الشرح:
هذا الفصل و ما بعده يشعر بالنهى عن علم الكلام حسب ما يقتضيه ظاهر لفظه، الا تراه قال له: كنت عازما على ان اعلمك القرآن و تفسيره و الفقه و هو المعرفه باحكام الشريعه، و لا اجاوز ذلك بك الى غيره، ثم خفت ان تدخل عليك شبهه فى اصول الدين فيلتبس عليك فى عقيدتك الاصليه ما التبس على غيرك من الناس، فعدلت عن العزم الاول الى ان اوصيك بوصايا تتعلق باصول الدين.و معنى قوله (ع): (و كان احكام ذلك) الى قوله: (لا آمن عليك به الهلكه)، اى فكان احكامى الامور الاصليه عندك و تقرير الوصيه التى اوصيك بها فى ذهنك فيما رجع الى النظر فى العلوم الالهيه، و ان كنت كارها للخوض (معك) فيه و تنبيهك عليه احب الى من ان اتركك سدى مهملا، تتلاعب بك الشبه، و تعتورك الشكوك فى اصول دينك، فربما افضى ذلك بك الى الهلكه.فان قلت: فلما ذا كان كارها تنبيه ولده على ذلك، و انتم تقولون ان معرفه الله واجبه على المكلفين، و ليس يليق بامير المومنين ان يكره ما اوجبه الله تعالى! قلت: لعله علم اما من طريق وصيه رسول الله (ص)، او من طريق معرفته بما يصلح ان يكون لطفا لولده و معرفته، بما يكون مفسده له، لكثره التجربه له، و طول الممارسه لاخلاقه و طباعه ان الاصلح له الا يخوض فى علم الكلام الخوض الكلى و ان يقتنع بالمبادى ء و الجمل، فمصالح البشر تختلف، فرب انسان مصلحته فى امر ذلك الامر بعينه مفسده لغيره، و نحن و ان اوجبنا المعرفه فلم نوجب منها الا الامور المجمله، و اما التفصيلات الدقيقه الغامضه، فلا تجب الا عند ورود الشبهه، فاذا لم تقع الشبهه فى نفس المكلف لم يجب عليه الخوض فى التفصيلات.قوله (ع): (قد عمرت مع اولهم الى آخرهم للعين مفتوحه و الميم مكسوره مخففه، تقول: عمر الرجل يعمر عمرا و عمرا على غير قياس، لان قياس مصدره التحريك اى عاش زمانا طويلا، و استعمل فى القسم احدهما فقط، و هو المفتوح.قوله (ع): (حيث عنانى من امرك) اى اهمنى، قال: (عنانى من صدودك ما عنا) قوله: (و اجمعت عليه) ان عزمت.و مقتبل الدهر، يقال: اقتبل الغلام فهو مقتبل بالفتح و هو من الشواذ، و مثله احصن الرجل اذا تزوج فهو محصن، و اذا عف فمحصن ايضا، و اسهب اذا اطال الحديث فهو مسهب، و الفج اذا افتقر فهو ملفج، و ينبغى ان يكون له من قوله: (تنبيهك له) بمعنى (عليه)، او تكون على اصلها، اى ما كرهت تنبيهك لاجله.فان قلت: الى الان ما فسرت، لما ذا كره تنبيهه على هذا الفن؟ قلت: بلى قد اشرت اليه، و هو انه كر
ه ان يعدل به عن تفسير القرآن و علم الفقه الى الخوض فى الامور الاصوليه فنبهه على امور يجره النظر و تامل الادله و الشبهات اليها دقيقه يخاف على الانسان من الخوض فيها ان تضطرب عقيدته، الا انه لم يجد به بدا من تنبيهه على اصول الديانه، و ان كان كارها لتعريضه لخطر الشبهه، فنبهه على امور جمليه غير مفصله، و امره ان يلزم ذلك و لا يتجاوزه الى غيره و ان يمسك عما يشتبه عليه، و سياتى ذكر ذلك.
