) و اتى عبدالمطلب بعامر بن كريز و هو ابن ابنته ام حكيم البيضاء فتامله، و قال: و عظام هاشم ما ولدنا ولدا احرض منه، فكان كما قال عب دالله يحمق، و لم يقل (و عظام عبدمناف) لان شرف جده عبدمناف له فيه شركاء، و شرف هاشم ابيه خالص له.

فاما ما ذكرتم من قول ابى سفيان و خالد بن سعيد: ارضيتم معشر بنى عبدمناف ان تلى عليكم تيم! فان هذه الكلمه كلمه تحريض و تهييج، فكان الابلغ فيما يريد من اجتماع قلوب الفريقين ان يدعوهم لاب، و ان يجمعهم على واحد، و ان كانا مفترقين، و هذا المذهب سديد، و هذا التدبير صحيح.

قال معاويه بن صعصعه للاشهب بن رميله، و هو نهشلى و للفرزدق بن غالب، و هو مجاشعى و لمسكن بن انيف و هو عبدلى: ارضيتم معشر بنى دارم ان يسب آبائكم و يشتم اعراضكم كلب بنى كليب! و انما نسبهم الى دارم الاب الاكبر المشتمل على آباء قبائلهم ليستووا فى الحميه و يتفقوا على الانف، و هذا فى مثل هذا الموضع تدبير صحيح.

قالوا: و يدل على ما قلنا ما قاله الشعراء فى هذا الباب قبل مقتل عثمان و قبل صفين، قال حسان بن ثابت لابى سفيان الحارث بن عبدالمطلب: و انت منوط نيط فى آل هاشم كما نيط خلف الراكب القدح الفرد لم يقل: (نيط فى آل عبدمناف).

و قال آخر: ما انت من هاشم فى بيت مكرمه و لابنى جمح الخضر الجلاعيد و لم يقل: (ما انت من آل عبدمناف)، و كيف يقول هذا، و قد علم الناس ان عبدمناف ولد اربعه: هاشما و المطلب و عبدشمس و نوفلا، و ان هاشما و المطلب كانا يدا واحده و ان عبدشمس و نوفلا كانا يدا واحده، و كان مما بطا ببنى نوفل عن الاسلام ابطاء اخوتهم من بنى عبدشمس، و كان مما حث بنى المطلب على الاسلام فضل محبتهم لبنى هاشم، لان امر النبى (ص) كان بينا، و انما كانوا يمتنعون منه من طريق الحسد و البغضه، فمن لم يكن فيه هذه العله لم يكن له دون الاسلام مانع، و لذلك لم يصحب النبى (ص) من بنى نوفل احد فضلا ان يشهدوا معه المشاهد الكريمه، و انما صحبه حلفاوهم كيعلى بن منبه و عتبه بن غزوان و غيرهما، و بنوالحارث بن المطلب كلهم بدرى: عبيد، و طفيل، و حصين، و من بنى المطلب مسطح بن اثاثه بدرى.

و كيف يكون الامر كما قلتم و ابوطالب يقول لمطعم بن عدى بن نوفل فى امر النبى (ص)، لما تمالات قريش عليه: جزى الله عنا عبدشمس و نوفلا جزاء مسى ء عاجلا غير آجل امطعم اما سامنى القوم خطه فانى متى اوكل فلست باكل امطعم لم اخذلك فى يوم شده و لا مشهد عند الامور الجلائل و لقد قسم النبى (ص) قسمه فجعلها فى بنى هاشم و بنى المطلب، فاتاه عثمان بن عفان بن ابى العاص بن اميه بن عبدشمس بن عبدمناف، و جبير بن مطعم بن عدى بن نوفل بن عبدمناف، فقالا له: يا رسول الله، ان قرابتنا منك و قرابه بنى المطلب واحده، فكيف اعطيتهم دوننا؟ فقال النبى (ص): (انا لم نزل و بنى المطلب كهاتين)، و شبك بين اصابعه، فكيف تقولون: كنا شيئا واحدا، و كان الاسم الذى يجمعنا واحدا! ثم نرجع الى افتخار بنى هاشم، قالوا: و ان كان الفخر بالايد و القوه، و اهتصار الاقران و مباطشه الرجال، فمن اين لكم محمد بن الحنفيه، و قد سمعتم اخباره و انه قبض على درع فاضله، فجذبها فقطع ذيلها ما استدار منه كله.

و سمعتم ايضا حديث الايد القوى الذى ارسله ملك الروم الى معاويه يفخر به على العرب، و ان محمدا قعد له ليقيمه فلم يستطع فكانما يحرك جبلا، و ان الرومى قعد ليقيمه محمد فرفعه الى فوق راسه، ثم جلد به الارض، هذا مع الشجاعه المشهوره، و الفقه فى الدين و الحلم و الصبر و الفصاحه و العلم بالملاحم و الاخبار عن الغيوب، حتى ادعى له انه المهدى، و قد سمعتم احاديث ابى اسحاق المعتصم، و ان احمد بن ابى داود عض ساعده باسنانه اشد العض فلم يوثر فيه، و انه قال: ما اظن الاسنه و لا السهام توثر فى جسده، و سمعتم ما قيل فى عبدالكريم المطيع، و انه جذب ذنب ثور فاستله من بين وركيه.

و ان كان الفخر بالبشر و طلاقه الاو جه و سجاحه الاخلاق، فمن مثل على بن ابى طالب (ع)، و قد بلغ من سجاحه خلقه و طلاقه وجهه ان عيب بالدعابه! و من الذى يسوى بين عبدشمس و بين هاشم فى ذلك! كان الوليد جبارا، و كان هشام شرس الاخلاق، و كان مروان بن محمد لايزال قاطبا عابسا، و كذلك كان يزيد بن الوليد الناقص، و كان المهدى المنصور اسرى خلق الله و الطفهم خلقا و كذلك محمد الامين و اخوه المامون، و كان السفاح يضرب به المثل فى السرو و سجاحه الخلق.

قالوا: و نحن نعد من رهطنا رجالا لاتعدون امثالهم ابدا، فمنا الامراء بالديلم الناصر الكبير، و هو الحسن الاطروش بن على بن الحسن بن عمر بن على بن عمر الاشرف ابن زيد العابدين، و هو الذى اسلمت الديلم على يده، و الناصر الاصغر و هو احمد بن يحيى بن الحسن بن القاسم بن ابراهيم بن طباطبا، و اخوه محمد بن يحيى، و هو الملقب بالمرتضى و ابوه يحيى بن الحسن و هو الملقب بالهادى.

و من ولد الناصر الكبير الثائر، و هو جعفر بن محمد بن الحسن الناصر الكبير، و هم الامراء بطبرستان و جيلان و جرجان و مازندران و سائر ممالك الديلم، ملكوا تلك الاصقاع مائه و ثلاثين سنه، و ضربوا الدنانير و الدراهم باسمائهم، و خطب لهم على المنابر، و حاربوا الملوك السامان يه، و كسروا جيوشهم، و قتلوا امرائهم، فهولاء واحدهم اعظم كثيرا من ملوك بنى اميه، و اطول مده و اعدل و انصف و اكثر نسكا و اشد حضا على الامر بالمعروف و النهى عن المنكر، و ممن يجرى مجراهم الداعى الاكبر و الداعى الاصغر ملكا الديلم قادا الجيوش.

و اصطنعا الصنائع.

قالوا: و لنا ملوك مصر و افريقيه، ملكوا مائتين و سبعين سنه، فتحوا الفتوح و استردوا ما تغلب عليه الروم من مملكه الاسلام، و اصطنعوا الصنائع الجليله.

و لهم الكتاب و الشعراء و الامراء و القواد، فاولهم المهدى عبيدالله بن ميمون بن محمد بن اسماعيل بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن ابى طالب و آخرهم العاضد و هو عبدالله بن الامير ابى القاسم بن الحافظ ابى الميمون بن المستعلى بن المستنصر بن الطاهر بن الحاكم بن عبدالعزيز بن المعز بن المنصور بن القائم بن المهدى، فان افتخرت الامويه بملوكها فى الاندلس من ولد هشام بن عبدالملك، و اتصال ملكهم و جعلوهم بازاء ملوكنا بمصر و افريقيه، قلنا لهم الا انا نحن ازلنا ملككم بالاندلس، كما ازلنا ملككم بالشام و المشرق كله، لانه لما ملك قرطبه الظافر من بنى اميه و هو سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبدالرحمن الملقب بالناصر، خرج عليه على بن حميد بن ميمون بن احمد بن على بن عبدالله بن عمر بن ادريس بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن على بن ابى طالب (ع)، فقتله، و ازال ملكه.

و ملك قرطبه دار ملك بنى اميه، و يلقب بالناصر.

ثم قام بعده اخوه القاسم بن حمود و يلقب بالمعتلى، فنحن قتلناكم و ازلنا ملككم فى المشرق و المغرب، و نحن لكم على الرصد حيث كنتم، اتبعناكم فقتلناكم و شردناكم كل مشرد، و الفخر للغالب على المغلوب، بهذا قضت الامم قاطبه.

قالوا: و لنا من افراد الرجال من ليس لكم مثله، منا يحيى بن محمد بن على بن عبدالله بن العباس، كان شجاعا جريئا و هو الذى ولى الموصل لاخيه السفاح فاستعرض اهلها، حتى ساخت الاقدام فى الدم.

و منا يعقوب بن ابراهيم بن عيسى بن ابى جعفر المنصور، كان شاعرا فصيحا، و هو المعروف بابى الاسباط، و منا محمد و جعفر ابنا سليمان بن على، كانا اعظم من ملوك بنى اميه، و اجل قدرا و اكثر اموالا و مكانا عند الناس.

و اهدى محمد بن سليمان من البصره الى الخيزران مائه وصيفه فى يد كل واحده منهن جام من ذهب وزنه الف مثقال، مملوء مسكا، و كان لجعفر بن سليمان الفا عبد من السودان خاصه، فكم يكون ليت شعرى غيرهم من البيض و من الاماء! و ما رئى جعفر بن سليمان راكبا قط ال ا ظن انه الخليفه.

و من رجالنا محمد بن السفاح كان جوادا ايدا شديد البطش، قالوا ما رئى اخوان اشد قوه من محمد و ريطه اخته ولدى ابى العباس السفاح، كان محمد ياخذ الحديد فيلويه فتاخذه هى فترده.

و من رجالنا محمد بن ابراهيم طباطبا صاحب بنى السرايا، كان ناسكا عابدا فقيها عظيم القدر عند اهل بيته و عند الزيديه.

و من رجالنا عيسى بن موسى بن محمد بن على بن عبدالله بن العباس، و هو الذى شيد ملك المنصور و حارب ابنى عبدالله بن حسن، و اقام عمود الخلافه بعد اضطرابه، و كان فصيحا اديبا شاعرا.

و من رجالنا عبدالوهاب بن ابراهيم الامام، حج بالناس و ولى الشام، و كان فصيحا خطيبا.

و من رجالنا عبدالله بن موسى الهادى، كان اكرم الناس و جوادا ممدوحا اديبا شاعرا، و اخوه عيسى بن موسى الهادى، كان اكرم الناس، و اجود الناس، كان يلبس الثياب، و قد حدد ظفره فيخرقها بظفره لئلا تعاد اليه.

و عبدالله بن احمد بن عبدالله بن موسى الهادى، و كان اديبا ظريفا.

و من رجالنا عبدالله بن المعتز بالله، كان اوحد الدنيا فى الشعر و الادب و الامثال الحكميه و السودد و الرياسه، كان كما قيل فيه لما قتل: لله درك من ميت بمضيعه ناهيك فى العلم و الاشعار و الخطب ما فيه لو و لا لو لا فتنقصه و انما ادركته حرفه الادب و من رجالنا النقيب ابو احمد الحسين بن موسى لله درك من شيخ بنى هاشم الطالبيين و العباسيين فى عصره، و من اطاعه الخلفاء و الملوك فى اقطار الارض و رجعوا الى قوله، و ابناه على و محمد و هما المرتضى و الرضى، و هما فريدا العصر فى الادب و الشعر و الفقه و الكلام، و كان الرضى شجاعا اديبا شديد الانف.

و من رجالنا القاسم بن عبدالرحيم بن عيسى بن موسى الهادى، كان شاعرا ظريفا.

و من رجالنا القاسم بن ابراهيم طباطبا.

صاحب المصنفات و الورع و الدعاء الى الله و الى التوحيد و العدل و منابذه الظالمين، و من اولاده امراء اليمن.

و من رجالنا محمد الفافاء بن ابراهيم الامام، كان سيدا مقدما، ولى الموسم و حج بالناس، و كان الرشيد يسايره، و هو مقنع بطيلسانه.

و من رجالنا محمد بن محمد بن زيد بن على بن الحسين صاحب ابى السرايا، ساد حدثا، و كان شاعرا اديبا فقيها، يامر بالمعروف و ينهى عن المنكر، و لما اسر و حمل الى المامون اكرمه و افضل عليه، و رعى له فضله و نسبه.

و من رجالنا موسى بن عيسى بن محمد بن على بن عبدالله بن العباس، كنيته ابوعيسى، و هو اجل ولد عيسى و انبلهم، ولى الكوفه و سوادها زمانا طويلا للمهد ى ثم الهادى، و ولى المدينه و افريقيه و مصر للرشيد، قال له ابن السماك لما راى تواضعه: ان تواضعك فى شرفك: لاحب الى من شرفك فقال موسى: ان قومنا- يعنى بنى هاشم- يقولون: ان التواضع احد مصائد الشرف.

و من رجالنا موسى بن محمد اخو السفاح و المنصور، كان نبيلا عندهم، هو و ابراهيم الامام لام واحده، راى فى منامه قبل ان يصير من امرهم ما صار انه دخل بستانا فلم ياخذ الا عنقودا واحدا عليه من الحب المتراص ما ربك به عليم فلم يولد له الا عيسى ثم ولد لعيسى من ظهره احد و ثلاثون ذكرا و عشرون انثى.

و من رجالنا عبدالله بن الحسن بن الحسن بن على بن ابى طالب (ع)، و هو عبدالله المحض، و ابوه الحسن بن الحسن، و امه فاطمه بنت الحسين، و كان اذا قيل: من اجمل الناس؟ قالوا: عبدالله بن الحسن، فاذا قيل: من اكرم الناس؟ قالوا: عبدالله بن الحسن، فاذا قالوا: من اشرف الناس؟ قالوا: عبدالله بن الحسن.

و من رجالنا اخوه الحسن بن الحسن، و عمه زيد بن الحسن و بنوه محمد و ابراهيم و موسى و يحيى، اما محمد و ابراهيم فامرهما مشهور و فضلهما غير مجحود، فى الفقه و الادب و النسك و الشجاعه و السودد.

و اما يحيى صاحب الديلم فكان حسن المذهب و الهدى، مقدما فى اهل بيته، بعي دا مما يعاب على مثله، و قد روى الحديث و اكثر الروايه عن جعفر بن محمد، و روى عن اكابر المحدثين، و اوصى جعفر بن محمد اليه لما حضرته الوفاه و الى ولده موسى بن جعفر، و اما موسى بن عبدالله بن الحسن، فكان شابا نجيبا صبورا شجاعا سخيا شاعرا.

و من رجالنا الحسن المثلث، و هو الحسن بن الحسن بن الحسن بن على بن ابى طالب (ع)، كان متالها فاضلا ورعا، يذهب فى الامر بالمعروف و النهى عن المنكر مذهب اهله.

و ابراهيم بن الحسن بن الحسن بن على بن ابى طالب (ع)، كان مقدما فى اهله، يقال: انه اشبه اهل زمانه برسول الله (ص).

و من رجالنا عيسى بن زيد، و يحيى بن زيد اخوه، و كانا افضل اهل زمانهما شجاعه و زهدا و فقها و نسكا.

و من رجالنا يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد صاحب الدعوه.

كان فقيها فاضلا شجاعا فصيحا شاعرا، و يقال: ان الناس ما احبوا طالبيا قط دعا الى نفسه حبهم يحيى، و لا رثى احد منهم بمثل ما رثى به.

قال ابوالفرج الاصفهانى: كان يحيى فارسا شجاعا شديد البدن، مجتمع القلب، بعيدا عن زهو الشباب و ما يعاب به مثله، كان له عمود حديد ثقيل يصحبه فى منزله، فاذا سخط على عبد او امه من حشمه لواه فى عنقه فلا يقدر احد ان يحله عنه حتى يحله هو.

و من رجالنا محمد بن القاسم بن على بن عمر بن الحسين بن على بن ابى طالب (ع) صاحب الطالقان، لقب بالصوفى لانه لم يكن يلبس الا الصوف الابيض، و كان عالما فقيها، دينا زاهدا، حسن المذهب، يقول بالعدل و التوحيد.

