طالما فتن الناس بثناء الناس عليهم، فيقصر العالم فى اكتساب العلم اتكالا على ثناء الناس عليه، و يقصر العابد فى العباده اتكالا على ثناء الناس عليه، و يقول كل واحد منهما: انما اردت ما اشتهرت به للصيت، و قد حصل، فلما ذا اتكلف الزياده، و اعانى التعب! و ايضا فان ثناء الناس على الانسان يقتضى اعتراء العجب له، و اعجاب المرء بنفسه مهلك.
و اعلم ان الرضى رحمه الله قطع كتاب نهج البلاغه على هذا الفصل، و هكذا وجدت النسخه بخطه و قال: (هذا حين انتهاء الغايه بنا الى قطع المنتزع من كلام اميرالمومنين (ع): حامدين لله سبحانه على ما من به من توفيقنا لضم ما انتشر من اطرافه و تقريب ما بعد من اقطاره، مقررين العزم كما شرطنا اولا على تفضيل اوراق من البياض فى آخر كل باب من الابواب، لتكون لاقتناص الشارد، و استلحاق الوارد، و ما عساه ان يظهر لنا بعد الغموض، و يقع الينا بعد الشذوذ، و ما توفيقنا الا بالله، عليه توكلنا، و هو حسبنا و نعم الوكيل، نعم المولى و نعم النصير).
ثم وجدنا نسخا كثيره فيها زيادات بعد هذا الكلام، قيل انها وجدت فى نسخه كتبت فى حياه الرضى رحمه الله و قرئت عليه فامضاها، و اذن فى الحاقها بالكتاب نحن نذكره ا.
قال ابوالعلاء المعرى- مع ما كان يرمى به- فى هذا المعنى ما يطابق اراده اميرالمومنين (ع) بلفظه هذا: خلق الناس للبقاء فضلت امه يحسبونهم للنفاد انما ينقلون من دار اعما ل الى دار شقوه او رشاد
قال الرضى رحمه الله تعالى: و هذا من افصح الكلام و اغربه، و المرود هاهنا مفعل من الارواد، و هو الامهال و الانظار، فكانه (ع) شبه المهله التى هم فيها بالمضمار الذى يجرون فيه الى الغايه، فاذا بلغوا منقطعها انتقض نظامهم بعدها.
هذا اخبار عن غيب صريح، لان بنى اميه لم يزل ملكهم منتظما لما لم يكن بينهم اختلاف، و انما كانت حروبهم مع غيرهم كحرب معاويه فى صفين، و حرب يزيد اهل المدينه، و ابن الزبير بمكه، و حرب مروان الضحاك، و حرب عبدالملك ابن الاشعث و ابن الزبير، و حرب يزيد ابنه بنى المهلب، و حرب هشام زيد بن على، فلما ولى الوليد ابن يزيد و خرج عليه ابن عمه يزيد بن الوليد و قتله، اختلف بنو اميه فيما بينهما، و جاء الوعد- و صدق من وعد به- فانه منذ قتل الوليد دعت دعاه بنى العباس بخراسان، و اقبل مروان بن محمد من الجزيره يطلب الخلافه، فخلع ابراهيم بن الوليد، و قتل قوما من بنى اميه، و اضطرب امر الملك و انتشر، و اقبلت الدوله الهاشميه و نمت، و زال ملك بنى اميه، و كان زوال ملكهم على يد ابى مسلم، و كان فى بدايته اضعف خلق الله و اعظمهم فقرا و مسكنه، و فى ذلك، تصديق قوله (ع): (ثم لو كادتهم الضباع لغلبتهم).
الفلو المهر.
و يروى: (بايديهم البساط)، اى الباسطه، و الاولى جمع سبط يعنى السماح، و قد يقال للحاذق بالطعن: انه لسبط اليدين، يريد الثقافه.
و السنتهم السلاط، يعنى الفصيحه.
و قد تقدم القول فى مدح الانصار، و لو لم يكن الا قول رسول الله (ص) فيهم: (انكم لتكثرون عند الفزع، و تقلون عند الطمع)، و لو لم يكن الا ما قاله لعامر بن الطفيل فيهم لما قال له: (لاغزونك فى كذا و كذا من الخيل) يتوعده، فقال (ع): (يكفى الله ذلك و ابناء قيله)، (لكان فخرا لهم) و هذا عظيم جدا و فوق العظيم، و لاريب انهم الذين ايد الله بهم الدين، و اظهر بهم الاسلام بعد خفائه، و لولاهم لعجز المهاجرون عن حرب قريش و العرب، و عن حمايه رسول الله (ص)، و لو لا مدينتهم لم يكن للاسلام ظهر يلجئون عليه، و يكفيهم فخرا يوم حمراء الاسد، يوم خرج بهم رسول الله (ص) الى قريش بعد انكسار اصحابه، و قتل من قتل منهم، و خرجوا نحو القوم و الجراح فيهم فاشيه، و دماوهم تسيل، و انهم مع ذلك كالاسد الغراث تتواثب على فرائسها، و كم لهم من يوم اغر محجل! و قالت الانصار: لو لا على بن ابى طالب (ع) فى المهاجرين لابينا لانفسنا ان يذكر المهاجرون معنا، او ان يقرنوا بنا، و لكن رب واحد كالف، بل كالوف.
و قد تقدم ذكر الشعر المنسوب الى الوزير المغربى و ما طعن به القادر بالله الخليفه العباسى فى دينه بطريقه، و كان الوزير المغربى يتبرا منه و يجحده، و قيل: انه وجدت مسوده بخطه فرفعت الى القادر بالله.
و مما وجد بخطه ايضا- و كان شديد العصبيه للانصار و لقحطان قاطبه، على عدنان، و كان ينتمى الى الازد، ازد شنوئه- قوله: ان الذى ارسى دعائم احمد و علا بدعوته على كيوان ابناء قيله وارثو شرف العلا و عراعر الاقيال من قحطان بسيوفهم يوم الوغى و اكفهم ضربت مصاعب ملكه بجران لو لا مصارعهم و صدق قراعهم خرت عروش الدين للاذقان فليشكرن محمد اسياف من لولاه كان كخالد بن سنان و هذا افراط قبيح، و لفظ شنيع، و الواجب ان يصان قدر النبوه عنه، و خصوصا البيت الاخير، فانه قد اساء فيه الادب، و قال ما لايجوز قوله، و خالد بن سنان كان من بنى عبس بن بغيض: من قيس عيلان، ادعى النبوه، و قيل: انه كانت تظهر عليه آيات و معجزات، ثم مات و انقرض دينه و دثرت دعوته، و لم يبق الا اسمه، و ليس يعرفه كل الناس، بل البعض منهم.
قال الرضى رحمه الله تعالى: و هذه من الاستعارات العجيبه، كانه شبه السته بالوعاء، و العين بالوكاء، فاذا اطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء.
و هذا القول فى الاشهر الاظهر من كلام النبى (ص)، و قد رواه قوم لاميرالمومنين (ع)، و ذكر ذلك المبرد فى الكتاب المقتضب فى باب اللفظ المعروف.
قال الرضى: و قد تكلمنا على هذه الاستعاره فى كتابنا الموسوم بمجازات الاثار النبويه.
المعروف ان هذا من كلام رسول الله (ص)، ذكره المحدثون فى كتبهم و اصحاب غريب الحديث فى تصانيفهم، و اهل الادب فى تفسير هذه اللفظه فى مجموعاتهم اللغويه، و لعل المبرد اشتبه عليه فنسبه الى اميرالمومنين (ع)، و الروايه بلفظ التثنيه: (العينان وكاء السته)، و السته: الاست.
و قد جاء فى تمام الخبر فى بعض الروايات: (فاذا نامت العينان استطلق الوكاء) و الوكاء: رباط القربه، فجعل العينين وكاء- و المراد اليقظه- للسته كالوكاء للقربه، و منه الحديث فى اللقطه: (احفظ عفاصها و وكائها، و عرفها سنه، فان جاء صاحبها و الا فشانك بها)، و العفاص: السداد، و الوكاء: السداد، و هذه من الكنايات اللطيفه.
(فصل فى الفاظ الكنايات و ذكر الشواهد عليها) و قد كنا قدمنا قطعه صالحه م ن الكنايات المستحسنه، و وعدنا ان نعاود ذكر طرف منها، و هذا الموضع موضعه، فمن الكنايه عن الحدث الخارج- و هو الذى كنى عنه اميرالمومنين (ع)، او رسول الله (ص)- الكنايه التى ذكرها يحيى بن زياد فى شعره، قيل: ان يحيى بن زياد و مطيع بن اياس و حمادا الراويه جلسوا على شرب لهم، و معهم رجل منهم، فانحل وكاوه، فاستحيا و خرج، و لم يعد اليهم، فكتب اليه يحيى بن زياد.
امن قلوص غدت لم يوذها احد الا تذكرها بالرمل اوطانا خان العقال لها فانبت اذ نفرت و انما الذنب فيها للذى خانا منحتنا منك هجرانا و مقليه و لم تزرنا كما قد كنت تغشانا خفض عليك فما فى الناس ذو ابل الا و اينقه يشردن احيانا و ليس هذا الكتاب اهلا ان يضمن حكايه سخيفه او نادره خليعه، فنذكر فيه ما جاء فى هذا المعنى، و انما جرانا على ذكر هذه الحكايه خاصه كنايه اميرالمومنين (ع) او رسول الله (ص) عنها، و لكنا نذكر كنايات كثيره فى غير هذا المعنى مستحسنه، ينتفع القارى ء بالوقوف عليها.