الشرح:
امره ان يقتصر على القيام بالفرائض، و ان ياخذ بسنه السلف الصالح من آبائه و اهل بيته، فانهم لم يقتصروا على التقليد، بل نظروا لانفسهم، و تاملوا الادله، ثم رجعوا آخر الامر الى الاخذ بما عرفوا، و الامساك عما لم يكلفوا.فان قلت: من سلفه هولاء الذين اشار اليهم؟ قلت: المهاجرون الاولون من بنى هاشم و بنى المطلب كحمزه و جعفر و العباس و عبيده بن الحارث، و كابى طالب فى قول الشيعه و كثير من اصحابنا، و كعبد المطلب فى قول الشيعه خاصه.فان قلت: فهل يكون اميرالمومنين (ع) نفسه معدودا من جمله هولاء! قلت: لا، فانه لم يكن من اهل المبادى ء و الجمل المقتصر بهم فى تكليفهم العقليات على اوائل الادله، بل كان سيد اهل النظر كافه و امامهم.فان قلت: ما معنى قوله: لم يدعوا ان نظروا لانفسهم؟ قلت: لانهم اذا تاملوا الادله و فكروا فيها فقد نظروا لانفسهم كما ينظر الانسان لنفسه ليخلصها من مضره عظيمه سبيلها ان تقع به ان لم ينظر فى الخلاص منها، و هذا هو الوجه فى وجوب النظر فى طريق معرفه الله، و الخوف من اهمال النظر.فان قلت: ما معنى قوله: (الى الاخذ بما عرفوا، و الامساك عما لم يكلفوا)؟ قلت الاخذ بما عرفوا، مثل ادله حدوث الاجسام و توحيد البارى ء و عدله، و الامساك عما لم يكلفوا، مثل النظر فى اثبات الجزء الذى لايتجزا و نفيه، و مثل الكلام فى الخلا و الملا، و الكلام فى ان هل بين كل حركتين مستقيمتين سكون ام لا؟ و امثال ذلك مما لا يتوقف اصول التوحيد و العدل عليه، فانه لا يلزم اصحاب الجمل و المبادى ء ان يخوضوا فى ذلك، لانهم لم يكلفوا الخوض فيه، و هو من وظيفه قوم آخرين.قوله (ع): (فان ابت نفسك ان تقبل ذلك دون ان تعلم كما علموا)، هذا الموضع فيه نظر، لانا قد قلنا: انهم لم يعلموا التفاصيل الدقيقه، فكيف يجعلهم عالمين بها؟ و يقول: (ان تعلم كما علموا) و ينبغى ان يقال ان الكاف و ما عملت فيه فى موضع نصب، لانه صفه مصدر محذوف، و تقديره فان ابت نفسك ان تقبل ذلك علما كما علموا دون ان تعلم التفاصيل الدقيقه، و جاز انتصاب (علما) و العامل فيه (تقبل) لان القبول من جنس العلم، لان القبول اعتقاد و العلم اعتقاد، و ليس لقائل ان يقول: فاذن يكون قد فصل بين الصفه و الموصوف باجنبى لان الفصل بينهما قد جاء كثيرا، قال الشاعر: جزى الله كفا ملئها من سعاده سرت فى هلاك المال و المال نائم و يجوز ان يقال: كما علموا الان بعد موتهم، فانهم بعد الموت يكونون عالمين بجميع ما
يشتبه علمه على الناس فى الحياه الدنيا، لان المعارف ضروريه بعد الموت، و النفوس باقيه على قول كثير من المسلمين و غيرهم.و اعلم ان الذى يدعو الى تكلف هذه التاويلات ان ظاهر الكلام كونه يامر بتقليد النبى (ص) و الاخذ بما فى القرآن و ترك النظر العقلى، هذا هو ظاهر الكلام، الا تراه كيف يقول له: الاقتصار على ما فرضه الله عليك، و الاخذ بما مضى عليه اهل بيتك و سلفك، فانهم لما حاولوا النظر رجعوا باخره الى السمعيات، و تركوا العقليات، لانها افضت بهم الى ما لا يعرفونه، و لا هو من تكليفهم.