البُعد الاجتماعي
الحج ذلك
المؤتمر الكبير الذي يجتمع فيه الملايين من المسلمين في كلّ عام ،
وأغلبهم حريصٌ على أن يكون على أتم أشكال الطهارة البدنية والروحية ،
ولا شك أن هؤلاء الأفراد ـ بسبب شروط الحج في البلوغ والعقل ـ لديهم القابلية
الفكرية والاستعداد الروحي والذاتي على استيعاب وتقبل شروط ومفردات التغير
الاجتماعي . . .
يقول الامام
الخميني(قدس سره) في هذا المجال: «اِعلموا
أيها المسلمون ، أن هذا التجمع الكبير ، الذي ينعقد كلّ عام بأمر
من الله تبارك وتعالى ، يفرض عليكم ـ بصفتكم أمة مؤمنة ذات عقيدة راسخة
ـ أن تبذلوا جهودكم في سبيل تحقيق أهداف الاسلام السامية وشريعته
الغراء ، وفي سبيل تقدم المسلمين وتضامنهم ووحدتهم الشاملة»
24 .
وهذا المؤتمر
الالهي لا يعطي ثماره ولا يسمو الى الهدف الاسلامي المطلوب ، إلاّ إذا
عرف الحاضرون فيه والمدعوون اليه كيف يتصرفون ويستخدمونه «لتبادل الآراء في حل مشاكلهم العامة أولا ،
ومشاكل بلادهم الاسلامية ثانياً ، وليتعرفوا على ما يحلّ بإخوانهم
المسلمين في بلادهم من أساليب المستعمر ، وماذا يجري عليهم من مصائب
وآلام»25
و«الآن حيث يجتمع مسلمو العالم من البلاد المختلفة حول كعبة
الآمال وحج بيت الله ; للقيام بهذه الفريضة الإلهية
العظيمة ، وعقد هذا المؤتمر الاسلامي الكبير في هذه الأيام
المباركة ، فإنّ على المسلمين الذين يتحملون رسالة الله تعالى ، أن
يستفيدوا من المحتوى السياسي والاجتماعي للحج بالاضافة الى المحتوى العبادي
منه ولا يكتفوا بالمظهر»26 .
وقد دعا
الامامُ المسلمين في كافة قارات العالم المدعوين الى مؤتمر السماء وحثهم على
الوحدة الاسلامية ووحدة الكلمة والتعاون والاعتصام بحبل الله المتين وعدم
التفرقة قائلا: «أيها المسلمون في العالم
ويا أتباع مبدإ التوحيد: إنّ سبب كلّ المشاكل في البلاد الاسلامية هو اختلاف
الكلمة وعدم التعاون ، ورمز الانتصار هو وحدة الكلمة وايجاد
التعاون . قال تعالى في جملة واحدة : { واعتصموا
بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}27 . . .
الاعتصام بحبل الله بيان لتعاون المسلمين ، كونوا جميعاً للاسلام
وتوجهوا الى الاسلام ولصالح المسلمين ، وابتعدوا عن
التفرقة والخلاف الذي هو أساس مشاكلنا وتخلّفنا»28 .
وقال(قدس سره)
أيضاً: «إنّ الحج يمثل أفضل مكان لتعارف
الشعوب الاسلامية ، حيث يتعرف المسلمون على إخوانهم وأخواتهم في الدين
من شتّى أنحاء العالم ، ويلتقون مع بعضهم في البيت الذي تتعلق به كلّ
المجتمعات الاسلامية من أتباع إبراهيم الحنيف» 29 .
فالحج إذن محل
اجتماع المسلمين أسودهم وأبيضهم ، عربيهم وأعجميهم ، غنيهم
وفقيرهم ، رئيسهم ومرؤوسهم ، رجالهم ونسائهم ، كلّ ذلك يدلّ
على أنّ من مقاصد الحج هو تقريب الأفراد من مختلف الأجناس والمواطن نحو بعضهم
البعض ، حتى يتم تفاعلهم الاجتماعي وهم في أسمى درجات العبادة والتنسك
والابتهال والدعاء في مجتمع التوحيد الاسلامي وبالقرب من بيت المعبود
والمحبوب .
ولا شك أنّ هذا
ينسجم تماماً مع أهداف الرسالة الاسلامية في إقامة دولة التوحيد العالمية
المنسجمة على كلّ الأصعدة الحياتية .
يقول الامام
الخميني(قدس سره) في بيانه الى حجاج بيت الله الحرام:
«ليعلم الاخوة أهل السُنة في جميع البلدان الاسلامية أنّ
المأجورين المرتبطين بالقوى الشيطانية الكبرى لا يستهدفون خير الاسلام
والمسلمين . وعلى المسلمين ان يتبرأوا منهم ويعرضوا عن اشاعاتهم
المنافقة»30 .
ثم يضيف قائلا:
«إنّي أمد يد الأخوة الى جميع المسلمين
المتلزمين في العالم ، وأطلب منهم أن ينظروا الى الشيعة باعتبارهم أخوة
اعزاء لهم ، وبذلك نشترك جميعاً في إحباط هذه المخططات المشؤومة» 31 .
وقال أيضاً:
« . . . وتجنبوا التفرقة
والتنازع : { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب
ريحكم . . . }32 . . .» 33 .
وخاطب
الكتّاب والخطباء المجتمعين مع إخوانهم في عرفات ومنى والمشعر وغيرها ،
قائلا:
«أيها الكتّاب
والخطباء: أُذكروا قضاياكم الاجتماعية والسياسية لاخوانكم المؤمنين أثناء
الاجتماعات الكبيرة في عرفات ومشعر ومنى ومكة المعظمة والمدينة المنورة
واطلبوا منهم العون» 34 .
وقد يعرّف
الامام الحج بأنه نداء لايجاد وبناء المجتمع البعيد عن الرذائل المادية
والمعنوية ، وأنّ مناسكه تجل عظيم لحياة كريمة ومجتمع متكامل في هذه
الدنيا ، وانه يتواصل فيه مجتمع المسلمين من أي قومية كانوا ويصبحوا
يداً واحدة ، وأنه كذلك ساحة عرض ومرآة صادقة للاستعدادات والقابليات
المادية والمعنوية للمسلمين 35 .