ارودوا، اى ارفقوا ارود فى السير اروادا اى سار برفق و الاناه: التثبت و التانى.
و نهيه لهم عن الاستعداد و قوله بعد: (و لا اكره لكم الاعداد) غير متناقض لانه كره منهم اظهار الاستعداد و الجهر به، و لم يكره الاعداد فى السر، و على وجه الخفاء و الكتمان و يمكن ان يقال انه كره استعداد نفسه، و لم يكره اعداد اصحابه، و هذان متغايران.
و هذا الوجه اختاره القطب الراوندى.
و لقائل ان يقول: التعليل الذى علل به (ع) يقتضى كراهيه الامرين معا، و هو ان يتصل باهل الشام الاستعداد فيرجعوا عن السلم الى الحرب، بل ينبغى ان تكون كراهته لاعداد جيشه و عسكره خيولهم و آلات حربهم اولى لان شياع ذلك اعظم من شياع استعداده وحده لانه وحده، يمكن ان يكتم استعداده، و اما استعداد العساكر العظيمه فلا يمكن ان يكتم فيكون اتصاله و انتقاله الى اهل الشام اسرع، فيكون اغلاق الشام عن باب خير ان ارادوه اقرب و الوجه فى الجمع بين اللفظتين ما قدمناه.
و اما قوله (ع): (ضربت انف هذا الامر و عينه) فمثل تقوله العرب اذا ارادت الاستقصاء فى البحث و التامل و الفكر و انما خص الانف و العين لانهما صوره الوجه، و الذى يتامل من الانسان انما هو وجهه.
و اما ق وله: (ليس الا القتال او الكفر) فلان النهى عن المنكر واجب على الامام و لايجوز له الاقرار عليه، فان تركه فسق و وجب عزله عن الامامه.
و قوله: (او الكفر) من باب المبالغه، و انما هو القتال او الفسق فسمى الفسق كفرا تغليظا و تشديدا فى الزجر عنه.
و قوله (ع): اوجد الناس مقالا اى جعلهم واجدين له.
و قال الراوندى: اوجد هاهنا بمعنى (اغضب).
و هذا غير صحيح لانه لا شى ء ينصب به (مقالا) اذا كان بمعنى (اغضب).
و الوالى المشار اليه عثمان.
ذكر ما اورده القاضى عبدالجبار من دفع ما تعلق به الناس على عثمان من الاحداث يجب ان نذكر هاهنا احداثه، و ما يقوله اصحابنا فى تاويلاتها، و ما تكلم به المرتضى فى كتاب "الشافى" فى هذا المعنى، فنقول: ان قاضى القضاه رحمه الله تعالى قال فى المغنى قبل الكلام فى تفصيل هذه الاحداث كلاما مجملا معناه ان كل من تثبت عدالته و وجب توليه اما على القطع و اما على الظاهر فغير جائز ان يعدل فيه عن هذه الطريقه الا بامر متيقن يقتضى العدول عنها، يبين ذلك ان من شاهدناه على ما يوجب الظاهر توليه و تعظيمه يجب ان يبقى فيه على هذه الطريقه و ان غاب عنا.
و قد عرفنا انه مع الغيبه يجوز ان يكون مستمرا على حالته، و يجوز ان يكو ن منتقلا و لم يقدح هذا التجويز فى وجوب ما ذكرناه.
ثم قال: فالحدث الذى يوجب الانتقال عن التعظيم و التولى اذا كان من باب محتمل لم يجز الانتقال لاجله.
و الاحوال المتقرره فى النفوس بالعادات و الاحوال المعروفه فيمن نتولاه اقوى فى باب الاماره من الامور المتجدده، فان مثل فرقد السبخى و مالك ابن دينار لو شوهدا فى دار فيها منكر لقوى فى الظن حضورهما للتغيير و الانكار، او على وجه الاكراه او الغلط، و لو كان الحاضر هناك من علم من حاله الاختلاط بالمنكر لجوز حضوره للفساد، بل كان ذلك هو الظاهر من حاله.
ثم قال: و اعلم ان الكلام فيما يدعى من الحدث و التغير فيمن ثبت توليه، قد يكون من وجهين: احدهما: هل علم بذلك ام لا؟ و الثانى: انه مع يقين حصوله: هل هو حدث يوثر فى العداله ام لا؟ و لا فرق بين تجويز الا يكون حدث اصلا، و بين ان يعلم حدوثه و يجوز الا يكون حدثا.
