شرح نهج البلاغه

ابن ابی الحدید معتزلی

نسخه متنی -صفحه : 614/ 92
نمايش فراداده

خطبه 038-معنى شبهه

الشرح:

هذان فصلان، احدهما غير ملتئم مع الاخر بل مبتور عنه، و انما الرضى رحمه الله تعالى كان يلتقط الكلام التقاطا و مراده ان ياتى بفصيح كلامه (ع) و ما يجرى مجرى الخطابه و الكتابه، فلهذا يقع فى الفصل الواحد الكلام الذى لايناسب بعضه بعضا و قد قال الرضى ذلك فى خطبه الكتاب.

اما الفصل الاول فهو الكلام فى الشبهه و لماذا سميت شبهه، قال (ع): (لانها تشبه الحق)، و هذا هو محض ما يقوله المتكلمون، و لهذا يسمون ما يحتج به اهل الحق دليلا و يسمون ما يحتج به اهل الباطل شبهه.

قال: (فاما اولياء الله فضياوهم فى حل الشبهه، اليقين، و دليلهم سمت الهدى) و هذا حق لان من اعتبر مقدمات الشبهه و راعى الامور اليقينيه و طلب المقدمات المعلومه قطعا انحلت الشبهه و ظهر له فسادها من اين هو؟ ثم قال: (و اما اعداء الله فدعاوهم الضلال و دليلهم العمى و هذا حق لان المبطل ينظر فى الشبهه لا نظر من راعى الامور اليقينيه و يحلل المقدمات الى القضايا المعلومه، بل يغلب عليه حب المذهب و عصبيه اسلافه و ايثار نصره من قد الزم بنصرته، فذاك هو العمى و الضلال اللذان اشار اميرالمومنين اليهما فلا تنحل الشبهه له، و تزداد عقيدته فسادا و قد ذكرنا فى كتبن ا الكلاميه الكلام فى توليد النظر للعلم، و انه لايولد الجهل.

الفصل الثانى قوله: (فما ينجو من الموت من خافه، و لايعطى البقاء من احبه)، هذا كلام اجنبى عما تقدم و هو ماخوذ من قوله تعالى: "قل لو كنتم فى بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم" و قوله: "اينما تكونوا يدرككم الموت" و قوله: "فاذا جاء اجلهم لايستاخرون ساعه و لايستقدمون".

خطبه 039-نكوهش ياران

قال الرضى رحمه الله: قوله (ع): (متذائب) اى مضطرب، من قولهم تذاءبت الريح اى اضطرب هبوبها، و منه سمى الذئب ذئبا لاضطراب مشيته.

الشرح:

منيت اى بليت.

و تحمشكم: تغضبكم، احمشه اى اغضبه.

و المستصرخ: المستنصر.

و المتغوث: القائل: وا غوثاه! و الجرجره: صوت يردده البعير فى حنجرته و اكثر ما يكون ذلك عند الاعياء و التعب.

و الجمل الاسر: الذى بكركرته دبره.

و النضو: البعير المهزول.

و الادبر: الذى به دبر، و هو المعقور من القتب و غيره.

هذا الكلام خطب به اميرالمومنين (ع) فى غاره النعمان بن بشير الانصارى على عين التمر.

امر النعمان بن بشير مع على و مالك بن كعب الارحى ذكر صاحب الغارات ان النعمان بن بشير قدم هو و ابوهريره على على (ع) من عند معاويه، بعد ابى مسلم الخولانى يسالانه ان يدفع قتله عثمان الى معاويه ليقيدهم بعثمان لعل الحرب ان تطفا، و يصطلح الناس و انما اراد معاويه ان يرجع مثل النعمان و ابى هريره من عند على (ع) الى الناس و هم لمعاويه عاذرون و لعلى لائمون و قد علم معاويه ان عليا لايدفع قتله عثمان اليه، فاراد ان يكون هذان يشهدان له عند اهل الشام بذلك و ان يظهر عذره فقال لهما: ائتيا عليا فانشداه الله و سل اه بالله لما دفع الينا قتله عثمان فانه قد آواهم و منعهم ثم لا حرب بيننا و بينه، فان ابى فكونوا شهداء الله عليه.

و اقبلا على الناس فاعلماهم ذلك، فاتيا الى على (ع) فدخلا عليه فقال له ابوهريره: يا اباحسن، ان الله قد جعل لك فى الاسلام فضلا و شرفا انت ابن عم محمد رسول الله (ص) و قد بعثنا اليك ابن عمك معاويه، يسالك امرا تسكن به هذه الحرب و يصلح الله تعالى ذات البين ان تدفع اليه قتله عثمان ابن عمه، فيقتلهم به و يجمع الله تعالى امرك و امره و يصلح بينكم، و تسلم هذه الامه من الفتنه و الفرقه.