و من رجالنا محمد بن على بن صالح بن عبدالله بن موسى بن حسن بن حسن بن على بن ابى طالب (ع).

كان من فتيان آل ابى طالب و فتاكهم و شجعانهم و ظرفائهم و شعرائهم.

و له شعر لطيف محفوظ.

و منهم احمد بن عيسى بن زيد، كان فاضلا عالما مقدما فى عشيرته، معروفا بالفضل، و قد روى الحديث و روى عنه.

و من رجالنا موسى بن جعفر بن محمد- و هو العبد الصالح- جمع من الفقه و الدين و النسك و الحلم و الصبر.

و ابنه على بن موسى المرشح للخلافه، و المخطوب له بالعهد، كان اعلم الناس، و اسخى الناس، و اكرم الناس اخلاقا.

قالوا: و اما ذكرتم من امر الشجره الملعونه، فان المفسرين كلهم قالوا ذلك و رووا فيه اخبارا كثيره عن النبى (ص)، و لستم قادرين على جحد ذلك، و قد عرفتم تاخركم عن الاسلام و شده عداوتكم للرسول الداعى اليه، و محاربتكم فى بدر و احد و الخندق، و صدكم الهدى عن البيت، و ليس ذلك مما يوجب ان يعمكم اللعن حتى لايغادر واحدا، فان زعم ذلك زاعم فقد تعدى.

و اما اختصاص محمد بن على بالوصيه و الخلافه دون اخوته، فقد علمتم ان وراثه السياده و المرتبه ليس من جنس وراثه الاموال، الا ترى ان المراه و الصبى و المجنون يرثون الاموال و لايرثون المراتب! و سواء فى الاموال، كان الابن حارضا بائرا، او بارعا جامعا.

و قيل: وراثه المقام سبيل وراثه اللواء، دفع رسول الله (ص) لواء بنى عبدالدار الى مصعب بن عمير، و دفع عمر بن الخطاب لواء بنى تميم الى وكيع بن بشر، ثم دفعه الى الاحنف حين لم يوجد فى بنى زراره من يستحق وراثه اللواء، فان كان الامر بالسن فانما كان بين محمد بن على و ابيه على بن عبدالله اربع عشره سنه، كان على يخضب بالسواد، و محمد يخضب بالحمره، فكان القادم يقدم عليهما، و الزائر ياتيهما، فيظن اكثرهم ان محمدا هو على، و ان عليا هو محمد، حتى ربما قيل لعلى: كيف اصبح الشيخ من علته؟ و متى رجع الشيخ الى منزله؟ و اخرى ان امه كانت العاليه بنت عبدالله بن العباس، فقد ولده العباس مرتين، و ولده جواد بنى العباس، كما والده خيرهم و حبرهم و لم يكن لاحد من اخوته مثل ذلك.

و كان بعض ولد محمد اسن من عامه ولد على، و ولد محمد المهدى بن عبدالله المنصور و العباس بن محمد بن على فى عام واحد، و كذلك محمد بن سليمان بن على، و لم يكن لاحد من ولد على بن عبدالله بن العباس- و ان كانوا فضلاء نجباء كرماء نبلاء- مثل عقله و لا كجماله، كان اذا دخل المدينه و مكه جلس الناس على ابواب دورهم و النساء على سطوحهن للنظر اليه، و التعجب من كماله و بهائه، و قد قاتل اخوته اعدائه فى دفع الملك الى ولده غير مكرهين و لا مجبرين، على ان محمدا انما اخذ الامر عن اساس موسس، و قاعده مقرره، و وصيه انتقلت اليه من ابى هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفيه، و اخذها ابوهاشم عن ابيه محمد، و اخذها محمد عن على بن ابى طالب ابيه.

قالوا: لما سمت بنواميه اباهاشم مرض فخرج من الشام وقيذا يوم المدينه، فمر بالحميمه و قد اشفى، فاستدعى محمد بن على بن عبدالله بن العباس فدفع الوصيه اليه، و عرفه ما يصنع، و اخبره بما سيكون من الامر، و قال له: انى لم ادفعها اليك من تلقاء نفسى و لكن ابى اخبرنى عن ابيه على بن ابى طالب (ع) بذلك، و امرنى به و اعلمنى بلقائى اياك فى هذا المكان، ثم مات فتولى محمد بن على تجهيزه و دفنه و بث الدعاه حينئذ فى طلب الامر، و هو الذى قال لرجال الدعوه، و القائمين بامر الدوله، حين اختارهم للتوجه، و انتخبهم للدعاء، و حين قال بعضهم: ندعو بالكوفه و قال بعضهم: بالبصر ه.

و قال بعضهم: بالجزيره.

و قال بعضهم: بالشام.

و قال بعضهم: بمكه و قال بعضهم: بالمدينه.

و احتج كل انسان لرايه و اعتل لقوله- فقال محمد: اما الكوفه و سوادها فشيعه على و ولده، و اما البصره فعثمانيه تدين بالكف، و قبيل عبدالله المقتول يدينون بجميع الفرق، و لايعينون احد، و اما الجزيره فحروريه مارقه و الخارجيه فيهم فاشيه و اعراب كاعلاج، و مسلمون فى اخلاق النصارى و اما الشام فلايعرفون الا آل ابى سفيان و طاعه بنى مروان عداوه راسخه، و جهلا متراكما، و اما مكه و المدينه فقد غلب عليهما ابوبكر و عمر، و ليس يتحرك معنا فى امرنا هذا منهم احد، و لايقوم بنصرنا الا شيعتنا اهل البيت، و لكن عليكم بخراسان، فان هناك العدد الكثير، و الجلد الظاهر، و صدورا سليمه، و قلوبا مجتمعه، لم تتقسمها الاهواء، و لم تتوزعها النحل، و لم تشغلها ديانه، و لا هدم فيها فساد، و ليس لهم اليوم همم العرب، و لا فيهم تجارب كتجارب الاتباع مع السادات، و لاتحالف كتحالف القبائل، و لا عصبيه كعصبيه العشائر، و ما زالوا ينالون و يمتهون، و يظلمون فيكظمون، و ينتظرون الفرج، و يوملون دوله، و هم جند لهم ابدان و اجسام، و مناكب و كواهل، و هامات و لحى، و شوارب و اصوات هائله، و لغات فخمه، تخرج من اجواف منكره.

و بعد، فكانى اتفائل جانب المشرق فان مطلع الشمس سراج الدنيا، و مصباح هذا الخلق.

فجاء الامر كما دبر، و كما قدر، فان كان الراى الذى راى صوابا فقد وافق الرشاد، و طبق المفصل، و ان كان ذلك عن روايه متقدمه، فلم يتلق تلك الروايه الا عن نبوه.

قالوا: و اما قولكم: ان منا رجلا مكث اربعين سنه اميرا و خليفه، فان الاماره لاتعد فخرا مع الخلافه، و لاتضم اليها، و نحن نقول: ان منا رجلا مكث سبعا و اربعين سنه خليفه، و هو احمد الناصر بن الحسن المستضى ء، و منا رجل مكث خمسا و اربعين سنه خليفه، و هو عبدالله القائم و مكث ابوه احمد القادر ثلاثا و اربعين.

سنه خليفه، فملكهما اكثر من ملك بنى اميه كلهم، و هم اربع عشره خليفه.

و يقول الطالبيون: منا رجل مكث ستين سنه خليفه، و هو معد بن الطاهر صاحب مصر، و هذه مده لم يبلغها خليفه و لا ملك من ملوك العرب فى قديم الدهر و لا فى حديثه.

و قلتم لنا: عاتكه بنت يزيد يكتنفها خمسه من الخلفاء، و نحن نقول: لنا زبيده بنت جعفر يكتنفها ثمانيه من الخلفاء، جدها المنصور خليفه، و عم ابيها السفاح خليفه، و عمها المهدى خليفه، و ابن عمها الهادى خليفه، و بعلها الرشيد خليفه، و ابنها الام ين خليفه، و ابنا بعلها المامون و المعتصم خليفتان.

قالوا: و اما ما ذكرتموه من الاعياص و العنابس فلسنا نصدقكم فيما زعمتموه اصلا بهذه التسميه، و انما سموا الاعياص لمكان العيص و ابى العيص و العاص و ابى العاص، و هذه اسماوهم، الاعلام ليست مشتقه من افعال لهم كريمه و لا خسيسه.

و اما العنابس، فانما سموا بذلك لان حرب بن اميه كان اسمه عنبسه، و اما حرب فلقبه، ذكر ذلك النسابون، و لما كان حرب امثلهم سموا جماعتهم باسمه، فقيل: العنابس، كما يقال: المهالبه و المناذره، و لهذا المعنى سمى ابوسفيان بن حرب بن عنبسه، و سمى سعيد بن العاص بن عنبسه.

نامه 029-به مردم بصره

الشرح:

ما لم تغبوا عنه، اى لم تسهوا عنه و لم تغفلوا، يقال: غبيت عن الشى ء اغبى غباوه، اذا لم يفطن و غبى الشى ء على كذلك اذا لم تعرفه، و فلان غبى على (فعيل) اى قليل الفطنه، و قد تغابى، اى تغافل، يقول لهم: قد كان من خروجكم يوم الجمل عن الطاعه، و نشركم حبل الجماعه، و شقاقكم لى ما لستم اغبياء عنه، فغفرت و رفعت السيف، و قبلت التوبه و الانابه.

و المدبر هاهنا: الهارب، و المقبل: الذى لم يفر، لكن جائنا فاعتذر و تنصل.

ثم قال: فان خطت بكم الامور، خطا فلان خطوه يخطو، و هو مقدار ما بين القدمين، فهذا لازم، فان عديته، قلت: اخطيت بفلان، و خطوت به، و هاهنا قد عداه بالباء.

و المرديه: المهلكه، و الجائره: العادله عن الصواب.

و المنابذه، مفاعله من نبذت اليه عهده اى القيته و عدلت عن السلم الى الحرب، او من نبذت زيدا، اى اطرحته و لم احفل به.

قوله: (قربت جيادى) اى امرت بتقريب خيلى الى لاركب و اسير اليكم.

و رحلت ركابى، الركاب الابل، و رحلتها: شددت على ظهورها الرحل، قال: رحلت سميه غدوه اجمالها غضبى عليك فما تقول بدا لها كلعقه لاعق، مثل يضرب للشى ء الحقير التافه، و يروى بضم اللام، و هى ما تاخذه الملعقه ثم عاد فقال مازج ا الخشونه باللين: مع انى عارف فضل ذى الطاعه منكم، و حق ذى النصيحه، و لو عاقبت لما عاقبت البرى ء بالسقيم، و لااخذت الوفى بالناكث.

خطب زياد بالبصره الخطبه الغراء المشهوره، و قال فيها: و الله لاخذن البرى بالسقيم، و البر باللئيم، و الوالد بالولد، و الجار بالجار، او تستقيم الى قناتكم.

فقام ابوبلال مرداس ابن اديه يهمس، و هو حينئذ شيخ كبير، فقال: ايها الامير، انبانا الله بخلاف ما قلت، و حكم بغير ما حكمت، قال سبحانه: (و لاتزر وازره وزر اخرى) فقال زياد: يا ابابلال، انى لم اجهل ما علمت، و لكنا لانخلص الى الحق منكم حتى نخوض اليه الباطل خوضا.

و فى روايه الرياشى: (لاخذن الولى بالولى) و المقيم بالظاعن، و المقبل بالمدبر، و الصحيح بالسقيم، حتى يلقى الرجل منكم اخاه فيقول: انج سعد فقد هلك سعيد، او تستقيم لى قناتكم.

نامه 030-به معاويه

الشرح:

قوله: (و غايه مطلبه)، اى مساعفه لطالبها بما يطلبه، تقول: طلب فلان منى كذا فاطلبته: اى اسعفت به.

قال الراوندى: مطلبه بمعنى متطلبه، يقال: طلبت كذا و تطلبته، و هذا ليس بشى ء، و يخرج الكلام عن ان يكون له معنى.

و الاكياس: العقلاء، و الانكاس: جمع نكس، و هو الدنى ء من الرجال، و نكب عنها عدل.

قوله: (و حيث تناهت بك امورك)، الاولى الا يكون هذا معطوفا و لا متصلا بقوله، فقد بين الله لك سبيلك، بل يكون كقولهم لمن يامرونه بالوقوف: حيث انت، اى قف حيث انت، فلايذكرون الفعل، و مثله قولهم: مكانك، اى قف مكانك.

قوله: (فقد اجريت)، يقال: فلان قد اجرى بكلامه الى كذا، اى الغايه التى يقصدها هى كذا، ماخوذ من اجراء الخيل للمسابقه، و كذلك قد اجرى بفعله الى كذا، اى انتهى به الى كذا.

و يروى: (قد اوحلتك شرا) او اورطتك فى الوحل، و الغى ضد الرشاد.

و اقحمتك غيا: جعلتك مقتحما له.

و اوعرت عليك المسالك: جعلتها وعره.

و اول هذا الكتاب: اما بعد، فقد بلغنى كتابك تذكر مشاغبتى، و تستقبح موازرتى، و تزعمنى متحيرا و عن الحق مقصرا، فسبحان الله، كيف تستجيز الغيبه، و تستحسن العضيهه! انى لم اشاغب الا فى امر بمعروف، او نهى عن منكر، و لم ات جبر الا على باغ مارق، او ملحد منافق، و لم آخذ فى ذلك الا بقول الله سبحانه: (لاتجد قوما يومنون بالله و اليوم الاخر يوادون من حاد الله و رسوله و لو كانوا آبائهم او ابنائهم او اخوانهم)، و اما التقصير فى حق الله تعالى فمعاذ الله! و انما المقصر فى حق الله جل ثناوه من عطل الحقوق الموكده، و ركن الى الاهواء المبتدعه، و اخلد الى الضلاله المحيره، و من العجب ان تصف يا معاويه الاحسان، و تخالف البرهان، و تنكث الوثائق التى هى لله عز و جل طلبه، و على عباده حجه، مع نبذ الاسلام، و تضييع الاحكام، و طمس الاعلام، و الجرى فى الهوى، و التهوس فى الردى، فاتق الله فيما لديك، و انظر فى حقه عليك... الفصل المذكور فى الكتاب.

و فى الخطبه زيادات يسيره لم يذكرها الرضى رحمه الله، منها: و ان للناس جماعه يد الله عليها، و غضب الله على من خالفها، فنفسك نفسك قبل حلول رمسك، فانك الى الله راجع، و الى حشره مهطع و سيبهظك كربه، و يحل بك غمه، فى يوم لايغنى النادم ندمه، و لا يقبل من المعتذر عذره، (يوم لايغنى مولى عن مولى شيئا و لا هم ينصرون).

نامه 031-به حضرت مجتبى

الشرح:

(ترجمه الحسن بن على و ذكر بعض اخباره) قال الزبير بن بكار فى كتاب "انساب قريش": ولد الحسن بن على (ع) للنصف من شهر رمضان سنه ثلاث من الهجره، و سماه رسول الله (ص) حسنا، و توفى لليال خلون من شهر ربيع الاول سنه خمسين.

قال: و المروى ان رسول الله (ص) سمى حسنا و حسينا رضى الله عنهما يوم سابعهما، و اشتق اسم حسين من اسم حسن.

قال: و روى جعفر بن محمد (ع) ان فاطمه (ع) حلقت حسنا و حسينا يوم سابعهما و وزنت شعرهما فتصدقت بوزنه فضه.

قال الزبير: و روت زينب بنت ابى رافع، قالت: اتت فاطمه (ع) بابنيها الى رسول الله (ص) فى شكوه الذى توفى فيه، فقالت: يا رسول الله، هذان ابناك فورثهما شيئا، فقال: اما حسن فان له هيبتى و سوددى، و اما حسين فان له جراتى و جودى.

و روى محمد بن حبيب فى اماليه ان الحسن (ع) حج خمس عشره حجه ماشيا تقاد الجنائب معه، و خرج من ماله مرتين، و قاسم الله عز و جل ثلاث مرات ماله، حتى انه كان يعطى نعلا، و يمسك نعلا، و يعطى خفا، و يمسك خفا.

و روى ابوجعفر محمد بن حبيب ايضا ان الحسن (ع) اعطى شاعرا، فقال له رجل من جلسائه: سبحان الله! اتعطى شاعرا يعصى الرحمن، و يقول البهتان! فقال: يا عبدالله، ان خير ما بذلت من مالك ما وقيت به عرضك، و ان من ابتغاء الخير اتقاء الشر.

و روى ابوجعفر، قال: قال ابن عباس رحمه الله: اول ذل دخل على العرب موت الحسن (ع).