ثم قال: كل محتمل لو اخبر الفاعل انه فعله على احد الوجهين، و كان يغلب على الظن صدقه لوجب تصديقه فاذا عرف من حاله المتقرره فى النفوس ما يطابق ذلك جرى مجرى الاقرار بل ربما كان اقوى و متى لم نسلك هذه الطريقه فى الامور المشتبهه لم يصح فى اكثر من نتولاه و نعظمه ان تسلم حاله عندنا، فانا لو راينا من يظن به الخير يكلم امراه حسناء فى الطريق لكان ذلك من باب المحتمل، فاذا كان لو اخبر انها اخته او امراته لوجب الا نحول عن توليه فكذلك اذا كان قد تقدم فى النفوس ستره و صلاحه، فالواجب ان نحمله على هذا الوجه.
ثم قال: و قول الامام له مزيه فى هذا الباب، لانه آكد من غيره و اما ما ينقل عن رسول الله (ص) فانه و ان لم يكن مقطوعا به يوثر فى هذا الباب، و يكون اقوى مما تقدم.
ثم قال: و قد طعن الطاعنون فيه بامور متنوعه مختلفه و نحن نقدم على تلك المطاعن كلاما مجملا يبين بطلانها على الجمله، ثم نتكلم عن تفصيلها.
قال: و ذلك ان شيخنا اباعلى رحمه الله تعالى قد قال: لو كانت هذه الاحداث مما توجب طعنا على الحقيقه، لوجب من الوقت الذى ظهر ذلك من حاله ان يطلب المسلمون رجلا ينصب للامامه، و ان يكون ظهور ذلك عن عثمان كموته فانه لا خلاف انه متى ظهر من الامام ما يوجب خلعه ان الواجب على المسلمين اقامه امام سواه، فلما علمنا ان طلبهم لاقامه امام انما كان بعد قتله و لم يكن من قبل و التمكن قائم علمنا بطلان ما اضيف اليه من الاحداث.
قال: و ليس لاحد ان يقول: انهم لم يتمكنوا من ذلك، لان المتعالم من حالهم انهم حصروه و منعوه من التمكن م ن نفسه و من التصرف فى سلطانه خصوصا و الخصوم يدعون ان الجميع كانوا على قول واحد فى خلعه و البراءه منه.
قال: و معلوم من حال هذه الاحداث انها لم تحصل اجمع فى الايام التى حوصر فيها و قتل بل كانت تحصل من قبل حالا بعد حال، فلو كان ذلك يوجب الخلع و البراءه لما تاخر من المسلمين الانكار عليه و لكان كبار الصحابه المقيمون بالمدينه اولى بذلك من الواردين من البلاد لان اهل العلم و الفضل بانكار ذلك احق من غيرهم.
قال: فقد كان يجب على طريقتهم ان تحصل البراءه، و الخلع من اول الوقت الذى حصل منه ما اوجب ذلك و الا ينتظر حصول غيره من الاحداث، لانه لو وجب انتظار ذلك لم ينته الى حد الا و ينتظر غيره.
ثم ذكر ان امساكهم عن ذلك اذا تيقنوا الاحداث منه يوجب نسبه الجميع الى الخطا و الضلال و لايمكنهم ان يقولوا: ان علمهم بذلك انما حصل فى الوقت الذى حصر و منع لان من جمله الاحداث التى يذكرونها ما تقدم عن هذه الحال بل كلها او جلها تقدم هذا الوقت، و انما يمكنهم ان يتعلقوا فيما حدث فى هذا الوقت بما يذكرونه من حديث الكتاب النافذ الى ابن ابى سرح بالقتل، و ما اوجب كون ذلك حدثنا، يوجب كون غيره حدثا فكان يجب ان يفعلوا ذلك من قبل و احتمال المتقدم للتا ويل كاحتمال المتاخر.
ثم قال: و بعد فليس يخلو من ان يدعوا ان طلب الخلع وقع من كل الامه او من بعضهم فان ادعوا ذلك فى بعض الامه، فقد علمنا ان الامامه اذا ثبتت بالاجماع لم يجز ابطالها بلا خلاف، لان الخطا جائز على بعض الامه، و ان ادعوا فى ذلك الاجماع لم يصح لان من جمله اهل الاجماع، عثمان و من كان ينصره و لايمكن اخراجه من الاجماع بان يقال: انه كان على باطل لان بالاجماع، يتوصل الى ذلك و لم يثبت.