ثم تكلم النعمان بنحو من ذلك.

فقال لهما: دعا الكلام فى هذا حدثنى عنك يا نعمان، انت اهدى قومك سبيلا؟ يعنى الانصار قال: لا قال: فكل قومك قد اتبعنى الا شذاذا منهم ثلاثه او اربعه افتكون انت من الشذاذ فقال النعمان: اصلحك الله انما جئت لاكون معك و الزمك، و قد كان معاويه سالنى ان اودى هذا الكلام، و رجوت ان يكون لى موقف اجتمع فيه معك، و طمعت ان يجرى الله تعالى بينكما صلحا فاذا كان غير ذلك رايك فانا ملازمك و كائن معك.

فاما ابوهريره فلحق بالشام و اقام النعمان عند على (ع) فاخبر ابوهريره معاويه بالخبر فامره ان يعلم الناس، ففعل و اقام النعمان ب عده شهرا، ثم خرج فارا من على (ع) حتى اذا مر بعين التمر اخذه مالك بن كعب الارحبى- و كان عامل على (ع) عليها- فاراد حبسه، و قال له: ما مر بك بيننا قال: انما انا رسول بلغت رساله صاحبى ثم انصرفت فحبسه و قال: كما انت حتى اكتب الى على فيك.

فناشده و عظم عليه ان يكتب الى على فيه فارسل النعمان الى قرظه بن كعب الانصارى- و هو كاتب عين التمر يجبى خراجها لعلى (ع) فجاءه مسرعا فقال لمالك بن كعب: خل سبيل ابن عمى يرحمك الله فقال: يا قرظه اتق الله و لاتتكلم فى هذا فانه لو كان من عباد الانصار و نساكهم لم يهرب من اميرالمومنين الى امير المنافقين.

فلم يزل به يقسم عليه حتى خلى سبيله، و قال له: يا هذا لك الامان اليوم و الليله.

و غدا، و الله ان ادركتك بعدها لاضربن عنقك، فخرج مسرعا لايلوى على شى ء و ذهبت به راحلته فلم يدر اين يتسكع من الارض ثلاثه ايام، لايعلم اين هو! فكان النعمان يحدث بعد ذلك يقول: و الله ما علمت اين انا، حتى سمعت قول قائله تقول و هى تطحن: شربت مع الجوزاء كاسا رويه و اخرى مع الشعرى اذا ما استقلت معتقه كانت قريش تصونها فلما استحلوا قتل عثمان حلت فعلمت انى عند حى من اصحاب معاويه، و اذا الماء لبنى القين، فعلمت ان ى قد انتهيت الى الماء.

ثم قدم على معاويه فخبره بما لقى، و لم يزل معه مصاحبا لم يجاهد عليا و يتتبع قتله عثمان حتى غزا الضحاك بن قيس ارض العراق، ثم انصرف الى معاويه و قد كان معاويه قال قبل ذلك بشهرين او ثلاثه: اما من رجل ابعث به بجريده خيل حتى يغير على شاطى ء الفرات، فان الله يرعب بها اهل العراق.

فقال له النعمان: فابعثنى فان لى فى قتالهم نيه و هوى- و كان النعمان عثمانيا قال: فانتدب على اسم الله فانتدب و ندب معه الفى رجل و اوصاه ان يتجنب المدن و الجماعات و الا يغير الا على مسلحه، و ان يعجل الرجوع.

فاقبل النعمان بن بشير حتى دنا من عين التمر و بها مالك بن كعب الارحبى الذى جرى له معه ما جرى و مع مالك الف رجل، و قد اذن لهم فرجعوا الى الكوفه فلم يبق معه الا مائه او نحوها فكتب مالك الى على (ع): اما بعد فان النعمان بن بشير قد نزل بى فى جمع كثيف فر رايك سددك الله تعالى و ثبتك.

والسلام.

فوصل الكتاب الى على (ع) فصعد المنبر فحمد الله و اثنى عليه، ثم قال: اخرجوا هداكم الله الى مالك بن كعب اخيكم، فان النعمان بن بشير قد نزل به فى جمع من اهل الشام ليس بالكثير، فانهضوا الى اخوانكم لعل الله يقطع بكم من الكافرين طرفا.

ثم نزل.