يقال: فلان من قوم موسى، اذا كان ملولا، اشاره الى قوله تعالى: (و اذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد).
قال الشاعر: فيا من ليس يكفيه صديق و لا الفا صديق كل عام اظنك من بقايا قو م موسى فهم لايصبرون على طعام و قال العباس بن الاحنف: كتبت تلوم و تستريث زيارتى و تقول لست لنا كعهد العاهد فاجبتها و دموع عينى سجم تجرى على الخدين غير جوامد يا فوز لم اهجركم لملاله عرضت و لا لمقال واش حاسد لكننى جربتكم فوجدتكم لاتصبرون على طعام واحد و يقولون للجاريه الحسناء: قد ابقت من رضوان، قال الشاعر: جست العود بالبنان الحسان و تثنت كانها غصن بان فسجدنا لها جميعا و قلنا اذ شجتنا بالحسن و الاحسان حاش لله ان تكونى من الان س و لكن ابقت من رضوان و يقولون للمكشوف الامر الواضح الحال: ابن جلا، و هو كنايه عن الصبح و منه ما تمثل به الحجاج: انا ابن جلا و طلاع الثنايا متى اضع العمامه تعرفونى و منه قول القلاخ بن حزن: انا القلاخ بن القلاخ ابن جلا.
و منه قولهم: فلان قائد الجمل لانه لايخفى لعظم الجمل و كبر جثته، و فى المثل: ما استتر من قاد جملا.
و قالوا: كفى برغائها نداء، و مثل هذا قولهم: ما يوم حليمه بسر يقال: ذلك فى الامر المشهور الذى لايستر، و يوم حليمه يوم التقى المنذر الاكبر و الحارث الغسانى الاكبر، و هو اشهر ايام العرب، يقال: انه ارتفع من العجاج ما ظهرت معه الكواكب نهارا، و حليمه: اسم امراه اضيف اليوم اليها، لانها اخرجت الى المعركه مراكن الطيب، فكانت تطيب بها الداخلين الى القتال، فقاتلوا حتى تفانوا.
و يقولون فى الكنايه عن الشيخ الضعيف: قائد الحمار، و اشاره الى ما انشده الاصمعى: آتى الندى فلا يقرب مجلسى و اقود للشرف الرفيع حمارى اى اقوده من الكبر الى موضع مرتفع لاركبه لضعفى.
و مثل ذلك كنايتهم عن الشيخ الضعيف بالعاجن، لانه اذا قام عجن فى الارض بكفيه، قال الشاعر: فاصبحت كنتيا و اصبحت عاجنا و شر خصال المرء كنت و عاجن قالوا: الكنتى الذى يقول كنت افعل كذا، و كنت اركب الخيل، يتذكر ما مضى من زمانه، و لايكون ذلك الا عند الهرم او الفقر و العجز.
و مثله قولهم للشيخ: راكع قال لبيد: اخبر اخبار القرون التى مضت ادب كانى كلما قمت راكع و الركوع: هو التطاطو و الانحناء بعد الاعتدال و الاستواء، و يقال للانسان اذا انتقل من الثروه الى الفقر: قد ركع، قال: لا تهين الفقير علك ان تر كع يوما و الدهر قد رفعه و فى هذا المعنى قال الشاعر.
ارفع ضعيفك لايحر بك ضعفه يوما فتدركه الحوادث قد نما يجزيك او يثنى عليك و ان من يثنى عليك بما فعلت فقد جزى و مثله ايضا: و اكرم كريما ان اتاك لحاجه لعاقبه ان العضاه تروح تروح الشجر: اذا انفطر بالنبت، يقول: ان كان فقيرا فقد يستغنى، كما ان الشجر الذى لا ورق عليه سيكتسى ورقا، و يقال: ركع الرجل، اى سقط.
و قال الشاعر: خرق اذا ركع المطى من الوجى لم يطو دون رفيقه ذا المرود حتى يووب به قليلا فضله حمد الرفيق نداك او لم يحمد و كما يشبهون الشيخ بالراكع فيكنون به عنه، كذلك يقولون: يحجل فى قيده لتقارب خطوه، قال ابوالطمحان القينى: حنتنى حانيات الدهر حتى كانى خاتل ادنو لصيد قريب الخطو يحسب من رآنى و لست مقيدا انى بقيد و نحو هذا قولهم للكبير: بدت له الارنب، و ذلك ان من يختل الارنب ليصيدها يتمايل فى مشيته، و انشد ابن الاعرابى فى النوادر: و طالت بى الايام حتى كاننى من الكبر العالى بدت لى ارنب و نحوه يقولون للكبير: قيد بفلان البعير، اى لا قوه ليده على ان يصرف البعير تحته على حسب ارادته، فيقوده قائد يحمله حيث يريد.
و من امثالهم: لقد كنت و ما يقاد بى البعير: يضرب لمن كان ذا قوه و عزم، ثم عجز و فتر.
و من الكنايات عن شيب العنفقه قولهم: قد عض على صوفه.
و يكنون عن المراه التى كبر سنها فيقولون: امراه قد جمعت الثياب، اى تلبس القناع و الخمار و الازار، و ليست كالفتاه التى تلبس ثوبا واحدا.
و يقولون لمن يخضب: يسود وجه النذير، و قالوا فى قوله تعالى: (و جائكم النذير): انه الشيب.
و قال الشاعر: و قائله لى اخضب فالغوانى تطير من ملاحظه القتير فقلت لها المشيب نذير موتى و لست مسودا وجه النذير و زاحم شاب شيخا فى طريق فقال الشاب: كم ثمن القوس؟ يعيره بانحناء الظهر، فقال الشيخ: يابن اخى: ان طال بك عمر فسوف تشتريها بلا ثمن.
و انشد لابن خلف: تعيرنى وخط المشيب بعارضى و لو لا الحجول البلق لم تعرف الدهم حنى الشيب ظهرى فاستمرت مريرتى و لو لا انحناء القوس لم ينفذ السهم و يقولون لمن رشا القاضى او غيره: صب فى قنديله زيتا، و انشد: و عند قضاتنا خبث و مكر و زرع حين تسقيه يسنبل اذا ما صب فى القنديل زيت تحولت القضيه للمقندل و كان ابوصالح كاتب الرشيد ينسب الى اخذ الرشا، و كان كاتب ام جعفر.
و هو سعدان بن يحيى كذلك، فقال لها الرشيد يوما: اما سمعت ما قيل فى كاتبك؟ قالت: ما هو فانشدها: صب فى قنديل سعدا ن مع التسليم زيتا و قناديل بنيه قبل ان تخفى الكميتا قالت: فما قيل فى كاتبك اشنع، و انشدته: قنديل سعدان علا ضوئه فرخ لقنديل ابى صالح تراه فى مجلسه احوصا من لمحه للدره م اللائح و يقولون: لمن طلق ثلاثا: قد نحرها بمثلثه.
و يقولون ايضا: اعطاها نصف السنه.
و يقولون لمن يفخر بابائه: هو عظامى، و لمن يفخر بنفسه هو عصامى، اشاره الى قول النابغه فى عصام بن سهل حاجب النعمان: نفس عصام سودت عصاما و علمته الكر و الاقداما و جعلته ملكا هماما و اشار بالعظامى الى فخره بالاموات من آبائه و رهطه، و قال الشاعر: اذا ما الحى عاش بعظم ميت فذاك العظم حى و هو ميت و نحو هذا ان عبدالله بن زياد بن ظبيان التميمى دخل على ابيه و هو يجود بنفسه فقال: الا اوصى بك الامير؟ فقال، اذا لم يكن للحى الا وصيه الميت فالحى هو الميت، و يقال: ان عطاء بن ابى سفيان قال ليزيد بن معاويه: اغننى عن غيرك، قال: حسبك ما اغناك به معاويه، قال: فهو اذن الحى و انت الميت، و مثل قولهم: عظامى، قولهم: خارجى، اى يفخر بغير اوليه كانت له، قال: كثير لعبدالعزيز: ابا مروان لست بخارجى و ليس قديم مجدك بانتحال و يكنون عن العزيز و عن الذليل ايضا فيقولون: بيضه البلد، فمن يقولها للمدح يذهب الى ان البيضه هى الحوزه و الحمى، يقولون: فلان يحمى بيضته، اى يحمى حوزته و جماعته، و من يقولها للذم يعنى ان الواحده من بيض النعام اذا فسدت تركها ابو اها فى البلد و ذهبا عنها، قال الشاعر فى المدح: لكن قائله من لا كفاء له من كان يدعى ابوه بيضه البلد و قال الاخر فى الذم: تابى قضاعه لم تعرف لكم نسبا و ابنا نزار فانتم بيضه البلد و يقولون للشى ء الذى يكون فى الدهر مره واحده: هو بيضه الديك، قال بشار: يا اطيب الناس ريقا غير مختبر الا شهاده اطراف المساويك قد زرتنا زوره فى الدهر واحده ثنى و لا تجعليها بيضه الديك و يكنون عن الثقيل بالقذى فى الشراب، قال الاخطل يذكر الخمر و الاجتماع عليها: و ليس قذاها بالذى قد يضيرها و لا بذباب نزعه ايسر الامر و لكن قذاها كل جلف مكلف اتتنا به الايام من حيث لاندرى فذاك القذى و ابن القذى و اخو القذى فان له من زائر آخر الدهر و يكنون ايضا عنه بقدح اللبلاب، قال الشاعر: يا ثقيلا زاد فى الثقل على كل ثقيل انت عندى قدح اللب لاب فى كف العليل و يكنون عنه ايضا بالقدح الاول، لان القدح الاول من الخمر تكرهه الطبيعه و ما بعده فدونه لاعتياده، قال الشاعر: و اثقل من حضين باديا و ابغض من قدح اول و يكنون عنه بالكانون، قال الحطيئه يهجو امه: تنحى فاقعدى عنى بعيدا اراح الله منك العالمينا اغربالا اذا استودعت سرا و كانونا على المتحدثينا! قالوا: و اصله من كننت اى سترت، فكانه اذا دخل على قوم و هم فى حديث ستروه عنه، و قيل: بل المراد شده برده.
