نوح (عليه السلام) و فى الناس من المعمَّرين كثير.
قال تعالى: فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاماً فاخذهم الطوفان و هم ظالمون (1) و قد عاش بعد ذلك سنين طويلة.
و كان بامكان الإنسان اذا كان عاشاً بعيداً عن ضوضاء البلاد، مجتنباً غوغاءها، ان يعمّر مآت من السنين قويّاً سليماً عن الأمراض و الأدواء الموجبة لقصر العمر. فان النوع الانسانى اذا لم يحمل هموماً و لم تعتوره الأمراض المختلفة و لم تنهك قواه الأطعمة التى لا يقدر على هضمها، فكان من المعقول ان يعيش طويلاً.
و عند العلماء بالطب و الأحوال الإحتماعية أنّ الإنسان قواه محدودة، و الحياة العريضة نستنفدها بسرعة، بخلاف الحياة الساذجة و لا سيما البدائية البسيطة، فانها تكون طويلة، لقلة ما يستنفد من قوى الأجسام بتلك الحياة.(2) يقول الأطباء: سبب تعجيل الموت فى الانسان العائش وسط الاجتماعات المتحضّرة، هو عروض امراض طارئة مفاجئة، و لا سيّما الباطنة، و لا يحسّ بها الانسان الابعد فترة طويلة، اوجبت رسوخ المرض و رسوب جذوره بما لم يدع مجالاً للعلاج.
و من ثم فلو عاش انسان فى مراقبة تامة عن احواله و المواظبة على طوارئ الجسد و لا سيّما الداخلية ـ الامر الذى عجزت عنه الوقاية العامة ـ لامكنه ان يعيش مآت من السنين.
و ان ظاهرة الإحراق و التعويض، فى خلايا جسد الانسان، لتومنّ عليه امكان تداوم حياته قوياً منيعاً احقاباً من الزمان، لولا عروض طوارئ و هجوم الأمراض التى يجلب الانسان على نفسه على اثر سوء تصرّفه فى الحياة.
أمّا النابهون، المنعمون بعناية الله، و الذين حرستهم رعايته الكريمة، فبامكانهم التعيش الى آماد طويلة.
1- العنكبوت: 29 / 14. 2- راجع: الاستاذ عبدالوهاب النجار فى قصص الانبياء، ص 48.