لابد من القول : إنّ جميع المذاهب الاسلامية اهتمت بفريضة الحج وعدتها شعيرة مهمة من شعائر الدين الحنيف ، وأنها مظهر من مظاهر وحدة الأمة الاسلامية واستقلال كيانها ، وأنه ـ أي الحج ـ مظهر قوة المسلمين وعظمتهم . . .
لكن كثيراً من المسلمين ، ابتعدوا عن أهدافه وجردوه من أصالته ، وألبسوه لباساً شكلياً يهتم بالمظهر الخارجي في أغلب تكاليفه الشرعية ، حتى ظهور المشروع الاصلاحي للامام الخميني رضوان الله تعالى عليه الذي شمل كلّ جوانب الحياة العبادية والسياسية والاجتماعية والروحية . . . الخ .
وكان الامام يتحرك في مشروعه الاصلاحي باتجاه هدف واضح ، وقد أعلن عنه في أكثر من مناسبة ، من خلال توجيهاته وبياناته وخطاباته الموجهة للأمة ولحجاج بيت الله الحرام في موسم الحج من كلّ عام ، وبذلك أثبت صدقية مشروعه من خلال الواقع . . .
وقد حرص على تأكيد دور علماء الدين في الأمة باعتبارهم: «خلفاء الرسل» و«حكاماً على الناس» و«ورثة الأنبياء» 47 .
وذكّر أبناء آدم بشكل عام مبيناً الهدف الرئيسي من إيجاد فريضة الحج في الأماكن المقدسة من مكة ومنى ، قائلا:
«لقد عرفنا نحن ذرية آدم أنّ مكة ومنى أماكن لنشر التوحيد ونفي الشرك ، الذي من مصاديقه التعلّق بالنفس والأعزاء .
لقد تعلّم أبناء آدم من هذه الأماكن الجهاد في سبيل الله ، فعليكم أن تعلموا العالم قيمة الفداء والتضحية ، وقولوا له : إنه في سبيل الله وإقامة العدل الإلهي وقطع أيادي المشركين في هذا الزمان ، يجب أن يخلد الحق بتمامه ببذل أي شيء حتى ولو كان مثل اسماعيل» 48 .
وقال أيضاً:
«إن إبراهيم واسماعيل وولدهم العزيز سيد الأنبياء محمد المصطفى(صلى الله عليه وآله)محطمو الأصنام ومعلمو البشرية أنه يجب تحطيم كلّ الأصنام والأوثان كيفما تكن . وأنّ الكعبة أم القرى على امتدادها وسعتها حتى آخر نقطة من الأرض وحتى آخر يوم في العالم يجب أن تطهّر من دنس الأصنام . أي صنم كان وكيفما كان أكان هياكلَ أو شمساً أو قمراً أو حيواناً أو انساناً أو صنماً» 49 .
ثم يضيف قائلا ومتسائلا:
«أوليست القوى الكبرى في زماننا أصناماً كبيرة سيطرت على العالم ودعته لعبادتها وفرضت نفسها عليه بالقوة والتزوير؟! . . . إنّ الكعبة المعظمة هي المركز الأوحد لتحطيم هذه الأصنام وتطهير هذه البقاع من كلّ أنواعها . . . قال الله تعالى: { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطائفين والقائمين والركّع السجود} 50» 51 .
وكان ما نسجه الامام في مشروعه على منوال أجداده السابقين من آل البيت ـ صلوات الله عليهم جميعاً ـ فكان هدف الحج لديه واضحاً كوضوح الشمس في رابعة النهار ، كما كان لديهم ، فقد تحدث الامام جعفر الصادق(عليه السلام) عن منافع الحج وفوائده بإجابته البليغة عن سؤال أحد أصحابه (هشام بن الحكم) .
قال هذا الصحابي الجليل للامام يسأله: ما العلة التي من أجلها كلّف الله العباد بالحج والطواف بالبيت؟
فقال(عليه السلام): «إنّ الله خلق الخلق . . . الى أن قال ـ وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين ، ومصلحتهم من أمر دنياهم ، فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب ، ليتعارفوا ، ولينزع كلّ قوم من التجارات من بلد الى بلد ، ولينتفع بذلك المكاري والجمال ، ولتعرف آثار رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وتعرف أخباره ، ويذكر ولا ينسى . . . الخ» 52 .
وعن الامام الرضا(عليه السلام) قال: «إنما اُمروا بالحج لعلة الوفادة الى الله عزوجل ، وطلب الزيادة ، والخروج من كلّ ما اقترف العبد ، تائباً مما مضى ، مستأنفاً لما يستقبل ، . . . وحظر النفس عن اللذات ، دائماً مع الخضوع والاستكانة والتذلل مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع ، لجميع من في شرق الأرض وغربها ، ومن في البر والبحر ممن يحج وممن لم يحج ، من بين تاجر ، وجالب ، وبائع ، ومشتر ، وكاسب ، ومسكين ، ومكار ، وفقير ، وقضاء حوائج أهل الأطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيه ، مع ما فيه من التفقه ، ونقل أخبار الأئمة الى كل صقع وناحية ، كما قال الله عزّوجلّ { . . . فلولا نفرَ من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} 53{وليشهدوا منافع لهم} 54 . .
وبهذا خرجت فريضة الحج من جمودها وسكونها الى الحج المتحرك الهادف الذي أراده الله تعالى لبني البشر في سبيل بناء الروح وتكامل الذات ، ومن ثم بناء مجتمع متكامل الأبعاد .