فل م يخرجوا فارسل الى وجوههم و كبرائهم، فامرهم ان ينهضوا و يحثوا الناس على المسير فلم يصنعوا شيئا و اجتمع منهم نفر يسير نحو ثلثمائه فارس او دونها فقام (ع) فقال: الا انى منيت بمن لايطيع... الفصل الذى شرحناه الى آخره ثم نزل.

فدخل منزله فقام عدى بن حاتم، فقال: هذا و الله الخذلان على هذا بايعنا اميرالمومنين! ثم دخل اليه فقال: يا اميرالمومنين ان معى من طيى ء الف رجل لايعصوننى فان شئت ان اسير بهم سرت.

قال: ما كنت لاعرض قبيله واحده من قبائل العرب للناس و لكن اخرج الى النخيله فعسكر بهم.

و فرض على (ع) لكل رجل سبعمائه فاجتمع اليه الف فارس، عدا طيئا اصحاب عدى بن حاتم.

و ورد على على (ع) الخبر بهزيمه النعمان بن بشير و نصره مالك بن كعب فقرا الكتاب على اهل الكوفه و حمد الله و اثنى عليه ثم نظر اليهم و قال: هذا بحمد الله و ذم اكثركم.

فاما خبر مالك بن كعب مع النعمان بن بشير، قال عبدالله بن حوزه الازدى قال: كنت مع مالك بن كعب حين نزل بنا النعمان بن بشير و هو فى الفين و ما نحن الا مائه فقال لنا: قاتلوهم فى القريه و اجعلوا الجدر فى ظهوركم، و لاتلقوا بايديكم الى التهلكه، و اعلموا ان الله تعالى ينصر العشره على المائه و المائه على الال ف، و القليل على الكثير.

ثم قال: ان اقرب من هاهنا الينا من شيعه اميرالمومنين و انصاره و عماله قرظه بن كعب و مخنف بن سليم، فاركض اليهما فاعلمهما حالنا و قل لهما فلينصرانا ما استطاعا فاقبلت اركض و قد تركته و اصحابه يرمون اصحاب ابن بشير بالنبل فمررت بقرظه فاستصرخته فقال: انما انا صاحب خراج و ليس عندى من اعينه به.

فمضيت الى مخنف بن سليم فاخبرته الخبر، فسرح معى عبدالرحمن بن مخنف فى خمسين رجلا و قاتل مالك بن كعب النعمان و اصحابه الى العصر فاتيناه و قد كسر هو و اصحابه جفون سيوفهم و استقبلوا الموت، فلو ابطانا عنهم هلكوا، فما هو الا ان رآنا اهل الشام و قد اقبلنا عليهم فاخذوا ينكصون عنهم و يرتفعون و رآنا مالك و اصحابه فشدوا عليهم حتى دفعوهم عن القريه فاستعرضناهم فصرعنا منهم رجالا ثلاثه و ارتفع القوم عنا و ظنوا ان وراءنا مددا و لو ظنوا انه ليس غيرنا لاقبلوا علينا و لاهلكونا و حال الليل بيننا و بينهم فانصرفوا الى ارضهم.

و كتب مالك بن كعب الى على (ع): اما بعد، فانه نزل بنا النعمان بن بشير فى جمع من اهل الشام كالظاهر علينا و كان عظم اصحابى متفرقين و كنا للذى كان منهم آمنين فخرجنا اليهم رجالا مصلتين فقاتلناهم حتى المساء و ا ستصرخنا مخنف بن سليم فبعث الينا رجالا من شيعه اميرالمومنين و ولده فنعم الفتى و نعم الانصار كانوا، فحملنا على عدونا و شددنا عليهم فانزل الله علينا نصره و هزم عدوه و اعز جنده.

و الحمدلله رب العالمين، والسلام على اميرالمومنين و رحمه الله و بركاته.

و روى محمد بن فرات الجرمى، عن زيد بن على (ع) قال: قال على (ع) فى هذه الخطبه: ايها الناس، انى دعوتكم الى الحق فتوليتم عنى و ضربتكم بالدره فاعييتمونى اما انه سيليكم بعدى ولاه لايرضون عنكم بذلك حتى يعذبوكم بالسياط و بالحديد فاما انا فلا اعذبكم بهما انه من عذب الناس فى الدنيا عذبه الله فى الاخره و آيه ذلك ان ياتيكم صاحب اليمن حتى يحل بين اظهركم فياخذ العمال و عمال العمال رجل يقال له يوسف بن عمرو و يقوم عند ذلك رجل منا اهل البيت، فانصروه فانه داع الى الحق.

قال: و كان الناس يتحدثون ان ذلك الرجل هو زيد (ع).