و يكنون عن الثقيل ايضا برحا البزر، قال الشاعر: و اثقل من رحا بزر علينا كانك من بقايا قوم عاد و يقولون لمن يحمدون جواره: جاره جار ابى دواد، و هو كعب بن مامه الايادى، كان اذا جاوره رجل فمات وداه، و ان هلك عليه شاه او بعير اخلف عليه، فجاوره ابودواد الايادى، فاحسن اليه، فضرب به المثل.
و مثله قولهم: هو جليس قعقاع بن شور، و كان قد قدم الى معاويه فدخل عليه، و المجلس غاص باهله ليس فيه مقعد، فقام له رجل من.
القوم و اجلسه مكانه، فلم يبرح القعقاع من ذلك الموضع يكلم معاويه و معاويه يخاطبه حتى امر له بمائه الف درهم، فاحضرت اليه، فجعلت الى جانبه، فلما قام قال للرجل القائم له من مكانه: ضمها اليك، فهى لك بقيامك لنا عن مجلسك، فقيل فيه: و كنت جليس قعقاع بن شور و لايشقى بقعقاع جليس ضحوك السن ان نطقوا بخير و عند الشر مطراق عبوس اخذ قوله: (و لايشقى بقعقاع جليس) من قول النبى (ص): (هم القوم لايشقى بهم جليسهم).
و يكنون عن السمين من الرجال بقولهم: هو جار الامير و ضيف الامير، و اصله ان الغضبان بن القبعثرى كان محبوسا فى سجن الحجاج، فدعا به يوما فكلمه، فقال له فى جمله خطابه: انت لسمين يا غضبان، فقال: القيد و الرتعه، و الخفض و الدعه، و من يكن ضيف الامير يسمن.
و يكنى الفلاسفه عن السمين بانه يعرض سور حبسه، و ذلك ان افلاطون راى رجلا سمينا، فقال: يا هذا، ما اكثر عنايتك بتعريض سور حبسك! و نظر اعرابى الى رجل جيد الكدنه، فقال: ارى عليك قطيفه محكمه.
قال: نعم، ذاك عنوان نعمه الله عندى.
و يقولون للكذاب: هو قموص الحنجره، و ايضا هو زلوق الكبد، و ايضا لايوثق بسيل بلقعه.
و ايضا اسير الهند لانه يدعى انه ابن الملك، و ان كان من اولاد السفله.
و يكنى عنه ايضا بالشيخ الغريب، لانه يحب ان يتزوج فى الغربه فيدعى انه ابن خمسين سنه، و هو ابن خمس و سبعين.
و يقولون: هو فاخته البلد، من قول الشاعر: اكذب من فاخته تصيح فوق الكرب و الطلع لم يبد لها: هذا اوان الرطب و قال آخر فى المعنى: حديث ابى حازم كله كقول الفواخت: جاء الرطب و هن و ان كن يشبهنه فلسن يدانينه فى الكذب و يكنون عن النمام بالزجاج، لانه يشف على ما تحته، قال الشاعر: انم بما استودعته من زجاجه يرى الشى ء فيها ظاهرا و هو باطن و يكنون عنه بالنسيم، من قول الاخ ر: و انك كلما استودعت سرا انم من النسيم على الرياض و يقولون: انه لصبح، و انه لطيب، كله فى النمام.
و يقولون: ما زال يفتل له فى الذروه و الغارب حتى اسمحت قرونته، و هى النفس، و الذروه: اعلى السنام، و الغارب: مقدمه.
و يقولون فى الكنايه عن الجاهل: ما يدرى اى طرفيه اطول، قالوا: ذكره و لسانه.
و قالوا: هل نسب ابيه افضل ام نسب امه؟ و مثله: لايعرف قطانه من لطانه، اى لايعرف جبهته مما بين وركيه.
و قالوا: الحده كنيه الجهل، و الاقتصاد كنيه البخل، و الاستقصاء كنيه الظلم.
و قالوا للجائع: عضه الصفر، و عضه شجاع البطن.
و قال الهذلى: ارد شجاع البطن قد تعلمينه و اوثر غرثى من عيالك بالطعم مخافه ان احيا برغم و ذله و للموت خير من حياه على رغم و يقولون: زوده زاد الضب، اى لم يزوده شيئا، لان الضب لايشرب الماء، و انما يتغذى بالريح و النسيم، و ياكل القليل من عشب الارض.
و قال ابن المعتز: يقول اكلنا لحم جدى و بطه و عشر دجاجات شواء بالبان و قد كذب الملعون ما كان زاده سوى زاد ضب يبلع الريح عطشان و قال ابوالطيب: لقد لعب البين المشت بها و بى و زودنى فى السير ما زود الضبا و يقولون للمختلفين من الناس: هم كنعم الصدقه، و ه م كبعر الكبش، قال عمرو بن لجا: و شعر كبعر الكبش الف بينه لسان دعى فى القريض دخيل و ذلك لان بعر الكبش يقع متفرقا.
و قال بعض الشعراء لشاعر آخر: انا اشعر منك لانى اقول البيت و اخاه، و تقول البيت و ابن عمه.
فاما قول جرير فى ذى الرمه: ان شعره بعرظباء و نقط عروس، فقد فسره الاصمعى فقال: يريد ان شعره حلو اول ما تسمعه، فاذا كرر انشاده ضعف، لان ابعار الظباء اول ما تشم توجد لها رائحه ما اكلت من الجثجاث و الشيح و القيصوم، فاذا ادمت شمها عدمت تلك الرائحه، و نقط العروس اذا غسلتها ذهبت.
و يقولون ايضا للمختلفين: اخياف، و الخيف: سواد احدى العينين و زرق الاخرى.
و يقولون فيهم ايضا: اولاد علات كالاخوه لامهات شتى، و العله: الضره.
و يقولون فيهم: خبز كتاب، لانه يكون مختلفا، قال شاعر يهجو الحجاج ابن يوسف: اينسى كليب زمان الهزال و تعليمه سوره الكوثر رغيف له فلكه ما ترى و آخر كالقمر الازهر و مثله: اما رايت بنى سلم وجوههم كانها خبز كتاب و بقال و يقال للمتساوين فى الردائه: كاسنان الحمار، قال الشاعر: سواء كاسنان الحمار فلاترى لذى شيبه منهم على ناشى ء فضلا و قال آخر: شبابهم و شيبهم سواء فهم فى اللوم اسنان الحمار و انشد المبرد فى الكامل لاعرابى يصف قوما من طيى ء بالتساوى فى الردائه: و لما ان رايت بنى جوين جلوسا ليس بينهم جليس يئست من الذى اقبلت ابغى لديهم اننى رجل يئوس اذا ما قلت ايهم لاى تشابهت المناكب و الرئوس قال: فقوله: (ليس بينهم جليس) هجاء قبيح، يقول: لاينتجع الناس معروفهم، فليس بينهم غيرهم.
و يقولون فى المتساويين فى الردائه ايضا: هما كحمارى العبادى، قيل له: اى حماريك شر؟ قال: هذا ثم هذا.
و يقال فى التساوى فى الشر و الخير: هم كاسنان المشط، و يقال: وقعا كركبتى البعير، و كرجلى النعامه.
و قال ابن الاعرابى: كل طائر اذا كسرت احدى رجليه تحامل على الاخرى الا النعام فانه متى كسرت احدى رجليه جثم، فلذلك قال الشاعر يذكر اخاه: و انى و اياه كرجلى نعامه على ما بنا من ذى غنى و فقير و قال ابوسفيان بن حرب لعامر بن الطفيل و علقمه بن علاثه و قد تنافرا اليه: انتما كركبتى البعير، فلم ينفر واحدا منهما، فقالا: فاينا اليمنى؟ فقال: كل منكما يمنى.
و سال الحجاج رجلا عن اولاد المهلب: ايهم افضل؟ فقال: هم كالحلقه الواحده.
و سئل ابن دريد عن المبرد و ثعلب، فاثنى عليهما، فقيل: فابن قتيبه؟ قال: ربوه بين جبلين، اى خمل ذكره بنباهتهم ا.
و يكنى عن الموت بالقطع عند المنجمين، و عن السعايه بالنصيحه عند العمال، و عن الجماع بالوطء عند الفقهاء، و عن السكر بطيب النفس عند الندماء، و عن السوال بالزوار عند الاجواد، و عن الصدقه بما افاء الله عند الصوفيه.
