البُعد الاقتصادي
والحج بما هو
تجمع بشري ضخم ، يستقطب الملايين من المسلمين ، يأتون {رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فحجّ
عميق} 41 ،
فهو ينتج حركة بشرية هائلة ، يتبعها تحرك اقتصادي ومالي ضخم ، عن
طريق النقل ، والاستهلاك ، وحمل البضائع ، وتبادل
النقود ، وشراء الأضاحي والحاجيات ، ومستلزمات الحج والإقامة
والسفر ، فينتفع العديد من المسلمين ويشهد مجتمعهم حركة اقتصادية ومالية
نشطة .
والحالة الاقتصادية ترتبط
ارتباطاً وثيقاً بالمجتمع ، وما يشهد من منافع يمكن تحقيقها من خلال
الحج في الحياة الفردية والاجتماعية الى جانب الروح العبادية المتمثلة بذكر
الله تعالى في الأيام المعلومات وذلك في قوله تعالى:
{ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم
الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا
البائس الفقير} 42 .
وكذلك في قوله
تعالى: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلا من
ربكم} 43حيث
توهم البعض أنّ الاكتساب في أيام الحج حرام ، فأزال الله سبحانه هذا
الوهم وبين أنّ الاكتساب لا يتنافى مع الإخلاص في أعمال الحج 44 .
ولم يغفل
الامام الخميني(قدس سره) البعد الاقتصادي للحج فقد اصدر بياناً بمناسبة موسم
الحج قال فيه:
«اخواني
وأخواتي:
إنكم تعرفون
أنّ القوى الكبرى الشرقية والغربية تنهب جميع ثرواتنا المادية والمعنوية وقد
جعلونا في حالة فقر وحاجة ، سواء من الناحية السياسية أم الاقتصادية أم
الثقافية ، عودوا الى أنفسكم واسترجعوا شخصيتكم الاسلامية . لا
تخضعوا للظلم وافضحوا ـ بكلّ حذر ـ المؤامرات المشؤومة للناهبين الدوليين
وعلى رأسهم أمريكا» 45 .
هذا وقد اكد
الامام الخميني على الجانب الاقتصادي للحج رامياً الى عدم تقديم العمل
التجاري على مبادئ وأوليات وأساسيات الحج ، حيث يجب أن
لا تطغى العمليات التجارية على أصالة الحج ، وإلاّ فالتجارة
أيام الحج مباحة شرعاً ، لكن المفروض أن لا تتغلب على الجانب الروحي
والمعنوي والشرعي ، وفي هذا المجال اكد الامام هذا المعنى معبّراً أنّ
العمل التجاري من أمور الدنيا . . . فقد قال لحجاج بيت الله
الحرام محذراً:
«يا حجاج بيت
الله الحرام! انتبهوا الى أنّ السفر الى الحج ليس سفراً للتجارة ، وليس
سفراً لتحصيل أمور الدنيا ، وإنما هو سفر الى الله . أنتم ذاهبون
الى بيت الله الحرام ، فأتموا كلّ الأمور والأعمال المطلوبة منكم بطريقة
إلهية . . . معاذ الله أن تجعلوا هذا السفر سفراً
للتجارة ، وأن يكون ميداناً تبيحوا فيه الامور والمسائل التجارية فيما
بينكم» 46 .