و روى ابوالحسن المدائنى، قال: سقى الحسن (ع) السم اربع مرات، فقال: لقد سقيته مرارا فما شق على مثل مشقته هذه المره.

فقال له الحسين (ع): اخبرنى من سقاك؟ قال: لتقتله؟ قال: نعم، قال: ما انا بمخبرك، ان يكن صاحبى الذى اظن فالله اشد نقمه، و الا فما احب ان يقتل بى برى ء.

و روى ابوالحسن، قال: قال معاويه لابن عباس، و لقيه بمكه: يا عجبا من وفاه الحسن! شرب عله بماء رومه، فقضى نحبه، فوجم ابن عباس، فقال معاويه: لايحزنك الله و لايسوئك، فقال: لايسوئنى ما ابقاك الله! فامر له بمائه الف درهم.

و روى ابوالحسن قال: اول من نعى الحسن (ع) بالبصره عبدالله بن سلمه، نعاه لزياد فخرج الحكم بن ابى العاص الثقفى، فنعاه، فبكى الناس- و ابوبكره يومئذ مريض، فسمع الضجه، فقال: ما هذا؟ فقالت امراته ميسه بنت سخام الثقفيه: مات الحسن بن على، فالحمد لله الذى اراح الناس منه! فقال: اسكتى ويحك! فقد اراحه الله من شر كثير، و فقد الناس بموته خيرا كثيرا، يرحم الله حسنا! قال ابوالحسن المدائنى: و كانت وفاته فى سنه تسع و اربعين، و كان مرضه اربعين يوما، و كانت سنه سبعا و اربعين سنه، دس اليه معاويه سما على يد جعده بنت الاشعث ابن قيس زوجه الحسن، و قال لها: ان قتلتيه بالسم فلك مائه الف، و ازوجك يزيد ابنى.

فلما مات وفى لها بالمال، و لم يزوجها من يزيد.

قال: اخشى ان تصنع بابنى كما صنعت بابن رسول الله (ص).

و روى ابوجعفر محمد بن حبيب عن المسيب بن نجبه، قال: سمعت اميرالمومنين (ع)، يقول: انا احدثكم عنى و عن اهل بيتى، اما عبدالله ابن اخى فصاحب لهو و سماح، و اما الحسن فصاحب جفنه و خوان، فتى من فتيان قريش، و لو قد التقت حلقتا البطان لم يغن عنكم شيئا فى الحرب، و اما انا و حسين فنحن منكم و انتم منا.

قال ابوجعفر: و روى ابن عباس، قال: دخل الحسن بن على (ع) على معاويه بعد عام الجماعه و هو جالس فى مجلس ضيق، فجلس عند رجليه، فتحدث معاويه بما شاء ان يتحدث، ثم قال: عجبا لعائشه! تزعم انى فى غير ما انا اهله.

و ان الذى اصبحت فيه ليس لى بحق، ما لها و لهذا! يغفر الله لها، انما كان ينازعنى فى هذا الامر ابو هذا الجالس، و قد استاثر الله به، فقال الحسن: او عجب ذلك يا معاويه! قال: اى و الله، قال: افلا اخبرك بما هو اعجب من هذا؟ قال: ما هو؟ قال: جلوسك فى صدر ال مجلس و انا عند رجليك، فضحك معاويه، و قال: يابن اخى، بلغنى ان عليك دينا، قال: ان لعلى دينا، قال: كم هو؟ قال: مائه الف، فقال: قد امرنا لك بثلثمائه الف، مائه منها لدينك، و مائه تقسمها فى اهل بيتك، و مائه لخاصه نفسك، فقم مكرما، و اقبض صلتك.

فلما خرج الحسن (ع)، قال يزيد بن معاويه لابيه: تالله ما رايت رجلا استقبلك بما استقبلك به، ثم امرت له بثلثمائه الف! قال: يا بنى، ان الحق حقهم، فمن اتاك منهم فاحث له.

و روى ابوجعفر محمد بن حبيب، قال: قال على (ع): لقد تزوج الحسن و طلق حتى خفت ان يثير عداوه، قال ابوجعفر: و كان الحسن اذا اراد ان يطلق امراه جلس اليها، فقال: ايسرك ان اهب لك كذا و كذا؟ فتقول له ما شئت، او نعم، فيقول: هو لك، فاذا قام ارسل اليها بالطلاق و بما سمى لها.

و روى ابوالحسن المدائنى، قال: تزوج الحسن بن على (ع) هندا بنت سهيل ابن عمرو- و كانت عند عبدالله بن عامر بن كريز، فطلقها- فكتب معاويه الى ابى هريره ان يخطبها على يزيد بن معاويه، فلقيه الحسن (ع)، فقال: اين تريد؟ قال: اخطب هندا بنت سهيل بن عمرو على يزيد بن معاويه، قال الحسن (ع): فاذكرنى لها، فاتاها ابوهريره، فاخبرها الخبر، فقالت: اخترلى، فقال: اختار لك الحسن.

فتزوجته، فقدم عبدالله بن عامر المدينه فقال للحسن: ان لى عند هند وديعه، فدخل اليها و الحسن معه، فخرجت حتى جلست بين يدى عبدالله بن عامر، فرق لها رقه عظيمه، فقال الحسن: الا انزل لك عنها؟ فلا اراك تجد محللا خيرا لكما منى! قال: لا، ثم قال لها: وديعتى، فاخرجت سفطين فيهما جوهر، ففتحهما و اخذ من احدهما قبضه و ترك الاخر عليها، و كانت قبل ابن عامر عند عبدالرحمن بن عتاب بن اسيد، فكانت تقول سيدهم جميعا الحسن و اسخاهم ابن عامر، و احبهم الى عبدالرحمن بن عتاب.

و روى ابوالحسن المدائنى، قال: تزوج الحسن حفصه بنت عبدالرحمن بن ابى بكر، و كان المنذر بن الزبير يهواها، فابلغ الحسن عنها شيئا فطلقها، فخطبها المنذر، فابت ان تتزوجه، و قالت: شهر بى! فخطبها عاصم بن عمر بن الخطاب، فتزوجها، فابلغه المنذر عنها شيئا فطلقها، فخطبها المنذر، فقيل لها: تزوجيه، فقالت: لا و الله ما افعل، و قد فعل بى ما قد فعل مرتين، لا و الله لايرانى فى منزله ابدا.

و روى المدائنى، عن جويريه بن اسماء، قال: لما مات الحسن (ع)، اخرجوا جنازته، فحمل مروان بن الحكم سريره، فقال له الحسين (ع): تحمل اليوم جنازته و كنت بالامس تجرعه الغيظ؟ قال مروان: نعم، كنت افعل ذلك بمن يوا زن حلمه الجبال.

و روى المدائنى عن يحيى بن زكريا، عن هشام بن عروه، قال: قال الحسن عند وفاته: ادفنونى عند قبر رسول الله (ص)، الا ان تخافوا ان يكون فى ذلك شر، فلما ارادوا دفنه، قال مروان بن الحكم: لايدفن عثمان فى حش كوكب، و يدفن الحسن هاهنا، فاجتمع بنوهاشم و بنواميه، و اعان هولاء قوم، و هولاء قوم و جائوا بالسلاح، فقال ابوهريره لمروان: اتمنع الحسن ان يدفن فى هذا الموضع، و قد سمعت رسول الله (ص) يقول: (الحسن و الحسين سيدا شباب اهل الجنه)! قال مروان: دعنا منك، لقد ضاع حديث رسول الله (ص) اذ كان لايحفظه غيرك و غير ابى سعيد الخدرى! و انما اسلمت ايام خيبر قال ابوهريره: صدقت، اسلمت ايام خيبر، و لكننى لزمت رسول الله (ص) و لم اكن افارقه، و كنت اساله، و عنيت بذلك حتى علمت من احب و من ابغض، و من قرب و من ابعد، و من اقر و من نفى، و من لعن و من دعا له، فلما رات عائشه السلاح و الرجال، و خافت ان يعظم الشر بينهم، و تسفك الدماء، قالت: البيت بيتى، و لا آذن لاحد ان يدفن فيه، و ابى الحسين (ع) ان يدفنه الا مع جده، فقال له محمد بن الحنفيه: يا اخى، انه لو اوصى ان ندفنه لدفناه او نموت قبل ذلك، و لكنه قد استثنى، و قال: (الا ان تخافوا الش ر)، فاى شر يرى اشد مما نحن فيه! فدفنوه فى البقيع.

قال ابوالحسن المدائنى: وصل نعى الحسن (ع) الى البصره فى يومين و ليلتين، فقال الجارود: بن ابى سبره: اذا كان شر سار يوما و ليله و ان كان خير اخر السير اربعا اذا ما بريد الشر اقبل نحونا باحدى الدواهى الربد سار و اسرعا و روى ابوالحسن المدائنى، قال: خرج على معاويه قوم من الخوارج بعد دخوله الكوفه و صلح الحسن (ع) له فارسل معاويه الى الحسن (ع) يساله ان يخرج فيقاتل الخوارج، فقال الحسن: سبحان الله! تركت قتالك و هو لى حلال لصلاح الامه و الفتهم، افترانى اقاتل معك! فخطب معاويه اهل الكوفه فقال: يا اهل الكوفه، اترونى قاتلتكم على الصلاه و الزكاه و الحج، و قد علمت انكم تصلون و تزكون و تحجون، و لكننى قاتلتكم لاتامر عليكم و على رقابكم، و قد آتانى الله ذلك و انتم كارهون، الا ان كل مال او دم اصيب فى هذه الفتنه فمطلول، و كل شرط شرطته فتحت قدمى هاتين، و لايصلح الناس الا ثلاث: اخراج العطاء عند محله، و اقفال الجنود لوقتها، و غزو العدو فى داره، فانهم ان لم تغزوهم غزوكم.

ثم نزل.

قال المدائنى: فقال المسيب بن نجبه للحسن (ع): ما ينقضى عجبى منك! بايعت معاويه و معك اربعون الفا، و لم تاخذ لنفسك وثيقه و عقدا ظاهرا، اعطاك امرا فيما بينك و بينه، ثم قال ما قد سمعت، و الله ما اراد بها غيرك، قال.

فما ترى؟ قال: ارى ان ترجع الى ما كنت عليه، فقد نقض ما كان بينه و بينك.

فقال: يا مسيب، انى لو اردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاويه باصبر عند اللقاء، و لااثبت عند الحرب منى، و لكنى اردت صلاحكم، و كف بعضكم عن بعض، فارضوا بقدر الله و قضائه، حتى يستريح بر، او يستراح من فاجر.

قال المدائنى و دخل عبيده بن عمرو الكندى على الحسن (ع)- و كان ضرب على وجهه ضربه و هو مع قيس بن سعد بن عباده- فقال: ما الذى ارى بوجهك؟ قال: اصابنى مع قيس.

فالتفت حجر بن عدى الى الحسن، فقال: لوددت انك كنت مت قبل هذا اليوم، و لم يكن ما كان، انا رجعنا راغمين بما كرهنا، و رجعوا مسرورين بما احبوا.

فتغير وجه الحسن، و غمز الحسين (ع) حجرا، فسكت، فقال الحسن (ع): يا حجر ليس كل الناس يحب ما تحب و لا رايه كرايك، و ما فعلت الا ابقاء عليك، و الله كل يوم فى شان.

قال المدائنى: و دخل عليه سفيان بن ابى ليلى النهدى، فقال له: السلام عليك يا مذل المومنين! فقال الحسن: اجلس يرحمك الله، ان رسول الله (ص) رفع له ملك بنى اميه، فنظر اليهم يعلون منبره واحدا فواحدا، فش ق ذلك عليه، فانزل الله تعالى فى ذلك قرآنا قال له: (و ما جعلنا الرويا التى اريناك الا فتنه للناس و الشجره الملعونه فى القرآن).

و سمعت عليا ابى رحمه الله يقول: سيلى امر هذه الامه رجل واسع البلعوم، كبير البطن، فسالته: من هو؟ فقال: معاويه.

و قال لى: ان القرآن قد نطق بملك بنى اميه و مدتهم، قال تعالى: (ليله القدر خير من الف شهر)، قال ابى: هذه ملك بنى اميه.

قال المدائنى: فلما كان عام الصلح، اقام الحسن (ع) بالكوفه اياما، ثم تجهز للشخوص الى المدينه، فدخل عليه المسيب بن نجبه الفزارى و ظبيان بن عماره التيمى ليودعاه فقال الحسن، الحمد لله الغالب على امره، لو اجمع الخلق جميعا على الا يكون ما هو كائن ما استطاعوا.

فقال اخوه الحسين (ع): لقد كنت كارها لما كان طيب النفس على سبيل ابى حتى عزم على اخى، فاطعته، و كانما يجذ انفى بالمواسى، فقال المسيب: انه و الله ما يكبر علينا هذا الامر الا ان تضاموا و تنتقصوا، فاما نحن فانهم سيطلبون مودتنا بكل ما قدروا عليه، فقال الحسين: يا مسيب، نحن نعلم انك تحبنا، فقال الحسن (ع): سمعت ابى يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول: (من احب قوما كان معهم)، فعرض له المسيب و ظبيان بالرجوع، فقال: ليس (لى) الى ذلك سبيل، فلما كان من غد خرج، فلما صار بدير هند نظر الى الكوفه، و قال: و لا عن قلى فارقت دار معاشرى هم المانعون حوزتى و ذمارى ثم سار الى المدينه.

قال المدائنى: فقال معاويه يومئذ للوليد بن عقبه بن ابى معيط بعد شخوص الحسن (ع): يا اباوهب، هل رمت؟ قال: نعم، و سموت.

قال المدائنى: اراد معاويه قول الوليد بن عقبه يحرضه على الطلب بدم عثمان: الا ابلغ معاويه بن حرب فانك من اخى ثقه مليم قطعت الدهر كالسدم المعنى تهدر فى دمشق و لا تريم فلو كنت القتيل و كان حيا لشمر لا الف و لا سئوم و انك و الكتاب الى على كدابغه و قد حلم الاديم و روى المدائنى، عن ابراهيم بن محمد عن زيد بن اسلم، قال: دخل رجل على الحسن (ع) بالمدينه، و فى يده صحيفه، فقال له الرجل: ما هذه؟ قال: هذا كتاب معاويه، يتوعد فيه على امر كذا، فقال الرجل: لقد كنت على النصف، فما فعلت؟ فقال له الحسن (ع): اجل، و لكنى خشيت ان ياتى يوم القيامه سبعون الفا، او ثمانون الفا تشخب اوداجهم دما، كلهم يستعدى الله فيم هريق دمه! قال ابوالحسن: و كان الحصين بن المنذر الرقاشى يقول: و الله ما وفى معاويه للحسن بشى ء مما اعطاه قتل حجرا و اصحاب حجر، و بايع لابنه يزيد، و سم الح سن.

قال المدائنى: و روى ابوالطفيل، قال: قال الحسن (ع) لمولى له: اتعرف معاويه بن خديج؟ قال: نعم، قال: اذا رايته فاعلمنى، فرآه خارجا من دار عمرو ابن حريث فقال: هو هذا! فدعاه، فقال له: انت الشاتم عليا عند ابن آكله الاكباد! اما و الله لئن وردت الحوض و لم ترده لترينه مشمرا عن ساقيه، حاسرا عن ذراعيه، يذود عنه المنافقين.

قال ابوالحسن: و روى هذا الخبر ايضا قيس بن الربيع، عن بدر بن الخليل، عن مولى الحسن (ع).

قال ابوالحسن: و حدثنا سليمان بن ايوب، عن الاسود بن قيس العبدى، ان الحسن (ع) لقى يوما حبيب بن مسلمه فقال له: يا حبيب، رب مسير لك فى غير طاعه الله! فقال: اما مسيرى الى ابيك فليس من ذلك، قال: بلى و الله، و لكنك اطعت معاويه على دنيا قليله زائله، فلئن قام بك فى دنياك، لقد قعد بك فى آخرتك، و لو كنت اذ فعلت شرا قلت خيرا، كان ذلك، كما قال عز و جل: (خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا)، و لكنك كما قال سبحانه: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون).

قال ابوالحسن: طلب زياد رجلا من اصحاب الحسن، ممن كان فى كتاب الامان، فكتب اليه الحسن: من الحسن بن على الى زياد، اما بعد فقد علمت ما كنا اخذنا من الامان لاصحابنا، و قد ذكر لى فلان انك ت عرضت له، فاحب الا تعرض له الا بخير.

والسلام.

فلما اتاه الكتاب، و ذلك بعد ادعاء معاويه اياه غضب حيث لم ينسبه الى ابى سفيان، فكتب اليه: من زياد بن ابى سفيان الى الحسن، اما بعد، فانه اتانى كتابك فى فاسق توويه الفساق من شيعتك و شيعه ابيك، و ايم الله لاطلبنه بين جلدك و لحمك، و ان احب الناس الى لحما ان آكله للحم انت منه (والسلام).