ثم قال: على ان الظاهر من حال الصحابه انها كانت بين فريقين اما من نصره فقد روى عن زيد بن ثابت انه قال لعثمان و من معه من الانصار: ائذن لنا بنصرك.
و روى مثل ذلك عن ابن عمر و ابى هريره و المغيره بن شعبه و الباقون ممتنعون انتظارا لزوال العارض الا انه لو ضيق عليهم الامر فى الدفع ما قعدوا بل المتعالم من حالهم ذلك.
ثم ذكر ما روى من انفاذ اميرالمومنين (ع) الحسن و الحسين (ع) اليه و انه لما قتل لامهما (ع) على وصول القوم اليه ظنا منه انهما قصرا.
و ذكر ان اصحاب الحديث يروون عن النبى (ص) انه قال: ستكون فتنه و اختلاف و ان عثمان و اصحابه يومئذ على الهدى.
و ما روى عن عائشه من قولها: قتل و الله مظلوما.
قال: و لايمتنع ان يتعلق باخبار الاحاديث فى ذلك، لانه ليس هناك امر ظاهر يدفعه نحو دعواهم ان جميع الصحابه كانوا عليه لان ذلك دعوى منهم، و ان كان فيه روايه من جهه الاحاد، و اذا تعارضت الروايات سقطت و وجب الرجوع الى ما ثبت من احواله السليمه، و وجوب توليه.
قال: و لايجوز ان يعدل عن تعظيمه و صحه امامته بامور محتمله، فلا شى ء مما ذكروه الا و يحتمل الوجه الصحيح.
ثم ذكر ان للامام ان يجتهد برايه فى الامور المنوطه به، و يعمل فيها على غالب ظنه و قد يكون مصيبا، و ان افضت الى عاقبه مذمومه.
فهذه جمله ما ذكره قاضى القضاه رحمه الله تعالى فى "المغنى" من الكلام اجمالا فى دفع ما يتعلق به على عثمان من الاحداث.
رد المرتضى على ما اورده القاضى عبدالجبار من الدفاع عن عثمان و اعترض المرتضى رحمه الله تعالى فى "الشافى" فقال: اما قوله: (من تثبت عدالته و وجب توليه اما قطعا او على الظاهر فغير جائز ان يعدل فيه عن هذه الطريقه الا بامر متيقن)، فغير مسلم لان من نتولاه على الظاهر و ثبتت عدالته عندنا من جهه غالب الظن يجب ان نرجع عن ولايته بما يقتضى غالب الظن، دون اليقين و لهذا يوثر فى جرح الشهود و سقوط عدالتهم اقوال الجارحين و ان كانت مظنونه غير معلومه.
و ما يظهر من انفسهم من الاف عال التى لها ظاهر يظن معه القبيح بهم حتى نرجع عما كنا عليه من القول بعدالتهم، و ان لم يكن كل ذلك متيقنا، و انما يصح ما ذكره فيمن ثبتت عدالته على القطع و وجب توليه على الباطن فلا يجوز ان يوثر فى حاله ما يقتضى الظن، لان الظن لايقابل العلم و الدلاله لاتقابل الاماره.
فان قال: لم ارد بقولى الا بامر متيقن، ان كونه حدثا متيقن و انما اردت تيقن وقوع الفعل نفسه.
قلنا: الامران سواء فى تاثير غلبه الظن فيهما، و لهذا يوثر فى عداله من تقدمت عدالته عندنا على سبيل الظن اقوال من يخبرنا عنه بارتكاب القبائح اذا كانوا عدولا، و ان كانت اقوالهم لاتقتضى اليقين بل يحصل عندها غالب الظن.
و كيف لانرجع عن ولايه، من توليناه على الظاهر بوقوع افعال منه يقتضى ظاهرها خلاف الولايه، و نحن انما قلنا بعدالته فى الاصل على سبيل الظاهر! و مع التجويز لان يكون ما وقع منه فى الباطن قبيحا لايستحق به التولى و التعظيم، الا ترى ان من شاهدناه يلزم مجالس العلم و يكرر تلاوه القرآن و يدمن الصلاه و الصيام و الحج يجب ان نتولاه و نعظمه على الظاهر! و ان جوزنا ان يكون جميع ما وقع منه مع خبث باطنه و ان غرضه فى فعله القبيح فلم نتوله الا على الظاهر.
