البُعد الثقافي
الحج يمنح
المجتمعات الإنسانية مصدراً مستمراً من مصادر الكسب الثقافي الناتج عن تفاعل
الأفراد من مختلف الثقافات والطبائع البشرية ، وذلك عن طريق تقريب
الأفراد ـ بأجناسهم المتباينة ـ في المكان الواحد في الوقت المعين ;
ليتشاوروا في أمور دينهم وعقيدتهم وحياتهم ، ويتبادلوا الخبرات والتجارب
والآراء والعادات الحسنة ، ويتعرف بعضهم على أخبار البعض الآخر ،
فيزداد الوعي ، وتنمو المعرفة ، وتشحذ الهمم من أجل الاصلاح
والتغيير والاهتمام بشؤون الأمة والعقيدة {ليشهدوا منافع لهم} 36 .
وقد بين
الامام(قدس سره) أنّ الحج فرصة ثمينة لتشترك أفكار المسلمين لنشر الثقافة
الاسلامية والقرآنية ، وحذّر من تسرب الثقافة الغربية الى الشعوب
المسلمة ، فقال:
«اليوم حيث
نشبت براثن الاستعمار الخبيثة ـ بسبب تهاون وتساهل الشعوب الاسلامية ـ في
أعماق الأرض المترامية لأمة القرآن ، لتنهب جميع الثروات الوطنية
والخيرات الطائلة ، ولتنشر الثقافة الاستعمارية المسموعة في أعماق
وقصبات العالم الاسلامي ، ولتقضي على ثقافة القرآن ، وتجنّد الشباب
أفواجاً لخدمة الأجانب المستعمرين ، وتطلع علينا كلّ يوم بنغمة جديدة
وبأسماء خادعة تضلّ بها شبابنا . في مثل هذه الظروف عليكم ، يا
أبناء الأمة الأعزاء المجتمعين لأداء مناسك الحج في أرض الوحي هذه ، أن
تستثمروا الفرصة وتفكروا في الحل ، وأن تتبادلوا وجهات النظر وتتفاهموا
لحل مسائل المسلمين المستعصية» 37 .
ثم قال ـ قدّس
سره الشريف ـ في مناسبة أخرى للحج:
«من المسلّم
أن حجاً دون معرفة ووعي ودون روح ودون حركة ونهوض ، وحجاً دون
براءة ، وحجاً دون وحدة ، وحجاً لا ينتج هدماً للكفر والشرك ،
ليس حجاً ، وخلاصة الأمر أنه يجب على جميع المسلمين السعي لأجل تجديد
حياة الحج والقرآن وإعادتهما ثانية الى ساحة حياتهم ، وعلى المحققين
المؤمنين بالاسلام أن يبينوا التفاسير الصحيحة والواقعية لفلسفة الحج ،
ويرموا في البحر كل نسيج خرافات وادعاءات علماء البلاط» 38 .
وقال
أيضاً:
«إنني أوصي
جميع العلماء المحترمين والكتاب والمتحدثين الملتزمين أن يوضّحوا لجميع
المسلمين وخاصة الحجاج منهم أهداف هذه الفريضة المقدسة ، كما أني أوصيهم
بتعليم مناسك الحج وكيفية أدائها بشكلها الصحيح حتى يكون عملهم خالياً من
الأخطاء . وعدم الاكتفاء بأننا أدينا الفريضة وأنجزنا الواجب كيفما
كان ، فإن الأخطاء في هذه الفريضة تترك آثاراً واشكالا على صحتها قد
تكلفهم وقتاً وجهداً مضاعفاً لتصحيحها» 39 .
وأيضاً خاطب
العلماء وحملهم المسؤولية في إيقاظ المسلمين في هذا الاجتماع الكبير ،
فقال:
«وعلى العلماء
المشاركين في هذا الاجتماع ، من أي بلد كانوا ، أن
يصدروا ـ بعد تبادل وجهات النظر ـ بيانات صريحة واضحة لإيقاظ
المسلمين ، وأن يوزعوها في مهبط الوحي بين أبناء الأمة الاسلامية ،
ثم ينشروها في بلدانهم بعد عودتهم» 40 .
كان الامام(قدس
سره) متيقناً أنّ التلاقح الفكري للمسلمين في موسم الحج سيعطي ثماراً
جيدة ، لكن أين الأيادي المؤيدة لهذا المشروع الاصلاحي؟!