ثم قال له: فان كرهت التقليد المحض، و احببت ان تسلك مسلكهم فى النظر، و ان افضى بك الامر باخره الى تركه و العود الى المعروف من الشرعيات و ما ورد به الكتاب و السنه، فينبغى ان تنظر و انت مجتمع الهم خال من الشبهه، و تكون طالبا للحق، غير قاصد الى الجدل و المراء، فلما وجدنا ظاهر اللفظ يقتضى هذه المعانى، و لم يجز عندنا ان يامر اميرالمومنين (ع) ولده مع حكمته و اهليه ولده بالتقليد و ترك النظر، رجعنا الى تاويل كلامه على وجه يخرج به (ع) من ان يامر بما لا يجوز لمثله ان يامر به.و اعلم انه قد اوصاه اذا هم بالشروع فى النظر بمحض ما ذكره المتكلمون، و ذلك ا
مور: منها ان يرغب الى الله فى توفيقه و تسديده.و منها ان يطلب المطلوب النظرى بتفهم و تعلم، لا بجدال و مغالبه و مراء و مخاصمه.و منها اطراح العصبيه لمذهب بعينه، و التورط فى الشبهات التى يحاول بها نصره ذلك المذهب.و منها ترك الالف و العاده، و نصره امر يطلب به الرياسه، و هو المعنى بالشوائب التى تولج فى الضلال.و منها ان يكون صافى، القلب، مجتمع الفكر، غير مشغول السر بامر من جوع (او شبع) او شبق او غضب، و لا يكون ذا هموم كثيره، و افكار موزعه مقسمه، بل يكون فكره و همه هما واحدا.قال: فاذا اجتمع لك كل ذلك فانظر، و ان لم يجتمع لك ذلك و نظرت كنت كالناقه العشواء الخابطه لا تهتدى، و كمن يتورط فى الظلماء لايعلم اين يضع قدمه! و ليس طالب الدين من كان خابطا او خالطا، و الامساك عن ذلك امثل و افضل.
الشرح:
قد تعلق بهذه اللفظه و هو قوله: (او ماشاء مما لا تعلم)، قوم من التناسخيه، و قالوا: المعنى بها الجزاء فى الهياكل التى تنتقل النفوس اليها.و ليس ما قالوه بظاهر، و يجوز ان يريد (ع) ان الله تعالى قد يجازى المذنب فى الدنيا بنوع من العقوبه، كالاسقام و الفقر و غيرهما، و العقاب و ان كان (مفعولا) على وجه الاستحقاق و الاهانه فيجوز لمستحقه و هو البارى ان يقتصر منه على الايلام فقط، لان الجميع حقه، فله ان يستوفى البعض، و يسقط البعض، و قد روى (او بما شاء) بالباء الزائده، (و روى بما لا يعلم).و اما الثواب فلا يجوز ان يجازى به المحسن فى الدنيا، لانه على صفه لا يمكن ان تجامع التكليف، فيحمل لفظ الجزاء على جزاء العقاب خاصه.ثم اعاد (ع) وصيته الاولى، فقال: و ان اشكل عليك شى ء من امر القضاء و القدر، و هو كون الكافر مخصوصا بالنعماء و المومن مخصوصا بضرب من الابتلاء، و كون الجزاء قد يكون فى المعاد، و قد يكون فى غير المعاد، فلا تقدحن جهالتك به فى سكون قلبك الى ما عرفتك جملته، و هو ان الله تعالى هو المحيى المميت، المفنى المعيد، المبتلى المعافى، و ان الدنيا بنيت على الابتلاء و الانعام، و انهما لمصالح و امور يستاثرالله تعالى بعلمها و انه يجازى عباده اما فى الاخره او غير الاخره، على حسب ما يريده و يختاره.ثم قال له: انما خلقت فى مبدا خلقتك جاهلا، فلا تطلبن نفسك غايه من العلم لا وصول لها اليها او لها اليها، وصول بعد امور صعبه، و متاعب شديد، فمن خلق جاهلا حقيق ان يكون جهله مده عمره اكثر من علمه استصحابا للاصل.ثم اراد ان يونسه بكلمه استدرك بها ايحاشه، فقال له: و عساك اذا جهلت شيئا من ذلك ان تعلمه فيما بعد، فما اكثر ما تجهل من الامور و تتحير فيه، ثم تبصره و تعرفه! و هذا من الطب اللطيف، و الرقى الناجعه، و السحر الحلال.
