شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 80
نمايش فراداده

: اى رجل هذا لو كانت له نيه.

فيقول له صاحبه: و اى نيه اعظم من هذه ثكلتك امك و هبلتك! ان رجلا كما ترى قد سبح فى الدم و ما اضجرته الحرب و قد غلت هام الكماه من الحر و بلغت القلوب الحناجر و هو كما تراه جزعا يقول هذه المقاله! اللهم لا تبقنا بعد هذا.

قلت: لله ام قامت عن الاشتر.

لو ان انسانا يقسم ان الله تعالى ما خلق فى العرب و لا فى العجم اشجع منه الا استاذه (ع) لما خشيت عليه الاثم! و لله در القائل، و قد سئل عن الاشتر: ما اقول فى رجل هزمت حياته اهل الشام، و هزم موته اهل العراق.

و بحق ما قال فيه اميرالمومنين (ع): كان الاشتر لى كما كنت لرسول الله (ص).

قال نصر: و روى الشعبى عن صعصعه، قال: و قد كان الاشعث بن قيس بدر منه قول ليله الهرير، نقله الناقلون الى معاويه، فاغتنمه و بنى عليه تدبيره، و ذلك ان الاشعث خطب اصحابه من كنده تلك الليله، فقال: الحمدلله، احمده و استعينه، و اومن به و اتوكل عليه و استنصره و استغفره و استجيره و استهديه و استشيره و استشهد به، فان من هداه الله فلا مضل له و من يضلل الله فلا هادى له، و اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، و اشهد ان محمدا عبده و رسوله (ص).

ثم قال: قد رايتم يا معشر المسلمين ما قد كان فى يومكم هذا الماضى، و ما قد فنى فيه من العرب فو الله لقد بلغت من السن ما شاءالله ان ابلغ فما رايت مثل هذا اليوم قط.

الا فليبلغ الشاهد الغائب، انا نحن ان تواقفنا غدا، انه لفناء العرب و ضيعه الحرمات، اما و الله ما اقول هذه المقاله جزعا من الحرب، و لكنى رجل مسن اخاف على النساء و الذرارى غدا اذا فنينا، اللهم انك تعلم انى قد نظرت لقومى و لاهل دينى فلم آل، و ما توفيقى الا بالله عليه توكلت و اليه انيب، و الراى يخطى ء و يصيب، و اذا قضى الله امرا امضاه على ما احب العباد او كرهوا، اقول قولى هذا و استغفر الله العظيم لى و لكم.

قال الشعبى: قال صعصعه: فانطلقت عيون معاويه اليه بخطبه الاشعث، فقال: اصاب و رب الكعبه.

لئن نحن التقينا غدا لتميلن على ذرارى اهل الشام و نسائهم، و لتميلن فارس على ذرارى اهل العراق و نسائهم، انما يبصر هذا ذوو الاحلام و النهى، ثم قال لاصحابه: اربطوا المصاحف على اطراف القنا.

فثار اهل الشام فى سواد الليل ينادون عن قول معاويه و امره: يا اهل العراق، من لذرارينا ان قتلتمونا! و من لذراريكم اذا قتلناكم! الله الله فى البقيه.

و اصبحوا و قد رفعوا المصاحف على رءوس الرماح، و قد قلدوها الخيل (و الناس على ا لرايات قد اشتهوا ما دعوا اليه) و مصحف دمشق الاعظم يحمله عشره رجال على رءوس الرماح، و هم ينادون: كتاب الله بيننا و بينكم.

و اقبل ابوالاعور السلمى على برذون ابيض، و قد وضع المصحف على راسه، ينادى: يا اهل العراق، كتاب الله بيننا و بينكم.

قال: فجاء عدى بن حاتم الطائى، فقال: يا اميرالمومنين، انه لم يصب منا عصبه الا و قد اصيب منهم مثلها، و كل مقروح، و لكنا امثل بقيه منهم، و قد جزع القوم، و ليس بعد الجزع الا ما نحب، فناجزهم.

و قام الاشتر فقال: يا اميرالمومنين، ان معاويه لا خلف له من رجاله، و لكن بحمد الله لك الخلف، و لو كان له مثل رجالك لم يكن له مثل صبرك و لانصرك، فاقرع الحديد بالحديد، و استعن بالله الحميد.

ثم قام عمرو بن الحمق، فقال: يا اميرالمومنين انا و الله ما اجبناك و لانصرناك على الباطل، و لااجبنا الا الله و لاطلبنا الا الحق، و لو دعانا غيرك الى ما دعوتنا اليه لاستشرى فيه اللجاج، و طالت فيه النجوى، و قد بلغ الحق مقطعه، و ليس لنا معك راى.

فقام الاشعث بن قيس مغضبا، فقال: يا اميرالمومنين، انا لك اليوم على ما كنا عليه امس، و ليس آخر امرنا كاوله، و ما من القوم احد احنى على اهل العراق و لا اوتر لاهل الشام منى.

فاجب القوم الى كتاب الله عز و جل، فانك احق به منهم، و قد احب الناس البقاء، و كرهوا القتال.

