البعد الفقهي
البعد
الفقهي عند الامام الخميني ـ قدّس سرّه الشريف ـ أحد الأبعاد الكثيرة للحج
التي تحدث عنها الامام في مؤلفاته ، وهو لا شك بُعد أساسي ومحوري قامت
الأبعاد الأخرى لدعمه وتركيزه ، وقد أعطاه المعنى الحقيقي ، فكان
الحج الذي تحدث عنه الامام هو الحج الحقيقي المتكامل المعنى
والأبعاد .
وحيث
إنّ البعد الفقهي محور وأساس لكلّ الأبعاد الأخرى ، وجدنا من المناسب
الحديث عنه ـ مختصراً ـ كما ورد في كتبه
الفقهية . . .
فقد جاء
عنه: أن الحج ركن من أركان الدين وتركه من الكبائر ، وأنه واجب على من
استجمع الشرائط كالبلوغ والعقل والمال والصحة وغيرها ، وتجب في أصل
الشرع مرة واحدة في العمر ، ووجوبه فوري مع تحقق الشرائط ، بمعنى
وجوب المبادرة اليه في العام الأول من الاستطاعة ولا يجوز تأخيره1 .
ولو
توقف إدراكه على مقدمات بعد حصول الاستطاعة في السفر وتهيئة أسبابه ،
وجب تحصيلها على وجه يدركه في ذلك العام2 .
ويجب
الحج بالنذر والعهد واليمين ، ويشترط في انعقادها: البلوغ والعقل والقصد
والاختيار3 .
ويحج عن
الميت إذا أوصى بالحج أُخرج من الأصل لو كان واجباً ، إلاّ أن يصرح
بخروجه من الثلث فأخرج منه ، فإن لم يفِ أخرج الزائد من الأصل ،
ولا فرق في الخروج من الأصل بين حجة الاسلام والحج النذري والافسادي ،
وأُخرج من الثلث لو كان ندبياً ، ولو لم يعلم كونه واجباً أو مندوباً
فمع قيام قرينة أو تحقق انصراف فهو ، وإلاّ فيخرج من الثلث إلاّ أن يعلم
وجوبه عليه سابقاً وشك في أدائه فمن الأصل4 .
ويستحب
لفاقد الشرائط من البلوغ والاستطاعة وغيرهما أن يحج مهما أمكن ، وكذا من
أتى بحجه الواجب ، ويستحب تكراره بل في كلّ سنة بل يكره تركه خمس سنين
متوالية ، ويستحب نية العود اليه عند الخروج من مكه ، ويكره نية
عدمه .
ويستحب
التبرع بالحج عن الأقارب وغيرهم أحياءً وأمواتاً ، وكذا عن
المعصومين(عليهم السلام) أحياءً وأمواتاً ، والطواف عنهم(عليهم السلام)
وعن غيرهم أمواتاً وأحياءً مع عدم حضورهم في مكة أو كونهم معذورين ،
ويستحب احجاج الغير استطاع أم لا ، ويجوز إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع
الحج ليحج بها .
ويستحب
لمن ليس له زاد وراحلة أن يستقرض ويحج إذا كان واثقاً بالوفاء ، ويستحب
كثرة الانفاق في الحج ، والحج أفضل من الصدقة بنفقته .
لا يجوز
الحج بالمال الحرام ، ويجوز بالمشتبه كجوائز الظلمة مع عدم العلم
بحرمتها ، ويجوز إهداء ثواب الحج الى الغير بعد الفراغ عنه ، كما
يجوز أن يكون ذلك من نيته قبل الشروع فيه ، ويستحب لمن لا مال له يحج به
أن يأتي بالحج ولو باجارة نفسه عن غيره5 .
اما
محرمات الحج ومكروهاته فقد ذكر الامام(رضي الله عنه) أن المحرمات
هي:
الأول: صيد البر اصطياداً وأكلا ـ ولو
صاده محل ـ وإشارة ودلالة واغلاقاً وذبحاً وفرخاً وبيضه ، فلو ذبحه كان
ميتة على المشهور وهو أحوط ، والطيور حتى الجراد بحكم الصيد
البري ، والأحوط ترك قتل الزنبور والنحل إن لم يقصد
إيذاءه .
الثاني: النساء وطأً وتقبيلا ولمساً
ونظراً بشهوة ، بل كل لذة وتمتع منها .