الشرح:
عاد الى امره باتباع الرسول (ص)، و ان يعتمد على السمع و ما وردت به الشريعه و نطق به الكتاب، و قال له: ان احدا لم يخبر عن الله تعالى كما اخبر عنه نبينا (ص)، و صدق (ع)! فان التوراه و الانجيل و غيرهما من كتب انبياء بنى اسرائيل لم تتضمن من الامور الالهيه ما تضمنه القرآن، و خصوصا فى امر المعاد، فانه فى احد الكتابين مسكوت عنه، و فى الاخر مذكور ذكرا مضطربا، و الذى كشف هذا القناع فى هذا المعنى، و صرح بالامر هو القرآن.ثم ذكر له انه انصح له من كل احد، و انه ليس يبلغ و ان اجتهد فى النظر لنفسه ما يبلغه هو (ع) له، لشده حبه له و ايثاره مصلحته.و قوله: (لم آلك نصحا) لم اقصر فى نصحك، الى الرجل فى كذا يالو، اى قصر فهو آل و الفعل لازم، و لكنه حذف اللام فوصل الفعل الى الضمير فنسبه، و كان اصله: لا آلو لك نصحا و نصحا، منصوب على التمييز، و ليس كما قاله الراوندى ان انتصابه على انه مفعول ثان، فانه الى مفعول واحد لا يتعدى، فكيف الى اثنين! و يقول هذه امراه آليه اى مقصره و جمعها اوال، و فى المثل: (الا حظيه فلا اليه)، اصله فى المراه تصلف عند بعلها، فتوصى حيث فاتتها الحظوه الا تالوه فى التودد اليه و التحبب الى قلبه.قوله: (و منه شفقتك)، اى خوفك.و رائد: اصله الرجل يتقدم القوم فيرتاد بهم المرعى.
الشرح:
يمكن ان يستدل بهذا الكلام على نفى الثانى من وجهين: احدهما انه لو كان فى الوجود ثان للبارى ء تعالى لما كان القول بالوحدانيه حقا، بل كان الحق هو القول بالتثنيه، و محال الا يكون ذلك الثانى حكيما، و لو كان الحق هو اثبات ثان حكيم لوجب ان يبعث رسولا يدعو المكلفين الى التثنيه، لان الانبياء كلهم دعوا الى التوحيد، لكن التوحيد على هذا الفرض ضلال، فيجب على الثانى الحكيم ان يبعث من ينبه المكلفين على ذلك الضلال و يرشدهم الى الحق و هو اثبات الثانى، و الا كان منسوبا فى اهمال ذلك الى السفه و استفساد المكلفين، و ذلك لا يجوز، و لكنا ما اتانا رسول يدعو الى اثبات ثان فى الالهيه فبطل كون القول بالتوحيد ضلالا، و اذا لم يكن ضلالا كان حقا، فنقيضه و هو القول باثبات الثانى باطل.الوجه الثانى: انه لو كان فى الوجود ثان للقديم تعالى لوجب ان يكون لنا طريق الى اثباته، اما من مجرد افعاله، او من صفات افعاله، او من صفات نفسه، او لا من هذا و لا من هذا، فمن التوقيف.و هذه هى الاقسام التى ذكرها اميرالمومنين (ع)، لان قوله: (اتتك رسله) هو التوقيف، و قوله: (و لرايت آثار ملكه و سلطانه)، هى صفات افعاله، و قوله: (و لعرفت افعاله وصفاته) هما القسمان الاخران.اما اثبات الثانى من مجرد الفعل فباطل، لان الفعل انما يدل على فاعل و لايدل على التعدد، و اما صفات افعاله و هى كون افعاله محكمه متقنه، فان الاحكام الذى نشاهده انما يدل على عالم و لا يدل على التعدد، و اما صفات ذات البارى ء فالعلم بها فرع على العلم بذاته، فلو اثبتنا ذاته بها لزم الدور.