و مع التجويز فكيف لانرجع عن ولايته بما يقابل هذه الطريقه فاما من غاب عنا و تقدمت له احوال تقتضى الولايه فيجب ان نستمر على ولايته، و ان جوزنا على الغيبه ان يكون منتقلا عن الاحوال الجميله التى عهدناها منه الا ان هذا تجويز محض لا ظاهر معه يقابل ما تقدم من الظاهر الجميل و هو بخلاف ما ذكرناه من مقابله الظاهر للظاهر، و ان كان فى كل واحد من الامرين تجويز.
قال: و قد اصاب فى قوله: (ان ما يحتمل لاينتقل له عن التعظيم و التولى) ان اراد بالاحتمال ما لا ظاهر له، و اما ما له ظاهر و مع ذلك يجوز ان يكون الامر فيه بخلاف ظاهره فانه لايسمى محتملا.
و قد يكون موثرا فيما ثبت من التولى على الظاهر على ما ذكرناه.
قال: فاما قوله: (ان الاحوال المتقرره فى النفوس بالعادات فيمن نتولاه توثر ما لا يوثر غيرها، و تقتضى حمل افعاله على الصحه و التاول له) فلا شك ان ما ذكره موثر و طريق قوى الى غلبه الظن الا انه ليس يقتضى ما يتقرر فى نفوسنا لبعض من نتولاه على الظاهر ان نتاول كل ما يشاهد منه من الافعال التى لها ظاهر قبيح، و نحمل الجميع على اجمل الوجوه و ان كان بخلاف الظاهر، بل ربما تبين الامر فيما يقع منه من الافعال التى ظاهرها القبيح الى ان توثر فى احواله المقرره، و نرجع بها عن ولايته و لهذا نجد كثيرا من اهل العداله المتقرره لهم فى النفوس، ينسلخون منها حتى يلحقوا بمن لاتثبت له فى وقت من الاوقات عداله، و انما يكون ذلك بما يتوالى منهم و يتكرر من الافعال القبيحه الظاهره.
قال: فاما ما استشهد به من ان مثل مالك بن دينار لو شاهدناه فى دار فيها منكر لقوى فى الظن حضوره لاجل التغيير و الانكار، او على وجه الاكراه و الغلط و ان غيره يخالفه فى هذا الباب، فصحيح لايخالف ما ذكرناه لان مثل مالك بن دينار ممن تناصرت امارات عدالته و شواهد نزاهته حالا بعد حال، لايجوز ان يقدح فيه فعل له ظاهر قبيح بل يجب لما تقدم من حاله ان نتاول فعله، و نخرجه عن ظاهره الى اجمل وجوهه.
و انما وجب ذلك لان الظنون المتقدمه اقوى و اولى بالترجيح و الغلبه فنجعلها قاضيه على الفعل و الفعلين، و لهذا متى توالت منه الافعال القبيحه الظاهره و تكررت، قدحت فى حاله، و اثرت فى ولايته كيف لايكون كذلك و طريق ولايته فى الاصل هو الظن و الظاهر و لابد من قدح الظاهر فى الظاهر و تاثير الظن فى الظن على بعض الوجوه.
قال فاما قوله: (فان كل محتمل لو اخبرنا عنه و هو مما يغلب على الظن صدقه انه فعله على احد الوجهين، وجب تصديقه فمتى عرف من حال ه المتقرره فى النفوس ما يطابق ذلك جرى مجرى الاخبار) فاول ما فيه ان (المحتمل) هو ما لا ظاهر له من الافعال، و الذى يكون جواز كونه قبيحا كجواز كونه حسنا، و مثل هذا الفعل لايقتضى ولايه و لاعداوه، و انما يقتضى الولايه ما له من الافعال ظاهر، جميل، و يقتضى العداوه ما له ظاهر قبيح.
فان قال: اردت بالمحتمل ما له ظاهر لكنه يجوز ان يكون الامر بخلاف ظاهره.
قيل له: ما ذكرته لايسمى محتملا، فان كنت عنيته فقد وضعت العباره فى غير موضعها و لا شك فى انه اذا كان ممن لو اخبرنا بانه فعل الفعل على احد الوجهين لوجب تصديقه، و حمل الفعل على خلاف ظاهره، فان الواجب لما تقرر له فى النفوس ان يتاول له و يعدل بفعله عن الوجه القبيح الى الوجه الجميل، الا انه متى توالت منه الافعال التى لها ظواهر قبيحه، فلابد ان تكون موثره فى تصديقه، متى خبرنا بان غرضه فى الفعل خلاف ظاهره كما تكون مانعه من الابتداء بالتاول.