و يقال للمتكلف بمصالح الناس: انه وصى آدم على ولده، و قد قال شاعر فى هذا الباب: فكان آدم عند قرب وفاته اوصاك و هو يجود بالحوباء ببنيه ان ترعاهم فرعيتهم و كفيت آدم عيله الابناء و يقولون: فلان خليفه الخضر اذا كان كثير السفر، قال ابوتمام: خليفه الخضر من يربع على وطن او بلده فظهور العيس اوطانى بغداد اهلى و بالشام الهوى و انا بالرقتين و بالفسطاط اخوانى و ما اظن النوى ترضى بما صنعت حتى تبلغ بى اقصى خراسان و يقولون للشى ء المختار المنتخب: هو ثمره الغراب لانه ينتفى خير الثمر.
و يقولون: سمن فلان فى اديمه، كنايه عمن لاينتفع به، اى ما خرج منه يرجع اليه، و اصله ان نحيا من السمن انشق فى ظرف من الدقيق، فقيل ذلك، قال الشاعر: ترحل فما بغداد دار اقامه و لا عند من اضحى ببغداد طائل محل ملوك سمنهم فى اديمهم و كلهم من حليه المجد عاطل فلا غرو ان شلت يد المجد و العلى و قل سماح من رجال و نائل اذا غضغض البحر الغطامط مائه فليس عجيبا ان تغيض الجداول و يقولون لمن لايفى بالعهد: فلان لايحفظ اول المائده، لان اولها: (يا ايها الذين آمنوا اوفوا بالعقود).
و يقولون لمن كان حسن اللباس و لا طائل عنده: هو مشجب، و المشجب: خشبه القصار التى يطرح الثياب عليها، قال ابن الحجاج: لى ساده طائر السرور بهم يطرده الياس بالمقاليع مشاجب للثياب كلهم و هذه عاده المشاقيع جائزتى عندهم اذا سمعوا شعرى: هذا كلام مطبوع و انهم يضحكون ان ضحكوا منى و ابكى انا من الجوع و قال آخر: اذا لبسوا دكن الخزوز و خضرها و راحوا فقد راحت عليك المشاجب و روى ان كيسان غلام ابى عبيده وفد على بعض البرامكه فلم يعطه شيئا، فلما وافى البصره قيل له: كيف وجدته؟ قال: وجدته مشجبا من حيث ما اتيته وجدته.
و يكنون عن الطفيلى فيقولون: هو ذباب، لانه يقع فى القدور، قال الشاعر: اتيتك زائرا لقضاء حق فحال الستر دونك و الحجاب و لست بواقع فى قدر قوم و ان كرهوا كما يقع الذباب و قال آخر: و انت اخو السلام و كيف انتم و لست اخا الملمات الشداد و اطفل حين يجفى من ذباب و الزم حين يدعى من قراد و يكنون عن الجرب بحب الشباب، قال الوزير المهلبى: يا صروف الدهر حسبى اى ذنب كان ذنبى! عله خصت و عمت فى حبيب و محب دب فى كفيه يا من حبه دب بقلبى فهو يشكو حر حب و شكاتى حر حب و يكنون عن القصير القامه بابى زبيبه، و عن الطويل بخيط باطل.
و كانت كنيه مروان بن الحكم لانه كان طويلا مضطربا، قال فيه الشاعر: لحا الله قوما امروا خيط باطل على الناس يعطى من يشاء و يمنع و فى خيط باطل قولان: احدهما انه الهباء الذى يدخل من ضوء الشمس فى الكوه من البيت، و تسميه العامه غزل الشمس، و الثانى انه الخيط الذى يخرج من فى العنكبوت، و تسميه العامه مخاط الشيطان.
و تقول العرب للملقو: لطيم الشيطان.
و كانت لقب عمرو بن سعيد الاشدق، لانه كان ملقوا.
و قال بعضهم لاخر: ما حدث؟ قال: قتل عبدالملك عمرا، فقال: قتل ابوالذبان لطيم الشيطان، (و كذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون).
و يقولون للحزين المهموم: يعد الحصى، و يخط فى الارض، و يفت اليرمع، قال المجنون: عشيه مالى حيله غير اننى بلقط الحصى و الخط فى الدار مولع اخط و امحو كل ما قد خططته بدمعى و الغربان حولى وقع و هذا كالنادم يقرع السن، و البخيل ينكت الارض ببنانه، او بعود عند الرد، قال الشاعر: عبيد اخوانهم حتى اذا رك بوا يوم الكريهه فالاساد فى الاجم يرضون فى العسر و الايسار سائلهم لا يقرعون على الاسنان من ندم و قال آخر فى نكت الارض بالعيدان: قوم اذا نزل الغريب بدارهم تركوه رب صواهل و قيان لاينكتون الارض عند سوالهم لتطلب العلات بالعيدان و يقولون للفارغ فواد ام موسى.
و يقولون للمثرى من المال: منقرس، و ذلك ان عله النقرس اكثر ما تعترى اهل الثروه و التنعم.
حكى المبرد، قال: كان الحرمازى فى ناحيه عمرو بن مسعده، و كان يجرى عليه، فخرج عمرو بن مسعده الى الشام، و تخلف الحرمازى ببغداد، فاصابه النقرس، فقال: اقام بارض الشام فاختل جانبى و مطلبه بالشام غير قريب و لا سيما من مفلس حلف نقرس اما نقرس فى مفلس بعجيب! و قال بعضهم يهجو ابن زيدان الكاتب: تواضع النقرس حتى لقد صار الى رجل ابن زيدان عله انسان و لكنها قد وجدت فى غير انسان و يقولون للمترف: رقيق النعل، و اصله قول النابغه: رقاق النعال طيب حجزاتهم يحيون بالريحان يوم السباسب يعنى انهم ملوك، و الملك لايخصف نعله و انما يخصف نعله من يمشى.
و قوله: (طيب حجزاتهم)، اى هم اعفاء الفروج، اى يشدون حجزاتهم على عفه.
و كذلك قولهم: فلان مسمط النعال، اى نعله طبقه واحده غير مخصوف، قال المرار بن سعيد الفقعسى: وجدت بنى خفاجه فى عقيل كرام الناس مسمطه النعال و قريب من هذا قول النجاشى: و لا ياكل الكلب السروق نعالنا و لاينتقى المخ الذى فى الجماجم يريد ان نعالهم سبت، و السبت: جلود البقر المدبوغه بالقرظ، و لاتقربها الكلاب، و انما تاكل الكلاب غير المدبوغ، لانه اذا اصابه المطر دسمه فصار زهما.
و يقولون للسيد: لا يطا على قدم، اى هو يتقدم الناس و لايتبع احدا فيطا على قدمه.
و يقولون: قد اخضرت نعالهم، اى صاروا فى خصب و سعه، قال الشاعر: يتايهون اذا اخضرت نعالهم و فى الحفيظه ابرام مضاجير و اذا دعوا على انسان بالزمانه قالوا: خلع الله نعليه، لان المقعد لايحتاج الى نعل.
و يقولون: اطفا الله نوره، كنايه عن العمى و عن الموت ايضا، لان من يموت فقد طفئت ناره.
و يقولون: سقاه الله دم جوفه، دعاء عليه بان يقتل ولده، و يضطر الى اخذ ديته ابلا فيشرب البانها.
و يقولون: رماه الله بليله لا اخت لها، اى ليله موته، لان ليله الموت لا اخت لها.
و يقولون: وقعوا فى سلا جمل، اى فى داهيه لايرى مثلها، لان الجمل لا سلا له، و انما السلا للناقه، و هى الجليده التى تكون ملفوفه على ولدها.
و يقولون: صاروا فى حولاء ناقه، اذ صاروا فى خصب.
و كانوا اذا وصفوا الارض بالخصب قالوا: كانها حولاء ناقه.
و يقولون لابناء الملوك و الروساء و من يجرى مجراهم: جفاه المحز، قال الشاعر: جفاه المحز لايصيبون مفصلا و لاياكلون اللحم الا تخذما يقول: هم ملوك، و اشباه الملوك لا حذق لهم بنحر الابل و الغنم و لايعرفون التجليد و السلخ، و لهم من يتولى ذلك عنهم، و اذا لم يحضرهم من يجزر الجزور تكلفوا هم ذلك بانفسهم، فلم يحسنوا حز المفصل كما يفعله الجزار، و قوله.
و لاياكلون اللحم الا تخذما اى ليس بهم شره فاذا اكلوا اللحم تخذموا قليلا قليلا، و الخذم: القطع، و انشد الجاحظ فى مثله: و صلع الرئوس عظام البطون جفاه المحز غلاظ القصر لان ذلك كله امارات الملوك، و قريب من ذلك قوله: ليس براعى ابل و لا غنم و لا بجزار على ظهر وضم و يقولون: فلان املس، يكنون عمن لا خير فيه و لا شر، اى لايثبت فيه حمد و لا ذم.