فلما قرا الحسن (ع) الكتاب، بعث به الى معاويه، فلما قراه غضب و كتب: من معاويه بن ابى سفيان الى زياد.

اما بعد، فان لك رايين: رايا من ابى سفيان و رايا من سميه، فاما رايك من ابى سفيان فحلم و حزم، و اما رايك من سميه فما يكون من مثلها.

ان الحسن بن على (ع) كتب الى بانك عرضت لصاحبه، فلاتعرض له، فانى لم اجعل (لك) عليه سبيلا، و ان الحسن ليس ممن يرمى به الرجوان، و العجب من كتابك اليه لا تنسبه الى ابيه او الى امه، فالان حين اخترت له، والسلام.

قلت: جرى فى مجلس بعض الاكابر و انا حاضر القول فى ان عليا (ع) شرف بفاطمه (ع) فقال انسان كان حاضر المجلس: بل فاطمه (ع) شرفت به و خاض الحاضرون فى ذلك بعد انكارهم تلك اللفظه، و سالنى صاحب المجلس ان اذكر ما عندى فى المعنى و ان اوضح: ايما افضل: على ام فاطمه؟ فقلت: ام ا ايهما افضل، فان اريد بالافضل الاجمع للمناقب التى تتفاضل بها الناس، نحو العلم و الشجاعه و نحو ذلك، فعلى افضل، و ان اريد بالافضل الارفع منزله عند الله، فالذى استقر عليه راى المتاخرين من اصحابنا، ان عليا ارفع المسلمين كافه عند الله تعالى بعد رسول الله (ص) من الذكور و الاناث، و فاطمه امراه من المسلمين، و ان كانت سيده نساء العالمين، و يدل على ذلك انه قد ثبت انه احب الخلق الى الله تعالى بحديث الطائر، و فاطمه من الخلق، و احب الخلق اليه سبحانه اعظمهم ثوابا يوم القيامه، على ما فسره المحققون من اهل الكلام، و ان اريد بالافضل الاشرف نسبا، ففاطمه افضل لان اباها سيد ولد آدم من الاولين و الاخرين، فليس فى آباء على (ع) مثله و لامقارنه، و ان اريد بالافضل من كان رسول الله (ص) اشد عليه حنوا و امس به رحما، ففاطمه افضل، لانها ابنته، و كان شديد الحب لها و الحنو عليها جدا، و هى اقرب اليه نسبا من ابن العم، لا شبهه فى ذلك.

فاما القول فى ان عليا شرف بها او شرفت به، فان عليا (ع) كانت اسباب شرفه و تميزه على الناس متنوعه، فمنها ما هو متعلق بفاطمه (ع)، و منها ما هو متعلق بابيها (ص)، و منها ما هو مستقل بنفسه.

فاما الذى هو مستقل بنفسه، فن حو شجاعته و عفته و حلمه و قناعته و سجاحه اخلاقه و سماحه نفسه.

و اما الذى هو متعلق برسول الله (ص) فنحو علمه و دينه و زهده و عبادته، و سبقه الى الاسلام و اخباره بالغيوب.

و اما الذى يتعلق بفاطمه (ع) فنكاحه لها، حتى صار بينه و بين رسول الله (ص) الصهر المضاف الى النسب و السبب، و حتى ان ذريته منها صارت ذريه لرسول الله (ص)، و اجزاء من ذاته (ع)، و ذلك لان الولد انما يكون من منى الرجل و دم المراه، و هما جزآن من ذاتى الاب و الام، ثم هكذا ابدا فى ولد الولد و من بعده من البطون دائما.

فهذا هو القول فى شرف على (ع) بفاطمه.

فاما شرفها به فانها و ان كانت ابنه سيد العالمين، الا ان كونها زوجه على افادها نوعا من شرف آخر زائدا على ذلك الشرف الاول، الا ترى ان اباها لو زوجها اباهريره او انس بن مالك لم يكن حالها فى العظمه و الجلاله كحالها الان، و كذلك لو كان بنوها و ذريتها من ابى هريره و انس بن مالك لم يكن حالهم فى انفسهم كحالهم الان.

قال ابوالحسن المدائنى: و كان الحسن كثير التزوج، تزوج خوله بنت منظور بن زبان الفزاريه و امها مليكه بنت خارجه بن سنان، فولدت له الحسن بن الحسن.

و تزوج ام اسحاق بنت طلحه بن عبيدالله، فولدت له ابنا سماه ط لحه، و تزوج ام بشر بنت ابى مسعود الانصارى- و اسم ابى مسعود عقبه بن عمر- فولدت له زيد بن الحسن، و تزوج جعده بنت الاشعث بن قيس، و هى التى سقته السم، و تزوج هند ابنه (سهيل بن عمرو و حفصه ابنه) عبدالرحمن بن ابى بكر، و تزوج امراه من كلب، و تزوج امراه من بنات عمرو بن اهتم المنقرى، و امراه من ثقيف، فولدت له عمرا، و تزوج امراه من بنات علقمه ابن زراره، و امراه من بنى شيبان من آل همام بن مره فقيل له انها ترى راى الخوارج فطلقها، و قال: انى اكره ان اضم الى نحرى جمره من جمر جهنم.

و قال المدائنى: و خطب الى رجل فزوجه، و قال له: انى مزوجك و اعلم انك ملق طلق غلق، و لكنك خير الناس نسبا، و ارفعهم جدا و ابا.

قلت: اما قوله ملق طلق، فقد صدق، و اما قوله غلق فلا، فان الغلق الكثير الضجر، و كان الحسن (ع) اوسع الناس صدرا و اسجحهم خلقا.

قال المدائنى: احصيت زوجات الحسن بن على فكن سبعين امراه.

قال المدائنى: و لما توفى على (ع) خرج عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب الى الناس، فقال: ان اميرالمومنين (ع) توفى، و قد ترك خلفا، فان احببتم خرج اليكم، و ان كرهتم فلااحد على احد، فبكى الناس، و قالوا: بل يخرج الينا، فخرج الحسن (ع)، فخطبهم فقال: ايها الن اس، اتقوا الله، فانا امراوكم و اولياوكم، و انا اهل البيت الذين قال الله تعالى فينا: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا)، فبايعه الناس.

و كان خرج اليهم و عليه ثياب سود، ثم وجه عبدالله بن عباس و معه قيس بن سعد ابن عباده مقدمه له فى اثنى عشر الفا الى الشام، و خرج و هو يريد المدائن، فطعن بساباط و انتهب متاعه، و دخل المدائن، و بلغ ذلك معاويه، فاشاعه، و جعل اصحاب الحسن الذين وجههم مع عبدالله يتسللون الى معاويه، الوجوه و اهل البيوتات.

فكتب عبدالله بن العباس بذلك الى الحسن (ع) فخطب الناس و وبخهم، و قال: خالفتم ابى حتى حكم و هو كاره، ثم دعاكم الى قتال اهل الشام بعد التحكيم، فابيتم حتى صار الى كرامه الله، ثم بايعتمونى على ان تسالموا من سالمنى، و تحاربوا من حاربنى، و قد اتانى ان اهل الشرف منكم قد اتوا معاويه، و بايعوه، فحسبى منكم، لاتغرونى من دينى و نفسى.

و ارسل عبدالله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب- و امه هند بنت ابى سفيان بن حرب- الى معاويه يساله المساله، و اشترط عليه العمل بكتاب الله و سنه نبيه، و الا يبايع لاحد من بعده، و ان يكون الامر شورى، و ان يكون الناس اجمعون آمنين.

و كتب بذل ك كتابا، فابى الحسين (ع)، و امتنع، فكلمه الحسن حتى رضى، و قدم معاويه الى الكوفه.

قال ابوالحسن: و حدثنا ابوبكر بن الاسود، قال: كتب ابن العباس الى الحسن: اما بعد فان المسلمين ولوك امرهم بعد على (ع)، فشمر للحرب، و جاهد عدوك، و قارب اصحابك، و اشتر من الظنين دينه بما لايثلم لك دينا، و وال اهل البيوتات و الشرف، تستصلح به عشائرهم، حتى يكون الناس جماعه، فان بعض ما يكره الناس- ما لم يتعد الحق، و كانت عواقبه تودى الى ظهور العدل، و عز الدين- خير من كثير مما يحبه الناس اذا كانت عواقبه تدعو الى ظهور الجور و ذل المومنين و عز الفاجرين.

و اقتد بما جاء عن ائمه العدل، فقد جاء عنهم انه لايصلح الكذب الا فى حرب او اصلاح بين الناس، فان الحرب خدعه، و لك فى ذلك سعه اذا كنت محاربا، ما لم تبطل حقا.

و اعلم ان عليا اباك انما رغب الناس عنه الى معاويه، انه اساء بينهم فى الفى ء، و سوى بينهم فى العطاء، فثقل عليهم، و اعلم انك تحارب من حارب الله و رسوله فى ابتداء الاسلام، حتى ظهر امر الله، فلما وحد الرب و محق الشرك، و عز الدين، اظهروا الايمان و قرئوا القرآن، مستهزئين باياته، و قاموا الى الصلاه و هم كسالى، و ادوا الفرائض و هم لها كارهون، فلما راوا انه لايعز فى الدين الا الاتقياء الابرار، توسموا بسيما الصالحين، ليظن المسلمون بهم خيرا، فما زالوا بذلك حتى شركوهم فى اماناتهم، و قالوا: حسابهم على الله، فان كانوا صادقين فاخواننا فى الدين، و ان كانوا كاذبين كانوا بما اقترفوا هم الاخسرين، و قد منيت باولئك و بابنائهم و اشباههم، و الله ما زادهم طول العمر الا غيا و لا زادهم ذلك لاهل الدين الا مقتا، فجاهدهم و لاترض دنيه، و لاتقبل خسفا فان عليا لم يجب الى الحكومه حتى غلب على امره فاجاب، و انهم يعلمون انه اولى بالامر ان حكموا بالعدل، فلما حكموا بالهوى، رجع الى ما كان عليه حتى اتى عليه اجله، و لاتخرجن من حق انت اولى به حتى يحول الموت دون ذلك.

والسلام.

قال المدائنى: و كتب الحسن (ع) الى معاويه: من عبدالله الحسن اميرالمومنين الى معاويه بن ابى سفيان.

اما بعد فان الله بعث محمدا (ص) رحمه للعالمين، فاظهر به الحق، و قمع به الشرك، و اعز به العرب عامه، و شرف به قريشا خاصه، فقال: (و انه لذكر لك و لقومك)، فلما توفاه الله تنازعت العرب فى الامر بعده، فقالت قريش: نحن عشيرته و اولياوه، فلاتنازعونا سلطانه، فعرفت العرب لقريش ذلك، و جاحدتنا قريش ما عرفت لها العرب، فهيهات! ما انصفت نا قريش و قد كانوا ذوى فضيله فى الدين، و سابقه فى الاسلام، و لا غرو الا منازعته ايانا الامر بغير حق فى الدنيا معروف، و لا اثر فى الاسلام محمود، فالله الموعد نسال الله الا يوتينا فى هذه الدنيا شيئا ينقصنا عنده فى الاخره.

ان عليا لما توفاه الله ولانى المسلمون الامر بعده، فاتق الله يا معاويه، و انظر لامه محمد (ص)، ما تحقن به دمائها، و تصلح به امرها.

والسلام.

و بعث بالكتاب مع الحارث بن سويد التيمى، تيم الرباب، و جندب الازدى، فقدما على معاويه فدعواه الى بيعه الحسن (ع) فلم يجبهما، و كتب جوابه: اما بعد، فقد فهمت ما ذكرت به رسول الله، و هو احق الاولين و الاخرين بالفضل كله، و ذكرت تنازع المسلمين الامر بعده، فصرحت بتهمه ابى بكر الصديق و عمر و ابى عبيده الامين، و صلحاء المهاجرين، فكرهت لك ذلك، ان الامه لما تنازعت الامر بينها رات قريشا اخلقها به فرات قريش و الانصار و ذوو الفضل و الدين من المسلمين ان يولوا من قريش اعلمها بالله، و اخشاها له، و اقواها على الامر، فاختاروا ابابكر و لم يالوا، و لو علموا مكان رجل غير ابى بكر، يقوم مقامه و يذب عن حرم الاسلام ذبه ما عدلوا بالامر الى ابى بكر، و الحال اليوم بينى و بينك على ما كانو ا عليه، فلو علمت انك اضبط لامر الرعيه، و احوط على هذه الامه، و احسن سياسه، و اكيد للعدو، و اقوى على جمع الفى ء، لسلمت لك الامر بعد ابيك، فان اباك سعى على عثمان حتى قتل مظلوما، فطالب الله بدمه، و من يطلبه الله فلن يفوته.

ثم ابتز الامه امرها، و فرق جماعتها، فخالفه نظراوه من اهل السابقه و الجهاد و القدم فى الاسلام، و ادعى انهم نكثوا بيعته، فقاتلهم فسفكت الدماء، و استحلت الحرم، ثم اقبل الينا لايدعى علينا بيعه، و لكنه يريد ان يملكنا اغترارا، فحاربناه و حاربنا، ثم صارت الحرب الى ان اختار رجلا و اخترنا رجلا، ليحكما بما تصلح عليه الامه، و تعود به الجماعه و الالفه، و اخذنا بذلك عليهما ميثاقا و عليه مثله و علينا مثله على الرضا بما حكما فامضى الحكمان عليه الحكم بما علمت، و خلعاه، فو الله ما رضى بالحكم و لا صبر لامر الله فكيف تدعونى الى امر انما تطلبه بحق ابيك، و قد خرج منه! فانظر لنفسك و لدينك.

والسلام.

قال: ثم قال للحارث و جندب: ارجعا فليس بينى و بينكم الا السيف، فرجعا و اقبل الى العراق فى ستين الفا، و استخلف على الشام الضحاك بن قيس الفهرى و الحسن مقيم بالكوفه، لم يشخص حتى بلغه ان معاويه قد عبر جسر منبج، فوجه حجر بن ع دى يامر العمال بالاحتراس، و يذب الناس، فسارعوا.

فعقد لقيس بن سعد بن عباده على اثنى عشر الفا، فنزل دير عبدالرحمن، و استخلف على الكوفه المغيره بن نوفل بن الحارث ابن عبدالمطلب، و امر قيس بن سعد بالمسير، و ودعه و اوصاه، فاخذ على الفرات و قرى الفلوجه، ثم الى مسكن.

و ارتحل الحسن (ع) متوجها نحو المدائن، فاتى ساباط فاقام بها اياما، فلما اراد ان يرحل الى المدائن قام فخطب الناس، فقال: ايها الناس، انكم بايعتمونى على ان تسالموا من سالمت و تحاربوا من حاربت، و انى و الله ما اصبحت محتملا على احد من هذه الامه ضغينه فى شرق و لا غرب، و لما تكرهون فى الجماعه و الالفه و الامن، و صلاح ذات البين خير مما تحبون فى الفرقه، و الخوف و التباغض و العداوه، و ان عليا ابى كان يقول: لاتكرهوا اماره معاويه، فانكم لو فارقتموه لرايتم الرئوس تندر عن كواهلها كالحنظل.

ثم نزل.

فقال الناس: ما قال هذا القول الا و هو خالع نفسه و مسلم الامر لمعاويه، فثاروا به فقطعوا كلامه، و انتهبوا متاعه، و انتزعوا مطرفا كان عليه، و اخذوا جاريه كانت معه، و اختلف الناس فصارت طائفه معه، و اكثرهم عليه، فقال: اللهم انت المستعان و امر بالرحيل، فارتحل الناس، و اتاه رجل بفرس، فركبه و اطاف به بعض اصحابه، فمنعوا الناس عنه و ساروا، فقدمه سنان بن الجراح الاسدى الى مظلم ساباط، فاقام به، فلما دنا منه تقدم اليه يكلمه، و طعنه فى فخذه بالمعول طعنه كادت تصل الى العظم، فغشى عليه و ابتدره اصحابه، فسبق اليه عبيدالله الطائى، فصرع سنانا و اخذ ظبيان بن عماره المعول من يده، فضربه به فقطع انفه، ثم ضربه بصخره على راسه فقتله، و افاق الحسن (ع) من غشيته، فعصبوا جرحه و قد نزف و ضعف، فقدموا به المدائن و عليها سعد بن مسعود، عم المختار بن ابى عبيد، و اقام بالمدائن حتى برى ء من جرحه.