و ضربه المثل بان من نراه يكلم امراه حسناء فى الطريق اذا اخبر انها اخته او امراته فى ان تصديقه واجب، و لو لم يخبر بذلك لحملنا كلامه لها على اجمل الوجوه، لما تقدم له فى النفوس- صحيح الا انه لابد من مراعاه ما تقدم ذكره، من انه قد يقوى الامر لقو ه الامارات و الظواهر الى حد لايجوز معه تصديقه و لا التاول له و لولا ان الامر قد ينتهى الى ذلك لما صح ان يخرج احد عندنا من الولايه الى العداوه و لا من العداله الى خلافها لانه لا شى ء مما يفعله الفساق المتهتكون الا و يجوز ان يكون له باطن بخلاف الظاهر، و مع ذلك فلا يلتفت الى هذا التجويز يبين صحه ما ذكرناه انا لو راينا من يظن به الخير يكلم امراه حسناء فى الطريق و يداعها و يضاحكها لظننا به الجميل مره و مرات ثم ينتهى الامر الى الا نظنه.
و كذلك لو شاهدناه و بحضرته المنكر، لحملنا حضوره على الغلط او الاكراه او غير ذلك من الوجوه الجميله.
ثم لابد من انتهاء الامر الى ان نظن به القبيح و لانصدقه فى كلامه.
قال ثم نقول له: اخبرنا عمن شاهدناه من بعد و هو مفترش امراه نعلم انها ليست له بمحرم، و ان لها فى الحال زوجا غيره، و هو ممن تقررت له فى النفوس عداله متقدمه ما ذا يجب ان نظن به؟ و هل نرجع بهذا الفعل عن ولايته، ام نحمله على انه غالط و متوهم ان المراه زوجته، او على انه مكره على الفعل، او غير ذلك من الوجوه الجميله.
فان قال: نرجع عن الولايه، اعترف بخلاف ما قصده فى الكلام و قيل له: اى فرق بين هذا الفعل و بين جميع ما عددناه من ال افعال و ادعيت ان الواجب ان نعدل عن ظاهرها؟ و ما جواز الجميل فى ذلك الا كجواز الجميل فى هذا الفعل.
و ان قال: لاارجع بهذا الفعل عن ولايته، بل نووله على بعض الوجوه الجميله.
قيل له: ارايت لو تكرر هذا الفعل و توالى هو و امثاله حتى نشاهده حاضرا فى دور القمار و مجالس اللهو و اللعب و نراه يشرب الخمر بعينها، و كل هذا مما يجوز ان يكون عليه مكرها و فى انه القبيح بعينه غالطا، اكان يجب علينا الاستمرار على ولايته ام العدول عنها؟ فان قال: نستمر و نتاول ارتكب ما لاشبهه فى فساده، و الزم ما قد قدمنا ذكره من انه لاطريق الى الرجوع عن ولايه احد، و لو شاهدنا منه اعظم المناكير.
و وقف ايضا على ان طريق الولايه المتقدمه اذا كان الظن دون القطع، فكيف لانرجع عنها لمثل هذا الطريق، فلابد اذن من الرجوع الى ما بيناه و فصلناه فى هذا الباب.
قال فاما قوله: (ان قول الامام له مزيه، لانه آكد من غيره) فلا معنى له، لان قول الامام على مذهبنا يجب ان يكون له مزيه، من حيث كان معصوما مامون الباطن، و على مذهبه انما تثبت ولايته بالظاهر كما تثبت ولايه غيره من سائر المومنين، فاى مزيه له فى هذا الباب! و قوله: (ان ما ينقل عن الرسول و ان لم يكن مقطوعا عليه يوث ر فى هذا الباب، و يكون اقوى مما تقدم) غير صحيح على اطلاقه.
لان تاثير ما ينقل اذا كان يقتضى غلبه الظن لاشبهه فيه، فاما تقويته على غيره فلا وجه له، و قد كان يجب ان يبين من اى الوجوه يكون اقوى.
فهذه جمله ما اعترض به المرتضى على الفصل الاول من كلام قاضى القضاه رحمه الله تعالى.