و يقولون: ملحه على ركبته، اى هو سيى ء الخلق، يغضبه ادنى شى ء، قال: لا تلمها انها من عصبه ملحها موضوعه فوق الركب و يقولون كنايه عن مجوسى: هو ممن يخط على النمل، و النمل جمع نمله، و هى قرحه بالانسان، كانت العرب تزعم ان المجوسى اذا كان من اخته و خط عليها برات، قال الشاعر: و لا عيب فينا غير عرق لمعشر كرام و انا لا نخط على النمل و يقولون للصبى: قد قطفت ثمرته، اى ختن.
و قال عماره بن عقيل بن بلال ابن جرير: ما زال عصياننا لله يرذلنا حتى دفعنا الى يحيى و دينار الا عليجين لم تقطف ثمارها قد طالما سجدا للشمس و النار و يقولون: قدر حليمه، اى لا غليان فيها.
و يقولون لمن يصلى صلاه مختصره: هو راجز الصلاه.
و قال اعرابى لرجل رآه يصلى صلاه خفيفه: صلاتك هذه رجز.
و يقولون: فلان عفيف الشفه، اى قليل السوال، و فلان خفيف الشفه، كثير السوال.
و تكنى العرب عن المتيقظ بالقطامى، و هو الصقر.
و يكنون عن الشده و المشقه بعرق القربه، يقولون: لقيت من فلان عرق القربه، اى العرق الذى يحدث بك من حملها و ثقلها، و ذلك لان اشد العمل كان عندهم السقى و ما ناسبه من معالجه الابل.
و تكنى العرب عن الحشرات و هوام الارض بجنود سعد، يعنون سعد الاخبيه، و ذلك لانه اذا طلع انتشرت فى ظاهر الارض، و خرج منها ما كان مستترا فى باطنها، قال الشاعر: قد جاء سعد منذرا بحره موعده جنوده بشره و يكنى قوم عن السائلين على الابواب بحفاظ سوره يوسف (ع)، لانهم يعتنون بحفظها دون غيرها، و قال عماره يهجو محمد بن وهيب: تشبهت بالاعراب اهل التعجرف فدل على ما قلت قبح التكلف لسان عراقى اذا ما ضرفته الى لغه الاعراب لم يتصرف و لم تنس ما قد كان بالامس حاكه ابوك و عود الجف لم يتقصف لئن كنت للاشعار و النحو حافظا لقد كان من حفاظ سوره يوسف و يكنون عن اللقيط بتربيه القاضى، و عن الرقيب بثانى الحبيب، لانه يرى معه ابدا، قال ابن الرومى: موقف للرقيب لا انساه لست اختاره و لا آباه مرحبا بالرقيب من غير وعد جاء يجلو على من اهواه لااحب الرقيب الا لانى لاارى من احب حتى اراه و يكنون عن الوجه المليح بحجه المذنب، اشاره الى قول الشاعر: قد وجدنا غفله من رقيب فسرقنا نظره من حبيب و راينا ثم وجها مليحا فوجدنا حجه للذنوب و يكنون عن الجاهل ذى النعمه بحجه الزنادقه، قال ابن الرومى: مهلا اباالصقر فكم طائر خر صريعا بعد تحليق لا قدست نعمى تسربلتها كم حجه فيها لزنديق! و قال ابن بسام فى ابى الصقر ايضا: يا حجه الله فى الارزاق و القسم و عبره لاولى الالباب و الفهم تراك اصبحت فى نعماء سابغه الا و ربك غضبان على النعم فهذا ضد ذلك المقصد، لان ذاك جعله حجه على الزندقه، و هذا جعله حجه على قدره البارى ء سبحانه على عجائب الامور و غرائبها، و ان النعم لا قدر لها عنده سبحانه، حيث جعلها عند ابى الصقر مع دنائه منزلته.
و قال ابن الرومى: و قينه ابرد من ثلجه تبيت منها النفس فى ضجه كانها من نتنها صخه لكنها فى اللون اترجه تفاوتت خلقتها فاغتدت لكل من عطل محتجه و قد يشابه ذلك قول ابى على البصير فى ابن سعدان: يابن سعدان اجلح الرزق فى ام رك و استحسن القبيح بمره نلت ما لم تكن تمنى اذا ما اسرفت غايه الامانى عشره ليس فيما اظن الا لكيلا ينكر المنكرون لله قدره و للمفجع فى قريب منه: ان كنت خنتكم الموده غادرا او حلت عن سنن المحب الوامق فمسخت فى قبح ابن طلحه انه ما دل قط على كمال الخالق و يقولون: عرض فلان على الحاجه عرضا سابريا، اى خفيفا من غير استقصاء، تشبيها له بالثوب السابرى، و الدرع السابريه، و هى الخفيفه.
و يحكى ان مرتدا مر على قوم ياكلون و هو راكب حمارا، فقالوا: انزل الينا، فقال: هذا عرض سابرى، فقالوا: انزل يابن الفاعله.
و هذا ظرف و لباقه.
و يقولون فى ذلك: وعد سابرى، اى لايقرن به وفاء، و اصل السابرى، اللطيف الرقق.
و قال المبرد: سالت الجاحظ: من اشعر المولدين؟ فقال: القائل: كان ثيابه اطلع ن من ازراره قمرا يزيدك وجهه حسنا اذا ما زدته نظرا بعين خالط التفت ير فى اجفانها الحورا و وجه سابرى لو تصوب ماوه قطرا يعنى العباس بن الاحنف.
و تقول العرب فى معنى قول المحدثين: عرض عليه كذا عرضا سابريا: عرض عليه عرض عاله، اى عرض الماء على النعم العاله التى قد شربت شربا بعد شرب، و هو العلل، لانها تعرض على الماء عرضا خفيفا لا تبالغ فيه.
و من الكنايات الحسنه قول اعرابيه قالت لقيس بن سعد بن عباده: اشكو اليك قله الجرذان فى بيتى، فاستحسن منها ذلك، و قال لاكثرنها، املئوا لها بيتها خبزا و تمرا و سمنا و اقطا و دقيقا.
و شبيه بذلك ما روى ان بعض الروساء سايره صاحب له على برذون مهزول، فقال له: ما اشد هزال دابتك! فقال: يدها مع ايدينا، ففطن لذلك و وصله.
و قريب منه ما حكى ان المنصور قال لانسان: ما مالك؟ قال ما اصون به وجهى، و لا اعود به على صديقى، فقال: لقد تلطفت فى المساله، و امر له بصله.
و جاء اعرابى الى ابى العباس ثعلب و عنده اصحابه، فقال له: ما اراد القائل بقوله: الحمد لله الوهوب المنان صار الثريد فى رئوس القضبان فاقبل ثعلب على اهل المجلس فقال: اجيبوه، فلم يكن عندهم جواب، و قال له نفطويه: الجواب منك يا سيدى احسن، فقال: على انكم لاتعلمونه! قالوا: لانعلمه، فقال الاعرابى، قد سمعت ما قال القوم، فقال: و لا انت اعزك الله تعلمه، فقال ثعلب: اراد ان السنبل قد افرك، قال: صدقت فاين حق الفائده؟ فاشار اليهم ثعلب، فبروه، فقام قائلا: بوركت من ثعلب، ما اعظم بركتك! و يكنون عن الشيب بغبار العسكر، و برغوه الشباب، قال الشاعر: قالت ارى شيبا براسك، قلت لا هذا غبار من غبار العسكر و قالت آخر- و سماه غبار وقائع الدهر: غضبت ظلوم و ازمعت هجرى وصبت ضمائرها الى الغدر قالت ارى شيبا فقلت لها: هذا غبار وقائع الدهر و يقولون للسحاب: فحل الارض.
و قالوا: القلم احد اللسانين، و ردائه الخط احد الزمانتين.
قال: و قال الجاحظ: رايت رجلا اعمى يقول فى الشوارع و هو يسال: ارحموا ذا الزمانتين، قلت: و ما هما؟ قال: انا اعمى و صوتى قبيح.
و قد اشار شاعر الى هذا فقال: اثنان اذا عدا حقيق بهما الموت فقير ما له زهد و اعمى ما له صوت و قال رسول الله (ص): (اياكم و خضراء الدمن)، فلما سئل عنها قال: (المراه الحسناء فى المنبت السوء).
و قال (ع) فى صلح قوم من العرب: (ان بيننا و بينهم عيبه مكفوفه)، اى لانكشف ما بيننا و بينهم من ضغن و حقد و دم.
و قال (ع): (الانصار كرشى و ع يبتى)، اى موضع سرى و كرشى: جماعتى.
و يقال: جاء فلان ربذ العنان، اى منهزما.
و جاء ينفض مذرويه، اى يتوعد من غير حقيقه.
و جاء ينظر عن شماله، اى منهزما.
و تقول: فلان عندى بالشمال، اى منزلته خسيسه.
و فلان عندى باليمين، اى بالمنزله العليا، قال ابونواس: اقول لناقتى اذ بلغتنى لقد اصبحت عندى باليمين فلم اجعلك للغربان نهبا و لم اقل اشرقى بدم الوتين حرمت على الازمه و الولايا و اعلاق الرحاله و الوضين و قال ابن مياده: ابينى افى يمنى يديك جعلتنى فافرح ام صيرتنى فى شمالك! و تقول العرب: التقى الثريان فى الامرين ياتلفان و يتفقان، او الرجلين، قال ابوعبيده: و الثرى: التراب الندى فى بطن الوادى، فاذا جاء المطر و سح فى بطن الوادى حتى يلتقى نداه و الندى الذى فى بطن الوادى يقال: التقى الثريان.
