البُعد السياسي
إنّ
أغلب خطابات الامام(رضي الله عنه) السنوية لحجاج بيت الله الحرام كانت تتناول
البُعد السياسي بالخصوص بعد انتصار الثورة الاسلامية في
ايران . . . كان يعرض فيها قضايا الأمة الكبرى
ومشاكلها ، مستنهضاً المسلمين الى وجوب التحرك الشامل للتصدي بها ،
داعياً إياهم الى الوحدة في العمل والصف والأهداف تحت راية الاسلام للتخلص من
الظلم والاستضعاف والتخلف والتبعية للاستكبار العالمي ، والسعي الى
تحقيق ما من شأنه تعزيز ونشر قيم الله وأحكامه في الأرض16 .
يقول الامام الخميني(قدس سره): «هناك عوامل
سياسية عديدة وراء عقد الاجتماعات والمجامع وخاصة اجتماع الحج القيم ،
والتي منها التعرف على المشاكل الأساسية والقضايا السياسية للاسلام
والمسلمين ، ولا يمكن ذلك إلاّ باجتماع رجال الدين والمفكرين والملتزمين
الزائرين لبيت الله الحرام ، وذلك بعرض وبتبادل الآراء لإيجاد
الحلول ، وفي العودة الى البلدان الاسلامية يعرضونها في المجامع العامة
ويسعون في رفع وحل مشاكلهم» 17 .
كان
موسم الحج فرصة نادرة; ليوصل الامام(قدس سره) فكره النهضوي لجميع مسلمي
العالم ، فكان يناشد المسلمين في موسم الحج قائلا:
«ماذا دهاكم يا مسلمي العالم ،
أنتم الذين استطعتم أن تحطموا القوى العظمى في صدر الاسلام مع قلة
عددكم ، وأوجدتُم الأمة الاسلامية الكبرى ، واليوم مع ما يقارب من
مليار نسمة وامتلاككم للثروات الكبيرة ، التي هي أكبر حربة أمام
الأعداء ، أصبحتم هكذا أذلاء ضعفاء! هل تعلمون أنّ جميع مصائبكم ناشئة
من الاختلاف والتفرقة بين رُؤساء بلادكم وبالتالي بينكم
أنفسكم .
قوموا من أماكنكم واحملوا القرآن
الكريم بأيديكم واخضعوا لأمر الله تعالى; لكي تعيدوا مجد الإسلام العزيز
وعظمته . تعالوا واستمعوا الى موعظة واحدة من الله عندما
يقول: {قل إنّما
أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى}18 .
قوموا جميعاً لله قياماً فردياً
لمواجهة جنود الشيطان في باطنكم وقياماً جماعياً أمام القوى الشيطانية ;
لذا كان القيام إلهياً وكانت النهضة لله وهي منتصرة 19 .
يا زوار بيت الله: اتحدوا معاً في
المواقف والمشاعر الإلهية ، واطلبوا من الله تعالى غلبة الاسلام
والمسلمين ومستضعفي العالم .
أيها المسلمون وأيها المستضعفون
في العالم; تعاضدوا وتوجهوا الى الله العظيم والجأوا الى الاسلام وانتفضوا ضد
المستكبرين ومنتهكي حقوق الشعوب20 .
ولا نستغرب من الامام(رضي الله عنه) بصفته مرجعاً دينياً أن يتجه هذا الاتجاه
في مفهوم الحج وواقعه العملي ، فإنه كما قال د . سمير سليمان: «إنّ هذه الطروحات التي
رأى الامام موسم الحج من خلالها هي ـ من غير شك ـ انعطاف مفهومي كبير في
اتجاه العودة الى الينابيع والاصول الاسلامية التي لم تكن عبادة الحج فيها
إلاّ مصادر طروحات الامام ومرجعها ، فلم يكن الحج أيام
النبي(صلى الله عليه وآله) إلاّ في الإطار الذي أعاد الامام
رسمه وربطه بالمتغيرات الزمنية والاجتماعية والسياسية المستجدة ، فكان
له في رسول الله(صلى الله عليه وآله) أسوة حسنة عندما قام بمفرده ليرفع لواء التوحيد لصالح
المستضعفين ، في وجه عبدة الاصنام والمستكبرين» 21 .
وقد كان
الامام(رضي الله عنه) جاداً ومخلصاً في توجيه المسلمين كافة وتحويل الحج الى
مؤتمر اسلامي عام ، تعرض فيه المشاكل الصعبة التي يعانيها العالم
الاسلامي في كل بقاع العالم ، كقضية فلسطين وغيرها ، ومعالجة كل
القضايا بصدق وإخلاص ووفاء . . .
ولكن
كانت الظروف أقوى من أن تأخذ هذه الخطوة مجراها الطبيعي ، فقد قوبلت
بالضغط والتعتيم والتشويه والتضيق من قبل الاستكبار
العالمي .
«ولو رجع
المسلمون الى الماضي قليلا ، الى ما عانى النبي الأكرم
(صلى الله عليه وآله) وأئمة الهدى
من الغربة لأجل دين الحق وازهاق الباطل ، لقد استقاموا ووقفوا ولم
يهابوا أو يجزعوا على كثرة التهم والإهانات التي كالتها ألسنة أمثال أبي لهب
وأبي جهل وأبي سفيان . وفي نفس الوقت استمروا وأكملوا طريقهم مع وجود
الحصار الاقتصادي في شعب أبي طالب ، ولم يستسلموا ولم يهنوا ، ومن
بعدها تحمّلوا الهجرة والغربة ومراراتها وآلامها في سبيل دعوة الحق ،
وتبليغ رسالة الله وتواجدوا في الحروب المتتالية وغير المتكافئة ، رغم
المؤامرات وكثرة المنافقين ، قاموا بهداية وإرشاد الناس بهمة عالية
وصلبة حيث شهدت صخور وحصى مكّة والمدينة وصحاريها وجبالها وأزقتها وأسواقها
آثار تبليغ رسالتهم . وإذا ما رفعنا الستار وكشفنا النقاب عن سرّ ورمز
تحقق {فاستقم كما أمرت}22 لعرف وعلم زوّار بيت الله الحرام كم سعى رسول
الله(صلى الله عليه وآله) لأجل هدايتنا وحصول المسلمين على الجنّة» 23 .