(مجلد 3 صفحه 3( بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله الواحد العدل الكريم و اعلم ان الذى ذكره المرتضى رحمه الله تعالى، و اورده على قاضى القضاه جيد و لازم، متى ادعى قاضى القضاه ان العداله اذا ثبتت ظنا او قطعا لم يجز العدول عنها و التبرو الا بما يوجب القطع، و يعلم به علما يقينيا زوالها، فاما اذا ادعى ان المعلوم لايزول الا بما يوجب العلم، فلا يرد عليه ما ذكره المرتضى رحمه الله تعالى.
و له ان يقول: قد ثبتت بالاجماع امامه عثمان، و الاجماع دليل قطعى عند اصحابنا، و كل من ثبتت امامته ثبتت عدالته بالطريق التى بها ثبتت امامته، لانه لايجوز ان تكون امامته معلومه و شرائطها مظنونه، لان الموقوف على المظنون مظنون، فتكون امامته مظنونه، و قد فرضناها معلومه، و هذا خلف و محال.
و اذا كانت عدالته معلومه لم يجز القول بانتفائها و زوالها الا بامر معلوم.
و الاخبار التى رويت فى احداثه اخبار آحاد لاتفيد العلم، فلا يجوز العدول عن المعلوم بها، فهذا الكلام اذا رتب هذا الترتيب اندفع به ما اعترض به المرتضى رحمه الله تعالى.
(مجلد 3 صفحه 4( (بقيه رد المرتضى على ما اورده القاضى عبدالجبار من الدفاع عن عثمان) فاما كلام المرتضى رحمه الله تعالى على الفصل الثانى من كلام قاضى القضاه، و هو الفصل المحكى عن شيخنا ابى على رحمه الله تعالى، فنحن نورده.
قال رحمه الله تعالى: اما قوله: لو كان ما ذكر من الاحداث قادحا لوجب من الوقت الذى ظهرت الاحداث فيه ان يطلبوا رجلا ينصبونه فى الامامه، لان ظهور الحدث كموته، فلما رايناهم طلبوا اماما بعد قتله دل على بطلان ما اضافوه اليه من الاحداث.
فليس بشى ء معتمد، لان تلك الاحداث و ان كانت مزيله عندهم لامامته، و فاسخه لها، و مقتضيه لان يعقدوا لغيره الامامه، الا انهم لم يكونوا قادرين على ان يتفقوا على نصب غيره، مع تشبثه بالامر، خوفا من الفتنه و التنازع و التجاذب، و ارادوا ان يخلع نفسه، حتى تزول الشبهه، و ينشط من يصلح للامر لقبول العقد و التكفل بالامر.
و ليس يجرى ذلك مجرى موته، لان موته يحسم الطمع فى استمرار ولايته، و لاتبقى شبهه فى خلو الزمان من امام.
و ليس كذلك حدثه الذى يسوغ فيه التاويل على بعده، و تبقى معه الشبهه فى استمرار امره.
و ليس نقول: انهم لم يتمكنوا من ذلك كما سال نفسه، بل الوجه فى عدولهم ما ذكرناه من ارادتهم حسم المواد و ازاله الشبهه و قطع اسباب الفتنه.
(مجلد 3 صفحه 5( قال: فاما قوله: انه معلوم من حال هذه الاحداث انها لم تحصل اجمع فى الايام التى حصر فيها و قتل، بل كانت تقع حالا بعد حال، فلو كانت توجب الخلع و البراءه، لما تاخر من المسلمين الانكار عليه، و لكان المقيمون من الصحابه بالمدينه اولى بذلك من الواردين من البلاد، فلا شك ان الاحداث لم تحصل فى وقت واحد، الا انه غير منكر ان يكون نكيرهم انما تاخر لانهم تاولوا ما ورد عليهم من افعاله على اجمل الوجوه، حتى زاد الامر و تفاقم، و بعد التاويل، و تعذر التخريج، و لم يبق للظن الجميل طريق، فحينئذ انكروا، و هذا مستمر على ما قدمنا ذكره، من ان العداله و الطريقه الجميله يتاول لها فى الفعل و الافعال القليله، بحسب ما تقدم من حسن الظن به، ثم ينتهى الامر (بعد ذلك) الى بعد التاويل، و العمل على الظاهر القبيح.
قال: على ان الوجه الصحيح فى هذا الباب ان اهل الحق كانوا معتقدين بخلعه من اول حدث، بل معتقدين ان امامته لم