و يقولون: هم فى خير لايطير غرابه، يريدون انهم فى خير كثير و خصب عظيم فيقع الغراب فلاينفر لكثره الخصب.
و كذلك امر لا ينادى وليده، اى امر عظيم ينادى فيه الكبار دون الصغار.
و قيل: المراد ان المراه تشتغل عن وليدها فلا تناديه لعظم الخطب، و من هذا قول الشاعر يصف حربا عظيمه: اذا خرس الفحل وسط الحجور و صاح الكلاب و عق الولد يريد ان الفحل اذا عاين الجيش و البارقه لم يلتفت لفت الحجور و لم يصهل، و تنبح الكلاب اربابها، لانها لا تعرفهم للبسهم الحديد، و تذهل المراه عن ولدها رعبا، فجعل ذلك عقوقا.
و يقولون: اصبح فلان على قرن اعفر، و هو الظبى اذا ارادوا اصبح على خطر، و ذلك لان قرن الظبى ليس يصلح مكانا، فمن كان عليه فهو على خطر، قال امرو القيس: و لا مثل يوم بالعظالى قطعته كانى و اصحابى على قرن اعفرا و قال ابوالعلاء المعرى: كاننى فوق روق الظبى من حذر و انشد ابن دريد فى هذا المعنى: و ما خير عيش لا يزال كانه محله يعسوب براس سنان يعنى من القلق و انه غير مطمئن.
و يقولون: به داء الظبى، اى لا داء به، لان الظبى صحيح لا يزال، و المرض قل ان يعتريه.
و يقولون للمتلون المختلف الاحوال: ظل الذئب، لانه لا يزل مره هكذا و مره هكذا و يقولون: به داء الذئب، اى الجوع.
و عهد فلان عهد الغراب، يعنون انه غادر، قالوا: لان كل طائر يالف انثاه الا الغراب، فانه اذا باضت الانثى تركها و صار الى غيرها.
و يقولون: ذهب سمع الارض و بصرها، اى حيث لايدرى اين هو! و تقولون: القى عصاه، اذا اقام و استقر، قال الشاعر: فالقت عصاها و استقر بها النوى كما قر عينا بالاياب المسافر و وقع القضيب من يد الحجاج و هو يخطب، فتطير بذلك حتى بان فى وجهه، فقام اليه رجل فقال: انه ليس ما سبق وهم الامير اليه، و لكنه قول القائل، و انشده البيت، فسرى عنه.
و يقال للمختلفين: طارت عصاهم شققا.
و يقال: فلان منقطع القبال، اى لا راى له.
و فلان عريض البطان، اى كثير الثروه.
و فلان رخى اللب، اى فى سعه.
و فلان واقع الطائر، اى ساكن.
و فلان شديد الكاهل، اى منيع الجانب.
و فلان ينظر فى اعقاب نجم مغرب، اى هو نادم آيس، قال الشاعر: فاصبحت من ليلى الغداه كناظر مع الصبح فى اعقاب نجم مغرب و سقط فى يده، اى ايقن بالهلكه.
و قد رددت يده الى فيه، اى منعته من الكلام.
و بنو فلان يد على بنى فلان، اى مجتمعون.
و اعطاه كذا عن ظهر يد، اى ابتداء لا عن مكافاه.
و يقولون: جاء فلان ناشرا اذنيه، اى جاء طامعا.
و يقال: هذه فرس غير محلفه، اى لا تحوج صاحبها الى ان يحلف انها كريمه، قال: كميت غير محلفه و لكن كلون الصرف عل به الاديم و تقول: حلب فلان الدهر اشطره، اى مرت عليه صروبه خيره و شره.
و قرع فلان لامر ظنبوبه، اى جد فيه و اجتهد.
و تقول: ابدى الشر نواجذه، اى ظهر.
و قد كشفت الحرب عن ساقها، و كشرت عن نابها.
و تقول: استنوق الجمل، يقال ذ لك للرجل يكون فى حديث ينتقل الى غيره يخلطه به.
و تقول لمن يهون بعد عز: استاتن العير.
و تقول للضعيف يقوى: استنسر البغاث.
و يقولون: شراب بانقع، اى معاود للامور، و قال الحجاج: يا اهل العراق، انكم شرابون بانقع، اى معتادون الخير و الشر.
و الانقع: جمع نقع، و هو ما استنقع من الغدران، و اصله فى الطائر الحذر يرد المناقع فى الفلوات حيث لا يبلغه قانص، و لاينصب له شرك.
(حديث عن امرى القيس) و نختم هذا الفصل فى الكنايات بحكايه رواها ابوالفرج على بن الحسين الاصبهانى، قال ابوالفرج: اخبرنى محمد بن القاسم الانبارى، قال: حدثنى ابن عمى، قال: حدثنا احمد بن عبدالله، عن الهيثم بن عدى.
قال: و حدثنى عمى، قال: حدثنا محمد بن سعد الكرانى، قال: حدثنا العمرى، عن الهيثم بن عدى، عن مجالد بن سعيد، عن عبدالملك بن عمير، قال: قدم علينا عمر بن هبيره الكوفه اميرا على العراق، فارسل الى عشره من وجوه اهل الكوفه انا احدهم، فسرنا عنده، فقال: ليحدثنى كل رجل منكم احدوثه و ابدا انت يا ابا عمرو، فقلت: اصلح الله الامير! احديث حق ام حديث باطل؟ قال: بل حديث حق، فقلت: ان امرا القيس كان آلى اليه الا يتزوج امراه حتى يسالها عن ثمانيه و اربعه و اثنتين، فجعل ي خطب النساء، فاذا سالهن عن هذا قلن: اربعه عشر، فبينا هو يسير فى جوف الليل اذا هو برجل يحمل ابنه صغيره له كانها البدر لتمه، فاعجبته، فقال لها: يا جاريه، ما ثمانيه، و اربعه، و اثنتان؟ فقالت: اما ثمانيه فاطباء الكلبه، و اما اربعه: فاخلاف الناقه، و اما اثنتان فثديا المراه، فخطبها الى ابيها، فزوجه اياها و شرطت عليه ان تساله ليله بنائها عن ثلاث خصال، فجعل لها ذلك، و على ان يسوق اليها مائه من الابل، و عشره اعبد، و عشر وصائف، و ثلاثه افراس، ففعل ذلك، ثم بعث عبدا الى المراه، و اهدى اليها معه نحيا من سمن و نحيا من عسل و حله من عصب، فنزل العبد على بعض المياه، و نشر الحله فلبسها فتعلقت بسمره فانشقت، و فتح النحيين فاطعم اهل الماء منهما فنقصا، ثم قدم على المراه و اهلها خلوف فسالها عن ابيها و امها و اخيها، و دفع اليها هديتها، فقالت: اعلم مولاك ان ابى ذهب يقرب بعيدا، و يبعد قريبا، و ان امى ذهبت تشق النفس نفسين، و ان اخى ذهب يراعى الشمس، و ان سمائكم انشقت، و ان وعائيكم نضبا.
فقدم الغلام على مولاه، فاخبره فقال: اما قولها: ان ابى ذهب يقرب بعيدا، و يبعد قريبا، فان اباها ذهب يحالف قوما على قومه، و اما قولها: ان امى ذهبت تشق النفس نفسين، فان امها ذهبت تقبل امراه نفساء.
و اما قولها: ان اخى ذهب يراعى الشمس، فان اخاها فى سرح له يرعاه، فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به، و اما قولها: ان سمائكم انشقت، فان البرد الذى بعثت به انشق، و اما قولها ان وعائيكم نضبا فان النحيين اللذين بعثت بهما نقصا، فاصدقنى.
فقال: يا مولاى، انى نزلت بماء من مياه العرب، فسالونى عن نسبى فاخبرتهم انى ابن عمك، و نشرت الحله و لبستها و تجملت بها، فتعلقت بسمره فانشقت، و فتحت النحيين فاطعمت منهما اهل الماء، فقال: اولى لك! ثم ساق مائه من الابل، و خرج نحوها و معه العبد يسقى الابل، فعجز، فاعانه امرو القيس، فرمى به العبد فى البئر، و خرج حتى اتى الى اهل الجاريه بالابل، فاخبرهم انه زوجها، فقيل لها: قد جاء زوجك، فقالت: و الله ما ادرى ازوجى هو ام لا! و لكن انحروا له جزورا و اطعموه من كرشها و ذنبها، ففعلوا، فاكل ما اطعموه، فقالت: اسقوه لبنا حازرا و هو الحامض- فسقوه فشرب- فقالت: افرشوا له عند الفرث و الدم، ففرشوا له، فنام فلما اصبحت ارسلت اليه: انى اريد ان اسالك، فقال لها: سلى عما بدا لك، فقالت: مم تختلج شفتاك؟ قال: من تقبيلى اياك، فقالت: مم يختلج كشحاك، قال: لالتزامى اياك، قالت: فمم يخت لج فخذاك؟ قال: لتوركى اياك، فقالت عليكم العبد فشدوا ايديكم به، ففعلوا.