و اما التوقيف فلم ياتنا رسول ذو معجزه صحيحه يدعونا الى الثانى، و اذا بطلت الاقسام كلها، و قد ثبت ان ما لا طريق الى اثباته لا يجوز اثباته بطل القول باثبات الثانى.ثم قال: (لا يضاده فى ملكه احد) ليس يريد بالضد ما يريده المتكلمون من نفى ذات هى معاكسه لذات البارى ء تعالى فى صفاتها، كمضاده السواد للبياض، بل مراده نفى الثانى لا غير، فان نفى الضد بحث آخر لا دخول له بين هذا الكلام.ثم ذكر له ان البارى ء تعالى قديم سابق للاشياء، لا سبقا له حد محدود، و اول معين، بل لا اول له مطلقا.ثم قال: و هو مع هذا آخر الاشياء، آخريه مطلقه ليس تنتهى الى غايه معينه.ثم ذكر ان له ربوبيه جلت عن ان تحيط بها الابصار و العقول.و قد سبق منا خوض فى هذا المعنى، و ذكرنا من نظمنا فى هذا النمط اشياء لطيفه، و نحن نذكر هاهنا من نظمنا ايضا ف
ى هذا المعنى، و فى فننا الذى اشتهرنا به، و هو المناجاه و المخاطبه على طريقه ارباب الطريقه ما لم نذكره هناك، فمن ذاك قولى: فلا و الله ما وصل ابن سينا و لااغنى ذكاء ابى الحسين و لارجعا بشى ء بعد بحث و تدقيق سوى خفى حنين لقد طوفت اطلبكم و لكن يحول الوقت بينكم و بينى فهل بعد انقضاء الوقت احظى بوصلكم غدا و تقر عينى! منى عشنا بها زمنا و كانت تسوفنا بصدق او بمين فان اكدت فذاك ضياع دينى و ان اجدت فذاك حلول دينى و منها: امولاى قد احرقت قلبى فلا تكن غدا محرقا بالنار من كان يهواكا اتجمع لى نارين: نار محبه و نار عذاب انت ارحم من ذاكا! و منها: قوم موسى تاهوا سنين كما قد جاء فى النص قدرها اربعونا و لى اليوم تائها فى جوى من لا اسمى و حبه خمسونا قل لاحبابنا الام نروم ال وصل منكم و انتم تمنعونا كم نناجيكم فلاترشدونا و نناديكم فلاتسمعونا! حسبنا علمكم بانا موالي كم و ان كنتم لنا كارهينا فعسى تدرك السعاده ارباب ال معاصى فيصبحوا فائزينا! و منها: والله ما اسى من الدنيا على مال ولا ولد ولا سلطان بل فى صميم القاب منى حسره تبغى معى و تلف فى اكفانى انى اراك بباطنى لا ظا
هرى فالحسن مشغله عن العرفان يا من سهرت مفكرا فى امره خمسين حولا دائم الجولان فرجعت احمق من نعامه بيهس و اضل سعيا من ابى غبشان و منها: و حقك ان ادخلتنى النار قلت لل ذين بها قد كنت ممن احبه و افنيت عمرى فى علوم دقيقه و ما بغيتى الا رضاه و قربه هبونى مسيئا اوتغ الحلم جهله و اوبقه بين البريه ذنبه اما يقتضى شرع التكرم عتقه ايحسن ان ينسى هواه و حبه! اما كان ينوى الحق فيما يقوله الم تنصر التوحيد و العدل كتبه! اما رد زيغ ابن الخطيب و شكه و الحاده اذ جل فى الدين خطبه! اما قلتم من كان فينا مجاهدا سيكرم مثواه و يعذب شربه! و نهديه سبلا من هدانا جهاده و يدخله خير المداخل كسبه فاى اجتهاد فوق ما كان صانعا و قد احرقت زرق الشياطين شهبه! و ما نال قلب الجيش جيش محمد كما نال من اهل الضلاله قلبه فان تصفحوا يغنم و ان تتجرموا فتعذيبكم حلو المذاقه عذبه و آيه صدق الصب ان يعذب الاذى اذ كان من يهوى عليه يصبه و منها: اذا فكرت فيك يحار عقلى و الحق بالمجانين الكبار و اصحو تاره فيشوب ذهنى و يقدح خاطرى كشواظ نار فيا من تاهت العقلاء فيه فامسوا كلهم صرعى عقار و يا من كاع