قال المدائنى، و كان الحسن (ع) اكبر ولد على، و كان سيدا سخيا حليما خطيبا، و كان رسول الله (ص) يحبه، سابق يوما بين الحسين و بينه فسبق الحسن، فاجلسه على فخذه اليمنى، ثم اجلس الحسين على الفخذ اليسرى، فقيل له: يا رسول الله ايهما احب اليك؟ فقال: اقول كما قال ابراهيم ابونا، و قيل له: اى ابنيك احب اليك؟ قال: اكبرهما و هو الذى يلد ابنى محمدا (ص).

و روى المدائنى عن زيد بن ارقم، قال: خرج الحسن (ع) و هو صغير، و عليه برده و رسول الله (ص) يخطب، فعثر فسقط، فقطع رسول الله (ص) الخطبه، و نزل مسرعا اليه، و قد حمله الناس، فتسلمه و اخذه على كتفه، و قال: ان الولد لفتنه، لقد نزلت اليه و ما ادرى! ثم صعد فاتم الخطبه.

و روى المدائنى، قال: لقى عمرو بن العاص الحسن (ع) فى الطواف، فقال له: يا حسن، زعمت ان الدين لايقوم الا بك و بابيك، فقد رايت الله اقامه بمعاويه، فجعله راسيا بعد ميله، و بينا بعد خفائه، افرضى الله بقتل عثمان، او من الحق ان تطوف بالبيت كما يدور الجمل بالطحين، عليك ثياب كغرقى ء البيض، و انت قاتل عثمان، و لله انه لالم للشعث، و اسهل للوعث، ان يوردك معاويه حياض ابيك، فقال الحسن (ع): ان لاهل النار علامات يعرفون بها، الحادا لاولياء الله، و موالاه لاعداء الله، و الله انك لتعلم ان عليا لم يرتب فى الدين، و لايشك فى الله ساعه و لا طرفه عين قط، و ايم الله لتنتهين يابن ام عمرو او لانفذن حضنيك بنوافذ اشد من القعضبيه: فاياك و التهجم على، فانى من قد عرفت، لست بضعيف الغمزه، و لا هش المشاشه، و لامرى ء الماكله، و انى من قريش كواسطه القلاده، يعرف حسبى، و لاادعى لغير ابى، و انت من تعلم و يعلم الناس، تحاكمت فيك رجال قريش، فغلب عليك جزاروها، الامهم حسبا، و اعظمهم لوما، فاياك عنى، فانك رجس، و نحن اهل بيت الطهاره، اذهب الله عنا الرجس و طهرنا تطهيرا.

فافحم عمرو و انصرف كئيبا.

و روى ابوالحسن المدائنى قال: سال معاويه الحسن بن على بعد الصلح ان يخطب الناس، فامتنع، فناشده ان يفعل، فوضع له كرسى، فجلس عليه، ثم قال: الحمد لله الذى توحد فى ملكه، و تفرد فى ربوبيته، يوتى الملك من يشاء، و ينزعه عمن يشاء.

و الحمد لله الذى اكرم بنا مومنكم، و اخرج من الشرك اولكم، و حقن دماء آخركم، فبلاونا عندكم قديما و حديثا احسن البلاء، ان شكرتم او كفرتم.

ايها الناس، ان رب على كان اعلم بعلى حين قبضه اليه، و لقد اختصه بفضل لم تعتادوا مثله، و لم تجدوا مثل سابقته، فهيهات هيهات! طالما قلبتم له الامور حتى اعلاه الله عليكم و هو صاحبكم، و عدوكم فى بدر و اخواتها، جرعكم رنقا، و سقاكم علقا، و اذل رقابكم، و اشرقكم بريقكم، فلستم بملومين على بغضه.

و ايم الله لاترى امه محمد خفضا ما كانت سادتهم و قادتهم فى بنى اميه، و لقد وجه الله اليكم فتنه لن تصدروا عنها حتى تهلكوا، لطاعتكم طواغيتكم، و انضوائكم الى شياطينكم، فعند الله احتسب ما مضى و ما ينتظر من سوء دعتكم، و حيف حكمكم.

ثم قال: يا اهل الكوفه لقد فارقكم بالامس سهم من مرامى الله، صائب على اعداء الله، نكال على فجار قريش، لم يزل آخذا بحناجرها، جاثما على انفاسها، ليس بالمل ومه فى امر الله، و لا بالسروقه لمال الله، و لا بالفروقه فى حرب اعداء الله، اعطى الكتاب خواتمه و عزائمه، دعاه فاجابه، و قاده فاتبعه، لاتاخذه فى الله لومه لائم، فصلوات الله عليه و رحمته.

ثم نزل.

فقال معاويه: اخطا عجل او كاد، و اصاب مثبت او كاد، ماذا اردت من خطبه الحسن! فاما ابوالفرج على بن الحسين الاصفهانى، فانه قال: كان فى لسان ابى محمد الحسن (ع) ثقل كالفافاه، حدثنى بذلك محمد بن الحسين الاشنانى، قال: حدثنى محمد بن اسماعيل الاحمسى، عن مفضل بن صالح، عن جابر.

قال: كان فى لسان الحسن (ع) رته، فكان سلمان الفارسى رحمه الله يقول: اتته من قبل عمه موسى بن عمران (ع).

قال ابوالفرج: و مات شهيدا مسموما، دس معاويه اليه و الى سعد بن ابى وقاص حين اراد ان يعهد الى يزيد ابنه بالامر بعده سما، فماتا منه فى ايام متقاربه، و كان الذى تولى ذلك من الحسن (ع) زوجته جعده بنت الاشعث بن قيس بمال بذله لها معاويه.

و يقال: ان اسمها سكينه، و يقال عائشه و يقال: شعثاء و الصحيح ان اسمها جعده.

قال ابوالفرج: فروى عمرو بن ثابت، قال: كنت اختلف الى ابى اسحاق السبيعى (سنه)، اساله عن الخطبه التى خطب بها الحسن بن على (ع) عقيب وفاه ابيه، و لايحدثنى بها، ف دخلت اليه فى يوم شات و هو فى الشمس، و عليه برنسه، فكانه غول، فقال لى: من انت؟ فاخبرته، فبكى، و قال: كيف ابوك، و كيف اهلك؟ قلت: صالحون، قال: فى اى شى ء تتردد منذ سنه؟ قلت: فى خطبه الحسن بن على بعد وفاه ابيه.

حدثنى هبيره بن مريم، قال: خطب الحسن (ع) بعد وفاه اميرالمومنين (ع)، فقال: قد قبض فى هذه الليله رجل لم يسبقه الاولون، و لايدركه الاخرون (بعمل).

لقد كان يجاهد مع رسول الله (ص) فيسبقه بنفسه، و لقد كان يوجهه برايته، فيكنفه جبرائيل عن يمينه، و ميكائيل عن يساره، فلايرجع حتى يفتح الله عليه، و لقد توفى فى الليله التى عرج فيها بعيسى بن مريم، و التى توفى فيها يوشع بن نوح، و ما خلف صفراء و لا بيضاء الا سبعمائه درهم من عطائه، اراد ان يبتاع بها خادما لاهله.

ثم خنقته العبره فبكى و بكى الناس معه ثم قال: ايها الناس، من عرفنى فقد عرفنى، و من لم يعرفنى فانا الحسن بن محمد رسول الله (ص)، انا ابن البشير، انا ابن النذير، انا ابن الداعى الى الله باذنه و السراج المنير، انا من اهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، و الذين افترض الله مودتهم فى كتابه، اذ يقول: (و من يقترف حسنه نزد له فيها حسنا)، فاقتراف الحسنه مودتنا ا هل البيت.

قال ابوالفرج: فلما انتهى الى هذا الموضع من الخطبه، قام عبدالله بن العباس بين يديه، فدعا الناس الى بيعته، فاستجابوا و قالوا: ما احبه الينا و احقه بالخلافه! فبايعوه، ثم نزل من المنبر.

قال ابوالفرج: و دس معاويه رجلا من حمير الى الكوفه، و رجلا من بنى القين الى البصره يكتبان اليه بالاخبار، فدل على الحميرى و على القينى فاخذا و قتلا.

و كتب الحسن (ع) الى معاويه: اما بعد، فانك دسست الى الرجال، كانك تحب اللقاء، لااشك فى ذلك فتوقعه ان شاء الله.

و بلغنى انك شمت بما لم يشمت به ذو الحجى، و انما مثلك فى ذلك كما قال الاول: فانا و من قد مات منا لكالذى يروح فيمسى فى المبيت ليغتدى فقل للذى يبغى خلاف الذى مضى تجهز لاخرى مثلها فكان قد فاجابه معاويه: اما بعد، فقد وصل كتابك، و فهمت ما ذكرت فيه، و لقد علمت بما حدث فلم افرح و لم احزن، و لم اشمت و لم آس، و ان عليا اباك لكما قال اعشى بنى قيس ابن ثعلبه: فانت الجواد و انت الذى اذا ما القلوب ملان الصدورا جدير بطعنه يوم اللقا ء يضرب منها النساء النحورا و ما مزيد من خليج البحا ر يعلو الاكام و يعلو الجسورا باجود منه بما عنده فيعطى الالوف و يعطى البدورا قال ابوالفرج: و كتب عبدالله بن العباس من البصره الى معاويه: اما بعد، فانك و دسك اخا بنى القين الى البصره، تلتمس من غفلات قريش بمثل ما ظفرت به من يمانيتك، لكما قال اميه بن ابى الاسكر: لعمرك انى و الخزاعى طارقا كنعجه عاد حتفها تتحفر اثارث عليها شفره بكراعها فظلت بها من آخر الليل تنحر شمت بقوم من صديقك اهلكوا اصابهم يوم من الدهر اصفر فاجابه معاويه: اما بعد، فان الحسن بن على، قد كتب الى بنحو مما كتبت به، و انبانى بما لم يحقق سوء ظن و راى فى، و انك لم تصب مثلى و مثلكم، و انما مثلنا كما قال طارق الخزاعى يجيب اميه عن هذا الشعر: فو الله ما ادرى و انى لصادق الى اى من يظننى اتعذر اعنف ان كانت زبينه اهلكت و نال بنى لحيان شر فانفروا قال ابوالفرج: و كان اول شى ء احدثه الحسن (ع) انه زاد المقاتله مائه مائه، و قد كان على (ع) فعل ذلك يوم الجمل، و فعله الحسن حال الاستخلاف، فتبعه الخلفاء من بعده فى ذلك.

قال: و كتب الحسن (ع) الى معاويه مع حرب بن عبدالله الازدى.

من الحسن بن على اميرالمومنين الى معاويه بن ابى سفيان، سلام عليك، فانى احمد اليك الله الذى لا اله الا هو، اما بعد فان الله جل جلاله بعث محمدا رحمه للعالمي ن، و منه للمومنين، و كافه للناس اجمعين، (لينذر من كان حيا و يحق القول على الكافرين)، فبلغ رسالات الله، و قام بامر الله حتى توفاه الله غير مقصر و لا وان، و بعد ان اظهر الله به الحق، و محق به الشرك، و خص به قريشا خاصه فقال له: (و انه لذكر لك و لقومك).

فلما توفى تنازعت سلطانه العرب، فقالت قريش: نحن قبيلته و اسرته و اولياوه، و لايحل لكم ان تنازعونا سلطان محمد و حقه، فرات العرب ان القول ما قالت قريش، و ان الحجه فى ذلك لهم على من نازعهم امر محمد، فانعمت لهم، و سلمت اليهم.

ثم حاججنا نحن قريشا بمثل ما حاججت به العرب، فلم تنصفنا قريش انصاف العرب لها، انهم اخذوا هذا الامر دون العرب بالانتصاف و الاحتجاج، فلما صرنا اهل بيت محمد و اوليائه الى محاجتهم، و طلب النصف منهم باعدونا و استولوا بالاجماع على ظلمنا و مراغمتنا و العنت منهم لنا، فالموعد الله، و هو الولى النصير؟ و لقد كنا تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا فى حقنا و سلطان نبينا، و ان كانوا ذوى فضيله و سابقه فى الاسلام، و امسكنا عن منازعتهم، مخافه على الدين ان يجد المنافقون و الاحزاب فى ذلك مغمزا يثلمونه به، او يكون لهم بذلك سبب الى ما ارادوا من افساده، فاليوم فليتعجب المتعج ب من توثبك يا معاويه على امر لست من اهله، لا بفضل فى الدين معروف، و لا اثر فى الاسلام محمود، و انت ابن حزب من الاحزاب، و ابن اعدى قريش لرسول الله (ص) و لكتابه، و الله حسيبك، فسترد فتعلم لمن عقبى الدار، و بالله لتلقين عن قليل ربك، ثم ليجزينك بما قدمت يداك، و ما الله بظلام للعبيد.

ان عليا لما مضى لسبيله- رحمه الله عليه يوم قبض و يوم من الله عليه بالاسلام، و يوم يبعث حيا- ولانى المسلمون الامر بعده، فاسال الله الا يوتينا فى الدنيا الزائله شيئا ينقصنا به فى الاخره مما عنده من كرامه، و انما حملنى على الكتاب اليك الاعذار فيما بينى و بين الله عز و جل فى امرك، و لك فى ذلك ان فعلته الحظ الجسيم، و الصلاح للمسلمين، فدع التمادى فى الباطل، و ادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتى، فانك تعلم انى احق بهذا الامر منك عند الله و عند كل اواب حفيظ، و من له قلب منيب.

و اتق الله و دع البغى، و احقن دماء المسلمين، فو الله ما لك خير فى ان تلقى الله من دمائهم باكثر مما انت لاقيه به، و ادخل فى السلم و الطاعه، و لاتنازع الامر اهله و من هو احق به منك، ليطفى ء الله النائره بذلك، و يجمع الكلمه، و يصلح ذات البين، و ان انت ابيت الا التمادى فى غيك س رت اليك بالمسلمين فحاكمتك، حتى يحكم الله بيننا و هو خير الحاكمين.

فكتب معاويه اليه: من عبدالله معاويه اميرالمومنين الى الحسن بن على، سلام الله عليك، فانى احمد اليك الله الذى لا اله الا هو، اما بعد، فقد بلغنى كتابك، و فهمت ما ذكرت به محمدا رسول الله من الفضل، و هو احق الاولين و الاخرين بالفضل كله قديمه و حديثه، و صغيره و كبيره، و قد و الله بلغ و ادى، و نصح و هدى، حتى انقذ الله به من الهلكه، و انار به من العمى، و هدى به من الجهاله و الضلاله، فجزاه الله افضل ما جزى نبيا عن امته، و صلوات الله عليه يوم ولد، و يوم بعث، و يوم قبض، و يوم يبعث حيا! و ذكرت وفاه النبى (ص) و تنازع المسلمين الامر بعده، و تغلبهم على ابيك، فصرحت بتهمه ابى بكر الصديق و عمر الفاروق و ابى عبيده الامين و حوارى رسول الله (ص)، و صلحاء المهاجرين و الانصار، فكرهت ذلك لك، انك امرو عندنا و عند الناس غير الظنين و لا المسى ء، و لا اللئيم، و انا احب لك القول السديد، و الذكر الجميل.

ان هذه الامه لما اختلفت بعد نبيها لم تجهل فضلكم و لا سابقتكم، و لا قرابتكم من نبيكم، و لا مكانكم فى الاسلام و اهله، فرات الامه ان تخرج من هذا الامر لقريش لمكانها من نبيها، و راى صلحاء الناس من قريش و الانصار و غيرهم من سائر الناس و عوامهم ان يولوا هذا الامر من قريش اقدمها اسلاما، و اعلمها بالله، و احبها له، و اقواها على امر الله، فاختاروا ابابكر، و كان ذلك راى ذوى الدين و الفضل، و الناظرين للامه، فاوقع ذلك فى صدوركم لهم التهمه، و لم يكونوا متهمين، و لا فيما اتوا بالمخطئين، و لو راى المسلمون ان فيكم من يغنى غنائه، و يقوم مقامه، و يذب عن حريم الاسلام ذبه، ما عدلوا بالامر الى غيره رغبه عنه، و لكنهم علموا فى ذلك بما راوه صلاحا للاسلام و اهله، و الله يجزيهم عن الاسلام و اهله خيرا.

و قد فهمت الذى دعوتنى اليه من الصلح، و الحال فيما بينى و بينك اليوم مثل الحال التى كنتم عليها انتم و ابوبكر بعد وفاه النبى (ص)، فلو علمت انك اضبط منى للرعيه، و احوط على هذه الامه، و احسن سياسه، و اقوى على جمع الاموال، و اكيد للعدو، لاجبتك الى ما دعوتنى اليه، و رايتك لذلك اهلا، و لكن قد علمت انى اطول منك ولايه، و اقدم منك بهذه الامه تجربه، و اكبر منك سنا، فانت احق ان تجيبنى الى هذه المنزله التى سالتنى، فادخل فى طاعتى، و لك الامر من بعدى، و لك ما فى بيت مال العراق من مال بالغا ما يبلغ، تحمله الى حيث احببت، و لك خراج اى كور العراق شئت، معونه لك على نفقتك يجيبها امينك و يحملها اليك فى كل سنه، و لك الا نستولى عليك بالاسائه، و لانقضى دونك الامور، و لانعصى فى امر اردت به طاعه الله.