فقال على (ع): هذا امر ينظر فيه.

فتنادى الناس من كل جانب: الموادعه.

فقال على (ع): ايها الناس، انى احق من اجاب الى كتاب الله، و لكن معاويه و عمرو بن العاص و ابن ابى معيط و ابن ابى سرح و ابن مسلمه ليسوا باصحاب دين و لا قرآن، انى اعرف بهم منكم، صحبتهم صغارا و رجالا، فكانوا شر صغار، و شر رجال.

ويحكم انها كلمه حق يراد بها باطل! انهم ما رفعوها انهم يعرفونها و يعملون بها و لكنها الخديعه و الوهن و المكيده.

اعيرونى سواعدكم و جماجمكم ساعه واحده، فقد بلغ الحق مقطعه، و لم يبق الا ان يقطع دابر الذين ظلموا.

فجاءه من اصحابه زهاء عشرين الفا مقنعين فى الحديد، شاكى السلاح، سيوفهم على عواتقهم، و قد اسودت جباههم من السجود، يتقدمهم مسعر بن فدكى و زيد بن حصين و عصابه من القراء الذين صاروا خوارج من بعد، فنادوه باسمه لا بامره المومنين: يا على، اجب القوم الى كتاب الله اذ دعيت اليه، و الا قتلناك كما قتلنا ابن عفان، فو الله لنفعلنها ان لم تجبهم.

فقال لهم: ويحكم! انا اول من دعا الى كتاب الله، و اول من اجاب اليه، و ليس يحل لى،و لايسعنى فى دينى ان ادعى ا لى كتاب الله فلا اقبله، انى انما قاتلتهم ليدينوا بحكم القرآن، فانهم قد عصوا الله فيما امرهم، و نقضوا عهده، و نبذوا كتابه، و لكنى قد اعلمتكم انهم قد كادوكم، و انهم ليس العمل بالقرآن يريدون.

قالوا: فابعث الى الاشتر لياتينك، و قد كان الاشتر صبيحه ليله الهرير اشرف على عسكر معاويه ليدخله.

قال نصر: فحدثنى فضيل بن خديج (عن رجل من النخع) قال: سال مصعب ابراهيم بن الاشتر عن الحال كيف كانت؟ فقال: كنت عند على (ع) حين بعث الى الاشتر لياتيه، و قد كان الاشتر اشرف على معسكر معاويه ليدخله، فارسل اليه على (ع) يزيد بن هانى ء: ان ائتنى، فاتاه فابلغه، فقال الاشتر: ائته فقل له: ليس هذه بالساعه التى ينبغى لك ان تزيلنى عن موقفى، انى قد رجوت الفتح فلا تعجلنى فرجع يزيد بن هانى ء الى على (ع) فاخبره، فما هو الا ان انتهى الينا حتى ارتفع الرهج، و علت الاصوات من قبل الاشتر، و ظهرت دلائل الفتح و النصر لاهل العراق، و دلائل الخذلان و الادبار على اهل الشام، فقال القوم لعلى: و الله ما نراك امرته الا بالقتال، قال: ا رايتمونى ساررت رسولى اليه! اليس انما كلمته على رءوسكم علانيه و انتم تسمعون، قالوا: فابعث اليه فلياتك و الا فو الله اعتزلناك! فقال: ويحك يا يزيد قل له: اقبل الى فان الفتنه قد وقعت.

فاتاه فاخبره فقال الاشتر: ابرفع هذه المصاحف؟ قال: نعم قال: اما و الله لقد ظننت انها حين رفعت ستوقع خلافا و فرقه، انها مشوره ابن النابغه.

ثم قال ليزيد بن هانى ء: ويحك! الا ترى الى الفتح! الا ترى الى ما يلقون! الا ترى الذى يصنع الله لنا؟ اينبغى ان ندع هذا و ننصرف عنه فقال له يزيد: اتحب انك ظفرت هاهنا و ان اميرالمومنين بمكانه الذى هو فيه يفرج عنه، و يسلم الى عدوه.

قال: سبحان الله لا و الله لا احب ذلك قال: فانهم قد قالوا له، و حلفوا عليه، لترسلن الى الاشتر فلياتينك، او لنقتلنك باسيافنا كما قتلنا عثمان، او لنسلمنك الى عدوك.

فاقبل الاشتر حتى انتهى اليهم، فصاح: يا اهل الذل و الوهن، احين علوتم القوم، و ظنوا انكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم الى ما فيها! و قد و الله تركوا ما امر الله به فيها، و تركوا سنه من انزلت عليه، فلا تجيبوهم! امهلونى فواقا فانى قد احسست بالفتح، قالوا: لا نمهلك قال: فامهلونى عدوه الفرس، فانى قد طمعت فى النصر، قالوا: اذن ندخل معك فى خطيئتك.