ت الافكار عنه فابت بالمتاعب و الخسار و يا من ليس يعلمه نبى و لا ملك و لا يدريه دار و يا من ليس قداما و خلفا و لا جهه اليمين و لا اليسار و لا فوق السماء و لا تدلى من الارضين فى لجج البحار و يا من امره من ذاك اجلى من ابن ذكاء او صبح النهار سالتك باسمك المكتوم الا فككت النفس من رق الاسار وجدت لها بما تهوى فانت ال عليم بباطن اللغز الضمار و منها: يا رب انك عالم بمحبتى لك و اجتهادى و تجردى للذب عن ك على مراغمه الاعادى بالعدل و التوحيد اص دع معلنا فى كل نادى و كشفت زيغ ابن الخطي ب و لبسه بين العباد و نقضت سائر ما بنا ه من الضلاله و الفساد و ابنت عن اغوائه فى دين احمد ذى الرشاد و جعلت اوجه ناصري ه محممات بالسواد و كففت من غلوائهم بعد التمرد و العناد فكانما نخل الرما د عليهم بعد الرماد و قصدت وجهك ابتغى حسن المثوبه فى المعاد فافض على العبد الفق ير اليكم نور السداد و ارزقه قبل الموت مع رفه المصائر و المبادى و افكك اسير الحرص بال لاصفاد من اسر الصفاد و اغسل بصفو القرب من ابوابكم كدر البعاد و اعضه من حر الغلي ل بوصلكم برد الفواد و ار
حم عيونا فيك ها ميه و قلبا فيك صاد يا ساطح الارض المها د و ممسك السبع الشداد
الشرح:
حذا عليه يحذو، و احتذى مثاله، يحتذى، اى اقتدى به.و قوم سفر، بالتسكين، اى مسافرون.و اموا قصدوا.و المنزل الجديب: ضد المنزل الخصيب.و الجناب المريع بفتح الميم: ذو الكلا و العشب، و قد مرع الوادى، بالضم.و الجناب: الفناء.و وعثاء الطريق: مشقتها.و جشوبه المطعم: غلظه، طعام جشيب و يجشوب، و يقال انه الذى لا ادم معه.يقول: مثل من عرف الدنيا و عمل فيه للاخره: كمن سافر من منزل جدب الى منزل خصيب، فلقى فى طريقه مشقه، فانه لايكترث بذلك فى جنب ما يطلب، و بالعكس من عمل للدنيا و اهمل امر الاخره، فانه كمن يسافر الى منزل ضنك و يهجر منزلا رحيبا طيبا، و هذا من قول رسول الله (ص): (الدنيا سجن المومن و جنه الكافر).الشرح:
جاء فى الحديث المرفوع: (لا يكمل ايمان عبد حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه، و يكره لاخيه ما يكره لنفسه).و قال بعض الاسارى لبعض الملوك: افعل معى ما تحب ان يفعل الله معك، فاطلقه، و هذا هو معنى قوله (ع): (و لا تظلم كما لا تحب ان تظلم).و قوله: (و احسن) من قول الله تعالى: (و احسن كما احسن الله اليك).و قوله: (و استقبح من نفسك)، سئل الاحنف عن المروئه، فقال: ان تستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك.و روى: (و ارض من الناس لك) و هى احسن.و اما العجب و ما ورد فى ذمه فقد قدمنا فيه قولا مقنعا.قوله (ع): (و اسع فى كدحك) اى اذهب ما اكتسبت بالانفاق، و الكدح هاهنا: هو المال الذى كدح فى حصوله، و السعى فيه انفاقه، و هذه كلمه فصيحه، و قد تقدم نظائر قوله: (و لا تكن خازنا لغيرك).ثم امره ان يكون اخشع ما يكون لله اذ هداه لرشده، و ذلك لان هدايته اياه الى رشده نعمه عظيمه منه، فوجب ان يقابل بالخشوع لانه ضرب من الشكر.الشرح:
امره فى هذا الفصل بانفاق المال و الصدقه و المعروف.فقال، ان بين يديك طريقا بعيد المسافه، شديد المشقه، و من سلك طريقا فلا غنى له عن ان يرتاد لنفسه، و يتزود من الزاد قدر ما يبلغه الغايه، و ان يكون خفيف الظهر فى سفره ذلك، فاياك ان تحمل من المال ما يثقلك، و يكون وبالا عليك، و اذا وجدت من الفقراء و المساكين من يحمل ذلك الثقل عنك فيوافيك به غدا وقت الحاجه فحمله اياه، فلعلك تطلب مالك فلا تجده.جاء فى الحديث المرفوع: (خمس من اتى الله بهن او بواحده منهن اوجب له الجنه: من سقى هامه صاديه، او اطعم كبدا هافيه، او كسا جلده عاريه، او حمل قدما حافيه، او اعتق رقبه عانيه).قيل لحاتم الاصم: لو قرات لنا شيئا من القرآن! قال: نعم، فاندفع فقرا: (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يومنون بالغيب و يقيمون الصلاه و مما رزقناهم ينفقون) يكنزون، فقالوا ايها الشيخ ما هكذا انزل! قال: صدقتم، و لكن هكذا انتم!الشرح:
قد تقدم القول فى الدعاء.قوله: (بل جعل نزوعك عن الذنب حسنه)، هذا متفق عليه بين اصحابنا، و هو ان تارك القبيح لانه قبيح يستحق الثواب.قوله: (حسب سيئتك واحده و حسب حسنتك عشرا)، هذا اشاره الى قوله تعالى: (من جاء بالحسنه فله عشر امثالها و من جاء بالسيئه فلا يجزى الا مثلها).قوله: (و ابثثته ذات نفسك)، اى حاجتك.ثم ذكر له وجوها فى سبب ابطاء الاجابه: منها ان ذلك امر عائد الى النيه، فلعلها لم تكن خالصه.و منها انه ربما اخرت ليكون اعظم لاجر السائل، لان الثواب على قد المشقه.و منها انه ربما اخرت ليعطى السائل خيرا مما سائل، اما عاجلا او آجلا، او فى الحالين.و منها انه ربما صرف ذلك عن السائل، لان فى اعطائه اياه مفسده فى الدين.قوله: (فالمال لا يبقى لك و لا تبقى له)، لفظ شريف فصيح، و معنى صادق محقق فيه عظه بالغه، و قال ابوالطيب: اين الجبابره الاكاسره الالى كنزوا الكنوز فما بقين و لا بقوا و يروى (من يحجبه عنك).و روى: (حيث الفضيحه) اى حيث الفضيحه موجوده منك.و اعلم ان فى قوله: (قد اذن لك فى الدعاء، و تكفل لك بالاجابه) اشاره الى قوله تعالى: (ادعونى استجب لكم).و فى قوله: (و امر ان تساله ليعطيك) اشاره الى قوله: (و اسالوا الله من فضله).و فى قوله: (و تسترحمه ليرحمك) اشاره الى قوله: (و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون).و فى قوله: (و لم يمنعك ان اسات من التوبه) اشاره الى قوله: (الا من تاب و آمن و عمل عملا صالحا فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات و كان الله غفورا رحيما).