اعاننا الله و اياك على طاعته انه سميع مجيب الدعاء.

والسلام.

قال جندب: فلما اتيت الحسن بكتاب معاويه، قلت له: ان الرجل سائر اليك، فابداه بالمسير حتى تقاتله فى ارضه و بلاده و عمله، فاما ان تقدر انه ينقاد لك: فلا و الله حتى يرى منا اعظم من يوم صفين.

فقال: افعل، ثم قعد عن مشورتى و تناسى قولى.

قالوا: و كتب معاويه الى الحسن: اما بعد، فان الله يفعل فى عباده ما يشاء، لا معقب لحكمه و هو سريع الحساب، فاحذر ان تكون منيتك على ايدى رعاع من الناس، و ايئس من ان تجد فينا غميزه، و ان انت اعرضت عما انت فيه و بايعتنى وفيت لك بما وعدت، و اجريت لك ما شرطت، و اكون فى ذلك كما قال اعشى بنى قيس بن ثعلبه: و ان احد اسدى اليك امانه فاوف بها تدعى اذا مت وافيا و لاتحسد المولى اذا كان ذا غنى و لاتجفه ان كان فى المال فانيا ثم الخلافه لك من بعدى، فانت اولى الناس بها.

والسلام.

فاجابه الحسن: اما بعد فقد وصل الى كتابك، تذكر فيه ما ذكرت، فتركت جوابك خشيه البغى (منى) عل يك، و بالله اعوذ من ذلك، فاتبع الحق تعلم انى من اهله، و على اثم ان اقول فاكذب.

والسلام.

فلما وصل كتاب الحسن الى معاويه قراه، ثم كتب الى عماله على النواحى بنسخه واحده: من عبدالله معاويه اميرالمومنين الى فلان بن فلان و من قبله من المسلمين.

سلام عليكم، فانى احمد اليكم الله الذى لا اله الا هو.

اما بعد، فالحمد لله الذى كفاكم مونه عدوكم و قتل خليفتكم، ان الله بلطفه، و حسن صنعه، اتاح لعلى بن ابى طالب رجلا من عباده، فاغتاله فقتله، فترك اصحابه متفرقين مختلفين، و قد جائتنا كتب اشرافهم و قادتهم يلتمسون الامان لانفسهم و عشائرهم، فاقبلوا الى حين ياتيكم كتابى هذا بجهدكم و جندكم و حسن عدتكم، فقد اصبتم بحمد الله الثار، و بلغتم الامل، و اهلك الله اهل البغى و العدوان.

والسلام عليكم و رحمه الله و بركاته.

قال: فاجتمعت العساكر الى معاويه، فسار بها قاصدا الى العراق.

و بلغ الحسن خبره و مسيره نحوه، و انه قد بلغ جسر منبج، فتحرك عند ذلك، و بعث حجر بن عدى فامر العمال و الناس بالتهيو للمسير، و نادى المنادى: الصلاه جامعه! فاقبل الناس يثوبون و يجتمعون.

و قال الحسن: اذا رضيت جماعه الناس فاعلمنى، و جائه سعيد بن قيس الهمدانى، فقال له: اخرج، فخرج الحسن (ع)، و صعد المنبر، فحمد الله و اثنى عليه ثم قال: اما بعد، فان الله كتب الجهاد على خلقه، و سماه كرها، ثم قال لاهل الجهاد من المومنين: اصبروا ان الله مع الصابرين، فلستم ايها الناس نائلين ما تحبون الا بالصبر على ما تكرهون.

بلغنى ان معاويه بلغه انا كنا ازمعنا على المسير اليه، فتحرك لذلك، اخرجوا رحمكم الله الى معسكركم بالنخيله حتى ننظر و تنظروا، و نرى و تروا.

قال: و انه فى كلامه ليتخوف خذلان الناس له، قال: فسكتوا فما تكلم منهم احد، و لااجابه بحرف.

فلما راى ذلك عدى بن حاتم قام فقال: انا ابن حاتم! سبحان الله! ما اقبح هذا المقام! الا تجيبون امامكم و ابن بنت نبيكم! اين خطباء مضر (اين المسلمون؟ اين الخواضون من اهل المصر) الذين السنتهم كالمخاريق فى الدعه، فاذا جد الجد فرواغون كالثعالب، اما تخافون مقت الله و لا عيبها و عارها.

ثم استقبل الحسن بوجهه، فقال: اصاب الله بك المراشد، و جنبك المكاره و وفقك لما يحمد ورده و صدره.

قد سمعنا مقالتك، و انتهينا الى امرك، و سمعنا لك و اطعناك فيما قلت و ما رايت، و هذا وجهى الى معسكرى، فمن احب ان يوافينى فليواف.

ثم مضى لوجهه، فخرج من المسجد و دابته بالباب، فركبها و مضى الى النخ يله، و امر غلامه ان يلحقه بما يصلحه.

و كان عدى بن حاتم اول الناس عسكر.

و قام قيس بن سعد بن عباده الانصارى و معقل بن قيس الرياحى و زياد بن صعصعه التيمى، فانبوا الناس و لاموهم و حرضوهم، و كلموا الحسن (ع) بمثل كلام عدى بن حاتم فى الاجابه و القبول، فقال لهم الحسن (ع): صدقتم رحمكم الله! ما زلت اعرفكم بصدق النيه و الوفاء و القبول و الموده الصحيحه، فجزاكم الله خيرا ثم نزل.

و خرج الناس فعسكروا، و نشطوا للخروج، و خرج الحسن الى العسكر، و استخلف على الكوفه المغيره بن نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب، و امره باستحثاث الناس و اشخاصهم اليه، فجعل يستحثهم و يستخرجهم حتى يلتئم العسكر.

و سار الحسن (ع) فى عسكر عظيم و عده حسنه، حتى نزل دير عبدالرحمن، فاقام به ثلاثا حتى اجتمع الناس، ثم دعا عبيدالله بن العباس بن عبدالمطلب، فقال له: يابن عم، انى باعث اليك اثنى عشر الفا من فرسان العرب و قراء المصر، الرجل منهم يزيد الكتيبه، فسر بهم، و الن لهم جانبك، و ابسط لهم وجهك، و افرش لهم جناحك، و ادنهم من مجلسك، فانهم بقيه ثقات اميرالمومنين، و سر بهم على شط الفرات، حتى تقطع بهم الفرات، ثم تصير الى مسكن، ثم امض حتى تستقبل بهم معاويه، فان انت لقيته ف احبسه حتى آتيك، فانى على اثرك وشيكا، و ليكن خبرك عندى كل يوم، و شاور هذين- يعنى قيس بن سعد و سعيد بن قيس- و اذا لقيت معاويه فلاتقاتله حتى يقاتلك، فان فعل فقاتله، و ان اصبت فقيس بن سعد على الناس، و ان اصيب قيس بن سعد فسعيد بن قيس على الناس.

فسار عبيدالله حتى انتهى الى شينور، حتى خرج الى شاهى، ثم لزم الفرات و الفلوجه، حتى اتى مسكن، و اخذ الحسن على حمام عمر حتى اتى دير كعب، ثم بكر فنزل ساباط دون القنطره، فلما اصبح نادى فى الناس: الصلاه جامعه! فاجتمعوا، فصعد المنبر فخطبهم فقال: الحمد لله كلما حمده حامد، و اشهد ان لا اله الا الله كلما شهد له شاهد، و اشهد ان محمدا رسول الله، ارسله بالحق، و ائتمنه على الوحى، (ص).

اما بعد، فو الله انى لارجو ان اكون قد اصبحت بحمد الله و منه و انا انصح خلقه لخلقه، و ما اصبحت محتملا على مسلم ضغينه، و لا مريد له بسوء و لا غائله.

الا و ان ما تكرهون فى الجماعه خير لكم مما تحبون فى الفرقه، الا و انى ناظر لكم خيرا من نظركم لانفسكم، فلا تخالفوا امرى، و لا تردوا على رايى.

غفر الله لى و لكم، و ارشدنى و اياكم لما فيه محبته و رضاه، ان شاء الله! ثم نزل.

قال: فنظر الناس بعضهم الى بعض، و قالوا: ما ترونه يريد بما قال؟ قالوا: نظنه يريد ان يصالح معاويه، و يكل الامر اليه، كفر و الله الرجل! ثم شدوا على فسطاطه.

فانتهبوه حتى اخذوا مصلاه من تحته، ثم شد عليه عبدالرحمن بن عبدالله بن جعال الازدى، فنزع مطرفه عن عاتقه، فبقى جالسا متقلدا سيفا بغير رداء، فدعا بفرسه فركبه، و احدق به طوائف من خاصته و شيعته، و منعوا منه من اراده، و لاموه و ضعفوه لما تكلم به، فقال: ادعوا الى ربيعه و همدان، فدعوا له، فاطافوا به، و دفعوا الناس عنه، و معهم شوب من غيرهم، فلما مر فى مظلم ساباط، قام اليه رجل من بنى اسد، ثم من بنى نصر بن قعين يقال له جراح بن سنان، و بيده معول، فاخذ بلجام فرسه، و قال: الله اكبر! يا حسن اشرك ابوك، ثم اشركت انت.

و طعنه بالمعول، فوقعت فى فخذه، فشقته حتى بلغت اربيته، و سقط الحسن (ع) الى الارض بعد ان ضرب الذى طعنه بسيف كان بيده، و اعتنقه، فخرا جميعا الى الارض، فوثب عبدالله بن الاخطل الطائى، و نزع المعول من يد جراح بن سنان، فخضخضه به، و اكب ظبيان بن عماره عليه، فقطع انفه، ثم اخذا له الاجر فشدخا راسه، و وجهه حتى قتلوه.

و حمل الحسن (ع) على سرير الى المدائن، و بها سعيد بن مسعود الثقفى واليا عليها من قبله، و قد كان على ( ع) ولاه المدائن فاقره الحسن (ع) عليها، فاقام عنده يعالج نفسه.

فاما معاويه فانه وافى حتى نزل قريه يقال لها الحلوبيه بمسكن، و اقبل عبيدالله بن عباس حتى نزل بازائه، فلما كان من غد وجه معاويه بخيله اليه فخرج اليهم عبيدالله فيمن معه فضربهم حتى ردهم الى معسكرهم، فلما كان الليل ارسل معاويه الى عبيدالله بن عباس ان الحسن قد راسلنى فى الصلح، و هو مسلم الامر الى، فان دخلت فى طاعتى الان كنت متبوعا، و الا دخلت و انت تابع، و لك ان اجبتنى الان ان اعطيك الف الف درهم، اعجل لك فى هذا الوقت نصفها، و اذا دخلت الكوفه النصف الاخر: فانسل عبيدالله اليه ليلا، فدخل عسكر معاويه، فوفى له بما وعده، و اصبح الناس ينتظرون عبيدالله ان يخرج فيصلى بهم، فلم يخرج حتى اصبحوا، فطلبوه فلم يجدوه، فصلى بهم قيس بن سعد بن عباده، ثم خطبهم فثبتهم، و ذكر عبيدالله فنال منه، ثم امرهم بالصبر و النهوض الى العدو، فاجابوه بالطاعه و قالوا له: انهض بنا الى عدونا على اسم الله، فنزل فنهض بهم.

و خرج اليه بسر بن ارطاه فصاح الى اهل العراق: و يحكم! هذا اميركم عندنا قد بايع و امامكم الحسن قد صالح، فعلام تقتلون انفسكم! فقال لهم قيس بن سعد: اختاروا احدى اثنتين، اما القتا ل مع غير امام، و اما ان تبايعوا بيعه ضلال، فقالوا: بل نقاتل بلا امام، فخرجوا فضربوا اهل الشام حتى ردوهم الى مصافهم.

فكتب معاويه الى قيس بن سعد يدعوه و يمنيه، فكتب اليه قيس: لا و الله لا تلقانى ابدا الا بينى و بينك الرمح.

فكتب اليه معاويه حينئذ لما يئس منه: اما بعد، فانك يهودى ابن يهودى، تشقى نفسك و تقتلها فيما ليس لك، فان ظهر احب الفريقين اليك نبذك و غدرك، و ان ظهر ابغضهم اليك نكل بك و قتلك، و قد كان ابوك اوتر غير قوسه، و رمى غير غرضه، فاكثر الحز و اخطا المفصل، فخذله قومه، و ادركه يومه، فمات بحوران طريدا غريبا.

والسلام.

فكتب اليه قيس بن سعد: اما بعد، فانما انت وثن ابن وثن، دخلت فى الاسلام كرها، و اقمت فيه فرقا، و خرجت منه طوعا، و لم يجعل الله لك فيه نصيبا، لم يقدم اسلامك، و لم يحدث نفاقك، و لم تزل حربا لله و لرسوله، و حزبا من احزاب المشركين، و عدوا لله و لنبيه و للمومنين من عباده- و ذكرت ابى فلعمرى ما اوتر الا قوسه، و لا رمى الا غرضه، فشغب عليه من لا يشق غباره، و لا يبلغ كعبه و زعمت انى يهودى ابن يهودى، و قد علمت و علم الناس انى و ابى اعداء الدين الذى خرجت منه، و انصار الدين الذى دخلت فيه، و صرت اليه.

والسلام .

فلما قرا معاويه كتابه غاظه، و اراد اجابته، فقال له عمرو: مهلا، فانك ان كاتبته اجابك باشد من هذا، و ان تركته دخل فيما دخل فيه الناس.

فامسك عنه.

قال: و بعث معاويه عبدالله بن عامر و عبدالرحمن بن سمره الى الحسن للصلح، فدعواه اليه، فزهداه فى الامر، و اعطياه ما شرط له معاويه، و الا يتبع احد بما مضى، و لا ينال احد من شيعه على بمكروه، و لا يذكر على الا بخير، و اشياء شرطها الحسن.

فاجاب الى ذلك، و انصرف قيس بن سعد فيمن معه الى الكوفه، و انصرف الحسن ايضا اليها، و اقبل معاويه قاصدا نحو الكوفه، و اجتمع الى الحسن (ع) وجوه الشيعه و اكابر اصحاب اميرالمومنين (ع) يلومونه، و يبكون اليه جزعا مما فعله.

قال ابوالفرج: فحدثنى محمد بن احمد بن عبيد، قال: حدثنا الفضل بن الحسن البصرى قال: حدثنا ابن عمرو، قال: حدثنا مكى بن ابراهيم، قال: حدثنا السرى بن اسماعيل، عن الشعبى، عن سفيان بن ابى ليلى.

قال ابوالفرج: و حدثنى به ايضا محمد بن الحسين الاشناندانى، و على بن العباس المقانعى، عن عباد بن يعقوب، عن عمرو بن ثابت، عن الحسن بن الحكم، عن عدى بن ثابت، عن سفيان بن ابى ليلى، قال: اتيت الحسن بن على حين بايع معاويه، فوجدته بفناء داره، و عنده رهط، فقلت: السلام عليك يا مذل المومنين، قال: و عليك السلام يا سفيان، و نزلت فعقلت راحلتى، ثم اتيته فجلست اليه، فقال: كيف قلت يا سفيان؟ قلت: السلام عليك يا مذل المومنين! فقال: لم جرى هذا منك الينا؟ قلت: انت و الله بابى و امى اذللت رقابنا حيث اعطيت هذا الطاغيه البيعه، و سلمت الامر الى اللعين ابن آكله الاكباد، و معك مائه الف كلهم يموت دونك، فقد جمع الله عليك امر الناس.

فقال: يا سفيان، انا اهل بيت اذا علمنا الحق تمسكنا به، و انى سمعت عليا يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول: (لا تذهب الليالى و الايام حتى يجتمع امر هذه الامه على رجل واسع السرم، ضخم البلعوم، ياكل و لا يشبع، لا ينظر الله اليه، و لا يموت حتى لايكون له فى السماء عاذر، و لا فى الارض ناصر)، و انه لمعاويه، و انى عرفت ان الله بالغ امره.