قال: و مر قوم فاستخرجوا امرا القيس من البئر، فرجع الى حيه و ساق مائه من الابل، و اقبل الى امراته فقيل لها: قد جاء زوجك، فقالت: و الله ما ادرى ازوجى هو ام لا! و لكن انحروا له جزورا، و اطعموه من كرشها و ذنبها، ففعلوا، فلما اتوه بذلك قال: و اين الكبد و السنام و الملحاء، و ابى ان ياكل، فقالت اسقوه لبنا حازرا، فاتى به، فابى ان يشربه، و قال: فاين الضريب و الرثيئه؟ فقالت: افرشوا له عند الفرث و الدم، ففرشوا له، فابى ان ينام، و قال: افرشوا لى عند التلعه الحمراء، و اضربوا لى عليها خباء، ثم ارسلت اليه: هلم شريطتى عليك فى المسائل الثلاث، فارسل اليها ان سلى عما شئت، فقالت: مم تختلج شفتاك؟ فقال: لشربى المشعشعات، قالت: فمم يختلج كشحاك؟ قال: للبسى الحبرات.
قالت: فمم تختلج فخذاك؟ قال: لركضى المطهمات، فقالت: هذا زوجى لعمرى، فعليكم به.
فاهديت اليه الجاريه.
فقال ابن هبيره: حسبكم، فلا خير فى الحديث سائر الليله بعد حديث ابى عمرو، و لن ياتينا احد منكم باعجب منه، فانصرفنا و امر لى بجائزه.
الجران: مقدم العنق، و هذا الوالى هو عمر بن الخطاب.
و هذا الكلام من خطبه خطبها فى ايام خلافته طويله، يذكر فيها قربه من النبى (ص) و اختصاصه له، و افضائه باسراره اليه، حتى قال فيها: فاختار المسلمون بعده بارائهم رجلا منهم، فقارب و سدد حسب استطاعته على ضعف و حد كانا فيه، وليهم بعده وال، فاقام و استقام حتى ضرب الدين بجرانه، على عسف و عجرفيه كانا فيه، ثم اختلفوا ثالثا لم يكن يملك من امر نفسه شيئا، غلب عليه اهله فقادوه الى اهوائهم كما تقود الوليده البعير المخطوم، فلم يزل الامر بينه و بين الناس يبعد تاره و يقرب اخرى حتى نزوا عليه فقتلوه، ثم جائوا بى مدب الدبا، يريدون بيعتى.
و تمام الخطبه معروف، فليطلب من الكتب الموضوعه لهذا الفن.
زمان عضوض، اى كلب على الناس، كانه يعضهم، و فعول للمبالغه، كالنفور العقوق، و يجوز ان يكون من قولهم بئر عضوض، اى بعيده القعر ضيقه، و ما كانت البئر عضوضا، فاعضت كقولهم: ما كانت جرورا فاجرت، و هى كالعضوض.
و عض فلان على ما فى يده اى بخل و امسك.
و ينهد فيه الاشرار، ينهضون الى الولايات و الرياسات، و ترتفع اقدارهم فى الدنيا.
و يستذل فيه اهل الخير و الدين، و يكون فيه بيع على وجه الاضطرار و الالجاء، كمن بيعت ضيعته، و هو ذليل ضعيف، من رب ضيعه مجاوره لها ذى ثروه و عز و جاه فيلجئه بمنعه الماء و استذلاله الاكره و الوكيل الى ان يبيعها عليه، و ذلك منهى عنه، لانه حرام محض.
قال الرضى رحمه الله تعالى: و هذا مثل قوله (ع): يهلك فى اثنان: محب غال، و مبغض قال.
قد تقدم شرح مثل هذا الكلام، و خلاصه هذا القول: ان الهالك فيه المفرط و المفرط، اما المفرط فالغلاه، و من قال بتكفير اعيان الصحابه و نفاقهم او فسقهم، و اما المفرط فمن استنقص به (ع) او ابغضه او حاربه او اضمر له غلا، و لهذا كان اصحابنا اصحاب النجاه و الخلاص و الفوز فى هذه المساله، لانهم سلكوا طريقه مقتصده، قالوا: هو افضل الخلق فى الاخره، و اعلاهم منزله فى الجنه، و افضل الخلق فى الدنيا، و اكثرهم خصائص و مزايا و مناقب، و كل من عاداه او حاربه او ابغضه فانه عدو لله سبحانه و خالد فى النار مع الكفار و المنافقين، الا ان يكون ممن قد ثبتت توبته، و مات على توليه و حبه.
فاما الافاضل من المهاجرين و الانصار الذين ولوا الامامه قبله فلو انه انكر امامتهم و غضب عليهم، و سخط فعلهم، فضلا عن ان يشهر عليهم السيف، او يدعو الى نفسه، لقلنا: انهم من الهالكين، كما لو غضب عليهم رسول الله (ص)، لانه قد ثبت ان رسول الله (ص) قال له: (حربك حربى، و سلمك سلمى)، و انه قال: (اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه)، و قال له: (لايحبك الا مومن، و لاي بغضك الا منافق)، و لكنا راينا رضى امامتهم و بايعهم و صلى خلفهم و انكحهم و اكل من فيئهم، فلم يكن لنا ان نتعدى فعله، و لا نتجاوز ما اشتهر عنه، الا ترى انه لما برى ء من معاويه برئنا منه، و لما لعنه لعناه، و لما حكم بضلال اهل الشام و من كان فيهم من بقايا الصحابه كعمرو بن العاص و عبدالله ابنه و غيرهما حكمنا ايضا بضلالهم! و الحاصل انا لم نجعل بينه و بين النبى (ص) الا رتبه النبوه، و اعطيناه كل ما عدا ذلك من الفضل المشترك بينه و بينه، و لم نطعن فى اكابر الصحابه الذين لم يصح عندنا انه طعن فيهم، و عاملناهم بما عاملهم (ع) به.
(فصل فيما قيل فى التفضيل بين الصحابه) و القول بالتفضيل قول قديم، قد قال به كثير من الصحابه و التابعين، فمن الصحابه عمار، و المقداد، و ابوذر، و سلمان، و جابر بن عبدالله، و ابى بن كعب، و حذيفه، و بريده، و ابوايوب، و سهل بن حنيف، و عثمان بن حنيف، و ابوالهيثم بن التيهان، و خزيمه بن ثابت، و ابوالطفيل عامر بن واثله: و العباس بن عبدالمطلب و بنوه، و بنو هاشم كافه، و بنوالمطلب كافه.
و كان الزبير من القائلين به فى بدء الامر، ثم رجع، و كان من بنى اميه قوم يقولون بذلك، منهم خالد بن سعيد بن العاص، و منهم ع مر بن عبدالعزيز.
و انا اذكر هاهنا الخبر المروى المشهور عن عمر، و هو من روايه ابن الكلبى، قال: بينا عمر بن عبدالعزيز جالسا فى مجلسه، دخل حاجبه و معه امراه ادماء طويله حسنه الجسم و القامه، و رجلان متعلقان بها، و معهم كتاب من ميمون بن مهران الى عمر، فدفعوا اليه الكتاب، ففضه فاذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم.
الى اميرالمومنين عمر بن عبدالعزيز، من ميمون بن مهران، سلام عليك و رحمه الله و بركاته، اما بعد، فانه ورد علينا امر ضاقت به الصدور، و عجزت عنه الاوساع، و هربنا بانفسنا عنه، و وكلناه الى عالمه، لقول الله عز و جل: (و لو ردوه الى الرسول و الى اولى الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)، و هذه المراه و الرجلان احدهما زوجها و الاخر ابوها، و ان اباها يا اميرالمومنين زعم ان زوجها حلف بطلاقها ان على بن ابى طالب (ع) خير هذه الامه و اولاها برسول الله (ص)، و انه يزعم ان ابنته طلقت منه، و انه لايجوز له فى دينه ان يتخذه صهرا، و هو يعلم انها حرام عليه كامه.
و ان الزوج يقول له: كذبت و اثمت، لقد بر قسمى، و صدقت مقالتى، و انها امراتى على رغم انفك، و غيظ قلبك، فاجتمعوا الى يختصمون فى ذلك، فسالت الرجل عن يمينه، فقال: نعم، قد كان ذلك، و قد حلفت بطلاقها ان عليا خير هذه الامه و اولاها برسول الله (ص)، عرفه من عرفه، و انكره من انكره، فليغضب من غضب، و ليرض من رضى، و تسامع الناس بذلك، فاجتمعوا له، و ان كانت الالسن مجتمعه فالقلوب شتى، و قد علمت يا اميرالمومنين اختلاف الناس فى اهوائهم، و تسرعهم الى ما فيه الفتنه، فاحجمنا عن الحكم لتحكم بما اراك الله.
و انهما تعلقا بها، و اقسم ابوها الا يدعها معه، و اقسم زوجها الا يفارقها و لو ضربت عنقها الا ان يحكم عليه بذلك حاكم لايستطيع مخالفته و الامتناع منه، فرفعناهم اليك يا اميرالمومنين، احسن الله توفيقك و ارشدك! و كتب فى اسفل الكتاب: اذا ما المشكلات وردن يوما فحارت فى تاملها العيون و ضاق القوم ذرعا عن نباها فانت لها اباحفص امين لانك قد حويت العلم طرا و احكمك التجارب و الشئون و خلفك الاله على الرعايا فحظك فيهم الحظ الثمين قال: فجمع عمر بن عبدالعزيز بنى هاشم و بنى اميه و افخاذ قريش، ثم قال لابى المراه: ما تقول ايها الشيخ؟ قال: يا اميرالمومنين، هذا الرجل زوجته ابنتى، و جهزتها اليه باحسن ما يجهز به مثلها، حتى اذا املت خيره، و رجوت صلاحه، حلف بطلاقها كاذبا، ثم اراد الاقامه معها، فقال له عمر: يا شيخ، لعله لم يطلق امراته، فكيف حلف؟ قال الشيخ: سبحان الله! الذى حلف عليه لابين حنثا و اوضح كذبا من ان يختلج فى صدرى منه شك، مع سنى و علمى، لانه زعم ان عليا خير هذه الامه و الا فامراته طالق ثلاثا.