قال: فحدثونى عنكم، و قد قتل اماثلكم، و بقى اراذلكم، متى كنتم محقين! احين كنتم تقتلون اهل الشام! فانتم الا ن حين امسكتم عن قتالهم مبطلون! ام انتم الان فى امساككم عن القتال محقون! فقتلاكم اذن الذين لاتنكرون فضلهم، و انهم خير منكم فى النار قالوا: دعنا منك يا اشتر، قاتلناهم فى الله و ندع قتالهم فى الله انا لسنا نطيعك فاجتنبنا، فقال: خدعتم و الله فانخدعتم، و دعيتم الى وضع الحرب فاجبتم، يا اصحاب الجباه السود، كنا نظن صلاتكم زهاده فى الدنيا و شوقا الى لقاء الله، فلا ارى فراركم الا الى الدنيا من الموت، الا فقبحا يا اشباه النيب الجلاله، ما انتم برائين بعدها عزا ابدا، فابعدوا كما بعد القوم الظالمون.

فسبوه و سبهم، و ضربوا بسياطهم وجه دابته، و ضرب بسوطه وجوه دوابهم، و صاح بهم على (ع) فكفوا.

و قال الاشتر: يا اميرالمومنين، احمل الصف على الصف تصرع القوم.

فتصايحوا: ان اميرالمومنين قد قبل الحكومه، و رضى بحكم القرآن.

فقال الاشتر: ان كان اميرالمومنين قد قبل و رضى فقد رضيت بما رضى به اميرالمومنين فاقبل الناس يقولون: قد رضى، اميرالمومنين قد قبل اميرالمومنين، و هو ساكت لايبض بكلمه مطرق الى الارض.

ثم قال فسكت الناس كلهم فقال: ايها الناس ان امرى لم يزل معكم على ما احب الى ان اخذت منكم الحرب، و قد و الله اخذت منكم و تركت، و اخذت من عدوكم فلم تترك و انها فيهم انكى و انهك الا انى كنت امس اميرالمومنين فاصبحت اليوم مامورا، و كنت ناهيا فاصبحت منهيا، و قد احببتم البقاء، و ليس لى ان احملكم على ما تكرهون.

ثم قعد.

قال نصر: ثم تكلم روساء القبائل، فكل قال ما يراه و يهواه، اما من الحرب او من السلم، فقام كردوس بن هانى ء البكرى فقال: ايها الناس، انا و الله ما تولينا معاويه منذ تبرانا منه، و لا تبرانا من على منذ توليناه، و ان قتلانا لشهداء، و ان احياءنا لابرار، و ان عليا لعلى بينه من ربه، و ما احدث الا الانصاف، فمن سلم له نجا، و من خالفه هلك.

ثم قام شقيق بن ثور البكرى، فقال: ايها الناس، انا دعونا اهل الشام الى كتاب الله فردوه علينا، فقاتلناهم عليه، و انهم قد دعونا اليوم اليه فان رددناه عليهم حل لهم منا ما حل لنا منهم، و لسنا نخاف ان يحيف الله علينا و رسوله، الا ان عليا ليس بالراجع الناكس، و لا الشاك الواقف، و هو اليوم على ما كان عليه امس، و قد اكلتنا هذه الحرب، و لا نرى البقاء الا فى الموادعه.

قال نصر: ثم ان اهل الشام لما ابطا عنهم علم حال اهل العراق: هل اجابوا الى الموادعه ام لا؟ جزعوا فقالوا: يا معاويه، ما نرى اهل العراق اجابوا الى ما دعوناهم اليه، فاعده ا جذعه، فانك قد غمرت بدعائك القوم، و اطمعتهم فيك.

فدعا معاويه عبدالله بن عمرو بن العاص، فامره ان يكلم اهل العراق، و يستعلم له ما عندهم، فاقبل حتى اذا كان بين الصفين نادى: يا اهل العراق، انا عبدالله بن عمرو بن العاص، انه قد كانت بيننا و بينكم امور للدين او الدنيا فان تكن للدين فقد و الله اعذرنا و اعذرتم و ان تكن للدنيا فقد و الله اسرفنا و اسرفتم، و قد دعوناكم الى امر لو دعوتمونا اليه لاجبناكم، فان يجمعنا و اياكم الرضا فذاك من الله.

فاغتنموا هذه الفرصه، عسى ان يعيش فيها المحترف و ينسى فيها القتيل فان بقاء المهلك بعد الهالك قليل.

فاجابه سعد بن قيس الهمدانى، فقال: اما بعد يا اهل الشام، انه قد كانت بيننا و بينكم امور حامينا فيها على الدين و الدنيا، و سميتموها غدرا و سرفا، و قد دعوتمونا اليوم الى ما قاتلناكم عليه امس، و لم يكن ليرجع اهل العراق الى عراقهم و اهل الشام الى شامهم، بامر اجمل من ان يحكم فيه بما انزل الله سبحانه (فالامر فى ايدينا دونكم و الا فنحن نحن و انتم انتم).

فقام الناس الى على (ع) فقالوا له: اجب القوم الى المحاكمه، قال: و نادى انسان من اهل الشام فى جوف الليل بشعر سمعه الناس، و هو: رءوس العراق اجيب