ثم اذن الموذن، فقمنا على حالب نحلب ناقته، فتناول الاناء، فشرب قائما، ثم سقانى، و خرجنا نمشى الى المسجد، فقال لى: ما جاء بك يا سفيان؟ قلت: حبكم و الذى بعث محمدا بالهدى و دين الحق! قال: فابشر يا سفيان، فانى سمعت عليا يقول؟ سمعت رسول الله (ص) يقول: يرد على الحوض اهل بيتى و من احبهم من امتى كهاتين- يعنى السبابتين، او كهاتين يعنى السبابه و الوسطى- احداهما تفضل على الاخرى، ابشر يا سفيان، فان الدنيا تسع البر و الفاجر، حتى يبعث الله امام الحق من آل محمد (ص).

قلت: قوله: (و لا فى الارض ناصر)، اى ناصر دينى، اى لايمكن احدا ان ينتصر له بتاويل دينى يتكلف به عذرا لافعاله القبيحه.

فان قلت: قوله: (و انه لمعاويه) من الحديث المرفوع، او من كلام على (ع)، او من كلام الحسن (ع)؟ قلت: الظاهر انه من كلام الحسن (ع)، فانه قد غلب على ظنه ان معاويه صاحب هذه الصفات، و ان كان القسمان الاولان غير ممتنعين.

فان قلت: فمن هو امام الحق من آل محمد؟ قلت: اما الاماميه فتزعم انه صاحبهم الذى يعتقدون انه الان حى فى الارض، و اما اصحابنا فيزعمون انه فاطمى يخلقه الله فى آخر الزمان.

قال ابوالفرج: و سار معاويه حتى نزل النخيله، و جمع الناس بها فخطبهم قبل ان يدخل الكوفه خطبه طويله لم ينقلها احد من الرواه تامه، و جائت منقطعه فى الحديث، و سنذكر ما انتهى الينا منها.

فاما الشعبى فانه روى انه قال فى الخطبه: ما اختلف امر امه بعد نبيها الا و ظهر اهل باطلها على اهل حقها، ثم انتبه فندم فقال: الا هذه الامه فانها و انها... و اما ابواسحاق السبيعى فقال: ان معاويه قال فى خطبته بالنخيله: الا ان كل شى ء اعطيته الحسن بن على تحت قدمى هاتين لا افى به.

قال ابواسحاق، و كان و الله غدارا.

و روى الاعمش عن عمرو بن مره، عن سعيد بن سويد، قال: صلى بنا معاويه بالنخيله الجمعه، ثم خطبنا، فقال: و الله انى ما قاتلتكم لتصلوا، و لا لتصوموا، و لا لتحجوا و لا لتزكوا، انكم لتفعلون ذلك، و انما قاتلتكم لاتامر عليكم، و قد اعطانى الله ذلك و انتم كارهون.

قال: و كان عبدالرحمن بن شريك اذا حدث بذلك، يقول: هذا و الله هو التهتك.

قال ابوالفرج: و حدثنى ابوعبيد محمد بن احمد، قال: حدثنى الفضل بن الحسن البصرى، قال: حدثنى يحيى بن معين قال: حدثنى ابوحفص اللبان، عن عبدالرحمن ابن شريك، عن اسماعيل بن ابى خالد، عن حبيب بن ابى ثابت، قال: خطب معاويه بالكوفه حين دخلها، و الحسن و الحسين (ع) جالسان تحت المنبر، فذكر عليا (ع) فنال منه، ثم نال من الحسن، فقام الحسين (ع) ليرد عليه، فاخذه الحسن بيده فاجلسه، ثم قام فقال: ايها الذاكر عليا: انا الحسن، و ابى على، و انت معاويه و ابوك صخر، و امى فاطمه و امك هند، و جدى رسول الله و جدك عتبه بن ربيعه، و جدتى خديجه و جدتك قتيله، فلعن الله اخملنا ذكرا، و الامنا حسبا، و شرنا قديما و حديثا، و اقدمنا كفرا و نفاقا! فقال طو ائف من اهل المسجد: آمين.

قال الفضل: قال يحيى بن معين، و انا اقول: آمين.

قال ابوالفرج: قال ابوعبيد: قال الفضل: و انا اقول: (آمين)، و يقول على بن الحسين الاصفهانى: آمين.

قلت: و يقول عبدالحميد بن ابى الحديد مصنف هذا الكتاب: آمين.

قال ابوالفرج: و دخل معاويه الكوفه بعد فراغه من خطبته بالنخيله و بين يديه خالد ابن عرفطه، و معه حبيب بن حماد يحمل رايته.

فلما صار بالكوفه دخل المسجد من باب الفيل، و اجتمع الناس اليه.

قال ابوالفرج: فحدثنى ابوعبيد الصيرفى و احمد بن عبيدالله بن عمار، عن محمد بن على بن خلف، عن محمد بن عمرو الرازى، عن مالك بن سعيد، عن محمد بن عبدالله الليثى، عن عطاء بن السائب، عن ابيه، قال: بينما على بن ابى طالب (ع) على منبر الكوفه، اذ دخل رجل، فقال: يا اميرالمومنين، مات خالد بن عرفطه، فقال: لا و الله (ما) مات و لا يموت حتى يدخل من باب المسجد، و اشار الى باب الفيل، و معه رايه ضلاله يحملها حبيب بن حماد.

قال: فوثب رجل فقال: يا اميرالمومنين، انا حبيب بن حماد، و انا لك شيعه، فقال: فانه كما اقول: فو الله لقد قدم خالد بن عرفطه على مقدمه معاويه يحمل رايته حبيب بن حماد.

قال ابوالفرج: و قال مالك بن سعيد، و حدثنى الاع مش بهذا الحديث، قال: حدثنى صاحب هذه الدار- و اشار الى دار السائب ابى عطاء- انه سمع عليا (ع) يقول هذا.

قال ابوالفرج: فلما تم الصلح بين الحسن و معاويه ارسل الى قيس بن سعد يدعوه الى البيعه فجائه- و كان رجلا طوالا يركب الفرس المشرف و رجلاه تخطان فى الارض- و ما فى وجهه طاقه شعر، و كان يسمى خصى الانصار.

فلما ارادوا ادخاله اليه قال: انى حلفت الا القاه الا و بينى و بينه الرمح او السيف، فامر معاويه برمح و سيف فوضعا بينه و بينه ليبر يمينه.

قال ابوالفرج: و قد روى ان الحسن لما صالح معاويه اعتزل قيس بن سعد فى اربعه آلاف فارس فابى ان يبايع، فلما بايع الحسن ادخل قيس ليبايع، فاقبل على الحسن، فقال: افى حل انا من بيعتك؟ فقال: نعم، فالقى له كرسى، و جلس معاويه على سرير و الحسن معه، فقال له معاويه: اتبايع يا قيس؟ قال: نعم، و وضع يده على فخذه، و لم يمدها الى معاويه، فجاء معاويه من سريره، و اكب على قيس حتى مسح يده، على يده و ما رفع اليه قيس يده.

قال ابوالفرج: ثم ان معاويه امر الحسن ان يخطب، فظن انه سيحصر، فقام فخطب، فقال فى خطبته: انما الخليفه من سار بكتاب الله و سنه نبيه، و ليس الخليفه من سار بالجور، ذاك رجل ملك ملكا تمتع به قليل ا، ثم تنخمه، تنقطع لذته، و تبقى تبعته (و ان ادرى لعله فتنه لكم و متاع الى حين).

قال: و انصرف الحسن الى المدينه، فاقام بها، و اراد معاويه البيعه لابنه يزيد، فلم يكن عليه شى ء اثقل من امر الحسن بن على و سعد بن ابى وقاص، فدس اليهما سما فماتا منه.

قال ابوالفرج: فحدثنى احمد بن عبيدالله بن عمار، عن عيسى بن مهران، عن عبيد بن الصباح الخراز، عن جرير، عن مغيره، قال: ارسل معاويه الى بنت الاشعث بن قيس- و هى تحت الحسن- فقال لها: انى مزوجك يزيد ابنى على ان تسمى الحسن، و بعث اليها بمائه الف درهم.

ففعلت، و سمت الحسن، فسوغها المال و لم يزوجها منه، فخلف عليها رجل من آل طلحه، فاولدها، فكان اذا وقع بينهم و بين بطون قريش كلام عيروهم، و قالوا: يا بنى مسمه الازواج.

قال: حدثنى احمد، قال: حدثنى يحيى بن بكير، عن شعبه، عن ابى بكر بن حفص، قال: توفى الحسن بن على و سعد بن ابى وقاص فى ايام متقاربه، و ذلك بعد ما مضى من ولايه اماره معاويه عشر سنين، و كانوا يروون انه سقاهما السم.

قال ابوالفرج: و حدثنى احمد بن عون، عن عمران بن اسحاق، قال: كنت مع الحسن و الحسين (ع) فى الدار، فدخل الحسن المخرج، ثم خرج، فقال: لقد سقيت السم مرارا، ما سقيت مثل هذه المره، لقد لفظت قطعه من كبدى فجعلت اقلبها بعود معى.

فقال الحسين: و من سقاك؟ قال: و ما تريد منه؟ اتريد ان تقتله! ان يكن هو هو، فالله اشد نقمه منك، و ان لم يكن هو فما احب ان يوخذ بى برى ء.

قال ابوالفرج: دفن الحسن (ع) فى قبر فاطمه بنت رسول الله (ص) فى البقيع، و قد كان اوصى ان يدفن مع النبى (ص)، فمنع مروان بن الحكم من ذلك، و ركبت بنواميه فى السلاح، و جعل مروان يقول: يا رب هيجا هى خير من دعه يدفن عثمان فى البقيع، و يدفن الحسن فى بيت النبى (ص)! و الله لايكون ذلك ابدا و انا احمل السيف، و كادت الفتنه تقع، و ابى الحسين (ع) ان يدفنه الا مع النبى (ص)، فقال له عبدالله بن جعفر: عزمت عليك يا اباعبدالله بحقى الا تكلم بكلمه! فمضوا به الى البقيع، و انصرف مروان.

قال ابوالفرج: و قد روى الزبير بن بكار ان الحسن (ع) ارسل الى عائشه ان تاذن له ان يدفن مع النبى (ص)، فقالت: نعم، فلما سمعت بنواميه بذلك استلاموا فى السلاح، و تنادوا هم و بنوهاشم فى القتال، فبلغ ذلك الحسن، فارسل الى بنى هاشم: اما اذا كان هذا فلا حاجه لى فيه، ادفنونى الى جنب امى، فدفن الى جنب فاطمه (ع).

قال ابوالفرج: فاما يحيى بن الحسن صاحب كتاب "النسب"، فانه روى ان عائشه ركبت ذلك اليوم بغلا و استنفرت بنواميه مروان بن الحكم و من كان هناك منهم و من حشمهم و هو قول القائل: فيوما على بغل و يوما على جمل قلت: و ليس فى روايه يحيى بن الحسن ما يوخذ على عائشه، لانه لم يروا انها استنفرت الناس لما ركبت البغل، و انما المستنفرون هم بنواميه، و يجوز ان تكون عائشه ركبت لتسكين الفتنه، لا سيما و قد روى عنها انه لما طلب منها الدفن قالت: نعم، فهذه الحال و القصه منقبه من مناقب عائشه.

قال ابوالفرج: و قال جويريه بن اسماء: لما مات الحسن و اخرجوا جنازته جاء مروان حتى دخل تحته فحمل سريره، فقال له الحسين (ع): اتحمل اليوم سريره و بالامس كنت تجرعه الغيظ! قال مروان: كنت افعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال.

قال: و قدم الحسين (ع) للصلاه عليه سعيد بن العاص، و هو يومئذ امير المدينه، و قال: تقدم فلو لا انها سنه لما قدمتك.

قال: قيل لابى اسحاق السبيعى: متى ذل الناس؟ فقال: حين مات الحسن، و ادعى زياد، و قتل حجر بن عدى.

قال: اختلف الناس فى سن الحسن (ع) وقت وفاته، فقيل: ابن ثمان و اربعين- و هو المروى عن جعفر بن محمد (ع) فى روايه هشام بن سالم- و قيل: ابن ست و اربعين، و هو المروى ايضا عن جعفر بن محمد (ع) فى روايه ابى بصير.

قال: و فى الحسن (ع) يقول سليمان بن قته يرثيه، و كان محبا له: يا كذب الله من نعى حسنا ليس لتكذيب نعيه ثمن كنت خليلى و كنت خالصتى لكل حى من اهله سكن اجول فى الدار لااراك و فى ال دار اناس جوارهم غبن بدلتهم منك ليت انهم اضحوا و بينى و بينهم عدن ثم نرجع الى تفسير الفاظ الفصل.

اما قوله: (كتبها اليه بحاضرين) فالذى كنا نقروه قديما، (كتبها اليه بالحاضرين) على صيغه التثنيه، يعنى حاضر حلب و حاضر قنسرين، و هى الارباض و الضواحى المحيطه بهذه البلاد، ثم قراناه بعد ذلك على جماعه من الشيوخ بغير لام، و لم يفسروه، و منهم من يذكره بصيغه الجمع لا بصيغه التثنيه، و منهم من يقول بخناصرين، يظنونه تثنيه خناصره او جمعها، و قد طلبت هذه الكلمه فى الكتب المصنفه، سيما فى البلاد (و الارضين) فلم اجدها، و لعلى اظفر بها فيما بعد فالحقها فى هذا الموضع.

قوله: (من الوالد الفان)، حذف الياء هاهنا للازدواج بين (الفان) و (الزمان)، و لانه وقف، و فى الوقف على المنقوص يجوز مع اللام حذف الياء و اثباتها، و الاثبات هو الوجه، و مع عدم اللام يجوز الامران و اسقاط الياء هو الوجه.

قوله: (المقر للزمان) اى المقر له بالغلبه، كانه جعل نفسه فيما مضى خصما للزمان بالقهر.

قوله: (المدبر العمر)، لانه كان قد جاوز الستين، و لم يبق بعد مجاوزه الستين الا ادبار العمر، لانها نصف العمر الطبيعى الذى قل ان يبلغه احد، فعلى تقدير انه يبلغه، فكل ما بعد الستين اقل مما مضى فلا جرم يكون العمر قد ادبر.

قوله: (المستسلم للدهر)، هذا آكد من قوله: (المقر للزمان) لانه قد يقر الانسان لخصمه و لايستسلم.

قوله: (الذام للدنيا) هذا وصف لم يستحدثه عند الكبر، بل لم يزل عليه، و لكن يجوز ان يزيد ذمه لها، لان الشيخ تنقص قواه التى يستعين بها على الدنيا و الدين جميعا، و لا يزال يتافف من الدنيا.

قوله: (الساكن مساكن الموتى)، اشعار بانه سيموت، و هذا من قوله تعالى: (و سكنتم فى مساكن الذين ظلموا انفسهم).

قوله: (الظاعن عنها غدا)، لا يريد الغد بعينه، بل يريد قرب الرحيل و الظعن.

و هذا الكلام من اميرالمومنين (ع) كلام من قد ايقن بالفراق، و لا ريب فى ظهور الاستكانه و الخضوع عليه، و يدل ايضا على كرب و ضيق عطن، لكونه لم يبلغ اربه من حرب اهل الشام، و انعكس ما قدره بتخاذل اصحابه عنه، و نفوذ حكم عمرو بن العاص فيه لحمق ابى موسى و غباوته و انحرافه ايضا.

قوله: (الى المولود) هذه اللفظه بازاء (الوالد).

قوله: (المو مل ما لا يدرك)، لو قال قائل: انه كنى بذلك عن انه لا ينال الخلافه بعد موتى و ان كان موملا لها لم يبعد، و يكون ذلك اخبارا عن غيب، و لكن الاظهر انه لم يرد ذلك و انما اراد جنس البشر لا خصوص الحسن، و كذلك سائر الاوصاف التى تلى هذه اللفظه لاتخص الحسن (ع) بعينه، بل هى و ان كانت له فى الظاهر بل هى للناس كلهم فى الحقيقه، الا ترى الى قوله بعدها: (السالك سبيل من قد هلك) فان كل واحد من الناس يومل امورا لا يدركها، و كل واحد من الناس سالك سبيل من هلك قبله قوله (ع): (غرض الاسقام) لان الانسان كالهدف لافات الدنيا و اعراضها.

قوله (ع): (و رهينه الايام) الرهينه هاهنا: المهزول يقال: انه لرهن و انه لرهينه، اذا كان مهزولا بالياء قال الراجز: اما ترى جسمى خلاء قد رهن هزلا و ما مجد الرجال فى السمن و يجوز ان يريد بالرهينه واحده الرهائن، يقال للاسير او للزمن او للعاجز عند الرحيل: انه لرهينه، و ذلك لان الرهائن محتبسه عند مرتهنها.

قوله: (و رميه المصائب)، الرميه ما يرمى.