الثالث: إيقاع العقد لنفسه أو لغيره ولو
كان محلا ، وشهادة العقد وإقامتها عليه على الأحوط ولو تحملها محلا وإن
لا يبعد جوازها ، ولو عقد لنفسه في حال الاحرام حرمت عليه دائماً مع
علمه بالحكم ، ولو جهله فالعقد باطل لكن لا تحرم عليه دائماً .
والأحوط ذلك سيما مع المقاربة .
الرابع: الاستمناء بيده أو غيرها بأية
وسيلة ، فإن أمنى فعليه بدنة والأحوط بطلان ما يوجب الجماع
بطلانه . .
الخامس: الطيب بأنواعه حتى الكافور صبغاً
وإطلاءً وبخوراً على بدنه أو لباسه ، ولا يجوز لبس ما فيه رائحته ،
ولا أكل ما فيه الطيب كالزعفران ، والأقوى عدم حرمة الزنجبيل
والدارصيني . .
السادس:
حرمة لبس المخيط للرجال كالقميص والسراويل والقباء
وأشباهها .
السابع: لا يجوز الاكتحال بالسواد إن كان
فيه الزينة وإن لم يقصدها .
الثامن: النظر في المرآة من غير فرق بين
الرجل والمرأة .
التاسع: لبس ما يستر جميع ظهر القدم كالخف
والجورب وغيرهما ، ويختص ذلك بالرجال ولا يحرم على
النساء .
العاشر: الفسوق ، ولا يختص
بالكذب ، بل يشمل السباب والمفاخرة أيضاً وليس في الفسوق كفارة ،
بل يجب التوبة عنه ، ويستحب الكفارة بشيء ، والاحسن
الذبح .
الحادي
عشر: الجدال وهوقول «لا والله» و«بلى والله» وكلّ ما هو
مرادف لذلك في أي لغة كان إذا كان في مقام إثبات أمر أو
نفيه .
الثاني
عشر: قتل هوام الجسد من القملة والبرغوث ونحوهما ، وكذا
هوام جسد سائر الحيوانات . . .
الثالث
عشر: لبس الخاتم للزينة واستعمال الحناء
للزينة . . .
الرابع
عشر: لبس المرأة الحلي للزينة ، ولا بأس بما كانت
معتادة به قبل الاحرام .
الخامس
عشر: التدهين وإن لم يكن فيه طيب .
السادس
عشر: إزالة الشعر كثيره وقليله حتى شعرة واحدة عن
الرأس واللحية .
السابع
عشر: تغطية الرجل رأسه بكلّ ما يغطيه حتى الحشيش
والحناء والطين .
الثامن
عشر: تغطية المرأة وجهها بنقاب وبرقع
ونحوهما .
التاسع
عشر: التظليل فوق الرأس للرجال دون
النساء . . .
العشرون: إخراج الدم من بدنه ولو بنحو
الخدش أو المسواك . .
الحادي
والعشرون: قلم الأظفار وقصّها كلا أو بعضاً من اليد أو
الرجل .
الثاني
والعشرون: قلع الضرس ولو لم يدم على الأحوط ، وفيه شاة
على الأحوط .
الثالث
والعشرون: قلع الشجر والحشيش النابتين في الحرم
وقطعهما .
الرابع
والعشرون: لبس السلاح على الأحوط كالسيف والخنجر والطبنجة
ونحوها مما هو آلات الحرب إلاّ لضرورة ، ويكره حمل السلاح إذا لم يلبسه
إن كان ظاهراً ، والأحوط الترك6 .
هذا وقد
تناول الامام ـ قدّس سرّه الشريف ـ كلّ ما يتعلق بالحج من الناحية
الفقهية ، لكننا نكتف بهذا المقدار ولغرض منهجي .
والجدير
بالذكر أنّ الامام ركز على أهم مقومات الحج ، كما ركّز العلماء الآخرون
عليه ، لكنه تميز أن فرّع من تلك المقومات الشرعية أبعاداً أبعدَ مدًى
من المادة الفقهية والشرعية ، فأقام أسساً جديدة جمع من خلال المادة
الفقهية بالحياة العملية للانسان ، فأخرج بذلك الحج من الفكرة النظرية
المجردة الى واقع عملي يعيشه الانسان بكلّ جوارحه ، وذلك هو ما مارسهُ
الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام)عندما كانوا يعتبرون الحج قاعدة حوار فكري
وساحة تربوية ومدرسة علم ومعرفة لكل أبعاد الحياة وساحة صراع مع شياطين الانس
والجن ، بل كانوا(عليهم السلام)يعتبرون الحج الساحة التي يريدون للأمة
المسلمة أن تسير في خطّها الاسلامي المستقيم ، في خطة توجيهية عملية
شاملة .