فقال للزوج: ما تقول؟ اهكذا حلفت؟ قال: نعم، فقيل: انه لما قال: نعم، كاد المجلس يرتج باهله، و بنو اميه ينظرون اليه شزرا، الا انهم لم ينطقوا بشى ء، كل ينظر الى وجه عمر.
فاكب عمر مليا ينكت الارض بيده و القوم صامتون ينظرون ما يقوله، ثم رفع راسه و قال: اذا ولى الحكومه بين قوم اصاب الحق و التمس السدادا و ما خير الامام اذا تعدى خلاف الحق و اجتنب الرشادا ثم قال للقوم: ما تقولون فى يمين هذا الرجل؟ فسكتوا، فقال: سبحان الله! قولوا.
فقال رجل من بنى اميه: هذا حكم فى فرج، و لسنا نجترى ء على القول فيه، و انت عالم بالقول، موتمن لهم و عليهم، قل ما عندك، فان القول ما لم يكن يحق باطلا و يبطل حقا جائز على فى مجلسى.
قال: لا اقول شيئا، فالتفت الى رجل من بنى هاشم من ولد عقيل بن ابى طالب، فقال له: ما تقول فيما حلف به هذا الرجل يا عقيلى؟ فاغتنمها، فقال: يا اميرالمومنين، ان جعلت قولى حكما، او حكمى جائزا قلت، و ان لم يكن ذلك فالسكوت اوسع لى، و ابقى للموده، قال: قل و قولك حكم، و حكمك ماض.
فلما سمع ذلك بنو اميه قالوا: ما انصفتنا اميرالمومنين اذ جعلت الحكم الى غيرنا، و نحن من لحمتك و اولى رحمك! فقال عمر: اسكتوا، اعجزا و لوما! عرضت ذلك عليكم آنفا فما انتدبتم له.
قالوا: لانك لم تعطنا ما اعطيت العقيلى، و لاحكمتنا كما حكمته، فقال عمر: ان كان اصاب و اخطاتم، و حزم و عجزتم، و ابصر و عميتم، فما ذنب عمر، لا ابالكم! اتدرون ما مثلكم؟ قالوا: لاندرى، قال: لكن العقيلى يدرى، ثم قال: ما تقول يا رجل؟ قال: نعم يا اميرالمومنين، كما قال الاول: دعيتم الى امر فلما عجزتم تناوله من لا يداخله عجز فلما رايتم ذاك ابدت نفوسكم نداما و هل يغنى من القدر الحذر! فقال عمر: احسنت و اصبت، فقل ما سالتك عنه.
قال: يا اميرالمومنين، بر قسمه، و لم تطلق امراته، قال: و انى علمت ذاك\ قال: نشدتك الله يا اميرالمومنين، الم تعلم ان رسول الله (ص) قال لفاطمه (ع) و هو عندها فى بيتها عائد لها: يا بنيه ما علتك؟ قالت: الوعك يا ابتاه- و كان على غائبا فى بعض حوائج النبى (ص)- فقال لها: اتشتهين شيئا؟ قالت: نعم اشتهى عنبا، و انا اعلم انه عزيز، و ليس وقت عنب، فقال (ص): ان الله قادر على ان يج يئنا به.
ثم قال: اللهم ائتنا به مع افضل امتى عندك منزله، فطرق على الباب، و دخل و معه مكتل قد القى عليه طرف ردائه، فقال له النبى (ص): ما هذا يا على؟ قال: عنب التمسته لفاطمه، فقال: الله اكبر الله اكبر، اللهم كما سررتنى بان خصصت عليا بدعوتى فاجعل فيه شفاء بنيتى، ثم قال: كلى على اسم الله يا بنيه، فاكلت، و ما خرج رسول الله (ص) حتى استقلت و برات، فقال عمر: صدقت و بررت، اشهد لقد سمعته و وعيته، يا رجل، خذ بيد امراتك فان عرض لك ابوها فاهشم انفه.
ثم قال: يا بنى عبد مناف، و الله ما نجهل ما يعلم غيرنا، و لا بنا عمى فى ديننا، و لكنا كما قال الاول: تصيدت الدنيا رجالا بفخها فلم يدركوا خيرا بل استقبحوا الشرا و اعماهم حب الغنى و اصمهم فلم يدركوا الا الخساره و الوزرا قيل: فكانما القم بنى اميه حجرا، و مضى الرجل بامراته.
و كتب عمر الى ميمون بن مهران: عليك سلام، فانى احمد اليك الله الذى لا اله الا هو، اما بعد، فانى قد فهمت كتابك، و ورد الرجلان و المراه، و قد صدق الله يمين الزوج، و ابر قسمه، و اثبته على نكاحه، فاستيقن ذلك، و اعمل عليه، و السلام عليك و رحمه الله و بركاته.
فاما من قال بتفضيله على الناس كافه من التابعين فخلق كثير كاويس القرنى و زيد بن صوحان، و صعصعه اخيه، و جندب الخير، و عبيده السلمانى و غيرهم ممن لايحصى كثره، و لم تكن لفظه الشيعه تعرف فى ذلك العصر الا لمن قال بتفضيله، و لم تكن مقاله الاماميه و من نحا نحوها من الطاعنين فى امامه السلف مشهوره حينئذ على هذا النحو من الاشتهار، فكان القائلون بالتفضيل هم المسمون الشيعه، و جميع ما ورد من الاثار و الاخبار فى فضل الشيعه و انهم موعودون بالجنه، فهولاء هم المعنيون به دون غيرهم، و لذلك قال اصحابنا المعتزله فى كتبهم و تصانيفهم: نحن الشيعه حقا.
فهذا القول هو اقرب الى السلامه و اشبه بالحق من القولين المقتسمين طرفى الافراط و التفريط ان شاءالله.
هذان الركنان هما ركنا علم الكلام، و هما شعار اصحابنا المعتزله، لنفيهم المعانى القديمه التى يثبتها الاشعرى و اصحابه، و لتنزيههم البارى ء سبحانه عن فعل القبيح.
و معنى قوله: (الا تتوهمه) اى الا تتوهمه جسما او صوره او فى جهه مخصوصه، او مالئا لكل الجهات كما ذهب اليه قوم، او نورا من الانوار، او قوه ساريه فى جميع العالم، كما قاله قوم، او من جنس الاعراض التى تحل الحال او تحل المحل، و ليس بعرض كما قاله النصارى و غلاه الشيعه، او تحله المعانى و الاعراض، فمتى توهم على شى ء من هذا فقد خولف التوحيد، و ذلك لان كل جسم او عرض او حال فى محل او محل الحال، او مختص بجهه، لا بد ان يكون منقسما فى ذاته، لا سيما على قول من نفى الجزاء مطلقا، و كل منقسم فليس بواحد، و قد ثبت انه واحد.
و اضاف اصحابنا الى التوحيد نفى المعانى القديمه، و نفى ثان فى الالهيه، و نفى الرويه، و نفى كونه مشتهيا او نافرا او ملتذا او آلما او عالما بعلم محدث، او قادرا بقدره محدثه، او حيا بحياه محدثه، او نفى كونه عالما بالمستقبلات ابدا، او نفى كونه عالما بكل معلوم او قادرا على كل الاجناس و غير ذلك من مسائل علم الكلام التى يدخلها اصحابنا فى الر كن الاول، و هو التوحيد.
و اما الركن الثانى فهو الا تتهمه، اى لا تتهمه فى انه اجبرك على القبيح، و يعاقبك عليه، حاشاه من ذلك! و لا تتهمه فى انه مكن الكذابين من المعجزات، فاضل بهم الناس، و لا تتهمه فى انه كلفك ما لا تطيقه، و غير ذلك من مسائل العدل التى يذكرها اصحابنا مفصله فى كتبهم كالعوض عن الالم، فانه لا بد منه، و الثواب على فعل الواجب فانه لا بد منه، و صدق وعده و وعيده، فانه لا بد منه.
و جمله الامر ان مذهب اصحابنا فى العدل و التوحيد ماخوذ عن اميرالمومنين.
و هذا المواضع من الموضع التى قد صرح فيها بمذهب اصحابنا بعينه، و فى فرش كلامه من هذا النمط ما لايحصى.
قال الرضى رحمه الله تعالى: و هذا من الكلام العجيب الفصاحه، و ذلك انه (ع) شبه السحب ذوات الرعود و البوارق، و الرياح و الصواعق، بالابل الصعاب التى تقمص برحالها، و تتوقص بركبانها، و شبه السحائب الخاليه من تلك الزوابع بالابل الذلل التى تحتلب طيعه، و تقتعد مسمحه.
قد كفانا الرضى- رحمه الله- بشرحه هذه الكلمه مئونه الخوض فى تفسيرها.