قوله: (و عبد الدنيا، و تاجر الغرور، و غريم المنايا)، لان الانسان طوع شهواته، فهو عبد الدنيا، و حركاته فيها مبنيه على غرور لا اصل له، فهو تاجر الغرور لا محاله، و لما ك انت المنايا تطالبه بالرحيل عن هذه الدار كانت غريما له يقتضيه ما لابد له من ادائه.

قوله: (و اسير الموت، و حليف الهموم، و قرين الاحزان، و نصب الافات، و سريع الشهوات)، لما كان الانسان مع الموت، كما قال طرفه: لعمرك ان الموت ما اخطا الفتى لكالطول المرخى و ثنياه باليد كان اسيرا له لا محاله، و لما كان لابد لكل انسان من الهم كان حليف الهموم، و كذلك لا يخلو و لا ينفك من الحزن، فكان قرينا له، و لما كان معرضا للافات كان نصبا لها، و لما كان انما يهلك بشهواته كان صريعا لها.

قوله: (و خليفه الاموات) قد اخذه من قال: ان امرا ليس بينه و بين آدم الا اب ميت، لمعرق فى الموت.

و اعلم انه عد من صفات نفسه سبعا، و عد من صفات ولده اربع عشره صفه، فجعل بازاء كل واحده مما له اثنتين، فليلمح ذلك.

(بعض ما قيل من الشعر فى الدهر و فعله بالانسان) و من جيد مانعى به شاعر نفسه، و وصف ما نقص الدهر من قواه، قول عوف بن محلم الشيبانى فى عبدالله بن طاهر امير خراسان: يابن الذى دان له المشرقان و البس الامن به المغربان ان الثمانين و بلغتها قد احوجت سمعى الى ترجمان و بدلتنى بالشطاط انحنا و كنت كالصعده تحت السنان و قاربت منى خطا لم تكن مقاربات و ثنت من عنان و عوضتنى من زماع الفتى و همه هم الجبان الهدان و انشات بينى و بين الورى عنانه من غير نسج العنان و لم تدع فى لمستمتع الا لسانى و كفانى لسان ادعو به الله و اثنى به على الامير المصعبى الهجان و من الشعر القديم الجيد فى هذا المعنى قول سالم بن عونه الضبى: لايبعدن عصر الشباب و لا لذاته و نباته النضر و المشرفات من الخدور كاي ماض الغمان يجوز بالقطر و طراد خيل مثلها التقتا لحفيظه و مقاعد الخمر لو لا اولئك ما حلفت متى عوليت فى خرج الى قبرى هربت زبيبه ان رات ثرمى و ان انحنى لتقادم ظهرى من بعد ما عهدت فادلفنى يوم يمر و ليله تسرى حتى كانى خاتل قنصا و المرء بعد تمامه يجرى لاتهزئى منى زبيب فما فى ذاك من عجب و لا سخر او لم ترى لقمان اهلكه ما اقتات من سنه و من شهر و بقاء نسر كلما انقرضت ايامه عادت الى نسر ما طال من امد على لبد رجعت محارته الى قصر و لقد حلبت الدهر اشطره و علمت ما آتى من الامر انا استفصح قوله: (ما اقتات من سنه و من شهر) جعل الزمان كالقوت له، و من اقتات الشى ء فقد اكله، و الاكل سبب المرض، و المرض سبب الهلاك.

الشرح:

يزعنى: يكفنى و يصدنى، وزعت فلانا، و لابد للناس من وزعه.

و سوى، لفظه تقصر اذا كسرت سينها، و تمد اذا فتحتها، و هى هاهنا بمعنى غير، و من قبلها بمعنى شى ء منكر، كقوله: رب من انضجت غيظا قلبه و التقدير: غير ذكر انسان سواى، و يجوز ان تكون (من) موصوله، و قد حذف احد جزاى الصله، و التقدير عن ذكر الذى هو غيرى، كما قالوا فى: (لننزعن من كل شيعه ايهم اشد)، اى هو اشد.

يقول (ع): ان فيما قد بان لى من تنكر الوقت و ادبار الدنيا و اقبال الاخره شاغلا لى عن الاهتمام باحد غيرى، و الاهتمام و الفكر فى امر الولد و غيره ممن اخلفه ورائى.

ثم عاد فقال: الا ان همى بنفسى يقتضى اهتمامى بك، لانك بعضى بل كلى، فان كان اهتمامى بنفسى يصرفنى عن غيرى لم تكن انت داخلا فى جمله من يصرفنى همى بنفسى عنهم، لانك لست غيرى.

فان قلت: افهذا الهم حدث لاميرالمومنين (ع) الان، او من قبل لم يكن عالما بان الدنيا مدبره، و الاخره مقبله؟ قلت: كلا بل لم يزل عالما عارفا بذلك، و لكنه الان تاكد و قوى، بطريق علو السن و ضعف القوى، و هذا امر يحصل للانسان على سبيل الايجاب، لابد من حصوله لكل احد، و ان كان عالما بالحال من قبل، و لكن ليس العيان كالخبر.

و م ن مستحسن ما قيل فى هذا المعنى قول ابى اسحاق الصابى: اقيك الردى انى تنبهت من كرى و سهو على طول المدى اعتريانى فاثبت شخصا دانيا كان خافيا على البعد حتى صار نصب عيانى هو الاجل المحتوم لى جد جده و كان يرينى غفله المتوانى له نذر قد آذنتنى بهجمه له لست منها آخذا بامان و لابد منه ممهلا او معاجلا سياتى فلا يثنيه عنى ثان و اول هذه القصيده و هو داخل له فى هذا المعنى ايضا: اذا ما تعدت بى و سارت محفه لها ارجل يسعى بها رجلان و ما كنت من فرسانها غير انها وفت لى لما خانت القدمان نزلت اليها عن سراه حصانى بحكم مشيب او فراش حصان فقد حملت منى ابن سبعين سالكا سبيلا عليها يسلك الثقلان كما حمل المهد الصبى و قبلها ذعرت اسود الغيل بالنزوان و لى بعدها اخرى تسمى جنازه جنيبه يوم للمنيه دان تسير على اقدام اربعه الى ديار البلى معدودهن ثمان و انى على عيث الردى فى جوارحى و ما كف من خطوى و بطش بنانى و ان لم يدع الا فوادا مروعا به غير باق من الحدثان تلوم تحت الحجب ينفث حكمه الى اذن تصغى لنطق لسان لاعلم انى ميت عاق دنفه ذماء قليل فى غد هو فان و ان فما للارض غرثان حائما يراصد من اكلى حضور اوان به شره عم الورى بفجائع تركن فلانا ثاكلا لفلان غدا فاغرا يشكو الطوى و هو راتع فما تلتقى يوما له الشفتان اذا عاضنا بالنسل ممن نعوله تلا اولا منه بمهلك ثان الى ذات يوم لاترى الارض وارثا سوى الله من انس تراه و جان قوله: (تفرد بى دون هموم الناس هم نفسى) اى دون الهموم التى قد كانت تعترينى لاجل احوال الناس.

فصدقنى رايى، يقال: صدقته كذا اى عن كذا، و فى المثل: (صدقنى سن بكره لانه) لما نفر قال له: هدع، و هى كلمه تسكن بها صغار الابل اذا نفرت، و المعنى ان هذا الهم صدقنى عن الصفه التى يجب ان يكون رايى عليها و تلك الصفه هى الا يفكر فى امر شى ء من الموجودات اصلا الا الله تعالى و نفسه، و فوق هذه الطبقه طبقه اخرى جدا و هى الا تفكر فى شى ء قط الا فى الله وحده، و فوق هذه الطبقه طبقه اخرى تجل عن الذكر و التفسير، و لاتصلح لاحد من المخلوقين الا النادر الشاذ، و قد ذكرها هو فيما سبق، و هو الا يفكر فى شى ء اصلا، لا فى المخلوق و لا فى الخالق، لانه قد قارب ان يتحد بالخالق، و يستغنى عن الفكر فيه.

قوله: (و صرفنى عن هواى) اى عن هواى و فكرى فى تدبير الخلافه و سياسه الرعيه و القيام بما يقوم به الائمه.

قول ه (ع): (و صرح لى محض امرى) يروى بنصب محض (و رفعه)، فمن نصب فتقديره: عن محض امرى، فلما حذف الجار نصب، و من رفع جعله فاعلا.

و صرح: كشف او انكشف.

قوله: (فافضى بى الى كذا)، ليس بمعنى انه قد كان من قبل يمازج جده باللعب، بل المعنى ان همومه الاولى قد كانت بحيث يمكن ان يتخللها وقت راحه او دعابه لا يخرج بها عن الحق، كما كان رسول الله (ص) يمزح و لايقول الا حقا، فالان قد حدث عنده هم لا يمكن ان يتخلله من ذلك شى ء اصلا، و مدار الفرق بين الحالتين- اعنى الاولى و الثانيه على امكان اللعب لا نفس اللعب و ما يلزم من قوله: (افضى لك بى هذا الهم) الى انتفاء امكان اللعب، ان تكون همومه الاولى قد كان يمازجها اللعب، و لكن يلزم من ذلك انها قد كانت يمكن ذلك فيها امكانا محضا على ان اللعب غير منكر اذا لم يكن باطلا، الا ترى الى قول النبى (ص): (المومن دعب لعب) و كذلك القول فى قوله: (و صدق لا يشوبه كذب) اى لا يمكن ان يشوبه كذب، و ليس المراد بالصدق، و الكذب هاهنا مفهومهما المشهورين، بل هو من قولهم: صدقونا اللقاء، و من قولهم: حمل عليهم فما كذب! قال زهير: ليث بعثر يصطاد الليوث اذا ما كذب الليث عن اقرانه صدقا اى افضى بى هذا الهم الى ان صدقتن ى الدنيا حربها، كانه جعل نفسه محاربا للدنيا اى صدقتنى الدنيا حربها و لم تكذب، اى لم تجبن و لم تخن.

اخبر عن شده اتحاد ولده به، فقال وجدتك بعضى قال الشاعر: و انما اولادنا بيننا اكبادنا تمشى على الارض لو هبت الريح على بعضهم لامتنعت عينى من الغمض و غضب معاويه على ابنه يزيد، فهجره، فاستعطفه له الاحنف، قال له: يا اميرالمومنين، اولادنا ثمار قلوبنا، و عماد ظهورنا، و نحن لهم سماء ظليله، و ارض ذليله، فان غضبوا فارضهم، و ان سالوا فاعطهم، فلا تكن عليهم قفلا فيملوا حياتك، و يتمنوا موتك.

و قيل لابنه الخس: اى ولديك احب اليك؟ قالت: الصغير حتى يكبر، و المريض حتى يبرا، و الغائب حتى يقدم.

غضب الطرماح على امراته فشفع فيها ولده منها صمصام، و هو غلام لم يبلغ عشرا، فقال الطرماح: اصمصام ان تشفع لامك تلقها لها شافع فى الصدر لم يتزحزح هل الحب الا انها لو تعرضت لذبحك يا صمصام قلت لها اذبحى احاذر يا صمصام ان مت ان يلى تراثى و اياك امرو غير مصلح اذا صك وسط القوم راسك صكه يقول له الناهى ملكت فاسجح و فى الحديث المرفوع: (ان ريح الولد من ريح الجنه).

و فى الحديث الصحيح انه قال لحسن و حسين (ع): (انكم لتجبنون، و انكم لت بخلون، و انكم لمن ريحان الله).

و من ترقيص الاعراب قول اعرابيه لولدها: يا حبذا ريح الولد ريح الخزامى فى البلد اهكذا كل ولد ام لم يلد قبلى احد! و فى الحديث المرفوع: (من كان له صبى فليستصب له).

و انشد الرياشى: من سره الدهر ان يرى الكبدا يمشى على الارض فلير الولدا

الشرح:

قوله (ع): (و اى سبب اوثق)، اشاره الى القرآن لانه هو المعبر عنه بقوله تعالى: (و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا).

ثم اتى بلفظتين متقابلتين، و ذلك من لطيف الصنعه، فقال: (احى قلبك بالموعظه، و امته بالزهاده)، و المراد احياء دواعيه الى الطاعه و اماته الشهوات عنه.

قوله (ع): (و اعرض عليه اخبار الماضين) معنى قد تداوله الناس، قال الشاعر: سل عن الماضين ان نطقت عنهم الاجداث و الترك اى دار للبلى نزلوا و سبيل للردى سلكوا قوله (ع): و دع القول فيما لا تعرف) من قول رسول الله (ص) لعبدالله بن عمرو بن العاص: (يا عبدالله، كيف بك اذا بقيت فى حثاله من الناس، مرجت عهودهم و اماناتهم و صار الناس هكذا!)- و شبك بين اصابعه- قال عبدالله: فقلت: مرنى يا رسول الله، فقال: (خذ ما تعرف، و دع ما لا تعرف، و عليك بخويصه نفسك).

قوله: (و الخطاب فيما لم تكلف) من قول رسول الله (ص): (من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، و قال معاويه فى عبدالملك بن مروان و هو حينئذ غلام: ان لهذا الغلام لهمه، و انه مع ذلك تارك لثلاث آخذ بثلاث: تارك مسائه الصديق جدا و هزلا، تارك ما لا يعنيه، تارك ما لا يعتذر منه، آخذ باحسن الحديث اذا حدث، و باحسن الاستماع اذا حدث، و باهون الامرين اذا خولف.

قوله (ع): (و امسك عن طريق اذا خفت ضلالته)، ماخوذ من قول النبى (ص): (دع ما يريبك الى ما لا يريبك)، و فى خبر آخر: (اذا رابك امر فدعه).

الشرح:

امره يامر بالمعروف و ينهى عن المنكر، و هما واجبان عندنا، و احد الاصول الخمسه التى هى اصول الدين.

و معنى قوله: (تكن من اهله)، لان اهل المعروف هم الابرار الصالحون، و يجب انكار المنكر باللسان، فان لم ينجع فباليد، و تفصيل ذلك و ترتيبه: مذكور فى كتبى الكلاميه.

قوله: (و خض الغمرات الى الحق)، لا شبهه ان الحسن (ع) لو تمكن لخاضها الا ان من فقد الانصار لا حيله له.

و هل ينهض البازى بغير جناح و الذى خاضها مع عدم الانصار هو الحسين (ع)، و لهذا عظم عند الناس قدره، فقدمه قوم كثير على الحسن (ع).

فان قلت: فما قول اصحابكم فى ذلك؟ قلت: هما عندنا فى الفضيله سيان، اما الحسن فلوقوفه مع قوله تعالى: (الا ان تتقوا)، و اما الحسين فلاعزاز الدين.

قوله: (فنعم التصبر) قد تقدم منا كلام شاف فى الصبر.

و قوله: (و اكثر الاستخاره): ليس يعنى بها ما يفعله اليوم قوم من الناس من سطر رقاع و جعلها فى بنادق، و انما المراد امره اياه بان يطلب الخيره من الله فيما ياتى و يذر.

قوله: (لا خير فى علم لا ينفع) قول حق، لانه اذا لم ينفع كان عبثا.

قوله: (و لا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه)، اى لا ي جب و لا يندب اليه، و ذلك لان النفع انما هو نفع الاخره، فما لم يكن من العلوم مرغبا فيه اما بايجاب او ندب فلا انتفاع به فى الاخره، و ذلك كعلم الهندسه و الارثماطيقى و نحوهما.

الشرح:

هذه الوصيه كتبها (ع) للحسن بعد ان تجاوز الستين و روى انه ذكر عند رسول الله (ص) ما بين الستين و السبعين، فقال: (معترك المنايا).

قوله (ع): (او ان انقص فى رايى) هذا يدل على بطلان قول من قال: انه لا يجوز ان ينقص فى رايه، و ان الامام معصوم عن امثال ذلك، و كذلك قوله للحسن: (او يسبقنى اليك بعض غلبات الهوى و فتن الدنيا) يدل على ان الامام لا يجب ان يعصم عن غلبات الهوى، و لا عن فتن الدنيا.

قوله: (فتكون كالصعب النفور)، اى كالبعير الصعب الذى لا يمكن راكبا، و هو مع ذلك نفور عن الانس.

ثم ذكر ان التعلم انما هو فى الصبا، و فى المثل: (الغلام كالطين يقبل الختم ما دام رطبا).

و قال الشاعر: اختم و طينك رطب ان قدرت فكم قد امكن الختم اقواما فما ختموا و مثل هو (ع) قلب الحدث بالارض الخاليه، ما القى فيها من شى ء قبلته، و كان يقال: التعلم فى الصغر كالنقش فى الحجر، و التعلم فى الكبر كالخط على الماء.

قوله: (فاتاك من ذلك ما كنا ناتيه) اى الذى كنا نحن نتجشم المشقه فى اكتسابه، و نتكلف طلبه، ياتيك انت الان صفوا عفوا.